مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 379
المشاهدات: 11619
تحميل: 5174


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11619 / تحميل: 5174
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

ومطالبها لأهلها مطلبا لآخرتهم حتى يفسد عليهم مطلب آخرتهم في دنياهم وذكرت أني ثبطت الناس عنك لرغبتي فيما في يديك وما منعني من مدخلك الذي أنت فيه لو كنت راغبا ضعف عن سنة ولا قلة بصيرة بحجة ولكن الله تبارك وتعالى خلق الناس أمشاجا وغرائب وغرائز فأخبرني عن حرفين أسألك عنهما ما العترف في بدنك وما الصهلج في الإنسان ثم اكتب إلي بخبر ذلك وأنا متقدم إليك أحذرك

عطفا على الدنيا « في دنياهم » في للظرفية أو بمعنى مع.

والحاصل أن حرص الدنيا صار سببا لأن لا يخلص لهم شيء للآخرة ، فإذا أرادوا عملا من أعمال الآخرة خلطوه بالأغراض الدنيوية والأعمال الباطلة كالأمر بالمعروف الذي أردت خلطته بإنكار حق أهل الحق ومعارضتهم ، والافتراء عليهم ، فيحتمل أن يكون في سببية أيضا ، وقيل : يعني أن حرصك على الدنيا ومطالبها صار سببا لفساد آخرتك في دنياك.

والتثبيط التعويق والتأخير فيما في يديك ، أي ادعاء الإمامة « ضعف عن سنه » أي عجز عن معرفتها ، بل صار علمي سببا لعدم إظهار الأمر قبل أوانه.

« أمشاجا » أي أخلاطا شتى « وغرائب » أي ذوي عجائب فإنك تدعي هذا الأمر مع جهلك وضلالتك وأنا لا أدعية مع وفور علمي وهداي ، وأي غريبة أغرب من ذلك ، وأي أعجوبة أعجب منه « وغرائز » أي طبائع مختلفة أو جعل للإنسان أجزاء وأعضاء مختلفة ، فأخبرني عن هذين العضوين إن كنت صادقا في ادعاء الإمامة ، فإن الإمام لا يخفى عليه شيء.

قال في الجوامع في قوله تعالى : «مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ » مشجه : مزجه يعني نطفة قد امتزج فيها الماءان ماء الرجل وماء المرأة ، أو أطوارا طورا نطفة وطورا علقة ، وطورا مضغة ، وطورا عظاما إلى أن صار إنسانا ، انتهى.

وهذان العضوان بهذين الاسمين غير معروفين عند الأطباء ، ويقال : تقدم إليه

١٦١

معصية الخليفة وأحثك على بره وطاعته وأن تطلب لنفسك أمانا قبل أن تأخذك الأظفار ويلزمك الخناق من كل مكان فتروح إلى النفس من كل مكان ولا تجده حتى يمن الله عليك بمنه وفضله ورقة الخليفة أبقاه الله فيؤمنك ويرحمك ويحفظ فيك أرحام رسول الله «وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ».

قال الجعفري فبلغني أن كتاب موسى بن جعفرعليه‌السلام وقع في يدي هارون فلما قرأه قال الناس يحملوني على موسى بن جعفر وهو بريء مما يرمى به.

في كذا إذا أمره وأوصاه به « معصية الخليفة » أي خليفة الجور ظاهرا تقية ، وخليفة الحق يعني نفسهعليه‌السلام واقعا وتورية ، مع أنه يجب طاعة خلفاء الجور عند التقية لحفظ النفس ، وإنما كتبعليه‌السلام ذلك لعلمه بأنه سيقع في يد الملعون دفعا لضرره عن نفسه وعشيرته وشيعته.

« قبل أن تأخذك الأظفار » كناية عن الأسر تشبيها بطائر صاده بعض الجوارح بحيث يقع بين أظفاره ولا يمكنه التخلص منه « ويلزمك الخناق » بفتح الخاء مصدر خنقه إذا عصر حلقه ، أو بالكسر وهو الحبل الذي يخنق به ، أو بالضم كغراب وهو الداء الذي يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب « فتروح » من باب التفعيل بحذف إحدى التائين ، أي تطلب الروح بالفتح وهو النسيم « إلى النفس » أي للنفس « من كل مكان » متعلق بتروح « فلا تجده » أي الروح أو النفس ، في القاموس : النفس بالتحريك واحد الأنفاس ، والسعة والفسحة في الأمر ، وأجد نفس ربكم من قبل اليمن اسم وضع موضع المصدر الحقيقي ، من نفس تنفيسا ونفسا أي فرح تفريحا ، انتهى.

« ورقة الخليفة » عطف على منه « يحملوني » أي يغرونني به ويحملوني على الإضرار به « وهو بريء مما يرمى به » أي ينسب إليه ويتهم به ويطعن فيه.

أقول : ولنذكر بعض أحوال يحيى : اعلم أن الزيدية أثبتوا له مدائح كثيرة

١٦٢

تم الجزء الثاني من كتاب الكافي ويتلوه بمشيئة الله وعونه الجزء الثالث وهو باب كراهية التوقيت «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين.

حتى رووا أن الصادقعليه‌السلام لما حضرته الوفاة أوصى إلى يحيى وإلى موسى وإلى أم ولد ، فكان يلي أمر تركاته والأصاغر من ولده جاريا على أيديهم ، وهذا باطل لما عرفت من كيفية وصيتهعليه‌السلام وانحراف بني الحسن عن أئمتناعليهم‌السلام كان من أوضح الواضحات ، وإنما وضعوا ذلك تقوية لأمرهم.

وقال مؤلف كتاب عمدة الطالب : يحيى صاحب الديلم ابن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قد هرب إلى بلاد الديلم وظهر هناك واجتمع عليه الناس وبائعه أهل تلك الأعمال وعظم أمره وخاف الرشيد لذلك وأهمه وانزعج منه غاية الانزعاج ، فكتب إلى الفضل بن يحيى البرمكي أن يحيى بن عبد الله قذاة في عيني فأعطه ما شاء واكفني أمره ، فسار إليه الفضل في جيش كثيف وأرسل إليه بالرفق والتحذير والترهيب ، فرغب يحيى في الأمان ، فكتب له الفضل أمانا مؤكدا وأخذ يحيى وجاء به إلى الرشيد ، ويقال : إنه صار إلى الديلم مستجيرا فباعه صاحب الديلم من الفضل بن يحيى بمائة ألف درهم ، ومضى يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى سعي عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير إلى الرشيد إلى آخر ما رواه في ذلك.

وروى أبو الفرج في المقاتل بأسانيد عن جماعة أنهم قالوا : إن يحيى بن عبد الله ابن الحسن لما قتل أصحاب فخ كان في فلهم فاستتر مدة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي فأمره بالانتقال عنه وقصد الديلم ، وكتب له منشورا لا يعرض له أحد ، فمضى متنكرا حتى ورد الديلم وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق ، فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلما علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه إني أريد

١٦٣

أن أحدث بك عهدا وأخشى أن تبتلي بي وأبتلي بك ، فكاتب صاحب الديلم فإني قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به ففعل ذلك يحيى ، وكان قد صحبه جماعة من أهل الكوفة وفيهم الحسن بن صالح بن حر كان يذهب مذهب الزيدية في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ويفسد أصحابه فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل بن يحيى جميع كور المشرق وخراسان وأمره بقصد يحيى والجد به وبذل الأمان له والصلة إن قبل ذلك فمضى الفضل فيمن ندب معه وراسل يحيى بن عبد الله فأجابه إلى قبوله لما رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه ، إلا أن لم يرض الشرائط التي شرطت له ولا الشهود الذين شهدوا ، وبعث بالكتاب إلى الفضل ، فبعث به إلى الرشيد فكتب له على ما أراد وأشهد له من التمس.

قالوا : فلما جاء الفضل إلى بلاد الديلم قال يحيى : اللهم اشكر لي إخافتي قلوب الظالمين ، اللهم إن تقض لنا النصرة فإنما نريد إعزاز دينك ، وإن تقض لهم النصر فبما تختار لأوليائك وأبناء أوليائك من كريم المآب وسني الثواب ، فبلغ ذلك الفضل فقال : يدعو الله أن يرزقه السلامة فقد رزقها ، قالوا : فلما ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الأمان على ما رسم يحيى وأشهد الشهود الذين التمسهم ، وجعل الأمان على نسختين إحداهما مع يحيى والأخرى معه ، ثم شخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد ودخلها معادله في عمارية على بغل ، فلما قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية يقال إن مبلغها مائتا ألف دينار وغير ذلك من الخلع والحملان.

فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى والتتبع له وطلب العلل عليه وعلى أصحابه حتى أخذ رجلا يقال له فضالة ، بلغه أنه يدعو إلى يحيى فحبسه ، ثم دعا به فأمره أن يكتب إلى يحيى بأنه قد أجابه جماعة من القواد وأصحاب

١٦٤

الرشيد ، ففعل ذلك ووجه الرسول إلى يحيى فقبض عليه وجاء به إلى يحيى بن خالد فقال له : هذا جاءني بكتاب لا أعرفه ودفع الكتاب إليه وطابت نفس الرشيد بذلك ، وحبس فضالة فقيل له : إنك تظلمه في حبسك إياه ، فقال : أنا أعلم ذلك ولكن لا يخرج وأنا حي أبدا قال فضالة : ولا والله ما ظلمني لقد كنت عهدت إلى يحيى إن جاءه مني كتاب أن لا يقبله وأن يدفع الرسول إلى السلطان وعلمت أنه سيحتال عليه بي.

قالوا : فلما تبين يحيى بن عبد الله ما يراد به استأذن في الحج فأذن له ، وفي رواية أخرى أنه لم يستأذن للحج ولكنه قال للفضل ذات يوم : اتق الله في دمي واحذر أن يكون محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله خصمك غدا في فرق له وأطلقه ، وكان على الفضل عين للرشيد فذكر ذلك له فدعا بالفضل فقال : ما خبر يحيى بن عبد الله؟ قال : في موضعه عندي مقيم ، قال : وحياتي؟ قال : وحياتك إني أطلقته ، سألني برحمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرققت له ، قال : أحسنت قد كان عزمي أن أخلي سبيله ، فلما خرج أتبعه طرفه وقال : قتلني الله إن لم أقتلك.

قالوا : ثم إن نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى بن عبد الله والشهادة عليه بأنه يدعو إلى نفسه وأمانه منتقض ، فوافق ، ذلك لما كان في نفس الرشيد له ، وهم عبد الله بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك واحتالوا إلى أن أمكنهم ذكرهم له ، وأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الأيام يدعو به ويناظره إلى أن مات في حبسه رضوان الله عليه.

واختلف الناس في أمره وكيف كانت وفاته ، فقيل : إنه دعاه يوما وجمع بينه وبين عبد الله بن مصعب ليناظره فيما رفع إليه ، فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال : نعم يا أمير المؤمنين إن هذا دعاني إلى بيعته فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين

١٦٥

أتصدق ذلك على وتستنصحه وهو ابن عبد الله بن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب وأضرم عليهم النار حتى تخلصه أبو عبد الله الجدلي صاحب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته حتى التاث عليه الناس؟ فقال : إن له أهل بيت سوء إذا ذكرته استرابت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك فلا أحب أن أقر عينهم بذلك ، وهو الذي فعل به عبد الله بن العباس ما لا خفاء به عليك وطال الكلام بينهما حتى قال يحيى ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك ، وقال في ذلك أبياتا منها :

قوموا ببيعتكم تنهض بطاعتنا

إن الخلافة فيكم يا بني حسن

قال : فتغير وجه الرشيد عند سماع الأبيات فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو وبإيمان البيعة إن هذا الشعر ليس له ، فقال يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره وما حلفت كاذبا ولا صادقا بالله قبل هذا ، وإن الله إذا مجده العبد في يمينه بقوله الرحمن الرحيم الطالب الغالب استحيا أن يعاقبه فدعني أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل ، قال : حلفه ، قال : قل برئت من حول الله وقوته ، واعتصمت بحولي وقوتي وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستغناء عنه واستعلاء عليه إن كنت قلت هذا الشعر ، فامتنع عبد الله من الحلف بذلك ، فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : هنا شيء ما له لا يحلف إن كان صادقا؟ هذا طيلساني علي وهذه ثيابي لو حلفني أنها لي لحلفت ، فرفس الفضل عبد الله برجله وصاح به : احلف ويحك وكان له فيه هوى ، فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال : يا بن مصعب قطعت والله عمرك ، والله لا تفلح بعدها.

فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ومشى معها ومشى الناس معه ، فلما جاءوا به إلى القبر ووضعوه في

١٦٦

لحده وجعل اللبن فوقه انخسف القبر به ، وخرجت منه غبرة عظيمة ، فصاح الفضل التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ودعا بأحمال شوك فطرحها فهوت فأمر حينئذ بالقبر فسقف بخشب وأصلحه وانصرف منكسرا ، فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل يحيى من ابن مصعب؟

قالوا : ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمد بن الحسن صاحب أبي يوسف القاضي والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البختري وهب بن وهب ، فجمعوا في مجلس وخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان فبدأ بمحمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، وكان يحيى قد عرضه في المدينة على مالك وابن الدراوردي وغيرهم فعرفوه أنه مؤكد لا علة فيه.

قال : فصاح عليه مسرور وقال : هاته فدفعه إلى الحسين بن زياد فقال بصوت ضعيف : هو أمان واستلبه أبو البختري فقال : هذا باطل منتقض قد شق العصا وسفك الدم فاقتله ودمه في عنقي ، فدخل مسرور إلى الرشيد فأخبره ، فقال : اذهب فقل له خرقه إن كان باطلا بيدك؟ فجاءه مسرور فقال له ذلك ، فقال : شقه يا أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا ، فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده يرتعد حتى صيره سيورا ، فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح. ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى بن عبد الله.

قال أبو الفرج وقد اختلف في مقتله كيف كان ، فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت قريبا منه فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال ، وقد مضى من الليلة هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له ، فوقف ثم قال : أين هذا؟ يعني يحيى قالوا : في هذا البيت ، قال : علي به فأدنى إليه فجعل هارون يكلمه بشيء لم أفهمه فقال : خذوه فأخذ فضربه مائة عصا ويحيى يناشده

١٦٧

الله والرحم والقرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : بقرابتي منك ، فيقول : ما بيني وبينك قرابة ، ثم حمل فرد إلى موضعه ، فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء ، قال : اجعلوه على النصف.

ثم خرج ومكث ليالي ثم سمعنا وقعا ، فإذا نحن به حتى دخل فوقف موقفه فقال : علي به فاخرج ففعل به مثل فعله ذلك وضربه مائة عصا أخرى ويحيى يناشده ، فقال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء ، قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج وعاود الثالثة وقد مرض يحيى وثقل فلما دخل قال : علي به قالوا : هو عليل مدنف به ، قال : كم أجريتم عليه؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج فلم يلبث يحيى أن مات ، فأخرج إلى الناس ودفن وعن إبراهيم بن رياح أنه بنى عليه أسطوانة بالرافقة وهو حي.

وعن علي بن محمد بن سليمان أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف ، قال : وبلغني أنه سقاه سما.

وعن محمد بن أبي الحسناء أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته.

وعن عبد الله بن عمر العمري قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبد الله بحضرة الرشيد لعنه الله ، فجعل يقول : يا يحيى اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك ، وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه فكلما أردت أخذ إنسان بلغني عنه شيء أكرهه ذكر أنه ممن أمنت ، فقال يحيى : يا أمير المؤمنين أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان؟ أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي لا يحل لي هذا.

قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ودعانا له يوما آخر فرأيته أصفر اللون متغيرا ، فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه ، فقال : ألا ترون إليه لا يجيبني فأخرج إلينا لسانه قد صار أسود مثل الفحمة يرينا أنه لا يقدر على الكلام ، فاستشاط الرشيد وقال

١٦٨

إنه يريكم أني سقيته السم وو الله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا ، ثم خرجنا من عنده فما صرنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لإصر(١) ما به.

وحدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن قال : كان إدريس بن محمد بن يحيى بن عبد الله يقول : قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس.

وعن الزبير بن البكار عن عمه أن يحيى لما أخذ من الرشيد المائتي ألف دينار قضى بها دين الحسين صاحب الفخ ، وكان الحسين خلف مائتي ألف دينار دينا.

وقال : خرج مع يحيى عامر بن كثير السراج ، وسهل بن عامر البجلي ، ويحيى بن مساور ، وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد ، وعبد ربه بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعا هارون في المطبق فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة.

انتهى ما أردت إيراده من كتاب المقاتل ، وإليه انتهى المجلد الثاني من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد جمعت فيه ما كنت علقته في سالف الزمان متفرقا على الكتاب ، وأخذه المعاصرون وأدخلوها في زبرهم ونسبوها إلى أنفسهم ، مع زيادات أضفتها إليها ، وكان ذلك في شهر ربيع الثاني من سنة المائة والألف بعد الهجرة المقدسة النبوية وكتبه مؤلفه الفقير إلى عفو ربه الغني محمد باقر ابن محمد تقي عفا الله عن هفواتهما ، ويتلوه في المجلد الثالث باب كراهية التوقيت ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

__________________

(١) الإصر : الثقل.

١٦٩

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(باب كراهية التوقيت)

١ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول يا ثابت إن الله تبارك وتعالى قد كان وقت هذا الأمر في السبعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله خيرة الورى ، أما بعد فهذا هو المجلد الثالث من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول صلى الله عليه وعليهم أجمعين من كتاب الكافي.

باب كراهية التوقيت

أي لظهور القائمعليه‌السلام وكان المراد بالكراهية الحرمة إن كان من غير علم

الحديث الأول : صحيح.

وفي كتاب الغيبة للشيخ وإكمال الدين للصدوق هكذا : قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إن علياعليه‌السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء ، وكان يقول : بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء؟ فقال أبو جعفرعليه‌السلام : يا ثابت إن الله تعالى كان وقت ، إلى آخر الخبر.

« وقت هذا الأمر » أي ظهور الحق وغلبته على الباطل بيد إمام من الأئمة ، لا ظهور الإمام الثاني عشر « في السبعين » أي من الهجرة النبوية أو الغيبة المهدوية

١٧٠

فلما أن قتل الحسين صلوات الله عليه اشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخره إلى

والأول أظهر ، وهذه من الأمور البدائية كما مر تحقيقها مرارا.

قيل : ويؤيد كون ابتداء المدة من الهجرة طلب أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام حقه بحوالي السبعين وظهور أمر أبي الحسن الرضاعليه‌السلام فيما بعد أربعين ومائة بقليل ، انتهى.

أقول : ما ذكره لا يستقيم بحساب التواريخ المشهورة إذا كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في سنة إحدى وستين ، وخروج الرضاعليه‌السلام إلى خراسان في سنة مائتين ، ويمكن أن يكون ابتداء التاريخ من البعثة ، وكان ابتداء خروج الحسينعليه‌السلام قبل فوت معاوية بسنين ، فإن أهل الكوفة خذلهم الله كانوا يراسلونهعليه‌السلام في تلك الأيام ، ويكون الثاني إشارة إلى خروج زيد بن علي في سنة اثنتين وعشرين ومائة ، فمن ابتداء البعثة مائة وخمس وثلاثون ، وهو قريب مما في الخبر وقد مر أنه كان يدعو إلى الرضا من آل محمد ، وأنه كان لو ظفر لوفى.

والأظهر على هذا أن يكون إشارة إلى انقراض دولة بني أمية أو ضعفهم واستيلاء أبي مسلم على خراسان ، وقد كتب إلى الصادقعليه‌السلام كتبا يريد البيعة لهعليه‌السلام فلم يقبل لمصالح كثيرة ، فقد تسببت أسباب رجوع الأمر إليهمعليهم‌السلام لكن بسبب تقصير من كتمان الأمر والمتابعة الكاملة تأخر الأمر ، وقد كانت بيعة السفاح في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، وكان دخول أبي مسلم المرو وأخذ البيعة بها في سنة ثلاثين ومائة ، وخروج أبي مسلم إلى خراسان في سنة ثمان وعشرين ومائة ، كل ذلك من الهجرة ، فإذا انضم ما بين الهجرة والبعثة إليها يوافق ما في الخبر موافقة تامة.

ويمكن أن يكون ابتداؤه من الهجرة كما هو المشهور ، ويكون السبعون إشارة إلى ظهور أمر المختار ، فإنه كان مظنة استيصال بني أمية وعود الحق إلى أهله وإن لم يكن مختار غرضه صحيحا ، وكان قتله في سنة سبع وستين ، ويكون الثاني لظهور أمر الصادقعليه‌السلام في هذا التاريخ وانتشار شيعته في المشارق والمغارب ، وخروج

١٧١

أربعين ومائة فحدثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتا عندنا و «يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ».

قال أبو حمزة فحدثت بذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال قد كان كذلك.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ دخل عليه مهزم فقال له جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظر متى هو فقال يا مهزم كذب الوقاتون

جماعة من أقاربه على الخلفاء مع أنه لا ضرورة في تصحيح هذا الخبر إلى ظهور أمر يدل على ذلك ، ولا موافقة السبعين لشهادة الحسينعليه‌السلام فإنه بيان للتقديرات المكتوبة في كتاب المحو والإثبات ، والتغييرات الواقعة فيها وإن لم يعلم بكيفيتها وجهتها.

وقيل : هذا من الاستعارة التمثيلية والمقصود أنه لو لا علم الله تعالى الأزلي بقتل الحسينعليه‌السلام في وقت كذا لجعل هذا الأمر في السبعين من الهجرة ، ولو لا علمه تعالى بإذاعة الشيعة الأسرار لجعله في ضعف ذلك ، انتهى.

ولا يخفى عليك ما فيه بعد ما أحطت خبرا بما ذكرنا في تحقيق البداء.

« فحدثناكم » أي بالأوقات البدائية أو بغيرها من الأمور الآتية ، كظهور بني العباس وامتداد دولتهم وأشباه ذلك ، فصار سببا لطمعهم « وقتا عندنا » أي لا نعلمه أو لا نخبر به ولم يؤذن لنا في الإخبار بالأمور البدائية فيه.

الحديث الثاني : ضعيف.

« كذب الوقاتون » أي على سبيل الحتم ، فلا ينافي ما ورد من الأخبار البدائية ، ويحتمل أن يكون المراد بالكذب أنه يحصل فيه البداء ، فتوهم الناس أنه كذب فينسبون الكذب إليهم لا أنهم كاذبون واقعا ، فيمكن أن يقرأ كذب على بناء المجهول من التفعيل والأول أظهر.

قال الشيخرحمه‌الله في كتاب الغيبة : وأما وقت خروجه فليس بمعلوم لنا على

١٧٢

وجه التفصيل بل هو مغيب عنا إلى أن يأذن الله بالفرج ، ثم ذكر هذه الأخبار وأمثالها ثم قال : فالوجه في هذه الأخبار أن نقول : إن صحت أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى قد وقت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت ، فلما تجدد ما تجدد تغيرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر ، وكذلك فيما بعد ، ويكون وقت الأول وكل وقت يجوز أن يؤخر مشروطا بأن لا يتجدد ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء ، فيكون محتوما.

وعلى هذا يتأول ما ورد في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء وصلة الأرحام ، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك وهو تعالى وإن كان عالما بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوما بشرط والآخر بلا شرط ، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل.

وعلى هذا يتأول أيضا ما روي من أخبارنا المتضمنة للفظ البداء ويبين أن معناها النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ أو تغير شروطها إن كان طريقها الخبر عن الكائنات ، لأن البداء في اللغة هو الظهور فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنا نظن خلافه ، أو نعلم ولا نعلم شرطه ، فأما من قال بأن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد كونه فقد كفر وخرج عن التوحيد.

وقد روى الفضل بن شاذان عن محمد بن علي عن سعدان عن أبي بصير قال : قلت له : ألهذا الأمر أمر تريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟ قال : بلى ولكنكم أذعتم فزاد الله فيه.

فالوجه فيه وفي أمثاله ما قدمنا ذكره من تغير المصلحة فيه واقتضائها تأخير الأمر إلى وقت آخر على ما بيناه ، دون ظهور الأمر له تعالى فإنا لا نقول به ولا نجوزه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

١٧٣

وهلك المستعجلون ونجا المسلمون.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن القائمعليه‌السلام فقال كذب الوقاتون إنا أهل بيت لا نوقت.

فإن قيل : هذا يؤدي إلى أن لا نثق بشيء من أخبار الله تعالى.

قلنا : الإخبار على ضربين ، ضرب لا يجوز فيه التغير في مخبراته فإنا نقطع عليها لعلمنا بأنه لا يجوز أن يتغير المخبر في نفسه كالأخبار عن صفات الله تعالى وعن الكائنات فيما مضى وكالأخبار بأنه يثيب المؤمنين ، والضرب الآخر هو ما يجوز تغيره في نفسه لتغير المصلحة عند تغير شرطه ، فإنه يجوز جميع ذلك كالأخبار عن الحوادث في المستقبل إلا أن يراد الخبر على وجه يعلم أن مخبره لا يتغير فحينئذ نقطع بكونه ، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات ، فأعلمنا أنه مما لا يتغير أصلا فعند ذلك نقطع به ، انتهى كلامهقدس‌سره .

وهو في غاية المتانة والاستقامة ، وبه تنحل الإشكالات الواردة في هذه الأخبار.

« وهلك المستعجلون » أي الذين يريدون تعجل ظهور الحق ، ويعترضون على الله وعلينا في تأخيره ، ولا يرضون بقضاء الله في ذلك ، وأما ترقب الفرج والدعاء له فهما مطلوبان ، ولذا قال : « ونجا المسلمون » بتشديد اللام أي الراضون بقضاء الله ، الذين لا يعترضون على أئمتهم فيما يقولون ويفعلون ، أو المراد بالمستعجلين الذين كانوا يخرجون قبل أوان ظهور الحق على أئمة الجور ، ويقتلون فيهلكون ويهلكون في الدنيا والآخرة ، وقيل : الاستعجال عد الشيء عاجلا بالخروج على أئمة الضلالة.

الحديث الثالث : صحيح.

« لا نوقت » أي حتما أو بعد ذلك كما مر ، والتوقيت الإخبار بالوقت.

١٧٤

٤ ـ أحمد بإسناده قال قال أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الخزاز ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت لهذا الأمر وقت فقال كذب الوقاتون كذب الوقاتون كذب الوقاتون إن موسىعليه‌السلام لما خرج وافدا إلى ربه واعدهم ثلاثين يوما فلما زاده الله على الثلاثين عشرا قال قومه قد أخلفنا موسى فصنعوا ما صنعوا فإذا حدثناكم الحديث فجاء

الحديث الرابع : مرسل.

« إلا أن يخالف وقت الموقتين » أي في أمر ظهور الحق أو مطلقا ، غالبا ، والأول أظهر ، و « وقت » يمكن أن يقرأ بالرفع والنصب وعلى الأول المفعول محذوف ، أي وقت ظهور هذا الأمر.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« وافدا » أي رسولا واردا عليه تعالى يعني ذاهبا إلى طور سيناء للمناجاة ، قال الجوهري : وفد فلان على الأمير أي ورد رسولا فهو وافد ، والجمع وفد ، وأوفدته أنا إلى الأمير أي أرسلته.

« واعدهم ثلاثين يوما » اعلم أنه تعالى قال في سورة البقرة : «وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » وقال في الأعراف : «وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » فاختلف المفسرون في ذلك فقيل : كان ما أخبر به موسى أربعين ليلة ، وإنما قال سبحانه «ثَلاثِينَ لَيْلَةً » وأفرد العشر لأنه تعالى واعده ثلاثين ليلة ليصوم فيها ويتقرب بالعبادة ، ثم أتمت بعشر إلى وقت المناجاة ، وقيل : هي العشر التي نزلت التوراة فيها ، وقيل : إن موسى قال لقومه : إني أتأخر عنكم ثلاثين يوما ليتسهل عليهم ، ثم زاد عليهم عشرا وليس في ذلك خلف ، لأنه إذا تأخر عنهم أربعين ليلة فقد تأخر ثلاثين قبلها.

١٧٥

على ما حدثناكم به فقولوا صدق الله وإذا حدثناكم الحديث فجاء على خلاف ما حدثناكم به فقولوا صدق الله تؤجروا مرتين.

٦ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن السياري ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن يقطين قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة : قال وقال يقطين لابنه علي

وعلى هذا الأخير دلت الأخبار الكثيرة منا ومن المخالفين فيكون من الأخبار البدائية ، فكان الميعاد واقعا أربعين ليلة ، وأخبر موسى بثلاثين ثم زاد فيها عشرا لامتحان القوم وشدة التكليف عليهم ، أو واعد الله موسى أربعين وأمره أن يخبر قومه بما في لوح المحو والإثبات ثلاثين لما ذكرنا ، فاستشهدعليه‌السلام بذلك على أنه يجوز أن نخبر في أمر القائمعليه‌السلام بشيء من كتاب المحو والإثبات ، ثم يتغير ذلك فيجيء على خلاف ما حدثناكم به فلا تكذبونا بذلك وقولوا صدق الله ، لأنه كان الخبر عن كتاب المحو والإثبات ، وكان ما كتب فيه مشروطا بشرطه فقد صدق الله وصدق من أخبر عن الله.

وإنما يؤجرون مرتين لإيمانهم بصدقهم أولا ، وثباتهم عليه بعد ظهور خلاف ما أخبروا به ثانيا ، أو لكون هذا التصديق صعبا على النفس فلذا يتضاعف أجرهم ، وهذا إحدى الحكم في البداء ، فإن تشديد التكليف موجب لعظيم الأجر.

الحديث السادس : ضعيف.

« تربى » على بناء المفعول من التفعيل من التربية ، أي تصلح أحوالهم وتثبت قلوبهم على الحق بالأماني بأن يقال لهم الفرج ما أقربه وما أعجله فإن كل ما هو آت فهو قريب ، كما قال تعالى : «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ » أو بأن يخبروا بالأخبار البدائية لئلا ييأسوا ويرجعوا عن الحق ، والأماني جمع الأمنية وهو رجاء المحبوب أو الوعد به.

« منذ » مبنيا على الضم حرف جر بمعنى من ، وفيه إشكال وهو أن صدور

١٧٦

الخبر لو كان في أواخر زمان الكاظمعليه‌السلام كان أنقص من المائتين بكثير ، إذ وفاتهعليه‌السلام كان في سنة ثلاث وثمانين ومائة فكيف إذا كان قبل ذلك.

ويمكن أن يجاب عنه بوجوه :

الأول : أن يكون مبنيا على ما ذكرنا سابقا من أن قواعد أهل الحساب إتمام الكسور إن كانت أزيد من النصف ، وإسقاطها إن كانت أقل منه ، فلما كانت المائة الثانية تجاوزت عن النصف عدت كاملة.

الثاني : أن يكون ابتداؤهما من أول البعثة فإنه من هذا الزمان شرع بالأخبار بالأئمةعليهم‌السلام ومدة ظهورهم وخفائهم ، فيكون على بعض التقادير قريبا من المائتين ولو كان كسر في العشر الأخير يستقيم على القاعدة السابقة.

الثالث : أن يكون المراد التربية في الزمان السابق واللاحق معا ، ولذا أتى بالمضارع ، ويكون الابتداء من الهجرة فينتهي إلى ظهور أمر الرضاعليه‌السلام ، وولاية عهده ، وضرب الدنانير باسمه الشريف ، فإنها كانت في سنة المائتين ، بأن يكونوا وعدوهم الفرج في ذلك الزمان ، فإنه قد حصلت لهم رفاهية عظيمة فيه أو وعدوهم الفرج الكامل فبدا لله فيه كما مر.

الرابع : أن يكون تربى على الوجه المذكور في الثالث شاملا للماضي والآتي ، لكن يكون ابتداء التربية بعد شهادة الحسين صلوات الله عليه ، فإنها كانت البلية العظمى والطامة الكبرى ، وعندها كانت الشيعة يحتاجون إلى التسلية والأمنية لئلا يزالوا ، وانتهاء المائتين أول إمامة القائمعليه‌السلام ، وهذا مطابق للمأتين بلا كسر إذ كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في أول سنة إحدى وستين ، وإمامة القائمعليه‌السلام وابتداء غيبته الصغرى لثمان خلون من ربيع الأول سنة ستين ومائتين.

وإنما جعل هذا غاية التمنية والتربية لوجهين :

الأول : أنهم لا يرون بعد ذلك إماما يمنيهم.

١٧٧

بن يقطين ما بالنا قيل لنا فكان وقيل لكم فلم يكن قال فقال له علي إن الذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد غير أن أمركم حضر فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني فلو قيل لنا إن هذا

والثاني : أنهم بعد علمهم بوجود المهديعليه‌السلام يقوى رجاؤهم ، فهم ينتظرون ظهوره ويرجون قيامه صباحا ومساء ، فهذا وجه متين خطر بالبال مع الوجهين الأولين فخذها وكن من الشاكرين ، وقل من تعرض للإشكال وحله من الناظرين.

« قال وقال » ضمير قال أولا لحسين بن علي ، ويقطين كان من شيعة بني العباس وابنه علي كان من شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، فقوله : قيل لنا ، أي قال أئمتكم في خلافة بني العباس وأخبروا عنها ، فكان ووقع ، وقالوا لكم في قرب الفرج وظهور إمام الحق فلم يقع ، فحمل القرب على القرب القريب ، ولم يكن أرادواعليهم‌السلام ذلك ، بل أرادوا تحقق وقوعه مع أن القرب أمر إضافي فكل بعيد قريب بالنسبة إلى ما هو أبعد منه.

ويحتمل أن يكون مراده ما صدر عنهم من الأخبار البدائية فتخلف ظاهرا ، والأول أوفق بالجواب.

وقيل : ما قيل ليقطين إنما كان الإخبار بالإمام المستتر بعد الإمام المستتر ، وما قيل لابنه إنما كان الإخبار بالإمام الظاهر بعد الإمام المستتر كما يستفاد من الجواب ، انتهى ولا يخفى ما فيه.

« من مخرج واحد » أي إنما ذكروه مما استنبطوه من القرآن ووصل إليهم من الرسول ، وألقى إليهم روح القدس ، وبالجملة كلها من عند الله تعالى « غير أن أمركم » أي أمر خلافة بني العباس حضر وقته ، فأخبروكم بمحضه أي خالصة بتعيين الوقت والمدة من غير إبهام وإجمال « وإن أمرنا لم يحضر » وقته « فعللنا » على بناء المفعول من التفعيل من قولهم علل الصبي بطعام أو غيره إذا شغله به ، وكونه من

١٧٨

الأمر لا يكون إلا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام ولكن قالوا ما أسرعه وما أقربه تألفا لقلوب الناس وتقريبا للفرج.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن إسماعيل الأنباري ، عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ذكرنا عنده ملوك آل فلان فقال إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر إن الله لا يعجل لعجلة العباد إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا.

العل بعد النهل أي الشرب بعد الشرب كناية عن التكرار كما توهم بعيد.

وقوله : عن الإسلام ، إشارة إلى شرك المخالفين « وتقريبا للفرج » أي حدا للفرج قريبا ، وهذا الذي ذكره على وجه متين أخذه منهمعليهم‌السلام ، كما روى الصدوق في كتاب العلل بإسناده عن علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام : ما بال ما روي فيكم من الملاحم ليس كما روي؟ وما روي في أعاديكم قد صح؟ فقالعليه‌السلام : إن الذي خرج في أعدائنا كان من الحق فكان كما قيل ، وأنتم عللتم بالأماني فخرج إليكم كما خرج.

الحديث السابع : ضعيف « ملوك آل فلان » أي بني العباس ، أي كنا نرجو أن يكون انقراض دولة بني أمية متصلا بدولتكم ، ولم يكن كذلك ، وحدثت دولة بني العباس أو ذكرنا قوة ملكهم وشدته ، أو أنه هل يمكن السعي في إزالته.

« إنما هلك الناس » أي الذين يخرجون في دولة الباطل قبل انقضاء مدتها كزيد ومحمد وإبراهيم وأضرابهم « لهذا الأمر » أي لغلبة الحق أو لإزالة دولة الباطل « فلو قد بلغوها » أي أهل الحق أو أهل دولة الباطل « لم يستقدموا » أي لم يتقدموا « ساعة » ولم يتأخروا ساعة ، إشارة إلى قوله تعالى : «فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(١) .

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣٤.

١٧٩

باب التمحيص والامتحان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن يعقوب السراج وعلي بن رئاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن أمير المؤمنينعليه‌السلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها يقول فيها ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم

قال البيضاوي : أي لا يتقدمون ولا يتأخرون أقصر وقت ، أو لا يطلبون التأخر والتقدم لشدة الهول.

باب التمحيص والامتحان

أقول : التمحيص ابتلاء الإنسان واختباره ليتميز جيده من رديئه ، من محصت الذهب بالنار إذا خلصته ، والامتحان الاختبار بالمحنة ، وهي ما يمتحن به الإنسان من بلية ومشقة وتكليف صعب من محنت البئر إذا أخرجت ترابها وطينها ليبقى ماؤها خالصا صافيا ، وهو في حقه تعالى مجاز كما عرفت مرارا.

الحديث الأول : حسن.

والمقتل مصدر ميمي والضمير في « ذكرها » لأبي عبد اللهعليه‌السلام « إلا إن بليتكم قد عادت » أي ابتلاؤكم واختباركم قد عادت ، فإن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بعث في زمان ألف الناس بالباطل وجروا عليه ، ونشأوا فيه من عبادة الأصنام وعادات الجاهلية ، ثم الناس بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا عن الدين القهقرى إلى الكفر والردى ، وتبعوا أئمة الضلالة ونسوا عادات الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القسم بالسوية والعدل في الرعية وإقامة شرائع الدين ، وألفوا بالبدع والأهواء ، فلما أراد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ردهم إلى الحق قامت الحروب وعظمت الخطوب ، فعاد ما كان في ابتداء زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفتن العظيمة ، فأشارعليه‌السلام بذلك إلى أن الخلفاء الثلاثة كانوا أهل كفر ونفاق ، وأن أتباعهم كانوا أهل ضلال وشقاق.

وقيل : يعني صرتم أهل الجاهلية حيارى في دينكم ، مضطرين إلى من يحملكم

١٨٠