• البداية
  • السابق
  • 345 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 5885 / تحميل: 4844
الحجم الحجم الحجم
المدرسة القرآنيّة

المدرسة القرآنيّة

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

من إفرازات الإدمان على تلك المواد المخدّرة ، وسيعيش النّدم الشّديد في تلك الحال ، ويتأسف على ما إقترفته يداه ، ولكن أنىّ للتأسّف أن يحلّ المشكلة ، وقد اغلق عليه سبيل العودة ، إلى الحريّة والكرامة كما هو الغالب.

فالوصايا الأخلاقية ، للحثّ على العفّة والأمانة والصّدق والرجولة ، كلّها من هذا القبيل ، والمجتمع الذي تتفشى فيه الخطيئة والخيانة ، كيف يعيش أفراده حالة اللّذّة المعنويّة والسّعادة ، في حركة الحياة والواقع الإجتماعي؟

فالناس الّذين ملأ البخل وجودهم ، ويطلبون كلّ شيءٍ لنفعهم ولذّتهم الشّخصية ، لا تكون لديهم حصانةٌ أمام المشكلات ، وسيكونون عرضةً للتّمزق والتشرذم ، لأدنى أزمةٍ على مستوى الحياة الدنيويّة ، لأنّ الفرد في ذلك المجتمع يكون وحيداً فريداً ، والصّمود أمام المشكلات ، لمن يعيش الوحدة والإنفراد ، أمرٌ في غاية الصّعوبة ، ولكن إذا تفشّت روح التّعاون والسّخاء والرجولة في المجتمع ، فسينطلق الناس من موقع مساعدة بعضهم البعض ، وعند ما يقع أحد الناس في مأزقٍ ، فسيعينه الآخرون ، فلا يشعر الفرد بالوحدة هناك ، بل سيجد في نفسه عنصر المقاومة والصّمود أمام المشكلات والأزمات.

وهذا ما أشرنا إليه سابقاً بالتّفصيل ، وبالإعتماد على الآيات القرآنيّة الكريمة ، بأنّ الاصول الأخلاقيّة عند تطبيقها ، لها بُعدان وفائدتان : معنويّة وماديّة ، ومع غضّ النّظر عن البُعد المعنوي ، فالبُعد المادي فيها له شموليّةٌ واسعةٌ ، ويستحق معها التمسّك بكلّ الاصول الأخلاقيّة ، كي نعمّر دنيانا ونجعل منها جنّةً مليئةً باللّذة ، ونتجنّب النّار المحرقة ، المتولدة من الوقوع في وَحِل المفاسد الأخلاقيّة.

والآن نبحث في المذهب القائل : بأنّ الأخلاق الدينيّة على مستوى الممارسة والتّطبيق ، والّتي تنشأ في الحقيقة من طاعة الله تعالى خوفاً أو طمعاً. وهذه الامور تُعتبر مضادّةً للأخلاق؟(١) .

__________________

١ ـ يرجى الرجوع لكتاب : (تجديد حيات معنوي جامعة) ، ص ١٦٩.

٨١

ويمكن أن يُنتقد هذا الكلام من جهتين :

١ ـ التّعبير بالخوف والطّمع ، تعبيرٌ غير صحيح ، والصّحيح أن يُقال ، بأنّ بعض أتباع الأديان ، ولأجل نَيل السّعادة الاخرويّة ، والنّجاة من العقوبات الناشئة من العدل الإلهي ، يتخلّقون بالأخلاق الحسنة ، لكنّه ليس أمراً يخالف الأخلاق ، لأنّه يُبدّل لذّة الحياة الفانية بلذّة الآخرة الباقية ، ويُفدي المصادر الصغيرة بالمواهب الكبيرة.

٢ ـ هل يرتكب الشخص أمراً مخالفاً للأخلاق ، لأنّه لا يكذب ولا يخون ، بدافع من خشيته من فضيحة الكذب والخيانة؟ ، أو ذاك الذي يمتنع من الشّراب ، ويتجنب المادة المخدّرة ، ليحافظ على صحته وسلامته ، هل يكون عمله هذا منافياً للقيم الأخلاقية؟

وكذلك الشّخص الذي يُداري النّاس ويتواضع لهمُ ويعاملهم بأدبٍ وإحترام ، لئلّا يفقدهم ولا يبقى وحيداً فريداً في هذه الدنيا ، فهل يرتكب بذلك عملاً مُخالفاً للأخلاق؟.

والخلاصة : إنّ كلّ عملٍ أخلاقي ، له آثار ومنافع ماديّة في حركة الإنسان والحياة ، ولا يمكن تسميّة تلك الآثار بالطّمع ، وكذلك الحال في الإمتناع ، عن بعض السّلوكيات المشينة والأفعال القبيحة ، لا يمكن أن يعبّر عنه ، بالخوف والجُبن في دائرة الصّفات الأخلاقيّة.

٨٢

٦

اصول المسائل الأخلاقيّة في القرآن الكريم

قبل الخَوض في هذا البحث ، يتحتم علينا إلقاء نظرة على اصول المسائل الأخلاقيّة فيالمذاهب الاخرى :

١ ـ جَمعٌ من الفلاسفة القدماء ، الذين يُعتبرون من المؤسّسين لعلم الأخلاق ، جعلوا للأخلاق أربعة اسس ، أو بالأحرى لخّصوا الفضائل الأخلاقيّة في أربعة اصول ، هي :

١ ـ الحكمة.

٢ ـ العفّة.

٣ ـ الشجاعة.

٤ ـ العدالة.

وأحياناً يضمّون إليها العبوديّة لله تعالى ، ويجعلونها خمسة اصول.

ويعتبر المؤسّس لهذا المذهب هو«سقراط» ، فكان يعتقد أنّ : (الأخلاق تعتمد على معرفة الحسن والقبيح من الأفعال ، والفضيلة بصورةٍ مطلقةٍ ليست هي إلّا العلم والحكمة ؛ أمّا العلم في مورد الخوف أو الإقدام ، يعني العلم والاطّلاع على الشّيء الذي يتوجب على الإنسان الخوف منه ، أو عدم الخوف من شيءٍ ما يعتبر من «الشّجاعة» ، وإذا كان في صدد المُنى النفسية ، فيدّعي ب :«العفّة» ، وإذا كان العلم بالقواعد الحاكمة على ملاقات الناس وروابطهم مع بعضهم

٨٣

البعض ، فالمقصود منه هو«العدالة» ، وإذا كان العلم في دائرة وظائف الإنسان مع خالقه هو«التدين والعبودية» ، فهذه الفضائل الخمسة ، يعني : الحكمة ، والشجاعة ، والعفّة ، والعدالة ، والعبودية ، هي الاصول الاولى للأخلاق السُّقراطيّة)(١) .

وكثير من علماء الإسلام الذين كتبوا وبحثوا في علم الأخلاق ، قبلوا هذه الاصول الأربعة أو الخمسة ، ودقّقوا فيها أكثر ، وبنوا لها اصولاً أقوى وأفضل من سابقتها ، وجعلوها أساساً لرؤاهم الأخلاقيّة في كلّ المجالات.

يقولون في نظرتهم الجديدة لهذه الاصول :

إنّ نفس وروح الإنسان فيها ثلاثة قوى هي :

١ ـ قوّة «الإدراك» وتشخيص الحقائق.

٢ ـ قوّة جلب المنفعة أو بتعبير آخر «الشّهوة» ، (بمعناها الوسيع ، لا الجنسيّة فقط وتشمل كلّ طلبٍ وإرادةٍ).

٣ ـ القوّة الدّافعة أو بتعبير آخر «الغضب».

وبعدها إعتبروا الإعتدال في كلّ قوّةٍ ، هو إحدى الفضائل الأخلاقيّة ، وأطلقوا على الفضائل المنبعثة من هذه القوى ب : «الحكمة» و «العفّة» و «الشّجاعة» ، بالترتيب.

وأضافوا أيضاً : كلّما أصبحت قوّة الشّهوة والغضب خاضعة لسلطة القوّة المدركة ، وتمييز الحقّ من الباطل ، فسوف ينتج عندنا الأصل الرّابع وهو «العدالة».

وبعبارةٍ اخرى : إنّ تحقيق الإعتدال في كلّ من القوى الثّلاثة ، يعتبر فضيلةً ، وهذا الإعتدال يسمّى ب : «الحكمة» أو «العفّة» أو «الشّجاعة» ، وتركيبها مع بعضها البعض ، يعني تبعيّة الشّهوة والغضب للقوّة المدركة ، يعتبر فضيلةً اخرَى تسمّى «العدالة» ، وكثيراً ما نرى أنّ الإنسان لديه الشّجاعة وفي حدّ إعتدال قوّة الغضب ، لكنّه لا يوجّهها التّوجيه الصّحيح ، ولا يستعملها الإستعمال الصحيح ، «كما لو إستعملها في الحروب غير الهادفة» ، فهنا قد تكون لديه شجاعة ولكنّها لا تعني العدالة ، أمّا لو إستعمل صفة (الشّجاعة) في نطاق الأهداف السّامية

__________________

١ ـ سير حكمت در اروپا ، ج ١ ، ص ١٨ ، مع شيء من التلخيص.

٨٤

العقلائيّة ، أي مزجها مع الحكمة ، فسيحقّق عندها حالة «العدالة».

وعليه ، فإنّ هذه الفئة من علماء الإسلام ، جعلوا كلّ الفضائل والصّفات الإنسانيّة البارزة ، تحت أحد هذه الاصول ، وبإعتقادهم أنّه لا توجد فضيلة ، إلّا وتندرج تحت أحد هذه العناوين الأربعة ، وبالعكس فإنّ الرذائل دائماً ، تأخذ طريق الإفراط والتّفريط لهذه الفضائل الأربعة.

ومن أراد التّفصيل والاطّلاع على هذا المذهب الأخلاقي ؛ فليراجع كتاب :«إحياء العلوم» وكتاب «المحجّة البيضاء» (١) .

نقد وتحليل :

إنّ التّقسيم الرّباعي المذكور ، ليس وكما يبدو أنّه شيء مُبتكر من قبل حكماء الإسلام ، بل هو نتيجة تحليلات علماء إلاسلام لكلمات حكماء اليونان ، وإسترفادهم من نظرياتهم وآرائهم بعد تنقيحها ، رغم وجود إشارات لها في مصادرنا الروائيّة ، كما جاء في الرواية المرسلة المنسوبة للإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث قال :

«الفَضائِلُ الأربَعَة أَجناسٍ : أحَدُهُما : الحِكْمَةُ وَقِوامُها فِي الفِكرَةِ ، والثَّانِي : العِفَّةُ وَقِوامُها في الشَّهوَةِ ، وَالثَّالِثُ : القُوَّةُ وَقِوامُها فِي الغَضَبِ ، وَالرّابِعُ : العَدلُ وَقِوامُهُ في إِعتِدالِ قُوى النَّفسِ» (٢) .

فكما ترون ، أنّ هذا الحديث لا يوافق بصورةٍ كاملةٍ ، تلك التّقسيمات الأربعة التي ذكرها علماء الأخلاق ، بل هو قريبٌ منها ، وكما أشرنا سابقاً أنّ الحديث مُرسلٌ وسندُه لا يخلو من إشكال.

وعلى كلّ حال فإنّ هذه الاطروحة ، الّتي ذكرها علماء الأخلاق ، أو حُكماء الإغريق

__________________

١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ٩٦ و ٩٧.

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٨١ ، ح ٨٦.

٨٥

واليونان ، ترد عليها هذه المآخذ :

١ ـ بعض الملكات الأخلاقية ، «والّتي هي جزءٌ من الفضائل الأخلاقيّة قطعاً» ، نلاقي صُعوبةً في إدخالها تحت أحد هذه الاصول الأربعة ، فمثلاً (حُسن الظّن) ، يُعتبر من الفضائل ، ويقابله (سُوء الظن) ، فإذا أردنا إدخاله تحت أحد هذه الاصول ، فيجب أن ينضوي في دائرة الحكمة ، والحال أنّنا لا يمكننا أن نجعله من فروع الحكمة ، لأنّ حُسن الظّن شيءٌ آخر غير التّشخيص الصّحيح للواقعيات ، ورُبّما ينفصل عنه بوضوح ، بمعنى أنّ القرائن الظنيّة تشير إلى صدور الذّنب والخطأ من شخصٍ ما ، لكن وبحسن الظنّ يتجاوز عنها.

وكذلك الصّبر على النوائب ، والشكر على النّعمة ، فهو بلا شك يعتبر من الفضائل ، لكنّنا لا نستطيع أن نجعله في دائرة قوّة التّشخيص والإدراك ، ولا في مسألة جلب المنافع ولا دفع المضار ، خُصوصاً إذا كان الشّخص الصّابر والشّاكر ، لا يرتجي منها نفعاً مستقبلياً ، وتمسّكه بها إنّما كان لقيمتها الذاتيّة ، (أي : الصّبر والشّكر).

وقد يوجد غير قليل من أمثال هذه الفضائل ، التي لا يمكن أن نجعلها وندرجها تحت أحد هذه العناويين.

٢ ـ «الحكمة» تعتبر من اصول الفضائل الأخلاقيّة ، والإفراط والتّفريط فيها تُعتبر من الرّذائل الأخلاقيّة ، والحال أنّ الحكمة ترجع إلى تشخيص الحقائق والوقائع ، وتعود الأخلاق للعواطف والغرائز والملكات النفسيّة ، ولا تعود لإدراكات العقل ، وعليه لا يُقال إنّ الُمتفتح الذّهن هو حسن الأخلاق ، فالأخلاق يمكن أن تكون وسيلةً وأداةً للعقل ، ولا تُعتبر قوّة العقل والإدراك من الأخلاق ، أو بعبارةٍ اخرى : أنّ العقل وقوّة الإدراك هي الموجّهة لعواطف وغرائز الإنسان ، في حركة الحياة والسّلوك ، وتعطيها شكلها الأَوفق ، والأخلاق هي كيفيّةٌ تعرض على الغرائز والميول الإنسانيّة.

٣ ـ الإصرارُ على أنّ الفضائل الأخلاقيّة دائماً ، هو الحدّ الأوسط بين الإفراط والتّفريط : لا يبدو سليماً ، وإن كان في الأغلب هو كذلك ، لأنّنا نجد موارد لا يتحقّق فيها الإفراط ، فمثلاً القُوّة العقليّة ، كلّما كانت أقوى كانت أفضل ، ولا يُتصوّر فيها إفراط ، فليس من الصحيح جعل

٨٦

«الدّهاء والمكر» ، هو الإفراط في القوّة العقلية ، لأنّ «الدّهاء والمكر» لا ينشأ من الذّكاء والفهم ، بل هو نوعٌ من الإنحراف والإشتباه في المسائل ، للعجلة في الحكم على الامور وما يُشابهها.

فالرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصل إلى درجةٍ في العقل والفكر ، بحيث اطلق عليه العَقلُ الكلّ ، فهل هذا مخالفٌ للفضيلة؟!

وصحيحٌ أنّ العقل والذّكاء المُفرط ، يسبّب آلاماً ومصاعب لا يلاقيها الغافلون ، غير المطّلعين ، ولكنّه مع ذلك يعتبر من الفضائل والكمالات.

وكذلك «العدالة» ، حسبوها من الفضائل الأخلاقيّة ، والإفراط والتّفريط فيها هو «الظّلم» و «الإنظِلام» ، أي (قبول الظّلم) ، والحال أنّ قبول الظّلم والانصياع له لا يمكن أن يُعتبر من التّفريط في العدالة أبداً ، بل هو مقولةٌ اخرى.

وبناءً على ذلك ، فمسألة الإعتدال في صِفات الفضيلة ، في مقابل الإفراط والتّفريط للصّفات الرّذيلة ، يمكن أن يكون مقبولاً في أغلب الموارد ، ولكن لا يمكن أن يُعتبر حُكماً عامّاً ، وأصلاً أساسياً في البحوث الأخلاقيّة.

النتيجة : أنّ الاصول الأربعة التي أعدّها القدماء للأخلاق ، هي في الواقع إكمالٌ لما جاء به فلاسفةُ اليونان القُدماء ، لكنّها لا يمكن أن تكون نموذجاً ومقسماً جامعاً للصّفات الأخلاقيّة ، وإن كانت تصدق على كثيرٍ من المسائل الأخلاقيّة.

العودة للُاصول الأخلاقيّة في القرآن الكريم :

نعود لتحليل الاصول الأخلاقيّة التي نستوحيها من القرآن الكريم ، فنحن نعلم أنّ القرآن الكريم لم يُنظّم ككتابٍ تقليدي ، في أبوابٍ وفصولٍ ، كما هو المتعارف اليوم ، بل هو مجموعةٌ من القاءات الوحي السّماوي ، نزل بالتّدريج على حسب الحاجة والضّرورة ، ولكن وبالإستفادة من طريقة التّفسير الموضوعي ، يمكن وضعه في مثل هذه القوالب.

ومن التّقسيمات الّتي يمكن إستيحاؤها وإستفادتها من مجموع الآيات القرآنية ، هو تقسيم

٨٧

اصول الأخلاق إلى أربعة أقسامٍ :

١ ـ المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالخالق.

٢ ـ المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالخَلق.

٣ ـ المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالنّفس.

٤ ـ المسائل الأخلاقيّة المتعلّقة بالكون والطّبيعة.

فمسألة شكر المُنعم والخضوع أمام الباري تعالى ، والرّضا والتسّليم لأوامره ، وما شابهها ، يُعتبر من المجموعة الاولى.

والتواضع ، والإيثار ، والمحبّة ، وحُسن الخلق ، والمُواساة ، تدخل في دائرة المجموعة الثّانية.

تزكية النّفس وتطهير القلب من الأدران ، وتفعيل عناصر الخير ، لمقاومة الضّغط والتّحديات التي يُواجهها الإنسان في حركة الواقع والحياة ، تدخل في نطاق المجموعة الثّالثة.

وأمّا عدم الإسراف والتّبذير ، وإتلاف المواهب الإلهيّة ؛ فإنّه يُعتبر من القسم الرّابع.

كلّ هذه الاصول الأربعة ، لها جذور واصول في القرآن الكريم ، وسنشير إلى كلّ واحدٍ منها في المباحث الموضوعيّة الآتية.

وبالطبع فإنّ هذه الشّعب الأربعة ، تختلف عمّا جاء في كتاب«الأسفار» للفيلسوف المعروف :«ملّا صدرا الشّيرازي» ، وأتباع مذهبه ، فهؤلاء وطِبقاً لطريقة العُرفاء ، شبّهوا الإنسان وحركته التكامليّة : ب : (المسافر) ، وعبّروا عن مسائل بناءِ الذّات وصياغة الشّخصية بالسّير والسّلوك ، وجعلوا للإنسان أربعةَ أسفارٍ ، هي مَطمع السّالكين والعُرفاء ، وأولياء الله :

١ ـ السّفر من الخلق إلى الحقّ.

٢ ـ السّفر بالحقّ في الحقّ.

٣ ـ السّفر من الحقّ إلى الخلق بالحقّ.

٤ ـ السفر بالحقّ في الخلق.

ومن المعلوم أنّ هذه الأسفار أو المراحل الأربعة لبناء الذات ، والسّير والسّلوك إلى الله تعالى ، تتحرك بإتجاهٍ آخر غير ما نحن بصددِه ، وإن كانت تتشابه في بعض أقسام الفروع

٨٨

الأربعة ، للأخلاق الآنفة الذّكر.

وتوجد في القرآن الكريم آيات ، نعتقد أنّها رَسمت الاصول الكليّة للأخلاق ، ومن هذه الآيات ، الآيات الوادرة في (سورة لُقمان) والّتي تبدأ من هذه الآية :

( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) (١) .

إنّ أوّل ما يشرع فيه الإنسان في مضمار العقائد والمعارف ، هو شُكر المُنعم ، وأوّل خطوةٍ في طريق معرفة الله تعالى ، هي مسألة شكر المُنعم ، أو بعبارةٍ اخرى ، كما صرّح علماء العقائد والكلام : إنّ الدّافع للحركة إلى الله تعالى هو شكر النّعمة ، لأنّ الإنسان عند ما يفتح عينه ، يرى نفسه غارقاً في بحر النّعم ، فيدعوه الضّمير مُباشرةً إلى معرفة المُنعم ، وهذا هو بداية الطّريق لمعرفة الله تعالى.

وبعدها تتطرّق الآية لمسألة التّوحيد وتقول :( لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) .

وفي المرحلة الاخرى ، يتناول القرآن الكريم مسألة المعاد ، وهي الأساس الثّاني والمهم للمعارف الدّينية ويقول :( يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ ) (٢) .

ثم يتطرق للُاصول الأساسيّة للأخلاق والحكمة العمليّة ، ويشير للُامور التاليّة :

١ ـ مسألة إحترام الوالدين وشكرهم بعد شكر الخالق :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ) ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» ) (٣) .

٢ ـ إعطاء الأهميّة للصلاة ، وعلاقته بالله والدعاء والخضوع له :( أَقِمِ الصَّلاةَ ) (٤) .

٣ ـ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر :( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ) (٥)

٤ ـ الصّبر على نوائب الدّهر :( وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ ) (٦) .

__________________

١ ـ سورة لقمان ، الآية ١٢.

٢ ـ سورة لقمان ، الآية ١٦.

٣ ـ سورة لقمان ، الآية ١٤.

٤ ـ سورة لقمان ، الآية ١٧.

٥ ـ سورة لقمان ، الآية ١٧.

٦ ـ سورة لقمان ، الآية ١٧.

٨٩

٥ ـ حُسن الخُلق مع النّاس :( وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ) (١) .

٦ ـ التواضع وترك الكِبر مع النّاس والخلق :( وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ) (٢) .

٧ ـ الإعتدال في المشي وفي كلّ شيء :( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ) (٣) .

وعلى هذا التّرتيب ، نرى أنّ القسم الأكبر من الفضائل الأخلاقيّة ، جاءت في الآيات القرآنيّة تحت عنوان :«حكمةٌ لقمان» ، التي تشمل الشّكر والصبر وحُسن الخلق والتوّاضع والإعتدال والدّعوة للإحسان ، ومقاومة النّوازع والأهواء النّفسانيّة ، كلّ ذلك في ضِمن سبعِ آياتٍ ، من الآية (١٣ إلى ١٩).

وجاء في الآيات الثلاث من سورة الأنعام ، التي تبدأ بالآية (١٥١) وتنتهي بالآية (١٥٣) ، عشرة أوامر مهمّة ، تناولت مبادىء مهمّة من الاصول الأخلاقيّة ، ومن جملتها : ترك الظّلم للأولاد ، ورعاية الأيتام ، ومُراعاة العدالة مع الجميع ، وترك العصبيّة للأقارب والأصدقاء والقبيلة ، في دائرة نقض اصول العدالة ، وكذلك الإجتناب من القبائح والرّذائل الظّاهرية والباطنيّة ، وإحترام حقوق الوالدين ، والإجتناب عن كلّ ما يُسبّب التّفرقة وإلأبتعاد عن كلّ شرك(٤) .

اصول الأخلاق الإسلاميّة في الرّوايات :

إستعرضت الأحاديث والرّوايات الإسلاميّة ، الاصول الأخلاقيّة الحسنة والسيئة ، بطريقتها الخاصّة ، لا كما جاء في كتب حُكماء اليونان ومن جملتها :

١ ـ في الحديث المعروف الذي جاء في كتاب :(اصول الكافي) ، عنالإمام الصادق عليه‌السلام : أنّ

__________________

١ ـ سورة لقمان ، الآية ١٨.

٢ ـ سورة لقمان ، الآية ١٨.

٣ ـ سورة لقمان ، الآية ١٩.

٤ ـ لمزيد من التوضيح لهذه الأوامر العشرة ، يمكن الرجوع لتفسير الأمثل : ج ٦ ، ذيل تفسير هذه الآيات الثلاث.

٩٠

أحد أصحاب الإمامعليه‌السلام وإسمه«سماعة بن مهران» ، قال : كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وجماعة من مواليه ، فجرى ذكر العقل والجهل ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «إعرفوا العقل وجنده ، والجهل وجنده تهتدوا» ، فقلت : جُعلت فِداك لا نعرف إلّا ما عرّفتنا ، فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

«إنّ الله عزوجل ، خلق العقل ، وهو أوّل خلقٍ من الرّوحانيين عن يمين العرش ، من نوره فقال له : أدبِر فأدبر ؛ ثمّ قال له : أقبِل فأقبل ؛ فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خَلقاً عظيماً وكرّمتك على جميع خلقي ، قال : ثمّ خلق الجهل ، من البحر الاجاج ظلمانياً ، فقال له : أدبر فأدبر ؛ ثم قال له : أقبل فلم يُقبِل فقال له : إستكبرت ، فلعنه. ثمّ جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً ، فلمّا رأى الجهل ما أكرم الله به العقل ، وما أعطاه أضمرَ له العداوة ، فقال الجهل : يا ربّ هذا خلق مثلي ، خلقته وكرّمته وقوّيته ، وأنا ضِدّه ولا قوّة لي به ، فأعطني من الجند مثل ما أعطيته ، فقال الله تعالى : نعم ، فإن عَصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي. قال : قد رضيت. فأعطاه خمسة وسبعين جنداً. فكان ممّا أعطى العقل من الخمسة والسّبعين الجند :

الخير هو وزير العقل ، وجعل ضدّه الشرّ وهو وزير الجهل ؛

والإيمان وضدّه الكفر ؛

والتصديق وضدّه الحُجود ؛

والرّجاء وضدّه القُنوط ؛

والعدل وضدّه الجور ؛

والرّضا وضدّه السخط ؛

والشّكر وضدّه الكُفران ؛

والطّمع وضدّه اليأس ؛

والتوكّل وضدّه الحِرص ؛

والرّأفة وضدّه القسوة ؛

والرّحمة وضدّها الغضب ؛

والعلم وضدّه الجهل ؛

٩١

والفهم والحمق ؛

والعفّة وضدّها التهتك ؛

والزّهد وضدّه الرّغبة ؛

والرّفق وضدّه الخرق ؛

والرّهبة وضدّها الجرأة ؛

والتّواضع وضدّه الكِبر ؛

والتؤدة وضدّها التّسرع ؛

والحلم وضدّه السّفه ؛

والصّمت وضدّه الهذر ؛

والاستسلام وضدّه الإستكبار ؛

والتّسليم وضدّه الشّك ؛

والصّبر وضدّه الجزَع ؛

والصّفح وضدّه الإنتقام ؛

والغنى وضدّه الفقر ؛

والتّذكّر وضدّه السّهو ؛

والحفظ وضدّه النسيان ؛

والتعطّف وضدّه القطيعة ؛

والقنوع وضدّه الحرص ؛

والمؤاساة وضدّها المنع ؛

والمودّة وضدّها العداوة ؛

والوفاء وضدّه الغدر ؛

والطّاعة وضدّها المعصية ؛

والخُضوع وضدّه التّطاول ؛

٩٢

والسّلامة وضدّها البلاء ؛

والحبّ وضدّه البغض ؛

والصّدق وضدّه الكذب ؛

والحقّ وضدّه الباطل ؛

والأمانة وضدّها الخيانة ؛

والإخلاص وضدّه الشّوب ؛

والشّهامة وضدّها البلادة ؛

والفهم وضدّه الغباوة ؛

والمعرفة وضدّها الإنكار ؛

والمداراة وضدّها المكاشفة ؛

وسلامة الغيب وضدّه المماكرة ؛

والكتمان وضدّه الإفشاء ؛

والصلاة وضدّها الإضاعة ؛

والصّوم وضدّه الإفطار ؛

والجهاد وضدّه النُكول ؛

والحجّ وضدّه نبذ الميثاق ؛

وصَون الحديث وضدّه الّنميمة ؛

وبرّ الوالدين وضدّه العُقوق ؛

والحقيقة وضدّها الرّياء ؛

والمعروف وضدّه المُنكر ؛

والسّتر وضدّه التّبرج ؛

والتقيّة وضدّها الإذاعة ؛

والإنصاف وضدّه الحميّة ؛

٩٣

والتهيئة وضدّها البغي ؛

والنّظافة وضدّها القذر ؛

والحياء وضِدّه الجلع ؛

والقصد وضدّه العدوان ؛

والرّاحة وضدّها التّعب ؛

والسّهولة وضدّها الصّعوبة ؛

والبركة وضدّها المحق ؛

والعافية وضدّها البلاء ؛

والقوام وضدّه المكاثرة ؛

والحكمة وضدّها الهواء ؛

والوقار وضدّه الخفّة ؛

والسّعادة وضدّها الشّقاوة ؛

والتّوبة وضدّها الإصرار ؛

والاستغفار وضدّه الإغترار ؛

والمحافظة وضدّها التّهاون ؛

والدّعاء وضدّه الإستنكاف ؛

والنّشاط وضدّه الكسل ؛

والفرح وضدّه الحُزن ؛

والالفة وضدّها الفُرقة ؛

والسخاء وضدّه البخل ؛

فلا تجتمع هذه الخصال كلّها من أجناد العقل ، إلّا في نبيّ أو وصيّ نبي ، أو مؤمن قد إمتحن الله قلبه للإيمان ، وأمّا سائر ذلك من موالينا فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود حتّى يستكمل ، وينفي من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة

٩٤

العليا مع الأنبياء والأوصياء ؛ وإنّما يُدرك ذلك بمعرفة العقل وجنوده ، وبمجانبة الجهل وجنوده. وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته ومرضاته» (١) .

فالحديث أعلاه ، حديث جامع لُاصول وفروع الأخلاق الإسلامية ، وبحثها بعض المؤلّفين والكتّاب في كتبٍ مستقلةٍ.

٢ ـ نقرأ في الكلمات القصار للإمام عليعليه‌السلام ، في نهج البلاغة ، عند ما سُئل الإمامعليه‌السلام عن الإيمان ، (يتبيّن من ذيل الحديث ، أنّ المقصود من الإيمان هو الإيمان العلمي والعملي ، الذي يشمل الاصول الأخلاقيّة).

أجاب الإمامعليه‌السلام :

«الإيمانُ عَلَى أَربَعِ دَعائِمَ ، عَلَى الصَّبْرِ واليَقِينِ وَالعَدلِ وَالجِهادِ».

ثم أضاف قائلاً :«والصَّبرُ مِنْها عَلَى أَربَعِ شُعَبٍ ، عَلَى الشَّوقِ وَالشَّفَقِ وَالزُّهدِ وَالتَّرَقُبِ».

(الإشتياق للجنّة والمنح الإلهيّة ، والخوف من العقاب والنّار ، دافعٌ للأعمال الصّالحة ورادع عن السيئات). والزّهد بالدنيا وزبرجها يهوّن المصائب ، وإنتظار الموت ونهاية الحياة ، تحثّ الإنسان لِفعل الأعمال الصّالحة.

وبعدها يضيفعليه‌السلام :

«واليَقِينُ مِنها عَلَى أَربَعِ شُعَبٍ ، عَلى تَبصِرَةِ الفِطْنَةِ وَتَأَوُّلِ الحِكْمَةِ وَمَوعِظَةِ العِبرَةِ وَسُنَّةِ الأَوَّلِينَ».

ثمّ أضافعليه‌السلام :

«وَالعَدْلُ مِنها عَلَى أَربَعِ شُعَبٍ ، عَلَى غَائِصِ الفَهمِ ، وَغَورِ العِلمِ ، وَزُهْرَةِ الحُكْمِ ، وَرَساخَةِ الحِلْمِ».

وقالعليه‌السلام خِتاماً :

__________________

١ ـ أصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٠ إلى ٢٣ ، ح ١٤.

٩٥

«وَالجِهادُ مِنها عَلَى أَربَعِ شُعَبٍ ، عَلَى الأمرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهِي عَنِ المُنكَرِ ، والصِّدقِ فِي المَواطِنِ ، وَشَنآنِ الفَاسِقِينَ».

وبعدها يبيّن شعب الكفر ، ويشرحها واحداً تَلْو الآخر(١) .

فكما تلاحظون أنّ الإمام عليعليه‌السلام ، رسم الاصول الإسلامية للإيمان والكفر ، بدقّةٍ متناهيةٍ ، وآثارها في المحتوى الداخلي للإنسان وعلى سلوكه الخارجي ، والتي تشمل الأخلاق العمليّة ، فذكر لكلّ فرعٍ ، فرعاً آخر ، وتحليل هذه الجزئيات يتطلب كتابة مقالة اخرى.

٣ ـ نقرأ في حديثٍ آخر عن الإمام عليعليه‌السلام :

«أَربَعٌ مَنْ اعطِيهُنَّ فَقَدْ اوتِيَ خَيرَ الدُّنيا والآخِرَةِ ، صِدقُ حَدِيثٍ وَأَداءُ أَمانةٍ ، وَعِفَّةُ بَطنٍ وَحسنُ خُلُقٍ» (٢) .

٤ ـ ـ وجاء في حديثٍ آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، في نفس هذا المعنى ، بتلخيصٍ أكثر ، حيث جاء إليه أحد الأشخاص ، وطلب منه أن يُعلّمه أمراً يكون فيه خير الدنيا والآخرة ، وبشكلٍ موجز ، فقال الإمامعليه‌السلام في معرض جوابه :«لا تِكْذِب تَكِذْبَ» (٣) .

والحقيقة هي كذلك ، لأنّ جذور كلّ الفضائل تمتد إلى حديث الصّدق ، فالإنسان لا يكذب على الناس ولا على نفسه ولا على الله تعالى ، وعند ما يقول في صلاته :( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، ينبغي أن لا يكون فيها كاذباً أبداً ، بل يبتعد عن كلّ ما هو شيطاني ، وهوى النفس ، وتكون حركته في دائرة خضوعه وتسليمه لله فقط ، ولا يعتمد على المال والجاه والقدرة والمقام ، ويترك ما سوى الله تعالى ويكون إعتماده الأوّل والأخير على لطف الله تعالى ومعونته ، فإذا أصبح الإنسان كذلك ، فسوف يعيش الحياة المعنويّة في جميع فروع واصول الأخلاق.

__________________

١ ـ الكلمات القصار ، نهج البلاغة ، الكلمة ٣١ (مع التلخيص) وكذلك في اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٩١ ، باب دعائم الكفر وشعبه.

٢ ـ غرر الحكم.

٣ ـ تحف العقول ، ص ٢٦٤.

٩٦

٥ ـ ونقرأ في الرّوايات الإسلاميّة تعابير مثل :«أفضل الأخلاق» ، أو«أكرم الأخلاق» ، أو«أحسن الأخلاق» ، أو«أجمل الأخلاق» ، وفي هذه إشارةٌ اخرى لأقسامٍ مهمّةٍ من الاصول الأخلاقيّة ، منها :

سئل الباقر عليه‌السلام عن أفضل الأخلاق ، فقال : «الصَّبرُ والسّماحَةُ» (١) .

وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليعليه‌السلام ، قال :

«أَكْرمُ الأَخلاقِ السَّخَاءُ وَأَعمُّها نَفعاً العَدْلُ» (٢) .

وفي حديث آخر عن الإمام عليعليه‌السلام أيضاً ، قال :

«أَشْرَفُ الخِلائِقِ التَّواضُعُ والحِلمُ وَلِينُ الجانِبِ» (٣) .

وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، حيث سئل :

«أَيُّ الخِصالِ بِالمَرءِ أَجْمَلُ فَقالَ : وِقارٌ بلا مَهانَةٍ ، وَسَماحُ بِلا طَلَبِ مُكافَاةٍ ، وَتَشاغُلٌ بِغَيرِ مَتاعِ الدُّنيا» (٤) .

٦ ـ أيضاً في حديثٍ عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، بيّن فيه اصول الأخلاق السّيئة ، وعبّر عنها باصول الكفر ، فقال :

«اصُولُ الكُفرِ ثَلاثَةٌ : الحِرصُ ، والاستِكبارُ وَالحَسَدُ».

وأردف قائلاً في بيان وتوضيح الاصول الثلاثة :

«فَأَمّا الحِرصُ فإِنَّ آدَمَ حَينَ نُهِيَ عَنِ الشَّجَرَةِ حَمَلَهُ الحِرصِ أَنْ أَكَلَ مِنها ، وَأَمَّا الإِستِكبَارُ فَإبِلِيسُ حِينَ امِرَ بِسُّجُودِ لآدَمَ إِستَكبَرَ ، وَأَمّا الحَسَدُ فَإبنا آدَمَ حَيثُ قَتَلَ أَحَدَهُما صاحِبَهُ» (٥)

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٣٦ ، ص ٣٥٨.

٢ ـ غرر الحكم.

٣ ـ المصدر السابق.

٤ ـ اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٢٤٠.

٥ ـ اصول الكافى ، ج ٢ ، ص ٢٨٩.

٩٧

وعلى هذا الأساس فإنّ مصدر جميع المصائب الكبرى ، التي حدثت في عالم الإنسانية ، منذ صدر الخليقة ، هي هذه الصّفات الثّلاثة ، فالحِرص : طرد آدم من الجنّة ، والاستكبار : طرد إبليس عن ساحة القدس إلى الأبد ، والحسد : هو أساس كلّ قتلٍ وجنايةٍ حدثت في العالم

٧ ـ ونختم كلامنا هذا بحديثٍ عن الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ، الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«إِنَّ أَوَّلَ مَنْ عُصِيَ اللهُ عزَّ وجَلَّ بِهِ سِتٌّ : حُبُّ الدُّنيا ، وَحُبُّ الرِّياسَةِ ، وَحُبُّ الطَّعامِ ، وَحُبُّ النَّومِ ، وَحُبُّ الرَّاحَةِ ، وَحُبُّ النِّساءِ» (١) .

لقد تبيّن من مجموع ما ذكر آنفاً ، اصول الفضائل والرّذائل الأخلاقيّة ، ولكن وكما يُستفاد من مجموع الرّوايات ، أنّه لا يوجد عدد خاص ومعيّن ، لهذه القيم والمبادىء الأخلاقية ، لأنّ الأخلاق الحسنة والقبيحة ، لها دوافع ومقاصد متعدّدة ومتنوعة ومختلفة ، أو بعبارة اخرى : كما أنّ الصّفات الجسميّة للإنسان ، لا عدد ولا حصر لها ، فكذلك الصّفات الروحانيّة ، والملكات الأخلاقيّة الصّالحة والطّالحة ، لا عدد ولا حصر لها.

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٩ ، ص ١٠٥ ، ح ٣.

٩٨

٧

إرتباط المسائل الأخلاقيّة مع بعضها

تنويه :

غالباً ما تكون الفضائل الأخلاقيّة ، مترابطةٌ في ما بينها برابطةٍ وثيقةٍ ، كما هو الحال في الرّذائل وعلاقتها الوثيقة مع بعضها ، وعلى هذا يصعب التّفكيك والفصل بينها في الغالب.

وهذا التّرابط قد يكون بسبب الجُذور المشتركة بينها ، وربّما يكون بسبب الّثمرات المترتبة عليها ونتائجها في حركة الإنسان والحياة.

وفي القسم الأول ، وهو البحث في الجذور المشتركة بين القيم في المنظومة الأخلاقية ، لدينا أمثلةٌ واضحةٌ ، ففي كثير من الموارد ، تكون الغيبة وليدة الحسد ، ويسعى الحسود دائما لفضح وتعرية محسوده ، والإستهانة بشخصيته من موقع التّهمة والافتراء والتّكبر ، والتّحرك على مستوى تحقير وتهميش الآخرين ، فكلّ هذه الرّذائل يمكن أن تكون من إفرازات الحسد أيضاً.

وبالعكس ، فمن كان يعيش علوّ الهمّة ، وسمّو الطبع ، فسوف لا يقف في مقابل الشهوات الرخيصة والطمع فيها فحسب ، بل تكون لديه حصانةٌ ضدّ : الحسد والكِبر والغرور والتملّق ، أيضاً.

وبالنسبة للنتائج والثمرات ، نرى هذا الإرتباط بصورةٍ أوضح ، فالكذب يمكن أن يكون مصدراً لأكاذيب اخرى ، وربّما ولتوجيه أخطائه وذنوبه ، يرتكب الشخص أخطاءً اخرى ، و

٩٩

يتحرك لُممارسة جرائم عديدة في عمليّة التّغطية على جُرمه الأول ، وبالعكس ، فإنّ العمل الأخلاقي مثل الأمانة ، من شأنه أن يولّد المحبّة والصّداقة والتعاون والارتباط الوثيق بين أفراد المجتمع.

ويوجد لدينا في الرّوايات إشارات إلى هذا المعنى ، فنقرأ في حديثٍ عن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال :

«إذا كَانَ في الرَّجُلِ خَلَّةٌ رائِعةٌ فانتَظِر أَخَواتِها» (١) .

وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال :

«إنَّ خِصالَ المَكارِمِ بَعضُها مُقَيَّدٌ بِبَعضِها».

وأشار في ذيل هذا الحديث :

«صِدْقُ الحَدِيثِ وَصِدْقُ البَأسِ وإِعطاءُ السَّائِلِ وَالمُكافَاتُ بِالصَّنَائعِ وأَداءُ الأَمانَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَالتَّوَدُّدَ إِلى الجارِ والصَّاحِبِ وقِرى الضَّيفِ وَرَأسُهُنَّ الحَياءُ» (٢)

وفي الواقع فإنّ الحياء ، وهو روح النّفور من الذّنب والقّبائح ، يمكن أن يكون مصدراً لجميع الأفعال الأخلاقية المذكورة أعلاه ، كما أنّ الصّدق يُقرّب الإنسان للأمانة ، ويعمّق فيه روح التّصدي للقبائح ، ويثير في أعماق وجدانه ، عناصر الخير والمحبّة مع الأقارب والأصدقاء والجيران.

ونقرأ في حديثِ ثالثٍ عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، أنّه قال :

«إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ للشِّرِّ أَقفَالاً وَجَعَلَ مَفاتِيحَ تِلكَ الأَقفَالِ الشَّراب ، وَالكِذْبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ» (٣) .

وفيه إشارةٌ إلى أنّ الكذب ، يمكن أن يكون مصدراً لأنواعٍ كثيرةٍ من الآثام والذّنوب.

وجاء ما يشبه هذا المعنى ، في حديثٍ عن الإمام العسكريعليه‌السلام ، فقال :

__________________

١ ـ بحار الأنوار ، ج ٦٦ ، ص ٤١١ ، ح ١٢٩.

٢ ـ المصدر السابق ، ص ٣٧٥.

٣ ـ المصدر السابق ، ج ٦٩ ، ص ٢٣٦ ، ح ٣.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ينجلي )(١) .

ولأنّ المطلوب ردّ النور بكماله.

ولأنّه لو انكسف بعضها في الابتداء صلّى لها وكذلك إذا بقي بعضها.

ونحن نقول بموجب الحديث ، لأنّه إذا انجلى البعض فقد انجلى.

والحذر قد زال بسبب الشروع في ردّ النور.

والفرق بين ابتداء الكسوف وابتداء الانجلاء ظاهر.

مسألة ٤٨٤ : وقت الرياح المظلمة والظلمة الشديدة والحمرة الشديدة : مدّتها ، أما الزلزلة : فإنّ وقتها مدّة العمر ، فتصلّي أداءً وإن سكنت ، لأنّها سبب في الوجوب. وكذا الصيحة. وبالجملة كلّ آية يضيق وقتها عن العبادة يكون وقتها دائماً ، أمّا ما نقص عن فعلها وقتاً دون آخر ، فإنّ وقتها مدّة الفعل ، فإن قصر ، لم تُصَلّ.

مسألة ٤٨٥ : إذا علم بالكسوف أو الخسوف ، وأهمل الصلاة عمداً أو نسياناً ، أعاد‌ سواء احترق القرص كلّه أو بعضه ، لقولهعليه‌السلام : ( مَنْ فاتته صلاة فريضة فليقضها إذا ذكرها )(٢) .

وقولهعليه‌السلام : ( مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ نسي صلاة أو نام عنها فليقضها إذا ذكرها»(٤) .

____________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٢) أورده المحقق في المعتبر : ٢٣٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٧ / ٦٨٤ ، مصنف ابن أبي شيبة ٢٦٤ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ١١٩ / ٤٣٥ ، سنن النسائي ١ : ٣ : و ٢٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٨ / ٦٩٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٣٤ - ١٧٧ ، سنن الدار قطني ١ : ٣٨٦ / ١٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٠٠.

(٤) الكافي ٣ : ٢٩٢ / ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٦٦ / ١٠٥٩ و ٣ : ١٥٩ / ٣٤١ ، الاستبصار ١ : =

١٨١

وقول الصادقعليه‌السلام ، في صلاة الكسوف : « إن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها »(١) .

وقال الشيخ : إن احترق البعض وتركها نسياناً ، لم يقض(٢) .

وليس بجيّد.

وقال الجمهور كافّة : لا قضاء مطلقاً ، لقولهعليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة حتى ينجلي )(٣) فجعل الانجلاء غاية للصلاة ، فلم يصلّ بعده. ولأنّها شرّعت لردّ النور وقد حصل(٤) .

والحديث المراد به الأداء. ونمنع العليّة ، بل يجوز أن يكون علامةً لوجوب الصلاة.

سلّمنا ، لكن لا نسلّم أنّ الرغبة إلى ردّه تستلزم عدم الشكر على الابتداء بردّه.

سلّمنا ، لكن ينتقض عندهم بالاستسقاء ، فإنّهم يصلّون بعد السقي(٥) وإن كانت صلاتهم رغبة في ذلك.

مسألة ٤٨٦ : لو لم يعلم بالكسوف حتى انجلى ، فإن كان قد احترق القرص كلّه ، وجب القضاء ، وإلّا فلا‌ ، عند علمائنا - إلّا في قول للمفيد : إنّه يقضي لو احترق البعض فرادى لا جماعة(٦) - لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا انكسف القمر ولم تعلم حتى أصبحت ، ثم بلغك ، فإن احترق كلّه ،

____________________

= ٢٨٦ - ١٠٤٦.

(١) التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٥٤ / ١٧٦٠.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ١٧٢.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٢ : ٤٦٨ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٤) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٩ ، الشرح الصغير ١ : ١٨٧.

(٥) راجع : المغني ٢ : ٢٩٤ ، والمجموع ٥ : ٨٩ - ٩٠.

(٦) المقنعة : ٣٥.

١٨٢

فعليك القضاء ، وإن لم يحترق كلّه ، فلا قضاء عليك »(١) .

وقولهعليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس كلّها ولم تعلم وعلمت ، فعليك القضاء ، وإن لم تحترق كلّها فلا قضاء عليك »(٢) .

وقال الجمهور : لا قضاء(٣) ، لما تقدّم في المسألة السابقة.

والجواب قد تقدّم.

أمّا جاهل غير الكسوف ، مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة ، فالوجه سقوطها عن الجاهل عملاً بالأصل السالم عن المعارض.

مسألة ٤٨٧ : لا تسقط هذه الصلاة بغيبوبة الشمس منخسفة ، لقولهعليه‌السلام : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(٤) والأصل البقاء.

وقال الجمهور : لا يصلّي ، لأنّها إذا غابت فقد ذهب سلطانها ، وفات وقتها ، فلم يصلّ لردّها(٥) .

وهو ممنوع ، ونمنع أنّ مع ذهاب سلطانها يسقط ما ثبت وجوبه. مع أنّه اجتهاد ، فلا يعارض النصّ. وينتقض بالقمر عندهم(٦) .

ولا تسقط صلاة الخسوف بغيبوبة القمر منخسفاً إجماعاً ، لأنّ وقته باقٍ وهو الليل ، والحاجة داعية إليه.

ولا تسقط صلاة الخسوف والكسوف بستر السحاب إجماعاً ، لأنّ الأصل بقاؤهما.

ولو طلعت الشمس والقمر منخسف ، لم تسقط صلاته ، عملاً

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٧ / ٣٣٦.

(٢) التهذيب ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٣٣٩.

(٣) أوعزنا الى مصادره في الهامش (٤) من الصفحة السابقة.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ / ١٠ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٣٢.

(٥) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

١٨٣

بالموجب.

وقال الجمهور : تسقط ، لفوات وقته ، وذهاب سلطانه(١) .

ولو طلع الفجر فكذلك عندنا لا تسقط - وهو الجديد للشافعي(٢) - لبقاء سلطانه قبل طلوع الشمس ، لقوله تعالى( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٣) فما لم تطلع الشمس فالسلطان باقٍ.

والقديم : لا يصلّي ، لذهاب سلطانه بطلوع الفجر ، لأنّه من النهار ، والفجر حاجب الشمس(٤) .

ولو ابتدأ الخسوف بعد طلوع الفجر صلّاها عندنا ، خلافاً للشافعي في القديم(٥) .

ولو كان قد شرع في الصلاة فطلعت الشمس ، لم تبطلها إجماعاً ، لأنّها صلاة مؤقّتة ، فلا تبطل بخروج وقتها ، وعندنا أنّ وقتها باقٍ.

مسألة ٤٨٨ : وهذه الصلاة مشروعة مع الإِمام وعدمه‌ ، عند علمائنا أجمع - وهو قول أكثر العلماء(٦) - لعموم الأخبار.

ولأنّ صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : رأيت ابن عباس على ظهر زمزم يصلّي الخسوف للشمس والقمر(٧) . والظاهر أنّه صلّى منفرداً.

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام ، في صلاة الكسوف :

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١.

(٢) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٣) الإسراء : ١٢.

(٤) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٥) المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٨٠.

(٦) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣.

(٧) مصنف عبد الرزاق ٣ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤٩٣٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٨.

١٨٤

« تصلّى جماعة وفرادى »(١) .

ولأنّها صلاة ليس من شرطها البنيان والاستيطان ، فلم يكن من شرطها الجماعة ، كغيرها من النوافل.

وقال الثوري ومحمد : إن صلّى الإِمام صلّوها معه ، ولا يصلّون منفردين ، لأنّها صلاة شرّع لها الاجتماع والخطبة ، فلا يصلّيها المنفرد كالجمعة(٢) .

ونمنع العلّيّة ، فإنّ الخطبة عندنا ليست مشروعةً.

مسألة ٤٨٩ : وتستحبّ الجماعة في هذه الصلاة إجماعاً منّا‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلّاها في الجماعة(٤) .

وصلّى ابن عباس خسوف القمر في جماعة في عهد عليعليه‌السلام (٥) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا انكسفت الشمس والقمر فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى الإِمام يصلّي بهم ، وأيّهما كسف بعضه فإنّه يجزئ الرجل أن يصلّي وحده »(٦) .

ولأنّ خسوف القمر أحد الكسوفين ، فاستحبّت فيه الجماعة كالآخر.

____________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٧٠.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٥ : ٤٤ و ٤٥ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٩ / ٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن النسائي ٣ : ١٢٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٩ ، سنن أبي داود ١ : ٣٠٦ / ١١٧٧ و ١١٧٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٠.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ٣٣٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٩٢ / ٨٨١.

١٨٥

وقال أبو حنيفة : يصلّون للقمر فرادى في بيوتهم ، لأنّ في خروجهم ليلاً مشقّةً(١) .

وينتقض : بالتراويح.

تذنيب : لو أدرك المأموم الإِمام راكعاً في الأول ، فقد أدرك الركعة‌. ولو أدركه في الركوع الثاني ، أو الثالث ، فالوجه : أنّه فاتته تلك الركعة - وبه قال الشافعي(٢) - لأن الركوع ركن فيها ، ولا يتحمّل الإِمام شيئاً سوى القراءة ، لا فعل الركوع ، فحينئذٍ ينبغي المتابعة حتى يقوم في الثانية ، فيستأنف الصلاة معه ، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية ، ويجوز الصبر حتى يبتدئ بالثانية.

وتحتمل المتابعة بنية صحيحة ، فإذا سجد الإِمام لم يسجد هو ، بل ينتظر الإِمام إلى أن يقوم ، فإذا ركع الإِمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الْأُولى ، فإذا انتهى إلى الخامس بالنسبة إليه سجد ، ثم لحق الإِمام ، ويتمّ الركعات قبل سجود الثانية.

والوجه : الأول.

مسألة ٤٩٠ : لا خطبة لهذه الصلاة عند علمائنا أجمع‌ ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك(٣) ، عملاً بالأصل السالم عن المعارض.

ولأنّه لو كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قد خطب ، لنُقِل كما نُقِلت خطبته في العيد والجمعة وغيرهما.

وقال الشافعي : تستحب الخطبة بعد الصلاة على المنبر - ولم يذكر‌

____________________

(١) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٧٥ - ٧٦ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨.

(٢) المجموع ٥ : ٦١ ، الوجيز ١ : ٧١ ، فتح العزيز ٥ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣١٩.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ٨٨ ، شرح فتح القدير ٢ : ٥٧ ، اللباب ١ : ١٢٠ ، بلغة السالك ١ : ١٩١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، المجموع ٥ : ٥٣ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ - ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

١٨٦

أحمد الخطبة(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا خسفت الشمس صلّى ، فوصفت عائشة صلاته إلى أن قالت : فلمّا فرغ وقد تجلّت انصرف وذكر الله تعالى فأثنى عليه وقال : ( يا أيها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله تعالى ، وكبّروا وانصرفوا ) ثم قال : ( يا اُمّة محمّد ما أحد أغير من الله تعالى أن يزني ، عبده أو أمته ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً )(٢) (٣) .

ولا حجّة فيه ، لتضمّنه الدعاء والتكبير والإِعلام بحكم الكسوف ، وليس ذلك من الخطبة في شي‌ء.

مسألة ٤٩١ : وتجب هذه الصلاة على النساء والرجال والخناثى ، إجماعاً منّا وللعموم.

وعند الجمهور بالاستحباب(٤) ، لأنّ أسماء بنت أبي بكر قالت : فزع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم كسفت الشمس ، فقام قياماً ، فرأيت المرأة التي أكبر منّي ، والمرأة التي أصغر منّي قائمة ، فقلت : أنا أحرى بالصبر على طول القيام(٥) .

إذا ثبت هذا ، فإنّه يستحب للعجائز ، ومَنْ لا هيئة لها الصلاة جماعة مع الرجال ، ويكره ذلك للشواب ، ويستحب لهنّ الجماعة تصلّي بهنّ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٢ - ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ / ٩٠١ ، سنن النسائي ٣ : ١٣٠ - ١٣٣ ، مسند أحمد ٦ : ١٦٤ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢٢.

(٣) الْاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ - ٧٦ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٤ - ٤٥ ، المغني ٢ : ٢٨٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٢٧٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٠ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٦.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٦٢٥ - ٦٢٦ / ٩٠٦ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٤٢.

١٨٧

إحداهنّ.

واستحبّه الشافعي مطلقاً ، لكنه لم يستحبّ الخطبة لو صلّين جماعة ، لأنّ الخطبة ليست من سنن النساء ، فإن قامت إحداهنّ وذكّرتهنّ ووعظتهنّ ، كان حسناً عنده(١) .

ولو حصل رجل في قرية مع النساء ولا رجل سواه ، تقدّم وصلّى بهنّ وإن كنّ أجانب - خلافاً للشافعي(٢) - إلّا أن يخاف الافتتان ، فيصلّين فرادى.

إذا ثبت هذا ، فإنّ هذه الصلاة تجب على المسافر كما تجب على الحاضر ، وليس الاستيطان ، ولا البنيان شرطاً فيهما إجماعاً ، ولا المصر ولا الإِمام ، للعموم.

مسألة ٤٩٢ : اختلف علماؤنا في الإِعادة بعد الفراغ من الصلاة قبل الانجلاء ، فالأشهر : استحباب إعادة الصلاة ، لأنّ المقتضي للمشروعية باقٍ.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد »(٣) .

وقال آخرون منّا : بالوجوب ، لثبوت المقتضي له ، وهو : بقاء الكسوف. ولهذا الحديث(٤) .

والحقّ خلافه ، لأصالة البراءة.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « فإذا فرغت قبل أن ينجلي فاقعد ، وادْعُ الله حتى ينجلي »(٥) .

ونمنع كون الكسوف سبباً ، بل علامةً ووقتاً.

____________________

(١و٢) الاُم ١ : ٢٤٦ ، المجموع ٥ : ٥٩.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٤.

(٤) الذي مرّ آنفاً.

(٥) الكافي ٣ : ٤٦٣ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ / ٣٣٥.

١٨٨

والخبر محمول على الاستحباب ، جمعاً بين الأدلّة.

وقال آخرون منّا : لا تعاد الصلاة وجوباً ولا استحباباً - وهو قول الجمهور كافة(١) - لأنّه لم ينقل عنهعليه‌السلام التكرّر.

ولا حجّة فيه ، لأنّهعليه‌السلام كان يطيل الصلاة بقدر زمانه(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الشافعي استحب الخطبة بعدها(٣) . وقد أبطلناه.

ويستحب الدعاء والذكر والاستغفار والتكبير والتضرع إلى الله تعالى ، لقولهعليه‌السلام : ( فافزعوا إلى ذكر الله تعالى ، ودعائه واستغفاره )(٤) .

وقالت أسماء : كنّا نؤمر بالعتق في الكسوف(٥) .

ولأنّه تخويف من الله تعالى ، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله ليكشفه عن عباده.

مسألة ٤٩٣ : تصلّى هذه الصلاة في أيّ وقت حصل السبب‌ وإن كان أحد الأوقات(٦) الخمسة المكروهة لابتداء النوافل عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٧) - لأنّها صلاة فرض مؤقتة ، فلا يتناولها النهي.

____________________

(١) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٤ ، فتح العزيز ٥ : ٧١ ، المنتقى للباجي ١ : ٣٢٧ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ و ٤٤ و ٤٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦١٨ / ٩٠١ و ٦٢٤ / ٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٠١ / ١٢٦٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ٦٣ / ٣ ، سنن البيهقي ٣ : ٣٢١ و ٣٢٣ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٢٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٢٩ ، المجموع ٥ : ٥٢ ، فتح العزيز ٥ : ٧٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩.

(٤) سنن النسائي ٣ : ١٥٣ - ١٥٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ٤٧ ، سنن أبي داود ١ : ٣١٠ / ١١٩٢ ، مسند أحمد ٦ : ٣٥٤.

(٦) وهي : طلوع الشمس ، وغروبها ، وقيامها إلى أن تزول ، وبعد صلاتي الصبح والعصر.

(٧) الاُم ١ : ١٤٩ و ٢٤٣ ، المجموع ٤ : ١٧٠ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، عمدة القاري ٧ : ٦٢ و ٧٩.

١٨٩

ولقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فإذا رأيتم ذلك فصلّوا )(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « وقت صلاة الكسوف الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها »(٢) .

ولأنّها ذات سبب ، فجاز فعلها في الأوقات الخمسة.

وقال مالك وأبو حنيفة : بالمنع ، وعن أحمد روايتان : المنع أشهرهما ، لأنّ عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات(٣) كان النبيعليه‌السلام ينهانا أن نصلّي فيها ، وأن نقبر موتانا(٤) (٥) .

وهو مختص بالنوافل ، وقد بيّنّا وجوب هذه الصلاة.

مسألة ٤٩٤ : لو اتّفق في وقت فريضة حاضرة ، فإنّ اتّسع الوقتان ، قدّم الحاضرة استحباباً‌ ؛ لشدة اعتناء الشارع بها ، ولهذا سُوّغ قطع الكسوف والاشتغال بالحاضرة ، فتقديمها أولى.

ولو تضيّق الوقتان ، قدّمت الحاضرة وجوباً ، لما تقدّم ، ثم إن فرّط في صلاة الكسوف بالتأخير مع الإِمكان قضى وإلّا فلا.

ولو تضيّقت إحداهما ، تعيّنت للفعل ، ثم يصلّي الْاُخرى بعد إكمالها.

ولا يجب مع اتّساع الوقتين الاشتغال بالحاضرة ، لقول الصادقعليه‌السلام : « خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ٤٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٢٣ / ١٠.

(٢) الكافي ٣ : ٤٦٤ / ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٦.

(٣) الساعات الثلاث هي : طلوع الشمس وغروبها وزوالها. وانظر : المصادر في الهامش التالي.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٥٦٨ / ٨٣١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ / ١٥١٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٨ / ١٠٣٠ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٥ و ٢٧٧ ، مسند أحمد ٤ : ١٥٢.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٦٩ ، المغني ١ : ٧٩٤ و ٢ : ٢٨١ - ٢٨٢ ، الشرح الكبير ١ : ٨٤٠.

١٩٠

أن تحرم ، وإذا نسيت فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الكسوف والجنازة »(١) ولا خلاف فيه.

فروع :

أ : لو تلبّس بصلاة الكسوف وتضيّق وقت الحاضرة وخاف فوتها لو أتمّ الكسوف ، قطع إجماعاً‌ ، وصلّى بالحاضرة ، تحصيلاً للفرض.

ولقول الصادقعليه‌السلام في صلاة الكسوف يخشى فوت الفريضة قال : « اقطعوها وصلّوا الفريضة وعودوا إلى صلاتكم »(٢) .

وسأله محمد بن مسلم : ربما ابتلينا بعد المغرب قبل العشاء ، فإن صلّينا الكسوف ، خشينا أن تفوت الفريضة ، قال : « إذا خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عُدْ فيها »(٣) .

إذا ثبت هذا ، فإذا قطع الكسوف وصلّى الفريضة هل يعود إلى الكسوف من حيث قطع ، أو يستأنف الصلاة؟.

قال الشيخان والمرتضى : بالأول(٤) ، للروايتين.

وفيه إشكال ينشأ : من أنّ صلاة الفرض يبطلها العمل الكثير ، ودلالة الحديثين ليست قطعيّةً ، لاحتمال العود إلى ابتداء الصلاة.

ب : لو اشتغل بالكسوف وخشي فوت الحاضرة لو أتمّها وفوت الكسوف لو اشتغل بالحاضرة ، احتمل تقديم الحاضرة‌ ؛ لأولويتها ، فيقطع الكسوف ويستأنف.

وإتمام الكسوف ؛ لأولويته بالشروع فيه ، والنهي عن إبطال العمل ،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٧٢ / ٦٨٣.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩٣ / ٨٨٨.

(٣) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢.

(٤) النهاية : ١٣٧ ، جمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٤٥ ، وحكاه عن الثلاثة ، المحقق في المعتبر : ٢١٨.

١٩١

ومساواته بالحاضرة في الوجوب.

ويحتمل إتمامها إن أدرك من الحاضرة بعدها ركعة وإلّا استأنف.

ج : لو اتّسع وقت الحاضرة ، وشرع القرص في الكسوف ، أو حدثت الرياح المظلمة ، فالوجه : تقديم الكسوف والرياح‌ - وبه قال الشافعي(١) - لجواز عدم طول اللبث ، فيفوت بالاشتغال بالحاضرة.

د : الزلزلة متأخّرة عن الحاضرة‌ مطلقاً إن قلنا : وقتها العمر. وإن قلنا : وقتها حدوثها ، فتجب وإن سكنت ، كما قال بعض علمائنا(٢) ، وكالكسوف.

ه- : لو اتّفقت مع صلاة منذورة مؤقّتة ، بدأ بما يخشى فواته‌ ، ولو أمن فواتهما ، تخيّر فيهما.

و : الكسوف أولى من النافلة الموقّتة كصلاة الليل‌ وغيرها وإن خرج وقتها ، ثم يقضي ندباً.

ز : لو اجتمع الكسوف والعيد وصلاة الجنازة والاستسقاء ، قدّم من الفرائض ما يخشى فواته‌ أو التغيّر ، وإن تساويا ، تخيّر ، أمّا الاستسقاء فتؤخّر ، لأنّ المندوب لا يزاحم الواجب.

وقال الشافعي : تقدّم الجنازة ؛ لأنّها فرض ، وللخوف من التغيّر ، ثم الخسوف ، لتعلّقها بسبب يخاف فواته ، إلّا أن تتضيّق العيد فتقدّم ، لأنّ فواته متحقّق وفوات الخسوف غير متحقّق ، ثم الاستسقاء ، لأنّها تصلّى في أيّ وقت كان(٣) .

لا يقال : لا يمكن اجتماع العيد والكسوف ، لأنّ الشمس لا تنكسف في العادة إلّا في التاسع والعشرين من الشهر ، فلا يتصوّر كونه في الفطر ولا الأضحى.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٣٠ ، المجموع ٥ : ٥٥ و ٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٨١ ، الاُم ١ : ٢٤٣.

(٢) قاله المحقق في شرائع الإِسلام ١ : ١٠٣.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٣ ، مختصر المزني : ٣٢ ، المجموع ٥ : ٥٧.

١٩٢

لأنّا نقول : نمنع عدم الإِمكان ، والعادة لا تخرج نقيضها عن حدّ الإِمكان ، والله على كلّ شي‌ء قدير ، والفقهاء يفرضون الممكن وإن لم يقع عادةً ليبيّنوا الأحكام المنوطة به ، كما يفرضون مائة جدّة وما أشبه ذلك.

ثم هذا لا يرد علينا ، لأنّ هذه الصلاة لا تختص بكسوف الشمس ، بل هي واجبة لباقي الآيات الخارجة عن الضابط الزماني.

ح : لو خاف خروج وقت العيد ، قدّمت صلاته‌ ولم يخطب لها حتى يصلّي الخسوف ، فإذا صلّى الخسوف ، خطب للعيد خاصة عندنا - وعند الشافعي يخطب لهما(١) - وذكر ما يحتاج إلى ذكره لهما.

ط : لو اجتمع الخسوف والجمعة ، فإن اتّسع وقت الجمعة ، بدأ بالخسوف ، ويقصّر في قراءته ، فيقرأ السور القصار ، فإذا فرغ ، اشتغل بخطبة الجمعة خاصة.

وقال الشافعي : يخطب للخسوف والجمعة ، ثم يصلّي الجمعة(٢) .

ولو تضيّق الوقت ، بدأ بالخطبة للجمعة مخفّفةً ، ثم بالجمعة ثم بالخسوف.

ي : لو كان في الموقف حالة الكسوف ، قدّمت صلاته على الدعاء‌ ولا خطبة.

وقال الشافعي : يخطب راكباُ ويدعو(٣) .

وإن كسفت وهو في الموضع الذي يصلّى فيه الظهر ، قدّمت صلاته على الدفع إلى عرفة لئلّا تفوته.

يا : لو خسف القمر بعد الفجر من ليلة المزدلفة وهو بها ، صلّى صلاة الخسوف‌ وإن كان يؤدّي إلى ان يفوته الدفع منها إلى منى قبل طلوع الشمس.

____________________

(١) المجموع ٥ : ٥٧ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٢) الاُم ١ : ٢٤٣ ، المجموع ٥ : ٥٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٦٩ ، فتح العزيز ٥ : ٨٢.

(٣) الاُم ١ : ٢٤٤ ، المجموع ٥ : ٥٧ - ٥٨.

١٩٣

ويستحب التخفيف ليدفع قبله.

يب : لو خسفت الشمس يوم الثامن بمكة ، وخاف إن اشتغل بصلاة الخسوف أن يفوته فعل الظهر بمنى ، قدّم صلاة الخسوف‌ ، لأنّها واجبة ، بخلاف فعل الظهر بمنى.

يج : لو اتّفق الكسوف مع نافلة ، قدّم الكسوف‌ ولو فاتت النافلة ، راتبةً كانت أو لم تكن عند علمائنا ، لأنّها واجبة.

ولقول الصادقعليه‌السلام ، وقد سئل عن صلاة الكسوف وصلاة الليل بأيّتهما نبدأ؟ : « صلّ صلاة الكسوف ، واقض صلاة الليل حين تصبح »(١) .

وقال أحمد : يقدّم أكدهما(٢) ، وهو بناء على أنّ صلاة الكسوف مندوبة ، وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ٤٩٥ : قال الشيخ : صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر سواء(٣) .

وهو صحيح إن قصد المساواة في الهيئة ، أمّا في الإِطالة ففيه نظر ، لقول الباقرعليه‌السلام : « صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر ، وهما سواء في القراءة والركوع والسجود»(٤) .

مسألة ٤٩٦ : لو ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة ، لم تجب ، بخلاف الزلزلة ، فإنّها سبب في الوجوب لا وقت له.

( ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخفّ صلاة ، ففي الوجوب إشكال ينشأ : من قولهعليه‌السلام : ( مَنْ أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )(٥) ومن‌

____________________

(١) التهذيب ٣ : ١٥٥ / ٣٣٢.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٢٨٠.

(٣) الخلاف ١ : ٦٨٢ مسألة ٤٥٧.

(٤) الكافي ٣ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢ ، التهذيب ٣ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٣٣٥.

(٥) صحيح البخاري ١ : ١٥١ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٣ / ٦٠٧ ، سنن ابن ماجة ١ : =

١٩٤

استحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلاً ، إلّا أن يكون القصد القضاء ، ولم يثبت القصد هنا.

فلو اشتغل أحد المكلَّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة ، فعلى الأوّل يجب عليه الإِكمال ، وعلى الثاني لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين )(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو ضاق الوقت عن العدد ، لم يجز الاقتصار على الأقلّ.

ولو اتّسع للأكثر ، لم تجز الزيادة ، لأنّها فريضة معيّنة.

وللشافعي في كلٍّ من التقديرين وجهان(٢) .

مسألة ٤٩٧ : لا يجوز أن تصلّى هذه الصلاة على الراحلة اختيارا‌ً ولا مشياً إلّا مع الضرورة عند علمائنا - خلافاً للجمهور - لأنّها فريضة فلا تجوز على الراحلة ومشياً اختياراً ، كغيرها من الفرائض.

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام : أيصلّي الرجل شيئاً من الفروض على الراحلة؟ فقال : « لا »(٣) .

أمّا مع الضرورة فتجوز ، دفعاً للمشقّة ، كغيرها من الفرائض.

وكتب علي بن فضل الواسطي إلى الرضاعليه‌السلام : إذا كسفت‌

____________________

= ٣٥٦ - ١١٢٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٧٤ ، الموطأ ١ : ١٠ / ١٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ / ٥٢٤.

(١) ورد بدل ما بين القوسين في نسخة « ش » هكذا : ولو اتّسع لركعة وقصر عن أخف صلاة لم يجب لاستحالة فرض وقت لعبادة يقصر عنها عقلاً إلّا أن يكون القصد القضاء ولم يثبت القصد هنا ، فلو اشتغل أحد المكلَّفين بها في الابتداء وخرج الوقت وقد أكمل ركعة يحتمل أن يجب عليه الإِكمال لأنه مكلَّف بالظن فصح ما فعل فيدخل تحت( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) والأقوى أنّه لا يجب ، أمّا الآخر فلا يجب عليه القضاء على التقديرين.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧ - ٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٧١.

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠٨ / ٩٥٤.

١٩٥

الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتبعليه‌السلام : « صلّ على مركبك الذي أنت عليه »(١) .

مسألة ٤٩٨ : هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضاً ، أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب كما قال بعضهم : إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ : من عدم التنصيص ، وخفائه ، إذ الحسّ لا يدلّ عليه ، وإنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم ، ومن كونه آية مخوفة ، فتشارك النيّرين في الحكم.

والأول أقوى.

* * *

____________________

(١) الكافي ٣ : ٤٦٥ / ٧ ، الفقيه ١ : ٣٤٦ / ٥٣١ ، التهذيب ٣ : ٢٩١ / ٨٧٨ ، قرب الإِسناد : ١٧٤.

١٩٦

١٩٧

الفصل الرابع : في صلاة النذر‌

مسألة ٤٩٩ : صلاة النذر واجبة بحسب ما نذره إجماعاً.

ولقوله تعالى( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (١) وقوله تعالى( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤولاً ) (٣) ولقوله تعالى( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ ) (٤) .

ويشترط فيه ما يشترط في الفرائض اليومية من الطهارة والاستقبال وغيرهما إجماعاً إلّا الوقت ، وتزيد الصفات التي عيّنها في نذره ، ولا يجب لو وقع في معصية ، لقبحه إلّا على وجه الزجر ، وسيأتي.

ولو عيّن الزمان ، تعيّن سواء كان فيه مزية كيوم الجمعة وغيره من الأوقات الشريفة ، أو لا ، لأنّ البقاء غير معلوم ، والتقدّم فعل للواجب قبل وجوبه ، فلا يقع مجزئاً ، كما لو صلّى الفرض قبل وقته ، فتعيّن.

ولو قيّده بوقت مكروه للنوافل ، فالأقرب الانعقاد ، لاختصاص الكراهة‌

____________________

(١) الإِنسان : ٧.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الإِسراء : ٣٤.

(٤) النحل : ٩١.

١٩٨

بالنوافل ، وهذه بالنذر خرجت عن كونها نافلةً ، وصارت واجبةً ذات سبب.

مسألة ٥٠٠ : لو قيّد نذر الصلاة بزمان فأوقعها في غيره ، فقد بيّنّا عدم الإِجزاء.

ثم إن كان الفعل متقدّماً على الزمان ، وجب عليه الإِعادة عند حضور الزمان ، فإن أهمل وجب القضاء وكفّارة خلف النذر.

وإن تأخّر الفعل ، فإن كان لعذر أجزأ ولا كفّارة ، وإن كان لغير عذر ، فإن أوقعه بنيّة القضاء ، أجزأ وكفّر ، وإلّا وجب عليه الفعل ثانياً والكفّارة.

ولو نذر إيقاعه في زمان يتكرّر مثله كيوم الجمعة ، لم يجب في الجمعة الْاُولى إلّا مع النذر ، بل يجزئه فعلها في أيّ جمعة شاء ، فإن أوقعها في خميس مثلاً لم يجزئه ، ووجب إيقاعها في الجمعة الْاُخرى أداءً لا قضاءً.

مسألة ٥٠١ : لو قيّد نذر الصلاة بمكان ، فإن كان له مزيّة ، تعيّن‌ كالمسجد.

وإن لم يكن له مزيّة ، ففي وجوب القيد نظر ينشأ : من أنّه نذر طاعة في موضع مباحٍ فيجب ، ومن أنّ القيد لا مزيّة فيه فلا تجب ، كما لو نذر المشي ولم يعيّن مقصداً ، وهو الأقرب ، فيجوز إيقاعها حينئذٍ في أيّ موضع شاء.

أمّا لو كان له مزيّة ، فصلاّها في مكان مزيّته أعلى ، فالأقرب : الجواز ، إذ زيادة المزية بالنسبة إلى الآخر كذي المزية بالنسبة إلى غير ذي المزيّة.

ويحتمل العدم ، لأنّه نذر انعقد ، فلا يجوز غيره ، فإن قلنا بالجواز فلا بحث ، وإلّا وجب القضاء.

ولو قيّده بزمان ومكان ، فأوقعها في ذلك الزمان في غير ذلك المكان ممّا يساويه أو يزيد عليه في المزيّة ، أجزأ على إشكال ، وإلّا وجب القضاء في ذلك المكان بعينه ، والكفّارة ، لفوات الوقت.

مسألة ٥٠٢ : لو أطلق العدد ، أجزأه ركعتان إجماعاً.

وهل تجزئه الواحدة؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : ذلك ، للتعبّد بمثلها‌

١٩٩

في الوتر. والآخر : المنع ، صرفاً للإِطلاق إلى المتعارف وهو الركعتان.

ولو صلّاها ثلاثاً أو أربعاً ، أجزأ إجماعاً ، وفي وجوب التشهّدين إشكال. ولو صلّاها خمساً فإشكال.

ولو قيّد نذره بعدد ، تعيّن إن تُعبِّدَ بمثله.

ثم إن أطلق ، احتمل وجوب التسليم عقيب كلِّ ركعتين ، ووجوبه عقيب أربع أو ما زاد على إشكال.

وإن لم يتعبّد بمثله ، كالخمس والست ، قال ابن إدريس : لا ينعقد(١) .

ويحتمل انعقاده ، لأنّها عبادة ، وعدم التعبّد بمثلها لا يخرجها عن كونها عبادةً.

مسألة ٥٠٣ : لو قيّد النذر بقراءة سورة معيّنة ، أو آيات مخصوصة ، أو تسبيح معلوم ، تعيّن‌ ، فيعيد مع المخالفة ، فإن كان مقيّدا بوقت وخرج ، أعاد وكفّر.

ولو نذر أن يقرأ آياتٍ معيّنةٍ عوض السورة ففي الإِجزاء نظر ينشأ : من أنّها واجبة ، فتجب السورة مع الحمد كغيرها من الفرائض ، ومن أنّ وجوبها على هذا الحدّ فلا يجب غيره ، فعلى الأول يحتمل عدم انعقاد النذر مطلقاً ، كما لو نذر صلاة بغير طهارة ، وانعقاده فتجب سورة كاملة.

ولو نذر آياتٍ من سورة معيّنة عوض السورة ، وقلنا بوجوب السورة في الأول ، وجب هنا عين تلك السورة ليدخل ما نذره ضمناً ، ويحتمل إجزاء غيرها ، لعدم انعقاد النذر في التبعيض.

مسألة ٥٠٤ : لو نذر النافلة في وقتها ، صارت واجبةً ، فلو نذر صلاة العيد المندوبة أو الاستسقاء في وقتهما ، لزم ، ولو نذرهما في غير وقتهما ،

____________________

(١) السرائر : ٣٥٧.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345