وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء ٣

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى0%

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى مؤلف:
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: 237

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

مؤلف: نور الدين علي بن أحمد السّمهودي
المحقق: خالد عبد الغني محفوظ
تصنيف:

ISBN: 2-7451-381-8-0
الصفحات: 237
المشاهدات: 11133
تحميل: 2803


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 237 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11133 / تحميل: 2803
الحجم الحجم الحجم
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى

وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الجزء 3

مؤلف:
ISBN: 2-7451-381-8-0
العربية

قبري بها منها» يعني المدينة ، يرجّعها ثلاث مرات ، وحديث «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها».

وفي رواية «فإني أشهد لمن يموت بها». وفي أخرى «فإنه من مات بها كنت له شهيدا ، أو شفيعا ، يوم القيامة».

ورواه رزين بنحوه ، وزاد «وإني أول من تنشقّ عنه الأرض ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم آتي البقيع فيحشرون ، ثم انتظر أهل مكة فأحشر بين الحرمين».

وفي رواية لابن النجار «فأخرج أنا وأبو بكر وعمر إلى البقيع فيبعثون ، ثم يبعث أهل مكة.

وروى ابن شبة وابن زبالة عن ابن كعب القرظي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من دفن في مقبرتنا هذه شفعنا له ، أو شهدنا له» وسيأتي في الفصل الأول من الباب الثامن قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «ومن مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة».

وروى ابن زبالة عن أبي عبد الملك يرفعه قال : «مقبرتان يضيئان لأهل السماء كما تضيء الشمس والقمر لأهل الدنيا ، مقبرتنا بالبقيع بقيع المدينة ، ومقبرة بعسقلان».

وعن كعب الأحبار قال : نجدها في التوراة كفتة محفوفة بالنخيل وموكل بها الملائكة ، كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفؤوها في الجنة.

قال ابن النجار : يعني البقيع.

وعن المقبري قال : قدم مصعب بن الزبير حاجا أو معتمرا ومعه ابن رأس الجالوت فدخل المدينة من نحو البقيع ، فلما مر بالمقبرة قال ابن رأس الجالوت : إنها لهي ، قال مصعب : وما هي؟ قال : إنا نجد في كتاب الله صفة مقبرة في شرقيها نخل وفي غربيها بيوت يبعث منها سبعون ألفا كلهم على صورة القمر ليلة البدر ، فطفت مقابر الأرض فلم أر تلك الصفة حتى رأيت هذه المقبرة.

وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال : أقبل ابن رأس الجالوت فلما أشرف على البقيع قال : هذه التي نجدها في كتاب الله كفتة ، لا أطؤها ، قال : فانصرف عنها إجلالا لها.

وفي كتاب الحرة للواقدي عن عثمان بن صفوان قال : لما حجّ مصعب بن الزبير ومعه ابن رأس الجالوت فانتهى إلى حرّة بني عبد الأشهل وقف ثم قال : بهذه الحرة مقبرة؟ فقالوا : نعم ، فقال : هل من وراء المقبرة حرة أخرى سوى هذه الحرة؟ قالوا : نعم ، قال : إنا نجد في كتاب الله أنها تسمى كفتة. قال الواقدي : يعني تسرع البلى ـ وكفيتة ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا كلهم وجوههم على صورة البدر ليلة أربع عشرة من الشهر.

٨١

وروى ابن زبالة عن خالد بن عوسجة : كنت أدعو ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب التي تلي باب الدار ، فمر بي جعفر بن محمد يريد العريض معه أهله ، فقال لي : أعن أثر وقفت هاهنا؟ قلت : لا ، قال : هذا موقف نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالليل إذا جاء يستغفر لأهل البقيع.

قلت : وسيأتي أن من دار عقيل الموضع المعروف بمشهده ، وأن به قبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر على ما ذكره ابن النجار.

وقال عقب إيراد هذا الخبر : ودار عقيل الموضع الذي دفن فيه ، قال الزين المراغي : فينبغي الدعاء فيه. قال : وقد أخبرني غير واحد أن الدعاء عند ذلك القبر مستجاب ، ولعل هذا سببه. أو لأن عبد الله بن جعفر كان كثير الجود فأبقى الله قضاء الحوائج عند قبره.

ومن غريب ما اتفق ما أخبرني به من أثق بدينه أنه دعا في هذا المكان ، وتذاكر مع رفيق له ذلك ، فرأى ورقة على الأرض مكتوبة ، فأخذها تفاؤلا لذلك ، فإذا فيها( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر : ٦٠] من جهتيها ، انتهى.

قلت : ولم أقف في كلام المتقدمين على أصل في دفن عبد الله بن جعفر هناك ، بل اختلف في أنه دفن بالمدينة أو بالأبواء ، والمعتمد في سبب الاستجابة هناك ما ذكر أولا ، ولهذا يستحبّ الدعاء في جميع الأماكن التي دعا بها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلها مواطن إجابة.

الفصل السادس

في تعيين قبور بعض من دفن بالبقيع من الصحابة وأهل البيت ، والمشاهد المعروفة بالمدينة.

قبر إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

بيان قبر إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكونه عند قبر عثمان بن مظعون ، وجاء فيهما ، ومن دفن عندهما.

روى ابن شبة بإسناد جيد عن البراء رضي الله تعالى عنه قال : مات إبراهيم ـ يعني ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو ابن ستة عشر شهرا ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادفنوه في البقيع ، فإن له مرضعة في الجنة تتم رضاعه.

وعن مكحول قال : توفي إبراهيمعليه‌السلام ، فلما وضع في اللحد ورصف عليه اللبن بصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بفرجة من اللبن ، فأخذ بيده مدرة فناولها رجلا فقال : ضعها في تلك الفرجة ، ثم قال : أما إنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنها تقر بعين الحي.

وعن محمد بن عمر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم رشّ على قبر ابنه إبراهيم ، وأنه أول من رش عليه ، قال : ولا أعلم إلا أنه قال : وحثا عليه بيده من التراب ، وقال حين فرغ من دفنه عند رأسه : السلام عليكم.

٨٢

وروى الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم رشّ قبر ابنه إبراهيم ووضع عليه الحصى.

وروى أبو داود في المراسيل والبيهقي ورجاله ثقات مع إرساله نحوه عن محمد بن عمر بن علي ، وزاد أنه أول قبر رش عليه ، وقال بعد فراغه : سلام عليكم ، ولا أعلمه إلا قال : حثا عليه بيده.

وروى ابن زبالة عن قدامة بن موسى أن أول من دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبقيع عثمان بن مظعون ، فلما توفي ابنه إبراهيم قالوا : يا رسول الله أين نحفر له؟ قال : عند فرطنا عثمان بن مظعون.

وروى أبو غسان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : لما توفي إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر أن يدفن عند عثمان بن مظعون ، فرغب الناس في البقيع ، وقطعوا الشجر ، فاختارت كل قبيلة ناحية ، فمن هنالك عرفت كل قبيلة مقابرها.

وروى ابن شبة عن قدامة بن موسى قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «ادفنوا عثمان بن مظعون بالبقيع يكون لنا سلفا ، فنعم السلف سلفنا عثمان بن مظعون».

وعنه أيضا : كان البقيع غرقدا ، فلما هلك عثمان بن مظعون دفن بالبقيع ، وقطع الغرقد عنه ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم للموضع الذي دفن فيه عثمان : هذه الرّوحاء ، وذلك كل ما حازت الطريق من دار محمد بن زيد إلى زاوية دار عقيل اليمانية ، ثم قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذه الروحاء ، للناحية الأخرى ، فذلك كل ما حازت الطريق من دار محمد بن زيد إلى أقصى البقيع يومئذ.

قلت : قد تلخص لنا أن دار عقيل كان بالمشهد المعروف به ، ودار محمد بن زيد في شرقيها وشرقي مشهد سيدنا إبراهيم ؛ فالروحاء الأولى ما بين المشهدين وتمتد إلى شرقي مشهد سيدنا إبراهيم ، والثانية في شرقي الأولى إلى أقصى البقيع ، والأولى هي المرادة بما سيأتي في قبر أسعد بن زرارة من قول أبي غسان ، والروحاء : المقبرة التي وسط البقيع يحيط بها طرق مطرقة وسط البقيع ، وكأنها اشتهرت بذلك دون ثانية لاقتصاره على الأولى.

وروى ابن زبالة عن عبيد الله بن أبي رافع قال : بلغني أن إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما مات قالوا : يا رسول الله ، أين ندفن إبراهيم؟ قال : عند فرطنا عثمان بن مظعون ، ودفن عثمان بن مظعون عند كتاب بني عمرو بن عثمان.

وروى ابن شبة عن محمد بن عبد الله بن سعيد بن جبير قال : دفن إبراهيم ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالزوراء موضع السقاية التي على يسار من سلك البقيع مصعدا إلى جنب دار محمد بن زيد بن عليّ.

٨٣

وعن سعيد بن جبير قال : رأيت قبر إبراهيم ابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في الزوراء ؛ فيستفاد منه تسمية ذلك الموضع بالزوراء أيضا.

وروى ابن زبالة عن سعيد بن محمد بن جبير أنه رأى قبر إبراهيم عند الزوراء.

قال عبد العزيز بن محمد : وهي الدار التي صارت لمحمد بن زيد بن علي.

وعن جعفر بن محمد أن قبر إبراهيم وجاه دار سعيد بن عثمان التي يقال لها الزوراء بالبقيع ، فهدمت مرتفعا عن الطريق.

وعن قدامة قال : دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إبراهيم ابنه إلى جنب عثمان بن مظعون ، وقبره حذاء زاوية دار عقيل بن أبي طالب من ناحية دار محمد بن زيد.

قبر عثمان بن مظعون

وروى ابن شبة عن سعد بن جبير بن مطعم قال : رأيت قبر عثمان بن مظعون عند دار محمد بن علي بن الحنفية.

وعن محمد بن قدامة عن أبيه عن جده قال : لما دفن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم عثمان بن مظعون أمر بحجر فوضع عند رأسه ، قال قدامة : فلما صفق البقيع وجدنا ذلك الحجر ، فعرفنا أنه قبر عثمان بن مظعون. قال عبد العزيز بن عمران : وسمعت بعض الناس يقول : كان عند رأس عثمان بن مظعون ورجليه حجران.

وعن شيخ من بني محزوم يدعى عمر قال : كان عثمان بن مظعون أول من مات من المهاجرين ، فقالوا : يا رسول الله أين ندفنه؟ قال : بالبقيع ، قال : فلحد له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفضل حجر من حجارة لحده ، فحمله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضعه عند رجليه ، فلما ولي مروان بن الحكم المدينة مرّ على ذلك الحجر فأمر به فرمى به ، وقال : والله لا يكون على قبر عثمان بن مظعون حجر يعرف به ، فأتته بنو أمية فقالوا : بئس ما صنعت ، عمدت إلى حجر وضعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فرميت به ، بئس ما عملت ، فمر به فليرد ، فقال : أما والله إذ رميت به فلا يرد.

وسيأتي في قبر عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه من رواية ابن زبالة أن مروان جعل ذلك الحجر على قبر عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.

وروى أبو داود بإسناد حسن عن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، ولم يسم الصحابي الذي حدثه ، قال : لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتي بحجر فلم يستطع حمله ، فقام إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وحسر عن ذراعيه ـ قال المطلب : قال الذي يخبرني : كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين حسر عنهما ـ ثم حمله فوضعه عند رأسه ، وقال : أتعلم به قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي.

٨٤

ورواه ابن شبة وابن ماجه وابن عدي عن أنس والحاكم عن أبي رافع.

وروى ابن زبالة عن عائشة بنت قدامة قالت : كان القائم يقوم عند قبر عثمان بن مظعون فيرى بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ليس دونه حجاب.

قبر رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم

روى الطبراني برجال ثقات ، وفي بعضهم خلاف ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في حديث قال فيه : فلما ماتت رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون.

ورواه ابن شبة ، ولفظه : لما ماتت رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون ، قال : وبكى النساء ، فجعل عمر يضربهن بسوطه ، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده وقال : دعهن يا عمر ، وإياكن ونعيق الشيطان فإنه مهما يكن من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة ، ومهما يكن من اللسان ومن اليد فمن الشيطان ، قال : فبكت فاطمة رضي الله تعالى عنها على شفير القبر ، فجعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يمسح الدموع عن عينها بطرف ثوبه.

قال ابن شبة عقبه : وروى خلافه ، أي من حيث حضورهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لذلك ، ثم روى عن عروة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خلّف عثمان بن عفان وأسامة بن زيد على رقية وهي وجعة أيام بدر.

وعن الزهري أن يزيد بن حارثة جاء بشيرا بوقعة بدر ، وعثمان قائم على قبر رقية يدفنها.

قلت : هذا هو المشهور ، والثابت في الصحيح أنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حضر دفن ابنته أم كلثوم زوجة عثمان رضي الله تعالى عنه ، فلعل الخبر الأول فيها ، أو في زينب أختها ، فإنها توفيت سنة ثمان بالمدينة ، والظاهر أنهن جميعا عند عثمان بن مظعون ؛ لما تقدم من قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأدفن إليه من مات من أهلي» ويحتمل أن بعضهن هي التي وجد قبرها عند حفر الدعامة التي أمام المصلى الشريف ، كما سيأتي في قبر فاطمة الزهراء ، وحصل الوهم في نسبته لفاطمة ، والله أعلم.

قبر فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها

أم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

روى ابن زبالة عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وكانت مهاجرة مبايعة ، بالرّوحاء مقابل حمام أبي قطيفة ، قال : وثمّ قبر إبراهيم ابن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقبر عثمان بن مظعون.

وسيأتي ما نقله ابن شبة في قبر العباس من قول عبد العزيز بن عمران : إنه دفن عند قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم في أول مقابر بني هاشم التي في دار عقيل.

٨٥

قلت : وهذا كله صريح في مخالفة ما عليه الناس اليوم من أن قبرها في المشهد الآتي ذكره ، وأول من ذكر أنها بذلك المشهد ابن النجار ، وتبعه من بعده ، ولم أقف له على مستند في ذلك ، والأثبت عندي ما هنا ؛ إذ يبعد أن يدفنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك الموضع القاصي ويترك ما قرب من عثمان بن مظعون وقد قال : «وأدفن إليه من مات من أهلي» ، وأيضا فلا يظهر أن الموضع المعروف بمشهدها من البقيع ؛ لأن مشهد عثمان كما سيأتي ليس من البقيع ، وهذا المشهد بطرف زقاق في شاميه إلى المشرق.

فإن قيل : النخيل التي تقابل هذا المشهد قال ابن النجار : إنها تعرف بالحمام ، وقد قال في الرواية الأولى «مقابل حمام أبي قطيفة».

قلت : الظاهر أن ذلك منشأ الوهم في ذلك ، وبقية الرواية المذكورة.

وما نقله ابن شبة يدفع ذلك ويبين أن المراد موضع كان يعرف بحمام أبي قطيفة بجهة مشهد سيدنا إبراهيم ، وكأن ابن النجار لم يقف إلا على صدر الرواية الأولى ؛ فإنه قال : قبر فاطمة بنت أسد وعليها قبة في آخر البقيع ، ثم ذكر صدر الرواية الأولى إلى قوله : مقابل حمام أبي قطيفة ، ثم قال : واليوم يقابلها نخل يعرف بالحمام ، انتهى.

على أن النخيل التي بقرب هذا المشهد هي التي تقابله من جهة المشرق والشام ، وإنما يعرف قديما وحديثا بالخضاري ، وإنما يعرف بالحمام النخل الذي في شامي مشهد سيدنا إبراهيم عند الكومة ، وهو بعيد من المشهد المعروف بفاطمة ، وإن كان في جهة مقابلته من المغرب ، ومن تأمل ذلك علم أن التعريف به لما هو في جهة مشهد سيدنا إبراهيم أقرب ، فهو شاهد لنا ، وأيضا فاسم الحمام مذكور لمواضع بالمدينة ، ولهذا أضافه إلى أبي قطيفة.

وقد روى ابن زبالة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بموضع حمام عبيد الله بن حسين الذي اشترى محمد بن زيد ، فقدمه إلى البقيع قليلا ، فقال : نعم موضع الحمام.

القبور التي نزلها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم

ونقل ابن شبة عن عبد العزيز بن عمران ما حاصله أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم ينزل في قبر أحد قط إلا خمسة قبور ، ثلاث نسوة ورجلين ، منها قبر خديجة بمكة ، وأربع بالمدينة : قبر ابن خديجة كان في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وتربيته ، وهو على قارعة الطريق بين زقاق عبد الدار وبين البقيع الذي يتدافن فيه بنو هاشم ، وقبر عبد الله المزني الذي يقال له ذو البجادين ، وقبر أم رومان أم عائشة بنت أبي بكر ، وقبر فاطمة بنت أسد أم عليّ ، فأما ذو البجادين فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أقبل مهاجرا وسلك ثنية الغابر وعرت عليه الطريق وغلظت ، فأبصره ذو البجادين فقال لأبيه : دعني أدلهم على الطريق ، فأبى ، فنزع ثيابه وتركه عريانا ، فاتخذ عبد الله بجادا من شعر فطرحه على عورته ، ثم عدا نحوهم ، فأخذ بزمام راحلة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم ذكر قدومه مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة موته ودفنه.

٨٦

ثم قال : وأما قبر فاطمة بنت أسد أم عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما فإن عبد العزيز حدث ، وذكر سنده إلى محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما ، قال : لما استقر بفاطمة وعلم بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا توفيت فأعلموني ، فلما توفيت خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بقبرها فحفر في موضع المسجد الذي يقال له اليوم قبر فاطمة ، ثم لحد لها لحدا ، ولم يضرح لها ضريحا ، فلما فرغ منه نزل فاضطجع في اللحد ، وقرأ فيه القرآن ، ثم نزع قميصه فأمر أن تكفّن فيه ، ثم صلى عليها عند قبرها ، فكبر تسعا وقال : ما أعفي أحد من ضغطه القبر إلا فاطمة بنت أسد ، قيل : يا رسول الله ولا القاسم؟ قال : ولا إبراهيم ، وكان إبراهيم أصغر هما.

قلت : وقوله في موضع المسجد إلى آخره يقتضي أنه كان على قبرها مسجد يعرف به في ذلك الزمان.

وروى ابن شبة عن جابر بن عبد الله قال : بينا نحن جلوس مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتاه آت فقال : يا رسول الله ، إن أم علي وجعفر وعقيل قد ماتت ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : قوموا إلى أمي ، فقمنا وكأن على رءوس من معه الطير ، فلما انتهينا إلى الباب نزع قميصه فقال : إذا غسلتموها فأشعروها إياه تحت أكفانها ، فلما خرجوا بها جعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة يحمل ، ومرة يتقدم ، ومرة يتأخر ، حتى انتهينا إلى القبر فتمعّك في اللحد ثم خرج فقال : ادخلوها باسم الله وعلى اسم الله ، فلما أن دفنوها قام قائما فقال : جزاك الله من أم وربيبة خيرا ، فنعم الأم ونعم الربيبة كنت لي ، قال : فقلنا له أو قيل له : يا رسول الله لقد صنعت شيئين ما رأيناك صنعت مثلهما قط ، قال : ما هو؟ قلنا : نزعك قميصك وتمعكك في اللحد ، قال : أما قميصي فأريد أن لا تمسها النار أبدا إن شاء الله تعالى ، وأما تمعكي في اللحد فأردت أن يوسّع الله عليها في قبرها.

وروى ابن عبد البر عن ابن عباس قال : لما ماتت فاطمة أمّ علي بن أبي طالب ألبسها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قميصه ، واضطجع معها في قبرها ، فقالوا : ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ لي منها ، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها ليهون عليها.

وفي الكبير والأوسط بسند فيه روح بن صلاح وثّقه ابن حبّان والحاكم وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح ، عن أنس بن مالك قال : لما ماتت فاطمة بنت أسد دخل عليها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجلس عند رأسها ، فقال : رحمك الله يا أمي بعد أمي ، وذكر ثناءه عليها وتكفينها ببرده ، قال : ثم دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاما أسود يحفرون ، فحفروا قبرها ، فلما بلغوا اللحد حفره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده ،

٨٧

وأخرج ترابه بيده ، فلما فرغ دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فاضطجع فيه ، ثم قال : الله الذي يحي ويميت وهو حي لا يموت ، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ووسّع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي ، فإنك أرحم الراحمين ، وكبر عليها أربعا ، فأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم.

قبر عبد الرحمن بن عوف

روى ابن زبالة عن حميد بن عبد الرحمن قال : أرسلت عائشة إلى عبد الرحمن بن عوف حين نزل به الموت أن هلم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وإلى أخويك ، فقال : ما كنت مضيّقا عليك بيتك ، إني كنت عاهدت ابن مظعون أينا مات دفن إلى جانب صاحبه ، قالت : فمروا به عليّ ، فمروا به عليها فصلّت عليه.

وروى ابن شبة عن حفص بن عثمان بن عبد الرحمن نحوه.

وعن عبد الواحد بن محمد عن عبد الرحمن بن عوف أنه أوصى إن هلك بالمدينة أن يدفن إلى عثمان بن مظعون ، فلما هلك حفر له عند زاوية دار عقيل الشرقية ، فدفن هناك ، عليه ثوب حبرة من العصب ، أتمارى أن يكون فيه لحمة ذهب أولا.

قبر سعد بن أبي وقّاص

روى ابن شبة عن ابن دهقان قال : دعاني سعد بن أبي وقاص فخرجت معه إلى البقيع ، وخرج بأوتاد ، حتى إذا جاء من موضع زاوية عقيل الشرقية الشامية أمرني فحفرت ، حتى إذا بلغت باطن الأرض ضرب فيها الأوتاد ثم قال : إن هلكت فادللهم على هذا الموضع يدفنوني به ، فلما هلك قلت ذلك لولده ، فخرجنا حتى دللتهم على ذلك الموضع ، فوجدوا الأوتاد ، فحفروا له هناك ودفنوه.

قبر عبد الله بن مسعود

روى ابن سعد في طبقاته عن أبي عبيدة بن عبد الله أن ابن مسعود قال : ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون.

وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ، ودفن بالقيع ، سنة اثنتين وثلاثين.

قبر خنيس بن حذاقة السهمي

كان زوج حفصة بنت عمر قبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو من المهاجرين الأولين أصحاب الهجرتين ، نالته جراحة يوم أحد ، فمات بسببها بالمدينة.

قال أبو عبد الله محمد بن يوسف الزرندي المدني في سيرته : توفي في السنة الثالثة من الهجرة ، ودفن عند عثمان بن مظعون ، قال : وكان عثمان بن مظعون توفي قبله في شعبان

٨٨

من السنة المذكورة ، ونقل ابن الجوزي أن عثمان توفي في السنة الثانية ، اه. وما قدمناه من موت خنيس بعد أحد من جراحة نالته يوم أحد هو ما جزم به ابن عبد البر ، وتبعه عليه الذهبي ، ويشكل عليه ما سبق في الفصل الثاني عشر من الباب الثالث من أن أحدا كانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور ، وقيل : أربع ، وأنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم تزوج بحفصة بنت عمر في شعبان من السنة الثالثة على الأصح ، وقيل : في الثانية ؛ فلا يصح ما جزم به ابن عبد البر ، إلا أن يكون خنيس قد طلقها كما أشار إليه الذهبي ، لكن قد وهم الحفّاظ ابن عبد البر في قوله «إن خنيسا استشهد بأحد بسبب تلك الجراحة» وإنما توفي قبلها بالمدينة ، قال ابن سيد الناس : المعروف أنه مات بالمدينة على رأس خمس وعشرين شهرا ، وذلك بعد رجوعه من بدر ، اه.

قبر أسعد بن زرارة أحد بني غنم بن مالك بن النجار

شهد العقبتين كما تقدم ، وتوفي في الأولى من الهجرة والمسجد يا بنى

قال ابن شبة : قال أبو غسان : وأخبرني بعض أصحابنا قال : لم أزل أسمع أن قبر عثمان بن مظعون وأسعد بن زرارة بالروحاء من البقيع ، والروحاء : المقبرة التي بوسط البقيع يحيط بها طرق مطرقة وسط البقيع.

قلت : فينبغي أن يسلّم على هؤلاء كلهم عند زيارة مشهد سيدنا إبراهيم بالبقيع.

قبر فاطمة بنت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم

بيان قبر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبنيها ، ومن عرفت جهة قبره بالبقيع من بني هاشم ، وأمها المؤمنين ، وغيرهم.

روى ابن شبة عن محمد بن علي بن عمر أنه كان يقول : إن قبر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم زاوية دار عقيل اليمانية الشارعة في البقيع.

وعن منبوذ بن حويطب والفضل بن أبي رافع أن قبرها وجاه زقاق نبيه ، وأنه إلى زاوية دار عقيل أقرب.

وعن عمر بن عليّ بن حسين بن عليّ أن قبرها حذو الزقاق الذي يلي زاوية دار عقيل ، قال غسان بن معاوية بن أبي مزرّد : إنه ذرع من حيث أشار له عمر بن علي فوجده خمسة عشر ذراعا إلى القناة.

وعن عمر بن عبد الله مولى عفرة أن قبرها حذو زاوية دار عقيل مما يلي دار نبيه.

وعن عبد الله بن أبي رافع أن قبرها مخرج الزقاق الذي بين دار عقيل ودار أبي نبيه.

وذكر إسماعيل راوية أنه ذرع الموضع الذي ذكر له أبوه فوجد بين القبر وبين القناة التي في دار عقيل ثلاثة وعشرين ذراعا ، وبين القناة الأخرى سبعة وثلاثين ذراعا.

٨٩

قال أبو غسان : وأخبرني مخبر ثقة قال : يقال : إن المسجد الذي يصلي إلى جنبه شرقيا على جنائز الصبيان كان خيمة لامرأة سوداء يقال لها رقية ، جعلها هناك حسين بن علي تبصر قبر فاطمة ، وكان لا يعرف قبر فاطمة غيرها.

قال : وأخبرني عبد العزيز بن عمران عن حماد بن عيسى عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : دفن علي فاطمة ليلا في منزلها الذي دخل في المسجد ، فقبرها عند باب المسجد المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد الله ، أي وهو الباب الذي كان في شامي باب النساء في المشرق كما تقدم.

قال ابن شبة عقبه : وأظن هذا الحديث غلطا ؛ لأن الثبت جاء في غيره.

ثم روى بسند جيد عن فائد مولى عبادل ، وهو صدوق ، أن عبيد الله بن علي أخبره عمن مضى من أهل بيته أن الحسن بن عليّ قال : ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمي ، فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة مواجه الخوخة التي في دار نبيه بن وهب ، طريق الناس بين قبرها وبين خوخة نبيه ، أظن الطريق سبعة أذرع.

قال فائد : وقال لي منقد الحفار : إن في المقبرة قبرين مطابقين بالحجارة ، قبر حسن بن علي وقبر عائشة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنحن لا نحركها ، فلما كان زمن حسن بن زيد وهو أمير على المدينة استعدى بنو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب على آل عقيل في قناتهم التي في دورهم الخارجية في المقبرة ، وقالوا : إن فاطمة رضي الله تعالى عنها عند هذه القناة ، فاختصموا إلى حسن ، فدعاني حسن فسألني فأخبرته عن عبيد الله بن أبي رافع ومن بقي من أهلي وعن حسن بن علي وقوله «ادفنوني إلى جنب أمي» ثم أخبرته عن منقد الحفار وعن قبر الحسن أنه رآه مطابقا ، فقال حسن بن زيد : أنا على ما تقول ، وأقر قناة آل عقيل.

ثم ذكر ابن شبة أن أبا غسان حدثه عن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله أن جعفر بن محمد كان يقول : قبر فاطمة في بيتها الذي أدخله عمر بن عبد العزيز في المسجد ، قال : ووجدت كتابا كتب عن أبي غسان فيه أن عبد العزيز بن عمران كان يقول : إنها دفنت في بيتها ، وصنع بها ما صنع برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إنها دفنت في موضع فراشها ، ويحتج بأنها دفنت ليلا ، ولم يعلم بها كثير من الناس.

ثم أشار ابن شبة إلى رد ذلك بما حدثه أبو عاصم النبيل قال : حدثنا كهمس بن الحسن قال : حدثني يزيد قال : كمدت فاطمة رضي الله تعالى عنها بعد وفاة أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين بين يوم وليلة ، فقالت : إني لأستحيي من جلالة جسمي إذا أخرجت على الرجال غدا ، وكانوا يحملون الرجال كما يحملون النساء فقالت أسماء بنت عميس أو أم سلمة : إني رأيت شيئا يصنع بالحبشة ، فصنعت النعش ، فاتخذ بعد ذلك سنة.

٩٠

وسيأتي من رواية ابن عبد البر ما يؤيده.

وروى ابن شبة عن سلمى زوج أبي رافع قالت : اشتكت فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأصبحت يوما كأمثل ما كانت تكون ، وخرج علي فقالت : يا أمتاه اسبكي لي غسلا ، ثم قامت فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل ثم قالت : هات ثيابي الجدد ، فأعطتها إياها ، فلبستها ثم جاءت إلى البيت الذي كانت فيه فقالت : قدّمي الفراش إلى وسط البيت ، فقدّمته فاضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدها ثم قالت : يا أمتاه إني مقبوضة الآن ، وإني قد اغتسلت فلا يكشفني أحد ، قال : فقبضت مكانها ، وجاء عليّ فأخبرته فقال : لا جرم والله لا يكشفها أحد ، فحملها بغسلها ذلك فدفنها.

ثم روى ابن شبة عقبه عن أسماء بنت عميس قالت : غسلت أنا وعلي ابن أبي طالب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

وروى البيهقي بإسناد حسن عن أسماء بنت عميس أن فاطمة أوصت أن تغسلها هي وعلي ، فغسلاها.

ثم تعقبه بأن هذا فيه نظر ؛ لأن أسماء في هذا الوقت كانت عند أبي بكر الصديق ، وقد ثبت أن أبا بكر لم يعلم بوفاة فاطمة ؛ لما في الصحيح أن عليا دفنها ليلا ، ولم يعلم أبا بكر ، فكيف يمكن أن تغسلها زوجته وهو لا يعلم؟

وأجاب في الخلافيات باحتمال أن أبا بكر علم بذلك ، وأحبّ أن لا يرد غرض علي في كتمانه منه ، قال الحافظ ابن حجر : ويمكن أن يجمع بأن أبا بكر علم بذلك وظن أن عليا سيدعوه لحضور دفنها ليلا ، وظن علي أنه يحضر من غير استدعاء منه.

وقد احتج بحديث بنت عميس هذا أحمد وابن المنذر ، وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما فيبطل ما روى أنها غسلت نفسها وأوصت أن لا يعاد غسلها.

وقد رواه أحمد ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، وأفحش القول في ابن إسحاق راويه.

وتولى ردّ ذلك عليه ابن عبد الهادي في التنقيح.

قلت : وعلى كل تقدير فحديث بنت عميس أرجح ؛ للأدلة الدالة على وجوب غسل الميت مطلقا ، وليس في حديث الصحيح أن أبا بكر ما علم بوفاة فاطمة ، بل أن عليا دفنها ولم يعلمه.

وقد روى ابن عبد البر خبر أسماء بأتمّ من ذلك ، وفيه علم أبي بكر بموتها ، وذلك من طريق عون بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر.

وعن عمارة بن المهاجر عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت لأسماء بنت

٩١

عميس : يا أسماء ، إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها ، قالت أسماء : يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبها ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله؟ تعرف به المرأة من الرجل ، فإذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ، ولا تدخلي عليّ أحدا ، فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء : لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر قالت : إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر فوقف على الباب فقال : يا أسماء ، ما حملك على أن منعت أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يدخلن على بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس؟ فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ، وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها ، قال أبو بكر : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف ، وغسلها علي وأسماء رضي الله تعالى عنهما.

وقد خرّج الدولابي معنى ذلك مختصرا ، وفيه أنها لما أرتها النعش تبسمت ، وما رؤيت متبسمة ـ يعني بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا يومئذ.

وخرج أيضا أن الوصية كانت إلى عليّ بأن يغسلها هو وأسماء ، ويجوز أن تكون أوصت إلى كل منهما.

قال ابن عبد البر : فاطمة أول من غطى نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة في الخبر المتقدم ، ثم بعدها زينب بنت جحش صنع بها ذلك. وتوفيت فاطمة يوم الثلاثاء لثلاث خلت من شهر رمضان سنة إحدى عشرة ، وكانت أشارت على زوجها أن يدفنها ليلا.

قلت : لعلها أرادت بذلك المبالغة في التستر ، وهو السبب في عدم إعلام أبي بكر رضي الله تعالى عنه. ويتأيد بذلك رواية دفنها بالبقيع ، وهو مقتضى صنيع ابن زبالة في إيراد الروايات الدالة على ذلك.

قبر بعض أبناء الإمام علي بن أبي طالب

وقال المسعودي في مروج الذهب : إن أبا عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم توفي سنة ثمان وأربعين ومائة ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجده ، قال : وعلى قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة عليها مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله مبيد الأمم ، ومحيي الرمم ، هذا قبر فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سيدة نساء العالمين ، وقبر الحسن بن علي ، وعلي بن الحسين بن علي ، وقبر محمد بن علي ، وجعفر بن محمد ،عليهم‌السلام ، انتهى. وذكر ما يقتضي أنه حين ذكر هذا كان في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.

٩٢

المتوكل يأمر بهدم قبر الحسين بن علي

وإنما أوجب عدم العلم بعين قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور وتجصيصها ، مع ما عرض لأهل البيت رضي الله تعالى عنهم من معاداة الولاة قديما وحديثا ، حتى ذكر المسعودي أن المتوكل أمر في سنة ست وثلاثين ومائتين المعروف بالزبرج بالمسير إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما ومحو أرضه وهدمه وإزالة أثره ، وأن يعاقب من وجد به ، فبذل الرغائب لمن يقدم على ذلك ، فكل خشي عقوبة الله فأحجم ، فتناول الزبرج مسحاة وهدم أعالي قبر الحسين ، فحينئذ أقدم الفعلة على العمل فيه ، وانتهوا إلى الحفيرة وموضع اللحد فلم يجدوا فيه أثر رمّة ولا غيرها ، ولم يزل الأمر على ذلك حتى استخلف المنتصر ، انتهى.

ويتلخص مما تقدم أن المعتمد أن قبرها بالبقيع عند قبر الحسن ، وقيل : في بيتها ، ويتفرع عليه قولان : أحدهما ما تقدم عن عبد العزيز من أن محله من المسجد ما يقابل الباب الذي يواجه دار أسماء بنت حسين ، يعني شامي باب النساء وهو بعيد جدّا ، وثانيهما حكاه العز بن جماعة وقال : إنه أظهر الأقوال ، وهو أنه في بيتها ، وهو مكان المحراب الخشب الذي داخل مقصورة الحجرة الشريفة من خلفها ، وقد رأيت خدّام الحجرة يجتنبون دوس ما بين المحراب المذكور وبين الموضع المزور من الحجرة الشريفة الشبيه بالمثلث ، ويزعمون أنه قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها.

وقد سبق في الفصل التاسع والعشرين من الباب الرابع أنهم لما أسّسوا دعائم القبة الكبرى المحاذية لأعلى الحجرة الشريفة أسسوا أسطوانة هناك زادوها عند الصفحة الشرقية من الموضع الشبيه بالمثلث خلف الحجرة ، فوجدوا قبرا بدا لحده وبعض عظامه ، وحصل للناس في ذلك اليوم أمر عظيم ومشقة زائدة فيما أخبرني به شيخ الخدام السيفي قائم وغيره.

وحكى ابن جماعة في قبر فاطمة رضي الله تعالى عنها قولين آخرين : أحدهما : أنه الصندوق الذي أمام مصلى الإمام بالروضة الشريفة ، قال : وهو بعيد جدّا.

قلت : لم أقف له على أصل ، ولعله اشتبه على قائله بالمحراب المتقدم ذكره في بيتها ؛ لأن عنده مصلى شبه حوض كالمصلى بالروضة ، وأمامه صندوق هو المحراب المذكور ، لكن سبق في الفصل الثالث من الباب الرابع أنهم لما أسسوا في محل الصندوق المحترق الدعامة التي بها محراب المصلى النبوي ، وهو مصلى الإمام ، وجدوا هناك قبرا بدا لحده مسدودا باللبن أخرجوا منه بعض العظام ، وأن الأقدمين حرفوا أساس الأسطوانة التي عنده عنه ، فالله أعلم.

وثانيهما : أنه بالمسجد المنسوب إليها بالبقيع ، يعني الذي بالقرب من قبة العباس رضي الله تعالى عنه من جهة القبلة جانحا إلى المشرق.

٩٣

وقد ذكر الغزالي هذا المسجد في زيارة البقيع فقال : ويستحب له أن يخرج كلّ يوم إلى البقيع بعد السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذكر القبور التي تزار ، وقال عند ذكر قبر الحسن : ويصلي في مسجد فاطمة ، وذكره أيضا غيره.

وقال : إنه المعروف ببيت الحزن ؛ لأن فاطمة رضي الله تعالى عنها أقامت به أيام حزنها على أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يذكر دفنها به ، والقول بذلك من فروع القول بدفنها بالبقيع ، لكنه بعيد من الروايات السابقة لبعده جدّا من دار عقيل وعن قبر الحسن.

وقال المحب الطبري في «ذخائر العقبى ، في فضائل ذوي القربى» : أخبرني أخ لي في الله أن الشيخ أبا العباس المرسيرحمه‌الله تعالى كان إذا زار البقيع وقف أمام قبلة قبة العباس وسلم على فاطمةعليها‌السلام ، ويذكر أنه كشف له عن قبرها هناك.

قال الطبري : فلم أزل أعتقد ذلك لاعتقادي صدق الشيخ ، حتى وقفت على ما ذكره ابن عبد البر من أن الحسن لما توفي دفن إلى جنب أمه فاطمة رضي الله تعالى عنها ، فازددت يقينا.

قلت : وهو أرجح الأقوال ، والله أعلم.

قبر ابنها الحسن بن علي ، ومن معه

وما روي من نقل بدن علي ورأس الحسين إلى البقيع رضي الله تعالى عنهم.

وروى ابن شبة عن فائد مولى عبادل أن عبيد الله بن علي أخبره عمن مضى من أهل بيته أن حسن بن علي رضي الله تعالى عنهما أصابه بطن ، فلما حزبه وعرف من نفسه الموت أرسل إلى عائشة رضي الله تعالى عنهما أن تأذن له أن يدفن مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت له : نعم ، ما كان بقي إلا موضع قبر واحد ، فلما سمعت بذلك بنو أمية استلأموا هم وبنو هاشم للقتال ، وقالت بنو أمية : والله لا يدفن فيه أبدا ، فبلغ ذلك حسن بن علي رضي الله تعالى عنهما ، فأرسل إلى أهله أما إذا كان هذا فلا حاجة لي به ، ادفنوني في المقبرة إلى جنب أمي فاطمة ، فدفن في المقبرة إلى جنب فاطمة رضي الله تعالى عنها.

وعن نوفل بن الفرات نحوه ، وفيه أن الحسن قال للحسين : لعل القوم أن يمنعوك إذا أردت ذلك كما منعنا صاحبهم عثمان بن عفان ، ومروان بن الحكم يومئذ أمير على المدينة ، وقد كانوا أرادوا دفن عثمان في البيت فمنعوهم ، فإن فعلوا فلا تلاحهم في ذلك وادفنّي في بقيع الغرقد ، ثم ذكر منع مروان ، وأن الحسين لما بلغه ذلك استلأم في الحديد واستلأم مروان في الحديد أيضا ، فأتى رجل حسينا فقال : يا أبا عبد الله ، أتعصي أخاك في نفسه قبل أن تدفنه؟ قال : فوضع سلاحه ، ودفنه في بقيع الغرقد.

وفي رواية لابن عبد البر أنهم لما استلأموا في السلاح بلغ ذلك أبا هريرة رضي الله

٩٤

تعالى عنه ، فقال : والله ما هو إلا ظلم ، يمنع الحسن أن يدفن مع أبيه؟ والله إنه لابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم انطلق إلى الحسين وكلمه وناشده الله وقال له : أليس قد قال أخوك إن خفت أن يكون قتال فردوني إلى مقبرة المسلمين؟ فلم يزل به حتى فعل.

تسمية من دفن مع الحسن

وذكر ابن النجار أن مع الحسن رضي الله تعالى عنه في قبره ابن أخيه زين العابدين علي بن الحسين ، وأبا جعفر الباقر محمد بن زين العابدين ، وجعفرا الصادق ابن الباقر ، رضوان الله عليهم أجمعين. وذكر الغزالي نحوه.

دفن علي بالبقيع

وروى الزبير بن بكار من طريق شريك بن عبد الله عن أبي روق قال : حمل الحسن بدن علي بن أبي طالب فدفنه بالبقيع.

قلت : وقد اتفق في سنة بضع وستين وثمانمائة حفر قبر بمشهد الحسن والعباس أمام قبلته ، فوجدوا فسقية فيها تابوت من خشب مغشّى بشيء أحمر يشبه اللباد الأحمر مسمر بمسامير لها بريق وبياض لم تصدأ ، وتعجب الناس لكونها لم تصدأ ولعدم بلاء ذلك الغشاء.

وأخبرني جمع كثير ممن شاهد ذلك ، وأن على مدخل تلك الفسقية أحجارا من المسن ، فلعله بدن علي رضي الله تعالى عنه.

دفن رأس الحسين بن علي

وذكر محمد بن سعيد أن يزيد بن معاوية بعث برأس الحسين رضي الله تعالى عنه إلى عمرو بن سعيد بن العاص ، وكان عامله على المدينة ، فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . لكن ذكر ابن أبي الدنيا أنهم وجدوا في خزانة ليزيد رأس الحسين فكفنوه ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس. وقيل غير ذلك ، ولا بأس بالسلام على هؤلاء كلهم عند زيارة هذا المشهد.

قبر العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه

قال ابن شبة فيما نقله عن أبي غسان : قال عبد العزيز : دفن العباس بن عبد المطلب عند قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم في أول مقابر بني هاشم التي في دال عقيل ، فيقال : إن ذلك المسجد بني قبالة قبره ، قال : وقد سمعت من يقول : دفن في موضع من البقيع متوسطا.

قبر صفية بنت عبد المطلب رضي الله تعالى عنها

قال عبد العزيز فيما نقله ابن شبة : توفيت صفية فدفنت في آخر الزقاق الذي يخرج إلى البقيع عند باب الدار التي يقال لها دار المغيرة بن شعبة التي أقطعه عثمان بن عفان لازفا

٩٥

بجدار الدار ، قال عبد العزيز : فبلغني أن الزبير بن العوام اجتاز بالمغيرة وهو يا بني داره ، فقال : يا مغيرة ارفع مطمرك عن قبر أمي ، فأدخل المغيرة جداره ، فالجدار اليوم منحرف فيما بين ذلك الموضع وبين باب الدار.

قال عبد العزيز : وقد سمعت من يذكر أن المغيرة بن شعبة أبى أن يفعل ذلك مكانه من عثمان ، فأخذ الزبير السيف ثم قام على البناء ، فبلغ الخبر عثمان ، فأرسل إلى المغيرة يأمره بالمصير إلى ما أمره به الزبير ، ففعل.

وروى ابن زبالة عن محمد بن موسى بن أبي عبد الله قال : كان قبر صفية بنت عبد المطلب عند زاوية دار المغيرة بن شعبة الوضوء عليه ، فلما بنى المغيرة داره أراد أن يقيم المطمر عليه ، قال : فقال الزبير : لا ، والله لا تبني على قبر أمي ، فكفّ عنه.

قلت : والمعروف أن ذلك هو المشهد الآتي ذكره خارج باب البقيع ، والله أعلم.

قبر أبي سفيان بن عبد المطلب

قبر أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وما قيل في قبر عقيل وابن أخيه عبد الله بن جعفر ، رضي الله تعالى عنهم.

قال ابن شبة : قال عبد العزيز : بلغني أن عقيل بن أبي طالب رأى أبا سفيان بن الحارث يجول بين المقابر ، فقال : يا ابن عمّ مالي أراك هناك؟ قال : أطلب موضع قبر ، فأدخله داره وأمر بقبر فحفر في قاعتها ، فقعد عليه أبو سفيان ساعة ثم انصرف ، فلم يلبث إلا يومين حتى توفي فدفن فيه.

وقال الموفق بن قدامة : قيل عن أبي سفيان : إنه حفر قبره بنفسه قبل موته بثلاثة أيام ، قال : وكان سبب موته أنه حجّ فلما حلق الحلاق رأسه قطع تؤلولا كان في رأسه ، فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج سنة عشرين ، ودفن في دار عقيل ، وصلّى عليه عمر رضي الله تعالى عنهم.

قلت : والظاهر أنه بالمشهد المنسوب اليوم لعقيل ؛ لأن ابن زبالة وابن شبة لم يذكرا قبر عقيل بالبقيع ، وكذا الغزالي لما ذكر في الإحياء من يزار بالبقيع لم يذكره ، بل المنقول الذي ذكره ابن قدامة وغيره أن عقيلا توفي بالشام في خلافة معاوية ، فكان سبب اشتهار ذلك المشهد به كون الدار التي هو بها له ؛ ويحتمل على بعد أنه نقل من الشام ودفن بذلك المحل أيضا ، وأول من رأيته ذكر أنه بذلك المشهد ابن النجار ، فقال : وقبر عقيل بن أبي طالب أخي علي رضي الله تعالى عنهما في قبة أول البقيع ، ومعه في القبر ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب ، وهو الجواد المشهور رضي الله تعالى عنه.

٩٦

قبر عبد الله بن جعفر الطيار

وقد ذكر أبو اليقظان أن عبد الله بن جعفر الجواد كان أجود العرب ، وأنه توفي بالمدينة وقد كبر ، وقال غيره : توفي ودفن بالأبواء سنة تسعين ، ويقال : إنه كان ابن عشر سنين حين قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

قبور أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورضي الله تعالى عنهن

روى ابن زبالة عن محمد بن عبيد الله بن علي قال : قبور أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خوخة نبيه إلى الزقاق الذي يخرج إلى البقال مستطيرة ؛ وترجم ابن شبة لقبر أم حبيبة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم روى عن زيد بن السائب قال : أخبرني جدي قال : لما حفر عقيل بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في داره بئرا وقع على حجر منقوش مكتوب فيه «قبر أم حبيبة بنت صخر بن حرب» فدفن عقيل البثر ، وبنى عليه بيتا ، قال ابن السائب : فدخلت ذلك البيت فرأيت فيه ذلك القبر.

قلت : فهذا وما قبله أصل في زيارتهن بالمشهد المعروف بهن في قبلة مشهد عقيلرضي‌الله‌عنه ، والظاهر أن خوخة نبيه في غربي المشهد المذكور ، وكذا الزقاق الذي يخرج إلى البقال ؛ لما سيأتي في ترجمته ، فيكون بعضهن بقرب الحسن والعباس رضي الله تعالى عنهما ، ولهذا روي ابن شبة عن محمد بن يحيى قال : سمعت من يذكر أن قبر أم سلمة رضي الله تعالى عنها بالبقيع حيث دفن محمد بن زيد عليّ قريبا من موضع فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنه كان حفر فوجد على ثمانية أذرع حجرا مكسورا مكتوبا في بعضه «أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم » فبذلك عرف أنه قبرها.

وقد أمر محمد بن زيد بن علي أهله أن يدفنوه في ذلك القبر بعينه ، وأن يحفروا له عمقا ثمانية أذرع ، فحفر كذلك ودفن فيه.

وروى ابن زبالة عن إبراهيم بن علي بن حسن الرافعي قال : حفر لسالم البانكي مولى محمد بن عليّ فأخرجوا حجرا طويلا فإذا فيه مكتوب «هذا قبر أم سلمة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم » وهو مقابل خوخة آل نبيه بن وهب ، قال : فأهيل عليه التراب وحفر لسالم في موضع آخر.

وعن حسن بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن عليّ أنه هدم منزله في دار علي بن أبي طالب ، قال : فأخرجنا حجرا مكتوبا فيه «هذا قبر رملة بنت صخر» قال : فسألنا عنه فائدا مولى عبادل فقال : هذا قبر أم حبيبة ابنة أبي سفيان ، ويخالفه ما تقدم من أن قبرها في دار عقيل ، ولعله تصحف بعلي.

وفي صحيح البخاري أن عائشة رضي الله تعالى عنها أوصت عبد الله بن الزبير لا تدفني معهم ، تعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبيه ، وادفني مع صواحبي بالبقيع.

٩٧

وروى ابن زبالة عن فائد مولى عبادل قال : قال لي منقد الحفّار : في المقبرة قيران مطابقان بالحجارة : قبر حسن بن علي ، وقبر عائشة زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فنحن لا نحركهما.

قلت : وأمهات المؤمنين كلهن بالمدينة ، إلا خديجة فبمكة ، وإلا ميمونة فبسرف.

قبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه

وروى ابن شبة عن الزهري قال : جاءت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فوقفت على باب المسجد ، فقالت : لتخلّنّ بيني وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفنّ ستر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخلوها ، فلما أمسوا جاء جبير بن مطعم وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وأبو الجهم بن حذيفة وعبد الله بن حسل ، فحملوه فانتهوا به إلى البقيع ، فمنعهم من دفنه ابن بحرة ، ويقال : ابن نحرة الساعدي ، فانطلق به إلى حش كوكب ، وهو بستان بالمدينة ، فصلّى عليه جبير ودفنوه وانصرفوا.

وعن عروة بن الزبير قال : منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بحرة الساعدي ، فانطلقوا به إلى حش كوكب ، فصلى عليه حكيم بن حزام ، وأدخل بنو أمية حش كوكب في البقيع.

وعن عثمان بن محمد الأخنسي عن أم حكيمة قالت : كنت مع الأربعة الذين دفنوا عثمان بن عفان : جبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وأبو جهم بن حذيفة ، ونيار بن مكرم الأسلمي ، وحملوه على باب أسمع قرع رأسه على الباب كأنه دباة ، ويقول : دب دب ، حتى جاءوا به حش كوكب فدفن به ، ثم هد عليه الجدار وصلّى عليه هناك.

قال : وحشّ كوكب : موضع في أصل الحائط الذي في شرقي البقيع الذي يقال له خضراء أبان ، وهو أبان بن عثمان.

قلت : ولذلك تسمى تلك الناحية إلى اليوم بالحضاري.

وفي طبقات ابن سعد عن مالك بن أبي عامر قال. كان الناس يتوقّون أن يدفنوا موتاهم في حشّ كوكب ، فكان عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه يقول : يوشك أن يهلك رجل صالح فيدفن هناك فيأتسي الناس به ، قال : فكان عثمان أول من دفن به.

وروى ابن شبة عن عبد الله بن فروج قال : كنا مع طلحة فقال لي ولابن أخيه عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله : انطلقا فانظرا ما فعل الرجل ، قال : فدخلنا فإذا هو مسجّى بثوب أبيض ، فرجعنا إلى طلحة فأخبرناه ، فقال : قوموا إلى صاحبكم فواروه ، فانطلقنا فجمعنا عليه ثيابه كما يصنع بالشهيد ، ثم أخرجناه ليصلي عليه ، فقالت المصرية : والله لا يصلّي عليه ، فقال أبو الجهم بن حذيفة : والله إن عليكم أن لا تصلوا عليه ، قد صلّى الله عليه ، فنغزوه ساعة بنعال سيوفهم حتى ظننت أن قد قتلوه ، ثم أرادوا دفنه مع نبي الله

٩٨

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان قد استوهب من عائشة رضي الله تعالى عنها موضع قبر فوهبت له ، فأبوا ، فدفن في مقبرة كان قد اشتراها فزادها في المقبرة ، فكان أول من دفن فيها.

وقيل : إن عمرو بن عثمان صلّى عليه يومئذ.

وروى ابن زبالة عن ابن شهاب وغيره أن عثمان منع من البقيع ، فدفن في حش كوكب ، وكان عثمان بن مظعون أول من دفن بالبقيع ، فجعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أسفل مهراس علامة على قبره ليدفن الناس حوله ، وقال : لأجعلنّك للمتقين إماما ، فلما استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة في ملكه أدخل الحش في البقيع ، وحمل المهراس فجعله على قبر عثمان ، وقال : عثمان وعثمان ، فدفن الناس حول عثمان رضي الله تعالى عنه.

قبر سعد بن معاذ الأشهلي رضي الله تعالى عنه

نقل ابن شبة عن عبد العزيز أنه أصيب يوم الخندق ، فدعا فحبس الله عنه الدم ، حتى حكم في بني قريظة ، ثم انفجر كله ؛ فمات في منزله في بني عبد الأشهل ، فصلى عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ودفنه في طرف الزقاق الذي بلزق دار المقداد بن الأسود ، وهو المقداد بن عمرو ، وإنما تبنّاه الأسود بن عبد يغوث الزهري ، وهي الدار التي يقال لها دار ابن أفلح في أقصى البقيع عليها جنبذة ، انتهى. وهذا الوصف صادق بالمشهد المنسوب لفاطمة بنت أسد ؛ لكونه بطرف زقاق في أقصى البقيع : وفي شرقيه ناحية بني ظفر وبني عبد الأشهل ، فلعله قبره ، ولكن وقع الاشتباه في نسبته لفاطمة رضي الله تعالى عنها لما قدمناه في قبرها ، والله أعلم.

قبر أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه

وروى ابن شبة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال : قال لي أبي : يا بني ، إني قد كبرت ، وذهب أصحابي وحان مني ، فخذ بيدي ، فأخذت بيده حتى جئت إلى البقيع ، فجئت أقصى البقيع مكانا لا يدفن فيه ، فقال : يا بني ، إذا هلكت فاحفر لي هاهنا ، لا تبك عليّ باكية ، ولا يضر بن عليّ فسطاط ، ولا يمشي معي بنار ، ولا تؤذنن أحدا ، واسلك بي زقاق عمقة ، وليكن مشيك بي خببا ، وفي رواية ثم اتكأ علي فأتى البقيع حيث لا يدفن أحد ، فقال : إذا مت فادفني هاهنا ، واسلك بي زقاق عمقه ، وزاد : ولا تبك عليّ نائحة ، وامشوا بي الخبب ، ولا تؤذنوا بي أحدا ، قال : فيأتيني الناس متى يخرج ، فأكره أن أخبرهم لما قال لي ، فأخرجته في صدر النهار ، فأتيت البقيع وقد ملئ ناسا.

بيان المشاهد المعروفة اليوم بالبقيع وغيره من المدينة الشريفة

أعلم أن أكثر الصحابةرضي‌الله‌عنهم ـ كما قال المطري ـ ممن توفي في حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعد وفاته مدفنون بالبقيع ، وكذلك سادات أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وسادات التابعين.

٩٩

وفي مدارك عياض عن مالك أنه مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف ، وباقيهم تفرقوا في البلدان.

وقال المجد : لا شك أن مقبرة البقيع محشوة بالجماء الغفير من سادات الأمة ، غير أن اجتناب السلف الصالح من المبالغة في تعظيم القبور وتجصيصها أفضى إلى انطماس آثار أكثرهم ، فلذلك لا يعرف قبر معينين منهم إلا أفرادا معدودة.

قلت : وقد ابتنى عليها مشاهد : منها مشهد على يمينك إذا خرجت من باب البقيع قبلى المشهد المنسوب لعقيل بن أبي طالب وأمهات المؤمنين ، تحوى العباس بن عبد المطلب عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والحسن بن علي ، ومن تقدم ذكره معه ، وعليهم قبة شامخة في الهواء ، قال ابن النجار : وهي كبيرة عالية قديمة البناء وعليها بابان يفتح أحدهما في كل يوم ، ولم يذكر الذي بناها ، وقال المطري : بناها الخليفة الناصر أحمد بن المستضيء.

قلت : وفيه نظر ؛ لأن الناصر هذا كان معاصرا لابن النجار ؛ لأنه توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة ، ووفاة ابن النجار سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، وقد قال ابن النجار : إن هذه القبة قديمة البناء ، ووصفها بما هي عليه اليوم. ورأيت في أعلى محراب هذا المشهد : أمر بعمله المنصور المستنصر بالله ، ولم يذكر اسمه ولا تاريخ العمارة ، فلعله المنصور الذي هو ثاني خلفاء بني العباس ، لكنه لا يلقب بالمستنصر بالله ، ولم أر من جمع بين هذين اللقبين ، وعلى ساح قبر العباس أن الآمر بعمله المسترشد بالله سنة تسع عشرة وخمسمائة ، ولعل عمارة القبة قبله ، وقبر العباس وقبر الحسن مرتفعان من الأرض متسعان مغشيان بألواح ملصقة أبدع إلصاق مصفحة بصفائح الصفر مكوكبة بمسامير على أبدع صفة وأجمل منظر.

وينبغي أن يسلم زائرهما على من قدمنا ذكر دفنه عندهما في قبر فاطمة والحسن رضي الله تعالى عنهما ، وهناك قبور كثيرة لأمراء المدينة وأقاربهم من الأشراف يدفنون بهذا المشهد.

وفي غربيه قبر ابن أبي الهيجاء وزير العبيديين ، عليه بناء ، وقبر آخر يعرف بابن أبي النصر عليه بناء أيضا.

وفي شرقي المشهد بعيدا منه حظيرتان في إحداهما الأمير جوبان صاحب المدرسة الجوبانية ، وفي الأخرى بعض الأعيان ممن نقل إلى المدينة ، وإنما نبهت على ذلك خوفا من الالتباس على طول الزمان.

ومنها : مشهد في قبلة المشهد المنسوب لعقيل متصل به ، قال المطري : يقال : إن فيه قبور أزواج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

١٠٠