وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٢

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى20%

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى مؤلف:
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
الصفحات: 282

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89097 / تحميل: 5618
الحجم الحجم الحجم
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتب العلميّة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

ولأحمد والترمذي من وجه آخر عن أبي سعيد : اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألاه عن ذلك ، فقال : هو هذا ، وفي ذلك ـ يعني مسجد قباء ـ خير كثير ، وأخرجه أحمد من وجه آخر مرفوعا ، وفي العتبية عن مالك ما لفظه : وقال : المسجد الذي ذكر اللهعزوجل أنه أسس على التقوى من أول يوم الآية هو مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا ، أي مسجد المدينة ، ثم قال : أين كان يقوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟ أليس في هذا؟ ويأتونه أولئك من هنالك.

وقد قال الله سبحانه وتعالى :( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً ) [الجمعة : ١١] فإنما هو مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وقد قال عمر بن الخطاب : لو لا أني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو سمعته يريد أن يقدم القبلة ، وقال عمر بيده هكذا ، ما قدمتها ، ثم قدمها عمر موضع المقصورة الآن ، انتهى.

قال ابن رشد في بيانه : ما ذهب إليه مالك مروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذهب قوم إلى أنه مسجد قباء ، فاستدلوا بما روي أن الآية لما نزلت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا معشر الأنصار ، إن الله قد أثنى عليكم خيرا ، الحديث ، قال : ولا دليل فيه ؛ لأن أولئك كانوا في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه كان معمورا بالمهاجرين والأنصار ومن سواهم ، قال : واستدلال مالك بقول عمر المتقدم ظاهر ؛ لأن الله تعالى لما ذكر فيه أنه أسس على التقوى لم يستجز نقض بنائه وتبديل قبلته ، إلا بما سمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ورآه قد أراد أن يفعله.

قلت : ما ذكره مالك من كون مسجد المدينة هو المراد هو ظاهر ما قدمناه ، لكن قوله تعالى( مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ) يقضي أنه مسجد قباء ؛ لأنه ليس المراد أول أيام الدنيا ، بل أول أيام حلولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بدار الهجرة ، وذلك هو مسجد قباء إلا أن يدعى أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم شرع في تأسيس مسجد المدينة أيضا من أول يوم قدومه لها ، أو يقال : المراد من أول يوم تأسيسه ، وسيأتي في مسجد قباء أشياء صريحة في أنه المراد ؛ فتعين الجمع بأن كلا منهما يصدق عليه أنه أسس على التقوى من أول يوم تأسيسه كما هو معلوم ، وأنهما المراد من الآية ، لكن يشكل عليه كون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أجاب عند السؤال عن ذلك بتعيين مسجد المدينة ، وجوابه أن السر في ذلك أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أراد به رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء كما هو ظاهر ما فهمه السائل ، وتنويها بمزية مسجده الشريف لمزيد فضله ، والله أعلم.

فضل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

وفي الصحيحين حديث أبي هريرة «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى».

وعند مسلم : «إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد : الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيلياء».

٢١

وعند أبي داود بلفظ : «ومسجدي هذا».

وفي الكبير والأوسط للطبراني برجال ثقات عن ابن عمر ، وبرجال الصحيح عن أبي الجعد الضّمري «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ، وذكر نحو رواية الصحيحين.

وفي صحيح ابن حبان ومسند أحمد والأوسط للطبراني وإسناده حسن من حديث جابر : «خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق».

وهو عند البزار بلفظ : «خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم ومسجد محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم » ورجاله رجال الصحيح إلا عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد وثقه غير واحد.

فضل الصلاة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرةرضي‌الله‌عنه : «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في ما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» هذا لفظ البخاري ، زاد مسلم : «فإني آخر الأنبياء ، وإن مسجدي آخر المساجد».

قلت : يريد آخر مساجد الأنبياء كما نقله المحب الطبري عن أبي حاتم ، وإلا فهو من أول مساجد هذه الأمة ، وإذا كانت الألف واللام هنا لمعهود ـ وهو مساجد الأنبياء ـ فالألف واللام أيضا في قوله «فيما سواه من المساجد» للعهد ، والمراد مساجد الأنبياء ؛ فيتحصل من معناه أن الصلاة في مسجده أفضل من الصلاة في سائر مساجد الأنبياء بألف صلاة إلا المسجد الحرام ؛ فيقتضي ذلك أن تكون الصلاة بمسجده أفضل من ألف صلاة في بيت المقدس ؛ لأنه من جملة مساجد الأنبياء ، ولم يستثن ، ويدل على ذلك ما رواه البزار عن أبي سعيد قال : ودّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل فقال له : أين تريد؟ قال : أريد بيت المقدس ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام ، وأسنده يحيى بزيادة تسمية الرجل فقال : عن الأرقم أنه تجهز يريد بيت المقدس ، فلما فرغ من جهازه جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يودعه ، وقال فيه : فجلس الأرقم ولم يخرج ، وأسنده ابن النجار عن الأرقم بلفظه : إنني أريد الخروج إلى بيت المقدس ، قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ولم؟ قلت : للصلاة فيه ، قال : هاهنا أفضل من الصلاة هناك ألف مرة ، ورواه الطبراني برجال ثقات عن الأرقم بلفظ : صلاة هاهنا خير من ألف صلاة ثم.

وقد روى أبو يعلى برجال ثقات عن ميمونة قالت : يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس ، قال : أرض المحشر ، وأرض المنشر ، ائتوه فصلوا فيه ، فإن صلاة فيه كألف صلاة ـ أي في غيره من مساجد الأنبياء قبله ، ومساجد غير الأنبياء ما عدا المسجدين ـ لقيام الدليل على ذلك ؛ فتكون الصلاة بمسجد المدينة خيرا من ألف ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، فأما المسجد الأقصى فإنها أفضل من ألف صلاة فيه

٢٢

فقط ، ولا يعلم قدر زيادتها في الفضل على ذلك إلا الله تعالى ، ولمثل هذا تضرب آباط الإبل ، وتستحق الرحلة ، ولا يعكر على ذلك ما رواه أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة وعائشة قالا : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى» لأن المحفوظ إنما هو استثناء المسجد الحرام ، وحديث أبي هريرة في الصحيح خلا قوله : «إلا المسجد الأقصى» وهو معارض بما تقدم ، ولأن الهيثمي أورده في مجمع الزوائد ثم قال : رواه أحمد ، وأعاده بعد هذا بسنده فقال : إلا المسجد الحرام ، فاتضح بذلك ما قلناه.

وأما المسجد الحرام فاختلف الناس في معنى استثنائه ، فذهب مالك في رواية أشهب عنه ـ وقاله ابن نافع صاحبه وجماعة من أصحابه ـ إلى أن معنى الاستثناء أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة ، إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل من الصلاة فيه بدون الألف ، وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بمائة صلاة ، وحمل على ذلك الاستثناء في الحديث المتقدم ، واحتجوا برواية سليمان بن عتيق عن ابن الزبير عن عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه : «صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في ما سواه» فيأتي فضيلة مسجد الرسول عليه بتسعمائة ، وعلى غيره بألف ، وتعقّب بأن المحفوظ بالإسناد المتقدم «صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا مسجد الرسول فإنما فضله عليه بمائة صلاة».

قلت : وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة مرفوعا : «صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في غيره» لكن فيه سويد بن عبد العزيز ، قال البخاري : في حديثه نظر لا يحتمل ، وقد صح ما يقتضي رد ما ذهب إليه هؤلاء ؛ فقد روى أحمد والبزار وابن خزيمة برجال الصحيح من طريق حبيب المعلم عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا» زاد ابن خزيمة : «يعني في مسجد المدينة» لكن لفظ البزار : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام فإنه يزيد عليه بمائة» وهي محتملة لأن يكون الضمير في «فإنه يزيد» لمسجده أو للمسجد الحرام ، وقد صحح ابن عبد البر حديث أحمد ، وقال : هو الحجة عند التنازع ، نص في موضع الخلاف ، قاطع له عند من ألهم رشده ، ولم تمل به العصبية ، قال : ولا مطعن فيه إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب ، وقد كان الإمام أحمد يمدحه ، ويوثقه ، ويثنى عليه ، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ، ولم يرو عنه القطان ، وروى عنه أئمة ثقات يقتدى بهم ، ومنهم من أعله باختلاف على عطاء ؛ لأن قوما يروونه عنه عن ابن

٢٣

الزبير ، وآخرين يروونه عنه عن ابن عمر ، وآخرين عنه عن جابر ، ومن العلماء من يجعل مثل هذا علة في الحديث ، وليس كذلك ؛ لأنه يمكن أن يكون عن عطاء عنهم ، والواجب أن لا يدفع خبر نقله العدول إلا بحجة.

قال البزار : هذا الحديث قد روى عن عطاء ، واختلف على عطاء فيه ، ولا نعلم أحدا قال بأنه يزيد على مسجد المدينة مائة إلا ابن الزبير ، وقد تابع حبيبا المعلم الربيع بن صبيح ؛ فرواه عن عطاء عن ابن الزبير ، ورواه عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عمر ، ورواه ابن جريح عن عطاء بن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عائشة ، ورواه ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة ، انتهى.

وقال الذهبي في مختصر سنن البيهقي : إسناده صالح ، ولم يخرجه أصحاب السنن.

قلت : هذا أمر آخر ، وهو أن الحديث المذكور لما اختلف لفظه على وجهين أحدهما ليس نصا في الدلالة كما قدمناه احتمل أن تكون الرواية في الواقع به ، ومن رواه بالوجه الآخر رواه بالمعنى بحسب فهمه ، إلا أن وروده من الطرق الأخرى بذلك اللفظ توهن هذا الاحتمال ، وعلى تقدير ثبوته فهو من ابن الزبير ، وهو أعرف بفهم مرويه ؛ لأن عبد الرزاق روى عن ابن جريج قال : أخبرني سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول : «صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه» ويشير إلى مسجد المدينة ، وقد قال ابن عبد البر : إن رجال إسناد حديث ابن عمر علماء أجلاء ، ورواه ابن وضاح عن ابن الزبير من كلام عمر بن الخطاب بنفسه ، قال ابن حزم : وسنده كالشمس في الصحة ، وروى ابن أبي خيثمة عن أبيه حدثنا مسلم عن الحجاج عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال : الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة ضعف ، قال : فنظرنا فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف صلاة ، قال ابن عبد البر وابن حزم : فهذان صحابيان جليلان يقولان بفضل المسجد الحرام على مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا مخالف لهما من الصحابة ؛ فصار كالإجماع منهم على ذلك.

وفي ابن ماجه من حديث جابر مرفوعا : «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» وفي بعض النسخ : «من مائة صلاة فيما سواه» فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة ، وعلى الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة لما تقدم عن جابر.

قلت : وقد روى يحيى حديث الصحيحين المتقدم عن جبير بن مطعم بلفظ : «إن صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد غير الكعبة» وفي رواية النسائي وغيره «إلا مسجد الكعبة» ولهذا ذهب بعضهم إلى أن المراد من المسجد الحرام

٢٤

الكعبة ، وبه قال العمراني من أصحابنا وغيره ، وروى البزار عن عائشة حديث : «أنا خاتم الأنبياء ، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء ، أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل المسجد الحرام ومسجدي ، وصلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام».

وروى ابن ماجه مرفوعا برجال ثقات إلا أبا الخطاب الدمشقي فهو مجهول : «صلاة الرجل في بيته بصلاة ، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته في المسجد الذي تجمع فيه بخمس مائة صلاة ، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة» وهو يقتضي أن الصلاة بمسجد المدينة مساوية لمسجد بيت المقدس ، وأنهما معا على النصف من الصلاة بالمسجد الحرام ، وهو مخالف لما في الصحيح ، مع أن مفهوم العدد ليس بحجة ؛ فلا ينفي ما ثبت من الزيادة لمسجد المدينة على مسجد بيت المقدس سيما بالطريقة التي قدمناها.

وفي الطبراني ـ وهو حسن ، وفي بعض رجاله كلام ـ عن أبي الدرداء مرفوعا : «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي بألف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة» ورواه ابن خزيمة في صحيحه بنحوه ، والبزار وحسنه ، وقال المجد : أخرجه الترمذي وقال : حسن غريب ، قال : ولا نعلم حديثا يشتمل على فضيلة الصلاة بالمساجد الثلاثة خصوصا(١) سواه مما يصح عند الاعتبار معناه.

قلت : لم أره في الترمذي ، وقد ساقه ابن عبد البر محتجا به ، وهو غير مانع مما قدمناه من كون الصلاة بمسجد المدينة أفضل من ألف صلاة بمسجد بيت المقدس ؛ لأن العدد لا ينفي الزائد ، وكذا حديث الأوسط للطبراني برجال الصحيح عن أبي ذر : تذاكرنا ونحن عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أيما أفضل مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو بيت المقدس؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى هو» وقد يقال في ذلك كما قيل في نظائره من احتمال أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر أولا ببعض ذلك بحسب ما أوحى إليه ، ثم أعلم بالزيادة ، ويكون حديث الأقل قبل حديث الأكثر ، ثم تفضل الله بالأكثر شيئا بعد شيء ، ومحصله ما قررناه من الأخذ بالزائد ، ويحتمل أن ينزل تلك الأعداد على اختلاف الأحوال ؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى غير نهاية.

__________________

(١) المساجد الثلاثة : هي الأقصى ، ومسجد المدينة ، والمسجد الحرام.

٢٥

هل فضل الصلاة في المساجد الثلاثة يختص بالفرض؟

ونقل الزركشي في أعلام المساجد عن الكبير للطبراني بسند فيه مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا بعشرة آلاف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بعشرة أمثالها مائة ألف صلاة ، وصلاة الرجل في بيت المقدس بألف صلاة ، وصلاة الرجل في بيته حيث لا يراه أحد أفضل من ذلك كله».

قلت : وهو ضعيف ، ولم يورده الهيثمي في مجمعه في فضل الصلاة في المساجد الثلاث.

وهذه المضاعفة المذكورة في هذه المساجد لا تختص بالفريضة ، بل تعم الفرض والنفل ، كما قال النووي في شرح مسلم إنه المذهب.

قال الزركشي : وهو لازم تعليل الأصحاب استثناء النفل بمكة في الأوقات المكروهة بمزيد الفضيلة.

وقال الطحاوي من الحنفية : هو مختص بالفرض ، وفعل النوافل بالبيت أفضل ، وإليه ذهب ابن أبي زيد من المالكية ، وهو المرجح عندهم ، وفرق بعضهم بين أن يكون المسجد خاليا أم لا.

فإن قيل : كيف تقولون إن المضاعفة تعم الفرض والنفل وقد تطابقت الأصحاب ونص الحديث الصحيح على أن فعل النافلة في بيت الإنسان أفضل؟

قلنا : لا يلزم من المضاعفة في المسجد أن يكون أفضل من البيت كما قاله الزركشي وغيره ، وغاية الأمر أن يكون في المفضول مزية ليست في الفاضل ، ولا يلزم من ذلك جعله أفضل ؛ فإن للأفضل مزايا إن كان للمفضول مزية ، ولهذا بحث التاج السبكي مع أبيه في صلاة الظهر بمنى يوم النحر إذا جعلنا منى خارجة عن محل المضاعفة : هل يكون أفضل من صلاتها في المسجد لأنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فعلها بمعنى يومئذ أو في المسجد للمضاعفة؟ فقال والده : بل في منى وإن لم يحصل بها المضاعفة ؛ فإن في الاقتداء بأفعال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يربو على المضاعفة ، على أن الحافظ ابن حجر ذكر ما يقتضي إثبات المضاعفة للتنفل في البيوت بالمدينة ومكة ، عملا بعموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» فقال : وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أن ذلك ـ يعني التضعيف ـ مختص بالفرائض ؛ لحديث : «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ويمكن أن يقال : لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه ؛ فتكون النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما ، وكذا في المسجدين ، وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا.

٢٦

مرجع مضاعفة فضل الصلاة

ثم إن التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب بتلك الأعداد ، لا إلى الإجزاء ، باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره ؛ فلو كانت صلوات فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة ، وقد أوهم كلام أبي بكر النقاش في تفسيره خلاف ذلك ؛ فإنه قال : حسبت الصلاة في المسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام عمر خمسة وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة ، اه. وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة والسواك ونحوه ، لكن هل تجمع التضعيفات أولا؟ محل بحث.

هل يختص التضعيف بالصلاة؟

قلت : وينبغي أن لا يختص هذا التضعيف بالصلاة ، بل سائر أنواع الطاعات كذلك قياسا على ما ثبت في الصلاة ، كما صرحوا به في مسجد مكة المشرفة ، وصرح به فيما يتعلق بالمدينة صاحب الانتصار أبو سليمان داود من المالكية ، ثم رأيته في كلام الغزالي في الإحياء كما قدمناه في فضل الخصائص ، ويشهد له ما في الكبير للطبراني عن بلال بن الحارث قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها من البلدان ، وجمعة بالمدينة خير من ألف جمعة فيما سواها من البلدان» ونقل المجد عن أبي الفرج الأموي أنه أخرجه بسنده عن ابن عمر.

قلت : ورواه ابن الجوزي في شرف المصطفى عن ابن عمر أيضا بلفظ : «صيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواها ، وصلاة الجمعة بالمدينة كألف صلاة فيما سواها».

وروى البيهقي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام» ورواه أيضا عن ابن عمر بنحوه.

وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فإذا ضمت إلى ما قدمناه من القياس على الصلاة ثم الاستدلال ، وقد قدمنا في حدود مسجدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الخلاف المذكور في المراد بقولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صلاة في مسجدي هذا» ، وترجيح أن ذلك يتناول ما زيد فيه.

وروى أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات عن أنس بن مالك حديث : «من صلى

٢٧

في مسجدي أربعين صلاة» زاد الطبراني : «لا تفوته صلاة كتب له براءة من النار ، وبراءة من العذاب ، وبرئ من النفاق». تقدم هذا الحديث بدون زيادة الطبراني ، وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ.

وروى ابن المنذر وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدي فرجل تكتب حسنة ورجل تحط عنه خطيئة».

وقال البيهقي بعد ذكر حديث فضل مسجد قباء ما لفظه : ورواه يوسف بن طهمان عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وزاد : «ومن خرج على طهر لا يريد إلا مسجدي هذا ـ يريد مسجد المدينة ـ ليصلي فيه كانت بمنزلة حجة» وقد أسند ذلك ابن زبالة ومن طريقه ابن النجار عن سهل أيضا ، وفي إسناده طهمان أيضا ، وهو ضعيف عند البخاري وابن عدي ، وذكره ابن حبان في الثقات ، ولفظ ابن زبالة : «من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة في مسجدي حتى يصلي فيه كان بمنزلة حجة» وأسند هو ويحيى عن سهل بن سعد حديث : «من دخل مسجدي هذا يتعلم فيه خيرا أو يعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان كالذي يرى ما يعجبه وهو لغيره» وفي رواية لهما عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : «من دخل مسجدي هذا لا يدخله إلا ليعمل خيرا أو يتعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن دخله لغير ذلك من أحاديث الناس كان بمنزلة من يرى ما يعجبه وهو في يدي غيره».

وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله ، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره» ورواه الطبراني من حديث سعد مرفوعا بمعناه ، إلا أنه قال : «من دخل مسجدي ليتعلم خيرا أو ليعلمه» ورواه ابن حبان في صحيحه بلفظ الطبراني لكن من حديث أبي هريرة.

وأسند ابن زبالة عن زيد بن أسلم قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من دخل مسجدى هذا لصلاة أو لذكر الله أو يتعلم خيرا أو يعلمه كان بمنزلة المجاهد في سبيل الله» ولم يجعل ذلك لمسجد غيره ، وعند يحيى أيضا عن كعب أنه قال : «ما من مؤمن يغدو أو يروح إلى المسجد لا يغدو أو لا يروح إلا ليتعلم خيرا أو يعلمه أو يذكر الله أو يذكّر به إلا كان مثله في كتاب الله كمثل الجهاد في سبيل الله ، وما من رجل يغدو أو يروح إلى المسجد لا يغدو ولا يروح إلا لأخبار الناس وأحاديثهم إلا كان مثله في كتاب الله كمثل الرجل يرى الشيء يعجبه ويرى المصلين وليس منهم ، ويرى الذاكرين وليس منهم» ، وعنده أيضا عن أبي سعيد المقبري عن الثقة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا إخال إلا أن لكل رجل منكم

٢٨

مسجدا في بيته» قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : «فو الله لو صليتم في بيوتكم لتركتم مسجد نبيكم ، ولو تركتم مسجد نبيكم لتركتم سننه ، ولو تركتم سننه إذا لضللتم».

وفي الصحيح من حديث ابن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في غزوة خيبر : «من أكل من هذه الشجرة ـ يعني : الثوم ـ فلا يقربن مسجدنا».

قال الكرماني : قال التيمي : قال بعضهم : النهي إنما هو عن مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ، من أجل ملائكة الوحي ، والأكثر على أنه عام ، انتهى. وقد حكى ابن بطال القول بالاختصاص عن بعض أهل العلم ووهّاه ، والله أعلم.

الفصل السادس في فضل المنبر المنيف ، والروضة الشريفة

روينا في الصحيحين حديث عبد الله بن زيد المازنيرضي‌الله‌عنه : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» زاد البخاري من حديث أبي هريرة : «ومنبري على حوضي».

وروى أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه علي بن زيد وقد وثق عن جابر بن عبد الله مرفوعا : «ما بين بيتي إلى منبري روضة من رياض الجنة ، وإن منبري على ترعة من ترع الجنة».

وروى أحمد برجال الصحيح عن سهل بن سعد مرفوعا : «منبري على ترعة من ترع الجنة» وفيه تفسير الترعة بالباب ، وقيل : الترعة الروضة تكون على المكان المرتفع خاصة ، وقيل : الدرجة.

ورواه يحيى عن أبي هريرة وغيره بلفظ : «على رتعة من رتع الجنة» وكذا هو في رواية لرزين ، وظنه بعضهم تصحيفا فكتب في هامشه «صوابه ترعة» وليس كذلك ، بل معناه صحيح ؛ إذ الرتع الاتساع في الخصب ، والرّتعة ـ بسكون التاء وفتحها ـ الاتساع في الخصب ، وكل مخصب مرتع.

وفي الحديث : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» ، وروى البزار عن معاذ بن الحارث نحوه.

وفي الكبير للطبراني من طريق يحيى الحماني وهو ضعيف عن أبي واقد الليثي مرفوعا : «قوائم منبري رواتب في الجنة» ورواه ابن عساكر وابن النجار ويحيى عن أم سلمة ، وقال المجد : أخرجه عنها النسائي ، وفي رواية لابن عساكر : «وضعت منبري هذا على ترعة من ترع الجنة».

وأسند يحيى عن أبي المعلى الأنصاري وكانت له صحبة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال وهو على المنبر : «إن قدمي على ترعة من ترع الجنة».

٢٩

وعن أبي سعيد الخدري : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو قائم على منبره : «أنا قائم الساعة على عقر حوضي» وفي رواية له : «إني على الحوض الآن».

وأسند ابن زبالة عن نافع بن جبير عن أبيه حديث : «أحد شقي المنبر على عقر الحوض ، فمن حلف عنده على يمين فاجرة يقتطع بها حق امرئ مسلم فليتبوأ مقعده من النار» قال : وعقر الحوض من حيث يصب الماء في الحوض.

وفي سنن أبي داود من حديث جابر مرفوعا : «لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار ، أو وجبت له النار» ، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه.

وروى النسائي برجال ثقات عن أبي أمامة بن ثعلبة مرفوعا : «من حلف عند منبري هذا يمينا كاذبة استحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا».

وفي الأوسط للطبراني وفيه ابن لهيعة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : «منبري على ترعة من ترع الجنة ، وما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة».

وفي الصحيحين حديث ابن عمر : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة».

وروى أحمد برجال الصحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد حديث : «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على حوضي».

وروى البزار برجال ثقات عن سعد بن أبي وقاص حديث : «ما بين بيتي ومنبري ، أو قبري ومنبري ، روضة من رياض الجنة» وفي الأوسط للطبراني وفيه متروك عن أنس بن مالك حديث : «ما بين حجرتي ومصلاي روضة من رياض الجنة» وفي رواية لابن زبالة من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها «ما بين منبري والمصلى» وفي رواية «ما بين مسجدي إلى المصلى روضة من رياض الجنة» ورواه أبو طاهر بن المخلص في انتقائه ويحيى في أخبار المدينة بلفظ : «ما بين بيتي ومصلاي روضة من رياض الجنة» قال جماعة : المراد به مصلى العيد ، وقال آخرون : مصلاه الذي يصلي فيه في المسجد ، كذا قاله الخطابي.

قلت : ويؤيد الأول أن في النسخة التي رواها طاهر بن يحيى عن أبيه يحيى عقب الحديث المذكور ما لفظه : قال أبي : سمعت غير واحد يقولون : إن سعدا لما سمع هذا الحديث من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنى داره فيما بين المسجد والمصلى ، وكذا ما سيأتي في مصلى العيد من رواية ابن شبة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص.

قلت : وهو شاهد لما سيأتي من عموم الروضة لجميع مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما زيد فيه من جهة المغرب.

٣٠

وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند برجال الصحيح إلا أن فيهم فليحا ـ وقد روى له الجماعة ، وقال الحاكم : اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره ، وقال الساجي : ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال الدارقطني : فليح يختلفون فيه ، وقال بعضهم : إنه كثير الخطأ ـ عن عبد الله بن زيد المازني قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين هذه البيوت ـ يعني بيوته ـ إلى منبري روضة من رياض الجنة ، والمنبر على ترعة من ترع الجنة».

معنى كون المنبر على الحوض

وقد اختلف في معنى ذلك ؛ فقال الخطابي : معنى قوله : «ومنبري على حوضي» أن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد الحوض ويوجب الشرب منه ، وهذا قول الباقي ، والثاني : أن منبره الذي كان يقوم عليهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعيده الله كما يعيد سائر الخلائق ، ويكون على حوضه في ذلك اليوم ، واعتمد ذلك ابن النجار ، وحكى ابن عساكر القول بأن المراد منبره بعينه الذي كان في الدنيا ، ثم قال : وهو أظهر ، وعليه أكثر الناس ، فتبع شيخه ابن النجار في ذلك ، والثالث أن المراد منبر يخلقه الله تعالى له في ذلك اليوم ، ويجعله على حوضه.

قلت : ويظهر لي معنى رابع ، وهو أن البقعة التي عليها المنبر تعاد بعينها في الجنة ، ويعاد منبره ذلك على هيئة تناسب ما في الجنة ؛ فيجعل المنبر عليها عند عقر الحوض ، وهو مؤخره ، وعن ذلك عبر بترعة من ترع الجنة ، وذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذلك لأمته للترغيب في العمل في هذا المحل الشريف ليفضي بصاحبه إلى ذلك ، وهذا في الحقيقة جمع بين القولين الأولين ، وسيأتي في الزيارة ما ذكره ابن عساكر من أن الزائر يأتي المنبر الشريف ، ويقف عنده ، ويدعو.

معنى أن الروضة من رياض الجنة

واختلفوا أيضا في معنى ما جاء في الروضة الشريفة ، قال الحافظ ابن حجر : محصل ما أول به العلماء ذلك أن تلك البقعة كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيكون مجازا ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة ، فيكون مجازا أيضا ، أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنها روضة حقيقة بأن ينقل ذلك الموضع إلى الجنة ؛ ثم قال : وهذه الأقوال على ترتيبها هذا في القوة ، وهو محتمل لتقوية الأول أو الأخير ، والأخير أقواها عندي ، وهو الذي ذهب إليه ابن النجار ، ونقله البرهان ابن فرحون في منسكه عن ابن الجوزي وغيره عن مالك ، فقال : وقوله : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» حمله مالكرحمه‌الله على ظاهره ، فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنة تنقل إلى الجنة ، وأنها ليست كسائر

٣١

الأرض تذهب وتفنى ، ووافقه على ذلك جماعة من العلماء ، انتهى ونقله الحطيب ابن حملة عن الداروردي ، وصححه ابن الحاج في مدخله ؛ لأن العلماء فهموا من ذلك مزية عظيمة لهذا المحل.

ثم رأيت في كلام الحافظ ابن حجر ترجيحه في موضع آخر ، فقال في الكلام على الحوض : والمراد بتسمية ذلك الموضع روضة أن تلك البقعة تنقل إلى الجنة فتكون روضة من رياضها ، أو أنها على المجاز لكون العبادة فيه تؤول إلى دخول العابد روضة الجنة ، ثم قال : وهذا فيه نظر ؛ إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة ، والخبر مسوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها ، انتهى.

قلت : وأحسن من ذلك ما ذهب إليه ابن أبي جمرة من الجمع بين هذا وما قبله ، ومنه استنبطنا ما قدمناه في أمر المنبر ، فإنه لم يعول على ذكر المعنى الأول وقال بعد ذكر المعنيين الأخيرين : الأظهر ـ والله أعلم ـ الجمع بين الوجهين ؛ لأن لكل منهما دليلا يعضده ، أما الدليل على أن العمل فيها يوجب الجنة فلما جاء في فضل مسجدها من المضاعفة ، ولهذه البقعة زيادة على باقي بقعه ، وأما الدليل على كونها بعينها في الجنة فلإخبارهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن المنبر على الحوض ، لم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره ؛ وأنه حق محسوس موجود على حوضه.

قلت : وفيه نظر ؛ لما قدمناه.

قال : وقد تقرر في قواعد الشرع أن الشرع أن البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا والإخبار بذلك إلا تعميرها بالطاعات ؛ قال : ويحتمل وجها ثالثا ؛ وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة كما أن الحجر الأسود من الجنة ؛ فيكون الموضع المذكور روضة من رياض الجنة الآن ؛ ويعود روضة في الجنة كما كان ؛ ويكون للعامل بالعمل فيه روضة في الجنة ؛ قال : وهو الأظهر ؛ لعلو مكانتهعليه‌السلام ؛ وليكون بينه وبين الأبوة الإبراهيمية في هذا شبه ، وهو أنه لما خص الخليل بالحجر من الجنة خص الحبيب بالروضة منها.

قلت : وهو من النّفاسة بمكان ، وفيه حمل اللفظ على ظاهره ، إذ لا مقتضى لصرفه عنه ، ولا يقدح في ذلك كونها تشاهد على نسبة رياض الدنيا فإنه ما دام الإنسان في هذا العالم لا ينكشف له حقائق ذلك العالم لوجود الحجب الكثيفة والله أعلم.

وتخصيص ما أحاطت به البينية المذكورة بذلك إما تعبد وإما لكثرة ترددهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بين بيته ومنبره وقرب ذلك من قبره الشريف الذي هو الروضة العظمى كما أشار إليه ابن أبي جمرة أيضا.

وقال الجمال محمد الراساني الريمي : اتفقوا على أن هذا اللفظ معقول المعنى ، مفهوم

٣٢

الحكمة ، وإنما اختلفوا في ذلك المعنى ما هو ، فقيل : اللفظ على حقيقته ، وإن ذلك روضة من رياض الجنة بمعنى أنه بعينه نقل من الجنة ، أو أنه سينقل إليها ، وقيل : مجاز معناه أن العبادة فيه تؤدّي إلى الجنة ، أو لما ينزل فيه من الرحمة وحصول المغفرة ، كما سمي مجالس الذكر رياض الجنة في حديث : «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا»(١) وفي رواية لأبي هريرة : «قلت : ما رياض الجنة؟ قال : المساجد ، قلت : وما الرتع؟ قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله والله أكبر».

وقال ابن عبد البر : لما كانصلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس في ذلك الموضع ويجلس الناس إليه للتعلم شبّهه بالروضة ؛ لكريم ما يجتنى فيه ، وأضافها إلى الجنة لأنها تؤول إلى الجنة ، كقوله : «الجنة تحت ظلال السيوف» أي أنه عمل يدخل الجنة.

وقال الخطابي : روضة من رياض الجنة بالطاعة فيه ، كقوله : «عائد المريض في مخرفة الجنة»(٢) أي يرجى له بذلك مخرفة الجنة ؛ فأطلق اسم المسبب على سببه كقوله : «الجنة تحت أقدام الأمهات».

هذا ما نقله الخطيب ابن حملة من المعاني ، ثم تعقب الأخير بأنه لا يبقى حينئذ لهذه الروضة مزية ، وقد فهم الناس من ذلك المزية العظيمة التي بسببها فضلها مالك على سائر البقاع.

وقد تعقب الجمال الريمي الخطيب في ذلك ، وقال : أظهر المعاني تضعيف أجر الطاعات ، وتعليم الناس وجوه الخير ؛ لاتفاق الخطابي وابن عبد البر عليه ، وهما عمدة الأمة في فقه الحديث ، ولأن النظائر تؤيده ، وأما المعنيان الآخران فلم يعزهما الخطيب إلى أحد ، فدل على ضعفهما ، ولم يذكر عياض القول بأن هذا الموضع بعينه نقل من الجنة ، وذكر ما عداه ، فدل على شذوذه ؛ لأن مثل هذا طريقه التوقيف كما جاء في الركن والمقام ، على أن القول به يؤدي إلى إنكار المحسوسات أو الضروريات ، وجواب ما ذكره الخطيب أن المزية ظاهرة ، وهو أن العمل في النظائر المتقدمة يؤدي إلى رياض الجنة ، والعمل في هذا المحل يؤدي إلى روضة أعلى من تلك الرياض.

قلت : إنما حمله على هذا ذهابه إلى أن اسم الروضة يعم جميع مسجدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه إذا

__________________

(١) ارتعوا أي انعموا في خصب وسعة.

(٢) المخرفة : البستان ، والسّكة بين صفين من نخيل ، والطريق الواضح ، جمع مخاريف.

٣٣

ثبت لما زيد فيه حكم المضاعفة تعدى ذلك إليه ، فاختار كون التسمية بذلك مجازية ، ووضع في ذلك كتابا سماه «دلالات المسترشد ، على أن الروضة هي المسجد» وقد صنف الشيخ صفي الدين الكازروني المدني مصنفا في الرد عليه ، وقد لخصتهما مع سلوك طريق الإنصاف بينهما في كتابي الموسوم : «بدفع التعرض والإنكار ، لبسط روضة المختار» وسنذكر الصواب في ذلك ، واستدلاله على ضعف القول بأن ذلك الموضع بعينه نقل من الجنة بأن عياضا لم يذكره عجيب لاحتمال أنه لم يطلع عليه ، وقوله : «إن ذلك طريقه التوقيف كما جاء في الركن» فنقول : أي توقيف أعظم من إخبار الصادق المصدوق بذلك؟ وهو المخبر بأمر الركن والمقام ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، فكيف سلمه في الركن والمقام ولم يسلمه هنا؟ والذي فهمه العلماء من الحديث أن هذا الموضع روضة ، سواء كان به ذاكرون ومصلون أم لم يكن ، بخلاف حلق الذكر مثلا ، فإن ذلك يزول عنها بقيامهم ، فالروضة ما هم فيه بخلاف هذه ، ولهذا فسر الرتع هناك بالذكر ، والمراد في حديث : «الجنة تحت أقدام الأمهات» أن لزوم خدمتهن تؤدي إليها ، وقوله : «إن القول بذلك يؤدي إلى ما ذكره» عجيب ، وقد قدمنا السبب المانع من شهود ذلك على حقيقته ، وأي حسن أحسن من القول بأن ذلك روضة من الجنة أكرم الله به نبيه؟ ويؤيده أحاديث المنبر المتقدمة وما سيأتي في أحد وعير ؛ إذ لم يقل أحد إن المراد أن المتعبد عند أحد يفضي به ذلك إلى الجنة ، والمتعبد عند عير يفضي به ذلك إلى النار ، وأما قوله في بيان المزية : «إن العمل في ذلك المحل يؤدي إلى روضة أعلى» فليس في الحديث وصفه بأنه أعلى الرياض ، بل أطلق ذلك ، فإذا ثبت ذلك لغيره فلا خصوصية ، بل قد يقول الذاهب إلى تفضيل مكة : إن العمل فيها يؤدي إلى روضة أعلى وأفضل ، ولظهور مزية تلك البقعة على غيرها بذلك استدل به بعض الأئمة على تفضيل المدينة على مكة بإضافة حديث «لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها» وتعقبه ابن حزم بأن جعلها من الجنة إنما هو على سبيل المجاز ، إذ لو كانت حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة :( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى ) [طه : ١١٨] قال : وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في اليوم الطيب : هذا يوم من أيام الجنة.

قلت : لا يلزم من ثبوت عدم الجوع والعري لمن حل في الجنة ثبوته لمن حل في شيء أخرج منها ؛ إذ يلزمه أن ينفي بذلك عن حجر المقام كونه من الجنة حقيقة ، ولا قائل به ، ومسألة عموم الروضة لجميع مسجدهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات خلاف ؛ فقد قال الأقشهري : سئل أبو جعفر بن نصر الداودي المالكي عن قوله : «ما بين بيتي ومنبري روضة» فقال : هو روضة كله ، ونقل الريمي عن الخطيب ابن حملة أنه قال : قوله «ما بين بيتي» مفرد مضاف قد يفيد العموم في بيوته ، ثم ذكر بيان مكان بيوته ، ثم قال : ولهذا قال السمعاني في أماليه : لما فضّل الله مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرفه وبارك في العمل فيه وضعفه سماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

٣٤

روضة من رياض الجنة ، فتراه جعل المسجد كله روضة ، والمشهور أن المراد بيت خاص ، وهو بيت عائشةرضي‌الله‌عنها ؛ للرواية الأخرى «ما بين قبري ومنبري» قال ابن خزيمة : أراد بقوله ما بين بيتي الذي أقبر فيه ؛ إذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبر في بيته الذي كانت تسكنه عائشة ، قال الخطيب : فعلى هذا تسامت ـ يعني الروضة ـ حائط الحجرة من القبلة والشمال من جهة الحجرة ، ولا تزال تقصر إلى جهة المنبر ، أو توجد المسامتة مستوية فلينظر ، هذا كله كلام الخطيب.

قلت : فتلخص من ذلك ثلاثة آراء : الأول : أنها المسجد الموجود في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الثاني : أنها ما سامت المنبر والحجرة فقط ، فتتسع من جهة الحجرة وتضيق من جهة المنبر لما تقدم في مقداره ، وتكون منحرفة الأضلاع لتقدم المنبر في جهة القبلة وتأخر الحجرة في جهة الشام ، فتكون كشكل مثلث ينطبق ضلعاه على قدر المنبر ، الثالث : أنها ما سامت كلا من طرفي الحدين ، فتشمل ما سامت المنبر من مقدم المسجد في جهة القبلة وإن لم يسامت الحجرة ، ويشمل ما سامت الحجرة من جهة الشمال ، وإن لم يسامت المنبر ، فتكون مربعة ، وهي الأروقة الثلاثة : رواق المصلى الشريف ، والرواقان بعده ، وذلك هو مسقف مقدم المسجد في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه قد تحرر لنا في هذه العمارة التي أدركناها أن صف أسطوان الوفود ـ وهي التي كانت إلى رحبة المسجد كما سيأتي ـ واقع خلف الحجرة سواء ، حتى إن الأسطوانة التي تلي مربعة القبر في صفها الداخلة في الزور بعضها داخل في جدار الحجرة الشامي كما سيأتي بيانه.

وأما أدلة هذه الأقوال فقد استدل الريمي للأول بأشياء غالبها ضعيف مبناه على أن إطلاق الروضة من قبيل المجاز لما في ذلك من المضاعفة ونحوه ، وأحسنها ما أشار إليه الخطيب ابن حملة وأيده الريمي بأشياء ، فقال : قوله «بيتي» من قوله «ما بين بيتي» مفرد مضاف ، فيفيد العموم في سائر بيوتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد كانت بيوته مطيفة بالمسجد من القبلة والمشرق ـ وفيه بيت عائشة ـ والشام كما سيأتي عن ابن النجار وغيره ، ولم يكن منها في جهة المغرب شيء ، فعرف الحد من تلك الجهة بالمنبر الشريف ، فإنه كان في آخر جهة المغرب بينه وبين الجدار يسير ؛ لأن آخره من تلك الجهة الأسطوانة التي تلي المنبر ، والمنبر على ترعة من ترع الجنة ، فقد حدد الروضة بحدود المسجد كلها.

قلت : وهو مفرع على ما ذكره ابن النجار في تحديد المسجد من جهة المغرب ، وقد مشيت عليه في تواليفي قبل أن أقف على ما قدمته في حد المسجد ، وقد مشى على ذلك الزين المراغي فقال : ينبغي اعتقاد كون الروضة لا تختص بما هو معروف الآن ، بل تتسع إلى حد بيوتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ناحية الشام ، وهو آخر المسجد في زمنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فيكون كله روضة ، وهذا

٣٥

إذا فرعنا على المفرد المضاف للعموم ، وقد رجحه في كتب الأصول جماعة ، ثم ذكر ما تقدم.

قلت : وفاتهم الجميع الاستدلال بحديث زوائد مسند أحمد المتقدم بلفظ «ما بين هذه البيوت» يعني بيوته «إلى منبري روضة من رياض الجنة» والعجب أن المعتنين بأمر الروضة لم يذكروه ، مع أن فيه غنية عن التمسك بكون المفرد المضاف يفيد العموم ، فقد ناقش الصفي الكازروني في ذلك بأشياء : منها أن رواية «ما بين قبري ومنبري» بينت المراد من البيت المضاف. قلت : ليته قال رواية : «ما بين المنبر وبيت عائشة» لأنه يلزم عليه أن يكون الروضة بعرض القبر فقط ، والتخصيص بذلك بعيد ، ومن قال : «إن المراد من البيت القبر» ليس مراده والله أعلم إلا أن رواية القبر لعدم إبهامها تعين البيت ، ولعله مراد الصفي ، ولهذا قال الطبري : وإذا كان قبرهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيته اتفقت معاني الروايات ، ولم يكن بينها خلاف ، انتهى ، ولك أن تقول : رواية «قبري» ورواية «حجرة عائشة» من قبيل إفراد فرد من العام ، وذكره بحكم العام ، وهو لا يقتضي التخصيص على الأصح ، بل يقتضي الاهتمام بشأن ذلك الفرد ، على أن القرطبي قال : الرواية الصحيحة «بيتي» ويروى «قبري» وكأنه بالمعنى ، والله أعلم.

ومنها : أن القرافي حمل إطلاق عموم اسم الجنس على ما يقع منه على القليل والكثير كالماء والمال ، بخلاف ما لا يصدق إلا على الواحد كالعبد والبيت والزوجة فلا يعم ، ولهذا لو قال عبدي حر أو امرأتي طالق لا يعم سائر عبيده ونسائه ، قال : ولم أره منقولا. قلت : قال التاج السبكي : خالف بعض الأئمة في تعميم اسم الجنس المعرف(١) والمضاف ، والصحيح خلافه ، وفصل قوم بين أن يصدق على القليل والكثير فيعم ، أو [لا](٢) فلا ، واختاره ابن دقيق العيد ، انتهى.

فقد جعل ما بحثه القرافي وجها ثالثا مفصلا ، وذلك يأبى حمل إطلاق المطلقين عليه ، فما بحثه منقول ، لكن الصحيح خلافه ، وما استدل به من عدم عموم عبدي حر وامرأتي طالق جوابه من أوجه ذكرناها في دفع التعرض ، وأحسنها ما أشار إليه الأسنوي من أن عدم العموم في ذلك لكونه من باب الأيمان ، والأيمان يسلك فيها مسلك العرف ، انتهى. ونقل

__________________

(١) في جميع المطبوعات «المعروف».

(٢) ما بين [] زيادة يقتضيها السياق.

٣٦

الأزرقي في نفائسه عن ابن عبد السلام أنه قال : الذي تبين لي طلاق الجميع وعتق الجميع ، وفي كتب الحنابلة نص أحمد على أنه لو قال من له زوجتان أو عبيد «زوجتي طالق ، أو عبدي حر» ولم ينو معيّنا ، وقع الطلاق والعتق على الجميع ، تمسكا بالقاعدة المذكورة ، فقد جرى ابن عبد السلام والحنابلة على مقتضى ذلك ؛ فهذه الطرق من أحسن الأدلة ، ولكن على شمول الروضة لما بين المنبر والبيوت الشريفة فهو رأي آخر ، وقد قدمنا من الحديث ما يصرح به ، ويؤيده ما أشار إليه الريمي من أن المقتضى لكون ذلك روضة كثرة ترددهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، وكان يصلي قبل تحويل القبلة في طرفه الذي يلي الشام ، ومتهجّده كما سيأتي في جهة المشرق إلى الشام أيضا ، ومنبره الشريف في نهاية هذا الموضع المحدود من جهة المغرب ، ومصلاه الشريف بمقدمه وبه الأساطين الآتية ذوات الفضل.

وأما الرأي الثاني فدليله التمسك بظاهر لفظ البينية الحقيقية ، وحمل البيت على حجرة عائشةرضي‌الله‌عنها ، ويضعفه أن مقدم المصلى الشريف يلزم خروجه عن اسم الروضة حينئذ ؛ لخروجه عن موازاة طرفي المنبر والحجرة ، مع أن الظاهر أن معظم السبب في كون ذلك روضة تشرفه بجبهته الشريفة ، على أني لم أر هذا القول لأحد ، وإنما أخذته من تردد الخطيب ابن حملة المتقدم.

وأما الرأي الثالث فهو ظاهر ما عليه غالب العلماء وعامة الناس ، ووجهه حمل البيت على ما في الرواية الأخرى من ذكر حجرة عائشة ، وجعل ما تقدم في أمر خروج مقدم المصلى الشريف دليلا على أن المراد من البينية ما حاذى واحدا من الطرفين ، وأن المراد مقدم المسجد المنتهي من جهة مؤخر الحجرة الشريفة لصف أسطوان الوفود كما قدمناه ، وفي كلام الأقشهري إشارة له ، وهذا إنما علمناه في العمارة التي سنذكرها ، ولم يكن معلوما قبل ذلك ، ولهذا قال المجد في الباب الأول في فصل الزيارة من كتابه ما لفظه : ثم يأتي ـ يعني الزائر ـ إلى الروضة المقدسة ، وهي ما بين القبر والمنبر طولا ، ولم أر من تعرض له عرضا ، والذي عليه غلبة الظنون أنه من المحراب إلى الأسطوانة التي تجاهه ، وأنا لا أوافق على ذلك ، وقد بينته في موضعه من هذا الكتاب ، وذكرت أن الظاهر من لفظ الحديث يقتضي أن يكون أكثر من ذلك ؛ لأن بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بجميع مرافق الدار كان أكثر من هذا المقدار ، انتهى.

ولم يذكر في الموضع الذي أحال عليه شيئا ، وقوله «من المحراب إلى الأسطوانة التي تجاهه» كأنه يريد به الأسطوان المخلق وما حاذاها ؛ فتكون الروضة على ذلك التقدير الرواق الأول منها فقط ، وهو غلط ؛ لأن الحجرة الشريفة متأخرة عن ذلك لجهة الشام ؛ وصف

٣٧

الأسطوان المذكور محاذ لطرف جدارها القبلي. وقال ابن جماعة : قد تحرر لي طول الروضة ، ولم يتحرر لي عرضها ، يريد أن طولها من المنبر إلى الحجرة ، وهو كما قال ابن زبالة ثلاثة وخمسون ذراعا وشبرا ، وقال في موضع آخر : أربعة وخمسون ذراعا وسدس.

قلت : وما ذكره أولا أقرب إلى الصواب كما اختبرناه ، فإني ذرعت بحبل من صفحة المنبر القبلية إلى طرف الحجرة القبلية فكان ثلاثة وخمسين ذراعا.

وذكر ابن جماعة ذراعا أقل من هذا ، وكأنه ذرع على الاستقامة ، ولم يعتبر الذرع من الطرفين المذكورين ، فقال : وذرعت ما بين الجدار الذي حول الحجرة الشريفة وبين المنبر فكان أربعا وثلاثين ذراعا وقيراطا بذراع العمل. قلت : وذلك نحو اثنين وخمسين ذراعا بذراع اليد الذي قدمنا تحريره ، وأما قول من قال : «إن طول الروضة اليوم ينقص عن خمسين ذراعا بثلثي ذراع» فلا وجه له إلا أن يكون اعتبر بذراع اليد المفرط الطول ، والله أعلم.

وأما نهاية الحجرة فلم تكن معلومة لابن جماعة وغيره ، وعليها يتوقف بيان العرض ، ولهذا قال الريمي : لا ندري الحجرة في وسط البناء المحيط بها أم لا؟ ولا ندري إلى أين ينتهي امتدادها؟ وغالب الناس يعتقدون أن نهايتها في محاذاة أسطوان عليرضي‌الله‌عنه ، ولهذا جعلوا الدرابزين الذي بين الأساطين ينتهي إلى صفها ، واتخذوا الفرش لذلك فقط ، والصواب ما قدمناه ؛ فقد انجلى الأمر ولله الحمد.

الفصل السابع

في الأساطين المنيفة

الأسطوان المخلق

منها الأسطوان الذي هو علم على المصلى الشريف ، ويعرف بالمخلق ، وقد قدمنا قول ابن زبالة «المخلق نحو من ثلثيها» وقول ابن القاسم «إن المصلى الشريف حيث الأسطوان المخلق» وبينا أن المراد أنها أقرب أسطوان إليه ، وأن الجذع الذي كان يخطب إليهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتكئ عليه كان هناك ، وأن الأسطوان الموجود اليوم متقدم على المحل الأول ، وأن المحل الأصلي هو موضع كرسي الشمعة التي عن يمين الإمام الواقف في المصلى الشريف ، فمن أراد التبرك بذلك فليصل هناك.

وروى ابن زبالة عن يزيد بن عبيد أنه كان يأتي مع سلمة بن الأكوع إلى سبحة الضحى ، فيعمد إلى الأسطوان دون المصحف فيصلي قريبا منهما ، فأقول : ألا تصلي هاهنا؟ وأشير له إلى بعض نواحي المسجد ، فيقول : إني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتحرى هذا المقام ، وهذا الحديث في الصحيحين ، ولفظ البخاري «كنت آتي مع سلمة بن الأكوع ، فيصلي عند الأسطوان التي عند المصحف ، فقلت : يا أبا سلمة أراك تتحرى الصلاة عند هذه

٣٨

الأسطوانة ، قال : فإني رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتحرى الصلاة عندها» ولفظ مسلم عن سلمة أنه كان يتحرى موضع المصحف يسبح(١) فيه ، وذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتحرى ذلك ، وقد قدمنا في الكلام على المصلى الشريف ما يبين أن المراد هذه الأسطوانة.

أسطوان القرعة

ومنها أسطوان القرعة ، وتعرف بأسطوان عائشةرضي‌الله‌عنها ، وبالأسطوان المخلق أيضا ، وبأسطوان المهاجرين.

روينا في كتاب ابن زبالة عن إسماعيل بن عبد الله عن أبيه أن عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وثالثا كان معهما دخلوا على عائشةرضي‌الله‌عنها فتذاكروا المسجد ، فقالت عائشة : إني لأعلم سارية من سواري المسجد لو يعلم الناس ما في الصلاة إليها لاضطربوا عليها بالسهمان(٢) ، فخرج الرجلان وبقي ابن الزبير عند عائشة ، فقال الرجلان : ما تخلف إلا ليسألها عن السارية ، ولئن سألها لتخبرنه ، ولئن أخبرته لا يعلمنا ، وإن أخبرته عمد لها إذا خرج فصلى إليها ، فاجلس بنا مكانا نراه ولا يرانا ، ففعلا ، فلم ينشب أن خرج مسرعا فقام إلى هذه السارية فصلى إليها متيامنا إلى الشق الأيمن منها ، فعلم أنها هي ، وسميت أسطوانة عائشة بذلك ، وبلغنا أن الدعاء عندها مستجاب ، هذا لفظ ابن زبالة.

وفي الأوسط للطبراني عن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن في مسجدي لبقعة قبل هذه الأسطوانة لو يعلم الناس ما صلوا فيها إلا أن تطير لهم قرعة ، وعند عائشة جماعة من أبناء الصحابة فقالوا : يا أم المؤمنين وأين هي؟ فاستعجمت عليهم ، فمكثوا عندها ساعة ثم خرجوا وثبت عبد الله بن الزبير فقالوا : إنها ستخبره بذلك المكان ، فارقبوه في المسجد حتى تنظروا حيث يصلي ، فخرج بعد ساعة فصلى عند الأسطوانة التي صلى إليها عامر بن عبد الله بن الزبير ، فقيل لها : أسطوانة القرعة.

قال عتيق : وهي الأسطوانة التي هي واسطة بين القبر والمنبر : عن يمينها إلى المنبر أسطوانتان ، وبينها وبين القبر أسطوانتان ، وبينها وبين الرحبة أسطوانتان ، وهي واسطة بين ذلك ، وهي تسمى أسطوانة القرعة ، هذا لفظ الأوسط.

__________________

(١) السّبحة : صلاة التطوع وهي مواضع السجود.

(٢) السهم : القدح يقارع به أو يلعب به في الميسر ، أي الحظ والنصيب ، وما يفوز به الظافر بالقرعة.

٣٩

وقال ابن زبالة : حدثني غير واحد من أهل العلم منهم الزبير بن حبيب أن الأسطوان التي تدعى أسطوان عائشة هي الثالثة من المنبر ، والثالثة من القبر ، والثالثة من القبلة ، والثالثة من الرحبة ، أي قبل زيادة الرواقين الآتي ذكرهما المتوسطة للروضة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى إليها بضع عشرة المكتوبة ثم تقدم إلى مصلاه الذي وجاه المحراب في الصف الأوسط ، أي الرواق الأوسط ، وأن أبا بكر وعمر والزبير بن العوام وعامر بن عبد الله كانوا يصلون إليها ، وأن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها ، وكان يقال لذلك المجلس مجلس المهاجرين ، انتهى.

وقد ذكر ابن النجار هذه الرواية عن الزبير بن حبيب ، وزاد : وقالت عائشة فيها : لو عرفها الناس لاضطربوا على الصلاة عندها بالسهمان ، فسألوها عنها فأبت أن تسميها ، فأصغى إليها ابن الزبير فسارّته بشيء ، ثم قام فصلى إلى التي يقال لها أسطوان عائشة ، قال : فظن من معه أن عائشة أخبرته أنها تلك الأسطوانة ، فسميت أسطوان عائشة ، قال : وأخبرني بعض أصحابنا عن زيد بن أسلم قال : رأيت عند تلك الأسطوانة موضع جبهة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم رأيت دونه موضع جبهة أبي بكر ، ثم رأيت دون موضع جبهة أبي بكر موضع جبهة عمر ، ويقال : الدعاء عندها مستجاب ، هذا لفظ رواية ابن النجار عقب ما قدمناه من رواية ابن زبالة. وزاد فيما ذكره ابن زبالة عقب قوله : «إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى إليها المكتوبة بضع عشرة ، ثم تقدم إلى مصلاه اليوم» ما لفظه : وكان يجعلها خلف ظهره ، قلت : ولم أره في كلام غيره ، والظاهر أن مراده أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يستند إليها إذا جلس هناك ، لا أنه يجعلها خلف ظهره إذا صلى ؛ لما ذكره عن زيد بن أسلم من أنه رأى موضع جبهة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عندها ، ووصف هذه الأسطوانة بالمخلقة يؤخذ مما تقدم عن ابن زبالة من قول أبي هريرة «وكان مصلاهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي يصلي فيه بالناس إلى الشام من مسجده أن تضع موضع الأسطوان المخلقة خلف ظهرك ثم تمشي إلى الشام» إلى آخر ما تقدم قلت : وهذه الأسطوان بصف الأساطين التي خلف الإمام الواقف بالمصلى الشريف ، وهي الثالثة من القبلة وكانت الثالثة أيضا من رحبة المسجد كما تقدم ، وذلك قبل أن يزاد في مسقف مقدم المسجد الرواقان الآتي بيانهما في رحبته ، وبهما صارت خامسة من الرحبة.

أسطوان التوبة

ومنها أسطوان التوبة ، وتعرف بأسطوان أبي لبابة بن عبد المنذر أخي بني عمرو بن عوف الأوسي أحد النقباء ، واسمه رفاعة ، وقيل غير ذلك ، سميت به لأنه ارتبط إليها حتى أنزل الله توبته كما قدمناه في غزوة بني قريظة.

وقال الأقشهري : اختلف أهل السير والتفسير في ذنب أبي لبابة ، فقال قوم : كان من

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

علي عليه‌السلام أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان قال سألته عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم لصاحبه تحفظوا الطواف فلما ظنوا أنهم قد فرغوا قال واحد معي ستة أشواط قال إن شكوا كلهم فليستأنفوا وإن لم يشكوا وعلم كل واحد منهم ما في يده فليبنوا.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به هل يجزئ ذلك عنها وعن الصبي فقال : نعم.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة فإن

وقال ابن إدريس : ببطلان النذر ، وفي المنتهى بالبطلان في الرجل والتوقف في المرأة لورود النص فيها ، ولا يبعد القول بوجوب الطواف الواحد على الهيئة الشرعية لانعقاد النذر في أصل الطواف وعدمه في الهيئة لمرجوحيتها ولم أر من قال به هنا وإن قيل : في نظائره.

الحديث الثاني عشر : حسن.

قوله عليه‌السلام : « فليستأنفوا » لأن شكهم في النقيصة.

قوله عليه‌السلام : « فليبنوا » أي يبن كل منهم على يقينه ولا خلاف فيه.

الحديث الثالث عشر : حسن. وقال في التحرير : لو حمل محرم محرما وطاف به ونوى كل منهما الطواف عن نفسه أجزأ عنهما إجماعا.

الحديث الرابع عشر : حسن. وعلى مضمونه عمل الأصحاب ومقتضى استحباب الثلاثمائة والستين شوطا أن يكون الطواف الأخير عشرة أشواط ، وقد قطع المحقق بعدم كراهة الزيادة هنا وهو كذلك لظاهر النص ، ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة أنه استحب زيادة أربعة أشواط ليصير الأخير طوافا كاملا حذرا من كراهة

٦١

لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطا فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل نشرب ونحن في الطواف قال : نعم.

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل المحجن.

١٧ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال طواف في العشر أفضل من سبعين طوافا في الحج.

القرآن وليوافق عدد أيام السنة الشمسية ونفى عنه البأس ، وهو حسن إلا أنه خلاف مدلول الرواية ،

الحديث الخامس عشر : موثق وعليه الفتوى.

الحديث السادس عشر : حسن. ويدل على جواز إيقاع الطواف راكبا وإن أمكن تخصيصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليأخذ الناس عنه مناسكهم ، وعلى أنه يجوز مع ضرورة الاستلام بشيء آخر غير اليد وتقبيل ذلك الشيء وتوقف بعض المتأخرين في جواز الركوب في الطواف اختيارا وقطع في الدروس بجوازه.

وقال الجوهري : ناقة عضباء مشقوقة الأذن وأما ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي كانت تسمى العضباء فإنما كانت ذلك لقبا لها ولم تكن مشقوقة الأذن(١) .

الحديث السابع عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « طواف في العشر » أقول يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المراد بيان فضل الحج التمتع أي إذا اعتمرت وأحللت وطفت قبل إحرام الحج طوافا واحدا كان أفضل من أن تأتي مكة حاجا وتطوف سبعين طوافا قبل الذهاب إلى عرفات.

الثاني : أن يكون المعنى أن الطواف قبل التلبس بإحرام الحج بعد الإحلال

__________________

(١) الصحاح للجوهريّ : ج ١ ص ١٨٤.

٦٢

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في امرأة نذرت أن تطوف على أربع فقال تطوف أسبوعا ليديها وأسبوعا لرجليها.

من عمرة التمتع أفضل من الطواف المندوب بعد الإحرام. دفعا لتوهم أن الطواف بعد الإحرام إما حرام أو مكروه على خلاف.

الثالث : أن يكون المراد بالحج بقية ذي الحجة ويكون الغرض أن المبادرة إلى مكة والتوقف قبل الحج فيها أفضل من التوقف بعد الحج ، ويؤيده ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « مقام يوم قبل الحج أفضل من مقام يومين بعد الحج »(١) .

ويؤيده أيضا خبر ابن القداح(٢) المتقدم في الباب الثاني لباب فضل الطواف.

الرابع : أن يكون إيماء إلى أفضلية حج التمتع بوجه آخر.

والحاصل أن طوافا واجبا في العشر في غير الحج أفضل من سبعين في الحج ولا يكون ذلك إلا في التمتع ، وهذا النوع من الكلام ليس ببعيد في مقام التقية.

الخامس : ما ذكره بعض الأفاضل من أن المراد بالحج أشهر الحج أي طواف في عشر ذي الحجة أفضل من سبعين طوافا في غيرها من أشهر الحج ، سواء كانا فرضين أو نفلين ، وما سوى الوجه الأخير من الوجوه المذكورة مما خطر بالبال والله أعلم بحقيقة الحال.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور. وقد مر الكلام فيه.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ٣١١ ح ٢٦.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٣٩٩ باب ١٠ ح ١.

٦٣

(باب)

(استلام الحجر بعد الركعتين وشرب ماء زمزم قبل الخروج إلى)

(الصفا والمروة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود وقبله واستلمه أو أشر إليه فإنه لا بد من ذلك وقال إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل وتقول حين تشرب اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم قال وبلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال حين نظر إلى زمزم لو لا أني أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين فليأت زمزم وليستق

باب استلام الحجر بعد الركعتين وشرب ماء زمزم قبل الخروج إلى الصفا والمروة

الحديث الأول : حسن كالصحيح. وحمل الأصحاب ما تضمنه على الاستحباب ، وقوله وبلغنا من كلام الصادق عليه‌السلام.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لأخذت » أظهر بهذا البيان استحبابه ولم يفعله لئلا يصير سنة مؤكدة فيشق على الناس ولعل مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأخذ الأخذ للشرب والصب على البدن أو الأخذ للرجوع أيضا.

وقال ابن الأثير : « الذنوب » الدلو العظيمة ، وقيل : لا تسمى ذنوبا إلا إذا كان فيها ماء(١) .

الحديث الثاني : حسن.

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٢ ص ١٧١.

٦٤

منه ذنوبا أو ذنوبين وليشرب منه وليصب على رأسه وظهره وبطنه ويقول اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ثم يعود إلى الحجر الأسود.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مهزيار قال رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلى خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر وشرب منه وصب على بعض جسده ثم اطلع في زمزم مرتين وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك.

الحديث الثالث : صحيح. ويدل على استحباب الاستقاء من زمزم بعد طواف النساء أيضا وعلى استحباب أن يستقي بنفسه وعلى استحباب الاستقاء بالدلو المقابل للحجر كما ذكره الأصحاب وعلى استحباب الاطلاع على زمزم والنظر إليها مرتين.

قال في الدروس : من المقدمات المسنونة للسعي استلام الحجر والشرب من زمزم وصب الماء عليه من الدلو المقابل للحجر وإلا فمن غيره والأفضل استقاؤه بنفسه ، وتقول عند الشرب والصب اللهم اجعله إلى آخره.

وروى الحلبي أن الاستلام بعد إتيان زمزم(١) ، والظاهر استحباب الاستلام والإتيان عقيب الركعتين ولو لم يرد السعي رواه علي بن مهزيار عن الجواد عليه‌السلام في ركعتي طواف النساء(٢) ، ويستحب الاطلاع في زمزم كما روي عنه عليه‌السلام(٣) ونص ابن الجنيد أن استلام الحجر من توابع الركعتين وكذا إتيان زمزم على الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٥١٥ ح ٢.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٥١٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ج ٩ ص ٥١٥ ح ٣.

٦٥

(باب)

(الوقوف على الصفا والدعاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين فرغ من طوافه وركعتيه قال أبدأ بما بدأ الله عز وجل به من إتيان الصفا إن الله عز وجل يقول : «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ » قال أبو عبد الله عليه‌السلام ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود واحمد الله وأثن عليه ثم اذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ثم كبر الله سبعا واحمده سبعا وهلله سبعا وقل «لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ » وحده «لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ » وهو حي لا يموت «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ثلاث مرات ثم صل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقل الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا والحمد لله الحي القيوم والحمد لله الحي الدائم ثلاث مرات وقل أشهد أن لا إله إلا

باب الوقوف على الصفا والدعاء

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أبدأ » بصيغة المتكلم. ويحتمل الأمر ، واستدل به على كون الواو للترتيب وتفصيل القول مذكور في كتب الأصول ، ويدل على استحباب الخروج من الباب المقابل للحجر كما ذكره الأصحاب.

وقال في الدروس : وهو الآن من المسجد معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من بينهما والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما والصعود على الصفا بحيث يرى البيت من بابه واستقبال الركن العراقي وإطالة الوقوف على الصفا بقدر سورة البقرة مترسلا تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوقوف على الدرجة الرابعة حيال الكعبة ثم ينحدر عنها كاشفا ظهره يسأل الله العفو وليكن وقوفه على الصفا في الشوط

٦٦

الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لا نعبد إلا إياه «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ * وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » ثلاث مرات اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ثلاث مرات اللهم «آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ » ثلاث مرات ثم كبر الله مائة مرة وهلل مائة مرة واحمد مائة مرة وسبح مائة مرة وتقول : لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وحده وحده اللهم بارك لي في الموت وفي ما بعد الموت اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك ثم تقول : أستودع الله الرحمن الرحيم الذي لا يضيع ودائعه نفسي وديني وأهلي اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك وتوفني على ملته وأعذني من الفتنة ثم تكبر ثلاثا ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها فإن لم تستطع هذا فبعضه وقال أبو عبد الله عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترتلا.

الثاني أقل من الوقوف في الأول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وغلب الأحزاب » أي الأحزاب الذين اجتمعوا يوم الخندق غلب الله عليهم وحده بغير قتال يصير سببا لذلك بل أرسل ريحا وجنودا لم يروها ، ويحتمل أن يكون المراد أحزاب الكفار في جميع المواطن والدهور.

قوله عليه‌السلام : « في ظل عرشك » قيل : الظل هنا الكنف والحماية وزيد العرش للتعظيم أي في كنفك وحمايتك ولا يخفى أنه تكلف مستغنى عنه.

قوله عليه‌السلام : « من الفتنة » أي من عذاب القبر فإنه ورد أعوذ بك من فتنة القبر ، ورومان فتان القبور أو من الفتنة في الدنيا ، وفي التهذيب « ثم أعذني »(١) فالأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « ثم تعيدها » أي مجموع الأدعية بأعدادها ويحتمل الدعاء الأخير ، وقوله عليه‌السلام « فإن لم تستطع » هذا أي إعادة الكل أو أصل القراءة أيضا.

قوله عليه‌السلام : « مترتلا » وفي التهذيب مترسلا بالسين(٢) وهما متقاربان

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ص ١٤٦ ح ٤٨١.

(٢) التهذيب : ج ٥ ص ١٤٦ ح ٤٨١.

٦٧

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب قال حدثني جميل قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل من دعاء موقت أقوله على الصفا والمروة فقال تقول إذا وقفت على الصفا «لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ » وحده «لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ثلاث مرات.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام كيف يقول الرجل على الصفا والمروة قال يقول «لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ » وحده «لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » ثلاث مرات.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الحميد بن سعيد قال سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن باب الصفا قلت إن أصحابنا قد اختلفوا فيه بعضهم يقول الذي يلي السقاية وبعضهم يقول الذي يلي الحجر فقال : هو الذي

في المعنى.

قال في الصحاح : الترتيل في القراءة : الترسل فيها والتبين(١) .

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : مجهول. وفي التهذيب هكذا موسى بن القاسم ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن عبد الحميد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا فإن أصحابنا قد اختلفوا علي فيه فبعضهم يقول : هو الباب الذي يستقبل السقاية ، وبعضهم يقول : هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود ، والذي يستقبل السقاية صنعه داود وفتحه داود(٢) :

__________________

(١) الصحاح للجوهريّ : ج ٤ ص ١٧٠٤.

(٢) التهذيب : ج ٥ ص ١٤٥ ح ٥.

٦٨

يلي السقاية محدث صنعه داود وفتحه داود.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن علي بن النعمان يرفعه قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه ثم يقول : اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط فإن عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني وإن تعذبني فأنت غني عن عذابي وأنا محتاج إلى رحمتك فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمني اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني أصبحت أتقي عدلك ولا أخاف جورك فيا من هو عدل لا يجور ارحمني.

قوله عليه‌السلام : « أو فتحه داود »(١) الترديد : من الراوي ، وداود هو ابن علي بن عبد الله بن العباس عم السفاح أول خلفاء بني العباس.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله « أذنبته قط » أي دائما وأي وقت من الأوقات. وقال الشيخ الرضي رضي‌الله‌عنه قط لا يستعمل إلا بمعنى أبدا لأنه مشتق من القط وهو القطع ، وربما استعمل قط بدون النفي لفظا ومعنى نحو كنت أراه قط أي دائما(٢) انتهى.

وقال الفيروزآبادي : إذا أردت بقط الزمان فمرتفع أبدا غير منون إلى أن قال وتختص بالنفي ماضيا وتقول العامة لا أفعله قط(٣) ، وفي موضع من البخاري جاء في المثبت منها في الكسوف أطول صلاة صليتها قط ، وفي سنن أبي داود توضأ ثلاثا قط(٤) وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة قال : وهي مما خفي على كثير من النحاة انتهى.

أقول هذا الدعاء المنقول عن أفصح الفصحاء أيضا يدل على وروده في المثبت فثبت

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في الكافي « وفتحه داود ».

(٢) شرح الكافية : ج ٢ ص ١٢٤.

(٣) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٨٠.

(٤) سنن أبي داود : ج ١ ص ٢٧.

٦٩

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن الحسن بن علي بن الوليد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال ليس على الصفا شيء موقت.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن مولى لأبي عبد الله عليه‌السلام من أهل المدينة قال رأيت أبا الحسن عليه‌السلام صعد المروة فألقى نفسه على الحجر الذي في أعلاها في ميسرتها واستقبل الكعبة.

٩ ـ علي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ، عن أحمد بن الجهم الخزاز ، عن محمد بن عمر بن يزيد ، عن بعض أصحابه قال كنت وراء أبي الحسن موسى عليه‌السلام على الصفا أو على المروة وهو لا يزيد على حرفين اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال وصدق النية في التوكل عليك.

الحديث السادس : مجهول مرفوع.

الحديث السابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « موقت » أي مفروض أو معين لا تتأتى السنة بغيره.

الحديث الثامن : ضعيف.

الحديث التاسع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لا يزيد » لعل الاكتفاء بذاك كان لعذر أو لبيان جواز ترك ما زاد وتأدي السنة بهذا المقدار ولا يبعد الحمل على تكرار هذا الدعاء بقدر سورة البقرة ، ويحتمل أن يكون ذلك في غير الابتداء.

٧٠

(باب)

(السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال سألته عن السعي بين الصفا والمروة قال إذا انتهيت إلى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة فإذا انتهيت إليه فكف عن السعي وامش مشيا وإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك فإذا انتهيت إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا فإنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال كان أبي يسعى بين الصفا والمروة ما بين باب ابن عباد إلى أن يرفع قدميه من المسيل لا يبلغ زقاق آل أبي حسين.

باب السعي بين الصفا والمروة وما يقال فيه

والمراد بالسعي الهرولة ويحتمل أصل السعي وإن كان أكثر الأخبار في الأول لأنها من آدابه.

الحديث الأول : موثق.

قوله عليه‌السلام : « فاسع » المراد بالسعي هنا الإسراع في المشي والهرولة ، ولا خلاف في مطلوبيتها ولا في أنه لو تركها لا شيء عليه ، وذهب أبو الصلاح إلى وجوبها. وحد الهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين كما دل عليه هذا الخبر ، ويدل على أنه ليس على النساء هرولة كما ذكره الأصحاب.

الحديث الثاني : موثق.

٧١

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن أسلم ، عن يونس ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ما من بقعة أحب إلى الله من المسعى لأنه يذل فيها كل جبار وروي أنه سئل لم جعل السعي فقال مذلة للجبارين.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد رفعه قال ليس لله منسك أحب إليه من السعي وذلك أنه يذل فيه الجبارين.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن التيملي ، عن الحسين بن أحمد الحلبي ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال جعل السعي بين الصفا والمروة مذلة للجبارين.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي على طرف المسعى فاسع ملأ فروجك وقل بسم الله والله أكبر وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم حتى تبلغ المنارة الأخرى فإذا جاوزتها فقل يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى

الحديث الثالث : ضعيف وآخره مرسل.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرسل.

الحديث السادس : حسن.

قوله عليه‌السلام : « ملأ فروجك » قال في النهاية : فيه « فملأت ما بين فروجي » جمع فرج ، وهو ما بين الرجلين ، يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع(١) .

وقال في الدروس : أوجب الحلبي ملأ فروجه.

ثم اعلم أن بعض الأصحاب فسروا الهرولة بالإسراع في المشي ، وبعضهم فسروه بالإسراع مع تقارب الخطا وهذا الخبر يدل على الأول كغيره من الأخبار ،

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٤٢٣.

٧٢

تأتي المروة فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت واصنع عليها كما صنعت على الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن مولى لأبي عبد الله عليه‌السلام من أهل المدينة قال رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يبتدئ بالسعي من دار القاضي المخزومي قال ويمضي كما هو إلى زقاق العطارين.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن محمد بن أبي عمير ، عن الحسن بن علي الصيرفي ، عن بعض أصحابنا قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السعي بين الصفا والمروة فريضة أم سنة فقال فريضة قلت أوليس قال الله عزوجل : «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » قال كان ذلك في عمرة القضاء إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام من الصفا والمروة فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام فجاءوا إليه فقالوا يا رسول الله إن فلانا لم يسع بين

وحمله على أن المراد بملإ الفروج عدم تباعد القدمين يأباه كلام اللغويين كما عرفت.

الحديث السابع : ضعيف.

الحديث الثامن : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « فريضة » أي واجب وإن عرف وجوبه بالسنة لإطلاق السنة عليه في بعض الأخبار ولعدم دلالة الآية على الوجوب وإن لم يكن منافيا له.

قوله عليه‌السلام : « أو ليس قال الله عز وجل » غرض السائل الاستدلال بعدم الجناح على الاستحباب كما استدل به ، أحمد وبعض المخالفين القائلين باستحبابه ، وأجمع أصحابنا وأكثر المخالفين على الوجوب ، وأما ما أجاب به عليه‌السلام بأن نفي الجناح ليس لنفي السعي حتى يكون ظاهرا في نفي الوجوب بل لما كان يقارنه في ذلك الزمان فهو المشهور بين المفسرين ، قال في الكشاف : كان على الصفا إساف وعلى المروة نائلة وهما صنمان يروى أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما فلما طالت المدة عبدا من دون الله وكان أهل الجاهلية

٧٣

الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله عز وجل : «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما » أي وعليهما الأصنام.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة قال لا شيء عليه وروي أن المسعى كان أوسع مما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل ترك السعي متعمدا قال عليه الحج من قابل.

(باب)

( من بدأ بالمروة قبل الصفا أو سها في السعي بينهما)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة قال :

إذا سعوا مسحوهما فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية وأن لا يكون عليهم جناح في ذلك فرفع عنهم الجناح انتهى.

الحديث التاسع : صحيح وآخره مرسل. وقال الجوهري الرمل محركة : الهرولة(١) ، وقال الهرولة ضرب من العدو وهو بين المشي والعدو(٢) .

قوله عليه‌السلام : « مما هو اليوم » أي عرضا ويحتمل أن يكون المراد به : محل الهرولة أي كانت مسافة الهرولة أكثر فضيقتها العامة والأول أظهر.

الحديث العاشر : حسن. ويدل على أن السعي ركن ، إذ الركن في الحج والعمرة ما يبطلان بتركه عمدا ولا خلاف فيه بين أصحابنا.

باب من بدء بالمروة قبل الصفا أو سها في السعي بينهما

الحديث الأول : ضعيف على المشهور. وعليه فتوى الأصحاب ولم يفرقوا

__________________

(١) الصحاح الجوهريّ : ج ٤ ص ١٧١٣.

(٢) الصحاح للجوهريّ : ج ٥ ص ١٨٥٠.

٧٤

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال يعيد ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه فقال إن كان خطأ اطرح واحدا واعتد بسبعة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل بن دراج قال حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن علي الصائغ قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال يعيد ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله.

في وجوب الإعادة بين العامد والناسي والجاهل.

الحديث الثاني : صحيح. ويدل على أنه إذا زاد على السعي سهوا لا يبطل سعيه ويطرح الزائد ، وبمفهومه يدل على أنه إذا كان عامدا يبطل سعيه ، والثاني مقطوع به في كلام الأصحاب وحكموا في الأول بالتخيير بين طرح الزائد والاعتداد بالسبعة وبين إكمالها أسبوعين فيكون الثاني مستحبا ، وقالوا إنما يتخير إذا لم يتذكر إلا بعد إكمال الثامن وإلا تعين القطع ولم يحكموا باستحباب السعي إلا هنا.

وأقول : فيه إشكال لم يتفطن به الأكثر وهو أنه يكون في الثاني الابتداء من المروة ولعل الكليني لم يقل به حيث لم يذكره.

الحديث الثالث : حسن. ويدل ظاهرا على أن حكم الجاهل حكم الناسي كما ذكره السيد في المدارك.

الحديث الرابع : مجهول.

٧٥

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد بسبعة وإن بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا.

(باب)

(الاستراحة في السعي والركوب فيه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن السعي بين الصفا والمروة على الدابة قال نعم وعلى المحمل.

٢ ـ معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا قال لا بأس والمشي أفضل.

٣ ـ ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح قال نعم إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فيجلس.

الحديث الخامس : حسن. والظاهر وصفوان بالعطف كما يشهد به الممارسة.

قوله عليه‌السلام : « من طاف » يشمل العامد والناسي والجاهل ، وخرج العامد بالأخبار الأخر وبقي الجاهل والناسي.

باب الاستراحة في السعي والركوب فيه

الحديث الأول : حسن. ولا خلاف بين الأصحاب في جواز الركوب للسعي واستحباب المشي فيه.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : حسن. ويدل على ما هو المشهور من جواز الجلوس في السعي للاستراحة وحملوا الرواية الآتية على الكراهة ، ونقل عن أبي الصلاح ، وابن زهرة : القول بالمنع إلا مع الإيماء.

٧٦

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبان ، عن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد.

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن النساء يطفن على الإبل والدواب أيجزئهن أن يقفن تحت الصفا والمروة قال نعم بحيث يرين البيت.

٦ ـ وعنه ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا.

الحديث الرابع : ضعيف. وفي أكثر النسخ عن أبان بن عبد الرحمن وذكره الشيخ في الرجال من أصحاب الصادق عليه‌السلام وقال أسند عنه وفي بعض النسخ عن أبان ، عن عبد الرحمن فهو عبد الرحمن بن الحجاج ، ويؤيده أنه رواه في الفقيه عن عبد الرحمن بن الحجاج(١) .

الحديث الخامس : صحيح. وظاهره جواز اكتفاء بالابتداء العرفي بالصفا والمروة وأنه لا يلزم الصعود عليهما ولا إلصاق العقب بهما كما يظهر من تدقيقات المتأخرين.

الحديث السادس : صحيح. ويدل على أنه يستحب للراكب تحريك دابته في مقام الهرولة كما ذكره الأصحاب.

__________________

(١) الظاهر قد وقع هنا اشتباه فهو إمّا منه قدس‌سره أو من النسّاخ وذلك لأنّ الموجود في من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٥٨ ح ١٢٥١ عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، دون عبد الرحمن ابن الحجّاج فيكون المراد منه : عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

٧٧

(باب)

(من قطع السعي للصلاة أو غيرها والسعي بغير وضوء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة أيخفف أو يقطع ويصلي ويعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ قال أوليس عليهما مسجد لا بل يصلي ثم يعود قلت(١) يجلس عليهما قال أوليس هو ذا يسعى على الدواب.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن يحيى الأزرق ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال قلت له الرجل يسعى بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يبول أيتم سعيه بغير وضوء قال لا بأس ولو أتم نسكه بوضوء كان أحب إلي.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال قال قال أبو الحسن عليه‌السلام : لا.

باب من قطع السعي للصلاة أو غيرها والسعي بغير وضوء

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « مسجد » أي موضع صلاة ، وقيل : المراد به المسجد الحرام وكونه عليهما كناية عن قربه وظهوره للساعين ، ولا يخفى بعده.

قوله عليه‌السلام : « يسعى على الدواب » أي هو متضمن للجلوس أو إذا كان الركوب جائزا للراحة كيف لا يجوز الجلوس.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور. ويدل على عدم اشتراط الطهارة في السعي واستحبابه كما هو المشهور ، وأسنده في المنتهى إلى علمائنا ، ونقل عن ابن أبي عقيل : أنه قال : لا يجوز الطواف بين الصفاء والمروة إلا بطهارة ، والمعتمد الأول.

الحديث الثالث : موثق. ويدل ظاهرا على مذهب ابن أبي عقيل ، وحمل في

__________________

(١) في الفقيه : « قلت : ويجلس على الصفا والمروة قال : نعم » وكان الجملة زائدة لا محصل لها.

٧٨

تطوف ولا تسعى إلا على وضوء.

(باب)

(تقصير المتمتع وإحلاله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب وحماد بن عيسى جميعا ، عن معاوية بن

المشهور على الاستحباب كما فعله الشيخ في الاستبصار. وقال فيه وفي التهذيب إنما نفى الجمع بينهما ولم ينف انفراد السعي من الطواف بغير وضوء(١) ولا يخفى بعده.

باب تقصير المتمتع وإحلاله

الحديث الأول : سنده الأول حسن كالصحيح ، والثاني صحيح. ويدل على وجوب التقصير وأنه يحل له به كل شيء مما حرمه الإحرام وعلى استحباب الجمع بين أخذ الشعر من الرأس واللحية والشارب وقص الأظفار وعدم المبالغة فيها ليبقى شيء للحج وعلى مرجوحية الطواف المندوب قبل التقصير.

قال في الدروس : إذا فرغ من السعي قصر وجوبا وهو نسك في نفسه لاستباحة محظور ويجب كونه بمكة ولا يجب كونه على المروة للرواية الدالة على جوازه في غيرها نعم يستحب عليها ولا يجزي الحلق عنه للرجل.

وقال في الخلاف : الحلق مجز والتقصير أفضل(٢) والأصح تحريمه ولو بعد التقصير فلو حلق عالما عامدا فشاة ويمر الموسى على رأسه يوم النحر لرواية إسحاق بن عمار(٣) .

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ص ١٥٤.

(٢) الخلاف : ج ١ ص ٢٦٠ مسئلة ١٤٥.

(٣) الوسائل : ج ٩ ص ٥٤٢ ح ٣.

٧٩

عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلم أظفارك وأبق منها لحجك وإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم وأحرمت منه فطف بالبيت تطوعا ما شئت.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل قال رأيت أبا الحسن عليه‌السلام أحل من عمرته وأخذ من أطراف شعره كله على المشط ثم أشار إلى شاربه فأخذ منه الحجام ثم أشار إلى أطراف لحيته فأخذ منه ثم قام.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن رفاعة بن موسى قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطوف بالبيت ويسعى أيتطوع بالطواف قبل أن يقصر قال ما يعجبني.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج وحفص بن البختري وغيرهما ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في محرم يقصر من بعض ولا يقصر من

وأوجب الأمرين ابن إدريس ويجزى مسمى التقصير من شعر الرأس وإن قل واجتزأ الفاضل بثلاث شعرات.

وفي المبسوط وجماعة شعر ولا فرق بين ما على الرأس وما نزل كالذؤابة.

والواجب إزالة الشعر بحديد أو نورة أو نتف أو قرض بالسن وعند التقصير يحل له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع ، للص على جوازه قولا وفعلا ، نعم يستحب له التشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط وكذا لأهل مكة طول الموسم ويكره الطواف بعد السعي قبل التقصير.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور. ويدل على كراهة الطواف المندوب قبل التقصير كما مر.

الحديث الرابع : حسن الفضلاء. ويدل على عدم وجوب التقصير من كل شعر.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282