مرآة العقول الجزء ٥

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف: الصفحات: 380
المشاهدات: 7355
تحميل: 6003


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 7355 / تحميل: 6003
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحقّ »(١) قال : هو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيّه والولاية هي دين الحقّ ، قلت : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » قال يظهره على جميع الأديأنّ عند قيام القائم قال يقول الله «وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » ولاية القائم «وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ » بولاية عليّ ، قلت : هذا تنزيل ؟ قال : نعمّ أمّا هذا الحرف فتنزيلٌ وأمّا غيره فتأويلٌ.

________________________________________________________

هُوَ الّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » وثانيها : في الفتح(٢) «هُوَ الّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شهيداً » وثالثها : في الصف(٣) «يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، هُوَ الّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » والظاهر أنّ الّذي ورد في الخبر هو تأويل ما في سورة الصف ، وقوله : والله متم ولاية القائم ، عود إلى تأويل تتمة الآية الأولى لأنّ السائل استعجل وسأل عن تفسير الآية الثانية قبل إتمام تفسير الأولى ، فعادعليه‌السلام إلى إتمام الآية الأولى ولم يفسره ولو كره المشركون في الثانية ، لتقارب مفهومي عجزي الآيتين كذا خطر بالبال.

وقيل : ولو كره الكافرون ، تفسير لقوله : ولو كره المشركون ، أو نقل للآية بالمعنى ، ولا يخفى أنّ ما ذكرنا أظهر.

قوله : أما هذا الحرف أي قوله بولاية عليّ في آخر الآية ، أو من قوله : والله إلى قوله : على ، وربمّا يأوّل التنزيل بالتفسير حين التنزيل كما مرّ مراراً وقد ذكر بعض المفسرين أنّ المراد بالإظهار الغلبة بالحجة ، وما ذكرهعليه‌السلام أنّ المراد به الظهور عند قيام القائمعليه‌السلام فهو أظهر ، وقد رواه الخاصّ والعام.

قال الطبرسي (ره) : «هُوَ الّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ » محمّداً «بِالْهُدى » من التوحيد وإخلاص العبادة له «وَدِينِ الحقّ » وهو دين الإسلام وما تعبد به الخلق «لِيُظْهِرَهُ

__________________

(١) سورة الصف : ٩. (٢) الآية : ٢٨.

(٣) الآية : ٩.

١٤١

قلت : «ذلِكَ بِأنّهم آمَنُوا ثمّ كَفَرُوا »(١) قال أنّ الله تبارك وتعالى سمى من لم يتّبع رسوله في ولاية وصيّه منافقين وجعل من جحد وصيّه إمامته كمن جحد محمّداً وأنزل بذلك قرآناً فقال يا محمّد «إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ » بولاية وصيك «قالُوا نَشْهَدُ

________________________________________________________

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » معناه ليعلى دين الإسلام على جميع الأديان بالحجة والغلبة والقهر لها ، حتّى لا يبقى على وجه الأرض إلّا مغلوب ولا يغلب أحد أهل الإسلام بالحجة وهم يغلبون سائر الأديان بالحجة ، وأمّا الظهور بالغلبة فهو أنّ كلّ طائفة من المسلمين قد غلبوا على ناحية من نواحي أهل الشرك ولحقهم قهر من جهتهم ، وقيل أراد عند نزول عيسى بن مريم لا يبقى أهل دين إلّا أسلم أو أدى الجزية عن الضحاك وقال أبو جعفرعليه‌السلام : أنّ ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمّد ، فلا يبقى أحد إلّا أقر بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو قول السدي ، وقال الكلبي : لا يبقى دين إلّا ظهرعليه‌السلام وسيكون ذلك ولم يكن بعد ولا تقوم الساعة حتّى يكون ذلك.

وقال المقداد بن الأسود : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله كلمة الإسلام إما بعزَّ عزيز أو بذل ذليل إما يعزهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به ، وأمّا يذلهم فيدينون له وقيل : أنّ الهاء في ليظهره عائدة إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي ليعلمه الله الأديان كلها حتّى لا يخفى عليه شيء منها عن ابن عباس ، انتهى.

وروى العيّاشي بإسناده عن عمران بن ميثمّ عن عباية أنه سمع أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : هو الّذي أرسل عبده بالهدي ودين الحقّ ليظهره على الدين كله أظهر ذلك بعد؟ قالوا : نعمّ ، قال : كلا ، فو الّذي نفسي بيده حتّى لا تبقى قرية إلّا ينادي فيها بشهادة أنّ لا إله إلّا الله بكرة وعشيا.

أقول : والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير.

«إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ » قال البيضاوي : الشهادة

__________________

(١) سورة المنافقون : ٣.

١٤٢

إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ أنّ الْمُنافِقِينَ ( بولاية عليّ )لَكاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمأنّهم جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ( والسبيل هو الوصي )إِنَّهُمْ

________________________________________________________

إخبار عن علم من الشهود وهو الحضور والاطلاع ، ولذلك صدق المشهود به وكذبهم في الشهادة بقوله : «وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ أنّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ » لأنّهم لم يعتقدوا «اتَّخَذُوا أَيْمأنّهم » حلفهم الكاذب أو شهادتهم هذا ، فإنّها تجري مجرى الحلف في التأكيد «جُنَّةً » وقاية عن القتل والسبي «فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ » قال الطبرسي (ره) : أي فأعرضوا بذلك عن دين الإسلام ، وقيل : منعوا غيرهم عن اتباع سبيل الحقّ بأنّ دعوهم إلى الكفر في الباطل «أنّهم ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » أي بئس الّذي يعملونه من إظهار الإيمان مع إبطان الكفر والصد عن السبيل.

«ذلِكَ » قال البيضاوي : إشارة إلى الكلام المتقدَّم أي ذلك القول الشاهد على سوء أعمالهم ، أو إلى الحال المذكورة من النفاق والكذب والاستجنان بالإيمان «بِأنّهم آمَنُوا » بسبب أنّهم آمنوا ظاهراً «ثمّ كَفَرُوا » سرا أو آمنوا إذا رأوا آية «ثمّ كَفَرُوا » حيثما سمعوا من شياطينهم شبهة «فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ » حتّى يموتوا على الكفر واستحكموا فيه «فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ » حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ » عطفوها إعراضا واستكبارا عن ذلك «وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ » يعرضون عن الاستغفار «وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ » عن الاعتذار «سَواءٌ عَلَيْهِمْ » قال الطبرسي (ره) : أي يتساوى الاستغفار لهم وعدم الاستغفار «لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » لأنّهم يبطنون الكفر وأنّ أظهروا الإيمان «أنّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » أي لا يهدي القوم الخارجين عن الدين والإيمان إلى طريق الجنّة ، قال الحسن : أخبره سبحانه أنّهم يموتون على الكفر فلم يستغفر لهم ، انتهى.

ثمّ اعلم أنّ المشهور بين المفسرين نزول تلك الآيات في ابن أبي المنافق وأصحابه ، وهو لا ينافي جريانها في أضرابهم من المنافقين ، فأنّ خصوص السبب لا يصير

١٤٣

ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ * ذلِكَ بِأنّهم آمَنُوا ( برسالتك ) وكَفَرُوا ( بولاية وصيّك )فَطُبِعَ ( الله )عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ » قلت ما معنى لا يفقهون قال يقول لا يعقلون بنبوتك قلت «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ » قال وإذا قيل لهم ارجعوا إلى ولاية عليّ يستغفر لكم النبيُّ من ذنوبكم «لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ » قال الله : «وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ( عن ولاية عليّ )وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ » عليه ثمّ عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ أنّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » يقول : الظالمين لوصيّك.

________________________________________________________

سبباُ لخصوص الحكم مع أنه قد كانت الآية تنزل مرّتين في قضيتين لتشابههما ، وأيضاً لا اعتماد كثيراً على أكثر ما رووه في أسباب النزول.

وبالجملة يحتمل أنّ يكون المعنى أنّ آيات النفاق تشمل جماعة كانوا يظهرون الإيمان بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينكرون إمأمّة وصية فإنه كفر به حقيقة فأنّ الإيمان بالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتمّ إلّا بالإيمان بجميع ما جاء به الوصاية والولاية.

قولهعليه‌السلام : بولاية وصيّك ، أي بسببها فأنّ نفاقهم كان بسبب إنكار الولاية أو فيها ، فأنّهم كانوا يظهرون قبولها ، وكان يقول رئيسهم : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ثمّ كانوا يدبرون باطناً في إزالتها «لَكاذِبُونَ » في ادعائهم الإذعأنّ بنبوتك إذ تكذيب الولاية يستلزم تكذيب النبوّة ، والسبيل هو الوصي لأنه الموصل إلى النجاة وهو الداعي إلى سبيل الخير ومعلمها ، ولا يقبل عمل إلّا بولايته « لا يعقلون بنبوتك » أي لا يدركون حقيقتها ولا يفهمون أنّ إنكار الوصي تكذيب للنبي وأنّ معنى النبوّة وفائدتها ونفعها لا تتم إلّا بتعيين وصي معصوم حافظ لشريعته ، فمن لم يؤمن بالوصيّ لم يعقل معنى النبوّة ، فتصديقه على فرض وقوعه تصديق من غير تصور.

« ثمّ عطف القول » على بناء المجهول.

والباء في قوله : بمعرفته ، بمعنى إلى أي عطف الله سبحانه القول عن بيان حالهم إلى بيان علمه بعاقبة أمرهم ، وأنّهم لا ينفعهم الإنذار ، ويحتمل أنّ تكون

١٤٤

قلت «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) قال أنّ الله ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّاً على صراط مستقيم والصراط المستقيم أمير - المؤمنينعليه‌السلام .

________________________________________________________

الباء سببيّة ويرجع إلى الأوّل.

«أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى » الآية من سورة الملك ، وقال البيضاوي يقال كببته فأكب وهو من الغرائب ، ومعنى مكبا أنه يعثر كلّ ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله : «أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا » قائما سالـمّا من العثار «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » مستوي الأجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد بالسالكين والدينين بالمسلكين ، ولعلّ الاكتفاء بما في الكب من الدلالة على حال المسلك للإشعار بأنّ ما عليه المشرك لا يستأهل أنّ يسمى طريقا كمشي التعسف في مكان متوعر غير مستو ، وقيل : المراد بالمكب الأعمى فإنه يعتسف فينكب ، وبالسوي البصير ، وقيل : من يمشي مكباً ، هو الّذي يحشر على وجهه إلى النار ومن يمشي سويا الّذي يحشر على قدميه إلى الجنّة ، انتهى.

« مثل من حاد » أي مال وعدل ، وتأويلهعليه‌السلام منطبق على أكثر الوجوه المتقدمة فأنّ شيعة عليّعليه‌السلام التابع له في عقائده وأعماله وأقواله يمشي على صراط مستقيم لا يعوج عن الحقّ ولا يشتبه عليه الطريق ، ولا يقع في الشبهات الّتي توجب عثاره ويعسر عليه التخلص منها ، والمخالف له أعمى حيران لا يعلم مقصده وعاقبة أمره فيسلك الطرق الوعرة المشتبهة الّتي لا يدري أين ينتهي ، ويقع في حفر ومضائق وشبهات لا يعرّف كيفية التخلص منها ، أو كالحيوأنّ الّذي يمشي على وجهه لا يدري مقصده ولا يحترز من عدوه والسباع الّتي تفترسه ، والصراط المستقيم أمير المؤمنين أي ولايته ومتابعته أو بقدر مضاف في الآية ولعلّ الأوّل أنسب.

__________________

(١) سورة الملك : ٢٢.

١٤٥

قال : قلت : قوله : «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ »(١) ؟ قال : يعني جبرئيل عن الله في ولاية

________________________________________________________

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » الآية في سورة الحاقة ، وقالوا : أنّ الضمير راجع إلى القران وعلى ما فسرهعليه‌السلام أيضاً راجع إليه لكن باعتبار الآيات النازلة في الولاية خصوصا ، أو المعنى أنها جار فيها أيضاً بل هي عمدتها ، وفسّرعليه‌السلام الرسول بجبرئيل ، قال البيضاوي : لقول رسول يبلغه عن الله فأنّ الرسول لا يقول عن نفسه كريم على الله وهو محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو جبرئيلعليه‌السلام «وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ » كما تزعمون تارة «قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ » تصدقون لـمّا ظهر لكم صدقه تصديقاً قليلاً لفرط عنادكم «وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ » كما تزعمون أخرى «قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ » تذكراً قليلاً ولذلك يلتبس الأمر عليكم وذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية ، لأنّ عدم مشابهة القران للشعر أمر بين لا ينكره إلّا معاند بخلاف مباينته للكهانة فإنّها تتوقف على تذكر أحوال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعاني القران المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم «تَنْزِيلٌ » هو تنزيل «مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ » نزله على لسان جبرئيل «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ » سمى الافتراء تقولاً لأنه قول متكلف «لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ » بيمينه «ثمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ » أي يناط قلبه يضرب عنقه وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك لمن يغضبون عليه ، وهو أنّ يأخذ القتال بيمينه ويكفحه بالسيف ويضرب جيده(٢) وقيل : اليمين بمعنى القوة «فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ » عن القتل أو المقتول «حاجِزِينَ » دافعين وصف لأحد فإنه عام والخطّاب للناس «وَإِنَّهُ » وأنّ القران «لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ » لأنّهم المنتفعون به «وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » فنجازيهم على تكذيبهم «وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ » إذا رأوا ثواب المؤمنين «وَإِنَّهُ لَحقّ الْيَقِينِ » لليقين الّذي لا ريب فيه «فَسَبِّحْ بِاسْمِ ربّك الْعَظِيمِ » فسبّح الله بذكر اسمه العظيم تنزيهاً له عن الرضا بالتقوّل عليه وشكراً

__________________

(١) سورة الحاقة : ٤٠.

(٢) الجيد : العنق.

١٤٦

عليّعليه‌السلام ، قال : قلت : «وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ » قال قالوا أنّ محمّداً كذاب على ربه وما أمره الله بهذا في عليّ فأنزل الله بذلك قرآنا فقال : « ( إنَّ ولاية عليّ )تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا (محمّدٌ)بَعْضَ الْأَقاوِيلِ * لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ » ثمّ عطف القول فقال : «أنّ (ولاية علي)لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ للعالمينوَإِنَّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ * وَأنّ (علياً)لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ * وَأنّ (ولايته)لَحقّ الْيَقِينِ. فَسَبِّحْ (يا محمّد)بِاسْمِ ربّك الْعَظِيمِ » يقول اشكر ربّك العظيم الّذي أعطاك هذا الفضل.

________________________________________________________

على ما أوحى إليك ، انتهى.

قولهعليه‌السلام : قالوا : أنّ محمّداً كذاب على ربه ، تفسير لشاعر لأنّ المراد به من يروج الكذب بلطائف الحيل ، وقد يكون منها الوزن والقافية ، والحاصل أنه لا بدّ أنّ يكون مرادهم بالشاعر من يكون بناء كلامه على الخيالات الشعرية والأمور الباطلة المموهة ، لأنّ عدم كون القران شعرا ممّا لا يريب فيه أحد ، وقولهعليه‌السلام أنّ ولاية عليّ ، لا ينافي رجوع الضمير إلى القران لأنّ المراد به الآيات النازلة في ولايتهعليه‌السلام كما عرفت ، وفي القاموس : الوتين عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه « ثمّ عطف» على بناء المعلوم والضمير لله أي ارجع القول إلى ما كان في الولاية « أنّ ولاية عليّ » تفسير لقوله «وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ »، أي الآيات النازلة في الولاية تذكرة ، وفسّر المتقين بالعالمين بالولاية ، وكفر من أنكرها «أنّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » أي بالولاية « وأنّ عليّاً لحسرة » هذا أيضاً تفسير لمرجع الضمير ، وبيان لحاصل المعنى ، فأنّ الآيات النازلة في الولاية وعدم العمل بها لـمّا صارت وبإلّا وحسرة على الكافرين يوم القيامة فكأنهعليه‌السلام صار حسرة لهم ، وكذا الكلام في قوله : وأنّ ولايته ، فأنّ الضمائر كلها راجعة إلى شيء واحد ، وعبر عنه بعبارات مختلفة تفنناً وتوضيحاً.

١٤٧

قلت : قوله : «لـمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ »(١) قال الهدى الولاية ،آمَنَّا بمولانا فمن آمن بولاية مولاه «فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » قلت تنزيل قال لا تأويل قلت : قوله : «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً »(٢) قال أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا الناس إلى ولاية عليّ فاجتمعت إليه قريش فقالوا يا محمّد أعفنا من هذا فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا إلىَّ الله ليس إليَّ ، فاتّهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله «قُلْ إِنِّي لا

________________________________________________________

«لـمّا سَمِعْنَا الْهُدى » الآيات في سورة الجنّ نقلا عنهم هكذا «وَأَنَّا لـمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ » وفسّر المفسّرون الهدى بالقران ، ولـمّا كان أكثره في الولاية إما تصريحاً أو تلويحاً وأمّا ظهراً وأمّا بطنا فسّرعليه‌السلام الهدى بالولاية ، ولـمّا كان الإيمان بالولاية راجعاً إلى الإيمان بالمولى أي صاحب الولاية ، والّذي هو أولى بكلّ أحد من نفسه أرجع ضمير به إلى المولى بياناً لحاصل المعنى ، ويحتمل أنّ يكون الهدى مصدرا بمعنى اسم الفاعل مبالغة ، فالمراد بالهدي الهادي وهو المولى والأوّل أنسب بالظاهر.

وأوّلعليه‌السلام «فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ » بالإيمان بالولاية ، للدلالة على أنّ من لم يؤمن بالولاية لم يؤمن بربه فإنّها شرط الإيمان بالله كما قال الرضاعليه‌السلام : وأنا من شروطها ، وكما ورد أنّ كلمة التوحيد مسلوبة عن غير الإمامية في القيامة وكيف يتمّ الإيمان بالله مع رد ما أنزل في شأنّ المولى.

«فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً » قيل : أي نقصا في الجزاء ، ولا أنّ يرهقه ذلة أو جزاء نقص لأنّه لم يبخس حقّاً ولم يرهق ظلـمّا لأنّ من حقّ الإيمان بالقران أنّ يجتنب ذلك ، وفي القاموس : البخس : النقص والظلم ، والرهق محركة : غشيان المحارم.

«قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً » قال البيضاوي : أي لا نفعاً ، أو غيا ولا رشدا

__________________

(١) سورة الجن : ١٣.

(٢) سورة الجن : ٢١.

١٤٨

أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ ( أنّ عصيته )أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إلّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ ( في عليّ ) » قلت ، هذا تنزيل قال نعمّ ثمّ قال توكيداً : «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ( في ولاية عليّ )فَأنّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » قلت : «حتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً » يعني بذلك القائم وأنصاره.

________________________________________________________

عبّر عن أحدهما باسمه ، وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعاراً بالمعنيين «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ » أنّ أراد بي سوءاً «وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » أي منحرفاً وملتجئاً «إلّا بَلاغاً مِنَ اللهِ » استثناء من قوله : لا أملك ، فأنّ التبليغ إرشاد وإنفاع ، وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة ، أو من ملتحداً ، أو معناه أنّ لا أبلغ بلاغاً ، وما قبله دليل الجواب «وَرِسالاتِهِ » عطف على بلاغاً ومن الله صفته ، فأنّ صلته عن ، كقوله بلغوا عني ولو آية.

«وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في الأمر بالتوحيد إذ الكلام فيه «خالِدِينَ » جمعه للمعنى «حتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ » في الدّنيا كوقعة بدر أو في الآخرة ، انتهى.

« أعفنا » يقال : أعفاه عن الأمر إذا لم يكلفه به « قلت هذا تنزيل » قيل : أي أراد ذلك في ظهر القران أو هو مدلوله المطابقي يعني بذلك القائم فإنه من جملة ما وعدوا به ، ولا ينافي شموله للقيأمّة وعقوباتها أيضاً ، وروى عليّ بن إبراهيم عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام في قوله عزَّ وجلَّ : «حتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ » قال : القائم وأمير المؤمنينعليهما‌السلام في الرجعة ، وفي قوله : «فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً » قال : هو قول أمير المؤمنينعليه‌السلام لزفر : ولله يا بن صهاك لو لا عهد من رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً قال : فلـمّا أخبرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يكون من الرجعة قالوا : متى يكون هذا قال الله : قل يا محمّد أنّ أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربّي أمداً ، وقوله : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » قال : يخبر الله رسوله الّذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار وما يكون بعده أخبار القائم والرجعة

١٤٩

قلت : «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ (١) فيك «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً * وَذَرْنِي

________________________________________________________

والقيامة وقالرحمه‌الله في قوله : «وَأَنَّهُ لـمّا قامَ عبد اللهِ يَدْعُوهُ » يعني رسول الله يدعوهم إلى ولاية أمير المؤمنين « كادت قريش يكون عليه لبدا » أي يتعاونون عليه « فلا أَمْلِكُ لَكُمْ » أنّ تول يتمّ عن ولايته «ضَرًّا وَلا رَشَداً ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ » أنّ كتمت ما أمرت به «وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً » يعني مأوى «إلّا بَلاغاً مِنَ اللهِ » أبلغكم ما أمرني الله به من ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

«وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ » في ولاية عليّ «فَأنّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ » قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ أنت قسيم النار تقول هذا لي وهذا لك ، قالوا : فمتى يكون ما تعدنا به يا محمّد من أمر على والنار؟ فأنزل الله : «حتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ » يعني الموت والقيامة «فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً » يعني فلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش ، من أضعف ناصراً وأقل عددا ، قالوا : فمتى يكون هذا؟ قال الله لمحمّد «قُلْ أنّ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربّي أَمَداً » قال : أجلاً.

«عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إلّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ » يعني عليّاً المرتضى من رسول وهو منه «فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً » قال : في قلبه العلم ومن خلفه الرصد يعلمه علمه ، ويزقه زقا ويعلمه الله إلهاما ، والرصد التعليم من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعلم النبيّ أنّ قد أبلغوا رسالات ربه وأحاط عليّ بما لدى الرسول من العلم «وَأَحْصى كلّ شَيْءٍ عَدَداً » ما كان وما يكون ، الخبر.

قوله : « فاصبر «عَلى ما يَقُولُونَ »(٢) » أقول : في المزمل «وَاصْبِرْ » وكأنه من تصحيف النساخ ، وقيل : من المحتمل أنّ ذكر الفاء بدل الواو للإشعار بأنّ واصبر عطف على اتخذ من تتمة التفريع قال : يقولون فيك : إنه شاعر أو كاهن أو أنّ ما يقول في ابن عمه هو من قبل نفسه ولم يوح إليه.

«وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً » قال البيضاوي : بأنّ تجانبهم وتداريهم وتكليفهم وتكل

__________________

(١) سورة المزمل : ٩.

(٢) وفي التمن « واصبر » وهو الصحيح كما ذكره الشارح (ره) أيضاً.

١٥٠

( يا محمّد )وَالمكذّبين ( بوصيّك )أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً » إ نّ هذا تنزيل ؟ قال : نعم.

قلت : «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ »(١) قال يستيقنون أنّ الله ورسوله ووصيّه حقّ قلت : «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً » قال ويزدادون بولاية الوصيّ إيماناً قلت : «وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ » قال بولاية عليّعليه‌السلام قلت :

________________________________________________________

أمرهم إلى الله كما قال : «ذَرْنِي وَالمكذّبين » دعني وإيّاهم وكلّ إلى أمرهم فأنّ لي غنية عنك في مجازاتهم «أُولِي النَّعْمَةِ » أرباب التنعمّ يريد صناديد قريش «وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً » زمانا وإمهالا.

« قلت أنّ هذا تنزيل؟ » أي قوله : يوصيك ، ويجري فيه التأويلات المتقدمة فأنّ تكذيبه في أمر الوصي تكذيب للوصي «لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » في سورة المدثر هكذا : «وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إلّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ » قال البيضاوي : أي ليكتسبوا اليقين بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدق القران لـمّا رأوا ذلك موافقا لـمّا في كتابهم «وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا » بالإيمان به أو تصديق أهل الكتاب له «وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ » أي في ذلك وهو تأكيد للاستيقأنّ وزيادة الإيمان ، ونفي لـمّا يعرض المتيقن حيثما عراه شبهة «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ » شك أو نفاق فيكون إخبارا بمكّة عمّا سيكون في المدينة بعد الهجرة.

«وَالْكافِرُونَ » الجازمون في التكذيب «ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً » أي شيء أراد بهذا العدد المستغرب؟ استغرابا للمثل ، وقيل : لـمّا استبعدوه حسبوه أنه مثل مضروب «كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ » مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدي المؤمنين «وَما يَعْلَمُ جُنُودَ ربّك » جموع خلقه على ما هم عليه «إلّا هُوَ » إذ لا سبيل لأحد إلى حصر الممكنات والاطّلاع على حقائقها وصفاتها وما يوجب اختصاص كلّ منهم بما يخصه من كم وكيف واعتبار ونسبة «وَما هِيَ » وما

__________________

(١) سورة المدثر : ٣١. والآيات التالية أيضاً في هذه السورة إلى قوله : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ».

١٥١

________________________________________________________

سقرأ أو عدّة الخزنة أو السورة «إلّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ » إلّا تذكرة لهم «كَلاَّ » ردع لمن أنكرها أو إنكار لأنّ يتذكروا بها «وَالْقَمرّ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ » أي أدبر كقبل بمعنى أقبل ، وقرأ نافع وحمزة ويعقوب وحفص إذا أدبر على المضي.

«وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ » أضاء «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ » لأي البلايا الكبر أي البلايا كثيرة وسقر واحدة منها وإنّما جمع كبرى على كبر إلحاقا بفعله تنزيلاً للألف كالتاء ، كما ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت على قواصع والجملة جواب القسم ، أو تعليل لكلا والقسم معترض للتأكيد لإحدى الكبر «نَذِيراً لِلْبَشَرِ » إنذارا ، حال دلّت عليه عليه الجملة ، أي كبرت منذرة «لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أنّ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ » بدل من « للبشر » أي نذير للممكنين من السبق إلى الخير أو المتخلف عنه أو لمن شاء ، خبر لأنّ يتقدم فيكون في معنى قوله : «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ».

«كلّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » مرهونة عند الله ، مصدر كالشتيمة أطلق للمفعول كالرهن ، ولو كانت صفة لقيل رهين «إلّا أَصْحابَ الْيَمِينِ » فأنّهم فكوا رقابهم بما أحسنوا من أعمالهم ، وقيل : هم الملائكة أو الأطفال «فِي جَنَّاتٍ » لا يكتنه وصفها وهي حال من أصحاب اليمين أو ضميرهم في قوله : «يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ » أي يسأل بعضهم بعضاً أو يسألون غيرهم عن حالهم كقولك تداعيناه أي دعوناه ، وقوله : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ » بجوابه حكاية لـمّا جرى بين المسؤولين والمجرمين أجابوا بها «قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » الصلاة الواجبة «وَلَمْ نَكُ نُطْعمّ الْمِسْكِينَ » ما يجب إعطاؤهم «وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ » نشرع في الباطل مع الشارعين فيه «وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ » أخره لتعظيمه أي وكنا بعد ذلك كله مكذبين بالقيامة «حتّى أَتانَا الْيَقِينُ » الموت ومقدماته «فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ » لو شفعوا لهم جميعاً «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ » أي معرضين عن التذكير يعني القران أو ما يعمه « ومعرضين » حال.

«كَأنّهم حُمرّ مُسْتَنْفِرَةٌ ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ » شبههم في إعراضهم ونفارهم عن استماع الذكر بحمرّ نافرة «فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ » أي أسد «بَلْ يُرِيدُ كلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ

١٥٢

________________________________________________________

أنّ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً » قراطيس تنشر وتقرأ ، وذلك أنّهم قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن نتبعك حتّى تأتي كلا منا بكتاب من السماء فيها من الله إلى فلان : اتبع محمدا.

«كَلاَّ » ردع عن اقتراحهم الآيات «بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ » فلذلك أعرضوا عن التذكرة لامتناع إيتاء الصحف «كَلاَّ » ردع عن أعراضهم «إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ » وأي تذكرة؟! «فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ » أي فمن شاء أنّ يذكره ذكره «وَما يَذْكُرُونَ إلّا أنّ يَشاءَ اللهُ » ذكرهم أو مشيتهم «هُوَ أَهْلُ التَّقْوى » حقيق بأنّ تقي عقابه «وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ » حقيق بأنّ يغفر عباده سيّما المتقين.

أقول : إذا عرفت تفسير الآيات وما يرتبط بها فلنرجع إلى التأويل الوارد في الرواية فإنه من أغرب التأويلات وأصعبها ، فأقول : قبل تلك الآيات : «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ، وَجَعَلْتُ لَهُ مإلّا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ، ثمّ يَطْمَعُ أنّ أَزِيدَ ، كَلاَّ إِنَّهُ كان لِآياتِنا عَنِيداً ، سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثمّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ، ثمّ نَظَرَ ثمّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثمّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ أنّ هذا إلّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ، أنّ هذا إلّا قَوْلُ الْبَشَرِ ، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ، وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ، وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ » إلخ.

وقد ذكر المفسّرون أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وقيل : إنه كان ملقبا بالوليد فسماه الله به تهكما أو أراد أنه وحيد في الشرارة أو عن أبيه لأنه كان زنيما(١) ورووا أنه مرّ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقرأ حم السجدة فأتى قومه وقال : لقد سمعت من محمّد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس والجن أنّ له لحلاوة وأنّ عليه لطلاوة ، وأنّ أعلاه لمثمرّ ، وأنّ أسفله لمغدق(٢) وأنه ليعلو ولا يعلى ، فقال قريش : صبا الوليد(٣) فقال ابن أخيه أبو جهل : أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فقام فناداهم فقال : تزعمون أنّ محمّداً مجنون فهل رأيتموه يتجنن؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهّن وتزعمون أنّه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا؟ فقالوا : لا ، فقال : ما هو إلا

__________________

(١) الزنيم : الدعي. (٢) المغدق : الكثير الماء. (٣) أي خرج من دين آبائه.

١٥٣

________________________________________________________

ساحر ، أما رأيتموه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه ففرحوا به وتفرقوا مستعجبين منه ، فأنزل الله : «إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ » إلخ.

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن عبد الرحيم بن كثير عن أبي عبد الله في قوله : «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً » قال : الوحيد ولد الزنا وهو زفر ، وجعلت له مإلّا ممدودا قال : أجلا إلى مدة وبنين شهودا ، قال : أصحابه الذين شهدوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يورث ، ومهدت له تمهيداً ، ملكه الّذي ملكته مهدت له ، ثمّ يطمع أنّ أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيداً قال : لولاية أمير المؤمنين جاحدا عاندا لرسول الله فيها ، سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر ، فيما أمر به من الولاية قدر أنّ لا يسلم لأمير المؤمنينعليه‌السلام البيعة الّتي بايعه بها على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقتل كيف قدر ثمّ قتل كيف قدر ، قال : عذاب بعد عذاب يعذبه القائم ثمّ نظر إلى رسول الله وأمير المؤمنين ، فعبس وبسر ممّا أمر به ، ثمّ أدبر واستكبر ، فقال أنّ هذا إلّا سحر يؤثر ، قال زفر : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سحر الناس لعليّ «أنّ هذا إلّا قَوْلُ الْبَشَرِ » ليس هو بوحي من الله تعالى «سَأُصْلِيهِ سَقَرَ » إلى آخر الآيات فيه نزلت ، انتهى.

وأقول : قد عرفت مراراً أنّ الآية إذا نزلت في قوم فهي تجري في أمثالهم إلى يوم القيامة فظاهر تلك الآيات في الوليد وباطنها في الزنيم الشقي العنيد ، والأوّل كان معارضا في النبوّة والثاني في الولاية ، وهما متلازمأنّ ، ونفي كلّ منهما يستلزم نفي الأخرى فلا ينافي هذا التأويل كون السورة مكية ، مع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل بعثته أظهر إمأمّة وصيّه وقال : أوّل من يؤمن بي ويبايعني فهو الوصي بعدي وخليفتي في أمّتي كما دلّت عليه الأخبار الكثيرة الواردة في الطريقين ، فيحتمل أنّ يكون الكافر والمنافق معا نسباه إلى السحر لإظهار الولاية ، وأيضاً نفي القران على أي وجه كان يستلزم نفي الولاية وإثباته إثباتها.

قوله : قلت : ما هذا الارتياب ، كان السائل جعل قولهعليه‌السلام : بولاية عليّ متعلقا بالمؤمنين فلا يعلم حينئذ أنّ متعلق الارتياب المنفي ما هو؟ فلذا سئل عنه

١٥٤

ما هذا الارتياب ؟ قال يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين ذكر الله فقال ولا يرتابون في الولاية قلت «وَما هِيَ إلّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ » قال نعمّ ولاية عليّعليه‌السلام قلت «إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ » قال الولاية قلت : «لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أنّ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ » قال من تقدم إلى ولايتنا أخّر عن سقر ومن تأخّر عنّا تقدَّم إلى سقر «إلّا أَصْحابَ الْيَمِينِ » قال هم والله شيعتنا قلت : «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » قال إنّا

________________________________________________________

فأجابعليه‌السلام بأنّ الارتياب إنّما هو في الولاية.

وقيل : السؤال مبنيّ على توهّم أنّ ذكر الارتياب بعد الاستيقأنّ كاللغو إلّا أنّ يكون المراد بالارتياب ارتياب قوم من أهل الكتاب والمؤمنين غير الذين ذكرهم سابقاً وحاصل جواب الإمامعليه‌السلام أنّ المراد بهذا الارتياب ارتياب المذكورين سابقاً وليس كاللغو لأنه لدفع احتمال الاستيقأنّ بوجه ، والارتياب بوجه آخر نظير قوله تعالى : «جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ »(١) فقولهعليه‌السلام : أهل الكتاب بتقدير ارتياب أهل الكتاب نظير : «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى »(٢) انتهى.

وقولهعليه‌السلام : نعم ولاية عليّ كان المعنى التذكير لولايتهعليه‌السلام ، ويحتمل في بطن القران إرجاع الضمير إلى الولاية لكون الآيات نازلة فيها ، وكذا قولهعليه‌السلام : الولاية ، يحتمل الوجهين.

وقولهعليه‌السلام : من تقدم إلى ولايتنا ، يحتمل وجهين : الأوّل : أنّ يكون المراد بالتقدم التقدم إلى الولاية ، وبالتأخير التأخر عن سقر ، فالترديد بحسب اللفظ وهما راجعأنّ إلى أمر واحد ، الثاني : أنّ يكون كلاهما بالنظر إلى الولاية ، وأو للتقسيم كقولهم : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ، والثالث : أنّ يكون المراد كليهما بحسب ظهر الآية وبطنها ، بأنّ يكون بحسب ظهر الآية المراد التقدّم إلى سقر والتأخّر عنها ، وبحسب بطنها التقدم إلى الولاية والتأخر عنها ، والشيعة أصحاب اليمين لأنهم

__________________

(١) سورة النمل : ١٤.

(٢) سورة البقرة : ١٨٩.

١٥٥

لم نتولَّ وصيَّ محمّد والأوصياء من بعده - ولا يصلّون عليهم - قلت : «فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ » قال عن الولاية معرضين قلت «كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ » ؟ قال الولاية.

قلت : قوله : «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ »(١) ؟ قال يوفون لله بالنذر الّذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا قلت «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ القران تنزيلاً » ؟(٢) قال بولاية عليّعليه‌السلام

________________________________________________________

يعطون كتابهم بيمينهم ، أو لأنّهم في القيامة عن يمين العرش ، وتأويل المصلّين بمن يصلّي عليهم أحد تأويلات الآية وبطونها.

«كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ » أقول : في المدثر أنه تذكرة ، فيحتمل أنّ يكون في مصحفهمعليهم‌السلام « إنّها » نعمّ في سورة عبس «كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ » ، فيحتمل أنّ يكون سؤال السائل عنها.

قال : « يوفون الله » أقول : قدر مرّ هذا الجزء في الرابع(٣) من الباب عن هذا الراوي باختلاف في أوّل السند ولم يكن هنا في الميثاق فكان يحتمل العهد في الدّنيا وأنّ كان هيهنا أيضاً يحتمل ذلك لكنّه في غاية البعد « قال : بولاية عليّ » أي المراد بالقران ما نزل منه في الولاية ، أو هي العمدة فيه أو المعنى نزلنا عليك القران متلبسا بالولاية ، مشتملاً عليها.

« قال نعم » ليس « نعم » في بعض النسخ وهو أظهر ، ورواه صاحب تأويل الآيات الظاهرة نقلاً عن الكافي قال : لا تأويل ، ولا ندري كان في نسخته كذلك أو صححه ليستقيم المعنى ، وعلى ما في أكثر النسخ من وجود « نعم » فيمكن أنّ يكون مبنيّاً على أنّ سؤال السائل كان على وجه الإنكار والاستبعاد فاستعملعليه‌السلام نعم مكان بلى ، وهو شائع في العرف ، أو يكون نعم فقط جواباً عن السؤال وذا إشارة إلى ما قالعليه‌السلام في الآية السابقة ، أي هذا تنزيل وذا تأويل وقرأ بعض الأفاضل

__________________

(١)و(٢) سورة الدهر :٧ و ٢٣

(٣) أي في الحديث الرابع.

١٥٦

تنزيلاً ، قلت هذا تنزيل ؟ قال نعمّ ذا تأويل قلت «أنّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ » قال الولاية قلت «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ » قال في ولايتنا قال «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً » إلّا ترى أنّ الله يقول «وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(١) قال أنّ الله أعزَّ وأمنع من أنّ يظلم أو ينسب نفسه إلى ظلم ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته ثمّ أنزل بذلك قرآنا على نبيّه فقال : «وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(٢) قلت هذا تنزيل قال نعم.

________________________________________________________

يعمّ بالياء المثنّاة التحتانيّة وتشديد الميم بصيغة الفعل ، فذا مفعوله وتأويل فاعله ، أي هذا داخل في تأويل الخبر ، والقول بزيادة نعمّ من النساخ أولى من هذا التصحيف.

«إنّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ » أقول : المفسّرون أرجعوا الإشارة إلى السورة أو الآيات القريبة ، ولـمّا ذكر الخاصة والعامّة في روايات كثيرة أنّ السورة نزلت في أهل البيتعليهم‌السلام فتفسيرهعليه‌السلام الإشارة بالولاية غير مناف لـمّا ذكروه ، إذ السورة من حيث نزولها فيهم تذكرة لولايتهم ، والاعتقاد بفضلهم وجلالتهم وإمامتهم ، بل يحتمل أنّ يكون على تفسيرهعليه‌السلام « هذه » إشارة إلى السورة أو الآيات ، ويكون قولهعليه‌السلام الولاية تفسيراً لمتعلق التذكرة أي ما يتذكر بها ، فلا يحتاج إلى تكلف أصلا « في ولايتنا » لا ريب أنّ الولاية من أعظم الرحمات الدنيوية والأخروية كما عرفت مراراً ولا ريب أنّ الظلم على أهل البيتعليهم‌السلام وغصب حقهم من أعظم الظلم ، فهم لا محالة داخلون في الآية أنّ لم تكن مخصوصة بهم بقرينة مورد نزول السورة.

ثمّ الظاهر من كلامهعليه‌السلام أنّ المراد بالظالمين من ظلم الله أي ظلم الأئمّة وغصب حقهم وإنّما عبر كذلك لبيان أنّ ظلمهم بمنزلة ظلم الرب تعالى شأنه ، والحاصل أنّ الله تعالى أجلَّ من أنّ ينسب إليه أحد ظلـمّا بالظالمية أو المظلومية حتّى يحتاج إلى أنّ ينفي عن نفسه ذلك بل الله سبحانه خلط الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام بنفسه ونسب إلى نفسه كلَّ ما يفعل بهم ، أو ينسب إليهم لبيان كرامتهم لديه وجلالتهم عنده ، فقوله تعالى : «وَما ظَلَمْناهُمْ » ليس الغرض نفي الظلم عن نفسه ، بل عن

__________________

(١) سورة البقرة : ٥٧. (٢) سورة النحلّ : ١١٣.

١٥٧

________________________________________________________

حججه بأنّهم لا يظلمون الناس بقتلهم وجبرهم على الإسلام والاستقأمّة على الحقّ كما أنّهم كانوا يطعنون على أمير المؤمنينعليه‌السلام بكثرة سفك الدماء وأشباهه ، بل هم يظلمون أنفسهم بترك متابعة الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم.

ثمّ أنّ تلك الآيات وردت في مواضع من القران المجيد ، ففي سورة البقرة «وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » وفي سورة الأعراف «وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَ » إلى آخر ما مرّ بعينه ، وفي هود : «وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ » وفي النحلّ : «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » وفي الزخرف «أنّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ».

فالآية الأولى هي ما في البقرة والأعراف ، والثانية هي ما في النحلّ ، فقولهعليه‌السلام : نعمّ في جواب هذا تنزيل مشكلّ ، إذ كون الولاية مكان الرحمة بعيد ، وكون الآية : والظالمين آل محمّد ، كما فهم ينافي ما حققهعليه‌السلام من قوله : خلطنا بنفسه « إلخ » إلّا أنّ يقال المراد بالتنزيل ما مرّ أنّه مدلوله المطابقي أو التضمني لا الالتزامي ، أو أنه قال جبرئيلعليه‌السلام عند نزول الآية وفي بعض النسخ : « وما ظلموناهم » في الأخير ليدلّ على أنه كان في النحلّ هكذا ، فضمير هم تأكيد ومضمونها مطابق لـمّا في البقرة والأعراف وهو أظهر.

فأنّ قيل : هذه القراءة تنافي ما في صدر الآية إذ الظاهر أنه استدراك لـمّا يتوهم من أنّ التحريم ظلم عليهم ، فبين أنّ هذا جزاء ظلمهم.

قلت : قد قال تعالى في سورة النساء : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كثيراً » الآية ، فيحتمل أنّ يكون هذا لبيان أنّ ظلمهم الّذي صار سببا لتحريم الطيّبات عليهم لم يكن علينا أي على أنبيائنا

١٥٨

قلت : «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ » قال يقول ويل للمكذبين يا محمّد بما أوحيت إليك من ولاية عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : «أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ. ثمّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ » قال الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء «كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ »(١) قال من أجرم إلى آل محمّد وركب من وصيّه ما ركب قلت «أنّ الْمُتَّقِينَ »(٢) قال نحن والله وشيعتنا ليس على ملة إبراهيم غيرنا وسائر الناس منها

________________________________________________________

وحججنا ، بل كان على أنفسهم حيث حرموا بذلك طيبات الدّنيا والآخرة ، ولعلّ هذا أفيد ، فخذ وكن من الشاكرين.

«وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ » الآية في سورة المرسلات قال : «وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ، لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ، لِيَوْمِ الْفَصْلِ ، وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ ، وَيْلٌ » ( إلخ ) ويوم الفصل يوم القيامة يفصل فيه بين المحقّ والمبطل.

وقال البيضاوي : ويل في الأصل مصدر منصوب بإضمار فعل ، عدل به إلى الرفع للدلالة على بيان الهلك للمدعو عليه ، ويومئذ ظرفه أو صفته «أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ » كقوم نوح وعاد وثمود «ثمّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ » أي ثمّ نحن نتبعهم نظراءهم الكفار وقرأ بالجزم عطفا على نهلك ، فيكون الآخرين المتأخرين من المهلكين كقوم لوط وشعيب وموسى «كَذلِكَ » مثل ذلك الفعل «نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ » بكلّ من أجرم ، انتهى.

وفسّرعليه‌السلام المكذّبين بالذين كذبوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما أوحي إليه من ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام إما لأنه مورد نزول الآية أو لأنّ التكذيب في الولاية داخل فيه بل هو عمدته وأشد أفراده وأفظعها ، وكذا الآيات اللاحقة يجري فيها الوجهأنّ ، والظاهر أنهعليه‌السلام فسّر الآخرين بهذه الأمّة على وفق القراءة المشهورة.

قيل : ليس هو من قبيل عطف الخبر على الإنشاء لأنّ الاستفهام الإنكاري خبر حقيقة ، ويقال : أجرم إليه إذا جنى عليه وقوله : ما ركب ، عبارة عن غصب الحقّ وإبطال الوصيّة ، ثمّ قال سبحانه في هذه السورة «إنّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ، وَفَواكِهَ مِمَّا

__________________

(١) و (٢) سورة المرسلات : ١٥ - ١٨ و ٤١.

١٥٩

برآء ، قلت «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ »(١) الآية قال : نحن

________________________________________________________

يَشْتَهُونَ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » ففسّرعليه‌السلام المتقين بالأئمّةعليهم‌السلام وشيعتهم ، لأنّهم في مقابلة المكذّبين الذين عرفت أنّهم المنكرون للولاية أو من يعمهم ، ولا ريب أنّ الإقرار بالولاية مأخوذ في التقوى ، والمنكر للإمأمّة لم يتق عذاب الله بل استوجبه ، والإقرار بالإمأمّة داخل في الإيمان فكيف لا يدخل في التقوى الّذي هو أخص منه ، وملة إبراهيم ، هي التوحيد الخالص المتضمن للإقرار بجميع ما جاء به الرسل وأصله وعمدته الولاية «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ » الآية في سورة النبإ ، وقال الطبرسي (ره) : اختلف في معنى الروح هنا على أقوال : أحدها أنّ الروح خلق من خلق الله تعالى على صورة بني آدم وليسوا بناس ولا بملائكة تقومون صفا والملائكة صفا ، قال الشعبي : هما سماطا(٢) رب العالمين يوم القيامة سماطا من الروح وسماطا من الملائكة.

وثانيها : أنّ الروح ملك من الملائكة وما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحداً فيكون عظم خلقه مثل صفهم عن ابن عباس وغيره.

وثالثها : أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أنّ ترد الأرواح إلى الأجساد عن ابن عباس أيضاً.

ورابعها : إنه جبرئيلعليه‌السلام قال وهب : أنّ جبرئيل واقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ ترعد فرائصه يخلق الله عزَّ وجلَّ من كلّ رعدّة مائة ألف ملك فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسوا رؤوسهم فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا : لا إله إلّا الله «وَقالَ صَواباً » أي لا إله إلّا الله ، وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن الصادقعليه‌السلام قال : هو ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل.

وخامسها : أنّ الروح بنو آدم وقوله صفّاً صفّاً معناه مصطّفين «لا يَتَكَلَّمُونَ

__________________

(١) سورة النبأ : ٣٨.

(٢) المساط - ككتاب - الصف من الناس وغيرهم.

١٦٠