وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٢

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى20%

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى مؤلف:
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: مكتبة الحديث وعلومه
الصفحات: 282

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88755 / تحميل: 5566
الحجم الحجم الحجم
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتب العلميّة
العربية

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

الجزء الثاني

تأليف

نور الدين علي بن أحمد السّمهودي

المحقق: خالد عبد الغني محفوظ

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي اختار رسوله محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أطيب الأرومات ، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على أشرف الكائنات ، وعلى آله وصحبه الذين فدوه بالأنفس والأموال وبالآباء والأمهات. وعلى من اتبعه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الفصل الرابع : الروايات في حنين الجذع

في خبر الجذع الذي كان يخطب إليهصلى‌الله‌عليه‌وسلم واتخاذه المنبر ، وما اتفق فيه ، وما جعل بدله بعد الحريق ، واتخاذ الكسوة له.

روينا في صحيح البخاري عن ابن عمر قال : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إلى جذع ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه ، فحن الجذع ، فأتاه فمسح يده عليه. وفيه عن جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ، فقالت امرأة من الأنصار ، أو رجل : يا رسول الله ، ألا نجعل لك منبرا؟ قال : إن شئتم ، فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة رفع إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضمّه إليه وهو يئن أنين الصبي الذي يسكن ، قال : كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها.

وفيه أيضا عنه : كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل ، فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صنع له المنبر فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت(١) العشار ، الحديث.

وعند النسائي في الكبرى عن جابر : اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج : أي التي انتزع ولدها منها. وعند ابن خزيمة عن أنس : فحنّت الخشبة حنين الواله(٢) . وفي روايته الأخرى عند الدارمي : خار ذلك الجذع كخوار الثور.

وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والدارمي وابن ماجه : فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق. وفي حديثه : فأخذ أبيّ بن كعب ذلك الجذع لما هدم المسجد فلم يزل عنده حتى بلى وعاد رفاتا. وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي : فأمر به أن يحفر له ويدفن ، وسيأتي أحاديث بذلك ، ولا تنافي بين ذلك ؛ لاحتمال أن يكون ظهر بعد الهدم عند التنظيف ، فأخذه أبيّ بن كعب.

__________________

(١) العشار : مفردها : العشراء ، من النّوق ونحوها : ما مضى على حملها عشرة أشهر. وفي التنزيل العزيز :( وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ ) [التكوير : ٤].

(٢) الواله : الذي اشتد حزنه حتى ذهب عقله.

٣

وقال أبو اليمن بن عساكر في تحفته : وفي رواية فلما جلس عليه أي المنبر حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها ، حتى نزل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضع يده عليها ، فلما كان من الغد رأيتها قد حوّلت ، فقلنا : ما هذا؟ قال : جاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر وعمر فحولوها ، انتهى.

وفي مسند الدارمي من حديث بريدة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب قام فأطال القيام ، فكان يشق عليه قيامه ، فأتى بجذع نخلة ، فحفر له وأقيم إلى جنبه قائما للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خطب فطال القيام عليه استند فاتكى عليه ، فبصر به رجل كان ورد المدينة فرآه قائما إلى جنب ذلك الجذع ، فقال لمن يليه من الناس : لو أعلم أن محمدا يحمدني في شيء يرفق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه ، فإن شاء جلس ما شاء ، وإن شاء قام ، فبلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ائتوني به ، فأتوه به ، فأمر أن يصنع له هذه المراقي الثلاث أو الأربع ، هي الآن في مسجد المدينة ؛ فوجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك راحة ، فلما فارق النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الجذع وعمد إلى هذه التي صنع له جزع الجذع فحنّ كما تحن الناقة ، حين فارقه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فزعم ابن بريدة عن أبيهرضي‌الله‌عنه أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سمع حنين الجذع رجع إليه فوضع يده عليه ، وقال : اختر أن أغرسك في المكان الذي كنت فيه فتكون كما كنت ، وإن شئت أن أغرسك في الجنة ، فتشرب من أنهارها وعيونها فتحسن زينتك ، وتثمر ، فتأكل كل أولياء الله من ثمرتك وتخلد ؛ فعلت ؛ فزعم أنه سمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول له : نعم قد فعلت ، مرتين ، فسئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : اختار أن أغرسه في الجنة.

ولفظه عند عياض : إن شئت أردك إلى الحائط الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ، ويكمل خلقك ، ويجدد لك خوص وثمرة ، وإن شئت أغرسك في الجنة فتأكل أولياء الله من ثمرك ، ثم أصغى له النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ما يقول ، فقال : بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله وأكون في مكان لا أبلي فيه فسمعه من يليه ، قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قد فعلت ، ثم قال : اختار دار البقاء على دار الفناء ، فكان الحسن إذا حدث بهذا بكى وقال : يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شوقا إليه لمكانه ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه ، وهو في كتاب يحيى بنحوه ، وفي حديث سهل بن سعد عند أبي نعيم : فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة ، فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم.

وفي لفظ عند ابن عبد البر : فلما جاوزه خار الجذع حتى تصدع وانشق ، فرجع إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، قال : فكان إذا صلّى صلى إليه ، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فلم يزل عنده حتى أكلته الأرضة وعاد رفاتا.

وهذا يبعد ما قدمناه من التأويل ؛ إذا ظاهره أنه لم يدفن.

ويحتمل : أن ذلك كان بعد دفنه ، ومشى يصلي إليه قريبا منه ؛ لأنه كان عند مصلّاه كما سنحققه.

٤

وفي كتاب يحيى عن أبي سعيد : كانصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إلى جذع نخلة ، فأتاه رجل رومي ، فقال : أصنع لك منبرا تخطب عليه ، فصنع له منبره الذي ترون ، فلما قام عليه فخطب حنّ الجذع حنين الناقة إلى ولدها ، فنزل إليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فضمّه فسكن ، وأمر به النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدفن ويحفر له.

وعن عائشةرضي‌الله‌عنها : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إلى جذع يتساند إليه ، فمر رومي فقال : لو دعاني محمد لعملت له ما هو أرفق له من هذا ، فذكروا ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل إليه ، فدعاه ، فجعل له المنبر ، ثم ذكر حنين الجذع وتخيير النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم له ، قال:فقالت : فسمعنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : فنعم ، فغار الجذع فذهب.

وعن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخطب إلى الجذع ، فلما اتخذ المنبر وعدل إليه حن الجذع حتى أتاه فاحتضنه فسكن ، وقال : لو لم أفعل هذا لحنّ إلى يوم القيامة.

وذكر الأسفراييني أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم دعاه إلى نفسه ، فجاء يخرق الأرض فالتزمه ، ثم أمره فعاد إلى مكانه.

صانع المنبر

وفي كتاب ابن زبالة عن خالد بن سعيد مرسلا أن تميما الداري كان يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يشتد عليه وجع كان يجده في فخذيه يقال له الزجر ، فقال له تميم : يا رسول الله ألا أصنع لك منبرا تقوم عليه ، فإنه أهون عليك إذا قمت وإذا قعدت؟ قال : وكيف المنبر؟ قال : أنا يا رسول الله أصنعه لك ، قال : فخرج إلى الغابة فقطع منها خشبات من أثل ، فعمل له درجتين : أي غير المقعد ، فتحول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الخشبة التي كان يستند إليها إذا خطب ، ثم ذكر حنينها ، وقال : بلغنا أنها دفنت تحت المنبر.

وعن المطلب بن حنطب أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالجذع فحفر له تحت المنبر فدفن هنالك ، قال:والذي عمل المنبر غلام نصيبة المخزومي ، وكان المنبر من أثلة كانت قريبا من المسجد.

وعن سهل بن سعد الساعدي نحو ما في الصحيح أن رجالا أتوا سهلا وقد امتروا في المنبر مم عوده ، فسألوه عن ذلك ، فقال : والله إني لأعرف ممّ هو ، ولقد رأيته أول يوم وضع ، وأول يوم جلس عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فلانة امرأة من الأنصار قد سماها سهل : مري غلامك النجار ، أن يعمل لي أعوادا أجلس عليها إذا كلمات الناس ، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة ، ثم جاء بها فأرسلت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بها فوضعت هاهنا ، ثم رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى عليها وكبر وهو عليها ، ثم ركع وهو عليها ، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر ، هذا لفظ الصحيح ، وزاد فيه ابن زبالة : وقطعت خشب المنبر بيدي مع الذي بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحملت إحدى الدرجات.

٥

ورواه يحيى بلفظ : عمل من أثل ، يعني المنبر ، وكنت ممن حمل درجته هذه ، ثم ذكر حنين الجذع ، وفي رواية للبخاري في كتاب الهبة «فجاءوا به ـ يعني المنبر ـ فاحتمله النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوضعه حيث ترون».

وقال الحافظ ابن حجر : صحف بعض الرواة قوله إلى فلانة امرأة من الأنصار فقال إلى علاثة (بالعين المهملة والمثلاثة) وهو خطأ ، والمرأة لا يعرف اسمها ، ونقل ابن التين عن مالك أن النجار كان مولى لسعد بن عبادة ؛ فيحتمل أنه كان في الأصل مولى امرأته ، ونسب إليه مجازا ، واسم امرأته فكيهة بنت عبيد بن دليم ، وهي ابنة عمه ؛ فيحتمل أن تكون هي المرأة ، لكن رواه ابن راهواه عن ابن عيينة وقال : مولى لبني بياضة ، ووقع عند الكرماني قيل : اسمها عائشة ، وأظنه صحّف المصحف ، ثم وجدت في الأوسط للطبراني من حديث جابر أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي إلى سارية في المسجد ، ويخطب إليها ، ويعتمد عليها ، فأمرت عائشة ، فصنعت له منبره هذا ، فذكر الحديث ، وإسناده ضعيف ، ولو صح لما دل على أن عائشة هي المرادة في حديث سهل هذا إلا بتعسف ، والله أعلم.

وأسند ابن سعد في الطبقات من حديث أبي هريرة ، ورجاله ثقات إلا الواقدي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان يخطب وهو مستند إلى جذع ، فقال : إن القيام قد شق علي ، فقال تميم الداري : ألا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام؟ فشاور النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم المسلمين في ذلك ، فرأوا أن يتخذه ، فقال العباس بن عبد المطلب : إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس ، فقال : مره أن يعمل» الحديث.

موضع الجذع

وأسند يحيى منقطعا عن ابن أبي الزناد وغيره أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخطب يوم الجمعة إلى جذع في المسجد كان موضعه عند الأسطوانة المخلّقة التي تلي القبر التي عن يسار الأسطوانة المخلّقة التي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي عندها التي هي عند الصندوق ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن القيام قد شق علي ، وشكاصلى‌الله‌عليه‌وسلم ضعفا في رجليه ، قالوا : فقال تميم الداري ـ وكان رجلا من لخم من أهل فلسطين ـ يا رسول الله أنا أعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام ، قالوا : فلما أجمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وذو الرأي من أصحابه على اتخاذه قال العباس بن عبد المطلب : إن لي غلاما يقال له كلاب أعمل الناس ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : مره يعمل ، فأرسله إلى أثلة بالغابة فقطعها ثم عملها درجتين ومجلسا ، ثم جاء بالمنبر فوضعه في موضعه اليوم ، ثم راح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الجمعة ، فلما جاوز الجذع يريد المنبر حن الجذع ثلاث مرات كأنه خوار بقرة ، حتى ارتاع الناس ، وقام بعضهم على رجليه ، فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى مسه بيده ، فسكن ، فما سمع له صوت بعد ذلك ، ثم رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المنبر فقام عليه ،

٦

فلم يزل كذلك في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبي بكر وعمر ، فلما هدم عثمان المسجد اختلف في الجذع ، فمنهم من قال : أخذه أبي بن كعب ، فكان عنده حتى أكلته الأرضة ، ومنهم من قال : دفن في موضعه.

شهرة حديث حنين الجذع

وقال عياض : حديث حنين الجذع مشهور منتشر ، والخبر به متواتر ، أخرجه أهل الصحيح ، ورواه من الصحابة بضعة عشر.

وقال البيهقي : قصة حنين الجذع من الأمور الظاهرة التي حملها الخلف عن السلف ، ورواية الأخبار الخاصة فيها كالتكلف ، وفيه دليل على أن الجمادات قد يخلق الله لها إدراكا كأشرف الحيوان.

وقد نقل ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن أبيه عن عمرو بن سواد عن الشافعي قال : ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا ، فقلت : أعطى عيسى إحياء الموتى ، قال : أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته ؛ فهذا أكبر من ذلك.

الموضع الذي دفن فيه الجذع

ونقل ابن زبالة اختلافا في دفن خشبته ؛ فعن عثمان بن محمد : دفنت دوين المنبر عن يساره ، وقال بعضهم : دفنت شرقي المنبر إلى جنبه ، وقال بعضهم : دفنت تحت المنبر ، وتقدم في رواية أنه دفن في موضعه الذي كان فيه ، ومحصل الرواية المتقدمة في كلام يحيى أنه كان في جهة المشرق يسار المصلّى الشريف.

ونقل ابن زبالة عن عبد العزيز بن محمد أن الأسطوان الملطّخ بالخلوق ثلثاها أو نحو ذلك محرابها موضع الجذع الذي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب إليه ، بينها وبين القبلة أسطوان ، وبينها وبين المنبر أسطوان.

بدعة اصطنعها الناس بسبب الجذع

قلت : وهذه الأسطوانة هي التي تقدم أنها علم المصلّى الشريف عن يمينه ، ولهذا روى عقبة ما قدمناه من القيام بمقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الصلاة لمن عدل عنها قليلا ، وهذا مستند المطري في قوله : وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لاصقا بجدار المسجد القبلي في موضع كرسي الشمعة اليمنى التي توضع عن يمين الإمام المصلّي في مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأسطوانة التي قبلي الكرسي متقدمة عن موضع الجذع ؛ فلا يعتمد على قول من جعلها في موضع الجذع ، قال : وفيها خشبة ظاهرة مثبتة بالرصاص سدادة لموضع كان في حجر من حجارة الأسطوانة مفتوح قد حوط عليه بالبياض والخشبة ظاهرة ، تقول العامة : هذا الجذع الذي حن إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس كذلك بل هو من جملة البدع التي يجب إزالتها

٧

لئلا يفتن بها الناس ، كما أزيلت الجزعة التي كانت في المحراب القبلي ، وذكر قصة الجزعة التي قدمناها.

وقال المجد : إن الخشبة المذكورة كان يزدحم على زيارتها والتمسح بها ، ويعتقد الناس عامة أنها الجذع ، فظن بعض الفقهاء أن هذا من المنكر الذي يتعين إزالته ، وصرح بهذا في كتبه ، إلى أن وافق على ذلك شيخنا العز بن جماعة فأمر بإزالتها ، إلى آخر ما قدمناه عنه.

قال : وكان موضع الخشبة من الأسطوان المذكور على مقدار ذراعين من الأرض ارتفاعا ، وقد طلي عليه بالقصة ، ولا عين منه ولا أثر.

قلت : الذي يظهر ـ كما قدمته ـ أن هذه الخشبة كانت من العود الذي كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يضع يده عليه ويقول : عدلوا صفوفكم ، كما تقدم ، والله أعلم.

عود إلى الاختلاف في صانع المنبر

ونقل ابن زبالة الاختلاف في الذي عمل المنبر ، فقيل : غلام نصيبة المخزومي ، وقيل: غلام للعباس ، وقيل : غلام لسعيد بن العاص يقال له باقول (بموحدة وقاف مضمومة) وقيل : غلام لامرأة من الأنصار من بني ساعدة ، أو لامرأة لرجل منهم يقال له مينا ، وقوله «يقال له مينا» يحتمل المولى وزوج المرأة ، لكن عند يحيى قال إسماعيل بن عبد الله : الذي عمل المنبر غلام الأنصارية واسمه مينا ، وعند ابن بشكوال عن أبي بن أويس : عمل المنبر غلام لامرأة من الأنصار من بني سلمة أو بني ساعدة أو امرأة لرجل منهم يقال له مينا ، وهذا محتمل كالأول ، وقيل : عمله تميم الداري ، هذا حاصل ما ذكره ابن زبالة ، وفي رواية ليحيى : عمل المنبر صباح غلام العباس (بضم المهملة بعدها موحدة خفيفة) وتقدم تسميته كلابا ، ونقل المراغي عن بعض شيوخه أن الذي عمله باقوم (بالميم) باني الكعبة لقريش ، وفي الاستيعاب عن باقوم الرومي قال : صنعت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم منبرا من طرفاء له ثلاث درجات : المقعدة ، ودرجتيه ، قال ابن عبد البر : وإسناده ليس بالقائم.

وفي طبقات ابن سعد أن الصحابة قالوا : يا رسول الله إن الناس قد كثروا ، فلو اتخذت شيئا تقوم عليه إذا خطبت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما شئتم ، قال سهلرضي‌الله‌عنه : ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد ، فذهبت أنا وذاك النجار إلى الغابة فقطعنا هذا المنبر من أثلة ، وفي لفظ : فحمل سهل منهن خشبة ، قال المجد : إسنادهما صحيح ، وعند قاسم بن أصبغ : وكان بالمدينة نجار واحد يقال له ميمون ، فذكر الحديث ، وعند الطبراني عن سهل : كنت جالسا مع خال لي من الأنصار ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخرج إلى الغابة وأتني من خشبها فاعمل لي

٨

منبرا ، الحديث. وأخرج الطبراني بإسناد فيه متروك أن اسم صانع المنبر إبراهيم ، وفي أسماء الصحابة لابن شبة مرسلا : اسمه قبيصة أو قصيبة بتقديم الصاد ، المخزومي ، مولاهم ، وعند أبي داود بإسناد جيد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما بدّن قال تميم الداري : يا رسول الله ألا تتخذ لك منبرا يحمل ـ أو يجمع ـ عظامك ، قالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : بلى ، فاتخذ له منبرا مرقاتين : أي غير المقعدة.

قال الحافظ ابن حجر : وليس في الروايات التي سمي فيها النجار قوي السند إلا هذا ، وليس فيه تصريح بأن الذي اتخذ المنبر تميم ، بل قد تبين من رواية ابن سعد المتقدمة أن تميما لم يعمله ، وأشبه الأقوال بالصواب أنه ميمون ؛ لكون الإسناد من طريق سهل ، ولا اعتداد بالأقوال الأخرى لكونها واهية.

قلت : ولا ينافيه قوله في مقدمة الشرح «باقوم أشهر الأقوال» فقد يشتهر الواهي.

وفي التحفة لابن عساكر : روينا من حديث أبي كبشة السلولي عن معاذرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أتّخذ منبرا فقد اتخذه أبي إبراهيم ، وإن اتخذ العصا فقد اتخذها أبي إبراهيم ، صلى الله عليهما وسلم.

وأسند ابن النجار من حديث أنس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جنب خشبة مسندا ظهره إليها ، فلما كثر الناس قال : ابنوا لي منبرا ، فبنوا له منبرا له عتبتان ، وهو يقتضي أن المنبر كان بناء ، ويحتمل أنه أطلق على تأليفه من الأخشاب اسم البناء ، لكن قال الحافظ ابن حجر : حكى بعض أهل السير أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان يخطب على منبر من طين قبل أن يتخذ المنبر الذي من خشب» ويعكر عليه ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب.

قلت : يحتمل أن ذلك المنبر المتخذ من الطين كان إلى جانب الجذع ، وكأنه كان بناء مرتفعا فقط ، وليس له درج ومقعدة بحيث يكمل الارتفاق به ؛ فلا ينافي ما تقدم في سبب اتخاذ المنبر من خشب ، ويؤيد ذلك ما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت : فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على المنبر ، الحديث ، وهذه القصة متقدمة على اتخاذ المنبر من الخشب ؛ فقد جزم ابن النجار بأن عمله كان سنة ثمان ، وجزم ابن سعد بأنه كان في السنة السابعة ، على أن ذكر تميم والعباس في عمله كما تقدم يقتضي تأخره عن ذلك أيضا ؛ فقد كان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان ، وقدوم تميم سنة تسع ، وفي بعض طرق الحديث : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يجلس بين أصحابه ، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو ، فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ، فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه ، الحديث. وفي بعض طرقه أنه جاء والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب أي : على ذلك الدكان ، والله أعلم.

٩

وروى يحيى عن ابن أبي الزناد أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يجلس على المجلس ، ويضع رجليه على الدرجة الثانية ، فلما ولي أبو بكر قام على الدرجة الثانية ، ووضع رجليه على الدرجة السفلى ، فلما ولي عمر قام على الدرجة السفلى ، ووضع رجليه على الأرض إذا قعد ، فلما ولي عثمان فعل ذلك ست سنين من خلافته ؛ ثم علا إلى موضع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

ثم قال : قالوا فلما استخلف معاوية زاد في المنبر ، فجعل له ست درجات ، وكان عثمان أول من كسا المنبر قبطية.

أراد معاوية أن ينقل المنبر إلى الشام

قالوا : فلما قدم معاوية عام حج حرك المنبر ، وأراد أن يخرجه إلى الشام ، فكسفت الشمس يومئذ ، حتى بدت النجوم ، فاعتذر معاوية إلى الناس ، وقال : أردت أنظر إلى ما تحته ، وخشيت عليه من الأرضة. قال بعضهم : وكساه يومئذ قبطية أو لينة. ثم أسند عن سعيد ابن عمرو قصة تحريك معاوية للمنبر ، وأن الشمس كسفت ، واعتذاره بأن خشي عليه الأرضة ، وأنه كساه يومئذ قبطية يكون عليه أو لينة ، فكان يقال : هو أول من كساه ، قال يحيى : وأثبتهما عندنا أن عثمان هو أول من كساه ، وقد نقل ذلك ابن النجار عن الواقدي عن ابن أبي الزناد ، قال : فسرقت الكسوة امرأة ، فأتى بها عثمان ، فقال لها : هل سرقت؟ قولي لا ، فاعترفت ، فقطعها ، واتفق لامرأة مع ابن الزبير مثل ذلك.

وفي تاريخ الواقدي : أراد معاويةرضي‌الله‌عنه سنة خمسين تحويل منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى دمشق ، فكسفت الشمس يومئذ ، وكلمه أبو هريرةرضي‌الله‌عنه فيه ، فتركه ، فلما كان عبد الملك أراد ذلك فكلمه قبيصة فتركه ؛ فلما كان الوليد أراد ذلك فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز فكلمه فيه فتركه ، فلما كان سليمان قيل له في تحويله قال : لا ؛ ها الله ، أخذنا الدنيا ونعمد إلى علم من أعلام الإسلام نريد تحويله؟ ذاك شيء لا أفعله ؛ وما كنت أحب أن يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد! ما لنا ولهذا؟

رفع المنبر ست درجات

وأسند ابن زبالة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال : بعث معاويةرضي‌الله‌عنه إلى مروان يأمره أن يحمل إليه منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر به أن يقلع ، فأظلمت المدينة ، وأصابتهم ريح شديدة ، قال : فخرج عليهم مروان فخطبهم ، وقال : يا أهل المدينة إنكم تزعمون أن أمير المؤمنين بعث إلى منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمير المؤمنين أعلم بالله من أن يغير منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ما وضعه عليه ، إنما أمرني أن أكرمه وأرفعه ، قال : فدعا نجارا فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ، ووضعه موضعه اليوم.

وفي رواية له عن ابن قطن : قلع مروان بن الحكم منبر رسول الله ، وكان درجتين

١٠

والمجلس ، وأراد أن يبعث به إلى معاوية ، قال : فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم ، قال : فزاد فيه ست درجات ، وخطب الناس فقال : إني إنما رفعته حين كثر الناس.

وعند يحيى في رواية أخرى : كتب معاويةرضي‌الله‌عنه إلى مروان وهو على المدينة أن أرسل لي بمنبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخرج مروان فقلعه ، فأصابتنا ريح مظلمة بدت فيها النجوم نهارا ، ويلقى الرجل الرجل يصكه فلا يعرفه ، وذكر اعتذار مروان المتقدم ، وقال : إنما كتب إلي يأمرني أن أرفعه من الأرض ، فدعا له النجاجرة ، فعمل هذه الدرجات ورفعوه عليها ، وهي ـ أي الدرجات التي زادها ـ ست درجات ، قال : ثم لم يزد فيه أحد قبله ولا بعده.

وقال ابن زبالة عقب حديث رواه من طريق سفيان عن كثير بن زيد عن المطلب ما لفظه : والذي زاد في درج المنبر معاوية بن أبي سفيان.

قال سفيان : قال كثير : فأخبرني الوليد بن رباح قال : كسفت الشمس يوم زاد معاوية في المنبر حتى رؤيت النجوم.

وروى ابن النجار زيادة مروان فيه ، وأنه صار تسع درجات بالمجلس ، عن ابن أبي الزناد ، ثم قال : ولما قدم المهدي المدينة سنة إحدى وستين ومائة ، فقال لمالك بن أنس : إني أريد أن أعيد منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على حاله ، فقال له مالك : إنما هو من طرفاء ، وقد سمّر إلى هذه العيدان وشد ، فمتى نزعته خفت أن يتهافت ويهلك ، فلا أرى أن تغيره ، فانصرف المهدي عن تغييره.

وروى ابن شبة قصة المهدي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أبي فديك.

عدد درجات المنبر

قلت : وجميع ما قدمناه من كلام المؤرخين مقتض لاتفاقهم على أن منبرهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان درجتين غير المجلس ونقله ابن النجار عن الواقدي ، لكن سبق في رواية الدارمي «هذه المراقي(١) الثلاث أو الأربع» على الشك ، وفي صحيح مسلم «هذه الثلاث درجات» من غير شك ، وقال الكمال الدميري في شرح المنهاج : وكانصلى‌الله‌عليه‌وسلم منبره ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح ، ولعل مأخذه ظاهر ذلك مع حديث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رقي المنبر فلما رقي الدرجة الأولى قال : آمين ، ثم رقي الدرجة الثانية فقال : آمين ، ثم رقي الدرجة الثالثة فقال : آمين ، فقالوا : يا رسول الله سمعناك قلت آمين ثلاث مرات ، قال : لما رقيت الدرجة الأولى جاء جبريلعليه‌السلام فقال : شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ عنه فلم يغفر له ، قلت :

__________________

(١) المراقي : وسائل الرقي أو آلاته ، مفردها : مرقاة.

١١

آمين ، ثم قال : شقي عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك ، قلت : آمين ، ثم قال : شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين ، رواه يحيى بن الحسن عن جابر ، ورواه الحاكم عن كعب بن عجرة(١) وقال : صحيح الإسناد ، ولفظه : قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : احضروا المنبر ، فحضرنا ، فلما رقي درجة قال : آمين ، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين ، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين ، فلما نزل قلنا : يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه ، قال : إن جبريل عرض لي فقال : بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له ، قلت : آمين ؛ فلما رقيت الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك ، فقلت : آمين ، فلما رقيت الثالثة قال : بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، قلت : آمين ، ويمكن حمله على أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ارتقى حينئذ على المجلس وهي الدرجة الثالثة.

مساحة المنبر

قال ابن زبالة : وطول منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة ذراعان في السماء ، وعرضه ذراع في ذراع ، وتربيعه سواء ، وفيه مما كان يلي ظهره إذا قعد ثلاثة أعواد تدور ، ذهب إحداهن ، وانقلعت إحداهن سنة ثمان وتسعين ومائة ، وأمر به داود بن عيسى فأعيد ، وفيما عمل مروان في حائط المنبر الخشب عشرة أعواد لا يتحركن ، وطول منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتفع في السماء مع الخشب الذي عمله مروان ـ أي الأعواد المتقدمة ـ ثلاث أذرع ونصف.

وقال عقب كلامه الآتي في ذرع ما عليه المنبر اليوم ، يعني زمنه ، ما لفظه : وطول المجلس ـ أي مجلسهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شبران وأربع أصابع في مثل ذلك. مربع ؛ فقوله أولا : «وعرضه ذراع في ذراع» إنما أراد به مقعد المنبر ؛ لما قاله هنا في وصف المقعد بدون درجتيه ؛ ولأنه قال هنا عقب ما تقدم : وما بين أسفل قوائم منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم الأول إلى رمانته خمسة أشبار وشيء ؛ وعرض درجه شبران ، وطولها شبر ، وطوله من ورائه ـ يعني محل الاستناد ـ شبران وشيء ؛ فيؤخذ من ذلك أن امتداد المنبر النبوي من أوله ـ وهو ما يلي القبلة ـ إلى ما يلي آخره في الشام أربعة أشبار وشيء ؛ لقوله : إن عرض درجه شبران ، وإن المجلس شبران وأربع أصابع ، وقوله : «وما بين أسفل قوائم منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى آخره» معناه أن من طرف المنبر النبوي الذي يلي الأرض إلى طرف رمانته التي يضع عليها يده الكريمة خمسة أشبار وشيء ؛ وذلك نحو ذراعين ونصف ، وقد تقدم أن ارتفاع المنبر النبوي خاصة ذراعان ؛ فيكون ارتفاع الرمانة نحو نصف ذراع.

وقال ابن النجار : طول منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذراعان وشبر وثلاث أصابع ، وعرضه ذراع

__________________

(١) أبو محمد ، القضاعي ، البلوي ، المدني ، حليف القوافل ، مات سنة إحدى وخمسين روى عنه البخاري ومسلم.

١٢

راجح ، وطول صدره ـ وهو مستند النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذراع ، وطول رمانتي المنبر اللتين كان يمسكهما بيده الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان ، وعرضه ذراع في ذراع ، يريد وتربيعه سواء ، ولا يخفى ما فيه من المخالفة لكلام ابن زبالة.

وقال ابن زبالة في الكلام على فضل ما بين القبر والمنبر ، بعد ذكر المرمر الذي حول المنبر ، ما لفظه : وفي المنبر من أسفله إلى أعلاه سبع كوى(١) مستطيرة من جوانبه الثلاث ، وفي جنبه الذي عمل مروان من قبل المشرق ثماني عشرة كوة(١) مستديرة شبه المربعة ، ومن قبل المغرب ثماني عشرة كوة مثل ذلك ، وكان فيه خمسة أعواد تدور ، فذهب بعضها وبقي اثنان منها ، فسقط أحدهما في سلطان داود بن عيسى على المدينة في سنة ثمان وتسعين ومائة ، فأمر به فأعيد.

وقال في موضع آخر : وفيما عمل مروان في حائط المنبر الخشب عشرة أعواد لا يتحركن ، ثم قال : وفي منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة خمسة أعواد من جوانبه الثلاث ، فذهب بعضها.

وقال بعد ما تقدم عنه في ذرع منبرهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لفظه : وذرع طول المنبر اليوم أربع أذرع ، وعرضه ذراع وشيء يسير ، وما بين الرمانة المؤخرة والرمانة التي كانت في منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم القديم ذراع وشيء ، وما بين رمانة منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الرمانة المحدثة في مقدم المنبر ذراعان وعظم الذراع ، وما بين الرمانة والأرض ثلاث أذرع وشيء ، وطول المنبر اليوم من أسفل عتبته إلى مؤخره سبع أذرع ـ أي بتقديم السين ـ وشبر ، وطوله في الأرض إلى مؤخره ست أذرع ، هذه عبارته بحروفها ، ويتعين حمل كلامه على أن امتداد المنبر في الأرض من أسفل عتبته الرخام التي أمامه إلى مؤخر المنبر سبعة أذرع وشبر ، وطول امتداده وهو في الأرض إلى مؤخره مع إسقاط العتبة ست أذرع ، حتى يلتئم كلامه ، وقد ذكر فيما قدمناه عنه أن حول المنبر مرمر مرتفع قدر الذراع ، وفيه شيء محدث غير مرتفع زاده الحسن بن زيد.

وقال في موضع آخر : والمنبر مبني فوق رخام ، وهو في وسط الرخام ، فسمي المرمر رخاما ، وقال : إن هذا الرخام حده من الأسطوانتين اللتين في قبلة المنبر ـ أي خلفه ـ إلى الأسطوانتين اللتين تليانهما مما يلي الشام ـ أي أمام المنبر ـ وقد سمى ابن النجار هذا الرخام الذي عليه المنبر دكة ، وقال : إن طولها شبر وعقد ، يعني في الارتفاع ، وسمى ذلك أبو الحسين بن جبير في رحلته حوضا ، وكأنه أخذ هذه التسمية مما ورد في أن المنبر على الحوض ، وذكر في طول هذا الرخام وعرضه ما يقرب مما قدمناه في حدود المسجد النبوي ، قال : وارتفاعه شبر ونصف.

__________________

(١) الكوى جمع كوّة : الخرق في الحائط.

(١) الكوى جمع كوّة : الخرق في الحائط.

١٣

قلت : ولما حفر متولي العمارة في زماننا أرض المسجد الشريف وسواها بأرض المصلى الشريف وجد هذا الرخام المذكور ، وارتفاعه عن أرض المصلى الشريف نحو ما ذكره ابن النجار وابن جبير ؛ ثم لما أرادوا تأسيس المنبر الرخام الآتي ذكره حفروا حول الدكة المذكورة فظهر أنها منخفضة عن أرض المصلّى الشريف التي استقر عليها الحال اليوم يسيرا ، وخلفها من جهة القبلة إفريز نحو ثلث ذراع ، وطولها سبع أذرع ، بتقديم السين ، وشبر ، وهي مجوفة شبيهة بالحوض ، فصح ما ذكره ابن جبير في تسميتها حوضا ، وصح أيضا ما سيأتي عنه من أن سعة المنبر خمسة أشبار ؛ لأن جوف هذا الحوض الذي وجدناه بما دخل من عمودي المنبر في أحجاره خمسة أشبار ، وقول ابن زبالة أولا «وذرع طول المنبر اليوم أربع أذرع» مراده ارتفاعه في الهواء مع الدرج الست التي زادها مروان ؛ فيكون طول الدرج الست ذراعين ؛ فتكون كل درجة ثلث ذراع ، فيقرب مما قدمه ابن زبالة في طول درج منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو الذي تقتضيه المناسبة.

ونقل الزين المراغي عن ابن زبالة أنه قال : طول منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بما زيد فيه أربعة أذرع ، ومن أسفل عتبته إلى أعلاه تسعة أذرع وشبر.

قلت : كذا رأيته بخط الزين ، وضبط قوله : «تسعة أذرع» بتقديم التاء الفوقية ، وهو غلط في النسخة التي وقعت له ؛ لأن الذي قدمناه عن ابن زبالة إنما هو من أسفل عتبته إلى مؤخره ، وقررناه بما تقدم ، وإنما قضينا على ذلك بالغلط لأنه حينئذ لا يلتئم أطراف كلامه ، ولأنه يقتضي أن يكون ارتفاع المنبر في الهواء تسعة أذرع ، بتقديم التاء ، وشبرا ، فإذا قام عليه القائم يقرب من سقف المسجد ، ويبعد كل البعد كون منبر في ذلك الزمان ارتفاعه هذا القدر ، وأيضا فابن زبالة قد صرح بأن الذي زاده مروان ست درج ، فيلزم أن يكون كل درجة ذراعا وشيئا ، وهو في غاية البعد ، وما نقلناه عن ابن زبالة يقرب مما ذكره ابن النجار ؛ فإنه قال عقب ما قدمناه عنه في وصف منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما لفظه : وطول المنبر اليوم ثلاثة أذرع وشبر وثلاث أصابع ، والدكة التي عليها من رخام طولها شبر وعقد ، ومن رأسه ـ أي المنبر ـ دون دكته إلى عتبته خمسة أذرع وشبر وأربع أصابع ، وقد زيد فيه اليوم عتبتان وجعل عليه باب يفتح يوم الجمعة ، انتهى ؛ فهو قريب مما ذكره ابن زبالة من أن طول المنبر ـ يعني في الهواء ـ أربعة أذرع ، وامتداده هو خاصة في الأرض من عتبته إلى مؤخره ستة أذرع ، ويوافق أيضا ما ذكره الفقيه أبو الحسين محمد بن جبير من حديث القدر ، فإنه قال : رأيت منبر المدينة الشريف في عام ثمان وسبعين وخمسمائة ، وارتفاعه من الأرض نحو القامة أو أزيد ، وسعته خمسة أشبار ، وطوله خمس خطوات ، وأدراجه ثمانية ، وله باب على هيئة الشباك مقفل يفتح يوم الجمعة ، وطوله ـ أي الباب ـ أربعة أشبار ونصف شبر ، وهذا

١٤

المنبر هو الذي وصفه ابن النجار فيما يظهر ؛ لأنه وضع تاريخه سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ، وتوفي قبل حريق المسجد سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وكان احتراق المسجد كما سيأتي سنة أربع وخمسين وستمائة ، وفيه احترق هذا المنبر ، وفقد الناس بركته.

وقد زاد ابن جبير على ابن النجار في وصف هذا المنبر فقال : وهو مغشّى بعود الآبنوس ، ومقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من أعلاه ظاهر قد طبق عليه لوح من الآبنوس غير متصل به يصونه من القعود عليه ؛ فيدخل الناس أيديهم إليه ويمسحونه بها تبركا بلمس ذلك المقعد الكريم ، وعلى رأس رجل المنبر الأيمن حيث يضع الخطيب يده إذا خطب حلقة فضة مجوفة مستطيلة تشبه حلقة الخياط التي يضعها في أصبعه إلا أنها أكبر منها ، وهي لاعبة تستدير في موضعها ، انتهى.

والظاهر : أن هذا المنبر غير الذي وصفه ابن زبالة لأنه لم يصفه بذلك ، ويوضح ذلك ما ذكره في الطراز لسند من المالكية حيث قال : إن منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل عليه منبر كالغلاف ، وجعل في المنبر الأعلى طاق مما يلي الروضة ، فيدخل الناس منها أيديهم يمسحون منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتبركون بذلك ، انتهى ؛ فهذا شيء حدث بعد ابن زبالة.

وقد قال المطري : حدثني يعقوب بن أبي بكر من أولاد المجاورين ، وكان أبوه أبو بكر فراشا من قوام المسجد ، وهو الذي كان حريق المسجد على يده ، أن المنبر الذي زاده معاوية ورفع منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم تهافت على طول الزمان ، وأن بعض خلفاء بني العباس جدده ، واتخذ من بقايا أعواد منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمشاطا للتبرك ، وعمل المنبر الذي ذكره ابن النجار فيما تقدم.

قال يعقوب : سمعت ذلك من جماعة بالمدينة ممن يوثق بهم ، وأن المنبر المحترق هو الذي جدده الخليفة المذكور ، وهو الذي أدركه ابن النجار ؛ لأن وفاته قبل الحريق.

قلت : وظاهر كلام ابن عساكر في تحفته أنه كان قد بقي من المنبر الشريف بقايا فقط إلى احتراق المسجد ، وهو من أدرك حريقه ، وأورد في كتابه ما ذكره شيخه ابن النجار ، ولفظه : وقد احترقت بقايا منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم القديمة ، وفات الزائرين لمس رمانة المنبر التي كانصلى‌الله‌عليه‌وسلم يضع يده المقدسة المكرمة عليها عند جلوسه عليه ، ولمس موضع جلوسه منه بين الخطبتين وقبلهما ، ولمس موضع قدميه الشريفتين بركة عامة ونفع عائد ، وفيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عوض من كل ذاهب ودرك من كل فائت ، انتهى. وهو صريح في بقاء ما ذكره إلى حين الحريق ، ويؤيده ما تقدم عن رحلة ابن جبير وصاحب الطراز ، بل ظفرنا بما يشهد لصحة ذلك ؛ فإنه لما أراد متولي العمارة تأسيس المنبر الرخام الآتي ذكره حفروا على الدكة التي تقدم أن المنبر

١٥

كان عليها فوجدت مجوفة كالحوض ، وبه عبر ابن جبير عنها ، فوجدوا فيما يلي القبلة منها قطعا كثيرة من أخشاب المنبر المحترق ـ أعني الذي كان فيه بقايا منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فوضعها الأقدمون في جوف ذلك المحل حرصا على البركة ، وبنوا فوقها بالآجر بحيث سدوا جوف ذلك الحوض كله ، فصار دكة مستوية ، ووضعوا المنبر الآتي ذكره عليها ، وشاهدت آثار قائمتي المنبر الشريف اللتين كان بأعلاهما رمانتاه قد نحت لهما في الحجر المحيط بالحوض المذكور على نحو ذراع وثلث من طرف باطن الحوض المذكور مما يلي القبلة ، وسعة الحوض المذكور خمسة أشبار كما ذكره ابن جبير في سعة المنبر ، وعرض جدار الحوض المذكور خلف المنبر نحو نصف ذراع ، وقد حرصت على وضع ما وجد من تلك الأخشاب في محلها ، فوضع ما بقي منها في محله من الحوض المذكور ، وبنوا عليه كما سيأتي ، والله أعلم.

ولما احترق المنبر المذكور في جملة الحريق أرسل الملك المظفر صاحب اليمن في سنة ست وخمسين منبرا له رمانتان من الصندل ، فنصب في موضع منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كما ذكره المطري فمن بعده ، قال : ولم يزل يخطب عليه عشر سنين ، فلما كان في سنة ست وستين وستمائة أرسل الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري هذا المنبر الموجود اليوم أي : زمن المطري ، فقلع منبر صاحب اليمن ، وحمل إلى حاصل الحرم ، ونصب هذا المنبر مكانه ، وطوله أربع أذرع في السماء ، ومن رأسه إلى عتبته سبع أذرع يزيد قليلا ، وعدد درجاته تسع بالمقعد.

قال المجد : وله باب بمصراعين ، في كل مصراع رمانة من فضة ، ومكتوب على جانبه الأيسر اسم صانعه «أبو بكر بن يوسف النجار» وكان من أكابر الصالحين الأخيار ، وهو الذي قدم بالمنبر إلى المدينة ، فوضعه في موضعه ، فأحسن وضعه ، وأتقن نجارته وصنعته ، ثم انقطع في المدينة.

قال الزين المراغي : وبقي منبر الظاهر بيبرس يخطب عليه من سنة ست وستين وستمائة إلى سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، فكانت مدة الخطبة عليه مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة ، فبدأ فيه أكل الأرضة ؛ فأرسل الظاهر برقوق صاحب مصر هذا المنبر الموجود اليوم : أي زمن المراغي ، أرسله في آخر سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، وقلع منبر الظاهر بيبرس ، انتهى.

قلت : ولم يزل هذا المنبر موجودا إلى ما بعد العشرين وثمان مائة ، كما أخبرني به جماعة من مشايخ الحرم منهم الشيخ صالح المعمر الجمال عبد الله بن قاضي القضاة عبد الرحمن بن صالح ، قال : فأرسل سلطان مصر الملك «المؤيد شيخ» هذا المنبر الموجود اليوم عام اثنين وعشرين وثمان مائة.

ثم رأيت في كلام الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر أن المنبر الموجود اليوم أرسله المؤيد

١٦

سنة عشرين وثمان مائة ؛ فهذا هو المعتمد ، لكن لم يطلع ابن حجر على ما ذكره المراغي من منبر الظاهر برقوق ، وجعل إتيان منبر المؤيد هذا بدلا عن منبر الظاهر بيبرس ، وكلام المراغي أولى بالاعتماد في ذلك ؛ فإنه كان بالمدينة حينئذ ، وعلى هذا فمدة الخطبة على منبر الظاهر برقوق ثلاث أو أربع وعشرون سنة ، ثم وضع منبر المؤيد.

وأخبرني السراج النفطي أنه صنعه أهل الشام ، وجاءوا به المؤيد ليجعله بمدرسته المؤيدية ، فوجدوا أهل مصر قد صنعوا لها منبرا ، فجهز المؤيد منبر أهل الشام إلى المدينة الشريفة ، وقال لي الجمال عبد الله بن صالح : شاهدت وضعه موضع المنبر الذي كان قبله.

قلت : ويدل على صحة ذلك ما قدمناه من اختبار ذرع ما بينه وبين المصلى الشريف ؛ إذ المنقول أن بينهما أربعة عشر ذراعا وشبرا ، وقد اختبرته من ناحية المصلى الشريف إلى ما حاذاه من المنبر في المغرب فكان كذلك ؛ فوضعه من هذه الجهة صحيح لا شك فيه ، وأما من جهة القبلة فقد قال المطري : إن المنبر الذي أدركه بينه وبين الدرابزين الذي في قبلة الروضة مقدار أربعة أذرع وربع ذراع ، وقد ذكر الزين المراغي في كتابه ما ذكره المطري من الذرع ، ولم يتعقبه ؛ فاقتضى أن المنبر الذي تقدم وضعه في زمنه وضع موضع المنبر الذي كان في زمان المطري ، وأقر أيضا قول المطري في حدود المسجد أن المنبر لم يغير عن منصبه الأول.

وقد ذكر ابن جماعة أيضا ذرع ما بين المنبر والدرابزين ، وهو يعني المنبر الموجود زمن المطري ، فقال : إن بينهما ثلاثة أذرع بذراع العمل ، وهو أزيد مما ذكره المطري بربع ذراع راجح ؛ لأن ذراع العمل كما تقدم ذراع ونصف ، وكأن المطري يعني ذراع المدينة اليوم كما يؤخذ من كلام المراغي فيوافق كلام ابن جماعة ، والذي بين هذا المنبر الموجود اليوم وبين الدرابزين المذكور ذراعان وثلث بذراع العمل ، وذلك ثلاثة أذرع ونصف من الذراع الذي قدمنا أنه المراد عند الإطلاق ؛ فيحتمل أن يكون هذا المنبر مقدم الوضع لجهة القبلة على المنبر الذي كان قبله ، وهو مقتضى ما نقله الأثبات ، لكني أستبعده للأخبار ممن لقيناه بوضعه موضع ذاك.

ثم تبين عند انكشاف الدكة التي تقدم ذكرها من آثار المنبر المحترق قديما ما علمنا به صواب ما ذكره المطري وغيره أن هذا المنبر مقدم الوضع على الذي قبله من جهة القبلة بما يقرب من ذراع ، وكذا ظهر زيادته من جهة الشام أيضا على الدكة الأصلية المتقدم وصفها بقريب من ذراع ، ووجد محرفا عنها من طرفه الشامي نحو المغرب قدر شبر لما فيها من التيامن الذي تقدمت الإشارة إليه في التنبيه الثالث من الفصل قبله ، وكنت قد أيدت وضعه بكونه أقرب إلى ما ورد فيما كان بين المنبر والجدار القبلي كما سيأتي فانكشف الحق لذي

١٧

عينين ، والذي لقيناه وأخبر بوضعه موضع المنبر الذي كان قبله هو الجمال بن صالح في آخر عمره ، وكان غير تام الضبط حينئذ ، وكنت قد أيدت خبره بأنا قد قدمنا إلى الصندوق الذي في قبلة المصلى الشريف في عرض الجدار ، وأن المصلى الشريف لم يغير باتفاق ، وأن منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بينه وبين الجدار القبلي ممر الشاة أو ممر الرجل منحرفا ، وأقصى ما قيل فيه ذراع وشيء كما قدمناه ، فإذا أسقطت قدر ما بين طرف المصلى الشريف والدرابزين الذي أمامه مما بين المنبر اليوم والدرابزين المذكور وهو ثلاثة أذرع ونصف بقي ذراع ، وهو نحو القدر المنقول فيما بين المنبر القديم وجدار المسجد الشريف ، ثم تبين لنا مما سبق في حدود المسجد النبوي وبانكشاف المرمر الذي في قبلة المنبر تقدم الدرابزين المذكور عن ابتداء المسجد النبوي بأزيد من ذراع كما قدمناه في حدود المسجد النبوي ؛ فالصواب ما ذكره المطري ومن تبعه.

وطول هذا المنبر في السماء سوى قبته وقوائمها ، بل من الأرض إلى محل الجلوس ، ستة أذرع وثلث ، وارتفاع الخافقتين اللتين يمين المجلس وشماله ذراع وثلث ، وامتداد المنبر في الأرض من جهة بابه إلى مؤخره ثمانية أذرع ونصف راجحة ، وعدد درجه ثمانية ، وبعدها مجلس ارتفاعه نحو ذراع ونصف ، وقبته مرتفعة ، ولها هلال قائم عليها مرتفع أيضا ، وما أظن منبرا وضع قبله في موضعه أرفع منه ، وله باب بصرعتين.

وقد احترق هذا المنبر في حريق المسجد الثاني الحادث في رمضان عام ستة وثمانين وثمان مائة ، فكانت مدة الخطبة عليه نحو سبع وستين سنة.

ولما نظف أهل المدينة محله جعلوا في موضعه منبرا من آجر مطلي بالنورة ، واستمر يخطب عليه إلى أثناء شهر رجب سنة ثمان وثمانين ، فهدم رابع الشهر المذكور ، وحفروا لتأسيس المنبر الرخام الموجود اليوم ظاهر الدكة المتقدم ذكرها ، فوجدت على النحو المتقدم ، ونقضوا من بعضها قريب القامة فلم يبلغوا نهايتها ، ووجدوها محكمة التأسيس في الأرض ، فأعادوها كما كانت ، إلا ما كان فوقها من نحو أزيد من نصف ذراع من الآجر ، وسوّوا ما وجد مجوفا منها كالحوض بالبناء بعد وضع ما تقدم ذكره مما وجد بمقدمها من بقايا المنبر القديم المحترق في الحريق الأول بمقدمها أيضا ، وكانوا قد سألوني عن ابتداء حد المنبر القديم من جهة القبلة والروضة فأخبرتهم بذلك ، وأن ذلك الحوض وما به من محل قوائم المنبر الأصلي إمام يقتدى به لموافقته ما ذكره المؤرخون قديما وحديثا ، فشرعوا في وضع رخام المنبر عليها على سمت ما ظهر من الفرضة التي وجدوها في الحوض المذكور على الاستقامة من غير انحراف ، وبينها وبين طرف الدكة الشرقي خمسة أصابع ، لما ظهر من أن المنبر الأصلي كان بالحوض المذكور ، ومشاهدة محل قوائمه نقرا في الحجر وبقايا الرصاص

١٨

الذي كانت القوائم مثبتة به ، وما وصفه المؤرخون في أمر المنبر الأصلي شاهد لذلك ، ومعلوم أن الحوض الموجود في باطن تلك الدكة لا يمكن وضع المنبر فيه إلا على الاستقامة ، سيما وقد طابقت سعته ما ذكره ابن جبير في سعة المنبر الأصلي ، وإحكام تلك الدكة بحيث إنهم حفروا منها قرب القامة ، ولم يدركوا آخرها ، وإتقان فرضتي الحوض المذكور بالرصاص ، وترخيم تلك الدكة قديما ، كله قاض بجعل السلف لها من أجل وضع المنبر فيها ، كما صرح به المؤرخون ، ولم يكن السلف مع عظيم إتقانهم يجعلونها لوضع المنبر ويحرفونها عن وضعه ؛ لأن وضعها تابع لوضعه إذ جعلت من أجله ، وقد كان وضعه مشاهدا لهم ؛ لوجود المنبر النبوي بين أظهرهم وإتقانها وما سبق من المتقدمين في ذكر ترخيمها شاهد بعملها في عمارة عمر بن عبد العزيز للمسجد إن لم يكن من زمن معاويةرضي‌الله‌عنه عند تحريكه المنبر كما سبق ، ولم أرتب عند مشاهدتها في وضع المنبر بها كذلك ، وتيامن حوضها الذي كان المنبر به يسير جدا لا يخرج صدر المستقبل عن القبلة ، وقد أشار يحيى فيما قدمناه عنه في التنبيه الثالث إلى تصويب وضعه ، وأيضا فقد يكون النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وضعه متيامنا لما أوضحناه في الرسالة الموسومة بالنصيحة ، والمنبر جماد ليس بمصل حتى يحرر أمره في الاستقبال ويترك ما وجد من حدوده الأصلية المجمع عليها في الأعصر الماضية المترتب عليها حدود الروضة الشريفة ، فشرعوا في وضع رخام المنبر المذكور على النحو الذي ذكرته ، غير أنهم جعلوا جداره من جهة القبلة على الأحجار التي خلف الحوض من جهة القبلة ؛ لاقتضاء نظرهم ذلك ، ولو كان لي من الأمر شيء ما وافقت عليه.

ثم وقع من بعض ذوي النفوس ما أوضحناه في الرسالة الموسومة (بالنصيحة الواجبة القبول ، في بيان وضع منبر الرسول)صلى‌الله‌عليه‌وسلم .

والحاصل : أنهم نقضوا ما سبق ، وزادوا خلف أحجار الحوض المذكور نحو ربع ذراع العمل حتى ساوى ذلك محل المنبر المحترق من جهة القبلة ، وحرفوه على تلك الدكة لجهة المغرب أزيد من تحريف المنبر المحترق ، وجعلوا هذا المنبر في محل المحترق من جهة القبلة ومساو لطرفها الشرقي مما يلي القبلة أيضا ، وزعموا أنه لا يعول على كلام من قدمناه من الأئمة ، ويتحرر مما سبق أنه مقدم على محل المنبر الأصلي لجهة القبلة بعشرين قيراطا من ذراع الحديد ، وهو نحو ذراع اليد ، وأن المنبر النبوي لم يقع في محله نغير إلا من تاريخ وضع المنبر المحترق في زماننا لأنه خفي على واضعه ما في جوف الدكة المذكورة ، ولم يدركه أحد من مؤرخي المدينة ، وكان مفرط الطول بحيث كان قاطعا للصف الباقي من الروضة ، وقد اقتدى به واضع هذا المنبر لكونه من آبائه ، ولم يبال ولي الأمر بتفويته المنقبة العظيمة في إعادة وضع منبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما كان عليه ، وهذا المنبر ـ أعني الرخام ـ أقصر من امتداد المنبر المحترق في الأرض بنحو ثلاثة أرباع ذراع ، وعدد درجه مع مجلسه كالمحترق ، ومحل عود

١٩

المنبر الأصلي منه مما يلي الروضة وهو الذي كان بأعلاه رمانة المنبر النبوي قبل عمود هذا المنبر بأزيد من قيراط ، وذلك على نحو ذراعين وشيء من طرف المنبر المذكور من القبلة.

وقد اشتهر محله من أحجار الدكة المذكورة بسبب تحريف المنبر المذكور بحيث تغيرت حدود الروضة الشريفة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كسوة المنبر

وفي يوم الجمعة يجعل على باب المنبر ستر من حرير أسود مرقوم بحرير أبيض وقد قدمنا أول من كسا المنبر.

وأسند ابن زبالة عن هشام بن عروة أن ابن الزبير كان يلبس منبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم القباطي فسرقت امرأة قبطية فقطعها ، وقال ابن النجار : ولم يزل الخلفاء إلى يومنا هذا يرسلون في كل سنة ثوبا من الحرير الأسود له علم ذهب يكسى به المنبر ، قال : ولما كثرت الكسوة عندهم أخذوها فجعلوها ستورا على أبواب الحرم.

ستور الأبواب كسوة الحجارة

قلت : قد استقر الأمر بعد قتل الخليفة المستعصم على حمل الكسوة من مصر كما قاله الزين المراغي قال : والأبواب مستقلة اليوم بستور ، قال : وإنما يظهرونها في أوقات المهمات كقدوم أمير المدينة ، وذكر ما سيأتي في كسوة الحجرة من وقف قرية بمصر على ذلك وعلى كسوة الكعبة الشريفة ؛ فالكعبة تكسي كل عام مرة ، والحجرة والمنبر في كل ست سنين مرة.

وقال المجد : والمنبر يحمل له في كل سبعة أعوام أو نحوها من الديار المصرية كسوة معظمة ملوكية يكساها من الجمعة إلى الجمعة ، ورايتان سوداوان ينسجان أبدع نسج يرفعان أمام وجه الخطيب في جانبي المنبر قريبا من الباب.

قلت : في زماننا تمضي السبع سنين والعشر وأكثر من ذلك ولا تصل كسوة ، والذي يجعل اليوم على المنبر إنما هو الستر المتقدم ذكره مع الرايتين اللتين ذكرهما المجد ، والله أعلم.

الفصل الخامس

في فضائل المسجد الشريف

قال الله تعالى :( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) [التوبة : ١٠٨].

المسجد الذي أسس على التقوى

روينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت لبعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال : فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال : هو مسجدكم هذا ، لمسجد المدينة.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ »(١) وقال «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ »(٢) فأحل الله الفرج لأهل القوة على قدر قوتهم على إعطاء المهر والقدرة على الإمساك أربعة لمن قدر على ذلك ولمن دونه بثلاث واثنتين وواحدة ومن لم يقدر على واحدة تزوج ملك اليمين وإذا لم يقدر على إمساكها ولم يقدر على تزويج الحرة ولا على شراء المملوكة فقد أحل الله تزويج المتعة بأيسر ما يقدر عليه من المهر ولا لزوم نفقة وأغنى الله كل فريق منهم بما أعطاهم من القوة على إعطاء المهر والجدة في النفقة عن الإمساك وعن الإمساك عن الفجور وإلا يؤتوا من قبل الله عز وجل في حسن المعونة وإعطاء القوة والدلالة على وجه الحلال لما أعطاهم ما يستعفون به عن الحرام فيما أعطاهم وأغناهم عن الحرام وبما أعطاهم وبين لهم فعند ذلك وضع عليهم الحدود من الضرب والرجم واللعان والفرقة ولو لم يغن الله كل فرقة منهم بما جعل لهم السبيل إلى وجوه الحلال لما وضع عليهم حدا من هذه الحدود فأما وجه التزويج الدائم ووجه ملك اليمين فهو بين واضح في أيدي الناس لكثرة معاملتهم به فيما بينهم وأما أمر المتعة فأمر غمض على كثير لعلة نهي من نهى عنه وتحريمه لها وإن كانت موجودة في التنزيل ومأثورة في السنة الجامعة لمن طلب علتها وأراد ذلك فصار تزويج المتعة حلالا للغني والفقير ليستويا في تحليل الفرج كما استويا في قضاء نسك الحج متعة الحج «فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ » للغني والفقير فدخل في هذا التفسير الغني لعلة الفقير وذلك أن الفرائض إنما وضعت على أدنى القوم قوة ليسع الغني والفقير وذلك لأنه غير جائز أن يفرض الفرائض على قدر مقادير القوم فلا يعرف قوة القوي من ضعف الضعيف ولكن وضعت على قوة أضعف الضعفاء ثم رغب الأقوياء فسارعوا في الخيرات بالنوافل بفضل القوة في الأنفس والأموال والمتعة حلال للغني والفقير لأهل الجدة ممن له أربع وممن له ملك اليمين ما شاء كما هي حلال لمن يجد إلا بقدر مهر المتعة والمهر ما تراضيا عليه في حدود التزويج للغني والفقير قل أو كثر

ـــــــــــــــ

(١) النساء : ٢٥.

(٢) النساء : ٤٢.

٨١

( باب )

( وجوه النكاح )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يحل الفرج بثلاث نكاح بميراث ونكاح بلا ميراث ونكاح ملك اليمين.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن موسى ، عن محمد بن زياد ، عن الحسين بن زيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول يحل الفرج بثلاث نكاح بميراث ونكاح بلا ميراث ونكاح بملك اليمين.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن زيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول يحل الفرج بثلاث نكاح بميراث ونكاح بلا ميراث ونكاح بملك اليمين.

( باب )

( النظر لمن أراد التزويج )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب وجوه النكاح

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله : « بثلاث » من جعل التحليل من قبيل العقد أدخله في الثاني ، ومن جعله من قبيل التمليك أدخله في الثالث ، ويدل على عدم ثبوت الميراث في المتعة وسيأتي الكلام فيه.

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : حسن.

باب النظر لمن أراد التزويج

الحديث الأول : حسن.

٨٢

بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها قال نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن.

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري كلهم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن السري قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها قال نعم لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها وإلى وجهها.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبان بن عثمان ، عن الحسن بن السري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها قال نعم فلم يعطي ماله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأجمع العلماء كافة على أن من أراد نكاح امرأة يجوز له النظر إليها في الجملة ، بل صرح كثير منهم باستحبابه ، وأطبقوا أيضا على جواز النظر إلى وجهها وكفيها من مفصل الزند ، واختلفوا فيما عدا ذلك ، فقال بعضهم : يجوز النظر إلى شعرها ومحاسنها أيضا ، واشترط الأكثر العلم بصلاحيتها للتزويج واحتمال إجابتها ، وأن لا يكون للريبة والمراد بها خوف الوقوع بها في محرم ، وأن الباعث على النظر إرادة التزويج دون العكس ، والمستفاد من النصوص الاكتفاء بقصد التزويج قبل النظر كيف كان.

الحديث الثاني : حسن.

وقال الفيروزآبادي :المعاصم جمع معصم : وهو موضع السوار من الساعد.

الحديث الثالث : كالصحيح.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

٨٣

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الفضل ، عن أبيه ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها قال لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا.

( باب )

( الوقت الذي يكره فيه التزويج )

١ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن بن علي ، عن العباس بن عامر ، عن محمد بن يحيى الخثعمي ، عن ضريس بن عبد الملك قال لما بلغ أبا جعفر صلوات الله عليه أن رجلا تزوج في ساعة حارة عند نصف النهار فقال أبو جعفرعليه‌السلام ما أراهما يتفقان فافترقا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال حدثني أبو جعفرعليه‌السلام أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره ذلك أبي فمضيت فتزوجتها حتى إذا كان بعد ذلك زرتها فنظرت فلم أر ما يعجبني فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي فقلت لا تغلقيه لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالأمر كيف كان فقال أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر وقال إنك تزوجتها في ساعة حارة.

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن سماعة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن عبيد بن زرارة وأبي العباس قالا قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ليس للرجل أن يدخل بامرأة ليلة الأربعاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الخامس : مرسل.

باب الوقت الذي يكره فيه التزويج

الحديث الأول : موثق.

ويدل على كراهة التزويج في الوقت الحار.

الحديث الثاني : موثق.

قوله عليه‌السلام : « فبادرتني » إنما فعلت ذلك ليستقر المهر جميعا بزعمها.

الحديث الثالث : موثق.

٨٤

( باب )

( ما يستحب من التزويج بالليل )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سمعته يقول في التزويج قال من السنة التزويج بالليل لأن الله جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال يا ميسر تزوج بالليل فإن الله جعله سكنا ولا تطلب حاجة بالليل فإن الليل مظلم قال ثم قال إن للطارق لحقا عظيما وإن للصاحب لحقا عظيما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب ما يستحب من التزويج بالليل

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال الجوهري :السكن ما يسكن إليه من أهل ومال وغير ذلك ، والتزويج يحتمل العقد والزفاف والأعم منهما.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : [ ضعيف على المشهور. وسقط شرحه من المصنف ].

قوله عليه‌السلام : « إن للطارق » أي من يأتي بالليل لحاجة لا ينبغي رده ، قال الفيروزآبادي : الطرق : الإتيان بالليل كالطروق.

٨٥

( باب )

( الإطعام عند التزويج )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد والحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد جميعا ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سمعته يقول إن النجاشي لما خطب لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آمنة بنت أبي سفيان فزوجه دعا بطعام وقال إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين تزوج ميمونة بنت الحارث أولم عليها وأطعم الناس الحيس.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال الوليمة يوم ويومان مكرمة وثلاثة أيام رياء وسمعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب الإطعام عند التزويج

الحديث الأول : ضعيف كالصحيح.

ويدل على استحباب الإطعام عند العقد.

الحديث الثاني : حسن.

وقال الفيروزآبادي :الوليمة طعام العرس ، أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها وأولم : صنعها.

وقال الجزري : فيه « إنه أولم على بعض نسائه بحيس » وهو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق والفتيت.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

ويدل على تأكد الاستحباب في اليوم الأول وتخفيفه في اليوم الثاني في الجملة ، وكراهته في اليوم الثالث.

٨٦

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الوليمة أول يوم حق والثاني معروف وما زاد رياء وسمعة.

( باب )

( التزويج بغير خطبة )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن يعقوب ، عن هارون بن مسلم ، عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن التزويج بغير خطبة فقال أوليس عامة ما يتزوج فتياننا ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول يا فلان زوج فلانا فلانة فيقول نعم قد فعلت.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن علي بن الحسينعليه‌السلام كان يتزوج وهو يتعرق عرقا يأكل ما يزيد على أن يقول الحمد لله وصلى الله على محمد وآله ويستغفر الله عز وجل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الرابع : صحيح.

باب التزويج بغير خطبة

يقال : خطب المرأة إلى القوم أي طلب أن يتزوج منهم ، والاسم الخطبة بالكسر وهي بالضم يطلق علي ما يقرأ عند طلب الزوجة ، وعند العقد من الكلام المشتمل على الحمد والثناء والصلاة ، وما يناسب المقام كما سيأتي في باب الآتي.

الحديث الأول : مجهول.

والخطبة هنا يحتمل الضم والكسر ، وقال الجوهري والجزري : يقال :

عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك نشها. انتهى. والغرض أنا نوقع العقد على الخوان من غير تقديم خطبة وخطبة ، أو خطبة طويلة كما يدل عليه الخبر الآتي.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

٨٧

وقد زوجناك على شرط الله ثم قال علي بن الحسينعليه‌السلام إذا حمد الله فقد خطب.

( باب )

( خطب النكاح )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن جماعة من بني أمية في إمارة عثمان اجتمعوا في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم جمعة وهم يريدون أن يزوجوا رجلا منهم وأمير المؤمنينعليه‌السلام قريب منهم فقال بعضهم لبعض هل لكم أن نخجل عليا الساعة نسأله أن يخطب بنا ونتكلم فإنه يخجل ويعيا بالكلام فأقبلوا إليه فقالوا يا أبا الحسن إنا نريد أن نزوج فلانا فلانة ونحن نريد أن تخطب بنا فقال فهل تنتظرون أحدا فقالوا لا فو الله ما لبث حتى قال :

الحمد لله المختص بالتوحيد المتقدم بالوعيد الفعال لما يريد المحتجب بالنور دون خلقه ذي الأفق الطامح والعز الشامخ والملك الباذخ المعبود بالآلاء رب الأرض والسماء أحمده على حسن البلاء وفضل العطاء وسوابغ النعماء وعلى ما يدفع ربنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب خطب النكاح

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « المختص بالتوحيد » أي بتوحيد الناس له أو بتوحيده غيره« المحتجب بالنور » أي ليس له حجاب إلا الظهور ، أو إكمال التام أو عرشه محتجب من الخلق بالأنوار الظاهرة ،« ذي الأفق الطامح » وفي بعض النسخ « ذو الأفق » بالرفع على المدح ، والطامح : المرتفع ، ولعله كناية عن أنه تعالى مرتفع عن إدراك الحواس والعقول والأوهام ، أو عن يصل إليه بسوء ، وكذا الفقرتان الآتيتان ، ويحتمل أن يكون المراد في كل منها بعد ما ذكرنا ليكون تأسيسا. والشامخ : العالي ، وكذا الباذخ ،« أحمده عن حسن البلاء » ، أي النعمة« حمدا

٨٨

من البلاء حمدا يستهل له العباد وينمو به البلاد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يكن شيء قبله ولا يكون شيء بعده.

وأشهد أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله اصطفاه بالتفضيل وهدى به من التضليل اختصه لنفسه وبعثه إلى خلقه برسالاته وبكلامه يدعوهم إلى عبادته وتوحيده والإقرار بربوبيته والتصديق بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه على حين فترة من الرسل وصدف عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث والوعيد فبلغ رسالاته وجاهد في سبيله ونصح لأمته وعبده حتى أتاه اليقينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا.

أوصيكم ونفسي بتقوى الله العظيم فإن الله عز وجل قد جعل للمتقين المخرج مما يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون فتنجزوا من الله موعوده واطلبوا ما عنده بطاعته والعمل بمحابه فإنه لا يدرك الخير إلا به ولا ينال ما عنده إلا بطاعته ولا تكلان فيما هو كائن إلا عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما بعد فإن الله أبرم الأمور وأمضاها على مقاديرها فهي غير متناهية عن مجاريها دون بلوغ غاياتها فيما قدر وقضى من ذلك وقد كان فيما قدر وقضى من أمره المحتوم وقضاياه المبرمة ما قد تشعبت به الأخلاف وجرت به الأسباب وقضى من تناهي القضايا بنا وبكم إلى حضور هذا المجلس الذي خصنا الله وإياكم للذي كان من تذكرنا آلاءه وحسن بلائه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستهل له العباد » أي يرفعون بها أصواتهم أو يستبشرون بذكره.

وقال الفيروزآبادي : استهل الصبي : رفع صوته بالبكاء ، كأهل وكذا كل متكلم رفع صوته ، أو خفض« وينمو به البلاد » بزيادة النعمة على أهاليها ، كما قال تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) « اصطفاه بالتفضيل » أي بأن فضله على جميع الخلق ،و « هدى به من التضليل » أي لئلا يضلهم الشيطان أو لئلا يجدهم ضالين أو لئلا يكونوا مضلينو « صدف عن الحق » أي ميل وأعرض عنه« حتى أتاه اليقين » أي الموت« قد جعل للمتقين » إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(٢) . وقال الفيروزآبادي :استنجز حاجته وينتجزها : طلب قضاؤها ممن وعدها إياها ، وقال : التوكل إظهار العجز والاعتماد على الغير ، والاسم التكلان.

__________________

(١) سورة إبراهيم الآية ٧. (٢) سورة الطلاق الآية ـ ٣.

٨٩

وتظاهر نعمائه فنسأل الله لنا ولكم بركة ما جمعنا وإياكم عليه وساقنا وإياكم إليه ثم إن فلان بن فلان ذكر فلانة بنت فلان وهو في الحسب من قد عرفتموه وفي النسب من لا تجهلونه وقد بذل لها من الصداق ما قد عرفتموه فردوا خيرا تحمدوا عليه وتنسبوا إليه صلى الله على محمد وآله وسلم.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أيمن بن محرز ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال زوج أمير المؤمنينعليه‌السلام امرأة من بني عبد المطلب وكان يلي أمرها فقال الحمد لله العزيز الجبار الحليم الغفار الواحد القهار الكبير المتعال «سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ » أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه «وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي » ولا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ولن تجد من دونه وليا مرشدا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » وأشهد أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله بعثه بكتابه حجة على عباده من أطاعه أطاع الله ومن عصاه عصى اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا إمام الهدى والنبي المصطفى ثم إني أوصيكم بتقوى الله فإنها وصية الله في الماضين والغابرين ثم تزوج.

٣ ـ أحمد ، عن إسماعيل بن مهران قال حدثنا عبد الملك بن أبي الحارث ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام بهذه الخطبة فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله أرسله «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال الجوهري :انتهى عنه وتناهى : أي كف ، وقال :شعبت الشيء : فرقته وشعبته : جمعته وهو من الأضداد.

الحديث الثاني : ضعيف.

والسارب : الذاهب على وجهه في الأرض.قوله عليه‌السلام : « الغابرين » أي الباقينالحديث الثالث : مجهول.

٩٠

الدِّينِ كُلِّهِ » دليلا عليه وداعيا إليه فهدم أركان الكفر وأنار مصابيح الإيمان من يطع الله ورسوله يكن سبيل الرشاد سبيله ونور التقوى دليله ومن يعص الله ورسوله يخطئ السداد كله ولن يضر إلا نفسه أوصيكم عباد الله بتقوى الله وصية من ناصح وموعظة من أبلغ واجتهد أما بعد فإن الله عز وجل جعل الإسلام صراطا منير الأعلام مشرق المنار فيه تأتلف القلوب وعليه تآخى الإخوان والذي بيننا وبينكم من ذلك ثابت وده وقديم عهده معرفة من كل لكل لجميع الذي نحن عليه يغفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن العزرمي ، عن أبيه قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أراد أن يزوج قال : الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » وصلى الله على محمد وآله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوصيكم عباد الله بتقوى الله ولي النعمة والرحمة خالق الأنام ومدبر الأمور فيها بالقوة عليها و

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « تأخى الإخوان » إما مصدر أو مضارع بحذف أحد التائين.

قوله عليه‌السلام : « ثابت وده » أي الإسلام الحقيقي ، وهو يؤثر فالمسلمون الذين ليس بينهم مودة إنما ذلك لعدم تحقق الإسلام كما ينبغي.

قوله عليه‌السلام : « قديم عهده » لأنه ثبت ذلك في عالم الأرواح.

قوله عليه‌السلام : « معرفة من كل لكل » الحمل على المبالغة ، أي الإسلام سبب لمعرفة كل واحد منهم بجميع الذي نحن عليه ، أي نحن نعرف وأنتم تعرفون بسبب الإسلام الحقيقي جميع ما نحن عليه من الإيمان والإخلاص والمودة وسائر الكمالات ، وصار ذلك سببا للائتلاف والازدواج.

الحديث الرابع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ومدبر الأمور فيها » الضمير راجع إلى الأنام ، وإرجاعه إلى الأمور بأن يكون الظرف بدلا عن الأمور بعيد.

٩١

الإتقان لها فإن الله له الحمد على غابر ما يكون وماضيه وله الحمد مفردا والثناء مخلصا بما منه كانت لنا نعمة مونقة وعلينا مجللة وإلينا متزينة خالق ما أعوز ومذل ما استصعب ومسهل ما استوعر ومحصل ما استيسر مبتدئ الخلق بدءا أولا يوم ابتدع السماء وهي دخان ، «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ » ولا يعوره شديد ولا يسبقه هارب ولا يفوته مزائل يوم «تُوَفَّى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « بالقوة عليها » أي أنه كان قويا عليها متقنا ومحكما لها.

قوله عليه‌السلام : « مفردا » أي المحامد مختصة به تعالى أي إما بالفتح أي نحمده خالصا لكونه أهلا له ، لا لطمع الثواب وخوف العقاب ، أو بالكسر ليكون حالا للحامد.

قوله عليه‌السلام : « بما منه » أي أحمده بإزاء النعمة أو بسبب ما كانت لنا من النعماء الحسنة الظاهرة والباطنة.

قوله عليه‌السلام : « نعمة مؤنقة » يحتمل أن يكون كل من نعمة ومجللة ومتزينة حالا لضمير« كانت » الراجع إلى الموصول ، ويحتمل أن يكون كل منهما خبرا لكانت والظرف في لنا وعلينا وإلينا راجع إلى ما بعده ، وتعدية التزين بإلى بتضمين معنى الوصول ، أو نحوه.

قوله عليه‌السلام : « ما أعوز » أي المعدومات أو الأمور الغريبة أو ما يحتاج إليه ، وقال الفيروزآبادي : العوز بالتحريك : الحاجة ، عوزه الشيء ـ كفرح ـ لم يوجد ، والرجل : افتقر كأعوز ، والأمر اشتد ، وإذا لم تجد شيئا فقل : عازني ، وأعوزه الشيء : احتاج إليه ، والدهر : أحوجه ، وما يعوز لفلان شيء إلا ذهب به : أي ما يشرف به. وقال :الوعر : ضد السهل ، واستوعروا طريقهم : رأوه وعرا ، وتوعر الأمر : تشدد.

قوله عليه‌السلام : « ولا يعوزه » في بعض نسخ القديمة بالراء المهملة ، قال الفيروزآبادي : عاره يعوره ويعيره : أخذه وذهب به.

قوله عليه‌السلام : « مزائل » عن مكافأته فاته بالفرار.

٩٢

كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ » ثم إن فلان بن فلان.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال حدثني العباس بن موسى البغدادي رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام جواب في خطبة النكاح الحمد لله مصطفي الحمد ومستخلصه لنفسه مجد به ذكره وأسنى به أمره نحمده غير شاكين فيه نرى ما نعده رجاء نجاحه ومفتاح رباحه ونتناول به الحاجات من عنده ونستهدي الله بعصم الهدى ووثائق العرى وعزائم التقوى ونعوذ بالله من العمى بعد الهدى والعمل في مضلات الهوى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عبد لم يعبد أحدا غيره اصطفاه بعلمه وأمينا على وحيه ورسولا إلى خلقه فصلى‌الله‌عليه‌وآله أما بعد فقد سمعنا مقالتكم وأنتم الأحياء الأقربون نرغب في مصاهرتكم ونسعفكم بحاجتكم ونضن بإخائكم فقد شفعنا شافعكم وأنكحنا خاطبكم على أن لها من الصداق ما ذكرتم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الخامس : مرفوع.

واستخلصه لنفسه : استخصه ، والتمجيد : التعظيم.

قوله عليه‌السلام : « وأسنى به أمره » أي رفع به أمره لاشتماله على معارفه.

قوله عليه‌السلام : « ما نعده » أي من الحمد والثناء.

قوله عليه‌السلام : « ومفتاح رباحه » في أكثر النسخ بالتاء المثناة والجيم.

وقال الجوهري : أرتجت الباب : أغلقته ، والرتاج : الباب العظيم ، ويقال :

الرتاج : الباب المغلق ، وعليه باب صغير. وفي بعضها بالباء الموحدة والحاء المهملة وقال الفيروزآبادي : رباح ـ كسحاب ـ : اسم ما تربحه.

قوله عليه‌السلام : « وعزائم التقوى » أي الأمور اللازمة التي بها يتقى من عذاب الله.

قوله عليه‌السلام : « بعلمه » أي عالما بأنه من أهله ، فيكون حالا عطف الحالان الآخران عليه.

قوله عليه‌السلام : « ونضن » بكسر الضاد وفتحها ، قال في النهاية : الضن ما تختصه

٩٣

نسأل الله الذي أبرم الأمور بقدرته أن يجعل عاقبة مجلسنا هذا إلى محابه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبد العظيم بن عبد الله قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يخطب بهذه الخطبة ـ الحمد لله العالم بما هو كائن من قبل أن يدين له من خلقه دائن فاطر السماوات والأرض مؤلف الأسباب بما جرت به الأقلام ومضت به الأحتام من سابق علمه ومقدر حكمه أحمده على نعمه وأعوذ به من نقمه وأستهدي الله الهدى وأعوذ به من الضلالة والردى من يهده الله فقد اهتدى وسلك الطريقة المثلى وغنم الغنيمة العظمى ومن يضلل الله فقد حار عن الهدى وهوى إلى الردى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى ووليه المرتضى وبعيثه بالهدى أرسله على حين «فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ » واختلاف من الملل وانقطاع من السبل ودروس من الحكمة وطموس من أعلام الهدى والبينات فبلغ رسالة ربه وصدع بأمره وأدى الحق الذي عليه وتوفي فقيدا محموداصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتضن به أي تبخل لمكانة منك وموقعه عندك ، يقال : فلان ضني من بين إخواني وضنتي أي اختص به وأضن بمودته.

الحديث السادس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « يدين » أي يخضع ويعبد ، والأحتام كأنه جمع الحتم ، وهو نادر. قال الجوهري :الحتم : إحكام الأمر. والحتم : القضاء ، والجمع : الحتوم.

قوله عليه‌السلام : « وأستهدي الله » الهدى مفعول على التجريد أو مفعول مطلق من غير الباب. والمثلي : تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل. والردى : الهلاك والضلال.

قوله عليه‌السلام : « وبعيثه » أي مبعوثه. والدروس : الاندراس والانمحاء وكذا الطموس.

قوله عليه‌السلام : « وصدع بأمره » أي شق جماعاتهم بالتوحيد أو أجهر بالقرآن وأظهر أو حكم بالحق وفصل الأمر أو قصد بما أمر أو فرق بين الحق والباطل.

٩٤

ثم إن هذه الأمور كلها بيد الله تجري إلى أسبابها ومقاديرها فأمر الله يجري إلى قدره وقدره يجري إلى أجله وأجله يجري إلى كتابه و «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » أما بعدفإن الله جل وعز جعل الصهر مألفة للقلوب ونسبة المنسوب أوشج به الأرحام وجعله رأفة ورحمة «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ » وقال في محكم كتابه «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » وقال «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ » وإن فلان بن فلان ممن قد عرفتم منصبه في الحسب ومذهبه في الأدب وقد رغب في مشاركتكم وأحب مصاهرتكم وأتاكم خاطبا فتاتكم فلانة بنت فلان وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا العاجل منه كذا والآجل منه كذا فشفعوا شافعنا وأنكحوا خاطبنا وردوا ردا جميلا وقولوا قولا حسنا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.

٧ ـ أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم قال خطب الرضاعليه‌السلام هذه الخطبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « تجري » أي هذه الأمور منتهية إلى أسبابها ومقاديرها مما قدره الله تعالى بالميل من كل منهما إلى صاحبه ، وكان ذلك في علمه تعالى وتقديره بأنه جعل فيهم الشهوة والميل وقدر يجري إلى أجله ، فإنه تعالى أعلم أن الزوج إلى متى يكون عزبا ، ومتى يتزوج ، وقدر ذلك عليهما ولكل أجل ومدة كتاب مكتوب في لوح المحو والإثبات. والمبالغة إما مصدر حمل مبالغة أو اسم مكان.

وقال الفيروزآبادي :الواشجة : القرابة المشتبكة ، وقد وشجت بك قرابة فلان ، والاسم : الوشيج ، ووشجها الله توشيجا. وقال الفيروزآبادي : الواشجة : الرحم المشتبكة.

قوله تعالى : « من الماء » أي المني أو الذي خلط مع التراب في خلق آدمعليه‌السلام . والمنصب هو الأصل والمرجع. والحسب ما تعده من مفاخر آبائك ، والمراد بالأدب العلم والكمالات.

الحديث السابع : موثق وسنده الثاني أيضا موثق.

٩٥

الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه وافتتح بالحمد كتابه وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته وآخر دعوى أهل جنته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أخلصها له وأدخرها عنده وصلى الله على محمد خاتم النبوة وخير البرية وعلى آله آل الرحمة وشجرة النعمة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة والحمد لله الذي كان في علمه السابق وكتابه الناطق وبيانه الصادق أن أحق الأسباب بالصلة والأثرة وأولى الأمور بالرغبة فيه سبب أوجب سببا وأمر أعقب غنى فقال جل وعز : «وَهُوَ الَّذِي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « محل نعمته » الظاهر أن يكون مصدرا ميميا بمعنى النزول ، أي جعله أول جزاء من العباد لنعمه ، ثم بعد ذلك ما أمرهم به من الطاعات ويحتمل أن يكون المراد به إن ما حمد به تعالى نفسه جعله جزاء لنعم العباد ، لعلمه بعجزهم عما يستحقه تعالى من ذلك ، كما ورد في بعض الأخبار ، وقال الطبرسي (ره) في مجمع البيان :(١) «دَعْواهُمْ فِيها » أي دعاء المؤمنين وذكرهم في الجنة أن يقولوا «سُبْحانَكَ اللهُمَ » يقولون ذلك لا على وجه العبادة ، بل يلتذون بالتسبيح ، وقيل : إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه « قالوا سبحانك اللهم » فيأتيهم الطير ويقع مشويا بين أيديهم ، وإذا قضوا منه الشهوة « قالوا الحمد لله رب العالمين » فيطير الطير حيا كما كان ، «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشيء ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه.

قوله عليه‌السلام : « آل الرحمة » أي أهل رحمة الله الكاملة الجامعة ومستحقها ، أو هم رحمة الله والشفقة عليهم.

وقال الفيروزآبادي :رجل يستأثر على أصحابه أي يختار لنفسه أشياء حسنة ، والاسم : الأثرة محركة ، والأثرة بالضم والكسر.

قوله عليه‌السلام : « أوجب سببا » أي من الألفة والأنساب والمعونات ، وفي بعض النسخ نسبا ، وهو الأظهر فيكون إشارة إلى الآية الأولى كما أن ما بعدها إشارة

__________________

(١) المجمع ج ٥ ص ٩٣.

٩٦

خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً » وقال «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ » ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة ولا سنة متبعة ولا أثر مستفيض لكان فيما جعل الله من بر القريب وتقريب البعيد وتأليف القلوب وتشبيك الحقوق وتكثير العدد وتوفير الولد لنوائب الدهر وحوادث الأمور ما يرغب في دونه العاقل اللبيب ويسارع إليه الموفق المصيب ويحرص عليه الأديب الأريب فأولى الناس بالله من اتبع أمره وأنفذ حكمه وأمضى قضاءه ورجا جزاءه وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله دعاه رضا نفسه وأتاكم إيثارا لكم واختيارا لخطبة فلانة بنت فلان كريمتكم وبذل لها من الصداق كذا وكذا فتلقوه بالإجابة وأجيبوه بالرغبة واستخيروا الله في أموركم يعزم لكم على رشدكم إن شاء الله نسأل الله أن يلحم ما بينكم بالبر والتقوى ويؤلفه بالمحبة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى الآية الثانية.

قوله عليه‌السلام : « من بر القريب » أي إذا كانت المواصلة مع الأقرباء.

قوله عليه‌السلام : « وتشبيك الحقوق » أي تحصل به أنواع الحقوق من الطرفين من حق الزوجية والوالدية والمولودية وغير ذلك ، ورعاية كل منها موجبة لتحصيل المثوبات ، وفي كل منها منافع دنيوية والأخروية.

قوله عليه‌السلام : « في دونه » أي الأقل منه ، والأريب : العاقل ، ذكره الجوهري.

قوله عليه‌السلام : « فأولى الناس بالله » أي برحمته وفضله.

قوله عليه‌السلام : « واختيارا لخطبة » قال في القاموس : خطب المرأة خطبا وخطبة وخطيبي بكسرهما واختطبها وهي خطبه وخطبته وخطيباه وخطيبته وهو خطبها بكسرهن وبضم الثاني.

قوله عليه‌السلام : « كريمتكم » أي من يكرم عليكم.

قوله عليه‌السلام : « يعزم لكم » أي يقدر لكم ما هو خيره لكم.

قوله عليه‌السلام : « أن يلحم » قال الفيروزآبادي : لحم الصائغ الفضة كنصر : لأمها

٩٧

والهوى ويختمه بالموافقة والرضا إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء.

بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول ثم ذكر الخطبة كما ذكر معاوية بن حكيم مثلها.

٨ ـ محمد بن أحمد ، عن بعض أصحابنا قال كان الرضاعليه‌السلام يخطب في النكاح الحمد لله إجلالا لقدرته ولا إله إلا الله خضوعا لعزته وصلى الله على محمد وآله عند ذكره إن الله «خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » إلى آخر الآية.

٩ ـ بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه ثم إن ابن أخي هذا يعني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق وإن كان مقلا في المال فإن المال رفد جار وظل زائل وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة وقد جئناك لنخطبها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والتحم الجرح للبرء : التأم ، ويقال : وألحم ما أسديت أي تمم ما بدأت.

الحديث الثامن : مرسل.

الحديث التاسع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « عم خديجة » المشهور أنه ابن عمها ، قال الفيروزآبادي :ورقة بن نوفل أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة اختلف في إسلامها. وقال :الزرع : الولد.

قوله عليه‌السلام : « رفد جار » أي يجريه الله تعالى على عباده بقدر الضرورة والمصلحة ، وفي الفقيه وغيره« رزق حائل » أي متغير وهو أظهر.

٩٨

إليك برضاها وأمرها والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل ثم سكت أبو طالب وتكلم عمها وتلجلج وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبهر وكان رجلا من القسيسين فقالت خديجة مبتدئة يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر علي في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك قال أبو طالب اشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها فقال بعض قريش يا عجباه المهر على النساء للرجال فغضب أبو طالب غضبا شديدا وقام على قدميه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه فقال إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأهله وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم :

هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت

لك الطير فيما كان منك بأسعد

تزوجته خير البرية كلها

ومن ذا الذي في الناس مثل محمد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « حظ » أي من الخير والكمال ، وفي الفقيه « خطر ». وفي القاموس :البهر بالضم : انقطاع النفس من الإعياء ، وقال :القس بالفتح : رئيس النصارى في العلم كالقسيس.

قولها رضي الله عنها : « وإن كنت أولى » أي إن كنت أولى بنفسي مني في الشهود أي محضر الناس عرفا فلست أولى بي واقعا ، أو إن كنت أولى في الحضور والتظلم بمحضر الناس ، فلست أولى في أصل الرضا والاختيار ، أو إن كنت قادرا على إهلاكي لكني أولى بما اختار لنفسي ، والحاصل أني أمكنك في إهلاكي ، ولا أمكنك في ترك هذا الأمر ، والأوسط أظهر.

قوله : « لك الطير » أي انتشر أسعد الأخبار منك في الآفاق سريعا بسبب ما كان منك في حسن الاختيار ، فإن الطير أسرع في إيصال الأخبار من غيرها ، ويحتمل أن يكون الطير من الطيرة ، والمراد هنا الفال الحسن ، وهو أظهر.

٩٩

وبشر به البران عيسى ابن مريم

وموسى بن عمران فيا قرب موعد

أقرت به الكتاب قدما بأنه

رسول من البطحاء هاد ومهتد

( باب )

( السنة في المهور )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان وجميل بن دراج ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان صداق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتي عشرة أوقية ونشا والأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما وهو نصف الأوقية.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ساق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا والأوقية أربعون درهما والنش نصف الأوقية عشرون درهما فكان ذلك خمسمائة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال في القاموس :البر بالفتح : الصادق ، والكثير البر. وقال في الصحاح :القدم : خلاف الحدوث ، ويقال : قدما كان كذا وكذا وهو اسم من القدم جعل اسما من أسماء الزمان.

باب السنة في المهور

الحديث الأول : السندان ضعيفان.

ويدل على أن مهر السنة خمسمائة درهم وعليه الأصحاب ، وقال الجوهري :النش : عشرون درهما وهو نصف أوقية ، لأنهم يسمون الأربعين درهما أوقية ، ويسمون العشرين نشأ ، ويسمون الخمسة نواه.

الحديث الثاني : صحيح ولم يذكر المصنف.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282