الإصابة في تمييز الصحابة الجزء ١

مؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 805
مؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 805
بخلاف صورة النزاع.
مسألة ٤٦٦ : يستحب أن يقرأ في الاُولى بعد الحمد : التوحيد ، وفي الثانية : الجحد - وروي العكس(١) - رواه العامّة عن النبي(٢) صلىاللهعليهوآله ، والخاصّة عن الصادق(٣) عليهالسلام .
وأن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.
ولو نسي الركعتين حتى مات ، قضى عنه وليّه واجباً إن كان الطواف واجباً ، وإلّا ندباً ؛ لقول الصادقعليهالسلام : « مَنْ نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج من مكة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليّه ، أو رجل من المسلمين »(٤) .
ولو نسيهما حتى شرع في السعي ، قطع السعي ، وعاد إلى المقام ، فصلّى الركعتين ، ثم عاد فتمّم السعي ؛ لما رواه محمد بن مسلم - في الصحيح - عن أحدهماعليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلّي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة أشواط أو أقلّ من ذلك ، قال : « ينصرف حتى يصلّي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتمّ سعيه»(٥) .
ويستحب أن يدعو عقيب الركعتين بالمنقول.
مسألة ٤٦٧ : يستحب للحاج والمعتمر إذا دخل المسجد للطواف أن
____________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٢١ / ٨٦٩ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٩١.
(٢) سنن الترمذي ٣ : ٢٢١ / ٨٧٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٩١.
(٣) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٦ / ٤٥٠ ، و ٢٨٦ / ٩٧٣.
(٤) التهذيب ٥ : ١٤٣ / ٤٧٣.
(٥) التهذيب ٥ : ١٤٣ / ٤٧٤.
لا يتشاغل بشيء حتى يطوف ؛ لقوله تعالى :( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (١) .
ولأنّ الطواف تحيّة المسجد ، فاستحبّ التبادر إليه.
وروى جابر أنّ النبيصلىاللهعليهوآله دخل مكة ارتفاع الضحى ، فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ، ودخل إلى المسجد ، واستلم الحجر وطاف(٢) .
ولو دخل المسجد والإمام مشتغل بالفريضة ، صلّى معه المكتوبة ، ولا يشتغل بالطواف ، فإذا فرغ من الصلاة ، طاف حينئذٍ ، تحصيلاً لفضيلة الجماعة ، وتقديماً للفائت وقته ، وهو الجماعة ، دون ما لا يفوت ، وهو الطواف ، وكذا لو قربت إقامة الصلاة.
مسألة ٤٦٨ : ولا يستحب رفع اليدين عند مشاهدة البيت.
قال الشيخ : إنّه لا يعرفه أصحابنا(٣) .
وأنكر مالك استحبابه(٤) .
وقال الشافعي : لا أكرهه ولا أستحبّه(٥) .
وقال أحمد : إنّه مستحب. وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر والثوري وابن المبارك(٦) .
لما رواه العامّة عن المهاجر المكّي ، قال : سُئل جابر بن عبد الله : عن الرجل يرى البيت أيرفع يديه؟ قال : ما كنت أظنّ أنّ أحداً يفعل هذا
____________________
(١) البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨.
(٢) المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٥٤ - ٤٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٤.
(٣) الخلاف ٢ : ٣٢٠ ، المسألة ١٢٣.
(٤) حلية العلماء ٣ : ٣٢٥ ، المجموع ٨ : ٩ ، المغني ٣ : ٣٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٩.
(٥) المجموع ٨ : ٨.
(٦) المغني ٣ : ٣٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٩ ، المجموع ٨ : ٩.
إلّا اليهود ، حججنا مع رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فلم يكن يفعله(١) .
احتجّ : بما روي عن النبيصلىاللهعليهوآله ، قال : ( لا ترفع الأيدي إلّا في سبع مواطن : افتتاح الصلاة واستقبال البيت ، وعلى الصفا والمروة ، وعلى الموقفين والجمرتين )(٢) .
وهو محمول على الرفع عند الدعاء.
مسألة ٤٦٩ : يستحب أن يقف عند الحجر الأسود ويدعو ويكبّر عند محاذاة الحجر ويرفع يديه ويحمد الله ويثني عليه ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلىاللهعليهوآله ، استقبل الحجر واستلمه وكبَّر(٣) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليهالسلام : « إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله وأثن عليه »(٤) الحديث.
ويستحب له أن يستلم الحجر ويُقبّله إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ عمر بن الخطّاب انكبّ على الحجر وقال : أما إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولو لا أنّي رأيت رسول الله يُقبّلك لما قبّلتك(٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليهالسلام : « قال رسول اللهصلىاللهعليهوآله : استلموا الركن ، فإنّه يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه مصافحة العبد أو الدخيل ، ويشهد لمن استلمه بالموافاة »(٦) .
إذا عرفت هذا ، فإن لم يتمكّن من الاستلام ، استلمه بيده وقبّل يده ،
____________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ١٧٥ / ١٨٧٠ ، وسنن النسائي ٥ : ٢١٢ ، وفيه : فلم نكن نفعله.
(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٨٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٩.
(٣) المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٥٤ ، وليس فيه تكبير النبيصلىاللهعليهوآله .
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٢ - ٤٠٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ١٠١ / ٣٢٩.
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٥ / ٢٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨١ / ٢٩٤٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٤.
(٦) التهذيب ٥ : ١٠٢ / ٣٣١ ، وبتفاوت يسير في الكافي ٤ : ٤٠٦ / ٩.
فإن لم يتمكّن من ذلك ، أشار إليه بيده - وبه قال الشافعي(١) - لقول الصادقعليهالسلام : « فإن وجدته خالياً وإلّا فسلّم من بعيد »(٢) .
وسُئل الرضاعليهالسلام : عن الحجر الأسود أيقاتل عليه الناس إذا كثروا؟ قال : « إذا كان كذلك فأوم بيدك »(٣) .
وليس الاستلام واجباً ؛ لأصالة البراءة.
ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليهالسلام - في الصحيح - عن رجل حجّ فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة ، قال : « هو من السنّة ، فإن لم يقدر فالله أولى بالعذر »(٤) .
ومقطوع اليد يستلم الحجر بموضع القطع ، ولو قُطعت من المرفق ، استلم بشماله ؛ لقول عليعليهالسلام وقد سُئل عن الأقطع كيف يستلم؟ : « يستلم الحجر من حيث القطع ، فإن كانت مقطوعةً من المرفق استلم الحجر بشماله »(٥) .
مسألة ٤٧٠ : ويستحب أن يستلم الركن اليماني ويُقبّله ، فإن لم يتمكّن ، استلمه بيده وقبّل يده - وبه قال أحمد(٦) - لما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : رأيت رسول اللهصلىاللهعليهوآله إذا استلم الركن ، قبَّله ، ووضع خدّه الأيمن عليه(٧) .
وقال ابن عمر : إنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله كان لا يستلم إلّا الحجر والركن
____________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٣١٨ - ٣١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٩ ، المجموع ٨ : ٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٩.
(٢) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٣.
(٣) التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٦.
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٥ / ٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٣ / ٣٣٤.
(٥) الكافي ٤ : ٤١٠ / ١٨ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ - ١٠٧ / ٣٤٥.
(٦) المغني ٣ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠.
(٧) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، وبتفاوت يسير في المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٥٦ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٦.
اليماني(١) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم [ عن جعفر ](٢) عن أبيه [عليهماالسلام ](٣) قال : « كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله لا يستلم الركن إلّا الركن الأسود واليماني ، ويُقبّلهما ، ويضع خدّه عليهما »(٤) .
وقال الشافعي : يستحب أن يستلمه بيده ويُقبّل يده ولا يُقبّله(٥) .
وقال أبو حنيفة : لا يستلمه(٦) .
وقال مالك : يستلمه ولا يُقبّل يده ، وإنّما يضعها على فيه(٧) .
قال ابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم على استلام الركنين ، وإنّما اختلفوا في التقبيل ، فشرّكه قوم بينهما وخصّ قوم الحجر به(٨) .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب استلام الأركان كلّها ، وآكدها ركن الحجر واليماني ، ذهب إليه علماؤنا - وبه قال ابن عباس وجابر وابن الزبير(٩) - لما رواه العامّة أنّه لمـّا قدم معاوية مكة وابن عباس بها ، فاستلم
____________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٤ / ٢٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣١ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٦ ، المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥.
(٢ و ٣ ) أضفناها من المصدر.
(٤) التهذيب ٥ : ١٠٥ - ١٠٦ / ٣٤١ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ - ٢١٧ / ٧٧٤.
(٥) الاُم ٢ : ١٧٠ ، المجموع ٨ : ٣٥ و ٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٩.
(٦) فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٤ - ٣٩٥.
(٧) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٣ - ٣٦٤ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، المجموع ٨ : ٥٨.
(٨) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥.
(٩) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١.
ابن عباس الأركان كلّها ، فقال معاوية : ما كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله يستلم إلّا الركنين اليمانيّين ، فقال ابن عباس : ليس من البيت شيء مهجور(١) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضاعليهالسلام : أستلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : « نعم »(٢) .
ولأنّهما ركنان ، فاستحبّ استلامهما ، كاليمانيّين.
وأنكر الفقهاء الأربعة ذلك(٣) ؛ لقول ابن عمر : أنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة ، ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر(٤) .
قال ابن عمر : ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلّا لأنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيمعليهالسلام (٥) .
والجواب : رواية الإثبات مقدَّمة.
ويحتمل : أنّه كان يقف عند اليمانيّين أكثر.
تنبيه : في الاستلام لغتان : الهمز وعدمه.
____________________
(١) مسند أحمد ٤ : ٩٤ - ٩٥ بتفاوت ، وفي ذيله ما يشعر باختلاف الناس في هذه الرواية ، فمنهم من قال بأنّ المجيب هو معاوية. وانظر : صحيح البخاري ٢ : ١٨٦ ، وسنن الترمذي ٣ : ٢١٣ / ٨٥٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٧ ، ومسند أحمد ١ : ٢١٧.
(٢) التهذيب ٥ : ١٠٦ / ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ / ٧٤٣.
(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٦٣ ، المجموع ٨ : ٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٤٨ ، المغني ٣ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥.
(٤) فتح العزيز ٧ : ٣١٩ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٢ : ١٨٦ ، وصحيح مسلم ٢ : ٩٢٤ - ٢٤٤ ، ومسند أحمد ٢ : ١٨.
(٥) المغني ٣ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٥ ، وبتفاوت في صحيح مسلم ٢ : ٩٦٩ / ٣٩٩ ، وصحيح البخاري ٢ : ١٧٩ ، وسنن البيهقي ٥ : ٧٧.
فعلى الثاني قال السيّد المرتضى : إنّه افتعال من السِّلام ، وهي الحجارة(١) .
فإذا مسّ الحجر بيده ومسحه بها ، قيل : استلم ، أي مسّ السِّلام بيده.
وقيل : إنّه مأخوذ من السَّلام(٢) ، أي أنّه يُحيّي نفسه عن الحجر ؛ إذ ليس الحجر ممّن يحيّيه ، وهذا كما يقال : اختدم : إذا لم يكن له خادم سوى نفسه.
وحكى ثعلب : الهمز ، وفسّره بأنّه اتّخذه جُنّةً وسلاحاً من اللأمة(٣) ، وهي الدرع(٤) . وهو حسن.
مسألة ٤٧١ : يستحب الاستلام في كلّ شوط ، لأنّ النبيعليهالسلام كان يستلم الركن اليماني والأسود في كلّ طوفة(٥) .
ويستحب الدعاء في الطواف بالمنقول ، والوقوف عند اليماني والدعاء عنده.
ويستحب له أن يلتزم المستجار في الشوط السابع ، ويبسط يديه على حائطه ، ويلصق به بطنه وخدّه ، ويدعو بالمأثور ، ويعترف بذنوبه.
قال الصادقعليهالسلام : « ثم أقرّ لربّك بما عملت من الذنوب فإنّه ليس عبد مؤمن يقرّ لربّه بذنوبه في هذا المكان إلّا غفر له »(٦) .
ولو نسي الالتزام حتى جاز موضعه في مؤخّر الكعبة مقابل الباب
____________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٢٧٥.
(٢) تهذيب اللغة ١٢ : ٤٥١.
(٣) اللامة : الهول. لسان العرب ١٢ : ٥٥٧ « لوم ».
(٤) كما في رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٢٧٥.
(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ١٠٥ ، الهامش (٤).
(٦) الكافي ٤ : ٤١١ / ٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ - ١٠٨ / ٣٤٩.
دون الركن اليماني بقليل ، فلا إعادة عليه.
ولو ترك الاستلام ، لم يكن عليه شيء ، وبه قال عامّة الفقهاء ؛ لأنّه مستحب ، فلا يتعقّب بتركه جناية.
وحكي عن الحسن البصري والثوري وعبد الملك بن الماجشون أنّ عليه دماً(١) ؛ لقول النبيصلىاللهعليهوآله : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )(٢) .
وليس حجّةً ؛ لأنّه مخصوص بالواجب.
قال الشيخ في المبسوط : قد روي أنّه يستحب الاضطباع ، وهو أن يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن ويجعله على منكبه الأيسر(٣) .
وهو مأخوذ من الضَّبْع ، وهو عضد الإنسان ، وأصله التاء قلبوها طاءً ؛ لأنّ التاء متى وقعت بعد صاد أو ضاد أو طاء ساكنة قلبت طاء.
إذا ثبت هذا ، فأكثر العلماء على استحبابه(٤) ، لقول ابن عباس : لمـّا دخل رسول اللهصلىاللهعليهوآله على قريش ، فاجتمعت نحو الحجر ، اضطبع رسول اللهصلىاللهعليهوآله (٥) .
قال الشافعي : ويبقى مضطبعاً حتى يتمّ السعي بين الصفا والمروة ويتركه عند الصلاة للطواف(٦) .
____________________
(١) اُنظر : المجموع ٨ : ٥٩ ، وفي حلية العلماء ٣ : ٣٣١ ، والمغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ حكاية القول بذلك عنهم في ترك الرمل لا ترك الاستلام ، فلاحظ.
(٢) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، والشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ وابنا قدامه في المغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨.
(٣) المبسوط ١ : ٣٥٦.
(٤) المغني ٣ : ٣٩١ - ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩١.
(٥) مسند أحمد ١ : ٣٠٥.
(٦) فتح العزيز ٧ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، المجموع ٨ : ٢٠.
وقال أحمد : لا يضطبع في السعي(١) .
وقال مالك : إنّه ليس بمستحب. قال : ولم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يذكر أنّ الاضطباع سنّة(٢) .
مسألة ٤٧٢ : يستحب له أن يقصد في مشيه بأن يمشي مستوياً بين السَّرَع والإبطاء ، قاله الشيخ –رحمهالله - في بعض كتبه(٣) .
وقال في المبسوط : يستحب أن يرمل ثلاثاً ، ويمشي أربعاً في طواف القدوم خاصّة ؛ اقتداءً برسول اللهصلىاللهعليهوآله (٤) .
واتّفقت العامّة على استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة الأُوَل ، والمشي في الأربعة في طواف القدوم ؛ لما رواه الصادقعليهالسلام عن جابر أنّ النبيصلىاللهعليهوآله رمل ثلاثاً ومشى أربعاً(٥) .
والسبب فيه قول ابن عباس : قدم رسول اللهصلىاللهعليهوآله مكة ، فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم تنهكهم(٦) الحمّى ولقوا منها شرّاً ، فأمرهم رسول اللهصلىاللهعليهوآله أن يرملوا الأشواط الثلاثة ، وأن يمشوا بين الركنين ، فلمـّا رأوهم قالوا : ما نراهم إلّا كالغزلان(٧) .
ولو ترك الرمل ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنّه مستحب ، وهو قول عامّة
____________________
(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٢.
(٢) المغني ٣ : ٣٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣١ ، المجموع ٨ : ٢١.
(٣) النهاية : ٢٣٧.
(٤) المبسوط ١ : ٣٥٦.
(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ / ١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٢ / ٨٥٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٨٣ / ٢٩٥١ و ١٠٢٣ / ٣٠٧٤.
(٦) نهكته الحُمّى : جهدته وأضْنَتْه ونقصت لحمه. لسان العرب ١٠ : ٤٩٩ « نهك ».
(٧) اُنظر : سنن أبي داود ٢ : ١٧٨ / ١٨٨٦ و ١٧٩ / ١٨٨٩.
الفقهاء(١) .
وقال الحسن البصري : إنّ عليه دماً. وهو محكي عن الثوري وعبد الملك بن الماجشون(٢) ؛ لقولهعليهالسلام : ( مَنْ ترك نسكاً فعليه دم )(٣) .
وجوابه : المراد من النسك الواجبُ.
ويعارضه ما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : ليس على من ترك الرمل شيء(٤) .
ومن طريق الخاصّة : رواية سعيد الأعرج ، أنّه سأل الصادقَعليهالسلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : « كُلٌّ واسع ما لم يؤذ أحداً »(٥) .
ولو تركه في الثلاثة الأُول ، لم يقض في الأربع الباقية ؛ لأنّها هيئة في الأُول ، فإذا فات موضعها ، سقطت ، ولزم سقوط هيئة البواقي.
وإذا قلنا باستحباب الرمل في الثلاثة الأُول ، استحبّ من الحِجْر إليه - وهو قول أكثر العلماء(٦) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلىاللهعليهوآله رمل من الحِجْر إلى الحِجْر(٧) .
وقال طاوُس وعطاء والحسن وسعيد بن جبير : يمشي ما بين الركنين ؛ لأنّ النبيصلىاللهعليهوآله أمر أصحابه بأن يرملوا الأشواط الثلاثة ويمشوا ما
____________________
(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٨ ، المجموع ٨ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣١.
(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٣٦٤ ، والشيرازي في المهذّب ١ : ٢٣٣ ، والماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ١٧٤ وابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٩٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٩٨.
(٤) المغني ٣ : ٣٩٦ - ٣٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٨.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٨.
(٦) المغني ٣ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٦ - ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٩٨.
(٧) صحيح مسلم ٢ : ٩٢١ / ٢٣٣ - ٢٣٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١٢ / ٨٥٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧٩ / ١٨٩١.
بين الركنين ليرى المشركون جَلَدَهُمْ(١) لمـّا وَهَنَتْهم(٢) الحُمّى حتى قال المشركون : هؤلاء أجلد منّا(٣) .
ولو ترك الرمل في أوّل شوط ، رمل في الاثنين ، وإن تركه في الاثنين ، رمل في الثالث خاصّةً.
ولو تركه في طواف القدوم ، لم يستحب قضاؤه في طواف الحجّ ؛ لأنّ النبيصلىاللهعليهوآله إنّما رمل في طواف القدوم(٤) ، خلافاً لبعض العامّة(٥) .
وقال بعض العامّة : ليس على أهل مكّة رمل - وقاله ابن عباس وابن عمر - لأنّه شُرّع في الأصل لإظهار الجلد والقوّة لأهل البلد(٦) .
ولا يستحب للنساء الرمل ولا الاضطباع.
ويرمل الحامل للمريض والصبي ، والراكب يحثّ دابّته.
وللشافعي قول آخر في أنّ الحامل للمريض لا يرمل به(٧) .
مسألة ٤٧٣ : يستحب التداني من البيت في الطواف ؛ لأنّه المقصود ، فالدنوّ منه أولى ولو كان بالقرب زحام لا يمكنه أن يرمل فيه ، فإن كان يعلم أنّه إن وقف وجد فرجةً ، وقف ، فإذا وجد فرجةً ، رمل ، وإن كان يعلم أنّه لا يجد فرجةً لكثرة الزحام وعلم أنّه إن خرج إلى حاشية الناس
____________________
(١) الجَلَد : القوّة والصبر. النهاية - لابن الأثير - ١ : ٢٨٤ « جلد ».
(٢) أي : أضعفتهم. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ٢٣٤ « وهن ».
(٣) المغني ٣ : ٣٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٥٨.
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٨٨٧ / ١٢١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٣ / ٣٠٧٤ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٣ / ١٩٠٥ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٦.
(٥) المغني ٣ : ٣٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٣.
(٦) المغني ٣ : ٣٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٢.
(٧) المجموع ٨ : ٤٤.
يمكن الرمل ، خرج ورمل ، وكان أفضل من التداني ، وإن لم يتمكّن من الخروج ، طاف من غير رمل ، ولو تباعد حتى طاف بالسقاية وزمزم ، لم يجزئ - خلافاً للشافعي(١) - لأنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله كذا فَعل ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .
مسألة ٤٧٤ : يستحب أن يطوف ماشياً مع القدرة ، ولو ركب معها ، أجزأه ، ولا يلزمه دم - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ جابراً قال : طاف رسول اللهصلىاللهعليهوآله في حجّة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرفَ عليهم ليسألوه ، فإنّ الناس غشوه(٤) .
وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد : إن طاف راكباً لعذر ، فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر ، فعليه دم ؛ لأنّها عبادة واجبة تتعلّق بالبيت ، فلا يجوز فعلها لغير عذر راكباً ، كالصلاة(٥) .
والفرق : أنّ الصلاة لا تصحّ راكباً وهنا تصحّ.
مسألة ٤٧٥ : يستحب طواف ثلاثمائة وستّين طوافاً ، فإن لم يتمكّن فثلاثمائة وستّين شوطاً ، ويلحق الزيادة بالطواف الأخير بأن يطوف اُسبوعاً ، ثم يصلّي ركعتين ، وهكذا.
ويجوز القرآن في النوافل على ما يأتي ، فيؤخّر الصلاة فيها إلى حين
____________________
(١) الاُم ٢ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٧ : ٣٠١ ، المجموع ٨ : ٣٩.
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.
(٣) فتح العزيز ٧ : ٣١٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٧ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤.
(٤) صحيح مسلم ٢ : ٩٢٧ / ٢٥٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٠٠.
(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٤ - ٤٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٤٢٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٨ ، المجموع ٨ : ٢٧.
الفراغ.
وإن لم يستطع ، طاف ما يمكن منه.
قال الصادقعليهالسلام : « يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستّين اُسبوعاً عدد أيّام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستّين شوطاً ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف »(١) .
مسألة ٤٧٦ : قد بيّنّا وجوب الطهارة من الحدث والخبث في الثوب والبدن ، ووجوب الستر ، فلو طاف جنباً أو محدثاً أو عارياً ، أو طافت المرأة حائضاً أو نفساء ، أو طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة عالماً أو ناسياً في طواف الفريضة ، لم يعتد بذلك الطواف ، وكذا لو كان يطأ في مطافه النجاسات المتعدّية إلى بدنه أو ثوبه.
ولو أحدث في خلال الطواف ، فإن كان بعد طواف أربعة أشواط ، تطهّر وأتمّ طوافه ، وإن كان قبل ذلك ، تطهّر واستأنف الطواف من أوّله ؛ لقول أحدهماعليهماالسلام : في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال : « يخرج ويتوضّأ ، فإن كان جاز النصف بنى على طوافه ، وإن كان أقلّ من النصف أعاد الطواف »(٢) .
ولم يفصّل العامّة ذلك ، بل قالوا : إن تعمّد الحدث ، فللشافعي قولان : أحدهما : أنّه يستأنف ، كالصلاة. وأصحّهما : البناء. ويحتمل فيه ما لا يحتمل في الصلاة ، كالفعل الكثير والكلام.
____________________
(١) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ / ٤٤٥.
(٢) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٤.
وإن سبقه الحدث ، فإن قلنا : يبني في العمد ، فهنا أولى ، وإن قلنا : يستأنف ، فقولان : أصحّهما : البناء.
هذا إذا لم يَطُل الفصل ، وإن طال ، بنى(١) .
ولو كان الطواف نفلاً ، لم يجب عليه الاستئناف ولا إتمامه بطهارة.
ولو ذكر أنّه طاف محدثاً ، فإن كان طواف فريضة ، استأنف الطواف والصلاة إن كان قد صلّى بحدثه.
ولو كان الطواف نفلاً وصلّى ، أعاد الصلاة خاصّةً بعد الطهارة ؛ لرواية حريز - في الصحيح - عن الصادقعليهالسلام : في رجل طاف تطوّعاً وصلّى ركعتين وهو على غير وضوء ، فقال : « يُعيد الركعتين ولا يعيد الطواف »(٢) .
ولو شكّ في الطهارة ، فإن كان في أثناء الطواف ، تطهّر واستأنف ؛ لأنّه شكّ في العبادة قبل فراغها ، فيعيد ، كالصلاة ، ولو شكّ بعد الفراغ ، لم يستأنف.
مسألة ٤٧٧ : لو طاف ستّة أشواط ناسياً وانصرف ثم ذكر ، فليضف إليها شوطاً آخر ، ولا شيء عليه ، وإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله ، أَمَر مَنْ يطوف عنه.
وقال أبو حنيفة : يجبره بدم(٣) .
لنا : أصالة البراءة من الدم ، وبقاء عهدة التكليف في الشوط المنسي إلى أن يأتي به.
____________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٢٨٧ ، المجموع ٨ : ٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٣٣.
(٢) التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٥.
(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٤٦ ، المغني ٣ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١١ ، المجموع ٨ : ٢٢.
ولرواية الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليهالسلام ، قال : قلت : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر ، قال : « يعيد ذلك الشوط »(١) .
وسأل سليمانُ بن خالد الصادقَعليهالسلام : عمّن فاته شوط واحد حتى أتى أهله ، قال : « يأمر مَنْ يطوف عنه »(٢) .
ولو ذكر أنّه طاف أقلّ من سبعة أشواط وهو في السعي ، قطع السعي ، وتمّم الطواف ، ثم رجع فتمّم السعي ؛ لأنّ السعي تابع ، فلا يُفعل قبل تحقّق متبوعه ، وإنّما يتحقّق بأجزائه.
ولأنّ إسحاق بن عمّار سأل الصادقَعليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا والمروة ، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد نقص من طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيُتمّ طوافه ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيُتمّ ما بقي »(٣) .
مسألة ٤٧٨ : لو قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره في الفريضة ، فإن كان قد جاز النصف ، بنى ، وإن لم يكن جازه ، أعاد.
وإن كان طواف نافلة ، بنى عليه مطلقاً ؛ لأنّه مع تجاوز النصف يكون قد فَعَل الأكثر ، فيبني عليه ، كالجميع.
ولرواية الحلبي - في الصحيح - قال : سألتُ الصادقَعليهالسلام : عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوةً فدخله ، كيف يصنع؟ قال : « يعيد طوافه ، وخالف السنّة »(٤) .
____________________
(١) التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٣.
(٢) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ - ٢٤٩ / ١١٩٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ / ٣٥٤.
(٣) الكافي ٤ : ٤١٨ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٠ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ - ١١٠ / ٣٥٥.
(٤) التهذيب ٥ : ١١٨ / ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ / ٧٦٨.
وعن أبي الفرج قال : طفت مع الصادقعليهالسلام خمسة أشواط ثم قلت : إنّي اُريد أن أعود مريضاً ، فقال : « احفظ مكانك ثم اذهب فعُدْه ثم ارجع فأتمّ طوافك »(١) .
ولأنّ الصادقعليهالسلام أمر أبان بن تغلب ، فقال : « اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته » فقلت : وإن كان فريضةً؟ قال : « نعم وإن كان فريضةً »(٢) .
وفي حديث آخر : جواز القعود والاستراحة ثم يبني(٣) .
ولو دخل عليه وقت فريضة ، قطع الطواف ، وصلّى الفريضة ، ثم عاد فتمّم طوافه من حيث قطع ، وهو قول العامّة ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : يمضي في طوافه إلّا أن يخاف فوات الفريضة(٤) .
وهو باطل ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلىاللهعليهوآله ، قال : ( إذا اُقيمت الصلاة فلا صلاة إلّا المكتوبة)(٥) والطواف صلاة.
ولأنّ وقت الحاضرة أضيق من وقت الطواف ، فكانت أولى.
ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليهالسلام : عن رجل كان في طواف النساء واُقيمت الصلاة ، قال : « يصلّي - يعني الفريضة - فإذا فرغ بنى من حيث قطع »(٦) .
____________________
(١) التهذيب ٥ : ١١٩ / ٣٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ - ٢٢٤ / ٧٧٢.
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٠ / ٣٩٢.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٠ - ١٢١ / ٣٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٤ - ٢٢٥ / ٧٧٤.
(٤) المغني ٣ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٣.
(٥) صحيح مسلم ١ : ٤٩٣ / ٧١٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٢ / ١٢٦٦ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٨٢ / ٤٢١ ، سنن النسائي ٢ : ١١٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٦٤ / ١١٥١ ، سنن البيهقي ٢ : ٤٨٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٥٥.
(٦) التهذيب ٥ : ١٢١ / ٣٩٦.
إذا عرفت هذا ، فإنّه يبني بعد فراغه من الفريضة ، ويُتمّ طوافه ، وهو قول العلماء إلّا الحسن البصري ؛ فإنّه قال : يستأنف(١) .
والأصل خلافه.
وكذا البحث في صلاة الجنازة ، فإنّها تُقدّم.
وهل يبني من حيث قطع أو من الحجر؟ دلالة ظاهر الحديث على الأوّل.
ولو خاف فوات الوتر ، قطع الطواف وأوتر ثم بنى على ما مضى من طوافه ؛ لأنّها نافلة متعلّقة بوقت ، فتكون أولى من فعل ما لا يفوت وقته.
ولقول الكاظمعليهالسلام - في الصحيح - : « ابدأ بالوتر واقطع الطواف »(٢) .
مسألة ٤٧٩ : لو حاضت المرأة وقد طافت أربعة أشواط ، قطعت الطواف وسعت ، فإذا فرغت من المناسك ، أتمّت الطواف بعد طُهْرها ، ولو كان دون أربعة ، أبطلت الطواف وانتظرت عرفة ، فإن طهرت وتمكّنت من باقي أفعال العمرة والخروج إلى الموقف ، فَعَلت ، وإلّا صارت حجّتها مفردةً ؛ لأنّ الصادقعليهالسلام سُئل عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت ، قال : « تُتمّ طوافها ، وليس عليها غيره ، ومتعتها تامّة ، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة ، لأنّها زادت على النصف وقد قضت متعتها ، ولتستأنف بعدُ الحجَّ ، وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجَّ ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ لتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر »(٣) .
____________________
(١) المغني ٣ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤١٣.
(٢) الكافي ٤ : ٤١٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ / ٣٩٧.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ١١٥٥ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧١ ، والاستبصار ٢ : ٣١٣ / ١١١٢ إلى قولهعليهالسلام : « ولتستأنف بعدُ الحجَّ ».
مسألة ٤٨٠ : الطواف ركن مَنْ تركه عامداً بطل حجّه ، ولو تركه ناسياً ، قضاه ولو بعد المناسك ، فإن تعذّر العود ، استناب فيه.
روى علي بن جعفر - في الصحيح - عن أخيه الكاظمعليهالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : « يبعث بهدي إن كان تركه في حجّ بعثه في حجّ ، وإن تركه في عمرة بعثه في عمرة ، ووكّل مَنْ يطوف عنه ما ترك من طوافه »(١) .
قال الشيخ : هذا محمول على طواف النساء ؛ لأنّ مَنْ ترك طواف النساء ناسياً جاز له أن يستنيب غيره مقامه في طوافه ، ولا يجوز له ذلك في طواف الحجّ ، بل يجب عليه إعادة الحجّ وبدنة(٢) ؛ لما رواه علي بن جعفر - في الصحيح - أنّه سأل الكاظمَعليهالسلام : عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : « إن كان على وجه جهالة في الحجّ أعاد وعليه بدنة »(٣) .
واستدلّ الشيخ على الجميع برواية معاوية بن عمّار ، قال : قلت للصادقعليهالسلام : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ». وقال : « يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه »(٤) .
مسألة ٤٨١ : لو شكّ في عدد الطواف ، فإن كان بعد فراغه ، لم يلتفت ، وإن كان في أثنائه ، فإن كان شكّه في الزيادة ، قطع ولا شيء
____________________
(١) التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٨.
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٨ ذيل الحديث ٤٢١ ، والاستبصار ٢ : ٢٢٨ ذيل الحديث ٧٨٨.
(٣) التهذيب ٥ : ١٢٧ - ١٢٨ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٧ وفيه عن علي بن يقطين.
(٤) التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٩.
عليه ، وإن كان في النقصان ، مثل : أن يشكّ بين الستّة والسبعة أو الخمسة والستّة ، فان كان طواف الفريضة ، أعاده من أوّله ؛ لأنّ الزيادة والنقصان محظوران.
ولرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليهالسلام : في رجل لم يدر ستّة طاف أم سبعة ، قال : « يستقبل »(١) .
وسأل حنّان بن سدير الصادقَعليهالسلام : في رجل طاف فأوهم قال : طفت أربعة وقال : طفت ثلاثة ، فقال الصادقعليهالسلام : « أيّ الطوافين : طواف نافلة أو طواف فريضة؟ » ثم قال : « إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة واستيقن الثلاث وهو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن على الثالث فإنّه يجوز له »(٢) .
ويجوز البناء على الأكثر في النافلة ، لما رواه رفاعة عن الصادقعليهالسلام أنّه قال في رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ، قال : « طواف نافلة أو فريضة؟ » قال : أجبني فيهما ، قال : « إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف »(٣) .
ويجوز التعويل على غيره في عدد الطواف ، كالصلاة ؛ لأنّ سعيد الأعرج سأل الصادقعليهالسلام : عن الطواف أيكتفي الرجل بإحصاء صاحبه؟ قال : « نعم »(٤) .
مسألة ٤٨٢ : لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط في طواف الفريضة ، فلو طاف ثمانية ، أعاد ، ولو كان سهواً ، استحبّ له أن يُتمّم أربعة عشر
____________________
(١) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٣ ، التهذيب ٥ : ١١٠ / ٣٥٧.
(٢) الكافي ٤ : ٤١٧ - ٤١٨ - ٧ ، التهذيب ٥ : ١١١ - ٣٦٠.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١١٩٦.
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٧ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ / ١٢٣٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ / ٤٤٠.
شوطا ؛ لأنّها فريضة ذات عدد فتبطلها الزيادة مع العمد كالصلاة.
ولقول الصادقعليهالسلام وقد سأله أبو بصير : عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : « يعيد حتى يستتمّه »(١) .
وفي الصحيح عن الصادقعليهالسلام ، قال : « مَنْ طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا ثم ليصلّ ركعتين »(٢) .
وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهماعليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية ، قال : « يضيف اليها ستّة »(٣) .
إذا عرفت هذا ، فإذا كمّل أربعة عشر شوطاً ، صلّى ركعتي طواف الفريضة وسعى ثم عاد إلى المقام وصلّى ركعتي النفل.
ولو ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنّه قد طاف سبعاً ، فليقطع الطواف ، ولا شيء عليه ؛ لأنّه أتى بالواجب ، وإن لم يذكر حتى يجوزه ، تمّم أربعة عشر شوطاً ، لأنّ أبا كهمس سأل الصادقَعليهالسلام : عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : « إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا وليصلّ أربع ركعات »(٤) .
مسألة ٤٨٣ : لا يجوز القرآن في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا(٥)
____________________
(١) التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢١٧ / ٧٤٦.
(٢) التهذيب ٥ : ١١٢ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٥٠.
(٣) التهذيب ٥ : ١١١ - ١١٢ / ٣٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ / ٧٤٨.
(٤) التهذيب ٥ : ١١٣ / ٣٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١٩ / ٧٥٣ وفيه وفي نسخة « ن » : أبا كهمش.
(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٣٨ ، والمبسوط ١ : ٣٥٧ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٣٢ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٧٣.
مقدمة
[قال شيخنا الإمام شيخ الإسلام ، ملك العلماء الأعلام ، حافظ العصر وممليه ، وحامل لواء السنّة فيه ، إمام المعدلين والمخرجين : أبو الفضل شهاب الدّين أحمد بن عليّ ابن محمّد بن محمّد بن عليّ بن أحمد بن حجر العسقلانيّ الشّافعيّ. أبقاه الله(١) في خير وعافية](٢) .
الحمد لله الّذي أحصى كلّ شيء عددا ، ورفع بعض خلقه على بعض ، فكانوا طرائق قددا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ولا يكون أبدا ، وأشهد أن(٣) محمدا عبده ورسوله وصفيّه(٤) وخليله. أكرم به عبدا سيّدا ، وأعظم به حبيبا مؤيدا ، فما أزكاه أصلا ومحتدا ، وأطهره مضجعا ومولدا ، وأكرمه أصحابا ، كانوا نجوم الاهتداء ، وأئمة الاقتداء ، صلى الله عليه وعليهم صلاة خالدة(٥) ، وسلاما مؤبّدا [وسلّم تسليما](٦) .
أما بعد ، فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبويّ ، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ممن خلف بعدهم.
وقد جمع في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف(٧) بحسب ما وصل إليه اطلاع كل منهم ، فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبد الله البخاريّ : أفرد في ذلك تصنيفا ، ينقل منه أبو القاسم البغويّ وغيره ، وجمع أسماء الصحابة مضموما إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه ، كخليفة بن خيّاط ، ومحمّد بن سعد ، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان ، وأبي بكر ابن أبي(٨) خيثمة ، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغويّ ، وأبي بكر بن أبي
__________________
(١) في د تعالى.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ ، ج ، ت ، ه.
(٣) في ت سيدنا.
(٤) في أ ، د وحبيبه.
(٥) سقط في ه.
(٦) سقط في أ ، ب ، ج ، ه.
(٧) في د في تصانيف.
(٨) سقط في أ ، د.
داود ، وعبدان ، ومن قبلهم بقليل كمطين ، ثم كأبي عليّ بن السّكن ، وأبي حفص بن شاهين ، وأبي منصور الماورديّ ، وأبي حاتم بن حبّان ، وكالطّبرانيّ ضمن معجمه الكبير ، ثم كأبي عبد الله بن مندة ، وأبي نعيم ، ثم كأبي عمر بن عبد البرّ ، وسمّى كتابه «الاستيعاب» ، لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله ، ومع ذلك ففاته شيء كثير ، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلا حافلا ، وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة ، وذيل أبو موسى المديني على ابن مندة ذيلا كبيرا.
وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضا إلى أن كان في أوائل القرن السابع ، فجمع عزّ الدّين بن الأثير كتابا حافلا سماه «أسد الغابة» جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة ، إلا أنه تبع من قبله ، فخلط من ليس صحابيا بهم ، وأغفل كثيرا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم ، ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد الله الذّهبيّ ، وعلم لمن ذكر غلطا(١) ولمن لا تصح صحبته ، ولم يستوعب ذلك ولا قارب.
وقد وقع لي بالتّتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما ، فجمعت كتابا كبيرا في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم ، ومع ذلك فلم يحصل لنا [من ذلك](٢) جميعا الوقوف(٣) على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرّازيّ ، قال : توفي النبيصلىاللهعليهوسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة ، كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية.
قال ابن فتحون في ذيل «الاستيعاب» ـ بعد أن ذكر ذلك : أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرّواة خاصة ، فكيف بغيرهم؟ ومع هذا فجميع من [في الاستيعاب يعني ممن(٤) ذكر فيه](٥) باسم أو كنية(٦) ، وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة ، وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبا ممن ذكره.
قلت : وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه «التجريد» : لعل الجميع ثمانية آلاف إن لم يزيدوا لم ينقصوا ، ثم رأيت بخطه أنّ جميع من [في «أسد الغابة» سبعة آلاف](٧) وخمسمائة [وأربعة وخمسون نفسا](٨) .
__________________
(١) في د غلط.
(٢) سقط في ج.
(٣) في ج من له الوقوف.
(٤) في ج بمن.
(٥) ما بين المعقوفين بياض في ت.
(٦) في أكنيته.
(٧) ما بين المعقوفين بياض في ت.
(٨) سقط في أ ، د.
ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في [الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة](١) تبوك : والناس كثير لا يحصيهم ديوان.
وثبت عن الثّوريّ فيما [أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه(٢) ، قال :](٣) من قدّم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا [مات رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وهو عنهم راض ،](٤) فقال النووي : وذلك بعد النبيصلىاللهعليهوسلم باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردّة والفتوح ـ الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم ، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة.
وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب ، وأكثرهم حضروا حجّة الوداع. والله أعلم.
وقد كثر سؤال جماعة من الإخوان في تبييضه ، فاستخرت الله تعالى في ذلك ، ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه : فالقسم الأول ـ فيمن وردت صحبته بطريق الرواية عنه ، أو عن غيره ، سواء كانت الطريق صحيحة ، أو حسنة ، أو ضعيفة ، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريق كان.
وقد كنت أولا رتبت هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام ، ثم بدا لي أن أجعله(٥) قسما واحدا ، وأميّز ذلك في كل ترجمة.
القسم الثاني : من ذكر في الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبيصلىاللهعليهوسلم لبعض الصحابة(٦) من النساء والرجال ، ممن ماتصلىاللهعليهوسلم وهو في دون سن التمييز ، إذ ذكر أولئك في الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق ، لغلبة الظنّ على أنهصلىاللهعليهوسلم رآهم لتوفّر(٧) دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عنده عند ولادتهم ليحنّكهم ويسمّيهم ويبرّك عليهم ، والأخبار بذلك كثيرة شهيرة : ففي صحيح مسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلم «كان يؤتى بالصبيان فيبرّك عليهم»(٨) .
__________________
(١) بياض في ت.
(٢) سقط في ج.
(٣) بياض في ت.
(٤) بياض في ت.
(٥) في ج أجمعه.
(٦) في د أصحابه.
(٧) في أ ، د لتوفير.
(٨) أخره مسلم في الصحيح ١ / ٢٣٧ عن عائشة كتاب الطهارة (٢) باب حكم بول للطفل الرضيع وكيفية ـ
وأخرجه الحاكم في كتاب «الفتن»(١) في المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف قال : ما كان يولد لأحد مولود إلا أتي به النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم فدعا له ـ الحديث. وأخرج ابن شاهين(٢) في كتاب الصحابة في ترجمة محمد بن طلحة بن عبد الله من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة(٣) عن ظئر محمد بن طلحة ، قال : لما ولد محمد بن طلحة أتيت به النبيّصلىاللهعليهوسلم ليحنّكه ويدعو له ، وكذلك كان يفعل بالصبيان(٤) ، لكن أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث ، ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول.
القسم الثالث ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبيّصلىاللهعليهوسلم ، ولا رأوه ، سواء أسلموا في حياته أم لا ، وهؤلاء ليسوا أصحابه باتفاق من أهل العلم بالحديث ، وإن كان بعضهم قد ذكر بعضهم في كتب معرفة الصحابة فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا بمقاربتهم لتلك الطبقة ، لا أنهم من أهلها.
وممن أفصح بذلك ابن عبد البرّ ، وقبله أبو حفص بن شاهين ، فاعتذر عن إخراجه ترجمة النجاشي بأنه صدق النبيّصلىاللهعليهوسلم في حياته وغير ذلك ، ولو كان من هذا(٥) سبيله يدخل عنده في الصحابة ما احتاج إلى اعتذار.
وغلط من جزم في نقله عن ابن عبد البر بأنه يقول بأنهم صحابة ، بل مراد ابن عبد البر بذكرهم واضح في مقدمة كتابه بنحو مما(٦) قررناه ، وأحاديث هؤلاء عن النبيصلىاللهعليهوسلم مرسلة بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث ، وقد صرح ابن عبد البر نفسه بذلك في التمهيد وغيره من كتبه.
القسم الرابع ـ فيمن ذكر في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط ، وبيان ذلك
__________________
ـ غسله (٣١) حديث رقم (١٠١ / ٢٨٦) وابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٣٧٨ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ٤١٥٠.
(١) في ج ، د من.
(٢) في أ ، د وروينا.
(٣) في ج الطلحة.
(٤) أورده الهيثمي في الزوائد ٨ / ٥٢ عن ظئر محمد بن طلحة وقال رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن عثمان أبو شيبة وهو متروك.
(٥) في ج من كان هذا.
(٦) في د ما.
البيان الظاهر الّذي يعوّل عليه على طرائق أهل الحديث ، ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بيّنا. وأما مع احتمال عدم الوهم فلا ، إلّا أن كان ذلك الاحتمال يغلب على الظن بطلانه.
وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه ، ولا من حام طائر فكره عليه ، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر ، وزبدة ما يمخضه [من هذا](١) الفن اللبيب الماهر.
والله تعالى أسأل أن يعين على إكماله ، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم ، ويجازيني به خير الجزاء في دار إفضاله ، إنه قريب مجيب.
وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولا مهمّة يحتاج إليها في هذا النوع.
__________________
(١) سقط في ج.
الفصل الأول
في تعريف الصحابي
وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك [أن](١) الصحابيّ : من لقي النبيّصلىاللهعليهوسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ويخرج بقيد «الإيمان» من لقيه كافرا ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى.
وقولنا : «به» يخرج من لقيه مؤمنا بغيره ، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل؟ محلّ احتمال. ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه.
ويدخل في قولنا : «مؤمنا به» كلّ مكلف من الجن والإنس ، فحينئذ يتعيّن ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور. وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة فليس بمنكر لما ذكرته.
وقد قال ابن حزم في «كتاب الأقضية» من «المحلّى» : من ادّعى الإجماع فقد كذب على الأمة ، فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبيّصلىاللهعليهوسلم ، فهم صحابة فضلاء ، فمن أين للمدّعي إجماع أولئك؟.
وهذا الّذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه ، وإنما أردت نقل(٢) كلامه في كونهم صحابة.
وهل تدخل الملائكة؟ محلّ نظر ، قد قال بعضهم : إن ذلك يبنى على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في أسرار التنزيل الإجماع على أنهصلىاللهعليهوسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة ، ونوزع في هذا النقل ، بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلا إليهم. واحتج بأشياء يطول شرحها. وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى.
وخرج بقولنا : «ومات على الإسلام» من لقيه مؤمنا به ثم ارتدّ ، ومات على ردّته
__________________
(١) سقط في د.
(٢) في د نقل.
والعياذ بالله. وقد وجد من ذلك عدد يسير ، كعبيد الله بن جحش الّذي كان زوج أم حبيبة ، فإنه أسلم معها ، وهاجر إلى الحبشة ، فتنصّر هو ومات على نصرانيته. وكعبد الله بن خطل الّذي قتل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، وكربيعة بن أميّة بن خلف على ما سأشرح خبره في ترجمته في القسم الرابع من حرف الراء.
ويدخل فيه من ارتدّ وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت ، سواء اجتمع بهصلىاللهعليهوسلم مرة أخرى أم لا ، وهذا هو الصحيح المعتمد.
والشقّ الأول لا خلاف في دخوله. وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا ، وهو مردود لإطباق أهل الحديث على عدّ الأشعث بن قيس في الصحابة ، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد ، وهو ممن ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر.
وهذا التعريف مبنيّ على الأصح المختار عند المحققين ، كالبخاري ، وشيخه أحمد ابن حنبل ، ومن تبعهما ، ووراء ذلك أقوال أخرى شاذّة ، كقول من قال : لا يعدّ صحابيا إلّا من وصف بأحد أوصاف أربعة : من طالت مجالسته ، أو حفظت روايته ، أو ضبط أنه غزا معه ، أو استشهد بين يديه ، وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم ، أو المجالسة ولو قصرت.
وأطلق جماعة أنّ من رأى النبيصلىاللهعليهوسلم [فهو صحابي. وهو محمول على من بلغ سنّ التمييز ، إذ من لم يميز لا تصحّ نسبة الرؤية إليه. نعم يصدق أن النبيّصلىاللهعليهوسلم رآه فيكون صحابيا من هذه الحيثية ، ومن حيث الرواية يكون تابعيا ، وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر؟ إن صح محل نظر. والراجح عدم الدخول. ومما جاء عن الأئمة من الأقوال(١) المجملة في الصفة التي يعرف بها كون الرجل صحابيا وإن لم يرد التنصيص على ذلك ـ ما أورده ابن أبي شيبة في «مصنّفه» من طريق لا بأس به ، أنهم كانوا في الفتوح لا يؤمّرون إلا الصحابة. وقول ابن عبد البر : لم يبق بمكة(٢) ، ولا الطائف(٣) أحد
__________________
(١) في أ ، د الأفعال.
(٢) مكة : علم على جميع البلدة وهي البلدة المعروفة المعظمة المحجوجة غير مصروفة للعلمية والتأنيث وقد سماها الله تعالى في القرآن أربعة أسماء مكة ، والبلدة ، والقرية ، وأم القرى قال ابن سيده : سميت مكة لقلة مائها وذلك أنهم كانوا يمكون الماء فيها أي يستخرجونه وقيل : لأنها كانت تمك من ظلم فيها أي تهلكه وأما بكة بالباء ففيها أربعة أقوال. أحدها : أنهم اسم لبقعة البيت والثاني : أنها ما حول البيت ومكة ما وراء ذلك والثالث أنها اسم للمسجد والبيت ومكة للحرم كله والرابع : أن مكة هي بكة قاله الضحاك واحتج بأن الباء والميم يتعاقبان يقال سمد رأسه وسبده وضربه لازم ولازب. انظر : المطلع / ١٨٦ ، ١٨٧.
(٣) الطائف : بعد الألف همزة مكسورة ثم فاء : كانت تسمّى قديما وج وسميت الطائف لما أطيف عليها ـ
في سنة عشر إلا أسلم ، وشهد مع النبيصلىاللهعليهوسلم حجّة الوداع. ومثل ذلك قول بعضهم في الأوس والخزرج : إنه لم يبق منهم في آخر عهد النبيصلىاللهعليهوسلم إلّا من دخل في الإسلام ، وما مات النبيصلىاللهعليهوسلم وأحد منهم يظهر الكفر. والله أعلم.
الفصل الثاني
في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيا
وذلك بأشياء : أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي ، ثم بالاستفاضة والشهرة ، ثم بأن يروى عن آحاد(١) من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا ، وكذا عن آحاد التابعين ، بناء على قبول التزكية من واحد ، وهو الراجح ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة : أنا صحابي.
أما الشرط الأول ـ وهو العدالة ـ فجزم به الآمديّ وغيره ، لأن قوله قبل أن تثبت عدالته: أنا صحابي أو ما يقوم مقام ذلك ـ يلزم من قبول قوله إثبات عدالته ، لأن الصحابة كلهم عدول ، فيصير(٢) بمنزلة قول القائل : أنا عدل ، وذلك لا يقبل.
وأما الشرط الثاني ـ وهو المعاصرة ـ فيعتبر بمضيّ مائة سنة وعشر سنين من هجرة(٣) النبيّصلىاللهعليهوسلم ، لقولهصلىاللهعليهوسلم في آخر عمره لأصحابه : «أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد». رواه البخاريّ ، ومسلم من حديث ابن عمر.زاد مسلم من حديث جابر أن ذلك كان قبل موتهصلىاللهعليهوسلم بشهر. ولفظه : سمعت النبيّصلىاللهعليهوسلم يقول قبل أن يموت بشهر : «أقسم بالله ، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حيّة يؤمئذ»(٤) .
__________________
ـ الحائط وهي ناحية ذات نخيل وأعناب ومزارع وأودية وهي على ظهر جبل غزوان وبها عقبة مسيرة يوم للطالع من مكة ونصف يوم للهابط إلى مكة يمشي فيها ثلاثة أجمال بأحمالها. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٧٧.
(١) في د آحاد الصحابة.
(٢) في أ ، د فيكون.
(٣) في أ ، وفاة.
(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٦ عن جابر بلفظ متقارب كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب قولهصلىاللهعليهوسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم حديث رقم (٢١٧ / ٢٥٣٧ ، ٢١٨ / ٢٥٣٨ ، ٢١٩ / ٢٥٣٩ ، ٢٢٠ / ٢٥٣٩) وأخرجه الحاكم في المستدرك ٤ / ٤٩٩ عن جابر عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال ما من ـ
ولهذه النكتة لم يصدق الأئمة أحدا ادعى الصحبة بعد الغاية المذكورة. وقد ادعاها جماعة فكذّبوا ، وكان آخرهم رتن الهندي على ما سنذكر تراجمهم كلهم في القسم الرابع ، لأن الظاهر كذبهم في دعواهم على ما قررته.
ثم من لم يعرف حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمديّ الّذي سبق ومن تبعه ألا تثبت صحبته. ونقل أبو الحسن بن القطّان فيه الخلاف ورجّح عدم الثبوت. وأما ابن عبد البر فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته من الجرح ، وقوي ذلك بتصرف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم. ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عمن مضى. ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعي : أخبرني فلان [مثلا](١) أنه سمع النبيصلىاللهعليهوسلم يقول ، سواء أسماء أم لا. أما إذا قال أخبرني رجل ، مثلا عن النبيصلىاللهعليهوسلم بكذا فثبوت الصحبة بذلك بعيد ، لاحتمال الإرسال. ويحتمل التفرقة بين أن يكون القائل من كبار التابعين ، فيرجح القبول ، أو صغارهم فيرجح الرد. ومع ذلك فلم يتوقف من صنّف في الصحابة في إخراج من هذا سبيله في كتبهم. والله تعالى أعلم(٢) .
ضابط :(٣) يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير يكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة ، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار : الأول : أخرج [ابن أبي شيبة](٤) من طريق قال : كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة ، فمن تتبع الأخبار الواردة في الردّة والفتوح وجد من ذلك شيئا كثيرا ، وهم من القسم الأول.
الثاني : أخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود. إلا أتي به النبيصلىاللهعليهوسلم فدعا له ، وهذا يؤخذ منه شيء كثير أيضا ، وهم من القسم الثاني.
[الثالث](٥) : وأخرج [ابن عبد البر](٦) من طريق [....](٧) قال : لم يبق بمكة والطائف [أحد في سنة عشر](٨) إلّا أسلم ، وشهد حجة الوداع. هذا وهم في نفس الأمر
__________________
ـ نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة عام وهي حية يومئذ. قال الحاكم قد أخرج مسلم هذا الحديث بهذا الإسناد في الصحيح ووافقه الذهبي.
(١) سقط في د.
(٢) في د والله تعالى أعلم.
(٣) هذا الضابط كله سقط في أ ، د.
(٤) بياض في ه.
(٥) سقط في ج ، ه.
(٦) ، (٧) ، (٨) بياض في ج ، ه.
الإصابة/ج١/م١١
عدد لا يحصون ، لكن يعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودا ، فيلحق بالقسم الأول أو الثاني لحصول رؤيتهم بالنبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم وإن لم يرهم هو. والله أعلم.
الفصل الثالث
في بيان حال الصحابة من العدالة
اتفق أهل السنّة على أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.وقد ذكر الخطيب في «الكفاية» فصلا نفيسا في ذلك ، فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) [آل عمران : ١١٠]. وقوله :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) [البقرة : ١٤٣].وقوله :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ) [الفتح : ١٨]. وقوله :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) [التوبة : ١٠٠]. وقوله :( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) [الأنفال : ٦٤]. وقوله :( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) إلى قوله :( إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) [الحشر : ٨ : ١٠] ـ في آيات كثيرة يطول ذكرها ، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق ، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ، ونصرة الإسلام. وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأبناء(١) ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين ـ القطع على تعديلهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم ، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم.
هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتمد قوله.
ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرّازيّ ، قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حقّ ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ،
__________________
(١) في ج ، ه الأولاد.
وإنما أدى إلينا ذلك كلّه الصحابة ، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا](١) ليبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة. انتهى.
والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة ، من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في «صحيحه» ، من حديث عبد الله بن مغفّل ، قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا ، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه»(٢) .
وقال أبو محمّد بن حزم : الصحابة كلّهم من أهل الجنة قطعا ، قال الله تعالى :( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ) [الحديد : ١٠]. وقال تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ) [الأنبياء : ١٠١]. فثبت أن الجميع من أهل الجنة ، وأنه لا يدخل أحد منهم النار ، لأنهم المخاطبون بالآية السابقة.
فإن قيل : التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك ، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية السابقة ، وهي(٣) قوله تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) [التوبة : ١٠٠] الآية ـ يخرج من لم يتصف بذلك ، وهي من أصرح ما ورد في المقصود ، ولهذا قال المازري في «شرح البرهان» : لسنا نعني بقولنا : الصحابة عدول ـ كلّ من رآه صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما ما ، أو زاره لماما(٤) ، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب ، وإنما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه ، واتبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. انتهى.
والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب ، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوّة. وأما كلام المازري فلم يوافق عليه ، بل اعترضه
__________________
(١) من أول وأطلق جماعة أن من رأى النبيصلىاللهعليهوسلم إلى هنا سقط في ب ، ت.
(٢) أخرجه الترمذي في سننه ٥ / ٦٥٣ كتاب المناقب باب ٥٨ في فضل من بايع تحت الشجرة حديث رقم ٣٨٦٢ وقال أبو عيسى الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وأحمد في المسند ٥ / ٥٤ ، ٥٧. وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٢٨٧ ، وابن حبان في صحيح حديث رقم ٢٢٨٤ ، وابن عدي في الكامل ٤ / ١٤٨٥ وابن حجر في لسان الميزان ٣ / ١٢٦٩.
(٣) سقط في ه.
(٤) في ج لحالة.
جماعة من الفضلاء. وقال الشيخ صلاح الدين العلائي : هو قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة ، كوائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وعثمان بن أبي العاص ، وغيرهم ، ممن وفد عليهصلىاللهعليهوسلم ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف ، وكذلك من لم يعرف إلا برواية الحديث الواحد ، ولم يعرف مقدار إقامته من أعراب القبائل. والقول بالتعميم هو الّذي صرح به الجمهور ، وهو المعتبر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد كان تعظيم الصحابة ـ ولو كان اجتماعهم بهصلىاللهعليهوسلم قليلا ـ مقررا عند الخلفاء الراشدين وغيرهم ، فمن ذلك ما قرأت في كتاب «أخبار الخوارج» تأليف محمد بن قدامة المروزي بخط بعض من سمعه منه(١) في سنة سبع وأربعين ومائتين ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا زهير ـ هو الجعفي ـ عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي ، قال : كنت عند أبي سعيد الخدريّ ، وقرأت على أبي الحسن علي بن أحمد المرادي بدمشق(٢) ، عن زينب بنت الكمال سماعا ، عن يحيى بن القميرة ، إجازة ، عن شهدة الكاتبة سماعا. قالت : أخبرنا الحسين بن أحمد بن طلحة ، أخبرنا أبو عمر بن مهدي ، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، حدثنا جدي يعقوب بن شيبة. حدثنا محمد بن سعيد القزويني أبو سعيد ، حدثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي ، عن الأسود ـ يعني ابن قيس ـ عن نبيح ـ يعني العنزي ـ عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : كنا عنده وهو متّكئ ، فذكرنا عليا ومعاوية ، فتناول رجل معاوية ، فاستوى أبو سعيد الخدريّ جالسا ، ثم قال : كنا ننزل رفاقا مع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فكنّا في رفقة فيها أبو بكر ، فنزلنا على أهل أبيات ، وفيهم امرأة حبلى ، ومعنا رجل من أهل البادية ، فقال للمرأة الحامل : أيسرّك أن تلدي غلاما؟ قالت : نعم. قال : إن أعطيتني شاة ولدت غلاما. فأعطته. فسجع لها أسجاعا ، ثم عمد إلى الشاة فذبحها وطبخها ، وجلسنا نأكل منها ، ومعنا أبو بكر ، فلما علم بالقصة قام فتقيّأ كل شيء أكل. قال : ثم رأيت ذلك البدويّ أتي به عمر بن الخطاب وقد هجا الأنصار ، فقال لهم عمر : لو لا أن له صحبة من رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ما أدري ما نال فيها [لكفيتكموه](٣) ولكن له صحبة من رسول اللهصلىاللهعليهوسلم .
__________________
(١) في أعنه.
(٢) دمشق بالكسر ، ثم الفتح وشين معجمة وآخره قاف : البلدة المشهورة قصبة الشام ، هي جنة الشام ، لحسن عمارتها وبقعتها وكثرة أشجارها وفواكهها ومياهها المتدفقة في مساكنها وأسواقها وجامعها ومدارسها قيل : سمّيت بذلك لأنهم دمشقوا في بناءها أي أسرعوا وقيل : هو اسم واضعها وهو دمشق بن كنعان وقيل غير ذلك وهي مشهورة. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٥٣٤.
(٣) بياض في ج.
لفظ عليّ بن الجعد : ورجال هذا الحديث ثقات ، وقد توقف عمررضياللهعنه عن معاتبته فضلا عن معاقبته. لكونه علم أنه لقي النبيصلىاللهعليهوسلم .
وفي ذلك أبين شاهد على أنهم كانوا يعتقدون أنّ شأن الصحبة لا يعدله شيء. كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ من قولهصلىاللهعليهوسلم : «والّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه(١) ».
وتواتر عنهصلىاللهعليهوسلم قوله : «خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم»(٢) .
قال بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبيصلىاللهعليهوسلم : «أنتم توفون سبعين أمّة أنتم خيرها وأكرمها على اللهعزوجل »(٣) .
وروى البزّار في مسندة بسند رجاله موثقون من حديث سعيد بن المسيب. عن جابر(٤) ، قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله اختار أصحابي على الثّقلين(٥) سوى النّبيّين والمرسلين»(٦) .
وقال عبد الله بن هاشم الطّوسيّ : حدثنا وكيع ، قال : سمعت سفيان يقول في قوله تعالى :( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ) [النمل : ٥٩] ـ قال : هم أصحاب
__________________
(١) أخرجه البخاري ٧ / ٢١ (٣٦٧٣) ومسلم ٤ / ١٩٦٧ في فضائل الصحابة (٢٢٢ / ٢٥٤١). وأخرجه أحمد في المسند ٦ / ٦ عن عبد الله بن سلام وابن أبي عاصم في السنة ٢ / ٤٧٨. وأورده السيوطي في الدرر المنثور ٦ / ١٧٢. والهيثمي في الزوائد ١٠ / ١٩ عن أبي هريرة ولفظه دعوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا لم يبلغ من أحدهم ولا نصيفه. قال الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عاصم بن أبي النجود وقد وثق ، والمتقى للهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٢٥٢٢.
(٢) أخرجه البخاري في ٣ / ٢٢٤ ، ٨ / ١١٣. ومسلم في صحيحه ٤ / ١٩٦٣ كتاب فضائل الصحابة باب ٥٢ فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حديث رقم ٢١١ / ٢٥٣٣ ، ٢١٢ / ٢٥٣٣. والترمذي في السنة ٥ / ٦٥٢ كتاب المناقب باب ٥٧ ما جاء في فضل من رأى النبيصلىاللهعليهوسلم وصحبه حديث رقم ٣٨٥٩ قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح ، وأحمد في المسند ١ / ٤١٧ ، ٣٧٨ والطبراني في الكبير ٢ / ٣٢٠ ، وكنز العمال حديث رقم ٣٢٤٤٩.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤ / ٤٤٧ ، ٥ / ٣ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٨٤ وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والطبراني في الكبير ١٩ / ٤١٩ ، ٤٢٢ ، ٤٢٤ ، ٤٢٦ قال الهيثمي في الزوائد ١٠ / ٤٠٠ رواه أحمد ورجاله ثقات وعند الترمذي وغيره بعضه أ. ه.
(٤) في ج عن جابر قال.
(٥) في أالعالمين.
(٦) قال الهيثمي في الزوائد ١٠ / ٢٠ رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه وأبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٣ / ١٦٢ ، كنز العمال حديث رقم ٣٣٠٩٤ ، ٣٦٧٠٨.
محمدصلىاللهعليهوسلم . والأخبار في هذا كثيرة جدا فلنقتصر(١) على هذا القدر ففيه مقنع.
فائدة
أكثر الصحابة فتوى مطلقا سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
قال ابن حزم : يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم ، قال : ويليهم عشرون وهم : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقّاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة. قال : يمكن أن يجمع من فتيا كلّ واحد منهم جزء صغير.
قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلّون في الفتيا جدا ، لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ، يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير بعد البحث ، كأبيّ بن كعب ، وأبي الدّرداء ، وأبي طلحة ، والمقداد وغيرهم [وسرد الباقين](٢) .
قلت : وسأذكر في ترجمة كل من ذكره من هذا القسم أن ابن حزم ذكر أنه من فقهاء الصحابة ، فإن ذلك من جملة المناقب.
وقد جعلت على كل اسم أوردته زائدا على ما في تجريد الذهبي وأصله [وعلى ما في أصله فقط](٣) (ز). والله المسئول أن يهدينا سواء الطريق ، وأن يسلك بنا مسالك أولى التحقيق ، وأن يرزقنا التسديد والتوفيق ، وأن يجعلنا في الذين أنعم عليهم مع خير فريق وأعلى رفيق آمين آمين.
__________________
(١) في ج فليقتصر.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
حرف الألف
القسم الأول
باب الهمزة بعدها ألف(١)
١ ـ آبي اللحم الغفاريّ (٢) : صحابي مشهور ، روى حديثه الترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، وروى بسنده عن أبي عبيدة ، قال : آبي اللحم اسمه عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن غفار ، وكان شريفا شاعرا ، وشهد حنينا(٣) ومعه مولاه عمير ، وإنما سمّي آبي اللحم ، لأنه كان يأبى أن يأكل اللّحم. وقال الواقدي : كان ينزل «الصّفراء»(٤) ، وكذا قال خليفة بن خيّاط في اسمه ونسبه. وقال الهيثم بن عدي ، وهشام بن الكلبي : اسمه خلف بن عبد الملك ، وقال غيرهما. اسمه عبد الله بن عبد الله بن مالك. وقيل : اسمه الحويرث بن عبد الله بن خلف بن مالك. وقال المرزباني : اسمه عبد الله بن عبد ملك ، كان شريفا شاعرا أدرك الجاهلية.
قلت : رأيته بخط الرضيّ الشاطبي عبد ملك بفتح اللام مجردا عن الألف واللام. وروى مسلم في صحيحه حديث عمير مولى آبي اللحم ، قال : أمرني مولاي أن أقدّد لحما ، فجاءني مسكين فأطعمته الحديث. وفيه : قلت : يا رسول الله ـ أتصدق من مال سيّدي
__________________
(١) في د حرف الألف بعدها باء.
(٢) تجريد أسماء الصحابة ، أسد الغابة ت (١) الاستيعاب (١٣٧) ، تهذيب الكمال ١ / ٧١ تهذيب التهذيب ١ / ١٨٨ ، تقريب التهذيب ١ / ٢٩ ، تلقيح فهوم أهل الأثر ص ٣٧٨ ، تصحيفات المحدثين ص ٢٣.
(٣) حنين : وهو موضع قريب من مكة وقيل هو وادي قبل الطائف وقيل واد بجنب ذي المجاز. انظر معجم البلدان ٢ / ٣٥٩.
(٤) الصفراء : بالتأنيث وادي الصفراء : من ناحية المدينة وهو واد كثير النخل والزّرع في طريق الحاج بينه وبين بدر مرحلة وماؤها عيون كلها. وماؤها يجري إلى ينبع ورضوى غريبها. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٤٤.
بشيء؟ قال : «نعم ، والأجر بينكما»(١) . وقال ابن عبد البر : هو من قدماء الصحابة وكبارهم ، ولا خلاف أنه شهد حنينا وقتل بها.
باب الألف بعدها موحدة(٢)
٢ ـ أبان بن سعيد : بن العاص(٣) بن أمية بن عبد مناف القرشي الأموي. قال البخاريّ ، وأبو حاتم الرّازيّ ، وابن حبّان : له صحبة ، وكان أبوه من أكابر قريش ، وله أولاد نجباء ، أسلم منهم قديما خالد ، وعمرو ، فقال فيهما أبان الأبيات المشهورة التي أولها :
ألا ليت ميتا بالظّريبة(٤)
شاهد |
لما يفتري في الدّين عمرو وخالد(٥) |
[الطويل] ثم كان عمرو وخالد ممن هاجرا إلى الحبشة ، فأقاما بها ، وشهد أبان بدرا مشركا ، (٦) فقتل بها أخواه العاص وعبيدة على الشرك ، ونجا هو ، فبقي بمكّة حتى أجار عثمان زمن الحديبيّة (٧) ، فبلّغ رسالة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وقال له أبان :
__________________
(١) أخرجه مسلم في الصحيح عن يزيد بن أبي عبيد بزيادة في أول كتاب الزكاة (١٢) باب ما أنفق العبد من مال مولاه (٢٦) حديث رقم (٨٣ / ١٠٢٥) والبيهقي في السنن الكبرى ٤ / ١٩٤ ، والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ١٩٥٣.
(٢) في د القسم الأول باب الأول.
(٣) نسب قريش : ١٧٤ ، ١٧٥ ، طبقات خليفة : ٢٩٨ ، تاريخ خليفة ١٢٠ ، ١١٣١ ، التاريخ الكبير ١ / ٤٥٠ ، التاريخ الصغير ١ / ٣٥ ، ٥٢ ، الجرح والتعديل ٢ / ٢٩٥ ، مشاهير علماء الأمصار ت : ٧٠ تاريخ الإسلام ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٨ ، تهذيب تاريخ ابن عساكر ٢ / ١٢٧ ، ١٣٣ ، أسد الغابة ت (٢).
(٤) ظريبة : تصغير ظربة : موضع بالطائف. قال أبان بن سعيد :
ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد |
لما يفتري في الدين عمرو بن خالد |
انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٩٠٤.
(٥) ينظر في معجم البلدان «ظريبة ، أسد الغابة ترجمة «٢» ، والاستيعاب في ترجمة أبان بن سعيد «٤» والإصابة.
(٦) بدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصّفراء ويقال إنه ينسب إلى قريش بن الحارث بن يخلد ويقال مخلّد بن النضر بن كنانة ، به سميت قريش فغلبت عليها لأنه كان دليلها وصاحب ميرتها فكانوا يقولون : جاءت عير قريش وخرجت عير قريش قال : وابنه بدر بن قريش به سميت بدر التي كانت بها الوقعة المباركة لأنه كان احتفرها ، انظر معجم البلدان ١ / ٤٢٥.
(٧) الحديبيّة : بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء موحدة مكسورة وياء اختلفوا فيها فمنهم من شددها ومنهم من خففها وهي قرية متوسطة وليست كبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله تحتها وقال الخطابي في أماليه : سميت الحديبيّة بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع وبين الحديبيّة ـ