الإصابة في تمييز الصحابة الجزء ١

مؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 805
مؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الناشر: دار الكتب العلميّة
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 805
الإصابة في تمييز الصحابة الجزء الاوّل
المؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول أهل الأدب : أعذب الشعر أكذبه ، كقول المتنبي في مدح سيف الدولة (الوافر:
فأن تفق الأنام وأنت منهم |
فأن المسك بعض دم الغزال |
فقد رفع سيف الدولة إلى درجة الأنبياء والمرسلين دون سواهم ، وهو كذب طريف مأجور في الدنيا وكقول الآخر (البسیط) :
عقود مدح فما أرضى لكم كلمي |
فأن المسك بعض دم الغزال |
فقد خرج به شيطان الشعر كما يقولون عن حدود العلم والعقل معا ولا حجر عليه ما دام لشيطان الشعر عنده ميدانه الذي لا يتعداه إلى المساس بأعراض الناس وشرفهم أو الكذب على الله ورسوله أو الفجر في الخضومة بالتفحش والهجاء المسيء كالمنافقين والزنادقة وأهل السوء.
وإن من أفحش الذنوب في الإسلام أن تحدث انسانا بحديث هو لك مصدق وأنت عليه كاذب ولا يعرف الكذب سبيله إلى المؤمنين يقول سبحانه( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) وقد تغلبت أبرز المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم عل ى اسمه فعرف في قومه قبل الإسلام بالصادق الأمين.
ولورثه الهدى النبوي الشريف من حملة السنة المطهرة وقمم أهل الفضل والأمانة والدين من أئمة الجرح والتعديل ولا نزكي على الله احدا لهم في هذا المقام مقاييس غاية في الدقة والحساسية يرفضون الكذب ولو على الدابة ولو مزاحاً ، تهتز الثقة في صاحبه وبعد ساقط المروءة ولا يقبل عن مثله حديث رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم. ومن سخرية القدر بأعداء النور أن يعمي الله أبصارهم عن شعاعه ، لهم عيون لا يبصرون بها فلا يدرون عن قيم الإسلام الشامخات شيئاً واجترؤوا عليه بكل نقيصه تنضح بها أوعيتهم وأحقادهم القديمة( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ ) .
وشاءت حكمة الحكيم الأعلى سبحانه أن يقيض لهذا العلم الشريف من كل خلف عدوله ينفون عنه زيف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين سخرهم الله عزوجل لحفظ السنة الشريفة فيحفظها يحفظ القر آن ويضياعها يضيع، لأنها مفتاح كوزه واستجلا أنواره.
( إنّا نحنُ نَزّلنا الذِّکرَ وانّا له لَحافِظون ) .
وها نحن ال آن بین ی دي سفر نفيس ونتاج جهاد خالد لخدمة السنة الشريفة ورجالها الأبرار ألا وهو «الأصابة في تمييز الصحابة» لشيخ الإسلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني المولد في عسقلان قربة بالأرض المقدسة (على مقربة من غزة مسقط رأس إمامه الشافعي رضي الله عنه) احتلها اليهود عام ١٩٤٨ وسموها أشكلون نسأل الله أن يرد ألأمة لدينها ردا جميلا ويجعلهم أهلا لنصره وتأييده لتطهير ديارالإسلام الطاهرة المقدسة من كل مغتصب فاجرأثيم.
وقد سخرالله سبحانه وتعالى لخدمة هذا السفرالخالد النفيس وتحقيقه العالمين الفاضلين الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض ،اللذين حباهما الله سبحانه بهمة الشباب وحكمة الشيوخ يستعذبان رشفة الجهاد لخدمة العلم الشريف من مختلف منافذه وساحاته ، ومن خلال متابعتي لهذه الجهود المشكورة لاحظت من طرائف ذلك ضبط أبيات الشعر على تفعيلاتهها ونسبتها إلى بحرها تيسيرا على ذوي التخصص والتذوق الشعري.
أسال الله سبحانه أن يتقبله بقبول حسن ويجعله خالصا لوجهه الكريم.
وأن يجزيهم والقائمين على النشر والجنود المجهوليت والقارئين وإيانا ووالدينا ومشايخنا وأحبابنا في الله تعالى خير ما يجزي به عباده الصالحين. و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
كتبه دکتور / محمد عبد المنعم البري الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة جامعة الأزهر الشريف |
تقديم
الإصابة في تمييز الصحابة
لابن حجر العسقلاني (٧٧٣ ـ ٨٥٢ هـ)
كتاب الإصابة من خير الكتب التي ألفت في تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم؟ فهم أفهم الناس لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث شاهدوا التنزيل ، وجلسوا بين يدي نبيهم واللغة لغتهم ، واللسان لسانهم ، فلا عجب أن ترى الأقلام تتسابق في تقريظهم ، والألسنة تلهج بذكرهم ، فقد كانوا لبنات المجتمع الإسلامي الأولى ، وارتفع هذا الصرح الشامخ على أكتافهم ، وتدعمت أركانه عليهم وبهم ، وعلى ظهورهم قام ، وانتشربين الأنام ، فجزاهم الله خيرا عن المسلمين والإسلام.
والكتاب الذي بين يديد ألفه ابن حجر العسقلاني وهو مؤرخ ثقة ، ودائرة معارف إسلامية ، ونابغة في علوم الحديث ورجاله ، لا تعجزه ، ولا يقصر باعه عن إقامة الدليل والبرهان وقد اطلعت على كثير من النسخ المحققة لكتاب الإصابة ، ولكني ـ والحق يقال ـ لم استمتع بتحقيقات نادرة ، وتعليقات زاخرة كما استمتعت بما أضافت إليه يد الشيخين : علي معوض وعادل عبد الموجود من لمحات ذكية ، وعبارات سنية ، وروافد تاريخية ، ولوان شتى من البلاغة العربية ، فأيقنت بأن على الساحة الإسلامية فتية آمنوا بربهم فی سن الشباب وحکمة الشيوخ ، فدعوت الله أن تظل أيدي أمثالهم عالية على تحقيق التراث ورجاله ، وأن يسدد خطاهم ، ويكلل بالنجاح مسعاهم أنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
د/عبدالفتاح أبو سنة
تقديم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحاب وأتباعه وأحبابه وبعد : فقد اطلعت على كتاب الإصابة في تمييز الصحابة من مصنفات الحافظ ابن حجر العسقلاني من أعلام الثامن والتاسع الهجريين بتحقيق الشيخين عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض فوجدته من أجل الكتب المصنفة في فنه وهدفه ومنهجه وتحقيقه : ـ إن معرفة الصحابة أصل لا يستغني عنه في دراسة الحديث النبوي.
ـ وان كتاب الإصابة بما يحتوي عليه من تمييز الصحابة يعد أجمع الكتب المصنفة في هذا المجال فقد احتوى أكثر من عشرة الآف ترجمة مع تنسيق جيد يسهل معه حصول الطالب على مبتغاة دون معاناة.
وقد بذل المحققان جهدا عظيما في توثيق التراجم وتخريج الأحادي والأشعار ونسبتها مع كتابة مقدمة ضافية ، تشهد بطول باعها في هذا الميدان ونصحهما في هذا المجال وإخلاصها للعمل وابتغائهما صحيح العلم. فجزاهما الله خير الجزاء ووفقهما لصالح الأعمال.
د / جمعة طاهر النجار
من هو الصّحابيّ؟
الصّحابيّ لغة : مشتقّ من الصّحبة ، وليس مشتقّا من قدر خاصّ منها ، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلا أو كثيرا.
كما أنّ قولك : مكلّم ، ومخاطب ، وضارب ، مشتق من المكالمة ، والمخاطبة ، والضّرب.
وجار على كلّ من وقع منه ذلك ، قليلا أو كثيرا. يقال : صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة وهذا يوجب في حكم اللّغة اجراءها على من صحب النبيصلىاللهعليهوسلم ساعة من نهار.
قال السّخاويّ : «الصّحابيّ لغة : يقع على من صحب أقلّ ما يطلق عليه اسم صحبة ، فضلا عمّن طالت صحبته وكثرت مجالسته»(١) .
الصّحابيّ عند علماء الأصول
قال أبو الحسين في «المعتمد» : هو من طالت مجالسته له على طريق التّبع له والأخذ عنه ، أما من طالت بدون قصد الاتباع أو لم تطل كالوافدين فلا.
وقال الكيا الطّبريّ : هو من ظهرت صحبته لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم صحبة القرين قرينه حتى يعد من أحزابه وخدمه المتصلين به.
قال صاحب «الواضح» : وهذا قول شيوخ المعتزلة. وقال ابن فورك : هو من أكثر مجالسته واختص به.
الصّحابيّ عند علماء الحديث
قال ابن الصّلاح حكاية عن أبي المظفّر السّمعانيّ أنه قال : أصحاب الحديث يطلقون اسم الصّحابة على كل من روى عنه حديثا أو كلمة ، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من
__________________
(١) فتح المغيث للسّخاوي ٣ / ٨٦.
الصّحابة ، وهذا لشرف منزلة النبيصلىاللهعليهوسلم أعطوا كل من رآه حكم الصّحابة(١) .
وقال سيّد التّابعين سعيد بن المسيّب : الصّحابي من أقام مع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين(٢) .
ووجهه أن لصحبتهصلىاللهعليهوسلم شرفا عظيما فلا تنال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص كالغزو المشتمل على السّفر الّذي هو قطعة من العذاب ، والسّنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج.
وقال بدر الدّين بن جماعة(٣) : وهذا ضعيف ، لأنه يقتضي أنه لا يعد جرير بن عبد الله البجليّ ، ووائل بن حجر وأضرابهما من الصحابة ، ولا خلاف أنهم صحابة.
وقال العراقيّ : ولا يصح هذا عن ابن المسيّب ، ففي الإسناد إليه محمّد بن عمر الواقديّ شيخ ابن سعد ضعيف في الحديث(٤) .
وقال الواقديّ : ورأيت أهل العلم يقولون : كل من رأى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدّين ورضيه فهو عندنا ممّن صحب النبيّصلىاللهعليهوسلم ولو ساعة من نهار(٥) .
وهذا التعريف غير جامع ، لأنه يخرج بعض الصحابة ممّن هم دون الحلم ورووا عنه كعبد الله بن عبّاس ، وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين ، وابن الزبير.
قال العراقيّ : والتّقييد بالبلوغ شاذّ(٦) .
وقال السّيوطيّ في «تدريب الرّاوي» : ولا يشترط البلوغ على الصّحيح ، وإلا لخرج من أجمع على عدّه في الصّحابة.
والأصح ما قيل في تعريف الصّحابيّ أنه «من لقي النبيّصلىاللهعليهوسلم في حياته مسلما ومات على إسلامه.
__________________
(١) المقدمة ص ١١٨ ، وفتح المغيث للعراقي ٤ / ٣ ، ٣١.
(٢) الكفاية ٦٩ ، وعلوم الحديث ٢٩٣ ، المنهل الرّويّ ١١٧ ، تدريب الرّاوي ٢ / ٢١١.
(٣) المنهل ١١٧ بتصرف ، وتدريب الرّاوي ٢ / ٢١١.
(٤) تدريب الرّاوي ٢ / ٢١٢.
(٥) فتح المغيث ٤ / ٣٢ والكفاية ٥.
(٦) فتح المغيث ٤ / ٣٢.
شرح التّعريف :
(من لقي النّبيّصلىاللهعليهوسلم ) : جنس في التّعريف يشمل كل من لقيه في حياته ، وأمّا من رآه بعد موته قبل دفنهصلىاللهعليهوسلم فلا يكون صحابيّا كأبي ذؤيب الهذليّ الشّاعر فإنه رآه قبل دفنه.
(مسلما) : خرج به من لقيه كافرا وأسلم بعد وفاته كرسول قيصر فلا صحبة له.
(ومات على إسلامه) : خرج به من كفر بعد إسلامه ومات كافرا.
أما من ارتدّ بعده ثم أسلم ومات مسلما فقال العراقيّ : فيهم نظر ، لأن الشّافعيّ وأبا حنيفة نصّا على أن الردّة محبطة للصّحبة السابقة كقرّة بن ميسرة والأشعث بن قيس.
وجزم الحافظ ابن حجر شيخ الإسلام ببقاء اسم الصّحبة له كمن رجع إلى الإسلام في حياته كعبد الله بن أبي سرح.
وهل يشترط لقيه في حال النّبوة أو أعم من ذلك حتى يدخل من رآه قبلها ومات على الحنيفية كزيد بن عمرو بن نفيل ، وكذا من رآه قبلها وأسلم بعد البعثة ولم يره؟.
قال العراقيّ : ولم أر من تعرّض لذلك ، وقد عد ابن مندة زيد بن عمرو في الصّحابة.
هل من الملائكة صحابة؟
الملائكة أجسام نورانيّة قادرة على التّشكيل والظهور بأشكال مختلفة ، وهي تتشكل بأشكال حسنة ، شأنها الطاعة وأحوال جبريل مع النبيصلىاللهعليهوسلم حين تبليغه الوحي وظهوره في صورة دحية الكلبي تؤيد رجحان هذا التعريف للملائكة على غيره.
والملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة ولا يتوالدون ، فمن وصفهم بذكورة فسق ومن وصفهم بأنوثة أو خنوثة كفر ، لقوله تعالى :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) (١) الآية ، ومسكنهم السموات ومنهم من يسكن الأرض.
وقد دل على وجودهم الكتاب والسنّة والإجماع فالمنكر كافر ، وإذا فيجب الإيمان إجمالا فيمن علم منهم إجمالا ، وتفصيلا فيمن علم بالشخص كجبريل وميكائيل أو بالنوع كحملة العرش والحافين من حوله والكتبة والحفظة وقد خلق الله الملائكة جندا له منفذين لأوامره في خلقه فمنهم ساكن السّماوات وأفضلهم حملة العرش والحافّين من حوله وهم الكروبيون ، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية مع مالك ومنهم الموكلون بالجنة لإعداد النعيم مع رضوان ، ومنهم سفير الله إلى أنبيائه وهو جبريل ، والموكل بالمطر والسحاب
__________________
(١) الزخرف : ١٩.
والرزق وهو ميكائيل ، وصاحب النفخ وهو إسرافيل ، والموكلون بحفظ بني آدم والكاتبون لأعمالهم ، ومنهم منكر ونكير فتانا القبر ، ومنهم ملك الموت وأعوانه وهو عزرائيل( وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) .
عصمة الملائكة
والقول الحق أنهم معصومون يستحيل صدور الذنوب منهم كبيرة كانت أو صغيرة بدليل قوله تعالى :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) (١) .
وقوله :( يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ) (٢) . وقوله :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) (٣) . وقوله :( إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ) (٤) . أي أن شأنهم وحياتهم التي فطروا عليهما هي الخضوع والعبادة والله أعلم وهل هم صحابة أم لا؟. أجاب الحافظ ابن حجررحمهالله فقال : وهل تدخل الملائكة محل نظر؟ ، وقد قال بعضهم إن ذلك ينبئ على أنه هل كان مبعوثا إليهم أو لا. وقد نقل الإمام فخر الدّين في «أسرار التّنزيل» الإجماع على أنهصلىاللهعليهوسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة ونوزع في هذا النقل بل رجح الشيخ تقيّ الدّين السّبكيّ أنه كان مرسلا إليهم.
هل من الجن صحابة؟!
اختلف علماء التّوحيد في بيان حقيقة الجن ، فقال بعضهم بتغاير حقيقته ، فعرّفوا الجن بأنها أجسام هوائية لطيفة تتشكل بأشكال مختلفة وتظهر منها أفعال عجيبة ، منهم المؤمن ومنهم الكافر.
أما الشّياطين : فهي أجسام نارية شأنها إقامة النفس في الغواية والفساد.
وقال آخرون إن حقيقتها واحدة وهي أجسام نارية عاقلة قابلة للتشكل بأشكال حسنة أو قبيحة ، وهم كبني آدم يأكلون ويشربون ويتناسلون ويكلفون ، منهم المؤمن ومنهم العاصي ، أما الشّيطان فاسم للعاصي ، ويدل على ذلك قوله تعالى :( وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ ) (٥) . كما يدل على تكليفهم ووجودهم قوله تعالى :( وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) .الآيات ، وقوله :( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ) (٦) . وحيث ثبت وجودهم بكلام الله وكلام أنبيائه
__________________
(١) التحريم : ٦.
(٢) الأنبياء : ٢٠.
(٣) النحل : ٥٠.
(٤) الأعراف : ٢٠٦.
(٥) الحجر : ٢٧.
(٦) الأحقاف : ٢٩.
وانعقد عليه الإجماع كان الإيمان بما ثبت واجبا ومنكره كافر والسؤال بعد ذلك هل هم داخلون في الصحابة الحق؟.
نعم. يدخل في الصّحابة رضوان الله تعالى عليهم من رآهصلىاللهعليهوسلم أو لقيه مؤمنا به من الجنّ ، لأنهصلىاللهعليهوسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلّفون ، وفيهم العصاة والطّائعون.
قال الحافظ ابن حجر ، الرّاجح دخولهم ، لأن النبيصلىاللهعليهوسلم بعث إليهم قطعا.
قال السّبكيّ في فتاويه : كونهصلىاللهعليهوسلم مبعوثا إلى الإنس والجن كافّة وأن رسالته شاملة للثقلين فلا أعلم فيه خلافا ، ونقل جماعة الإجماع عليه.
قال السّبكيّ : والدّليل عليه قبل الإجماع الكتاب والسّنة ، أما الكتاب فآيات منها قوله تعالى :( لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً ) .(١)
وقد أجمع المفسّرون على دخول الجنّ في ذلك في هذه الآية. ومع ذلك هو مدلول لفظها ، فلا يخرج عنه إلّا بدليل.
ومنها قوله تعالى في سورة الأحقاف :( فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) (٢) .
والمنذرون هم المخوفون مما يلحق بمخالفته لوم ، فلو لم يكن مبعوثا إليهم لما كان القرآن الّذي أتى به لازما لهم ولا خوفوا به.
ومنها قولهم فيها ،( أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ ) فأمر بعضهم بعضا بإجابته دليل على أنه داع لهم ، وهو معنى بعثه إليهم.
ومنها قولهم :( وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ ) الآية ، وذلك يقتضي ترتيب المغفرة على الإيمان به ، وأن الإيمان به شرط فيها ، وإنّما يكون كذلك إذا تعلّق حكم رسالته بهم ، وهو معنى كونه مبعوثا إليهم.
ومنها قولهم :( وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ ) الآية ، فعدم إعجازهم وأوليائهم ، وكونهم في ضلال مرتّب على عدم إجابته ، وذلك أدلّ دليل على بعثته إليهم.
ومنها قوله تعالى :( سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ) (٣) . فهذا تهديد ووعيد شامل لهم وارد على لسان رسولهصلىاللهعليهوسلم عن الله ، وهو يقتضي كونه مرسلا إليهم ، وأيّ معنى للرسالة غير ذلك وكذلك مخاطبتهم في بقيّة السورة بقوله :( وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ ) ،(٤) وغير ذلك من الآيات التي تضمّنتها هذه السورة.
__________________
(١) الفرقان : ١.
(٢) الأحقاف : ٢٩.
(٣) الرحمن : ٣١.
(٤) الرحمن : ٤٦.
ومنها قوله تعالى في سورة الجنّ :( فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً ) (١) ، فإن قوة هذا الكلام تقتضي أنهم انقادوا له وآمنوا بعد شركهم ، وذلك يقتضي أنّهم فهموا أنّهم مكلّفون به ، وكذلك كثير من الآيات التي في هذه السّورة التي خاطبوا بها قومهم.
ومنها قولهم فيها :( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ) (٢) ، وكذا قولهم :( فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ) (٣) الآيات.
ومنها قوله تعالى :( قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) (٤) .
فهذه الآية تقتضي أن النبيصلىاللهعليهوسلم منذر بالقرآن كله من بلغه القرآن جنيّا كان أو إنسيّا ، وهي في الدّلالة كآية الفرقان أو أصرح ، فإن احتمال عود الضّمير على الفرقان غير وارد هنا ، فهذه مواضع في الفرقان تدل على ذلك دلالة قوية ، أقواها آية الأنعام هذه ، وتليها آية الفرقان ، وتليها آيات الأحقاف ، وتليها آيات الرحمن ، وخطابها في عدّة آيات :( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) ، وتليها سورة الجنّ ، فقد جاء ترتيبها في الدلالة والقوة كترتيبها في المصحف ، وفي القرآن أيضا ما يدلّ لذلك ، ولكن دلالة الإطلاق اعتمدها كثير من العلماء في مباحث ، وهو اعتماد جيد وهو هنا أجود ، لأن الأمر بالإنذار ، والمطلق إذا لم يتقيّد بقيد يدل على تمكن المأمور في الإتيان به في أي فرد شاء من أفراده وفي كلها ، وهوصلىاللهعليهوسلم كامل الشفقة على خلق الله ، والنصيحة لهم والدعاء إلى الله تعالى ، فمع تمكنه من ذلك لا يتركه في شخص من الأشخاص ، ولا في زمن من الأزمان ، ولا في مكان من الأمكنة ، وهكذا كانت حالته ـصلىاللهعليهوسلم ، ويعلم أيضا من الشريعة أن الله تعالى لم يرده قوله :( قُمْ فَأَنْذِرْ ) (٥) مطلق الإنذار حتى يكتفي بإنذار واحد لشخص واحد ، بل أراد التّشمير والاجتهاد في ذلك ، فهذه القرائن تفيد الأمر بالإنذار لكل من يفيد فيه الإنذار ، والجن بهذه الصّفة ، لأنه كان فيهم سفهاء وقاسطون وهم مكلفون فإذا أنذروا رجعوا عن ضلالهم فلا يترك النبيصلىاللهعليهوسلم دعاءهم ، والآية بالقرائن المذكورة مفيدة للأمر بذلك فثبتت البعثة إليهم بذلك ، ومنها كل آية فيها لفظ المؤمنين ولفظ الكافرين مما فيه أمر أو نهي ونحو ذلك فإنّ المؤمنين والكافرين صفتان لمحذوف ، والموصوف المحذوف يتعيّن أن يكون النّاس بل المكلّفون أعمّ من أن يكونوا إنسا أو جنّا ، وإذا ثبت ذلك أمكن الاستدلال بما لا يعدّ ولا يحصى من الآيات كقوله تعالى :
__________________
(١) الجن : ٢.
(٢) الجن : ١٣.
(٣) الجن : ١٤.
(٤) الأنعام : ١٩.
(٥) المدثر : ٢.
( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) فالجن الذين لم يتبعوه ليسوا مفلحين ، وإنما يكون كذلك ، وإذا ثبتت رسالته في حقهم.
وكقوله تعالى :( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ ) (٢) ، وكقوله :( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) (٣) ، ونحو ذلك من الآيات أيضا قوله تعالى :( إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ) (٤) ، ومن الجن كذلك ، ولو تتبّعنا الآيات التي من هذا الجنس لوجدناها جاءت كثيرة.
واعلم أن المقصود بتكثير الأدلة أن الآية الواحدة والآيتين قد يمكن تأويلها ، ويتطرّق إليها الاحتمال فإذا كثرت قد تترقى إلى حدّ يقطع بإرادة ظاهرها ، وبقي الاحتمال والتأويل عنها.
وأمّا السّنّةففي صحيح مسلم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال : (فضّلت على الأنبياء بستّ : أعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرّعب ، وأحلّت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وأرسلت إلى الخلق كافّة ، وخيم بي التّيسيّون)(٥) .
ومحل الاستدلال قوله : (وأرسلت إلى الخلق كافّة) ، فإنه يشمل الجن والإنس ، وحمله على الإنس خاصّة تخصيص بغير دليل فلا يجوز ، والكلام فيه كالكلام في قوله تعالى :( لِلْعالَمِينَ ) .
فإن قال قائل : على أن المراد بالخلق الناس رواية البخاري من حديث جابر عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : (أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي)(٦) ، فذكر من جملتها :
__________________
(١) الأعراف : ١٥٧.
(٢) الأحقاف : ١٢.
(٣) البقرة : ٢.
(٤) يس : ١١.
(٥) أخرجه مسلم في الصحيح ١ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٥) حديث رقم (٥ / ٥٢٣) والترمذي في السنن ٤ / ١٠٤ ـ ١٠٥ كتاب السير (٢٢) باب ما جاء في الغنيمة (٥) حديث رقم ١٥٥٣ وقال حسن صحيح وأحمد في المسند ٢ / ٤١٢ ـ والبيهقي في السنن ٢ / ٤٣٢ ، ٩ / ٥ والبيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٤٧٢ ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ٨ / ٢٦٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٩٣٢.
(٦) متفق عليه من حديث جابر بن عبد اللهرضياللهعنه أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٤٣٥ ـ ٤٣٦ كتاب القيم (٧) باب (١) حديث رقم (٣٣٥) ـ واللفظ له ـ ومسلم في الصحيح ١ / ٣٧٠ كتاب المساجد (٥) حديث رقم (٣ / ٥٢١) وأحمد في المسند ٣ / ٣٠٤ ، ٥ / ١٤٨ ـ والدارميّ في السنن ٢ / ٢٢٤ والبيهقي في السنن ١ / ٢١٢ ، ٢ / ٣٢٩ ، ٤٣٣ ، ٦ / ٢٩١ ، ٩ / ٤٠ وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٣١٦ ـ وابن أبي شيبة ـ
«وأرسلت إلى النّاس كافّة» ، قلنا : لو كان هذا حديثا واحدا كنا نقول : لعلّ هذا اختلاف من الرّواة ، ولكن الّذي ينبغي أن يقال : إنهما حديثان ، لأن حديث مسلم من رواية أبي هريرة ، وفيه ست خصال ، وحديث البخاريّ من رواية جابر وفيه خمس خصال.
والظّاهر أنّ النّبيصلىاللهعليهوسلم قالهما في وقتين ، وفي حديث مسلم زيادة في عدة الخصال ، وفي سنن المرسل إليهم فيجب إثباتها زيادة على حديث جابر ، وليس بنا ضرورة إلى حمل أحد الحديثين على الآخر إذ لا منافاة بينهما ، بل هما حديثان مختلفا المخرج والمعنى ، وإن كان بينهما اشتراك في أكثر الأشياء ، وخرج كل من صاحبي الصّحيحين واحدا منها ولم يذكر الآخر.
فهذا الحديث الّذي ذكرناه عن مسلم واستدللنا به أصرح الأحاديث الصحيحة الدالة على شمول الرّسالة للجنّ والإنس.
ومن الأدلّة أيضا أن النّبيصلىاللهعليهوسلم خاتم النبيين وشريعته آخر الشرائع وناسخة لكل شريعة قبلها ، ولا شريعة باقية الآن غير شريعته ، ولذلك إذا نزل عيسى ابن مريمصلىاللهعليهوسلم إنّما يحكم بشريعة محمّدصلىاللهعليهوسلم فلو لم يكن الجن مكلفين بها لكانوا إمّا مكلفين بشريعة غيرها ، وهو خلاف ما تقرّر ، وإمّا ألّا يكونوا مكلّفين أصلا ، ولم يقل أحد بذلك ، ولا يمكن القول به ، لأن القرآن كله مليء بتكليفهم ، قال تعالى :( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) وقال( قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ) إلى غير ذلك من الآيات ، ودخولهم النار دليل على تكليفهم ، وهذا أوضح من أن يقام عليه دليل ، فإن تكليفهم معلوم من الشرع بالضرورة ، وتكليفهم بغير هذه الشّريعة يستلزم بقاء شريعة معها ، فثبت أنّهم مكلّفون بهذه الشريعة كالإنس(١) .
وقال ابن حزم الظّاهريّ : قد أعلمنا الله أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبيصلىاللهعليهوسلم ففيهم صحابة فضلاء. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
ـ (١١) / ٤٣٢ والبخاري في التاريخ الكبير ٤ / ١١٤ ، ٥ / ٤٥٥ وذكره المنذري في الترغيب ٤ / ٤٣٣ ـ والهيثمي في الزوائد ٨ / ٦١ ، ٦٢ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣١٩٣٠ ، ٣٢٠٥٩ ، ٣٢٠٦٠ ، ٣٢٠٦١ ، ٣٢٠٦٢.
(١) انظر فتاوى السبكي ٢ / ٥٩٤ وما بعدها بتصرف.
بم يعرف الصّحابيّ؟
يعرف الصّحابيّ بأحد الأدلّة التّالية : أولا : التّواتر ، وهو رواية جمع عن جمع يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب ، وذلك كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وبقيّة العشرة المبشّرين بالجنّة ـرضياللهعنهم .
ثانيا : الشّهرة أو الاستفاضة القاصرة عن حد التواتر كما في أمر ضمام بن ثعلبة ، وعكاشة بن محصن.
ثالثا : أن يروى عن آحاد الصّحابة أنه صحابي كما في حممة بن أبي أحممة الدّوسيّ الّذي مات ب «أصبهان» مبطونا فشهد له أبو موسى الأشعريّ أنه سمع النّبيصلىاللهعليهوسلم حكم له بالشهادة ، هكذا ذكره أبو نعيم في «تاريخ أصبهان».
رابعا : أن يخبر أحد التّابعين بأنه صحابي بناء على قبول التّزكية من واحد عدل وهو الرّاجح.
خامسا : أن يخبر هو عن نفسه بأنه صحابيّ بعد ثبوت عدالته ومعاصرته ، فإنه بعد ذلك لا يقبل ادّعاؤه بأنه رأى النبيصلىاللهعليهوسلم أو سمعه ، لقولهصلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح :«أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنّه على رأس مائة سنة منه لا يبقى أحد ممّن على ظهر الأرض ...»(١) .
يريد بهذا انخرام ذلك القرن ، وقد قال النبيصلىاللهعليهوسلم ذلك في سنة وفاته ، ومن هذا المأخذ لم يقبل الأئمّة قول من ادّعى الصّحبة بعد الغاية المذكورة.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في «الإصابة» ـ هنا ـ ضابطا يستفاد منه معرفة جمع كثير من الصّحابة يكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة ، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار : أحدها : أنهم كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصّحابة ، فمن تتبّع الأخبار الواردة من الرّدة والفتوح وجد من ذلك الكثير.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٢٣٥ كتاب مواقيت الصلاة باب ذكر العشاء والعتمة حديث رقم ٥٦٤ ومسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٥ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب قولهصلىاللهعليهوسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم (٥٣) حديث رقم (٢١٧ / ٢٥٣٧) والترمذي في السنن ٤ / ٤٥١ كتاب الفتن (٣٤) باب (٦٤) حديث رقم ٢٢٥١ ـ وأحمد في المسند ٢ / ٢٢١ والبيهقي في السنن ١ / ٤٥٣ ، ٩ / ٧ والبيهقي في دلائل النبوة ٦ / ٥٠٠ والحاكم في المستدرك ٢ / ٣٧ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٨٣٤٤.
ثانيها : أن عبد الرّحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبيصلىاللهعليهوسلم فدعا له ، وهذا أيضا يوجد منه الكثير.
ثالثها : أنه لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ولا الطّائف ولا من بينها من الأعراف إلا من أسلم وشهد حجّة الوداع ، فمن كان في ذلك الوقت موجودا اندرج فيهم ، لحصول رؤيتهم للنبيّصلىاللهعليهوسلم وإن لم يرهم هو.
قال الذّهبيّ في «الميزان» في ترجمة «رتن» ٢ / ٤٥ «وما أدراك ما رتن؟! شيخ دجّال بلا ريب ، ظهر بعد السّتمائة فادّعى الصّحبة ، والصّحابة لا يكذبون وهذا جريء على الله ورسوله ، وقد ألّفت في أمره جزءا».
حكمة الله في اختيار الصّحابة
الواقع أنّ العقل المجرّد من الهوى والتعصّب ، يحيل على الله في حكمته ورحمته ، أن يختار لحمل شريعته الختاميّة أمة مغموزة أو طائفة ملموزة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، ومن هنا كان توثيق هذه الطّبقة الكريمة طبقة الصّحابة ، يعتبر دفاعا عن الكتاب والسّنّة وأصول الإسلام من ناحية ، ويعتبر إنصافا أدبيّا لمن يستحقونه من ناحية ثانية ، ويعتبر تقديرا لحكمة الله البالغة في اختيارهم لهذه المهمّة العظمى من ناحية ثالثة ، كما أن توهينهم والنيل منهم يعدّ غمزا في هذا الاختيار الحكيم ، ولمزا في ذلك الاصطفاء والتّكريم فوق ما فيه من هدم الكتاب والسنّة والدّين.
على أن المتصفّح لتاريخ الأمّة العربية وطبائعها ومميزاتها يرى من سلامة عنصرها وصفاء جوهرها ، وسمو مميزاتها ، ما يجعله يحكم مطمئنّا بأنّها صارت خير أمّة أخرجت للنّاس بعد أن صهرها الإسلام ، وطهرها القرآن ونفى خبثها سيّد الأنام ، عليه الصّلاة والسّلام.
ولكن الإسلام قد ابتلي حديثا بمثل أو بأشدّ ممّا ابتلي به قديما ، فانطلقت ألسنة في هذا العصر ترجف في كتاب الله بغير علم ، وتخوض في السّنة بغير دليل ، وتطعن في الصّحابة دون استحياء ، وتنال من حفظة الشريعة بلا حجّة ، وتتهمهم تارة بسوء الحفظ ، وأخرى بالتزيد وعدم التثبت ، وقد زوّدناك ، وسلّحناك ، فانزل في الميدان ولا تخش عداك.
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ ) .
نصرنا الله بنصرة الإسلام ، وثبت منا الأقدام والحمد لله في البدء والختام.
مرتبة الصّحابة
للصّحابة ـرضياللهعنهم أجمعين ـ خصيصة ، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم ، وذلك أمر مسلّم به عند كافّة العلماء ، لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الشرع من الكتاب والسّنة ، وإجماع من يعتدّ به في الإجماع من الأمّة.
فأمّا الكتاب :
قال تعالى :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ، تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ، فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ، وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (١) .
وقال تعالى :( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .
وقال تعالى :( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (٣) .
وقال تعالى :( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ ، فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) (٤) .
وقال تعالى :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (٥) .
وقال تعالى :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٦) .
وقال تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) (٧) .
__________________
(١) الفتح : ٢٩.
(٢) الحشر : ٨ ـ ٩.
(٣) الأنفال : ٧٤.
(٤) الفتح : ١٨.
(٥) التوبة : ١١٨.
(٦) التوبة : ١٠٠.
(٧) البقرة : ١٤٣.
والوسط : الخيار والعدول ، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونيّاتهم ، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرّسل على أممهم يوم القيامة ، والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه ، ولهذا نوّه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم ، لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء ، وأمر ملائكته أن تصلّي عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم ، والشّاهد المقبول عند الله هو الّذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندا إلى علمه به ، كما قال تعالى :( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (١) (٢) .
وقال تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (٣) .
ويدخل في الخطاب الصَّحابيّ من باب أولى ، فلقد شهد بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر.
وقال تعالى :( وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ ، وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ، وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ) (٤) .
فأخبر تعالى أنه اجتباهم ، والاجتباء كالاصطفاء ، وهو افتعال من «اجتبى الشّيء يجتبيه» ، إذا ضمّه إليه وحازه إلى نفسه ، فهم المجتبون الّذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصّته وصفوته من خلقه بعد النّبيين والمرسلين ، ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حقّ جهاده ويبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالمحبّة والعبوديّة ، ويختاروه وحده إلها معبودا محبوبا على كل ما سواه ، كما اختارهم على من سواهم ، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الّذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم ، فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحبّاءه ، وآثرهم بذلك على من سواهم ، ثم أخبرهم تعالى أنّه يسّر عليهم دينه غاية التّيسير ، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتّة لكمال محبَّته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم ، ثم أمرهم بلزوم ملّة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم ، وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحبّ والخوف والرّجاء والتوكّل والإنابة والتفويض والاستسلام ، فيكون تعلّق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره ، ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك
__________________
(١) الزخرف : ٨٦.
(٢) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٢.
(٣) آل عمران : ١١٠.
(٤) الحج : ٧٨.
ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على النّاس ، فيكون مشهودا لهم بشهادة الرّسول ، شاهدين على الأمم بقيام حجّة الله عليهم(١) .
وقال تعالى :( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ) (٢) .
قال ابن عبّاس : أصحاب محمدصلىاللهعليهوسلم اصطفاهم الله لنبيهعليهالسلام (٣) .
تلك آيات عظيمة نزلت من عند المولىعزوجل تشهد بفضل وعدالة جميع أصحاب النّبيصلىاللهعليهوسلم الّذين كانوا معه في المواقف الحاسمة في تاريخ الدّعوة الإسلامية ابتداء من دار الأرقم بن أبي الأرقم ، وانتهاء بفتح المدائن.
فمن الأمور القطعيّة الثبوت والدّلالة أن عدالة أصحاب سيدنا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم جاءت من فوق سبعة أرقعة ، فلا يتصور لإنسان مهما أوتي من علم ومعرفة أن يطعن في صحابة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعد شهادة اللهعزوجل لهم!!
وهذا سنفرد له كلمة عن الحديث عن سيدنا «أبي هريرة» رضي الله تعالى عنه.
( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (٤) .
وأمّا السّنّة :
وفي نصوص السّنّة النبويّة المشرّفة الشّاهدة بذلك كثرة منها : عن أبي سعيد عن النّبي ـعليهالسلام ـ قال : «لا تسبّوا أصحابي ، فو الّذي نفسي بيده لو أنّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه»(٥) .
__________________
(١) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٢.
(٢) النحل : ٥٩.
(٣) شرح السنن بتحقيقنا ٧ / ٧١ والدّليل عليه قوله تعالى :( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) فاطر : ٣٢ وحقيقة الاصطفاء : افتعال من التّصفية فيكون قد صفّاهم من الأكدار والخطأ من الأكدار فيكونون مصفّين منه ، ولا ينتقض هذا بما إذا اختلفوا ، لأن الحق لم يعدهم ، فلا يكون قول بعضهم كدرا ، لأن مخالفته أكدر ، وبيانه يزيل كونه كدرا بخلاف ما إذا قال بعضهم قولا ولا يخالف فيه فلو كان قولا باطلا ولم يرده راد لكان حقيقة الكدر ، وهذا لأن خلاف بعضهم لبعض بمنزلة متابعة النبيصلىاللهعليهوسلم في بعض أموره ، فإنّها لا تخرجه عن حقيقة الاصطفاء : أعلام الموقعين ٤ / ١٠٠.
(٤) التوبة : ٣٢.
(٥) أخرجه البخاريّ ٧ / ١٢ كتاب «فضائل الصّحابة» باب قول النبيصلىاللهعليهوسلم «لو كنت متّخذا خليلا» (٣٦٧٣) ومسلم ٤ / ١٩٦٧ ـ ١٩٦٨ كتاب «فضائل الصّحابة» : باب تحريم سبّ الصحابة (٢٢٢ ـ ٢٥٤١) وأبو
وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولأقرانه من مسلمة الحديبيّة والفتح ، فإذا كان مدّ أحد أصحابه أو نصيفه أفضل عند الله من مثل أحد ذهبا من مثل خالد وأضرابه من أصحابه ، فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصّواب في الفتاوى ويظفر به من بعدهم؟ هذا من أبين المحال(١) وعن عبد الله بن مغفّل المزنيّ قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه(٢) .
وعن أبي موسى قال : صلّينا مع النّبيّصلىاللهعليهوسلم المغرب ، ثم قلنا : لو انتظرنا حتى نصلّي معه العشاء ، فانتظرناه فخرج علينا ، فقال : «ما زلتم ها هنا» ، قال : قلنا : نعم يا رسول الله ، قلنا : نصلّي معك العشاء ، قال : «أحسنتم وأصبتم» ، ثم رفع رأسه إلى السّماء ، وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السّماء ، قال : «النّجوم أمنة لأهل السّماء ، فإذا ذهبت النّجوم أتى أهل السّماء ما يوعدون وأنا أمنة لأصحابي ، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمّتي ، فإذا ذهب أصحابي أتى أمّتي ما يوعدون»(٣) .
ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه ، وكنسبة النّجوم إلى السماء ، ومن المعلوم أنّ هذا التّشبيه يعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيّهمصلىاللهعليهوسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنّجوم ، وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم ، وحرزا من الشّرّ وأسبابه(٤) .
وعن عمران بن حصين قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «خير أمّتي القرن الّذي بعثت فيهم ، ثمّ الَّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم»(٥) .
__________________
ـ داود ٤ / ٢١٤ كتاب السنن : باب النّهي عن سب أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم (٤٦٥٨) والترمذي ٥ / ٦٥٣ كتاب «المناقب» : باب فضل من بايع تحت الشجرة (٣٨٦١).
(١) أعلام الموقعين لابن القيم ٤ / ١٠٥.
(٢) أخرجه التّرمذيّ ٥ / ٦٥٣ في المصدر السابق (٣٩٦٢) وصححه ابن حبان ذكره الهيثمي في «موارد الظّمآن» (٥٦٩) باب فضل أصحاب رسول الله (٢٢٨٤) وأحمد في المسند ٤ / ٨٧.
(٣) أخرجه مسلم ٤ / ١٩٦١ كتاب «فضائل الصّحابة» : باب بيان أن بقاء النّبيصلىاللهعليهوسلم أمان لأصحابه (٢٠٧ ـ ٢٥٣١) وأحمد في المسند ٤ / ٣٩٩.
(٤) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٤ ، ١٠٥.
(٥) أخرجه مسلم في المصدر السابق ٢١٥١ ـ ٢٥٣٥) والترمذي ٤ / ٤٣٤ كتاب الفتن : باب ما جاء في القرن الثالث (٢٢٢٢) وأبو داود ٤ / ٢١٤ كتاب السنة : باب في فضل أصحاب الرسولصلىاللهعليهوسلم (٤٦٥٧) وأحمد في المسند ٢ / ٢٢٢٨ والبيهقي في السنة ١٠ / ١٦٠ والطبراني في الكبير ١٨ / ٢١٣.
فأخبر النّبيّصلىاللهعليهوسلم أن خير القرون قرنه مطلقا ، وذلك يقتضي تقديمهم في كل باب من أبواب الخير ، وإلّا لو كان خيرا من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقا(١) .
وقد يقول قائل : إن هذه الأدلّة تتناول أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم الذين كانوا معه قبل الفتح ، وأمّا من أسلم بعد الفتح فلا دليل على عدالتهم ، فأسوق جوابا له قول الدّكتور محمّد السّماحيّ : (وأما مسلمة الفتح والأعراب الوافدون على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فهؤلاء لم يتحملوا من السنة مثل ما تحمّل الصّحابة الملازمون لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ومن تعرّض منهم للرّواية كحكيم بن حزام ، وعتّاب ، وغيرهم عرفوا بالصّدق والدّيانة وغاية الأمانة على أنه ورد ما يجعلهم أفضل من سواهم من القرون بعدهم ، كقولهصلىاللهعليهوسلم : «خير القرون قرني ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الّذين يلونهم ثمّ يفشو الكذب»(٢) .
وهو حديث صحيح مروي في «الصّحيحين» وغيرهما بألفاظ مختلفة ، والخيرية لا تكون إلا للعدول الذين يلتزمون الدّين والعمل به. وقال تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (٣) .
والخطاب الشّفهيّ لصحابة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ومن حضر نزول الوحي ، وهو يشمل جميعهم ، وكذلك قوله تعالى :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ، لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (٤) ، وسطا : عدولا.
فالإسلام كان في أول شبابه فتيّا قويّا في قلوب من أذعنوا له واتّبعوا هداه ، وتمسّكوا بمبادئه ، واصطبغوا بصبغته ، فكانت العدالة قوية في نفوسهم شائعة في آحادهم ، حتى إننا نرى الذين وقعوا منهم في الكبائر ما لبثوا أن ساقتهم عزائمهم إلى الاعتراف وطلب الحدّ ، ليطهروا به أنفسهم ، وسارعوا إلى التّوبة حيث تاب الله عليهم ، ولا نريد بقولنا : الصحابة عدول ـ أكثر من أنّ ظاهرهم العدالة(٥) .
ثناء أهل العلم على الصّحابة
وهذا الثّناء للاستئناس وليس للتّدليل إذ لا يصحّ القول مع اللهعزوجل ورسولهصلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) أعلام الموقعين ٤ / ١٠٤.
(٢) أخرجه التّرمذي ٤ / ٤٧٦ (٢٣٠٣) وذكره ابن حجر في تلخيص الحبير ٤ / ٢٠٤.
(٣) آل عمران : ١١٠.
(٤) البقرة : ١٤٣.
(٥) المنهج الحديث في علوم الحديث ص ٦٣ نقلا عن السنة قبل التدوين د. الخطيب ، وانظر السنة قبل التدوين ٤٠١ ، ٤٠٢.
حيث نص الله ورسوله على عدالتهم ، فهل بعد تعديل اللهعزوجل رسولهصلىاللهعليهوسلم تعديل؟!! فأقول ولله الحمد والمنّة :
قال الإمام النّوويّ : الصّحابة كلهم عدول ، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتدّ به(١) .
قال إمام الحرمين : والسّبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشّريعة ، فلو ثبت توقّف في روايتهم لانحصرت الشّريعة على عصرهصلىاللهعليهوسلم ولما استرسلت سائر الأعصار.
قال أبو زرعة الرّازيّ : إذا رأيت الرّجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فاعلم أنه زنديق ، وذلك أنّ الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة ، وهؤلاء الزّنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسّنّة فالجرح بهم أولى.
قال ابن الصّلاح : «ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة ومن لابس الفتن منهم ، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتدّ بهم في الإجماع إحسانا للظّنّ بهم ، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة»(٢) .
قال الخطيب البغداديّ في الكفاية» مبوبا على عدالتهم : ما جاء في تعديل الله ورسوله للصّحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتّصل إسناده بين من رواه وبين النّبيّصلىاللهعليهوسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النّظر في أحوالهم سوى الصّحابي الّذي رفعه إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن.
والأخبار في هذا المعنى تتّسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نصّ القرآن ، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصّحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم ، المطّلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له(٣) .
وقال الإمام مالك : من انتقص أحدا من أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم فليس له في هذا الفيء حق ، قد قسم الله الفيء في ثلاثة أصناف فقال : __________________
(١) التقريب ٢١٤ مع التدريب.
(٢) الحديث والمحدثون ١٢٩ ، ١٣٠.
(٣) الكفاية ٤٦ ، ٤٨.
( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ ، يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً ، وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (١) .
ثم قال :( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ) (٢) .
وهؤلاء هم الأنصار.
ثم قال :( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ : رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) (٣) .
فمن تنقّصهم فلا حق له في فيء المسلمين(٤) .
عقيدة أهل السّنّة في تفضيل الصّحابة
أجمع أهل السّنّة على أن أفضل الصّحابة بعد النّبيصلىاللهعليهوسلم على الإطلاق أبو بكر ثم عمر ، وممّن حكى إجماعهم على ذلك أبو العبّاس القرطبي ، فقال : ولم يختلف أحد في ذلك من أئمّة السّلف ولا الخلف ، فقال : ولا مبالاة بأقوال أهل التّشيّع ولا أهل البدع ، انتهى. وقد حكى الشّافعيّ وغيره إجماع الصّحابة والتابعين على ذلك ، قال البيهقيّ في كتاب «الاعتقاد» : روينا عن أبي ثور عن الشّافعيّ قال : ما اختلف أحد من الصّحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصّحابة ، وإنما اختلف من اختلف منهم في عليّ وعثمان(٥) .
وقال العلّامة الكمال بن الهمّام في «المسايرة» : فضل الصّحابة الأربعة على حسب ترتيبهم في الخلافة ، إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله تعالى ، وذلك لا يطلع عليه إلا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وقد ورد عنه ثناؤه عليهم كلهم ، ولا يتحقّق إدراك حقيقة تفضيلهعليهالسلام لبعضهم على بعض إن لم يكن سمعيّا يصل إلينا قطعيّا في دلالته إلا الشاهدين لذلك الزمان ، لظهور قرائن الأحوال لهم ، وقد ثبت ذلك لنا صريحا ودلالة كما في صحيح البخاريّ من حديث عمرو بن العاص حين سألهعليهالسلام : __________________
(١) الحشر : ٨.
(٢) الحشر : ٩.
(٣) الحشر : ١٠.
(٤) الشفا للقاضي عياض ١١١١ ، ١١١٢.
(٥) فتح المغيث للعراقي ٤ / ٤١.
من أحبّ النّاس إليك من الرّجال؟ فقال : «أبوها». يعني عائشةرضياللهعنها ـ وتقديمه في الصّلاة على ما قدّمنا مع أن الاتّفاق على أن السّنّة أن يقدم على القوم أفضلهم علما ، وقراءة ، وخلقا ، وورعا ، فثبت أنه كان أفضل الصّحابة ، وصحّ من حديث ابن عمر في صحيح البخاريّ قال : كنا في زمن النّبيصلىاللهعليهوسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النّبيصلىاللهعليهوسلم لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم لا نفاضل بينهم ، وصحّ فيه من حديث محمّد بن الحنفيّة : قلت لأبي : أيّ النّاس خير بعد رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ؟ فقال : أبو بكر ، قلت : ثم من؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان ، قلت : ثم أنت قال : ما أنا إلا واحد من المسلمين ، فهذا عليّ نفسه مصرّح بأن أبا بكر أفضل النّاس ، وأفاد بعد ما ذكرنا تفضيل أبي بكر وحده على الكلّ ، وفي بعض ترتيب الثّلاثة ، ولما أجمعوا على تقديم عليّ بعدهم دل على أنه كان أفضل من بحضرته وكان منهم الزّبير وطلحة فثبت أنه كان أفضل الخلق بعد الثلاثة.
هذا واعتقاد أهل السّنّة تزكية جميع الصّحابة والثناء عليهم ، كما أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم إذ قال :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (١) .(٢) .
وقال العلّامة البغداديّ في «أصول الدّين» :(٣)
أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم السّتّة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة وهم : طلحة والزّبير وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرّحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح ، ثم البدريّون ، ثم أصحاب أحد ، ثم أهل بيعة الرّضوان بالحديبية ، واختلف أصحابنا في تفضيل عليّ وعثمان ، فقدم الأشعريّ عثمان ، وبناه على أصله في منع إمامة المفضول.
وقال محمّد بن إسحاق بن خزيمة والحسين بن الفضل البجليّ بتفضيل عليرضياللهعنه ـ وقال القلانسيّ : لا أدري أيهما أفضل ، وأجاز إمامة المفضول.
وقال العلّامة اللقانيّ في جوهرته :
وأوّل التّشاجر الرجز الّذي ورد |
إن خضت فيه واجتنب داء الحسد |
__________________
(١) آل عمران : ١١٠.
(٢) المسايرة ١٦٦ ـ ١٦٨.
(٣) أصول الدين للبغدادي ٣٠٤.
فقال العلّامة البيجوريّ في شرحه عليها :
وقد وقع تشاجر بين علي ومعاوية ـرضياللهعنهما ـ وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق :
فرقة اجتهدت ، فظهر لها أن الحق مع عليّ ، فقاتلت معه ، وفرقة اجتهدت ، فظهر لها أن الحق مع معاوية ، فقاتلت معه ، وفرقة توقّفت.
وقد قال العلماء : المصيب بأجرين والمخطئ بأجر ، وقد شهد الله ورسوله لهم بالعدالة ، والمراد من تأويل ذلك أن يصرف إلى محمل حسن لتحسين الظّنّ بهم فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم ، لأنهم مجتهدون.
وقوله : (إن خضت فيه) أي إن قدّر أنّك خضت فيه فأوّله : ولا تنقص أحدا منهم ، وإنما قال المصنّف ذلك لأن الشّخص ليس مأمورا بالخوض فيما جرى بينهم ، فإنه ليس من العقائد الدّينية ، ولا من القواعد الكلامية ، وليس ممّا ينتفع به في الدّين ، بل ربّما ضرّ في اليقين ، فلا يباح الخوض فيه إلا للرّدّ على المتعصبين ، أو للتّعليم كتدريس الكتب التي تشتمل على الآثار المتعلقة بذلك ، وأما العوام فلا يجوز لهم الخوض فيه لشدّة جهلهم ، وعدم معرفتهم بالتأويل.(١)
وقال السّعد التّفتازانيّ : «يجب تعظيم الصّحابة والكفّ عن مطاعنهم ، وحمل ما يوجب بظاهره الطّعن فيهم على محامل وتأويلات ، سيّما المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرّضوان ، ومن شهد بدرا وأحدا والحديبيّة ، فقال : انعقد على علوّ شأنهم الإجماع ، وشهد بذلك الآيات الصّراح ، والأخبار الصّحاح».
«وللرّوافض سيما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ـرضياللهعنهم ـ والطّعن فيهم بناء على حكايات وافتراءات لم تكن في القرن الثّاني والثّالث ، فإياك والإصغاء إليها ، فإنّها تضلّ الأحداث ، وتحيّر الأوساط وإن كانت لا تؤثر فيمن له استقامة على الصّراط المستقيم ، وكفاك شاهدا على ما ذكرنا أنّها لم تكن في القرون السّالفة ولا فيما بين العترة الطّاهرة ، بل ثناؤهم على عظماء الصّحابة وعلماء السّنّة والجماعة ، والمهديين من خلفاء الدّين مشهور وفي خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ومدائحهم مذكور»(٢) .
__________________
(١) شرح الجوهرة للقاني ١٠٤ ، ١٠٥.
(٢) المقاصد للتفتازاني ٥ / ٣٠٣ ، ٣٠٤.
وقال العلّامة المرعشيّ في «نشر الطّوالع» : «يجب تعظيم جميع أصحاب النّبيصلىاللهعليهوسلم والكفّ عن مطاعنهم ، وحسن الظّنّ بهم ، وترك التّعصّب والبغض لأجل بعضهم على بعض ، وترك الإفراط في محبّة بعضهم على وجه يفضي إلى عداوة آخرين منهم والقدح فيهم ، فإن الله تعالى أثنى عليهم في مواضع كثيرة منها قوله تعالى :( يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ) (١)
الآية.
وقد أحبّهم النّبيصلىاللهعليهوسلم وأثنى عليهم وأوصى أمّته بعدم سبّهم وبغضهم وأذاهم ، وما ورد من المطاعن ، فعلى تقدير صحته له محامل وتأويلات ، ومع ذلك لا يعادل ما ورد في مناقبهم ، وحكي عن آثارهم المرضية وسيرهم الحميدة نفعنا الله بمحبّتهم أجمعين(٢) .
قال : الإمام النّوويّ ـرحمهالله تعالى : واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة ، فلشدّة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام : قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحقّ في هذا الطرف ، وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه فعلوا ذلك ، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخّر عن مساعدة الإمام العدل في قتال البغاة.
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطّرف الآخر ، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيّروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين ، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم ، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخّر عن نصرته في قتال البغاة عليه.
فكلهم معذورون ـرضياللهعنهم ـ ولهذا اتّفق أهل الحق ومن يعتدّ به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهمرضياللهعنهم أجمعين.
__________________
(١) التحريم : ٨.
(٢) نشر الطوالع للعلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده ص ٣٨٥ وما بعدها.
الدواعي والعوامل
التي توافرت في الصحابة حتى استظهروا القرآن والحديث النبوي الشريف وثبتوا فيهما
إن محاولة الطّعن في أصحاب سيّدنا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم هي محاولة للطّعن في القرآن الكريم والسّنّة النبويّة المشرفة فالطّاعن فيهم يريد زعزعة النّاس بكتاب الله وسنة رسولهصلىاللهعليهوسلم مقصده في ذلك افتتان المسلمين عن دينهم فكثرت الأيدي الآثمة من النيل بكتاب الله وسنة رسولهصلىاللهعليهوسلم فاستكثروا على الصّحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أن يكونوا قد حفظوا الحديث الشّريف ، وهذا ما ستراه في الدّفاع عن إمام الحافظين سيدنا أبي هريرة ـرضياللهعنه ـ ومع كل ذلك أبي الله إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.
وإليك ما كتب العلّامة الزّرقانيّ في «مناهل العرفان» فقال : ويزعم أن شبهات القوم كلها متشابهة ، وطرق دفعها هي الأخرى متشابهة ، فإن واجب الحيطة والحذر يقتضينا أن نقيم خطّا منيعا من خطوط الدّفاع عن الكتاب والسّنة ، وأن نؤلف هذا الخطّ من جبهتين قويتين : الجبهة الأولى : تطاول السّماء بتجلية الدواعي والعوامل التي توافرت في الصحابة حتى جعلت منهم كثرة غامرة يحفظون القرآن والحديث ، وينقلونهما نقلا متواترا مستفيضا.
والجبهة الثانية : تفاخر الجوزاء بنظم الدّواعي والعوامل التي توافرت فيهم رضوان الله عليهم ، حتى جعلتهم يتثبّتون أبلغ تثبّت وأدقه في القرآن وجمع القرآن ، وكل ما يتّصل بالقرآن ، وفي الحديث الشّريف ، وكل ما يتّصل بالحديث الشريف.
وإنّي أستمنح الله فتوحا وتوفيقا في هذه المحاولة الجليلة ،( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١) .
أوّلا : عوامل حفظ الصّحابة للكتاب والسّنّة
العامل الأوّل : أنهم كانوا أميين لا يعرفون القراءة ، ولا يحذقون الخطّ والكتابة اللهمّ إلّا نزر يسير لا
__________________
(١) الأنفال : ٤٢ وانظر مناهل العرفان ١ / ٢٨٣ وما بعدها.
يصاغ منهم حكم على المجموع ، وترجع هذه الأميّة السّائدة فيهم إلى غلبة البداوة عليهم وبعدهم عن أسباب الحضارة ، وعدم اتّصالهم اتصالا وثيقا بالأمّتين المتحضّرتين آنذاك الفرس والروم.
ومعلوم أن الكتابة والقراءة وإمحاء الأميّة في أيّة أمّة رهين بخروجها من عهد السّذاجة والبساطة إلى عهد المدنية والحضارة.
ثم إن هذه الأميّة تجعل المرء منهم لا يعوّل إلا على حافظته وذاكرته فيما يهمّه حفظه وذكره ، ومن هنا كان تعويل الصّحابة على حوافظهم يقدحونها في الإحاطة بكتاب الله وسنة رسولهصلىاللهعليهوسلم لأن الحفظ هو السّبيل الوحيدة أو الشّبيهة بالوحيدة إلى إحاطتهم بها ، ولو كانت الكتابة شائعة فيهم لاعتمدوا على النقش بين السّطور بدلا من الحفظ في الصّدور.
نعم ، كان هناك كتّاب للوحي ، وكان بعض الصّحابة يكتبون القرآن لأنفسهم ، إلا أن هؤلاء وهؤلاء كانوا فئة قليلة ، ولعلك لم تنس أن كتابة القرآن في عهد الرّسولصلىاللهعليهوسلم كان الغرض منها زيادة التوثّق والاحتياط للقرآن الكريم بتقييده وتسجيله.
أما السّنة النّبوية فقد نهى النّبيصلىاللهعليهوسلم أصحابه عن كتابتها أوّل الأمر مخافة اللّبس بالقرآن ، إذ قال عليه الصّلاة والسّلام : «لا تكتبوا عنّي ، ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عنّي فلا حرج ، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوَّأ مقعدة من النّار»(١) .
نعم. خشي الرّسولصلىاللهعليهوسلم أن يختلط القرآن بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة كما كانوا يكتبون القرآن ، أو أن تتوزّع جهودهم وهي لا تحتمل أن يكتبوا جميع السّنّة وجميع القرآن فقصرهم على الأهمّ أوّلا وهو القرآن ، خصوصا إذا لاحظنا أن أدوات الكتابة كانت نادرة لديهم إلى حدّ بعيد ، حتى كانوا يكتبون في اللخاف والسّعف والعظام كما علمت.
فرحمة بهم من ناحية ، وأخذا لهم بتقديم الأهمّ على المهمّ من ناحية ثانية ، وحفظا للقرآن أن يشتبه بالسّنّة إذا هم كتبوا السّنّة بجانب القرآن نظرا إلى عزّة الورق ، وندرة أدوات الكتابة ، رعاية لهذه الغايات الثّلاث نهى الرّسول عن كتابة السّنّة.
أما إذا أمن اللّبس ، ولم يخش الاختلاط ، وكان الأمر سهلا على الشّخص فلا عليه أن
__________________
(١) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٢٩٨ ـ ٢٢٩٩ كتاب الزهد والرقائق (٥٣) باب التثبت في الحديث وحكم كتاب العلم (١٦) حديث رقم (٧٢ / ٣٠٠٤) وأحمد في المسند ٣ / ٢١ ، ٣٩ ، ٥٦. والدارميّ في السنن ١ / ١١٩ ـ والحاكم في المستدرك ١ / ١٢٧ ـ وابن عدي في الكامل ٣ / ٩٢٦ ، ٥ / ١٧٧١ وذكره الهندي في كنز العمال حديث رقم ٢٩١٦٨.
يكتب الحديث الشريف كما يكتب القرآن الكريم ، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الإذن بكتابة السّنة آخر الأمر ، والواردة في الإذن لبعض الأشخاص كعبد الله بن عمرو ـرضياللهعنه ـ.
وأيّا ما تكن كتابة القرآن والسّنة النّبويّة ، فإن التّعويل قبل كل شيء كان على الحفظ والاستظهار ، ولا يزال التّعويل حتى الآن على التّلقّي من صدور الرّجال ، ثقة عن ثقة وإماما عن إمام إلى النّبيّصلىاللهعليهوسلم .
غير أنّ الرّجل الأميّ والأمّة الأميّة يكونان أسبق من غيرهما إلى الحفظ ، للمعنى الّذي تقدّم.
العامل الثّاني : أن الصّحابة كانوا أمّة يضرب بها المثل في الذّكاء وقوة الحافظة وصفاء الطّبع ، وسيلان الذّهن وحدّة الخاطر ، وفي التاريخ العربيّ شواهد على ذلك يطول بنا تفصيلها ، حتى لقد كان الرّجل منهم يحفظ ما يسمعه لأوّل مرّة مهما طال وكثر ، وربّما كان من لغة غير لغته ولسان سوى لسانه ، وحسبك أن تعرف أنّ رءوسهم كانت دواوين شعرهم ، وأنّ صدورهم كانت سجلّ أنسابهم ، وأن قلوبهم كانت كتاب وقائعهم وأيّامهم ، كلّ أولئك كانت خصائص كامنة فيهم وفي سائر الأمّة العربيّة من قبل الإسلام ، ثم جاء الإسلام فأرهف فيهم هذه القوى والمواهب ، وزادهم من تلك المزايا والخصائص بما أفاد طبعهم من صقل ، ونفوسهم من طهر ، وعقولهم من سموّ ، خصوصا إذا كانوا يسمعون لأصدق الحديث وهو كتاب الله ، ولخير الهدي ، وهو هدي محمدصلىاللهعليهوسلم .
العامل الثّالث : بساطة هذه الأمّة العربية ، واقتصارها في حياتها على ضروريات الحياة من غير ميل إلى التّرف ، ولا إنفاق جهد أو وقت في الكماليات ، فقد كان حسب الواحد منهم لقيمات يقمن صلبه ، وكان يكفيه من معيشته ما يذكره شاعرهم في قوله : [الطويل]
وما العيش إلّا نومة وتبطّح |
وتمرٌ على رأس النّخيل وماء |
وأنت تعلم أن هذه الحياة الهادئة الوادعة وتلك العيشة الراضية القاصدة توفر الوقت والمجهود ، وترضي الإنسان بالموجود ، ولا تشغل البال بالمفقود ، ولهذا أثره العظيم في صفاء الفكرة ، وقوّة الحافظة وسيلان الأذهان ، خصوصا أذهان الصّحابة في اتجاهها إلى حفظ القرآن وحديث النّبي ـ عليه الصّلاة والسّلام وذلك على حد قول القائل : [من الطويل]
................................. |
فصادف قلبا خاليا فتمكّنا |
العامل الرّابع :
حبّهم الصّادق لله ولرسوله ملك مشاعرهم ، واحتل مكان العقيدة فيهم ، وأنت تعرف من دراسة علم النّفس أنّ الحب إذا صدق وتمكّن حمل المحبّ على ترسّم آثار محبوبه ، والتلذّذ بحديثه ، والتّنادر بأخباره ، ووعى كل ما يصدر عنه ، ويبدو منه ، ومن هنا كان حب الصّحابة لله ورسوله من أقوى العوامل على حفظهم كتاب الله وسنة رسولهصلىاللهعليهوسلم على حد قول القائل : [البسيط]
ها أحاديث من ذكراك تشغلها |
عن الشّراب وتلهيها عن الزّاد |
|
لها بوجهك نور يستضاء به |
ومن حديثك في أعقابها حاد |
|
إذا شكت من كلال السّير واعدها |
روح القدوم فتحيا عند ميعاد |
أما حب الصّحابة العميق لله تعالى فلا يحتاج إلى شرح وبيان ، ولا إلى إقامة دليل عليه وبرهان فهم كما قال فيهم النّبيّصلىاللهعليهوسلم خير القرون قرني ثمّ الّذين يلونهم(١) ، وهم الّذين بذلوا نفوسهم ونفائسهم رخيصة في سبيل رضاه ، وهم الّذين باعوا الدّنيا بما فيها يبتغون فضلا من الله ، وهم الّذين حملوا هداية الإسلام إلى الشّرق والغرب ، وأتوا بالعجب العجاب في نجاح الدعوة الإسلامية بالحضر والبدو ، وكانوا أحرياء بمدح الله لهم غير مرّة في القرآن وبثناء الرسولصلىاللهعليهوسلم عليهم في أحاديث عظيمة الشّأن.
وأمّا مظاهر حبهم للرسولصلىاللهعليهوسلم فما حكاه التاريخ الصادق عنهم من أنه ما كان أحد يحبّ أحدا مثل ما كان أصحاب محمّد يحبون محمّدا ، دم الرّجل منهم رخيص في سبيل أن يفدي رسول اللهصلىاللهعليهوسلم من شوكة يشاكها في أسفل قدمه ، وماء وضوئه يبتدرونه في اليوم الشّديد البرد
__________________
(١) أخرجه الترمذي في السنن ٤ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦ كتاب الشهادات (٣٦) باب (٤) حديث رقم ٢٣٠٢ ، ٢٣٠٣ وقال أبو عيسى هذا حديث غريب من حديث الأعمش وأخرجه البخاري بلفظ خير الناس وكذلك مسلم وهو متفق عليه من رواية عبد الله بن مسعودرضياللهعنه أخرجه البخاري في الصحيح ٧ / ٣ كتاب فضائل أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم (٦٢) باب فضائل أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم (١) حديث رقم ٣٦٥١ واللفظ له وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٩٦٣ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب فضل الصحابة (٥٢) حديث رقم (٢١٢ / ٢٥٣٣) وأحمد في المسند ١ / ٣٧٨ ، ٤٣٤ ، ٤٤٢٣ ، ٤ / ٢٦٧ والبيهقي في السنن ١٠ / ١٢٢ ، ١٦٠ ـ وابن أبي شيبة ١٢ / ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ـ وابن حبان في الموارد حديث رقم ٢٢٨٥ والطبراني في الكبير ٢ / ٣٢٠ ، ١٨ / ٢١٢ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ وأبو نعيم في الحلية ٢ / ٧٨ ، ٤ / ١٢٥ ـ وابن عدي في الكامل ٧ / ٢٦١٠ وذكره الهيثمي في الزوائد ١٠ / ٢٢ ، ٢٣ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٢٤٤٩ ، ٣٢٤٥١ ، ٣٢٤٥٢ ، ٣٢٤٥٣ ، ٣٢٤٩١ ، ٣٢٤٩٥.
يتبركون به ، وأب الواحد منهم وأبناؤه من ألدّ أعدائه ما داموا يعادون محمّدا وحديث محمّد موضع التّنافس من رجالهم ونسائهم ، حتى إذا أعيا الواحد منهم طلابه ، تناوب هو وزميل له الاختلاف إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم على أن يقوم أحدهما بعمل الآخر عند ذهابه ، ويقوم الآخر برواية ما سمعه وعرفه من الرّسول بعد إيابه.
وهذه وافدة النّساء تقول لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم يا رسول الله ، غلبنا عليك الرّجال ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا ممّا علّمك الله ، إلى غير ذلك من شواهد ومظاهر ، تدلّ على مبلغ هذا الحبّ السّامي الشّريف.
ويرحم الله القائل : [الوافر]
أسرت قريش مسلما في غزوة |
فمضى بلا وجل إلى السّيّاف |
|
سألوه : هل يرضيك أنّك سالم |
ولك النّبيّ فدى من الإتلاف |
|
فأجاب كلّا لا سلمت من الرّدى |
ويصاب أنف محمّد برعاف |
ولقد كان من مظاهر هذا الحبّ تسابقهم إلى كتاب الله يأخذون عنه ، ويحفظونه منه ، ثم إلى سنّته الغرّاء يحيطون بأقوالها وأفعالها وأحوالها وتقريراتها ، بل كانوا يتفنّنون في البحث عن هديه وخيره ، والوقوف على صفته وشكله ، كما تجد ذلك واضحا من سؤال الحسن والحسين عن حلية رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وما أجيبا به من تجلية تلك الصّور المحمّدية الرائعة ، ورسمها بريشة المصور الماهر والصّناع القادر ، على يد أبيهما عليّ بن أبي طالب ، وخالهما هند بن أبي هالةرضياللهعنهم أجمعين.
العامل الخامس : بلاغة القرآن الكريم إلى حدّ فاق كلّ بيان ، وأخرس كلّ لسان وأسكت كل معارض ومكابر ، وهدم كلّ مجادل ومهاتر ، حتى قام ولا يزال يقوم في فم الدنيا معجزة من الله لحبيبه ، وآية من الحقّ لتأييد رسوله ، وبعد كلام الله في إعجازه وبلاغته كلام محمدصلىاللهعليهوسلم في إشراقه وديباجته وبراعته وجزالة ألفاظه وسموّ معانيه وهدايته ، فقد كانصلىاللهعليهوسلم أفصح النّاس وأبلغ النّاس ، وكان العرب إلى جانب ذلك مأخوذين بكل فصيح بليغ ، متنافسين في حفظ أجود المنظوم والمنثور ، فمن هنا هبّوا هبّة واحدة يحفظون القرآن ويفهمون القرآن ، وكذلك السّنّة النّبويّة كانت عنايتهم بحفظها والعمل بها تلي عنايتهم بالقرآن الكريم يتناقلونها ويتبادرونها كما سمعت.
والكلام في أسرار بلاغة القرآن ووجوه إعجازه ، وفي بلاغة كلام النّبوّة وامتيازه وفي
تنافس العرب في ميدان البيان كل ذلك مما لا يحتاج إلى شرح ولا تبيان ، فهذا كتاب الله ينطق علينا بالحقّ ، ويتحدّى بإعجازه كافّة الخلق ، وهذا سحر النّبوّة يفيض بالدّراري واللآلئ ، ويزخر بالهدايات البالغة والحكم الغوالي ، وهذا تاريخ الأدب العربيّ يسجّل لأولئك العرب تفوقهم في صناعة الكلام ، وسبقهم في حلبة الفصاحة كافة الأنام ، وامتيازهم في تذوق أسرار البلاغة خصوصا بلاغة القرآن.
العامل السّادس : التّرغيب في الإقبال على الكتاب والسّنّة علما وعملا ، وحفظا وفهما ، وتعليما ونشرا ، وكذلك التّرهيب من الإعراض عنهما والإهمال لهما.
ففي القرآن الكريم قوله سبحانه :( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ ، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) (١) .
فتأمّل كيف قدم تلاوة القرآن على إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة؟ ونقرأ قوله جلّ ذكره :( كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) .
فانظر كيف حثّ بهذا الأسلوب البارع على تدبّر القرآن والتذكّر والاتّعاظ به.
ونقرأ قوله عزّ اسمه :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (٣) .
فتدبّر كيف يكون وعيد من كتم القرآن وهدى القرآن؟
ثم نقرأ في السّنّة النّبوية قولهصلىاللهعليهوسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السّكينة ، وغشيتهم الرّحمة ، وحفّتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده»(٤) .
__________________
(١) [فاطر : (٣٠)].
(٢) [سورة ص آية : (٢٩)].
(٣) [البقرة : ١٥٩].
(٤) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٧٤ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (٤٨) حديث رقم (٣٨ / ٢٦٩٩) وأبو داود في السنن ١ / ٤٦٠ كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن حديث رقم ١٤٥٥ وابن ماجة في السنن ١ / ٨٢ المقدمة باب فضل العلماء والحث على طلب العلم (١٧) حديث رقم ٢٢٥ وذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٥ / ٨.
وفي «الصّحيحين» قولهصلىاللهعليهوسلم : «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه»(١) .
وفي السّنة قولهصلىاللهعليهوسلم : «عرضت عليّ ذنوب أمّتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أتاها رجل ثمّ نسيها»(٢) .
أليس ذلك وأمثال ذلك وهو كثير يحفز الهمم ويحرّك العزائم إلى حفظ القرآن واستظهاره والمداومة على تلاوته مخافة الوقوع في وعيد نسيانه ، وهو وعيد شديد؟
أمّا السّنّة النّبوية فقد جاء في شأنها عن الله تعالى :( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٣) ، وقوله :( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) (٤) ، وقوله :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) (٥) ، وقوله :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٦) .
وجاء ترغيبا في السّنّة النّبوية من الحديث الشّريف قولهصلىاللهعليهوسلم «نضّر الله امرأ سمع منّا حديثا فأدّاه كما سمعه ، فربّ مبلّغ أوعى من سامع»(٧) ، وهو حديث متواتر.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٣٣٠ كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن حديث رقم ٥٠٢٧ وأبو داود في السنن ١ / ٤٦٠ كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن حديث رقم ١٤٥٢ والترمذي في السنن ٥ / ١٥٩ ـ ١٦٠ كتاب فضائل القرآن (٤٦) باب ما جاء في تعليم القرآن (١٥) حديث رقم ٢٩٠٧ ، وقال هذا حديث حسن صحيح ٢٩٠٨ وابن ماجة في السنن ١ / ٧٦ ـ ٧٧ المقدمة باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (١٦) حديث رقم ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٣ وأحمد في المسند ١ / ٥٨ ، ٦٩ ـ والدارميّ في السنن ٢ / ٤٣٧ وابن سعد ٦ / ١١١ ـ والخطيب في التاريخ ٤ / ١٩ ، ١٠٩ ، ١٠ / ٤٥٩ ـ ١١ / ٣٥ ، وأبو نعيم في الحلية ٤ / ١٩٤ وابن عدي في الكامل ٢ / ٦١٠ ، ٣ / ١٢٣٤ ، ٤ / ١٥٦٨ ، ٥ / ١٩٣٨ وذكره المنذري في الترغيب ٢ / ٣٤٢ والهيثمي في الزوائد ٧ / ١٦٩ ـ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٢٣٥١ ، ٢٣٥٣.
(٢) أخرجه أبو داود في السنن ١ / ١٧٩ كتاب الصلاة باب في كنس المسجد حديث رقم ٤٦١ والترمذي في السنن ٥ / ١٦٣ ـ ١٦٤ كتاب فضائل القرآن (٤٦) باب (١٩) حديث رقم ٢٩١٦ وقال أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٣) [الحشر : ٧].
(٤) [النساء : ٨٠].
(٥) [الأحزاب : ٢١].
(٦) [النساء : ٦٥].
(٧) أخرجه أبو داود في السنن ٢ / ٣٤٦ كتاب العلم باب فضل نشر العلم حديث رقم ٣٦٦٠ والترمذي في السنن ٥ / ٣٣ كتاب العلم (٤٢) باب ما جاء من الحث على تبليغ السماع (٧) حديث رقم ٢٦٥٦ ، ٢٦٥٧ وقال أبو عيسى : حديث حسن وقال : هذا حديث حسن صحيح وابن ماجة في السنن ١ / ٨٥ المقدمة ـ
الإصابة /ج١/م٣
وقولهصلىاللهعليهوسلم في خطبة حجة الوداع : «ألا فليبلّغ الشّاهد الغائب ، فلعلّ بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه»(١) .
وجاء ترهيبا من الإعراض عن السّنّة قولهصلىاللهعليهوسلم : «من رغب عن سنّتي فليس منّي»(٢) .
وقولهصلىاللهعليهوسلم : «ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنّي ، وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله تعالى ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه ، وما وجدنا فيه حراما حرّمناه ، وإنّ ما حرّم رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كما حرّمه الله»(٣) .
فأنت ترى في الآيات والأحاديث الشّريفة ما يحفز همّة المؤمن الضّعيف إلى الإقبال على روائع النّبوة يستهديها ، وبدائع النّبيّصلىاللهعليهوسلم يستظهرها ، فكيف أنت والصّحابة الّذين كانوا لا يضارعون طول باع ولا علوّ همّة في هذا الميدان؟
العامل السّابع : منزلة الكتاب والسّنّة من الدّين ، فالكتاب هو أصل التّشريع الأوّل والدّستور الجامع لخير الدّنيا والآخرة ، والقانون المنظم لعلاقة الإنسان بالله ، وعلاقته بالمجتمع الّذي يعيش فيه ، ثمّ السّنّة هي الأصل الثّاني للتّشريع ، وهي شارحة للقرآن الكريم ، مفصّلة لمجمله ، مقيّدة لمطلقه ، مخصّصة لعامه ، مبيّنة لمبهمه ، مظهرة لأسراره كما قال سبحانه :( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٤)
__________________
ـ باب من بلغ علما (١٨) حديث رقم ٢٣٠ ـ وأحمد في المسند ٤ / ١٨٠ ، ٨٢ والطبراني في الكبير ١٧ / ٤٩ ، ١٥٨ ، ٢ / ١٣١ ، ٤ / ١٧٢ والحاكم في المستدرك ١ / ٨٦ ـ وأبو نعيم في الحلية ٧ / ٣٣١ والدارميّ في السنن ١ / ٧٥ ـ وابن عساكر ٦ / ١٥٩ وذكره المنذري في الترغيب ١ / ١٠٨ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٢٩١٦٥ ، ٢٩١٦٦.
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ٦٣ كتاب العلم باب ليبلغ العلم حديث رقم ١٠٥ وابن ماجة في السنن ١ / ٨٦ المقدمة باب من بلغ علما (١٨) حديث رقم ٢٣٤ ، ٢٣٥ ـ وأحمد في المسند ٥ / ٣٧ ، ٤٥ والبيهقي في السنن ٥ / ١٦٦ ـ والبيهقي في دلائل النبوة ١ / ٢٣ ـ وذكره الهيثمي في الزوائد ٤ / ١٧٥.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ٧ / ٢ كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح حديث رقم ٥٠٦٣ وأحمد في المسند ٢ / ١٥٨ ، ٣ / ٢٤١ ، ٢٥٩ ، ٢٨٥ ، ٥ / ٤٠٩ والدارميّ في السنن ٢ / ١٣٣ ـ والبيهقي في السنن ٧ / ٧٧ وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم ١٩٧ وابن سعد في الطبقات ١ / ٢ / ٩٥ والخطيب في التاريخ ٣ / ٣٣٠ ـ وأبو نعيم في الحلية ٣ / ٢٢٨ ـ وذكره المنذري في الترغيب ١ / ٨٧ والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٧ ، ٣٠٧.
(٣) أخرجه أبو داود في السنن ٢ / ٦١٠ كتاب السنة باب في لزوم السنة حديث رقم ٤٦٠٤ بلفظ مقارب وأحمد في المسند ٤ / ١٣١ عن المقدام بن معديكرب الكندي.
(٤) النحل : ٤٤.
ومن هنا يقول ابن كثير : «السّنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السّنّة» ، يريد بهذه الكلمة ما وضحه السّيوطيّ بقوله : والحاصل أن معنى احتياج القرآن إلى السّنّة أنها مبيّنة له ومفصّلة لمجملاته ، لأن فيه لو جازته كنوزا يحتاج إلى من يعرف خفايا خباياها فيبرزها ، وذلك هو المنزل عليهصلىاللهعليهوسلم وهو معنى كون السّنّة قاضية على الكتاب ، وليس القرآن مبيّنا للسّنّة ولا قاضيا عليها ، لأنها بيّنة بنفسها ، إذ لم تصل إلى حدّ القرآن في الإعجاز والإيجاز ، لأنها شرح له ، وشأن الشّرح أن يكون أوضح وأبين وأبسط من المشروح».
ولا ريب أنّ الصّحابة كانوا أعرف النّاس بمنزلة الكتاب والسّنّة ، فلا غرو أن كانوا أحرص على حذقهما وحفظهما والعمل بهما.
العامل الثّامن : ارتباط كثير من كلام الله ورسوله بوقائع وحوادث وأسئلة من شأنها أن تثير الاهتمام ، وتنبّه الأذهان ، وتلفت الأنظار إلى قضاء الله ورسوله فيها ، وحديثهما عنهما وإجابتهما عليها ، وبذلك يتمكّن الوحي الإلهي والكلام النّبويّ في النّفوس أفضل تمكن ، وينتقش في الأذهان على مرّ الزّمان.
انظر إلى القرآن الكريم تجده يساير الحوادث والطّوارئ في تجددها ووقوعها ، فتارة يجيب السّائلين على أسئلتهم بمثل قوله تعالى :( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) (١) .
وتارة يفصّل في مشكلة قامت ، ويقضي على فتنة طغت بمثل قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) ، إلى قوله :( مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) (٢) .
وهي ستّ عشرة آية نزلت في حادث من أروع الحوادث هو اتّهام أمّ المؤمنين سيدتنا الجليلة السيدة أم المؤمنين عائشة زوج رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، الصّديقة بنت الصّديق ، وفي هذه الآيات دروس اجتماعية قرئت ، ولا تزال تقرأ على النّاس إلى يوم القيامة ، ولا تزال تسجل براءة الحصان الطاهرة من فوق سبع سماوات ، وتارة يلفت القرآن أنظار المسلمين إلى تصحيح أغلاطهم الّتي وقعوا فيها ، ويرشدهم إلى شاكلة الصّواب كقوله في سورة آل عمران.( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ ) إلخ الآيات ، التي نزلت في
__________________
(١) الإسراء : ٨٥.
(٢) النور : ١١ ـ ٢٦.
غزوة أحد والتي تدل المسلمين على خطئهم في هذا الموقف الرّهيب ، وتحذرهم أن يقعوا حينا آخر في مثل هذا المأزق العصيب.
وعلى هذا النّمط نزلت سور في القرآن وآيات تفوق الحصر.
وإذا نظرت في السّنّة رأيت العجب ، انظر إلى قصّة المخزومية التي سرقت ، وقول الرّسولصلىاللهعليهوسلم لمن شفع فيها : «وايم الله ، لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها»(١) ثم تأمّل حادث تلك المرأة الجهنية الّتي أقرّت بزناها بين يدي رسول الله وهي حبلى من الزّنا ، كيف أمر رسول الله فكفلها وليّها حتى وضعت حملها ثم أتى بها فرجمت ثم صلّى رسول الرّحمة عليها؟ ، ولمّا سئلصلىاللهعليهوسلم كيف تصلي عليها وهي زانية؟ قال : «إنّها تابت توبة لو قسّمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها للهعزوجل »(٢) .
وتدبّر الحديث المعروف بحديث جبريل ، وفيه يسأل جبريل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والسّاعة وأشراطها على مرأى ومسمع من الصّحابة ، وقد قال لهم أخيرا : «هذا جبريل أتاكم يعلّمكم دينكم»(٣) .
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٢٨٧ كتاب الحدود باب كراهية الشفاعة حديث رقم ٦٧٨٨ ومسلم في الصحيح ٣ / ١٣١٥ كتاب الحدود (٢٩) باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود (٢) حديث رقم (٨ / ١٦٨٨ ، ٩ / ١٦٨٨) وأبو داود في السنن ٢ / ٥٣٧ كتاب الحدود باب في الحد يشفع حديث رقم ٤٣٧٣ والترمذي في السنن ٤ / ٢٩ كتاب الحدود (١٥) باب ما جاء من كراهية أن يشفع في الحدود (٦) حديث رقم ١٤٣٠ والنسائي في السنن ٨ / ٧٣ ـ ٧٤ كتاب قطع السارق (٤٦) باب اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر الزهري في المخزومية التي سرقت (٦) حديث ٤٨٩٩ وابن ماجة في السنن ٢ / ٨٥١ كتاب الحدود (٢٠) باب الشفاعة في الحدود (٦) حديث رقم ٢٥٤٧ ـ والدارميّ في السنن ٢ / ١٧٣ ـ والبيهقي في السنن ٨ / ٢٥٣ والبيهقي في دلائل النبوة ٥ / ٨٨ ـ وذكره ابن كثير في التفسير ٣ / ١٠٤.
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ٣ / ١٣٢١ ـ ١٣٢٤ كتاب الحدود (٢٩) باب من اعترف على نفسه بالزنا (٥) حديث رقم (٢٢ / ١٦٩٥) ، (٢٣ / ١٦٩٥) ، (٢٤ / ١٦٩٦) وأبو داود في السنن ٢ / ٥٥٦ كتاب الحدود باب المرأة التي أمر النبي برجمها من جهينة حديث رقم ٤٤٤٠ والترمذي في السنن ٤ / ٣٣ كتاب الحدود (١٥) باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع (٩) حديث رقم ١٤٣٥ وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والنسائي في السنن ٤ / ٦٣ كتاب الجنائز باب الصلاة على المرجوم (٦٤) حديث رقم ١٩٥٧ ـ وأحمد في المسند ٤ / ٤٤٠ والطبراني في الكبير ١٨ / ١٩٧ ـ وابن حبان في صحيحه حديث رقم ١٥١٢ وذكره المنذري في الترغيب ٤ / ١٠٠ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ٥٨١.
(٣) متفق عليه أخرجه البخاري في الصحيح ١ / ١١٤ ، كتاب الإيمان (٢) باب سؤال جبريل النبيصلىاللهعليهوسلم (٣٧) ـ
والنّاظر في السّنّة يجدها في كثرتها الغامرة تدور على مثل تلك الوقائع والحوادث والأسئلة.
وقد قرر علماء النّفس أنّ ارتباط المعلومات بأمور مقارنة لها في الفكر ، تجعلها أبقى على الزّمن وأثبت في النفس ، فلا بدع أن يكون ما ذكرنا داعية من دواعي حفظ الصحابة لكتاب الله وسنّة رسولهصلىاللهعليهوسلم على حين أنهم هم المشاهدون لتلك الوقائع والحوادث المشافهون بخطاب الحقّ ، المواجهون بخطاب الحق ، المواجهون بكلام سيّد الخلق في هذه المناسبات الملائمة والأسباب القائمة التي تجعل نفوسهم مستشرفة لقضاء الله فيها ، متعطشة إلى حديث رسوله عنها ، فينزل الكلام على القلوب ، وهي متشوّقة كما ينزل الغيث على الأرض وهي متعطّشة تنهله بلهف ، وتأخذه بشغف ، وتمسكه وتحرص عليه بيقظة ، وتعتز به وتعتد عن حقيقة ، وتنتفع به وتنفع ، بل تهتز به وتربو ، وتنبت من كل زوج بهيج.
العامل التّاسع : اقتران القرآن دائما بالإعجاز ، واقتران بعض الأحاديث النبويّة بأمور خارقة للعادة ، تروع النّفس ، وتشوق النّاظر وتهول السّامع وإنما اعتبرنا ذلك الإعجاز وخرق العادة من عوامل حفظ الصّحابة ، لأنه الشّأن فيما يخرج على نواميس الكون وقوانينه العامّة أنه يتقرّر في حافظة من شاهده ، وأنه يتركز في فؤاد كل من عاينه فردا كان أو أمّة ، حتى لقد يتخذ مبدأ تؤرخ بحدوثه الأيّام والسّنون ، وتقاس بوجوده الأعمار.
أمّا القرآن الكريم فإعجازه سار فيه سريان الماء في العود الأخضر ، لا تكاد تخلو سورة ولا آية منه ، وأعرف الناس بوجوه إعجازه وأعظمهم ذوقا لأسرار بلاغته هم أصحاب محمّدصلىاللهعليهوسلم لأنّهم يصدرون في هذه المعرفة وهذا الذّوق عن فطرتهم العربية الصّافية وسليقتهم السّليمة السّامية ، ومن هذا كان القرآن حياتهم الصّحيحة به يقومون ويقعدون وينامون ويستيقظون ويعيشون ويتعاملون ، ويلتذّون ويتعبدون وهذا هو معنى كونه روحا في قول الله سبحانه :( وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ) (١) .
وليست هناك طائفة في التّاريخ تمثل فيها القرآن روحا كما تمثّل في هذه الطّبقة العليا الكريمة طبقة الصّحابة الذين وهبوه حياتهم فوهبهم الحياة ، وطبعهم طبعة جديدة حتى
__________________
ـ حديث رقم (٥٠) ـ ومسلم في الصحيح ١ / ٤٥ كتاب الإيمان (١) باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان (١) حديث (٧ / ١٠).
(١) [الشورى : ٥٢].
صاروا أشبه بالملائكة ، وهكذا سواهم الله بكتابه خلقا آخر.( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) .
وأما السّنّة النّبوية فقد اقترن بعضها بمعجزات خارقة وأمامك أحاديث المعجزات ، وهي كثيرة فيها المعجب والمطرب غير أنّا نربأ بك أن تكون فيها كحاطب ليل على حين أن بين أيدينا في الصّحيح منها الجمّ الغفير والعدد الكثير ، «ولا ينبئك مثل خبير».
وهذا نموذج واحد ، عن أبي العبّاس سهل بن سعد السّاعديّرضياللهعنه أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال يوم خيبر : «لأعطينّ هذه الرّاية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله» فبات النّاس يدوكون(١) ليلتهم أيّهم يعطاها ، فلما أصبح النّاس غدوا على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كلّهم يرجو أن يعطاها. فقال : أين عليّ بن أبي طالب؟ فقيل : يا رسول الله ، هو يشتكي مرضا بعينيه ، قال : فأرسلوا إليه فأتي به ، فبصق رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بعينيه ، ودعا له ، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الرّاية ، فقال عليّرضياللهعنه يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله تعالى فيه ، والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم(٢) »(٣) .
وهذه الوصيّة من رسول الله لعليّ جديرة أن تقطع لسان من يقول : إنّ الإسلام انتشر بحدّ السّيف( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً ) (٤) .
__________________
(١) يعني يخوضون.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ٤ / ١٤٥ كتاب الجهاد والسير باب فضل من أسلم على يديه رجل حديث رقم ٣٠٠٩ ومسلم في الصحيح ٤ / ١٨٧١ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب من فضائل علي بن أبي طالبرضياللهعنه حديث رقم (٣٢ / ٢٤٠٤) ، (٣٣ / ٢٤٠٥) والترمذي في السنن ٥ / ٥٩٦ كتاب المناقب (٥٠) باب ٢١ حديث رقم ٣٧٢٤ ـ وابن ماجة في السنن ١ / ٤٥ المقدمة باب فضائل أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوسلم فضل علي بن أبي طالب حديث رقم ١٢١ ـ وأحمد في المسند ١ / ٩٩ ، ١٨٥ ، ٤ / ٥٢ والبيهقي في السنن ٦ / ٣٦٢ ، ٩ / ١٣١ ـ وابن سعد ٢ / ١ / ٨٢ والطبراني في الكبير ١٨ / ٢٣٧ ، ٢٣٨ وأبو نعيم في الحلية ٤ / ٣٥٦ وذكره الهيثمي في الزوائد ٩ / ١٢٦ ، ١٢٧.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ٤ / ١٢٣ كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبيصلىاللهعليهوسلم حديث رقم ٢٩٤٢ ، ٤ / ١٤٥ كتاب الجهاد والسير باب فضل من أسلم على يديه حديث رقم ٣٠٠٩ ، ٥ / ٨٨ كتاب المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب حديث رقم ٣٧٠١ ومسلم في الصحيح ٤ / ١٨٧٢ كتاب فضائل الصحابة (٤٤) باب من فضائل علي بن أبي طالبرضياللهعنه (٤) حديث رقم (٣٤ / ٢٤٠٦) ـ وأحمد في المسند ٥ / ٣٣٣ والبيهقي في السنن ٩ / ١٠٧ وذكره ابن عبد البر في التمهيد ٢ / ٢١٨ والهيثمي في الزوائد ٥ / ٣٣٧.
(٤) [الكهف : ٥].
العامل العاشر
حكمة الله ورسوله في التّربية والتّعليم ، وحسن سياستهما في الدّعوة والإرشاد مما جعل الكتاب والسّنة يتقرران في الأذهان ، ويسهلان على الصّحابة في الحفظ والاستظهار.
أما القرآن الكريم فحسبك أن تعرف من حكمة الله في التربية والتعليم أنه أنزله على الأمة الإسلامية باللغة الحبيبة إلى نفوسهم ، وبالأسلوب الخلّاب والنّظم المعجز الآخذ بقلوبهم. وأنه تدرج بهم في نزوله ، فلم ينزل جملة واحدة يرهقهم به ويعجزون عنه بل أنزله منجما في مدى عشرين أو بضع وعشرين سنة ، ثم ربطه بالحوادث والأسباب الخاصة في كثير من آياته وسوره ، ودعمه بالدليل والحجة ، وخاطب به العقول والضّمائر ، وناط به مصلحتهم وخيرهم وسعادتهم ، وصدر في ذلك كلّه عن رحمة واسعة بهم يكادون يلمسونها باليد ويرونها بالعين( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ، وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (١) .( مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) (٢) .
وأما السّنة النّبوية فلقد كان محمدصلىاللهعليهوسلم هو المعلّم الأوّل في رعاية تلك الوسائل الموضحة ، ذلك لأنهصلىاللهعليهوسلم كان أفصح النّاس لسانا وأوضحهم بيانا ، وأجودهم إلقاء ، ينتقي عيون الكلام وهو الّذي أوتي جوامع الكلم ، ولا يسرد الحديث سردا يزري برونقه أو يذهب بشيء منه ، يل يتكلّم كلاما لو عدّه العادّ لأحصاه ، وكان يعيد الكلمة ثلاثا أو أكثر من ثلاث عند الحاجة كيما تحفظ عنه كما جاء عنهصلىاللهعليهوسلم قوله : «هلك المتنطّعون»(٣) قالها ثلاثا ، وقال : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ـ ثلاثا ـ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : «الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، ألا وقول الزّور وشهادة الزّور ـ وكان متكئا فجلس ـ فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»(٤) .
__________________
(١) [المائدة : ٦].
(٢) [فصلت : ٤٦].
(٣) أخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢٠٥٥ كتاب العلم (٤٧) باب هلك المتنطعون (٤) حديث رقم (٧ / ٢٦٧٠) والطبراني في الكبير ١٠ / ٢١٦ ـ وذكره ابن حجر في فتح الباري ١٣ / ٢٦٧ ـ والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ٤٧٨٥ ـ والزبيدي في الإتحاف ٢ / ٥٠.
(٤) أخرجه البخاري في الصحيح ٨ / ٥ ، ٦ كتاب الأدب باب عقوق الوالدين ـ حديث رقم ٥٩٧٦ ، ٥٩٧٧ ، ٣ / ٣٣٩ كتاب الشهادات باب ما قيل في شهادة الزور حديث رقم ٢٦٥٤ ـ ومسلم في الصحيح ١ / ٩١ كتاب الإيمان (١) باب بيان الكبائر وأكبرها (٣٨) حديث رقم (١٤٣ / ٨٧ ، ١٤٤ / ٨٨) وأحمد في المسند ٣ / ١٣١ ، ٥ / ٣٦ ، ٣٨ ـ والبيهقي في السنن ١٠ / ١٢١ ـ والطبراني في الكبير ١٨ / ١٤٠ ـ
وكانصلىاللهعليهوسلم إذا خطب احمرّت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : صبّحكم ومسّاكم ، ويقول : «بعثت أنا والسّاعة كهاتين(١) ـ ويقرن بين إصبعيه السّبّابة والوسطى ـ ويقول : أمّا بعد فإنّ خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمّد ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة» ثم يقول : «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه ، من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإليّ وعليّ»(٢) .
ومن وسائل إيضاحهصلىاللهعليهوسلم أنه كان يضرب لهم الأمثال الرّائعة الّتي تجلّي لهم المعاني. ضرب لأصحابه المثل في ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطر إهمالهما فقال : «مثل القائم في حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الّذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا ، لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ، ونجوا جميعا»(٣) .
__________________
ـ والطبري في التفسير ٥ / ٢٨ ـ وذكره المنذري في الترغيب ٣ / ٢٢١ والهيثمي في الزوائد ١ / ١٠٦ ـ وابن عبد البر في التمهيد ٥ / ٧٢ والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٧ / ٥١٥ ، ٨ / ٥٣٨.
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ٧ / ٩٣ كتاب الطلاق باب اللعان حديث رقم ٥٣٠١ ، ٨ / ١٩٠ كتاب الرقاق باب قول النبيصلىاللهعليهوسلم بعثت حديث رقم ٦٥٠٤ ، ٦٥٠٥ ومسلم في الصحيح ٤ / ٢٢٦٨ كتاب الفتن وأشراط الساعة (٥٢) حديث رقم (١٣٣ / ٢٩٥١) ، ١٣٤ ، ٩٥١ ، (١٣٥ / ٢٩٥١) ـ والترمذي في السنن ٤ / ٤٢٩ كتاب الفتن (٣٤) باب ما جاء فيقول النبي صلىاللهعليهوسلم بعثت أنا والساعة كهاتين يعني السبابة والوسطى (٣٩) حديث رقم ٢٢١٣ ، ٢٢١٤ والنسائي في السنن ٣ / ١٨٩ كتاب صلاة العيدين (١٩) باب كيف الخطبة (٢٢) حديث رقم ١٥٧٨ وابن ماجة في السنن ١ / ٤٥ المقدمة باب اجتناب البدع والجدل (٧) حديث رقم ٤٥ ـ وأحمد في المسند ٣ / ١٢٤ ، ٣٠ ، ١٣١ ، ١٩٣ ، ٢٣٧ ، ٢٧٥ ، ٢٨٣ ، ٣١٩ ، ٥ / ١٠٣ ، ٨ والبيهقي في السنن ٣ / ٢٠٦ ، ٢١٣ ـ وابن خزيمة في صحيحه حديث رقم ١٧٨٥ ـ والطبراني في الكبير ٢ / ٢٢٧ ، ٦ / ٢٠٨ ، ٢٤٣ ، ٦٦ وابن عساكر ٤ / ١٩٩ ، ٥ / ٤٣٣ ، ٧ / ١٢١ وابن سعد ١ / ٢ / ٩٨ ـ والبخاري في التاريخ الكبير ٣ / ٣٥٥ والخطيب في التاريخ ٦ / ٢٨١ ـ وذكره المنذري في الترغيب ١ / ٨٣ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٣٨٣٤٨ ، ٣٨٣٤٩ ، ٣٨٣٥٠ ، ٣٩٥٧١ ـ والهيثمي في الزوائد ١ / ٣١٤ ، ٣١٥.
(٢) أخرجه مسلم في الصحيح ٢ / ٥٩٢ كتاب الجمعة (٧) باب تخفيف الصلاة والخطبة (١٣) حديث رقم (٤٣ / ٨٦٧) والبيهقي في السنن ٣ / ٢٠٧ ـ وذكره ابن حجر في فتح الباري ٢ / ٤٠٥ ـ والتبريزي في مشكاة المصابيح حديث رقم ١٤١.
(٣) أخرجه البخاري في الصحيح ٣ / ٢٧٨ كتاب الشركة باب هل يقرع حديث رقم ٢٤٩٣ وأحمد في المسند ٤ / ٢٦٩ ـ والبيهقي في السنن ١٠ / ٢٨٨ وذكره المنذري في الترغيب ٣ / ٢٢٥ وابن كثير في التفسير ٣ / ٥٧٩ والهندي في كنز العمال حديث رقم ٥٥٣٣.