مرآة العقول الجزء ٤

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 379
المشاهدات: 11650
تحميل: 5174


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11650 / تحميل: 5174
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

وعلي أولى به من بعدي فقيل له ما معنى ذلك فقال قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك دينا أو ضياعا فعلي ومن ترك مالا فلورثته فالرجل ليست له على نفسه ولاية

«ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ »(١) أي مالكهم ، أو من الولاية بالكسر ومنه ولي اليتيم والقتيل ، أي من يتولى أمرهما ، والوالي في البلد أو من الولاية بالفتح بمعنى النصرة ، ومنه قوله تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا »(٢) أي ناصرهم.

واستدل المازري وغيره بقوله : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، على أنه لو اضطرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى طعام أو غيره وربه أيضا مضطر إليه لكان أحق به من ربه ، ووجب علي ربه بذله له ، وهذا وإن جاز لكنه لم يقع ولم ينقل.

نقل محيي الدين البغوي عن ابن قتيبة : أن الضياع بالكسر جمع ضائع كجياع جمع جائع ، والضيعة ما يكون منه عيش الرجل من حرفة وتجارة ، وفي الصحاح : الضيعة العقار ، وقوله : فعلي معناه فعلي قضاء دينه وكفاية ضيعته ، قال المازري : والأصح أنه ليس مختصا به بل يجب ذلك علي الأئمة من بيت المال إن كان فيه سعة وليس ثمة ما هو أهم منه ، وقال بعضهم : أنه من خصائصه فلا يجب على الأئمة ، انتهى.

وقال في النهاية فيه : من ترك ضياعا فإلي ، الضياع العيال ، وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا فسمي العيال بالمصدر ، كما تقول : من مات وترك فقرا أي فقراء ، وإن كسرت الضاد كان جمع ضائع كجائع وجياع ، وقال في المغرب فيه : من ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا وروي ضيعة فليأتني فأنا مولاه ، كلاهما على تقدير حذف المضاف أو تسمية بالمصدر ، والمعنى من ترك عيالا ضيعا أو من هو بعرض أن يضيع كالذرية الصغار فليأتني فأنا وليهم والكافل لهم أرزقهم من بيت المال ، انتهى

« فقال : قول النبي » أي معناه قول النبي أو سببه وقيل : هذا تفسير للشيء بمثال له لو عرف لعرف معنى ذلك الشيء.

« ليست له على نفسه ولاية » لعله كناية على أنه ملوم مخذول عنه نفسه ، أو

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦٢.

(٢) سورة محمّد : ١١.

٣٤١

إذا لم يكن له مال وليس له على عياله أمر ولا نهي إذا لم يجر عليهم النفقة والنبي وأمير المؤمنينعليهما‌السلام ومن بعدهما ألزمهم هذا فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم

أنه لا يمكنه حمل نفسه على النوافل والآداب والإنفاق وأداء الديون وغيرها مما يتيسر بغير المال ، وقيل : إنما لم يكن لعديم المال على نفسه ولاية لعدم إنفاقه على نفسه ، وإنما الولاية لولي النعمة ، وقيل : أي ليست له ولاية في أداء ديونه إذا عجز عنه ، انتهى.

وعدم الولاية على العيال بالأمر والنهي لأنه لا يمكنه أن يأمرهم بالجلوس في بيوتهم وينهاهم عن الخروج منها ، لأنه لا بد لهم من تحصيل النفقة أو أمرهم بالتقتير في النفقة ونهيهم عن إعطاء المال لأحد لأنه ليس له مال عندهم.

قولهعليه‌السلام : ألزمهم هذا ، لعل الضمير المستتر راجع إلى الله تعالى والضمير البارز إلى النبي والأئمةعليهم‌السلام ، والإشارة إلى الإنفاق وأداء الديون ، وقيل : إلى الولاية المتقدمة ، ويحتمل أن يكون ألزم أفعل تفضيل وضمير الجمع راجعا إلى الناس ، وقيل : المستتر في ألزمهم راجع إلى النبي وأمير المؤمنين ومن بعدهما ، وإنما أفرد لأنه لا يتحقق الإلزام إلا من الإمام الحي وهو لا يكون إلا واحدا منهم ، والضمير المنصوب للرجل وعياله ، « وهذا » عبارة عن المال اللازم لهم لأجل النفقة ، والمراد بالإلزام إعطاء القدر اللازم من المال ، انتهى.

ولا يخفى بعده ، وأقول : ربما يتوهم التنافي بين هذا الخبر وبين ما ورد من الأخبار من طرق الخاصة والعامة من أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك الصلاة على من توفي وعليه دين ، وقال : صلوا على صاحبكم ، وفي طريقنا : حتى ضمنه بعض أصحابه ، وقد يجاب بأن هذا كان قبل ذلك عند التضييق وعدم حصول الغنائم ، وذلك كان بعد التوسع في بيت المال والفتوحات والغنائم ، ويؤيده ما روي من طرقهم أنه كان يؤتى بالمتوفى وعليه دين فيقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل ترك لدينه قضاء فإن قيل ترك صلى ، فلما فتح الله تعالى الفتوح قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، من توفي وترك دينا فعلي ،

٣٤٢

وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وإنهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن صباح بن سيابة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إن الله تبارك وتعالى يقول «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ

ومن ترك مالا فلورثته.

وقال النووي في شرح صحيح المسلم : كانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولا لا يصلي على من مات مديونا زجرا له فلما فتح الله تعالى الفتوح عليه كان يقضي دينه وكان من خصائصه ، واليوم لا يجب على الإمام ذلك ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون ترك الصلاة نادرا للتأديب ، لئلا يستخف بالدين وإن كان يقضي آخرا دينه أو لا يقضي لهذه المصلحة أو يكون ترك الصلاة لمن استدان في معصية أو إسراف فإنه لا يجب أداء دينه حينئذ على الإمام كما يدل عليه الخبر الآتي ، أو لمن كان يتهاون به ولم يكن عازما على الأداء « وأنهم أمنوا » من باب علم أي علموا أنهم لا يضيعون مع الإسلام وأنفسهم وعيالهم في ضمان النبي والإمام.

الحديث السابع : مجهول.

« وصباح » بالفتح والتشديد وسيابة بالفتح والتخفيف ، و « أيما » مركب من أي وما الزائدة لتأكيد العموم ، وهو مبتدأ مضاف إلى مؤمن ، والترديد إما من الراوي أو المراد بالمؤمن الكامل الإيمان ، وبالمسلم كل من صحت عقائده ، أو المؤمن من صحت عقائده والمسلم من أظهر الشهادتين وسائر العقائد الحقة وإن كان منافقا ، فإن الأحكام على الظاهر ، وكان المنافقون مشاركين مع المؤمنين في الأحكام الظاهرة ، والفساد بالفتح اسم مصدر باب الأفعال أي الصرف في المعصية ، والإسراف بذل المال زائدا على ما ينبغي وإن كان في مصرف حق « فإن لم يقضه » أي على الفرض المحال

٣٤٣

وَالْمَساكِينِ »(١) الآية فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم.

وفي رواية أخرى حتى يكون للرعية كالأب الرحيم.

٩ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن معاوية بن حكيم ، عن محمد بن أسلم ، عن رجل من طبرستان يقال له محمد قال قال معاوية ولقيت الطبري محمدا بعد ذلك فأخبرني قال سمعت علي بن موسىعليه‌السلام يقول المغرم إذا تدين أو استدان في حق

أو هو مبني على أن الإمام أعم من إمام الحق والجور « الآية » منصوب بنزع الخافض أي إلى آخر الآية ، ويدل على أن الغارمين يشمل الأحياء والأموات.

الحديث الثامن : مجهول وآخره مرسل.

« لا تصلح » بفتح اللام أو ضمها ، والخصال جمع خصلة وهي الفضائل والخلال ، والورع اجتناب المعاصي بل الشبهات أيضا ، وفي القاموس حجزه يحجزه ويحجزه منعه وكفه ، والولاية بالكسر الكلاءة والرعاية.

الحديث التاسع : ضعيف.

وطبرستان بلاد واسعة بين جيلان وخراسان ، والنسبة طبري « وقال » كلام علي بن محمد ، والضمير لسهل « بعد ذلك » أي بعد رواية محمد بن أسلم لمعاوية الحديث ، والمغرم بضم الميم وفتح الراء المديون « الوهم » أي الشك بين تدين واستدان ، وهو كلام سهل أو على ، وقال في القاموس : أدان وأدان واستدان وتدين أخذ دينا ، انتهى.

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٣٤٤

الوهم من معاوية أجل سنة فإن اتسع وإلا قضى عنه الإمام من بيت المال.

باب

أن الأرض كلها للإمامعليهم‌السلام

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال وجدنا في كتاب عليعليه‌السلام «إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(١) أنا وأهل بيتي الذين

« أجل » على بناء المفعول من التفعيل وهو على الاستحباب أو الوجوب ، وإلا حرف استثناء أو مركب من إن الشرطية وحرف النفي ، أي إن لم يتسع والأخير أوفق.

باب أن الأرض كلها للإمامعليه‌السلام

الحديث الأول : حسن.

«إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ » افتتحعليه‌السلام كلامه بذكر الآية الكريمة وفرع عليه ما ذكره بعده ، والآية في سورة الأعراف هكذا «قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ » والآية وإن كانت مسوقة في قصة بني إسرائيل لكن الحكم عام ، وأيضا ما ذكر في القصص وأحوال الماضين من المؤمنين والكافرين ظاهره لهم وباطنه لهذه الأمة كما مر.

وسيأتي تأويل فرعون وهامان بالأولين وقارون بالثالث في قوله تعالى : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ »(٢)

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٢٩ ـ ١٣٠.

(٢) سورة القصص : ٥.

٣٤٥

أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله

وغيرها من الآيات ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في هذه الأمة ما كانت في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، و « أنا » إشارة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنه كان المملي لكتاب عليعليه‌السلام وهو كاتبه كما مر.

وقوله : فمن أحيى ، كأنه كلام أبي جعفرعليه‌السلام لقوله : كما حواها رسول الله ، أو فيه التفات والمجموع كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الشهيد الثاني (ره) في الروضة : كل أرض فتحت عنوة وكان عند الفتح مواتا وكذا كل ما لم يجر عليها يد مسلم فإنه للإمامعليه‌السلام ، ولا يجوز إحياؤه إلا بإذنه مع حضوره ومع غيبته يباح الإحياء ، ومثله ما لو جرى عليه ملكه ثم باد أهله ، ولو جرى عليه ملك مسلم معروف فهو له ولوارثه بعده ، ولا ينتقل عنه بصيرورته مواتا مطلقا ، وقيل : يملكها المحيي بعد صيرورتها مواتا وتبطل حق السابق بصحيحة أبي خالد الكابلي ، وهذا هو الأقوى ، وموضع الخلاف ما إذا كان السابق ملكها بالإحياء ، فلو كان قد ملكها بالشراء ونحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا على ما نقله العلامة في التذكرة ، ثم قال (ره) : وحكم الموات أن يتملكه من أحياه إذا قصد تملكه مع غيبة الإمامعليه‌السلام سواء في ذلك المسلم والكافر لعموم : من أحيى أرضا ميتة فهي له ، ولا يقدح في ذلك كونها للإمامعليه‌السلام على تقدير ظهوره ، لأن ذلك لا يقصر عن حقه من غيرها كالخمس والمغنوم بغير إذنه ، فإنه بيد الكافر والمخالف على وجه الملك حال الغيبة ، ولا يجوز انتزاعه منه فهنا أولى ، وإن لا يكن الإمام غائبا افتقر الإحياء إلى إذنه إجماعا ، ثم إن كان مسلما ملكها بإذنه ، وفي ملك الكافر مع الإذن قولان ، ولا إشكال فيه لو حصل ، إنما

٣٤٦

ص ومنعها إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد قال أخبرني أحمد بن محمد بن عبد الله عمن رواه قال الدنيا وما فيها لله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا فمن غلب على شيء منها فليتق الله وليؤد حق الله تبارك وتعالى وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن برآء منه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد قال رأيت مسمعا بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام تلك السنة مالا فرده أبو عبد اللهعليه‌السلام فقلت له لم رد عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه قال فقال

الإشكال في جواز إذنهعليه‌السلام له نظرا إلى أن الكافر هل له أهلية ذلك أم لا ، والمسألة قليلة الجدوى ، انتهى.

وأقول : ظاهر الخبر اشتراط الإسلام في التملك بالإحياء بل ظاهره أنه لا يملك أحد أرضا وإنما يصير أولى بها ما دام يعمرها ، والملك للإمام وكون الخمس وأضرابه ملكا لمن بيده في زمن الغيبة غير معلوم ، بل إنما يعلم تجويز الأئمةعليهم‌السلام شراءها ممن هي بيده واتهابها منهم وأمثال ذلك ، وهذه لا تدل على الملكية بل يمكن أن يكون ذلك إذنا للشيعة في التصرف في أموالهم بتلك الوسائل.

الحديث الثاني : ضعيف موقوف أو مضمر.

وكون من رواه عبارة عن الإمام كما قيل بعيد ، والمراد بحق الله إما أداء الخراج إلى الإمام أو الزكاة والخمس الواجبين ، فيكون هذا تجويزا للشيعة في التصرف في أموالهم وأراضيهم إذا أخذوها من سلاطين الجور بالشروط المذكورة ، ويقال بررته كعلمت وضربت أي وصلته وأحسنت إليه ويقال : بريء منه كعلم براء كسحاب وهو بريء كعليم والجمع ككتاب وغراب وفقهاء.

الحديث الثالث : صحيح ومسمع كمنبر ابن عبد الملك.

٣٤٧

لي إني قلت له حين حملت إليه المال إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك وأن أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا فقال أوما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيار إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا فقلت له وأنا أحمل إليك المال كله فقال يا أبا سيار

« وليت البحرين » بفتح الواو وكسر اللام المخففة يقال : ولي الأمر يليه وتولاه إذا فعله وارتكبه ، أو بضم الواو وتشديد اللام المكسورة من قولهم ولاه الأمير : عمل كذا فتولاه وتقلده ، والغوص إما بدل اشتمال للبحرين أو مفعول للولاية أو التولية ، والبحرين مفعول فيه.

« أن أعرض لها » أي التعرض لها ، وقيل : أي أكون حجابا بينك وبينها ، ويدل كغيره من الأخبار على أنه يجب إخراج جميع الخمس إلى الإمام ، وليس لصاحب المال إخراج النصف إلى سائر الأصناف ، بل على الإمام أن يعطيهم بقدر كفايتهم فإن زاد شيء فله ، وإن نقص فعليه ، ويدل على أن لهعليه‌السلام العفو عن حصة الأصناف لكن إجراء ذلك في زمان الغيبة مشكل ، فإن في زمان حضورهمعليهم‌السلام يعطون عوض حصص الأصناف ، ومع غيبة الإمامعليه‌السلام لا يمكنه إيصال عوض حصصهم إليهم ، فلا بد من صرفها إلى الفقيه النائب لهعليه‌السلام ليوصلها إلى أربابها.

وقول مسمع : وهي حقك ، وتقريرهعليه‌السلام لا يدلان على عدم استحقاق سائر الأصناف أصلا ، بل يمكن أن يكون مراده بقوله : حقك ، إنك آخذه والمتولي لإخراجه ، لئلا ينافي ظاهر الآية.

ويدل علي أن كل ما في أيدي الشيعة من الأراضي في زمان الهدنة والغيبة فقد أحلوا لهم التصرف فيها وفي حاصلها ، ولا يلزمهم أداء خراجها وإن كان للمسلمين فيه حق ، لأن آخذ الخراج غير متمكن من أخذه ، أو لأن للإمام بالولاية العامة تحليل ذلك ، وأنه لا يجب الأداء إلى سلاطين الجور وإن أحالوه على المستحقين.

٣٤٨

قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة :

قال عمر بن يزيد فقال لي أبو سيار ما أرى أحدا من أصحاب الضياع ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك.

« فيجبيهم » أي فيجبي منهم على الحذف والإيصال ، والجباية أخذ الخراج تقول : جبيت الخراج جباية أي أخذته ، والطسق بفتح المهملة وقد تكسر ، وفي النهاية في حديث عمر : خذ الطسق من أرضيهما ، الطسق الوظيفة من خراج الأرض المقررة عليهما ، وهو فارسي معرب ، انتهى.

والمراد هنا خراج السنين الآتية لا الماضية ، بخلاف المخالفين فإنه يأخذ منهم خراج السنين الماضية لكن ليس هذا مصرحا في الخبر ، إذ يمكن أن يكون هذا حراما عليهم ولم يؤمرعليه‌السلام بأخذه منهم ، وفي القاموس : الصاغر الراضي بالذل والجمع صغرة ككتبة ، وفي الصحاح الضياع بالكسر جمع الضيعة وهي العقار أي الأرض والنخل.

فإن قيل : كيف خص أبو سيار التحليل بنفسه مع أنهعليه‌السلام حلل جميع الشيعة من الأراضي؟ قلت : لعل التخصيص لعدم سماع سائر الشيعة ذلك منهعليه‌السلام ، والحلية إنما تحصل بعد العلم بالتحليل ، فقوله : إلا من طيبوا له ذلك ، أي سمعوا ذلك منه بواسطة أو بغير واسطة أو يقال : المراد بمن طيبوا له جميع الشيعة ، أو أن التحليل إنما كان للخراج فقط ، فلا ينافي عدم حلية خمس الزراعات ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد سائر الحرف والصناعات قال في النهاية : ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك ، ومنه الحديث : أفشى الله عليه ضيعته أي أكثر عليه معاشه.

٣٤٩

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي عبد الله الرازي ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أما على الإمام زكاة فقال أحلت يا أبا محمد أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من الله إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا ولله في عنقه حق يسأله عنه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن أحمد ، عن علي بن النعمان ، عن صالح بن حمزة ، عن أبان بن مصعب ، عن يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما لكم من هذه الأرض فتبسم ثم قال إن الله تبارك وتعالى بعث جبرئيلعليه‌السلام وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض

الحديث الرابع : ضعيف.

« أحلت » أي أتيت بالمحال ، قال في القاموس : المحال من الكلام بالضم ما عدل عن وجهه كالمستحيل ، وأحال : أتى به « يضعها حيث يشاء » أي من الأصناف « ويدفعها إلى من يشاء » أي من الأشخاص ، أو الأول يراد به الأماكن كبيت المال ، أو الثاني تأكيد للأول ، وظاهره نفي وجوب الزكاة عليهم ، وهو خلاف المشهور.

وقولهعليه‌السلام : لا يبيت كأنه تعليل لعدم الوجوب ، إذ لو وجبت الزكاة لزم أن يبيت ليلة أو أكثر « ولله في عنقه حق يسأله عنه » وذلك لأن زكاة الغلات تجب عند بدو الصلاح ، ولا تخرج إلا عند التصفية ، فلو وجبت عليه لزم اشتغال ذمته بإخراجها في تلك المدة ، وكذا الأنعام فإن مرعاها قد يكون بعيدا عن بلد الإمامعليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون المعنى أن الدنيا كلها للإمام والناس كلهم رعية الإمام ، فالحقوق اللازمة عليه أكثر من الزكاة وهو يعطي جميعها من غير تأخير ليلة والأول أظهر.

الحديث الخامس : ضعيف.

وكان التبسم لأجل من التبعيضية « يخرق » كينصر ويضرب أي يشق ويحفر ، ومنهم من حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية لبيان أن حدوث الأنهار ونحوها مستند

٣٥٠

منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو لنا وما كان لنا فهو

إلى قدرة الله تعالى ردا على الفلاسفة الذين يسندونها إلى الطبائع ، وفي أكثر النسخ جيحان بالألف وفي بعضها بالواو ، وفي النهاية سيحان وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس ، وفي القاموس : سيحان نهر بالشام وآخر ببصرة ، وسيحون نهر بما وراء النهر ونهر بالهند ، وقال : جيحون نهر خوارزم وجيحان نهر بالشام والروم معرب جهان ، انتهى.

فظهر أن الواو هنا أصوب ، وعلى الأول كان التفسير من بعض الرواة ، فيمكن أن يكون اشتباها منه ، ولو كان من الإمامعليه‌السلام وصح الضبط كان الاشتباه من اللغويين ، ويؤيد الأول ما رواه السيوطي في تفسيره الدر المنثور عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار ، سيحون وهو نهر الهند ، وجيحون وهو نهر بلخ ، ودجلة والفرات وهما نهرا العراق ، والنيل وهو نهر ، مصر ، الخبر.

والشاش بلد بما وراء النهر كما في القاموس ، وقال المولى عبد العلي البيرجندي ، هو بقدر ثلثي الجيحون ومنبعه من بلاد الترك ويمر إلى المغرب مائلا إلى الجنوب إلى أخجند ثم إلى فاراب ثم ينصب في بحيرة خوارزم ، وتسميته بالخشوع لم نجدها فيما عندنا من كتب اللغة وغيرها.

« فما سقت » أي سقته من الأشجار والأراضي والزروع ، أو استقت أي أخذت الأنهار منه وهو البحر المطيف بالدنيا أو بحر السماء ، فالمقصود أن أصلها وفرعها لنا ، أو ضمير استقت راجع إلى ما باعتبار تأنيث معناه ، والتقدير استقت منها ، وضمير منها المقدر للأنهار ، فالمراد بما سقت ما جرت عليها من غير عمل ، وبما استقت ما شرب منها بعمل كالدولاب وشبهه ، ونسبة الاستقاء إليها على المجاز كذا خطر بالبال وهو أظهر.

٣٥١

لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه يعني بين السماء والأرض ثم تلا هذه الآية «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا »(١) المغصوبين عليها «خالِصَةً » لهم «يَوْمَ الْقِيامَةِ » بلا غصب.

٦ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن الريان قال كتبت إلى العسكريعليه‌السلام جعلت فداك روي لنا أن ليس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من

وقيل : ضمير استقت راجع إلى الأنهار على الإسناد المجازي ، لأن الاستقاء فعل لمن يخرج الماء منها بالحفر والدولاب ، يقال : استقيت من البئر أي أخرجت الماء منها ، وبالجملة يعتبر في الاستقاء ما لا يعتبر في السقي من الكسب والمبالغة في الاحتمال.

« إلا ما غصب عليه » على بناء المعلوم والضمير للعدو أي غصبنا عليه ، أو على بناء المجهول أي إلا شيء صار مغصوبا عليه يقال : غصبه على شيء أي قهره والاستثناء منقطع إن كان اللام للاستحقاق وإن كان للانتفاع فمتصل ، وذه إشارة إلى المؤنث أصلها ذي قلبت الياء هاء « المغصوبين عليها » الحاصل أن خالصة حال مقدرة من قبيل قولهم جاءني زيد صائدا صقره غدا قال في مجمع البيان : قال ابن عباس يعني أن المؤمنين يشاركون المشركين في الطيبات في الدنيا ، ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا ، وليس للمشركين فيها شيء ، انتهى.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام ذكر في الأول ثمانية وإنما ذكر في التفصيل سبعة ، فيحتمل أن يكون ترك واحدا منها لأنه لم يكن في مقام تفصيل الجميع ، ولذا قال : منها سيحان ( إلخ ) وقيل : لما كان سيحان اسما لنهرين نهر بالشام ونهر بالبصرة أراد هنا كليهما من قبيل استعمال المشترك في معنييه وهو بعيد ، ولعله سقط واحد منها من الرواة وكأنه كان جيحان وجيحون ، فظن بعض النساخ أو الرواة أحدهما فأسقط وحينئذ يستقيم التفسير أيضا.

الحديث السادس : ضعيف والمكتوب إليه أبو الحسن الثالث الهاديعليه‌السلام وعدم

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣٢.

٣٥٢

الدنيا إلا الخمس فجاء الجواب إن الدنيا وما عليها لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد رفعه ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدمعليه‌السلام فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمدعليهم‌السلام .

٨ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن جبرئيلعليه‌السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه ـ الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران

ذكر أهل بيته لأنه كان معلوما أنه ما كان له فهو بعده لهمعليهم‌السلام .

الحديث السابع : ضعيف على المشهور « وأقطعه » أي ملكه كما في سائر الأخبار ، وقال في النهاية : الإقطاع يكون تمليكا وغير تمليك.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح بل أقوى منه.

وفي القاموس : كرى النهر كرضي استحدث حفره ، والفرات معروف وهو أفضل الأنهار بحسب الأخبار كما سيأتي في كتاب المزار.

وقال البيرجندي يخرج من جبال أرزن روم ، ثم يمر نحو المشرق إلى الملطية ثم إلى الكوفة حتى ينصب في البطائح ، ودجلة نهر بغداد معروف ، قال البيرجندي يخرج من بلاد الروم من شمال ميافارقين من تحت حصار ذي القرنين ، ويذهب من جهة الشمال والمغرب إلى جهة الجنوب والمشرق ويمر بمدينة آمد والموصل وسر من رأى وبغداد ، ثم إلى واسط ثم ينصب في بحر فارس ، والنيل بمصر معروف ، وقال البيرجندي : هو أفضل الأنهار لبعد منبعه ومروره على الأحجار والحصبات ، وليس فيه وحل ولا يخضر الحجر فيه كغيره ، ويمر من الجنوب إلى الشمال وهو سريع الجري وزيادته في أيام نقص سائر المياه ، ومنبعه مواضع غير معمورة في جنوب خط الاستواء ، ولذا لم يعلم منبعه على التحقيق ، ونقل عن بعض حكماء اليونان أن ماءه يجتمع من عشرة أنهار بين كل نهرين منها اثنان وعشرون فرسخا فتنصب تلك الأنهار في بحيرة ،

٣٥٣

ونهر بلخ فما سقت أو سقي منها فللإمام والبحر المطيف بالدنيا للإمام.

ثم منها يخرج نهر مصر متوجها إلى الشمال حتى ينتهي إلى مصر ، فإذا جازها وبلغ شنطوف انقسم قسمين ينصبان في البحر ، وقال : مهران هو نهر السند يمر أولا في ناحية ملتان ثم يميل إلى الجنوب ويمر بالمنصورة ثم يمر حتى ينصب في بحر ديبل من جانب المشرق ، وهو نهر عظيم وماؤه في غاية العذوبة وشبيه بنيل مصر ، ويكون فيه التمساح كالنيل ، انتهى.

ونهر بلخ هو جيحون ، وقال البيرجندي : يخرج عموده من حدود بدخشان ثم يجتمع معه أنهار كثيرة ويذهب إلى جهة المغرب والشمال إلى حدود بلخ ثم يجاوزه إلى ترمد ، ثم يذهب إلى المغرب والجنوب إلى ولاية زم ثم يمر إلى المغرب والشمال إلى أن ينصب في بحيرة خوارزم ، انتهى.

« فما سقت » أي بأنفسها « أو سقي منها » أي سقي الناس منها ، وهذا الخبر رواه الصدوق في الفقيه بسند صحيح عن أبي البختري وزاد في آخره وهو أفسيكون ، ولعله من الصدوق فصار سببا للإشكال ، لأن أفسيكون معرب آبسكون وهو بحر الخزر ، ويقال له بحر جرجان وبحر طبرستان وبحر مازندران وطوله ثمانمائة ميل وعرضه ستمائة ميل ، وينصب فيه أنهار كثيرة منها نهر آمل ، وهذا البحر غير محيط بالدنيا ، بل محاط بالأرض من جميع الجوانب ، ولا يتصل بالمحيط.

وكأنه (ره) إنما تكلف ذلك لأنه لا يحصل من المحيط شيء وهو غير مسلم ، وقرأ بعض الأفاضل المطيف بضم الميم وسكون الطاء وفتح الياء اسم مفعول أو اسم مكان من الطواف ، ولا يخفى ضعفه ، فإن اسم المفعول منه مطاف بالضم أو مطوف ، واسم المكان كالأول ، أو مطاف بالفتح وربما يقرأ مطيف بتشديد الياء المفتوحة وهو أيضا غير مستقيم ، لأنه بالمعنى المشهور واوي والمفعول من باب التفعيل مطوف ، وأيضا كان ينبغي أن يقال المطيف به الدنيا ، نعم قال في القاموس : طيف به طيفا يطيف أكثر الطواف ، انتهى.

٣٥٤

٩ ـ علي بن إبراهيم عن السري بن الربيع قال لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغب إتيانه ثم انقطع عنه وخالفه وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شيء من الإمامة قال ابن أبي عمير الدنيا كلها للإمامعليه‌السلام على جهة الملك وإنه أولى بها من الذين هي في أيديهم وقال أبو مالك ليس كذلك أملاك

لكن حمله على هذا أيضا يحتاج إلى تكلف شديد وما في الكتاب أظهر وأصوب ، والمعنى أن البحر المطيف بالدنيا أي بالأرض أيضا للإمامعليه‌السلام والله يعلم.

الحديث التاسع : مجهول موقوف.

« لا يعدل » كيضرب أي لا يوازن به أحد أو لا يسوي بينه وبين غيره ، بل يفضله على من سواه أو لا يعدل بصحبته شيئا بل يرجحها على كل شيء « وكان لا يغب إتيانه » أي كان يأتيه كل يوم ولا يجعل ذلك غبا بأن يأتيه يوما ولا يأتيه يوما ، قال في النهاية : فيه زر غبا تزدد حبا ، الغب من أوراد الإبل أن ترد الماء وتدعه يوما ثم تعود ، فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام يقال : غب إذا جاء زائرا بعد أيام ، وقال الحسن في كل أسبوع ، ومنه الحديث : اغبوا في عيادة المريض ، أي لا تعوده في كل يوم لما يجد من ثقل العواد وسألت فلانا حاجة فغب فيها ، أي لم يبالغ ، انتهى.

فظهر أنه يمكن أن يقرأ هنا على بناء الأفعال أو من باب نصر ، والملاحاة المنازعة على جهة الملك ، قيل : أي على جهة الاستقلال والاستبداد بلا مشاركة « وأنه أولى بها » عطف تفسير « وكذلك » إشارة إلى الجملة التي بعده ، والمراد بالفيء هنا الأنفال لقوله تعالى : «ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ »(١) ويدخل فيه ما انقرض أهله وبطون الأودية والآجام ورؤوس الجبال ، والمراد بالمغنم إما خمسه تخصيصا بعد التعميم ، أو ما غنم في جهاد وقع بغير إذنهعليه‌السلام ، فإن كل الغنيمة له على المشهور ، أو المراد به ما يصطفيه من الغنيمة ، أو المراد أن اختيار

__________________

(١) سورة الحشر : ٦.

٣٥٥

الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفيء والخمس والمغنم فذلك له وذلك أيضا قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاما بعد ذلك.

جميع ذلك بيده وقسمته على الأصناف إليه كالخمس ، وكان نزاعهما يرجع إلى اللفظ لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمامعليه‌السلام بعده أولى بأنفس الناس وأموالهم ، وله أن يتصرف في جميع ذلك لكن لا يتصرف إلا في الأشياء المخصوصة التي ذكرها أبو مالك.

أو يقال : كون الأرض للإمام ، معناه أن الناس إنما يتصرفون فيها بإذنه وتمكينه وحكمه فإنه صلوات الله عليه عند بسط يده يخرج المخالفين له من الأرض ، والشيعة إنما يتصرفون في أموالهم بسبب ولايته وبحكمه فما حكم أنه ليس لهم يجب عليهم رفع أيديهم عنه ، وما حكم أنه لهم فيأخذ منهم الصدقات والأخماس وسائر الحقوق ، فهم بمنزلة عبيده وتحت يده يجري عليهم وعلى أموالهم حكمه ، ويأخذ الضريبة منهم ، ولا ينافي ذلك كونهم أولى بأموالهم بحكم الإمامعليه‌السلام ، كما أن كون الأرض لله لا ينافي كونها للإمام بالمعنى المذكور ، ولا ينافي كون الأملاك لأربابها بمعنى آخر ، فلا ينافي الآيات والأخبار الدالة على أن الناس مسلطون على أموالهم ، وأنهم أولى بما في أيديهم من غيرهم ، وسائر أحكام الشريعة من البيع والشراء والإجارة والصلح والقرض وغيرها.

واعلم أن المشهور بين الأصحاب أن الأرضين على أربعة أقسام :

الأول : المفتوحة عنوة وهي ما أخذت من الكفار بالغلبة والقهر والاستيلاء ، وحكمها على المشهور أنها للمسلمين قاطبة لا يختص بها الغانمون ، وعند بعضهم أنها كذلك بعد إخراج الخمس لأهله.

وفي بعض حواشي القواعد لما ذكر المصنف يخرج منه الخمس : هذا في حال ظهور الإمام ، وأما في حال الغيبة ففي الأخبار ما يدل على أنه لا خمس فيه ، قال في

٣٥٦

المنتهى : الأرضون على أربعة أقسام : أحدها ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف ، فإنها تكون للمسلمين قاطبة ، ولا يختص بها المقاتلة بل يشاركهم غير المقاتلة من المسلمين ، وكما لا يختصون بها كذلك لا يفضلون ، بل هي للمسلمين قاطبة ذهب إليه علماؤنا أجمع.

ثم قال (ره) : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا أن كل عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام(١) فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة ، تكون هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول إلا ما فتح في أيام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إن صح شيء من ذلك تكون للإمام خاصة ، وتكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره ، انتهى.

ثم المعروف من مذهب الأصحاب حلّ الخراج(٢) في زمان غيبة الإمامعليه‌السلام في الجملة.

قال المحقق (ره) في الشرائع : ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض ومن الأنعام باسم الزكاة يجوز ابتياعه وقبول هبته ، ولا يجب إعادته على أربابه وإن عرف بعينه ، وقال الشهيد الثانيقدس‌سره : المقاسمة حصة من حاصل الأرض تؤخذ عوضا عن زراعتها ، والخراج مقدار من المال يضرب على الأرض أو الشجر حسب ما يراه الحاكم ، ونبه بقوله باسم المقاسمة واسم الخراج على أنهما لا يتحققان إلا بتعيين الإمام العادل إلا أن ما يأخذ الجائر في زمن تغلبه قد أذن أئمتناعليهم‌السلام في تناوله منه ، وأطبق عليه علماؤنا ، لا نعلم فيه مخالفا وإن كان ظالما في أخذه ، لاستلزام تركه والقول بتحريمه الضرر والحرج العظيم على هذه الطائفة ، ولا يشترط رضا المالك ولا يقدح فيه تظلمه ما لم يتحقق الظلم بالزيادة عن المعتاد أخذه من عامة المسلمين في ذلك الزمان.

__________________

(١) وفي نسخة « بغر إذن الإمام ».

(٢) وفي نسخة « حمل الخراج ».

٣٥٧

واعتبر بعض الأصحاب في تحققها اتفاق السلطان والعمال على القدر وهو بعيد الوقوع والوجه ، وكما يجوز ابتياعه واستيهابه يجوز سائر المعاوضات ولا يجوز تناوله بغير إذن الجائر ولا يشترط قبض الجائر له وإن أفهمه قوله ما يأخذه الجائر ، فلو أحاله به أو وكله في قبضه أو باعه وهو في يد المالك أو ذمته حيث يصح البيع كفى ، ووجب على المالك الدفع ، وكذا القول فيما يأخذه باسم الزكاة ولا يختص ذلك بالأنعام كما أفادته العبارة ، بل حكم زكاة الأموال والغلات كذلك ، لكن يشترط هنا أن لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعا في مذهبه ، وأن يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم ، بحيث لا يعد عندهم غاصبا أو يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا.

ويحتمل الجواز مطلقا نظرا إلى إطلاق النص والفتوى ، ويجيء مثله في المقاسمة والخراج ، لأن مصرفها مصرف بيت المال وله أرباب مخصوصون عندهم أيضا وهل تبرأ ذمة المالك من إخراج الزكاة مرة أخرى يحتمله كما في الخراج والمقاسمة ، مع أن حق الأرض واجب لمستحق مخصوص ، والتعليل بكون دفع ذلك حقا واجبا عليه وعدمه ، لأن الجائر ليس من نائب المستحقين فيتعذر النية ولا يصح الإخراج بدونها ، وعلى الأول يعتبر النية عند الدفع إليه كما يعتبر في سائر الزكوات.

والأقوى عدم الاجتزاء بذلك بل غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط ووجوب دفعه إليه أعم من كونه على وجه الزكاة أو المضي معهم في أحكامهم والتحرز عن الضرر بمباينتهم ، ولو أقطع الجائر أرضا مما تقسم أو تخرج أو عاوض عليها فهو تسليط منه عليها فيجوز للمقطع والمعاوض أخذهما من الزارع والمالك ، كما يجوز إحالته عليه.

والظاهر أن الحكم مختص بالجائر المخالف للحق نظرا إلى معتقده من استحقاقه ذلك عندهم ، فلو كان مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منهما لاعترافه بكونه

٣٥٨

ظالما فيه ، وإنما المرجع حينئذ إلى رأي الحاكم الشرعي مع احتمال الجواز مطلقا ، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى ، ووجه التقييد أصالة المنع إلا ما أخرجه الدليل ، وتناوله للمخالف متحقق والمسؤول عنه للأئمةعليهم‌السلام إنما كان مخالفا للحق فيبقى الباقي وإن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه التفاتا إلى الواقع والغالب ، انتهى.

ثم إنهم قالوا : النظر في تلك الأراضي إلى الإمام وقال بعضهم على هذا الكلام : هذا مع ظهور الإمامعليه‌السلام ، وفي الغيبة يختص بها من كانت بيده بسبب شرعي كالشراء والإرث ونحوهما ، لأنها وإن لم يملك رقبتها لكونها لجميع المسلمين إلا أنها تملك تبعا لآثار المتصرف ويجب عليه الخراج أو المقاسمة ، ويتولاهما الجائر ولا يجوز جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلا بإذنه باتفاق الأصحاب ، ولو لم يكن عليها يد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيها على إذنه ، حيث حكموا بأن الخراج والمقاسمة منوطة برأيه ، وهما كالعوض من التصرف ، وإذا كان العوض منوطا برأيه فالمعوض كذلك ، ويحتمل جواز التصرف مطلقا وقال آخر من الأصحاب : هذا مع ظهوره وبسط يده ، أما مع غيبته كهذا الزمان فكل أرض يدعي أحد ملكها بشراء وإرث ونحوهما ، ولا يعلم فساد دعواه يقر في يده كذلك لجواز صدقه ، وحملا لتصرفه على الصحة ، فإن الأرض المذكورة يمكن تملكها بوجوه : منها إحياؤها ميتة ، ومنها شراؤها تبعا لأثر التصرف فيها من بناء وغرس ونحوهما كما سيأتي ، وما لا يد مملكة لأحد فهو للمسلمين قاطبة إلا أن من يتولاه الجائر من مقاسمتها وخراجها يجوز لنا تناوله منه بالشراء وغيره من الأسباب المملكة بإذن أئمتناعليهم‌السلام لنا في ذلك ، وقد ذكر الأصحاب أنه لا يجوز لأحد جحدهما ولا منعهما ولا التصرف فيهما إلا بإذنه ، بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه.

وهل يتوقف التصرف في هذا القسم منها على إذن الحاكم الشرعي إن كان متمكنا

٣٥٩

من صرفها في وجهها بناء على كونه نائبا من المستحق(١) عليه‌السلام ومفوضا إليه ما هو أعظم من ذلك؟ الظاهر ذلك ، وحينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين ، ومع عدم التمكن أمرها إلى الجائر ، وأما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل أحد من المسلمين فبعيد جدا ، بل لم أقف على قائل به لأن المسلمين بين قائل بأولوية الجائر وتوقف التصرف على إذنه ، وبين مفوض للأمر إلى الإمام العادل ، فمع غيبته يرجع الأمر إلى نائبه ، فالتصرف بدونهما لا دليل عليه ، انتهى.

ثم المشهور أنه يجوز يبع تلك الأراضي وهبتها ومعاوضتها ووقفها ورهنها وإجارتها وغير ذلك ، تبعا لآثار المتصرف فيها ، وتدل عليه أخبار كثيرة.

الثاني : من أقسام الأرضين : أرض من أسلم عليها أهلها طوعا من غير قتال ، فهي تترك في أيديهم ملكا لهم ، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر التصرفات إذا عمروها ، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر على وجه الزكاة إذا بلغ النصاب ، فإن تركوا عمارتها فعن الشيخ وأبي الصلاح أن الإمام يقبلها ممن يعمرها ويعطي صاحبها طسقها وأعطي المتقبل حصته وما يبقى فهو متروك لمصالح المسلمين في بيت مالهم ، وعن ابن حمزة أنهم إذا تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع المسلمين يقبلها الإمام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه من نصف أو ثلث أو ربع ، وعلى متقبلها بعد إخراج مؤنة الأرض وحق القبالة فيما يبقى من خاصة من غلتها إذا بلغ خمس أوسق أو أكثر من ذلك العشر أو نصف العشر.

وعن ابن إدريس أن الأولى ترك ما قاله الشيخ فإنه مخالف للأصول والأدلة العقلية والسمعية ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير إذنه واختياره ، وقرب في المختلف قول الشيخ نظرا إلى أنه أنفع للمسلمين وأعود عليهم ، فكان سائغا ثم قال : وأي عقل يمنع من الانتفاع بأرض ترك أهلها عمارتها

__________________

(١) وفي نسخة « نائبا للمستحقين ».

٣٦٠