أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم37%

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مؤلف:
المحقق: الشيخ طالب عوّاد
الناشر: دار الكتاب العربي
تصنيف: مكتبة القرآن الكريم
ISBN: 9953-27-352-9
الصفحات: 147

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
  • البداية
  • السابق
  • 147 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 54703 / تحميل: 5641
الحجم الحجم الحجم
أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

أقضية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب العربي
ISBN: ٩٩٥٣-٢٧-٣٥٢-٩
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، ثم قال ـعليه‌السلام ـ «لا تغزى قريش أبدا ولا يقتل قرشي صبرا أبدا»(١) يعني : على كفر.

قال ابن قتيبة : لا يقتل قرشي صبرا بضم اللام ، ومن رواه جزما أوجب ظاهر الكلام للقرشي أن لا يقتل إن ارتد ولا يقتص منه إن قتل ، ومن رواه رفعا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش أن لا يرتد منها أحد عن الإسلام فيستحق القتل.

قال ابن حبيب : أقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ بمكة خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة(٢) .

وفي البخاري عن ابن عباس : أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة : تسعة عشر يوما يقصر(٣) .

وعن أنس : أقمنا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة نقصر(٤) . قال ابن عباس : ونحن نقصر ما بيننا وبين تسعة عشر فإذا زدنا أتممنا(٥) . وقال المزّني عن الشافعي : أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة حين افتتحها ثمان عشرة ليلة يقصر(٦) .

وفي مصنف أبي داود عن جابر : أقام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة(٧) . وهذا خلاف قول ابن عباس.

قال أبو عبيد : قال ميمون بن مهران : حاصر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل خيبر ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة ، ثم أخذوا الأمان على أن لا يكتموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا ـ قال غيره : كنزا ـ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا بني الحقيق ـ قال أبو عبيد هكذا قال وإنما هم بني أبي الحقيق ـ وقد عرفتم عداوتكم لله ورسوله ثم لم يمنعني ذلك من أن أعطيتكم ما أعطيت أصحابكم. وقد أعطيتموني عهدا أنكم إن كتمتم شيئا أحلّت لنا دماؤكم. ما فعلت آنيتكم؟» قالوا : استهلكناها في حربنا.

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٣ / ٤١٢) ، والترمذي رقم (١٦١١) في السير ، والحميدي رقم (٥٨٢) ، والطبراني في الكبير رقم (٣٣٣٣) من حديث الحارث بن مالك ابن البرصاء رضي‌الله‌عنه واسناده صحيح.

(٢) رواه النسائي في السنن (٣ / ١٢١) باب المقام الذي يقصر فيه الصلاة. من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما . بلفظ (إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بمكة خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)

(٣) رواه البخاري (١٠٨٠) و (٤٢٩٨) ، والترمذي (٥٤٩) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما .

(٤) رواه البخاري (١٠٨١) و (٤٢٩٧) في المغازي من حديث أنس رضي‌الله‌عنه.

(٥) رواه البخاري (٤٢٩٩) من حديث ابن عباسرضي‌الله‌عنهما .

(٦) رواه أبو داود (١٢٢٩) من حديث عمران بن حصين رضي‌الله‌عنه بلفظ (غزوت مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهدت معه الفتح. فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر).

(٧) رواه أبو داود (١٢٣٥) من حديث معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.

وفيه عنعنة يحيى بن أبي كثير. وهو مدلس ـ وقال أبو داود : غير معمر لا يسنده. وقال المنذري في مختصر سنن أبي داود. وذكر البيهقي أنه غير محفوظ.

٤١

قال : فأمر أصحابه فأتوا المكان الذي فيه الانية فاستثاروها. قال : ثم ضربت أعناقهم(١) .

وفي كتاب ابن عقبة : أخذوا الأمان على أن لا يكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب ، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله.

قال أبو عبيدة : حدثنا يزيد عن هشام عن الحسن قال : عاهد حيي بن أخطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن لا يظاهر عليه أحدا ، وجعل الله عليه كفيلا ، فلما كان يوم قريظة أتي به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وبابنه سلمى. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوف الكيل» فضرب عنقه ، وعنق ابنه(٢) .

وذكر أيضا أبو عبيد : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وجه نفرا إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه فقتلوه(٣) .

وذكر الخطابي عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال : كان من مال أبي الحقيق كنز يقال : مسك الجمل كان يليه الأكبر فالأكبر ، فغيّبوه وكتموه فقتلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بنقضهم العهد. قال الواقدي : عدده عشرة آلاف دينار.

ومن كتاب الأموال قال أبو عبيد : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل ابن خالد ، عن ابن شهاب قال : كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين ، وذاك يوم حفر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق ، ورئيس الكفار يومئذ أبو سفيان بن صخر بن حرب فحاصروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عشر ليال فلحق إلى المسلمين الكرب ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما أخبرني سعيد بن المسيب : «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن تشأ لا تعبد». فلم يلبث إلا يسيرا حتى أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم رسولا إلى عيينة بن حصن ـ وهو يومئذ رئيس الكفار من غطفان ، وهو مع أبي سفيان ـ فعرض عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلث ثمر نخل المدينة على أن يخذل الأحزاب ، وينصرف بمن معه من غطفان. فقال عيينة : بل أعطني شطر ثمرها ، ثم أفعل ذلك ، فأرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السعدين : سعد بن معاذ ـ وهو سيد الأوس ـ ، وسعد بن عبادة ـ وهو سيد الخزرج ـ فقال : «إن عيينة قد سألني نصف ثمر نخلكم على أن ينصرف بمن معه من غطفان ، ويخذل الأحزاب وأني أعطيته الثلث وأبى إلا النصف فما تريان؟» فقالا : يا رسول الله إن كنت أمرت بشيء فافعله. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أمرت بشيء لم أستأمركما فيه ، ولكن هذا رأي أعرضه عليكما». قالا : فإنا لا نرى أن نعطيهم إلا السيف. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فنعم»(٤)

__________________

(١) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٤٥٨) من حديث ميمون بن مهران. وهو حديث مرسل ورجاله ثقات.

(٢) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال رقم (٤٦١) باب أهل الصلح ، والعهد ينكثون ، متى تستحل دماؤهم.

وهو حديث مرسل.

(٣) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٤٦٠) من حديث ابن كعب بن مالك. وهو مجهول والحديث مرسل ويشهد له ما قبله.

(٤) رواه ابن عساكر في تاريخه (١ / ١١٣) ، وابن سعد في الطبقات (٢ / ٥٦) ، وفي إسناده عبد الله بن ـ

٤٢

وفي كتاب ابن عقبة : أن اليهود أخذوا الأمان أن لا يكون لهم شيء إلا ما على ظهورهم من الثياب ، وإنهم إن كتموا شيئا فقد برئتا منهم : ذمة الله وذمة رسوله. وقتل من أصحاب خالد عند فتح مكة رجلان : كرز بن جابر الفهري ، وخالد بن أخفش الخزاعي. قال ابن حبيب : وقتل من المشركين ثلاثة وعشرين رجلا. وقال ابن هشام : اثنا عشر ، أو ثلاثة عشر.

قال أبو عبيد : اختلف العلماء في مصالحة المشركين ، ومهادنتهم لمدة معلومة على ثلاثة أقوال : فقالت طائفة : مصالحتهم جائزة لقول اللهعزوجل ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها ) [الأنفال : الآية ٦١]. وقوله تعالى :( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ ) [محمّد : الآية ٣٥]. الآيتان محكمتان إذا دعا المشركون إلى الصلح أجيبوا ، ولا يدعوهم إليه المسلمون إذا كانوا في قوة. وهذا قول مالك ـرحمه‌الله ـ. وقالت طائفة : لا يصالحوا على حال ، وإنما هو قتالهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. وجعلوا الآية التي في الأنفال منسوخة بآية القتال. وروي ذلك عن ابن عباس. وقالت طائفة : يجوز أن يصالحوا على مال يعطيه المسلمون إياهم إذا ضعفوا عن قتالهم. وروي أن معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان فعلوا ذلك. ذكر ذلك الأوزاعي. وحجة مالك في إجازة الصلح أيضا قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لصفوان بن أمية إذ بعث إليه وهب ابن عمير بردائه أمانا لصفوان شهرين ، ثم قال له أنزل أبا وهب قال : لا أنزل حتى تبين لي ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل لك أن تسيّر أربعة أشهر»(١) . وذكر الأوزاعي أن عبد الملك بن مروان كان يؤدي إلى طاغية الروم كل يوم ألف دينار ، ذكره الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ، وقال : فعل ذلك معاوية أيام صفين ، وعمله عبد الملك زمان ابن الزبير.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في السهمان وسهمان الغائب وما تعطى المرأة من الغنيمة

في البخاري وغيره : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل للفرس سهمين ، وللراجل سهما(٢) ، هذا هو الثابت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجمع العلماء على العمل به ، إلا أبا حنيفة ـرضي‌الله‌عنه ـ فإنه قال :

__________________

صالح كاتب الليث. قال الحافظ في التقريب. صدوق كثير الغلط. وكانت فيه غفلة وباقي رجال السند ثقات. ورواه أبو عبيد (٤٤٥) في باب الصلح والمهادنة.

(١) رواه مالك في الموطأ (١٥٤٧) في النكاح. باب نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله ثم أسلم. وهو حديث مرسل. وقال ابن عبد البر : لا أعلمه يتصل من وجه صحيح وهو حديث مشهور معلوم عند أهل السير. وابن شهاب إمام أهلها. وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده ورواه البيهقي في السنن (٧ / ١٨٦ و ١٨٧). وهو مرسل كذلك.

(٢) رواه البخاري (٢٨٦٣) و (٤٢٢٨) ، ومسلم (١٧٦٢) ، وأبو داود (٢٧٣٣) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

٤٣

للفارس سهمان : سهم له ، وسهم لفرسه ، واحتج بحديث رواه مجمّع بن حارثة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قسم يوم خيبر لمائتي فرس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما(١) . واحتج أيضا برواية ابن المبارك قال : حدثنا عبد الله بن المبارك عن نافع عن ابن عمر أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما(٢) . ولا حجة له في شيء من ذلك لأن ابن عباس روى في قسمة خيبر خلاف ذلك. وأكثر أصحاب عبد الله بن عمر خالفوا روايته ، وكانت خيبر لأهل الحديبية خاصة ألف وأربعمائة ، ولم يغب من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله ، فقسم له رسول الله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سهمه(٣) ، ومضى على ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في مغازيه كلها : للفرس سهمين ، وللراكب سهم

قال ابن إسحاق. وكانت الخيل يوم بني قريظة : ستة وثلاثين فرسا. كذلك وقع في المدوّنة ، وكانت أول فيء وجبت فيه السهمان ، وأخرج منه الخمس ومضت به السنة. وقال أيضا إسماعيل القاضي : قال إسماعيل وأحسب أن بعضهم قال : ونزل أمر الخمس بعد ذلك ، ولم يأت في ذلك من الحديث بيان شاف ، وإنما جاء ذكر الخمس يقينا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حربها.

قال الواقدي في كتاب المفضل : أول خمس خمّس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام ، حاصرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خمس عشرة ليلة ، فنزلوا على حكمه ، فصالحهم على أن له ـعليه‌السلام ـ أموالهم ، ولهم النساء والذرية ، فأخذعليه‌السلام من سلاحهم ثلاث قسي ودرعين وثلاثة أسياف وخمّس أموالهم.

قال البزار في مسنده : وكان المسلمون يوم بدر : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، من المهاجرين : سبعة وسبعون ، ومن الأنصار : مائتان وستة وثلاثون ، ولواء المهاجرين مع علي ، ولواء الأنصار مع سعد بن عبادة(٤) ، وكان فيهم عشرون من الموالي(٥) وكان معهم ثلاثة أفراس : فرس الزبير ،

__________________

(١) رواه أحمد في المسند (٣ / ٤٢٠) و (١٥٤٧٠) ، وأبو داود (٢٧٣٦ و ٣٠١٥) ، والحاكم (٢ / ١٣١) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٥) وإسناده ضعيف. وقال الحافظ في الفتح. في إسناده ضعف. وانظر نصب الراية (٣ / ٤١٦ و ٤١٧).

(٢) رواه الدارقطني في السنن (٤ / ١٠٦) ـ وقال : قال أحمد كذا لفظ نعيم. عن ابن المبارك والناس يخالفونه ـ قال النيسابوري ـ ولعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس.

(٣) رواه ابن هشام في السيرة (٣ / ٣٤٩) ذكر مقاسم خيبر وأموالها وقال : قال ابن اسحاق. وذكره.

(٤) رواه البزار رقم (١٧٨٣). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٢) وقال : رواه البزار وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس. وقال البزار : لا نعلم له إسنادا أحسن من هذا الإسناد وإبراهيم الكوفي مشهور. روى عنه يحيى بن اليمان ، وابن الأصبهاني ، وأبو غسان وغيرهم.

(٥) رواه البزار (١٧٨٥) ، والطبراني (١٧٨٥) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٣) وقال : رواه البزار والطبراني. وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف.

٤٤

وفرس المقداد ، وفرس مرثد بن أبي مرثد ، وسبعون بعيرا يعتقبونها ، فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلي ومرثد يعتقبون بعيرا ، وحمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة ، وأنيسة موليا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعتقبون بعيرا ، وأبو بكر وعمر وعبد الرحمن يعتقبون بعيرا(١) . وقال ابن هشام : ثلاثمائة وأربعة عشر : ثلاثة وثمانون من المهاجرين ، ومن الأوس : واحد وستون ، ومن الخزرج : مائة وسبعون(٢) . وذكر البخاري : أن جميع من شهد بدرا من قريش ممن ضرب له بسهم أحد وثمانون رجلا(٣) . وذكر إسماعيل القاضي : أن عبادة بن الصامت قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بدر فلما هزم الله المشركين تبعتهم طائفة يقتلونهم ، وأحدقت طائفة برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستولت طائفة على العسكر والنهب ، فلما رجع الذين طلبوهم قالوا : لنا النفل نحن طلبنا العدو. وقال الذين أحدقوا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : نحن أحق به لأننا أحدقنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا ينال العدو منه غرة ، وقال الذين استولوا على العسكر : هو لنا نحن حويناه. فأنزل اللهعزوجل ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ) . فقسمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على فواق ـ يعني على سرعة ـ ويقال : فواق وفواق بالفتح والضم قبل أن ينزل :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) [الأنفال : الآية ٤١](٤) . وقال إسماعيل : إنما قسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم النضير بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار : سهل بن حنيف ، وأبي دجانة ، والحارث بن الصمة لأن المهاجرين حين قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتكم في ثماركم ، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم». فقالوا : بل تعطيهم دوننا ونمسك ثمارنا ، فأعطاها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المهاجرين فاستغنوا مما أخذوا ، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم. وهؤلاء الثلاثة من الأنصار شكوا حاجة(٥) .

__________________

(١) رواه الطبراني في الكبير (١٢١٠٥) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٦٩) وقال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان ضعيف. وذكره ابن هشام في السيرة (١ / ٦١٤) باب عدد إبل المسلمين في بدر. وقال : قال ابن اسحاق. وذكره بدون سند ورواه أحمد في المسند رقم (٣٩٠١) من حديث عبد الله بن مسعود قال : كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير. وكان أبو لبابة ، وعلي بن أبي طالب زميلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وسنده حسن.

(٢) ذكره ابن هشام في السيرة (١ / ٦٨٥) باب عدد من شهد بدرا من المهاجرين وذكره بدون سند.

(٣) رواه البخاري (٣٩٥٦) باب عدة أصحاب بدر. من حديث البراء رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه أحمد في المسند (٥ / ٣٢٣ و ٣٢٤) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٩٢) وقال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. ورواه الترمذي رقم (١٥٦١) مختصرا في السير. وقال الترمذي : حديث عبادة حسن.

(٥) ذكره في عيون الأثر ابن سيد الناس (٢ / ٥٠). وقال : وذكر أبو عبد الله الحاكم في كتاب الإكليل له بإسناده إلى الواقدي. عن معمر بن راشد ، عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أم العلاء وذكره ـ وفي الإسناد معمر بن راشد قال الحافظ في التقريب : مقبول. وقال الذهبي في الميزان : قال يحيى بن معين : هو من أثبتهم في الزهري وهذا منه.

٤٥

وذكر ابن هشام وابن سحنون وابن حبيب والبرقي : أن طلحة بن عبيد الله ، وسعد بن زيد لم يشهدا بدرا ـ كانا غائبين بالشام ـ فقسم لهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سهميهما. قالا : وأجورنا يا رسول الله قال : «وأجوركما»(١) .

ذكر البخاري : أن عقبة بن عامر الأنصاري شهد بدرا(٢) . وقال يحيى بن معين : لم يشهدها وإنما شهد العقبة. وذكر ابن سحنون وابن حبيب : أن أبا لبابة ، والحارث بن حاطب ، وعاصم بن عدي ، خرجوا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فردّهم وأمّر أبا لبابة على المدينة(٣) . قال ابن حبيب : وابن أم مكتوم على الصلاة ، وسهم لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه ، والحارث بن الصمة كمن بالروحاء فضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه. قال ابن هشام : وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه(٤) ، ولم يختلف أحد أن عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه تخلف على امرأته رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهمه. قال : وأجري يا رسول الله. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأجرك»(٥) . قال ابن حبيب : وهذا خاص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأجمع المسلمون بعده : أن لا يقسم لغائب ، وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك : إذا بعث الإمام أحدا في مصالح الجيش فله سهمه ، وروي عن مالك أنه لا سهم له. قال سحنون : وبالأول أقول.

وفي البخاري وغيره : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم رد ابن عمر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة ، وأجازه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة(٦) ، وأجاز زيد بن ثابت ، والبراء بن عازب يوم الخندق

__________________

(١) رواه الطبراني في الكبير (١٨٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٤٨) وقال : رواه الطبراني. وهو مرسل حسن الإسناد بلفظ عن عروة قال : طلحة بن عبيد الله كان بالشام فقدم وكلّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في سهم فضرب له سهمه ـ قال : وأجري يا رسول الله ـ قال : وأجرك. يعني يوم بدر. ورواه الطبراني (٣٣٨ و ٣٢٩) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ١٥٥) وقال : رواه الطبراني وإسناده حسن. وروي عن الزهري مثله بلفظ عن عروة قال : سعيد بن زيد قدم من الشام بعد ما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من بدر فكلم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فضرب له بسهم قال : وأجري يا رسول الله ـ قال : وأجرك.

(٢) رواه البخاري في المغازي. باب تسمية من سمي من أهل البدر. في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم. وذكر منهم عقبة بن عامر الأنصاري.

(٣) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٨٨) وقال : وزعموا أن أبا لبابة بن عبد المنذر والحارث بن حاطب خرجا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فردهما. وأمر أبا لبابة على المدينة. وذكره بدون سند.

(٤) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٩٠) وقال : قال ابن اسحاق : والحارث بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلب. وخوات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر.

(٥) ذكره ابن هشام في السيرة (ج / ١ / ٦٧٨). وقال : ومن بني عبد شمس بن عبد مناف : عثمان بن عفان تخلف على امرأته رقية بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بسهم قال : وأجري يا رسول الله قال : وأجرك.

(٦) رواه البخاري (٢٦٦٤) و (٤٠٩٧) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

٤٦

وهما ابنا خمس عشرة سنة. وقال ابن حبيب : لم يكنصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسهم للنساء والصبيان والعبيد ولكن كان يحذيهم من الغنيمة ، ولم ير مالك أن يحذوا. وفي البخاري : قسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إبلا وغنما فعدّل عشرة من الغنم ببعير(١) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

بالسلب للقاتل يوم حنين ، وهل تخمس الأسلاب

وذكر الأنفال في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي قتادة قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عام حنين ، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت فيها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني ، فلقيت عمر بن الخطاب فقلت : ما بال الناس؟ قال : أمر الله. ثم أن الناس رجعوا ، وجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» ، فقمت فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، ثم قال الثانية : «من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه» فقمت فقلت : من يشهد لي؟ ثم جلست ، ثم قال الثالثة مثله قال : فقمت ، فرآني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما لك يا أبا قتادة؟» فاقتصصت عليه القصة فقال رجل : صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه. فقال أبو بكر الصديق ـرضي‌الله‌عنه ـ لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه. ويروى يعمد بغير لا(٢) .

وفي البخاري في كتاب الأحكام : قال أبو بكر : كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ، ويدع أسدا من أسد الله. فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدق فأعطه إياه» فبعت الدرع فابتعت به خرافا فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام(٣) ، قال ابن الأعرابي : سلمة بكسر اللام في الأزد وسلمة بفتحها في قشير.

ذكر البخاري أن السلب الذي للقاتل إنما هو من غير الخمس من رأس الغنيمة وأن الأسلاب لا تخمّس(٤) . وقال مالك وأصحابه : لا يكون إلا من الخمس ، واحتج بعض أصحاب مالك بقول اللهعزوجل :( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) [الأنفال : الآية ٤١]. وجعل الأربعة الأخماس لمن غنمها ، فلا يجوز أن يؤخذ منها شيء بالاحتمال. وقولنا إنما نفّل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخمس.

__________________

(١) رواه البخاري (٢٤٨٨) و (٣٠٧٥) من حديث رافع بن خديجرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه البخاري و (٤٣٢١) ، ومسلم (١٥٧١) ، والموطأ (٢ / ٤٥٤) من حديث أبي قتادةرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري (٢١٠ و ٧١٧٠) من حديث أبي قتادةرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه البخاري (١٨) باب من لم يخمّس الأسلاب. وقال : ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس.

٤٧

أولا : لأن اللهعزوجل فوّض إليه النظر في الخمس بالاجتهاد. ودليل آخر أن الآية نزلت في شأن خيبر والنضير فلم يكن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم يؤخر البيان فيه إلى يوم حنين وقاله بعد أن برد القتال ، ولو كان أمرا متقدما لعلمه أبو قتادة فارس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن كبراء أصحابه فلم يطلب ذلك حتى أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم من ينادي من قتل قتيلا فله سلبه ولم يكن هذا ليخفى.

ودليل آخر أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاه إياه بشهادة واحد بلا يمين فلو كان من رأس الغنيمة لم يخرج حق من مغنم إلا بما تخرج به الأملاك من البينات أو شاهد ويمين.

وشيء آخر أنه لو وجب للقاتل ولم يجد بينة لكان توقف كاللقطة ولا يقسم وهو إذا لم تكن بينة تقسم ، فخرج من معنى التملك ، ودل ذلك أنه خارج باجتهاد الإمام يخرجه من الخمس الذي يجعل في غير وجه. قال مالك : لم يبلغنا أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذلك ولا فعله في غير يوم حنين ، ولا فعله أبو بكر ولا عمر. قال ابن الموّاز : ولم يعط غير البراء بن مالك سلب قتيله وخمسه. وذكر عبد الرزاق في مصنفه أن البراء قتل مائة قتيل مبارزة سوى من شارك في قتله(١) .

وذكر البخاري : أن معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين ضربا أبا جهل ابن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه ، فانصرفا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبراه فقال : «أيكما قتله؟» فقال كل واحد منهما : أنا قتلته. فقال : «هل مسحتما سيفيكما؟» قالا : لا. فنظر في السيفين فقال : «كلاكما قتله ، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح»(٢) . وفي غير البخاري أن عبد الله بن مسعود وجده وهو صريع يذبّ الناس عنه بسيفه فوطئ على رقبته فقال : هل أخزاك الله يا عدوّ الله؟ فقال له أبو جهل : لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم. فضربه عبد الله بسيفه فلم يغن شيئا ، فأخذ السيف من أبي جهل فاحتز به رأسه ، وجاء به إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فنفله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم السيف. وكان الذي ضربه أولا معاذ بن عمرو بن الجموح ، فقطع رجله وضرب ابنه عكرمة يد معاذ فطرحها ، ثم ضربه معاذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه ابن مسعود ـ يعني أجهز عليه. وذفف بالذال المنقوطة ـ(٣) .

__________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف (٩٤٦٩) ، وفي الإصابة (١ / ١٤٣) وهو حديث صحيح.

(٢) رواه البخاري (٣١٤١) ، ومسلم (١٧٥٢) من حديث عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه .

(٣) رواه البخاري مختصرا (٣٩٦١) من حديث عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه و (٣٩٦٢) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه . ورواه أحمد في المسند (٣٨٢٤) و (٣٨٥٦ و ٤٢٤٧) ، والبزار (١٧٧٥) ، والطبراني في الكبير (٨٤٦٩) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ٧٩) وقال : رواه أحمد البزار باختصار وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ـ وبقية رجاله رجال الصحيح.

٤٨

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

فيما حازه المشركون من أموال المسلمين

ثم ظهروا عليه وأسلم عليه المشركون

في البخاري : أن فرسا لعبد الله بن عمر ذهب فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فردّ عليه في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون ، فردّه إليه خالد بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم في زمن أبي بكر(١) . وفي المدونة والواضحة وغيرهما : أن رجلا من المسلمين وجد بعيرا له في المغانم ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن وجدته لم يقسم فخذه ، وإن وجدته قد قسم فأنت أحق بالثمن إن أردته»(٢) .

وفي البخاري ومسلم ومصنف أبي داود : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل له يوم الفتح : أين تنزل يا رسول الله؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل منزلا»(٣) . ووقع في البخاري أيضا : أن أسامة بن زيد قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجته : أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال : «وهل ترك لنا عقيل منزلا؟» ثم قال بعد ذلك : «نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة بالمحصّب حيثما انتهينا» ، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم : أن لا يبايعوهم ، ولا يؤووهم(٤) .

قال الزهري : والخيف الوادي. ولم يقل يونس في حجته ولا زمن الفتح. ووقع في غير الكتب أن عقيلا لما هاجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ دورهم فحازها وحوى عليها ، ثم أسلم وهي في يده ، وقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه من أسلم على شيء فهو له.

وفي كتاب الخطّابي أنه باع دور عبد المطلب لأنه وارث لأبي طالب ولم يرثه علي لتقدم إسلامه لموت أبيه ولم يكن لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها لأن أباه عبد الله مات. وكان أبوه عبد المطلب حيا وهلك أكثر أولاده ولم يعقبوا أحدا فحاز رباعه أبو طالب ، وحازها بعد موته عقيل. وقد كان كفار قريش يعتدون على من هاجر من المسلمين فيبيعون داره وعقاره.

وفي البخاري أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أهديت له أقبية ديباج مزوّدة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه ، وعزل منها واحدا لمخرمة بن نوفل ، فجاء ومعه ابنه المسور بن مخرمة فقام على الباب فقال : أدعه لي. فسمع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم صوته فأخذ قباء فتلقاه به واستقبله بإزاره فقال : «يا أبا المسور

__________________

(١) رواه البخاري (٣٠٦٧ و ٣٠٦٨) ، والموطأ (٢ / ٤٥٢) في الجهاد ، وأبو داود (٢٦٩٨ و ٢٦٩٩) من حديث ابن عمررضي‌الله‌عنهما .

(٢) لم نجده بهذا اللفظ فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) رواه البخاري (١٥٨٨) ، ومسلم (١٣٥١) و ١٤٤) ، وأبو داود (٢٩١٠) ، وابن حبان (٥١٤٩) من حديث أسامة بن زيدرضي‌الله‌عنه .

(٤) رواه البخاري (٣٠٥٨) من حديث أسامةرضي‌الله‌عنه .

٤٩

خبأت لك هذا»(١) . وذكر النسائي في كتاب الأسماء والكنى أن مخرمة قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين نصيبي من الثياب التي قسمت؟ قال له النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذا قباء خبأته لك يا أبا صفوان». فأخذه وقال : وصلتك رحم(٢) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

فيما أهدى إليه معاهد أو حربي

وفي كتاب ابن سحنون : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل الهدية من أبي سفيان ، ومن أهل الذمّة ومن دحية ، ومن المقوقس ، والأكيدر ، وأهدى إلى بعضهم. ولم يقبل هدية عياض المجاشعي ، وكانت هدية المقوقس : مارية أم إبراهيم ، وسيرين وبغلة شهباء وحمارا ، فاتخذ مارية لنفسه ، وأمسك البغلة والحمار حتى مات عنهما. وجاء بالهدية من عند المقوقس ملك الإسكندرية : حاطب بن أبي بلتعة كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسله إليه سنة ست ويقال : كانت الهدية ثلاث جوار : وهب واحدة لجهم بن حذيفة واسمها طرفا ، وأعطى سيرين لحسان بن ثابت فولد له منها عبد الرحمن وكانت أخت مارية.

وفي كتاب مسلم : أن فروة بن نفاثة الجذامي أهدى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء وركبها يوم حنين(٣) . قال سحنون : وإذا أهدى ملك الروم هدية إلى الإمام فلا بأس بقبولها وتكون له خاصة. وقال الأوزاعي : تكون للمسلمين ويكافئه بثمنها من بيت المال. قال سحنون : وليس عليه أن يكافئه.

قال سحنون : والرسول إلى الطاغية يجاز بجائزة فهي له دون المسلمين ولا خمس في ذلك ، وإذا جاء رسول من الطاغية لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يجازيه بشيء إلا أن يرى لذلك وجها يرى فيه صلاح للمسلمين فيجتهد. وفي البخاري : أهدى ملك أيلة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء ، وكساه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بردة وكتب له ببحيرة ، وفي حديث آخر وكتب له ببحيرتهم ، وذلك في غزوة تبوك(٤) . وقال عمرو بن الحارث : ما ترك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا تركها صدقه(٥) . قالت عائشة : وترك درعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير(٦) . وفي البخاري

__________________

(١) رواه البخاري (٣١٢٧) من حديث عبد الله بن أبي مليكة رضي‌الله‌عنه.

(٢) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (ج / ٩) (٢٥٦٣٧) من حديث المسور بن مخرمة. وقال : رواه ابن عساكر في التاريخ.

(٣) رواه مسلم رقم (١٧٧٥) في الجهاد. باب غزوة حنين. من حديث العباس رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري تعليقا رقم باب (٢٨) باب قبول الهدية من المشركين ـ وقال : قال أبو هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وقال أبو حميد : أهدى ملك إيلة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم بغلة بيضاء فكساه بردا.

(٥) رواه البخاري (٢٨٧٣) و (٤٤٦١) من حديث عمرو بن الحارث رضي‌الله‌عنه.

(٦) رواه البخاري (٢٩١٦) ، ومسلم (١٦٠٣) ، والنسائي (٧ / ٢٨٨) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

٥٠

أيضا : ما ترك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة(١) . وفي رواية الأصيلي شاة مكان شيئا.

ذكر ابن حبيب وغيره أن المقوقس صاحب مصر.

قال أبو عبيد في كتاب الأموال إن عامر بن مالك ملاعب الأسنة أهدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فرسا فرده وقال : «إنا لا نقبل هدية مشرك»(٢) . وكذلك قال لعياض المجاشعي : «إنا لا نقبل زبد المشركين»(٣) يعني رفدهم. وقال أبو عبيد : إنما قبل هدية أبي سفيان لأنها كانت في مدة الهدنة بينه وبين أهل مكة(٤) ، وكذلك المقوقس صاحب الإسكندرية إنما قبل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم هديته لأنه أكرم رسوله إليه حاطب بن أبي بلتعة وأقرّ بنبوته ، ولم يؤيسه من إسلامه فثبت أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقبل هدية مشرك محارب(٥) ، ثم قدم خالد بن الوليد بأكيدر على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان نصرانيا فحقن له دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته(٦) .

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في قسمة ما أفاء الله عليه على حسب

ما رآه ، وإباحة أكل شحوم المشركين

ترجم البخاري باب ما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ، رواه عبد الله بن زيد عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الزهري : أخبرني أنس أن ناسا من الأنصار قالوا للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل فقالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال أنس : فحدّث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بمقالتهم ، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا ، فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ما كان حديثا بلغني عنكم؟» فقال له فقهاؤهم : أمّا ذوو رأينا فلم يقولوا شيئا ، وأما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا : يغفر الله لرسوله يعطي قريشا ويترك

__________________

(١) رواه البخاري (٢٩١٢) من حديث عمرو بن الحارثرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه أبو عبيد (٦٣٢) ، والبزار (١٩٣٣) موصولا و (١٩٣٤) مرسلا. والطبراني (٢١٨٢). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ١٥٢) وقال : رواه البزار. ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار إبراهيم ابن عبد الله بن الجنيد وهو ثقة ورواه من طريق عن عبد الرحمن بن كعب. أن عامر بن مالك والطريق الأولى عن عبد الرحمن بن كعب عن عامر بن مالك. وقد وصله ابن المبارك. أقول وهو حديث صحيح بشواهده.

(٣) رواه أبو داود (٣٠٥٧) ، والترمذي (١٥٧٧) وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٤) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٦٣٣) من كلام عكرمة موقوفا عليه.

(٥) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (٦٣٤). وقال : يروى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكره.

(٦) ذكره ابن الأثير في أسد الغاية (١ / ١٣٥) بدون سند.

٥١

الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما أعطي رجالا حديثي عهد بكفر ، أما ترضون أن يرجع الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به». قالوا : بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم : «إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»(١) .

وفي مصنف أبي داود عن جبير بن مطعم قال : لما كان يوم خيبر وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سهم ذي القربى في بني هاشم وبني عبد المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد شمس فانطلقت أنا وعثمان إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلنا : يا رسول الله لا ننكر فضل بني هاشم لموضعهم منك فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وبني المطلب لا نفترق في جاهلية ولا في إسلام ، إنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه»(٢) . ويقال إن هذا خصوص من فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم لآل المطلب كونهم من بني هاشم بني أخوة أشقاء. ويقال إن عبد شمس وهاشما توأمان. وفي بعض الروايات : «فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض». هكذا رواه أبو زيد ، وكان الذي آثرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعطاهم مائة من الإبل : الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن وغيرهم. وذكر ابن هشام وغيره : أبا سفيان ، وابنه معاوية ، وحكيم بن حزام والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ، والعلاء بن حارثة ، ـ وعيينة ابن حصن ، والأقرع بن حابس ـ ومالك بن عوف ، وصفوان بن أمية ، هؤلاء أصحاب المئين ، وأعطى جماعة أقل من مائة ، وأعطى جماعة خمسين خمسين. وقال قائل : يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جميل بن سراقة الضمري ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والذي نفس محمد بيده لجميل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جميل بن سراقة إلى إسلامه»(٣) .

وفي البخاري : أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إني لأعطي قوما أتألف ظلعهم وجزعهم ، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى منهم عمرو بن تغلب». قال عمرو : فما أحب أن لي بكلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أظلته الخضراء(٤) . وفي هذه القسمة في غزوة حنين قال رجل : والله إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله. وهو من بني تميم يقال له ذو الخويصرة ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل»(٥) ، وذكر الحديث بطوله ،

__________________

(١) رواه البخاري (٣١٤٧) في فرض الخمس من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

(٢) رواه أبو داود (٢٩٨٠) والنسائي (٧ / ١٣٠ و ١٣١) وهو حديث صحيح.

(٣) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٤ / ٣٦٠). وقال : وقد ذكر ابن اسحاق الذين أعطاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ مائة من الإبل. وهم أبو سفيان إلى آخر الحديث. وقد ذكره بدون إسناد.

(٤) رواه البخاري (٣١٤٥) في فرض الخمس. من حديث عمرو بن تغلبرضي‌الله‌عنه .

(٥) رواه البخاري (٣١٥٠) في فرض الخمس. من حديث عبد الله بن مسعودرضي‌الله‌عنه .

٥٢

واسمه الحرقوص بن زهير قاله ابن سعد صاحب الواقدي. وذكر المبرد في الكامل عن إبراهيم بن محمد التيمي في إسناد ذكره أن عليّا وجّه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم بذهيبة من اليمن فقسمها أرباعا فأعطى الربع الأقرع بن حابس ، وأعطى الربع زيد الخيل ، والربع علقمة بن علاثة ، وعيينة بن حصن الفزاري ، فقام إليه رجل مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ الجبهة ، وذكر غيره محلوق الرأس ، فقال له : لقد رأيت قسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وذكر الحديث(١) . وفي حديث آخر في الكامل : بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم غنائم خيبر إذ قام رجل أسود فقال : ما عدلت منذ اليوم. وذكر الحديث. والحديث في البخاري(٢) : وشك في الرابع أن يكون علقمة أو عامر بن الطفيل. وروى ابن وهب أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لما حاصر خيبر جاءه بعض الناس فسألوه أن يعطيهم فلم يجدوا عنده شيئا ، فافتتحوا بعض حصونها فأخذ رجل من المسلمين جرابا مملوءا من شحم فبصر به صاحب المغانم وهو : كعب بن عمرو بن زيد الأنصاري فأخذه فقال الرجل : لا والله لا أعطيكه حتى أذهب به إلى أصحابي. فقال : أعطنيه أقسمه بين الناس. فأبى فتنازعا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خل بين الرجل وجرابه يذهب به إلى أصحابه». قال مالك في مختصر عبد الحكم الكبير : ولا أحبّ أكل شحوم اليهود من غير أن أراه حراما. قال ابن أبي زيد : واحتج بعض أصحابنا لذلك بالحديث في الذي غنم جرابا فيه شحم من خيبر وذكر الحديث.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في أموال بني النضير وقسمة خيبر. وقد تقدم بعض خبرهم

ذكر البخاري وأبو عبيد : أن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف به من خيل ولا ركاب ، وكانت لرسول الله خاصة ينفق على أهله منها نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله كلها من أموال بني النضير ولم تخمس لأنها كانت صافية(٣) ، وخمّس قريظة لأنها كانت بقتال ، وكانت وقعة النضير فيما ذكر أبو عبيد على رأس ستة أشهر من وقعة بدر. وكذلك ذكر البخاري(٤) . وذكر ابن أبي زيد في مختصر المدونة عن ابن شهاب : أنها كانت في المحرم سنة ثلاث ، وذكر غير ابن شهاب : سنة أربع ، وفيهم نزلت سورة الحشر(٥) . وقد تقدم ذكرها.

__________________

(١) رواه البخاري (٣٣٤٤) و (٤٣٥١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه.

(٢) رواه البخاري مختصرا (٤٢١٤) ، ومسلم (١٧٧٢ و ٧٣). من حديث عبد الله بن مغفّل رضي‌الله‌عنه.

وذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٣٢٩) باب ابن مغافل وجراب شحم أصابه وقال : قال ابن اسحاق ، حدثني من لا أتهم.

(٣) رواه البخاري (٢٩٠٤) و (٤٨٨٥) من حديث عمر رضي‌الله‌عنه.

(٤) رواه البخاري (١٤) باب حديث بني النضير. وقال : قال الزهري. عن عروة بن الزبير كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أحد.

(٥) رواه البخاري (٤٠٢٩) بلفظ عن سعيد بن جبير. قال : قلت لابن عباس سورة الحشر قال : قل سورة النضير.

٥٣

قال مالك في الكتابين : افتتحت خيبر بقتال يسير وخمّست إلا ما كان منها عنوة أو صلحا وهو يسير فإنه لم يخمّس(١) . قلت : العنوة والقتال واحد. قال : إنما أردت الصلح ، وسمعت ابن شهاب يقول : افتتحت خيبر عنوة ، ومنها بقتال وما أدري ما أراد بذلك.

قال مالك : قسمت خيبر ثمانية عشر سهما على ألف وثمانمائة رجل لكل مائة رجل سهم. قال أبو عبيد : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم منها مائة سهم وعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به ، وقسم النصف بين المسلمين وسهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قسم الشق(٢) والنطاة(٣) وما حيز معها وكان مما وقف : الكتيبة والوطحة والسلام. فلما صارت الأموال في يد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن له من العمال ما يكفون عمل الأرض فدفعها إلى اليهود يعملونها على النصف(٤) . وفي الواضحة : الحوائط السبعة التي وقف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت من أموال بني النضير ، وسيأتي ذكرها بعد هذا في الأخماس. وقال عمر بن الخطاب ـرضي‌الله‌عنه ـ : لو لا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر(٥) .

وذكر مالك وأبو عبيد أن بلالا وأصحابه سألوا عمر أن يقسم بينهم ما افتتح بالشام وكان بلال أشدهم ، فدعا عمر عليهم فقال : اللهم اكفنيهم ـ وقال أبو عبيد وفي رواية : (اللهم اكفني بلالا وذويه) ـ فما حال الحول والواحد حي(٦) . قال ابن هشام : وكانت خيبر في صفر سنة ست من الهجرة. قال مالك : وكانت في برد شديد فقال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لا نستطيع القتال فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لم؟» فقالوا : البرد والجوع والعري. فقال رسول الله : «اللهم افتح عليهم اليوم أكثرها طعاما وودكا» ففتح عليهم خيبر.

قال ابن هشام : وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كسهم من حضرها(٧) . قال المفضل : وأطعم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ناسا مشوا بينه وبين أهل فدك في الصلح منهم محيصة بن مسعود ، وأعطاه ثلاثين وسقا من الشعير.

__________________

(١) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (٣ / ٣٢٨ و ٣٢٩) بدون سند.

(٢) الشق : بفتح الشين : حصن من حصون خيبر.

(٣) النطاة : ـ قيل حصن بخيبر ـ وقيل عين بها تسقي بعض نخيلها.

(٤) رواه أبو داود (٣٠١٠ و ٣٠١٢) في الخراج. باب ما جاء في حكم أرض خيبر وإسناده حسن. ورواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٢) من حديث بشير بن يسار وهو تابعي ثقة وحديثه مرسل.

(٥) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٨) من كلام عمررضي‌الله‌عنه . وإسناده صحيح.

(٦) رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (١٤٧) من حديث عمررضي‌الله‌عنه .

(٧) ذكره ابن هشام في السيرة (٢ / ٣٤٩) باب ذكر مقاسم خيبر وأموالها.

٥٤

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الرسول أن لا يقتل والوفاء بالعهد

للكفار وما نزل في ذلك من القرآن

في مصنف أبي داود عن نعيم بن مسعود الأشجعي قال : كتب مسيلمة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعته يقول لرسوليه حين قرأ الكتاب : ما تقولان أنتما؟ فقالا : نقول كما قال. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما والله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما»(١) .

وعن أبي رافع قال : بعثتني قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ألقي في قلبي الإسلام فقلت : يا رسول الله إني لا أرجع إليهم أبدا. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع». قال : فذهبت ، ثم أتيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلمت(٢) .

وفي مصنف البخاري : أن أبا جندل أقبل يرسف في الحديد ، وفي حديث آخر يحجل في قيوده فردّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مكة للعهد الذي كان عاهدهم أن يرد إليهم من جاء منهم. قال أبو سفيان الخطابي في شرح غريب الحديث : لم يخف النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم على أبي جندل شيئا لأنه ردّه إلى أبيه وأهله ولم يرد من جاء من النساء لأن اللهعزوجل قال «فلا ترجعوهن إلى الكفار»(٣) . وفيه حجة لمن رأى نسخ السنة بالقرآن وكذلك قال في البخاري : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إنما رد أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو وهو الذي كان عاهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : على أنّ من أتى من المشركين رده إليهم ، وما أتاهم من المسلمين لم يردوه ، وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها إلا بجلبّان السلاح السيف والقوس ونحوه(٤) . وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والعهد بيننا كشرج العتبة» يعني : إن انحل بعضه انحل كله. وكان إقبال أبي جندل قبل أن يبرح سهيل بن عمرو وقبل أن يكتب العهد.

ووقع أيضا في كتاب البخاري في كتاب الشروط وكان سهيل هذا من جملة من أسر يوم بدر. وذكر المفضل أن يوم الحديبية جاءت سبيعة الأسلمية مسلمة من مكة فأقبل زوجها في طلبها فقال : يا محمد ردّ عليّ امرأتي فهذه طينة كتابك لم تجف بعد. فأنزل اللهعزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ) [الممتحنة : الآية ١٠] فاستحلفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالله الذي

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٧٦١) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥ / ٣١٥) وقال : رواه الطبراني. من طريق ابن إسحاق ، قال : حدثني شيخ من أشجع ولم يسمه. وسماه أبو داود سعد بن طارق. وبقية رجاله ثقات.

(٢) رواه أبو داود (٢٧٥٨) من حديث أبي رافعرضي‌الله‌عنه . وإسناده صحيح.

(٣) رواه البخاري رقم (٢٧٠٠ و ٤١٨١) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها .

(٤) رواه البخاري (٢٧٠٠) في الصلح. باب الصلح مع المشركين. من حديث البراءرضي‌الله‌عنه .

٥٥

لا إله إلا هو ما أخرجها إليه إلا رغبة في الإسلام وحب له وحرص عليه ، وما أخرجها حرب أحدثته في قومها ولا بغض لزوجها فحلفت على ذلك ، فأعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم زوجها مهرها والذي أنفق عليها ، ولم يردها عليه. قال النحاس وغيره : وهذا منسوخ.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الأمان وفي أمان المرأة

في تفسير ابن سلام قال الكلبي : إن ناسا من المشركين ممن لم يكن لهم عهد ولم يوافوا الموسم بلغهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بقتال المشركين ممن لا عهد له إذا انسلخ الأشهر الحرم ، فقدموا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ليجددوا حلفا وذلك بعد ما انسلخ المحرّم فلم يصالحهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا على : الإسلام ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة. فأبوا فخلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سبيلهم حتى بلغوا مأمنهم ، وكانوا نصارى من بني قيس بن ثعلبة فلحقوا باليمامة؟ حتى أسلم الناس فمنهم من أسلم ومنهم من أقام على نصرانيته.

وفي مسند ابن أبي شيبة وفي السير : أن سرية أصابت مالا كان عند أبي العاصي زوج زينب ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وهرب أبو العاصي ، ثم جاء في الليل إلى بيت زينب في طلب المال واستجار به ، فلما كبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة الصبح صرخت زينب ـ من صفة النساء ـ : أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي. فلما سلّم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل على الناس فقال : «هل سمعتم ما سمعت؟» قالوا : نعم ، قال : «أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيء حتى سمعت ما سمعتم. إنه يجير على المسلمين أدناهم». ثم دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلّين له». ثم قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن تحسنوا وتردوا عليه المال فهو الذي يحب ، وإن أبيتم فهو فيء الله أنتم أحق به» ، قال : فردوه إليه أجمع ، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل رجل من قريش ماله فقالوا : جزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلّا مخافة أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم أسلمت ، ثم خرج حتى قدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) .

وفي غير السير قال قائل : لما أشار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأنصار الذين أسروا العباس يوم بدر ، قالوا : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ائذن فلنترك لابن أختنا العباس فداءه. فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تدعوا منه درهما»(٢) .

وقال للأنصار إذ بعثت زينب ابنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في فداء أبي العاصي بمال ، وبعثت بقلادة

__________________

(١) رواه ابن سعد في طبقاته (٨ / ٢٦) و (٤٠٩٨) باب مناقب زينب بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم . وإسناده ضعيف.

(٢) رواه البخاري (٢٥٣٧ و ٣٠٤٨) من حديث أنسرضي‌الله‌عنه .

٥٦

لها كانت أمها خديجة أدخلتها بها على أبي العاصي حين بنى عليها : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا» ، قالوا : نعم يا رسول الله. فأطلقوه وردوا عليها المال والقلادة(١) .

قيل : إنما فعل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا في زينب لأنه رقّ لها إذ لم يكن تمام الفداء إلا بقلادة كانت لأمها خديجة جهزتها بها ، ولم يكن لأبي العاصي مال وإنما كانت عنده أموال لقريش وبضائع يتجهز بها ردها إليهم كلها على ما تقدم ذكره. وقال للأنصار : «لا تدعوا من فداء العباس درهما» لأنه كان غنيا ، وذلك أنه ذكر ابن قتيبة وغيره أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للعباس : «افد نفسك وابني أخويك عقيلا ونوفلا ، وحليفك فإنك ذو مال». فقال : إني مسلم ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أعلم بإسلامك إن كان ما تقول حقا فالله يجزيك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا». فقال : إنه ليس لي مال. قال : «فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولعبد الله كذا». قال : والذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرها ، وإني أعلم أنك رسول الله ، ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية. هكذا قال ابن القاسم وابن إسحاق وقال : تركتني أسأل الناس في كفي ، وأسلم العباس وأمر عقيلا فأسلم ، ولم يسلم من الأسارى غيرهما(٢) .

وفي معاني النحاس قال العباس : أسرت ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله منها عشرين عبدا ، ووعدني المغفرة. وفي الهداية : لما أسرت ومعي أربعون أوقية كل أوقية من أربعين مثقالا فعوضني الله أربعين عبدا ، ووعدني المغفرة.

وفي موطأ مالك عن أبي النضر : أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها فاختة قاله ابن وضّاح. وقيل : هند. قاله ابن هشام. وقيل : رحلة. قال البرقي أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول : ذهبت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل ، وفاطمة ابنته تستره بثوب. قالت : فسلمت فقال : «من هذه؟» فقلت : أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال : «مرحبا بأم هانئ» ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات متلحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت : يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان ابن هبيرة. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد

__________________

(١) رواه أبو داود (٢٦٩٣) ، والحاكم (٣ / ٢٣٦ و ٣٢٤) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٢) من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها وهو حديث حسن.

(٢) رواه أحمد في المسند (٣٣١٠) ، والطبراني في الكبير (١١٣٩٨) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٢٨) وقال : رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. ورواه الحاكم في المستدرك (٣ / ٣٢٤) ، والبيهقي في السنن (٦ / ٣٢٢) وصححه الحاكم وقال الذهبي في التلخيص : صحيح على شرط مسلم. من حديث عائشةرضي‌الله‌عنها ويشهد له ما عليه.

٥٧

أجرنا من أجرت يا أم هانئ». قالت أم هانئ : وذلك ضحى(١) . وأما هبيرة بن أبي وهب وهو زوج أم هانئ وهو مخزومي فقال حين بلغه إسلام أم هانئ :

شاقتك هند أم أتاك سؤالها

كذاك التوى أسبابها وانفتالها

وفي هذا الشعر يقول :

وإنّ كلام المرء في غير كنهه

لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها

فإن كنت قد تابعت دين محمد

وعطفت الأرحام منك حبالها

فكوني على النخل السحيق بهضبة

ململمة غبرا يبّس تلالها

وفي كتاب ابن سحنون والواضحة قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجير على المسلمين أدناهم ويرد عليهم أقصاهم». وفي غير الكتابين : «وهم يد على من سواهم»(٢) .

قال ابن حبيب : معنى يجير عليهم أدناهم : أي الدني من حرّ أو عبد أو امرأة أو صبي يعقل الأمان يجوز أمانهم ، ومعنى ويرد عليهم أقصاهم : أي ما غنموا في أطراف بلادهم يجعل خمسه في بيت مالهم.

قال ابن الماجشون : لا يجوز الأمان إلا لولي الجيش أو لولي السرية دون غيره. قال ابن شعبان القرطبي : قول ابن الماجشون خلاف قول الناس.

«حكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم »

في الجزية بأمر اللهعزوجل ومقدارها

وممن تقبل وممن لا يقبل منه إلا الإسلام

قال ابن حبيب : أول ما بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالدعوة ، بعثه بغير قتال ولا جزية ، فأقام على ذلك عشر سنين بمكة بعد نبوته يؤمر بالكف عنهم ، ثم أنزل الله عليه( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) [الحجّ : الآية ٣٩] ، وأمره بقتال من قاتله والكف عمن لم يقاتله ، فقال اللهعزوجل ( فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ) [النّساء : الآية ٩٠]. ثم نزلت براءة لثمان سنين من الهجرة فأمره بقتال جميع من لم يسلم من العرب : من قاتله أو كف عنه ، إلا من عاهده ولم ينقض من عهده شيئا ، فقال :( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) [النّساء : الآية ٨٩] إلى أن قال :( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) [التّوبة : الآية ٥] فلم يستثن على العرب الذين لم يتعلقوا إلى

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (٤٠٣) ، والبخاري (٢٠٨ و ٣٥٧) ، ومسلم (٣٣٦) و (٧٠) ، والترمذي (٢٧٣٥) وابن حبان (١١١٨) من حديث أم هانئرضي‌الله‌عنها .

(٢) رواه أحمد في المسند (٢ / ٢١٥) رقم (٢٠١٧) ، وأبو داود (٢٧٥١) ، وابن الجارود (١٠٧٣) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وهو حديث حسن.

٥٨

الإسلام. وأمره تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا ، أو يؤدوا الجزية. فقال تعالى( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) [التوبة : الآية ٢٩]. قد دخل في ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب ، فأخذ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم الجزية من أهل نجران وأيلة وهم نصارى من العرب ، ومن أهل دومة الجندل وهم نصارى وأكثرهم عرب ، ولم يستثن الله تعالى أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، وأمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتال غيرهم ، ثم نسخ من ذلك المجوس على لسان نبيهعليه‌السلام فيما بين لهم من سنته بغير تنزيل قرآن فأحل لهم أخذ جزية من مجوس العجم إذ رضوا بها ، وأقر مشركي العرب وهم عبدة الأوثان على أن يقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام بلا جزية استثناها فيهم إكراما للعرب.

والذي ذكر ابن حبيب من نسخ القرآن بالسنة اختلف العلماء فيه فأجازه أصحاب مالك واحتجوا بقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا وصية لوارث»(١) . ناسخ لقول اللهعزوجل :( الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) [البقرة : الآية ١٨٠]. واحتج الذين منعوا منه بأن القرآن معجزة والسنة غير معجزة فلا تنسخ السنة القرآن إنما تبينه ، ولقولهعزوجل :( وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ ) [النّحل : الآية ١٠١]. ولقوله لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي ) [يونس : الآية ١٥].

وذكر عبد الرزاق في مصنفه وأبو عبيد في كتاب الأموال : أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من أهل اليمن الجزية من كل حالم وحالمة. زاد أبو عبيد : عبدا أو أمة : دينارا أو قيمته معافر(٢) ، وبهذا أخذ الشافعي ، وأخذ مالك بما فرض عمر بن الخطاب ـرضي‌الله‌عنه ـ أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ولا جزية على النساء والعبيد ، ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم علم ضعف أهل اليمن ، وعمر علم غنى أهل الشام وقوتهم ، وقال أشهب(٣) . في الأمم كلها إذا بذلت الجزية قبلت منهم فأهل الكتابين بكتاب الله والمجوس بالسنة ، وقال ابن وهب : إنما قاتل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا على الإسلام أو السيف فمن كان من العرب من تغلب وتنوخ وغيرهم لم يدخل في ملة لم يقبل منه الجزية ويقاتلون على الإسلام ، ومن دخل منهم في دين أحد من أهل الكتب قبلت منه الجزية.

__________________

(١) رواه الترمذي (٢١٢١) ، وأبو داود (٣٥٦٥) من حديث أبي أمامة رضي‌الله‌عنه. وقال الترمذي : حديث حسن.

(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (٦٨٤١) ، والطيالسي (٥٦٧) ، وأبو داود (٣٠٣٨) وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢ / ٢٧٥) : وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت. ذكره عبد الرزاق.

(٣) أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود الإمام الثقة. مفتي مصر. أبو عمرو القيسي العامري يقال اسمه مسكين. وأشهب لقب له. سمع مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، ويحيى بن أيوب. قال فيه الشافعي : ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لو لا طيش فيه. كان على خراج مصر وكان صاحب أموال وحشم توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع ومائتين.

٥٩

قال سحنون : ما أعرف هذا وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سنوا بهم سنة أهل الكتاب»(١) . وكتب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهل هجر وإلى المنذر بن ساوى يدعوهم إلى الإسلام وقال في الكتاب : «ومن أبى فعليه الجزية»(٢) . ولم يفرق بين عربي وغيره وكان فيهم مجوس وغيرهم.

__________________

(١) رواه مالك في الموطأ (١ / ٢٧٨) في الزكاة من حديث عبد الرحمن بن عوف. ورجاله ثقات لكنه منقطع. محمد بن علي لم يلق عمر. وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء الحضرمي من رواية الطبراني. بلفظ (سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط) ذكره الشوكاني في نيل الأوطار. وهو حديث حسن

(٢) ذكره ابن القيم في زاد المعاد (٣ / ٦٩٢) وقال : وكتب إلى المنذر بن ساوى. فذكر الواقدي بإسناده عن عكرمة. قال : وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فنسخته. فإذا فيه فذكره.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

مكارم الاخلاق الاسلامية الفاضلة في نفوس الأمة ، وينير لها الطريق إلى الحياة السعيدة روحاً وجسماً حتى رفعه الله تعالى إليه ، فلم يهمل هذة الناس سدى بل خلف فيهم الثقلين : كتاب الله وعترته ، فكان القرآن المجيد كتاب الله الصامت والعترة النبوية كتابه الناطق الذي يوضح للناس ماخفي عليهم من تعاليمه الأصلاحية ويرشدهم بتوضيحه إلى ما لم يدركه سواهم من الكنوز القرآنية الخفية.

فكانوا هم الأدلاء على الخير والهدى والمرشدين إلى طريق الحياة الحقة ، كما كانوا هم أطباء النفوس بكل ما تحتاج من العلاجات الروحية والمداواة النفسية لذلك ترى كل إمام من أولئك العترة الطاهرة كان يعالج بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أدواء أهل عصره بنوع من العلاج الروحي يوافق عقولهم ويلائم مداركهم ، كطبيب يوصي مرضاه بكل عطف وحنان ورأفة حتى يوصلهم إلى ساحل الصحة والهناء.

ولما كان عصر الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام عصراً مليئاً بالأهواء المتعاكسة والآراء المختلفة والأخلاق المتفاوتة والمذاهب المتشعبة عصراً تفسخت فيه الأخلاق الاسلامية وتسممت فيه النفوس وانحرفت صحة الأرواح. كان الامام «ع» يرى نفسه بطبيعة الحال وحسب وظيفته السماوية هو الطبيب المسؤول أمام الدين عن صحتها والمتكفل بعلاجها.

وكيف لا يرى نفسه كذلك وهو كتاب الله الناطق الذي قال النبي (ص) فيه وفي آبائه وفي القرآن : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.

نعم كان «ع» يرى نفسه هو المسؤول الأول عن علاج هذه الامة ومداواة أمراضها الروحية التي إنتابت نفوسها بطغيان الرذائل على الفضائل فكان «ع» يطبها بأنواع من أقواله الحكيمة ومختلف إرشاداته القيمة وتعاليمه الشافية ، حسب مداركهم وشعورهم. شأن الفيلسوف المداري والطبيب المداوي. وإليك نموذجاً من طبه الروحي ومعالجته النفسية التي أراد بها شفاء النفوس

٨١

من أسقامها الفتاكة بالفرد والمجتمع ، مكتفين بالقليل لعدم إتساع هذا الجزء لكل ما ورد عنه «ع» في هذا الباب ، فنقول :

[[ 1 ـ الغضب ]]

الغضب حالة في النفس تثيرها أمور منتظرة أو غير منتظرة فتخرج العقل عن إستقامته وتصد الغضوب عن رشده وصوابه ، وتفقده سلطانه على فكره وإدراكه فيختل مزاج الذهن ، وتتهيأ الأعضاء فيها للفتك والانتقام ، ذلك لأن الدم يثور فيها فيسرع إلى القلب ثم ينتشر منه في العروق ويرتفع الى أعالي الرأس فيحمر الوجه وتنتفخ الودجان ثم يجيش في الصدر فيعبس الوجه وتنكمش الشفتان عن الأسنان وهناك تتأهب الأعضاء بسبب هذا الثوران في الدم للفتك والانتقام وقد قيل فيه :

ولم أر في الأعداء حين إختبرتهم

عدواً لعقل المرء أعدى من الغضب

وأهم أسبابه الوراثة والامراض. أما الأسباب المهيئة له فكثيرة ، منها المزاج العصي والتسممات الحادثة من المآكل الحادة والمشروبات الروحية ، كما أن للمحيط والبيئة والتربية الأثر البليغ في أحداث الغضب وشدة وطأته.

قال بعضهم : إن الأسباب المهيجة للغضب الزهو والعجب والمزاح والهزء والممارت والغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه ، وهي باجمعها أخلاق رديئة مذمومة. ولاخلاص منه مع بقاء هذه الاسباب إلا بازالتها إلى أضدادها.

وللغضب عواقب كثيرة من الأمراض التي لا يستهان بها كالاصابة بالسل الرئوي وسوء الهضم وإلتهاب الأعصاب والنزيف الدموية بأنواعه ، وقيل ان الغضوب قد يصاب بحالة شبيهة بداء الكلب بحيث إذا عض أحداً أدى إلى موته وهذا مما يدل على أن في ريق الغضبان سماً زعافاً لا يؤثر على صاحبه فقط بل يؤثر على من يقع عليه.

فالغضب داء روحي ومرض خطير يضر بصاحبه أولاً وكثيراً ما يتعداه

٨٢

إلى غيره ويوقع صاحبه في إرتكاب الجرائم من غير وعي أو إدراك.

وكم عالج الحكماء والفلاسفة والاطباء والعلماء هذا الداء بأنواع العلاجات رجاء شفائه فلم يفلحوا ولكن الدين الإسلامي الحكيم قد عالجه باخف العلاجات وأنجعها وصده صداً بمختلف الواقيات كما في الحديث الشريف قوله (ص) :

إذا وجد أحدكم من ذلك ( الغضب ) سيئاً فان كان قائماً فليجلس أو جالساً فليقم ، فان لم يزل بذلك فليتوضأ بالماء البارد أو يغتسل فان النار لا يطفيها إلا الماء(1) .

وقال الإمام الصادق «ع» : الغضب مفتاح كل شر(2) .

وقال «ع» : الغضب ممحقة لقلب الحكيم(3) .

وقال «ع» : من لم يملك غضبه لم يملك عقله(4) .

وقال «ع» : إذا لم تكن حليماً فتحلم. وفي حديث آخر : كفى بالحلم ناصراً(5) .

وقال «ع» : من ظهر غضبه ظهر كيده ، ومن قوي هواه ضعف حزمه(6) .

[[ 2 ـ الكذب ]]

الكذب إنحراف النفس عن صحة الصدق والتواء الروح عن أداء وأجبها الانساني وهو مرض فردي وأجتماعي خطير إذ يحدث في صاحبه الكثير من أعراض الرذائل كالغش والنفاق والمداهنة والغدر والخيانة والرياء وخلف الوعد ونقض العهد مما كان الصدق واقياً منها وحافظاً للنفس من الوقوع فيها. على أن الكذب هو نفسه لا يليق بالانسان معتدل المزاج أن يتصف به فيكون عضوا فاسداً في مجتمعه ، يهلك نفسه ويعدي الآخرين فيمرض بمرضه.

__________________

(1) البحار وكشف الاخطار.

(2 ، 3 ، 4 ، 5) الكافي.

(6) البحار ج 14.

٨٣

وقد قال الامام «ع» فيه : لا داء أدوى من الكذب(1) .

وقال «ع» : من كثر كذبه ذهب بهاؤه(2) .

وقال «ع» : من صدق لسانه زكا عمله(3) .

وقال «ع» : إن الله خلق للشر أقفالاً ومفاتيح تلك الاقفال الشراب والكذب شر من الشراب(4) .

وقال «ع» : إياك وصحبة الكذاب ، فان الكذاب يريد أن ينفعك فيضرك ويقرب لك البعيد ، ويبعد لك القريب(5) .

[[ 3 ـ الحسد ]]

الحسد كراهة نعمة الآخرين وحب زوالها ، وإن الحاسد لم يزل يتطلع إلى نعم الله جل جلاله على عباده فلا يهنأ له حال. وما ألطف ما وصف الحساد أبو الحسن التهامي بقوله :

إني لأرحم حاسدي لشر ما

ضمت صدورهم من الاوغار

نظروا صنيع الله بي فعيونهم

في جنة وقلوبهم في نار

وهو داء في النفس أشد من داء البخل ، لأن البخيل يضن بماله على غيره أما الحسود فانه يضن بمال الله ونعمه على عباده ، ويتألم من وصولها إلى غيره فهو العدو بلا سبب وطالب زوال النعمة عن غيره وإن لم تصل إليه ، ولقد قال رسول الله (ص) : إن لنعم الله أعداء ، قيل له ومن هم يا رسول الله ؟ قال (ص) :

__________________

(1) الحلية ج 7.

(2) الوسائل.

(3) الكافي.

(4) جامع السعادات.

(5) كتاب العترة.

٨٤

الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.

وهذا الداء النفساني لم يحدث إلا عن خبث في الروح وإنطراء النفس على الشر فاذا ما تمكن من إمريء أفسد أخلاقه ، وساقه إلى القبائح والجرائم ، وأوقع صاحبه في أشد الآلام النفسية والاسقام البدنية كما قيل :

أفسدت نفسك بالحسد

وهدمت أركان الجسد

فاذا حصل في أمة أوقعها في الشقاق والنفاق ثم الدمار ، وإذا أستولى على أحد أرجع عذابه على صحابه ، لأن الحسود دائم العذاب مستمر الألم ، ولذا قال «ع» : لا يطمع لحسود في راحة القلب(1) .

وقال «ع» : ليس الحسود غنى(2) .

وقال «ع» : الحسود ذو نفس دائم وقلب هائم وحزن لازم ، وإنه لكثير الحسرات متضاعف السيئات ، دائم الغم وإن كان صحيح البدن.

وقال «ع» : إن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب(3) .

[[ 4 ـ الكبر ]]

الكبر في الانسان حالة تعتري النفس تدعو إلى مجاوزة الحد في إعظامها واحتقار غيرها ، وبعبارة أوضح : هو إستعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير.

وهو داء عضال في النفوس الواطئة يحدث عن ضيق دائرة نظر المتكبر إلى نفسه ، عندما يرى فيها فضيلة ليست عند غيره ، دون أن ينظر إلى نقصه وكمال غيره وإن لهذا الداء من العوارض المرضية النفسية ما يوقع صاحبه في كثير من الرذال المستقبحة ، كاغتراره بالظلم وعدم إحتفائه بحقوق الناس والحقد والحسد

__________________

(1) الخصال باب العشرة.

(2) الحادي عشر.

(3) الكافي في باب الحسد.

٨٥

الانقياد للحق ، وعدم قبول النصيحة وإعراضه عن الارشاد ، وغير ذلك مما يلجي تكبر المتكبر إلى إرتكابها والابتعاد عن مكارم الأخلاق. وقد أشار الامام «ع» إلى تعريفة بقوله : ما من أحد يتيه من ذلة يجدها في نفسه(1) .

وقال «ع» : لا يطمع ذو كبر في الثناء الحسن(2) .

وقال «ع» : لا جهل أضر من العجب(3) .

وقال «ع» : رأس الحزم التواضع(4) .

وقال «ع» : ثلاثة مكسبة البغضاء : العجب والنفاق والظلم(5) .

[[ 5 ـ خلف الوعد ]]

خلف النفس حالة تتصف بها النفس الخسيسة ، وتستسيغها الروح الواطئة وهو داء نفساني إذا إبتلى به المرء حرم ثقة الناس به ، وجر إلى نفسه في مجتمعه ومحيطه الويل وفقد في أصحابه وإخوانه التعرف وللحبة ، هذا ضرره في صاحبه أما إذا ما فشا ـ خلف الوعد ـ في المجتمع كان داءاً إجتماعياً خطيراً يقف سداً دون سعادة ذلك المجتمع وإنتظام معاملاته وحصول الثقة بين أفراده.

ومن المعلوم أن مثل هذا الداء العضال إذا ما تعلق بالنفوس الواطئة لم يجد لشفائه عقار الطبيب مجالاً ولا ذكاء الفيلسوف سبيلاً إذا لم يردعه وازع ديني أو واعظ داخلي ، يقيم أود تلك النفس الخسيسة ويرفعها إلى مستوى الانسانية الفاضلة لذلك ترى الامامعليه‌السلام جاء لعلاج أمثال تلك النفوس من هذا الطريق المستقيم فقالعليه‌السلام :

__________________

(1) الكافي باب الكبر.

(2) الكافي في باب العشرة.

(3) تحف العقول.

(4) البحار ج 17.

(5) تحف العقول.

٨٦

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف بالوعد(1) .

وقال «ع» : ثلاثة من كن فيه فهو منافق وإن صام وإن صلى : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان(2) إلى غير ذلك.

[[ 6 ـ الحرص ]]

الحرص شدة الكدح والاسراف في الطلب ، وفوقه الشره ، وكلاهما داء ينتاب الروح والنفس بسبب غلبة القوة البهيمية على العقل وإندحار العقل أمامها مغلوباً وما الحريص المصاب بهذا الداء إلا فقير كلما إزداد حرصه إزداد فقره ، لأن الفقر هو الحاجة ، والحريص والشره ما زالا محتاجين ، إذ لم يقنعا بكل ما أعطيا ولم تفتأ نفساهما تطلب الزيادة على ما في أيديهما فهما فقيران على وقد قيل : الغنى هو غنى النفس والقناعة كنز لا يفنى.

وعلى هذا قال الامام «ع» : أغنى غنى من لم يكن للحرص أسيراً(3) .

وقال «ع» : من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس(4) .

وقال «ع» : الحرص مفتاح التعب ومطية النصب ، وداع إلى التقحم في الذنوب والشره جامع للعيوب(5) .

وقال «ع» : حرم الحريص خصلتين. ولزمته خصلتان. حرم القناعة فأفتقد الراحة ، وحرم الرضا فافتقد اليقين(6) .

__________________

(1) كشف الأخطار.

(2) تحف العقول.

(3) الكافي في باب حب الدنيا.

(4) الكافي في القناعة.

(5) الفصول المهمة.

(6) خصال الصدوق باب الثاني.

٨٧

[[ 7 ـ المراء والجدل ]]

المراء والجدل داءان مذمومان مهلكان ، وشهوتان باطنيتان يعتريان النفس مفادهما الاعتراض على الآخرين باظهار الخلل في قوله أو فعله من باب الطعن والاستحقار له طلباً للتفوق عليه بابراز الكياسة والمعرفة.

وهما داءن خطران أقل ما يحدث منهما في النفس ، حصول التباغض والعداء والنفرة بين المتحابين ، وهذا ما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.

ولقد عالجهما الامام الصادق «ع» بارشاداته القيمة ونصائحه الدينية إذ قال «ع» المؤمن يداري ولا يماري(1) .

وقال «ع» : الجهل في ثلاث : شدة المراء ، والكبر ، والجهل بالله(2) .

ومن حديث عنه «ع» : سبعة يفسدون أعمالهم ، سابعهم الذي لا يزال يجادل أخاه مخاصماً له(3) .

إلى هنا ننهى البحث في هذا الموضوع الوسيع الذي لو أردنا ذكر كلما ورد عن الإمام «ع» فيه لضاقت في هذه الرسالة المختصرة به وقد سلكنا فيها الاختصار الايجاز ، ولم يكن قصدنا بها إلا أن نقدم للقارئ الكريم إضمامة من تلك الرياض الزاهرة التي تزهو بتعاليم الامام العالم والمرشد الحكيم ، والمقتدي الناصح ، أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آله الطاهرين أفضل التحية والسلام ، مرجئين التفصيل فيها إلى الكتب المفصلة.

والآن وبعد أن ذكرنا لك شيئاً من طب الامام «ع» وهو بلا ريب غيض من فيض وقطرة من بحر علومه ومعارفه ، إرتأينا ان نذكر لك ترجمة أشهر

__________________

(1) البحار ج 17.

(2) البحار ج 1.

(3) خصال الصدق وبات السبعة.

٨٨

الاطباء في ذلك العصر ، أي عصر الامام ، وذلك لما كان لهم من الأثر في إنتشار الطب يومذاك وبالطبع إنا سنجمل تراجمهم سيراً على منهجنا في الاختصار.

[[الأطباء في عصر الامام عليه‌السلام ]]

ليس القصد من تخصيص هذا العصر بالبحث والعناية لكونه عصر إنقراض دولة وتأسيس أخرى فحسب ، ولا لأنه مليء بالحوادث التاريخية والوقائع الحربية والتغييرات السياسية الزمنية. بل لأنه عصر النهضة العلمية في الجزيرة وربوع الرافدين بالخصوص ، وإبتداء عهد الحضارة الاسلامية ، والمعارف والعلوم العربية من طب وفلسفة وأدب وغيرها من الفنون التي أخذت منها أرقى ما وصل إليه الأولون من الأمم المتمدنة ، ثم قدمته بعد التنقيح العلمي وبعد الصقل العقلي ، لقمة سائغة مرية إلى الأجيال المتأخرة بقوالبها العربية الجذابة وبيانها الفصيح الخالي من شوائب النقص والتعسف ، والمشتمل على تلك الآراء الجبارة المطابقة للعقل والوجدان والدين والفطرة ، فقد صادفت بذرة العلوم يومذاك من مفكري العرب وفلاسفة الاسلام أطيب أرض صالحة أثمرت للأجيال المتعاقبة أشهى الثمر وأمراه فهو والحق يقال ، كان كحلقة وصل بين الثقافتين القديمة والحديثة ، وواسطة العقد بين العقلية البشرية لدى الأمم السالفة وهذا العصر الحديث.

إذن فلا غرو إذا ما خصص هذا العصر بالبحث ، وأعطى من الأهمية والعناية ما هو جدير بهما ، سيما وقد بذر الامام أبو عبداللهعليه‌السلام في نفوس أصحابه وتلاميذه والوافدين عليه من العلماء والحكماء والمفكرين ، تلك البذرة التي لم يدرك مغزاها ولم يصل إلى معرفتها إلا جهابذة هذا العصر الحديث بعد تقدم الطب والتجارب العلمية مدة قرون وقرون. وإليك تراجم أولئك الأطباء :

٨٩

[[ 1 ـ جرجيس بن جبرائيل (1) ]]

هو جرجيس بن جبرائيل الجنديسابوري(2) كان في صدر الدولة العباسية وكانت له خبرة كاملة وإطلاع تام بصناعة الطب وإطلاع وافر بمداواة المرضى وعلاجهم وكان فاضلاً رئيساً لمدرسة جنديسابور.

إستدعاه المنصور العباسي لمداواته من علته التي عجز أطباء بغداد عن علاجها وهي فساد معدته كما تقدم ، ولما ورد بغداد ومثل بين يديه أعجب به لحلاوة منطقه ورزانة عقله. ولما ذكر له العلة طمنه ، ثم عالجه حتى بريء بسرعة.

بقي جرجيس عند الخليفة مدة ، ثم أراد الرجوع إلى بلده ، فلم يأذن له الخليفة وطلب إليه البقاء في بغداد ، بعد أن أغدق عليه الأموال والعطايا ، فاضطر للبقاء في بغداد يعالج المرضى. وفي هذه المدة التي كان في العاصمة ، أخذ ينقل للمنصور كتباً كثيرة في الطب إلى اللغة العربية فعظم مقامه عند الخليفة والناس ثم مرض سنة 152 ه‍ وطلب من الخليفة الرجوع إلى أهله ليرى عياله وأطفاله وليدفن في وطنه إذا مات ، فاذن له بعد أن خلف تلميذه ـ عيسى بن شهلافا ـ مكانه ، فأرسل المنصور معه خادماً خاصاً وأمره أن جرجيس إذا مات في الطريق حمله إلى أهله ليدفن عندهم كما أراد لكنه وصل إلى بلاده حياً وبقي تلميذه بخدمة الخليفة كطبيب خاص للبلاط.

[[ 2 ـ عيسى بن شهلافا (3) ]]

عيسى بن شهلافا الجنديسابوري تلميذ جرجيس جاء مع أستاذه إلى بغداد

__________________

(1) عيون الأنباء والقفطي.

(2) وفي تاريخ الحكماء جورجيس بن بختيشوع.

(3) القفطي ص 165.

٩٠

لعلاج المنصور ثم بقي بعده طبيباً للخليفة باشارة من أستاذه كما مر ، ولكن هذا بدأ يبسط يده بالأذية خاصة بالأساقفة والبطارقة ويطالبهم بأخذ الرشى والأموال ، وكانت فيه شرارة طبع.

ولما خرج المنصور في بعض سفراته ، ووصل إلى نصيبين كتب عيسى هذا إلى مطران نصيبين يهدده ويتوعده إن منع عنه ما إلتمسه منه ، وكان قد إلتمس منه أن ينفذ إليه من آلات البيعة أشياء جليلة ثمينة ، وكتب في كتابه ـ أليس تعلم أن أمر الملك بيدي إن أردت أمرضته وإن أردت شفيته ، فلما وقف المطران على الكتابة إحتال في التوصل إلى الربيع وزير المنصور ، وشرح له الحال وأقرأه الكتاب ، فأوصله الربيع ألى الخليفة وأوقفه على حقيقة الأمر فأمر المنصور بأخذ جميع ما يملك عيسى وتأديبه ، ثم نفيه أقبح نفي ، وكان هذا هو ثمرة الشر وعاقبة صاحبه.

[[ 3 ـ ابن البطريق (1) ]]

وسماه البعض البطريق تخفيفاً. هذا الطبيب كان في أيام المنصور ، وقد أمره المنصور بنقل أشياء كثيرة من الكتب القديمة فنقلها له ، وكان نقله جيداً إلا أن نقله كان دون نقل الطبيب حنين الذي جاء بعده ، والذي كان نقله بعد هذا هو المعول عليه لدى الأطباء والحكماء. وستجد ترجمته في كتابنا ـ معجم أدباء الأطباء ـ.

[[ 4 ـ فرات بن شحناثا (2) ]]

طبيب يهودي فاضل كامل في وقته متقدم العهد من تلاميذ الطبيب الشهير ( تياذق ) طبيب الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقد كان أستاذه يرفعه على ساير تلاميذه خدم في حداثته الحجاج أيضاً ، ولما كبر وشاخ صحب الأمير ـ عيسى ابن موسى العباسي ـ ولي العهد أيام المنصور ـ وكان عيسى هذا يشاوره في كل

__________________

(1) القفطي 169.

(2) عيون الأنباء ص 162.

٩١

الامور ، ويعجبه عقله وصواب رأيه فيما كان ينذر به أيام خلافة المنصور ، فكان عيسى يتذكره بعد وفاته كل ما وقع له شيء من الأمور التي ينذره بوقوعها ويقول : سقى عهدك أبا فرات ، كانك كنت شاهداً يومنا هذا.

[[ 5 ـ موسى بن إسرائيل الكوفي (1) ]]

هذا الرجل طبيب من أهل الكوفة ولد سنة 129هـ وتوفي سنة 222 ه‍. خدم في أواخر أيامه أبا إسحاق إبراهيم بن المهدي واختص بخدمته وتقدم عنده وله ذكر مشهور بين الأطباء. وكان قليل العلم بالطب إذا قيس بمن كان في وقته من مشاهير مشايخ المتطببين ، إلا أنه كان أملأ لمجلسه منهم لخصال إجتمعت فيه. كفصاحة اللهجة مع علم بالنجوم ومعرفة بايام الناس ورواية للأشعار.

وكان أبو إسحاق أبراهيم يحتمله لهذه الخلال ، ولأنه طيب العشرة جداً يدخل في منادمي الملوك.

وكان ابن إسرائيل هذا في حداثته بخدمة الأمير عيسى بن موسى العباسي وكان قد خدم معه المتطبب اليهودي فرات بن شحناثا ، وهو يروي عنه أي عن فرات حكايات كثيرة من مشاورات عيسى له وإرشاداته إياه بالآراء الصائبة.

قال الطبيب موسى(2) : لما عقد المنصور لعيسى بن موسى على محاربة ( محمد بن عبدالله العلوي ) وسار باللواء من داره قال لفرات : ما تقول في هذا اللواء ؟ قال فرات : أقول إنه لواء الشحناء بينك وبين أهلك إلى يوم القيامة. ألا أني أرى لك نقل أهلك من الكوفة إلى أي البلدان أحببت ، فان الكوفة بلد أهلها شيعة من تحارب ، فان فللت لم يكن لمن تخلف بها من أهلك بقيا ، وإن فللث وأصبت من تتوجه إليه زاد ذلك في أضغانهم عليك ، فان سلمت منهم في حياتك لم يسلم منهم عقبك بعد وفاتك. فقال عيسى ويحك إن أمير المؤمنين غير مفارق

__________________

(1) القفطي 208.

(2) عيون الانباء ج 2 ص 148.

٩٢

الكوفة فلم أنقل أهلي منها وهم بعد في داره ؟ فقال : إن الفيصل في مخرجك فان كانت الحرب لك فالخليفة مقيم بالكوفة ، وإن كانت عليك لم تكن الكوفة له بدار وسيهرب منها ويخلف حرمه فضلاً عن حرمك.

قال موسى الطبيب : فحاول عيسى نقل عياله من الكوفة فلم يسوغ المنصور له ذلك ، ولما فتح الله على عيسى ورجع إلى الكوفة وقتل إبراهيم بن عبدالله إنتقل المنصور إلى مدينة دار السلام ، فقال له متطببه : بادر بالانتقال معه إلى مدينته التي قد أحدثها. فاستأذن المنصور بذلك فاعلمه أنه لا سبيل إليه وإنه قد دبر إستخلافه على الكوفة فاخبر عيسى فراتاً متطببه بذلك فقال له : إن إستخلافه أياك على الكوفة حل لعقدك على العهد ، لأنه لو دبر تمام الأمر لك لولاك خراسان بلد شيعتك ، فأما أن يجعلك في الكوفة بلد أعدائك وأعدائه وقد قتلت محمد بن عبدالله فوالله ما دبر فيك إلا قتلك وقتل عقبك ومن المحال أن يوليك خراسان بعد الذي ظهر منه فيك فسله توليتك الجزيرتين أو الشام ، فاخرج إلى أي الولايتين ولاك فاوطنها. فقال له عيسى : أتكره لي ولاية الكوفة وأهلها من شيعة بني هاشم وترغب لي بولاية الشام أو الجزيرتين وأهلها شيعة بني أمية ، فقال له فرات : أهل الكوفة وإن وسموا أنفسهم بالتشيع لبني هاشم فلست وأهلك من بني هاشم الذين يتشيعون لهم ، وإنما تشيعهم لبني أبي طالب ، وقد أصبحت من دمائهم ما قد أكسب أهلها بغضك وأحل لهم عند أنفسهم الاقتياد منك وتشيع الشام والجزيرتين ليس على طريق الديانة ، وإنما ذلك على طريق إحسان بني أمية لهم ، وان إنت أظهرت لهم مودة متى وليتهم وأحسنت إليهم كانوا لك شيعة ، ويدلك على ذلك محاربتهم مع عبدالله ابن علي على ما قد نال من دمائهم ، لما تألفهم وضمن لهم الاحسان إليهم ، فهم إليك لسلامتك من دمائهم أقبل.

قال موسى الطبيب : واستعفي عيسى من ولاية العهد ، وسأل تعويضه عنها فأعلمه المنصور أن الكوفة دار الخلافة ، لا يمكن أن تخلو من خليفة أو ولي العهد

٩٣

ووعده أن يقيم في مدينة السلام سنة وفي الكوفة سنة وأنه إذا صار إلى الكوفة صار عيسى إلى مدينة السلام وأقام بها.

قال ولما طلب أهل خراسان عقد البيعة للمهدي ، قال عيسي لفرات : يا فرات قد دعيت إلى تقديم محمد بن أميرالمؤمنين على نفسي ، فقال له : فتوقع ما أرى أن تسمع وتطيع اليوم وبعد اليوم ، قال عيسي : وما بعد اليوم ؟ قال إذا دعاك محمد إلى خلع نفسك وتسليم الخلافة إلى بعض ولده ، أن تسارع فليس عندك منعة ولا يمكنك مخالفة القوم في شيء يريدونه منك.

قال موسى : فمات المتطبب فرات في خلافة المنصور ، ولما دعا المهدي عيسى إلى خلع نفسه من ولاية العهد وتسليم الأمر إلى الهادي قال : قاتلك الله يا فرات ، ما كان أجود رأيك وأعلمك بما تتقومه كأنك كنت شاهد يومنا هذا.

قال موسى : ولما رأيت مافعل أبو السرايا بمنازل العباسيين في الكوفة قلت مثل ماقال عيسى في فرات.

[[ 6 ـ خصيب المتطبب (1) ]]

كان خصيب هذا طبيباً نصرانيا من أهل البصرة وكان مقامه بها ، ذكره ابن أبي أصيبعة في عداد الأطباء الذين كانوا في إبتداء ظهور بني العباس وكان فاضلاً في صناعة الطب جيد المعالجة.

حدث محمد بن سلام الجمحي قال : مرض الحكم بن محمد بن قنبر المازني الشاعر بالبصرة فأتوه بخصيب ليعالجه فقال فيه :

ولقد قلت لأهلي

إذ أتوني بخصيب

ليس والله خصيب

للذي بي بطبيب

إنما يعرف دائي

من به مثل الذي بي

__________________

(1) عيون الأنباء والقفطي.

٩٤

وحدث أيضاً محمد بن سلام فقال : كان خصيب الطبيب هذا نصرانياً نبيلاً فسقى محمد بن أبي العباس السفاح شربة دواء وهو على البصرة فمرض منها وحمل إلى بغداد فمات بها فاتهم خصيب وحبس حتى مات في الحبس.

[[ 7 ـ ابن اللجاج ]]

قال القفطي : طبيب مذكور كان في زمن المنصور من بني العباس ، ولما حج المنصور حجته التي مات بها كان ابن اللجاج المتطبب هذا في صحبته.

قال ابن أبي أصيبعة : قال يوسف بن إبراهيم ، حدثني إسماعيل بن أبي سهل ابن نوبخت ، ان أباه أبا سهل حدثه : إن المنصور لما حج حجته التي توفي فيها رافق ابن اللجاج المتطبب المنصور ، فكان متى نام المنصور تنادما وذات يوم سأل ابن اللجاج وقد عمل فيه النبيذ ابا سهل عما بقي من عمر المنصور ( حسب النجوم طبعاً ) فقال إسماعيل ، فعظم ذلك على والدي ، وقطع النبيذ وجعل على نفسه أن لا ينادمه ، وهجره ثلاثة أيام ، ثم إصطلحا بعد ذلك فلما جلسا على نبيذهما قال ابن اللجاج لأبي سهل سألتك عن علمك بعض الأمور فبخلت به وهجرتني ولست أبخل عليك بعلمي فاسمعه ، ثم قال : إن المنصور رجل محرور ، تزداد يبوسته في بدنه كل ما أسن ، وقد حلق رأسه بالحيرة ، وجعل مكان الشعر الذي حلقه غالية وهو في هذا الحجاز يداوم الغالية ، وما يقبل قولي في تركها ولا أحسب أنه يبلغ ( فيد ) حتى يحدث في دماغه من اليبس ما لا يكون عندي ولا عند أحد من المتطببين غيري حيلة في ترطيبه ، فليس يبلغ ( فيد ) إن بلغها إلا مريضاً ولا يبلغ مكة ( إن بلغها ) وبه حياة.

قال إسماعيل قال لي والدي : فوالله ما بلغ المنصور ( فيد ) إلا وهو عليل وما وافى مكة إلا وهو ميت فدفن في بئر ميمون.

٩٥

الدليل

3

الإهداء

53

الأدوية التي وصفها الامام «ع»

4

مقدمة الطبعة الثالثة

55

العمل الجراجي والاستشفاء بالسموم

7

المقدمة

55

أقواله «ع» في خواص بعض النباتات

9

تاريخ الطب ومبدأ ظهوره

56

الثوم

58

البصل

59

الفجل

10

الطب عند العرب

60

الجزر

61

الباذنجان

15

طب الامام «ع» ـ تمهيد

61

القرع ( الدبا )

24

مناظرة الإمام «ع»‌مع‌الطبيب‌الهندي

62

أقواله «ع» في بعض الفواكه والخضر

                 
٩٦

27

سؤال‌النصراني منه عن تعداد عظام الانسان

63

العنب

63

التفاح

28

الدورة الدموية

64

الرمان

65

السفرجل

30

كيفية السماع والأبصار

66

التين

66

التمر

31

العدوى والجراثيم

67

الخس

68

الهندبا

34

الجراثيم ومجمل تاريخها

69

من كلماته الخالدة في الطب

38

حديث الأهليلجة

79

الصادق «ع» والطب الروحي

44

وصفاته الطبية الصداع

82

الغضب

83

الكذب

46

الزكام

84

الحسد

85

الكبر

٩٧

47

ضعف البصر بياض العين

86

خلف الوعد

87

الحرض

48

وجع البطن وإسهالها الاسهال

88

المراء والجدل

48

قراقر البطن مع الألم

89

الأطباء في عصر الامام «ع»

48

الرياح الموجعة

90

جرجيس بن جبرائيل

49

ضعف البدن ، حمى الربع

90

عيسى بن شهلافا

50

المبطون من الألم ، الوضح والبهق

91

ابن البطريق

51

البلغم الكثير ، شدة البول

91

فرات بن شحناثا

51

قلة الولد

92

موسى بن إسرائيل الكوفي

٩٨

52

ضعف الباه

94

خصيب المتطبب

52

الأدواء التي علجلها الامام «ع»

95

ابن اللجاج

٩٩

الفهرس

مقدمة الطبعة الثالثة 4

المقدمة 7

تاريخ الطب ومبدأ ظهوره : 9

الطب عند العرب 10

طب الامام عليه‌السلام 15

[[ مناظرة الإمام «ع» مع الطبيب الهندي(1) ]] 24

[[ سؤال النصراني منه عن تعداد عظام الانسان(1) ]] 27

[[ الدورة الدموية ]] 28

[[ كيفية السماع والأبصار ]] 30

[[ العدوى والجراثيم ]] 31

[[ الجراثيم ومجمل تاريخها ]] 34

[[ حديث الأهليلجة(1) ]] 38

[[ وصفاته الطبية(1) ]] 44

[[ 1 ـ الصداع ]] 44

[[ 2 ـ الزكام ]] 46

[[ 3 ـ ضعف البصر ]] 47

[[ 4 ـ بياض العين ]] 47

[[ 5 ـ وجع البطن وإسهالها ]] 48

[[ 6 ـ الاسهال ]] 48

[[ 7 ـ قراقر البطن مع الألم ]] 48

[[ 8 ـ الرياح الموجعة ]] 48

[[ 9 ـ ضعف البدن ]] 49

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147