مرآة العقول الجزء ٥

مرآة العقول15%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 5503 / تحميل: 5131
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

مستصحبا» في السفر «و المستصحب» مع المسافر «لا يكون مستخلفا» في أهله،

لاستحالة كون جسم في مكانين، و أمّا اللَّه تعالى فالسماء و الأرض و المشرق و المغرب عنده سواء فأينما تولّوا فثمّ وجه اللَّه( ١ ) ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم و لا خمسة إلاّ هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلاّ هو معهم أين ما كانوا ثم ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة ان اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٢) .

قول المصنف: «و ابتداء هذا الكلام» من أوّله إلى «و أنت الخليفة في الأهل» «مروي عن رسول اللَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لكن مع زيادة و نقصان، ففي (مجازات) المصنف: و من ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «اللّهم إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر، و كآبة المنقلب، و الحور بعد الكور، و سوء المنظر في الأهل و المال» و قال المصنف ثمة: و الحور بعد الكور أي انتشار الامور بعد انضمامها و انفراجها بعد التيامها، و ذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، و هو نقضها بعدليّها و نشرها بعد طيّها( ٣ ) ، قالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في (السيرة) في رجوعه من غزوة بني لحيان لمّا خرج إليهم لطلب ثأر أصحاب الرجيع( ٤) .

«و قد قفّاهعليه‌السلام » أي: أتبعه «بأبلغ كلام و تمّمه بأحسن تمام، من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل» «و المستصحب لا يكون مستخلفا».

لكن روى الكلام عنهعليه‌السلام في ذهابه إلى صفين، و فيه قفّاهعليه‌السلام بما قال و في إيابه من صفين، و فيه زاد قبله شيئا، ففي (صفين نصر بن مزاحم): قال عبد الرحمن بن جندب لما أقبل عليّعليه‌السلام من صفين أقبلنا معه، فأخذ طريقا

____________________

(١) البقرة: ١١٥.

(٢) المجادلة: ٧.

(٣) المجازات النبوية: ١٤١.

(٤) سيرة ابن هشام ٣: ١٧٥.

٢١

غير طريقنا الذي أقبلنا فيه، فقال «آئبون عائدون، لربّنا حامدون، اللّهم إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر في المال و الأهل»( ١) .

٥ - الخطبة (٢٢٥) و من دعاء لهعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ اَلْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ وَ أَحْضَرُهُمْ بِالْكِفَايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ وَ تَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ وَ تَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ اَلْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ وَ إِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ اَلْمَصَائِبُ لَجَئُوا إِلَى اَلاِسْتِجَارَةِ بِكَ عِلْماً بِأَنَّ أَزِمَّةَ اَلْأُمُورِ بِيَدِكَ وَ مَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ اَللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسْأَلَتِي أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي وَ خُذْ بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ وَ لاَ بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ اَللَّهُمَّ اِحْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ وَ لاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ قول المصنف: «و من دعائه» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «و من دعاء لهعليه‌السلام » كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢) .

قولهعليه‌السلام «اللّهم إنك آنس الآنسين لأوليائك» كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حضر وقت الصلاة يقول لبلال: اذّن و أرحني من غير اللَّه تعالى( ٣) .

و في التاسعة من مناجات الصحيفة: إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة

____________________

(١) وقعة صفين: ٥٢٨.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧، و شرح ابن ميثم ٤: ٩٣.

(٣) رواه الهروي في غريبه، عنه النهاية ٢: ٢٧٤ و غيره.

٢٢

محبّتك فرام منك بدلا، و من ذا الذي آنس بقربك فابتغى عنك حولا( ١) .

و في الثالثة عشرة: أستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك، و من كلّ راحة بغير أنسك، و من كلّ سرور بغير قربك، و من كلّ شغل بغير طاعتك( ٢) .

هذا، و الظاهر أنّ «الآنسين» محرّف «الأنيسين»، لأن أولياء اللَّه مستأنسون باللَّه تعالى و بذكره لا انّه تعالى مستأنس بهم.

و في (وقعة صفين): لما قدم عليّعليه‌السلام الكوفة سأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة، فقال قائل: استأثر اللَّه به. فقالعليه‌السلام : إنّ اللَّه لا يستأثر بأحد من خلقه، إنّما أراد اللَّه بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه( ٣) .

و مما ذكرنا يظهر لك ما في قول ابن أبي الحديد: أنّ الرواية الصحيحة «بأوليائك»، أي: أنت أكثرهم انسا بأوليائك( ٤ ) . و ما في قول الخوئي: ان اللام في «لأوليائك» لتبيين الفاعل من المفعول، فإن قلت ما أحبّني لفلان فأنت فاعل الحبّ و فلان مفعوله، و إن قلت ما أحبني إلى فلان فالأمر بالعكس( ٥) .

«و أحضرهم بالكفاية للمتوكّلين عليك» و في السير: إن ذا القرنين لمّا فرغ من عمل السدّ انطلق على وجهه، فبينا يسير هو و جنوده إذ مرّ على شيخ يصلّي، فوقف عليه بجنوده حتى انصرف من صلاته فقال له ذو القرنين: كيف لم يرعك ما حضرك من جنودي؟ قال: كنت اناجي من هو أشدّ جنودا منك و أعزّ سلطانا و أشدّ قوّة، و لو صرفت وجهي إليك لم أدرك حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: هل لك في أن تنطلق معي فأواسيك بنفسي و أستعين بك على

____________________

(١) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٥٦.

(٢) ملحقات الصحيفة السجادية: ٣٦٤.

(٣) وقعة صفين: ٦، و النقل بتصرف في العبارة.

(٤) شرح ابن أبي الحديد ١١: ٢٦٧.

(٥) شرح الخوئي ٧: ١٢٧.

٢٣

بعض أمري. قال: نعم إن ضمنت لي أربع خصال: نعيما لا يزول، و صحّة لا سقم فيها، و شبابا لا هرم فيه، و حياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين: و أيّ مخلوق يقدر على هذه الخصال. فقال: فإنّي مع من يقدر عليها و يملكها و إيّاك( ١) .

«تشاهدهم في سرائرهم» يعلم السرّ و أخفى( ٢) .

«و تطّلع عليهم في ضمائرهم» إنّ اللَّه عليم بذات الصّدور( ٣) .

«و تعلم مبلغ بصائرهم» عن الصادقعليه‌السلام : إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول:

يا رب ارزقني حتّى أفعل كذا و كذا من البرّ و وجوه الخير، فإذا علم اللَّه تعالى ذلك منه بصدق نيّته كتب اللَّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللَّه واسع كريم( ٤) .

«فأسرارهم لك مكشوفة، و قلوبهم إليك ملهوفة» في المناجاة الثامنة: «فأنت لا غيرك مرادي، و لك لا لسواك سهري و سهادي، و لقاؤك قرّة عيني، و وصلك منّي نفسي، و إليك شوقي، و في محبّتك و لهي، و إلى هواك صبابتي، و رضاك بغيتي، و رؤيتك حاجتي، و جوارك طلبي، و قربك غاية سؤلي، و في مناجاتك روحي و راحتي، و عندك دواء علّتي، و شفاء غلّتي، و برد لوعتي، و كشف كربتي، فكن أنيسي في وحشتي، و مقيل عثرتي، و غافر زلّتي، و قابل توبتي،

و مجيب دعوتي، و وليّ عصمتي، و مغني فاقتي، و لا تقطعني عنك و لا تبعدني منك يا نعيمي و جنّتي و يا دنياي و آخرتي»( ٥) .

____________________

(١) رواه الصدوق في أماليه: ١٤٤ ح ٦، المجلس ٣٢، و في العلل ٢: ٤٧٢ ح ٣٤.

(٢) طه: ٧.

(٣) آل عمران: ١١٩ و المائدة: ٧ و لقمان: ٢٣.

(٤) أخرجه الكليني في الكافي ٢: ٨٥ ح ٣.

(٥) ملحقات الصحفة السجادية: ٣٥٥.

٢٤

«ان أوحشتهم الغربة آنسهم ذكرك» في الخبر: لما طرح يوسف في الجبّ أخوته أتاه جبرئيلعليه‌السلام فقال: يا غلام ما تصنع ههنا؟ فقال: إن إخوتي ألقوني.

قال: أفتحبّ أن تخرج منه؟ قال: ذاك إلى اللَّه تعالى إن شاء أخرجني، فقال له جبرئيل: إنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول لك ادعني بهذا الدعاء «اللّهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلا أنت الحنّان المنّان بديع السماوات و الأرض ذو الجلال و الإكرام، صلّ على محمّد و آل محمّد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا»( ١ ) ثم كان من قصته ما ذكره اللَّه تعالى في كتابه من مجي‏ء السيارة( ٢) .

«و ان صبّت عليهم المصائب لجأوا إلى الاستجارة بك علما بأنّ أزمة الامور بيدك و مصادرها عن قضائك» في (العقد): قال المدائني: لما حجّ المنصور مرّ بالمدينة فقال لربيع: عليّ بجعفر بن محمد قتلني اللَّه إن لم أقتله فمطل به ثم ألحّ عليه، فحضر فلمّا كشف الستر بينه و بينه و مثل بين يديه همس جعفر بشفتيه ثم تقرّب و سلّم فقال: لا سلّم اللَّه عليك يا عدوّ اللَّه تعمل عليّ الغوائل في ملكي قتلني اللَّه إن لم أقتلك إلى أن قال قال المنصور: يا ربيع عجّل لأبي عبد اللَّه كسوته و جائزته. قال ربيع: فلمّا حال الستر بيني و بينه أمسكت بثوبه فقلت له: إنّي منذ ثلاث أدفع عنك، و رأيتك إذ دخلت همست بشفتيك ثم رأيت الأمر انجلى عنك، و أنا خادم سلطان و لا غنى لي عنه. قال: قلت «اللّهم احرسني بعينك التي لا تنام، و اكنفني بحفظك الذي لا يرام، و لا أهلك و أنت رجائي، فكم من نعمة قد أنعمتها عليّ قلّ لك عندها شكري فلم تحرمني، و كم من بليّة ابتليتني بها قلّ عندها صبري فلم تخذلني، بك أدرأ في نحره، و استعيذ بخيرك

____________________

(١) رواه القمي في تفسيره ١: ٣٥٤ و العياشي في تفسيره ٢: ١٧ ح ٦، و الراوندي في قصص الأنبياء، عنه البحار ١٢:

٢٤٨ ح ١٣.

(٢) يوسف: ١٩.

٢٥

من شرّه، فانّك على كلّ شي‏ء قدير، و صلّى اللَّه على سيّدنا محمّد و آله و سلّم»( ١) .

و في (مروج المسعودي): أتي بعلي بن الحسينعليه‌السلام إلى مسلم بن عقبة و هو مغتاظ عليه، فتبرأ منه و من آبائه، فلمّا رآه و قد أشرف عليه ارتعد و قام له و أقعده إلى جانبه و قال له: سلني حوائجك فلم يسأله في أحد ممّن قدم إلى السيف إلا شفّعه فيه، ثم انصرف عنه فقيل لعليّعليه‌السلام رأيناك تحرّك شفتيك فما الذي قلت؟ قال: قلت «اللّهم ربّ السماوات السبع و ما أظللن، و الأرضين السبع و ما أقللن، ربّ العرش العظيم، ربّ محمّد و آله الطاهرين، أعوذبك من شرّه و أدرأ بك في نحره، أسألك أن تؤتيني خيره و تكفيني شرّه». و قيل لمسلم رأيناك تسبّ هذا الغلام و سلفه، فلما أتي به إليك رفعت منزلته. فقال: ما كان ذلك لرأي منّي، لقد ملى‏ء قلبي منه رعبا( ٢) .

و في (تأريخ الطبري): لما صبّحت الخيل الحسينعليه‌السلام رفع يديه فقال «اللّهم أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة، و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، و تقلّ فيه الحيلة، و يخذل فيه الصديق، و يشمت فيه العدوّ، أنزلته بك و شكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة»( ٣) .

و في (اللهوف): لما رمي رضيع الحسينعليه‌السلام بسهم فذبحه في حجره تلقّى الدّم بكفيه، فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال: هوّن عليّ ما نزل

____________________

(١) العقد الفريد ٢: ٢٨ و النقل بتصرف يسير.

(٢) مروج الذهب ٣: ٧٠.

(٣) تاريخ الطبري ٤: ٣٢١ سنة ٦١.

٢٦

بي أنّه بعين اللَّه( ١) .

و في (اعتقادات الصدوق): و لما اشتدّ الأمر بالحسينعليه‌السلام نظر إليه من كان معه و إذا هو بخلافهم، لأنّهم كانوا إذا اشتدّ بهم الأمر تغيّرت ألوانهم و ارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم، و كان الحسينعليه‌السلام و بعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن قلوبهم و نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا إليه لا يبالي بالموت فقالعليه‌السلام لهم: يا بني الكرام، فما الموت إلا أنّها قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائم، فأيّكم يكره ذلك. الخ( ٢) .

و لنعم ما قيل بالفارسية على لسان حالهعليه‌السلام :

گفت اگر بر سر من تير چه باران بارد

يا فلك داغ عزيزان بدلم بگذارد

باده از مصطبه عشق مرا خوش دارد

غم و شادى بر عاشق چه تفاوت دارد

«اللّهم ان فههت» أي: عييت «عن مسألتي أو عميت عن طلبتي فدلّني على مصالحي و خذ بقلبي إلى مراشدي» فأنت العالم بصلاحي و نادى نوح ربّه فقال ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنّه ليس من أهلك انّه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين قال ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلاّ تغفر لي و ترحمني أكن من الخاسرين( ٣) .

____________________

(١) اللهوف: ٥٠.

(٢) الاعتقادات: ١٤ و النقل بتصرف يسير.

(٣) هود: ٤٥ ٤٧.

٢٧

و في (مكارم الصحيفة): «اللّهم اجعل ما يلقي الشيطان في روعي من التمنّي و التظنّي و الحسد ذكرا لعظمتك و تفكّرا في قدرتك و تدبيرا على عدوّك،

و ما أجري على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سبّ حاضر و ما أشبه ذلك، نطقا بالحمد لك و إغراقا في الثناء عليك و ذهابا في تمجيدك و شكرا لنعمتك و اعترافا بإحسانك و احصاء لمننك»( ١) .

«فليس ذلك بنكر من هداياتك» لعبادك «و لا ببدع من كفاياتك» لأوليائك.

«اللهم احملني على عفوك و لا تحملني على عدلك» و إلاّ هلكت و لو يؤاخذ اللَّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة( ٢ ) و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفوا عن كثير( ٣ ) و يخافون سوء الحساب( ٤ ) أي: عدله تعالى.

هذا، و في (مناقب الكنجي) عن زر بن حبيش قال: قرأت القرآن من أوّله إلى آخره في جامع الكوفة على عليّعليه‌السلام ، فلما بلغت الحواميم قال: بلغت عرائس القرآن. فلما بلغت رأس العشرين من حمسق و الذين آمنوا و عملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير( ٥ ) بكى حتى ارتفع نحيبه، ثم رفع رأسه الى السماء و قال: آمن على دعائي ثم قال «اللّهم إنّي أسألك إخبات المخبتين، و إخلاص الموقنين،

و مرافقة الأبرار، و استحقاق حقوق الإيمان، و الغنيمة من كلّ برّ، و السلامة من

____________________

(١) الصحيفة السجادية: ١٠٦ دعاء ٢٠.

(٢) فاطر: ٤٥.

(٣) الشورى: ٣٠.

(٤) الرعد: ٢١.

(٥) الشورى: ٢٢.

٢٨

كلّ عيب، و وجوب رحمتك و عزائم مغفرتك، و الفوز بالجنّة و النّجاة من النّار» قال: و إذا ختمت القرآن فادع به، فان حبيبي أمرني أدعو بهن عند ختم القرآن.

٦ - الحكمة (٢٧٦) و قالعليه‌السلام :

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَحْسُنَ فِي لاَمِعَةِ اَلْعُيُونِ عَلاَنِيَتِي وَ تَقْبُحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سَرِيرَتِي مُحَافِظاً عَلَى رِيَاءِ اَلنَّاسِ مِنْ نَفْسِي بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ مِنِّي فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وَ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَلِي تَقَرُّباً إِلَى عِبَادِكَ وَ تَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ «اللّهم إنّي أعوذبك من أن» هكذا في (المصرية) أخذا من (ابن أبي الحديد)،

و لكن في نسخة (ابن ميثم) «ان»( ١ ) «تحسّن في لامعة العيون علانيتي، و تقبّح فيما أبطن لك سريرتي».

في (الكافي): عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به،

فإذا صعد بحسناته يقول تعالى: إجعلوه في سجّين( ٢) .

«محافظا على رئاء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلّع عليه منّي» عن الصادقعليه‌السلام : من أظهر للناس ما يحبّ اللَّه و بارز اللَّه بما كرهه لقى اللَّه و هو ماقت له( ٣) .

«فابدي للناس حسن ظاهري و أفضي إليك بسوء عملي» عن الصادقعليه‌السلام :

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩: ١٦٧، و شرح ابن ميثم ٥: ٣٨٥.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٢: ٢٩٥ ح ١٠.

٢٩

ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا و يسرّ سيئا أليس يرجع إلى نفسه، فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك، و اللَّه تعالى يقول: بل الإنسان على نفسه بصيرة( ١) .

و عنهعليه‌السلام : ما من عبد يسرّ خيرا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له خيرا، و ما من عبد يسر شرّا إلاّ لم تذهب الأيام حتّى يظهر اللَّه له شرّا.

و عنهعليه‌السلام : من أراد اللَّه بالقليل من عمله أظهر اللَّه له أكثر مما أراد، و من أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه و سهر من ليله أبى اللَّه تعالى إلاّ أن يقلّله في عين من سمعه( ٢) .

«تقرّبا إلى عبادك و تباعدا من مرضاتك» «تقربا» و «تباعدا» مفعول لهما لأبدي و أفضي.

و روي في (الكافي) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم و تحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياء، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللَّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجاب لهم.

و عن الصادقعليه‌السلام : إيّاك و الرّياء، فإنّ من عمل لغير اللَّه و كله اللَّه إلى من عمل له، و كلّ رياء شرك، إنّه من عمل للنّاس كان ثوابه على النّاس.

و عنهعليه‌السلام : قال تعالى: أنا خير شريك، من أشرك بي غيري في عمل عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا( ٣) .

هذا، و شهد اللَّه تعالى لهعليه‌السلام و لعترته بالاخلاص في قوله عزّ و جلّ:

و يطعمون الطعام على حبّه مسكينا و يتيما و أسيرا. انّما نطعمكم لوجه اللَّه

____________________

(١) القيامة: ١٤.

(٢) الكافي ٢: ٢٩٥ و ٢٩٦ ح ١١ ١٣.

(٣) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٢: ٢٩٣ ٢٩٦ ح ١ و ٢ و ٩ و ١٤.

٣٠

لا نريد منكم جزاء و لا شكورا. إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا.

فوقاهم اللَّه شرّ ذلك اليوم و لقّاهم نضرة و سرورا. و جزاهم بما صبروا جنّة و حريرا. متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا إلى إنّ هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا( ١ ) . و مع ذلك، نسب الثاني إليهعليه‌السلام الرياء، جرأة على ردّ اللَّه تعالى ففي (أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب) و قد نقله (ابن أبي الحديد) في موضع آخر قال ابن عبّاس دخلت يوما على عمر فقال: يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتى نحلته رياء، قلت: من هو؟ قال: هذا ابن عمك يعنيهعليه‌السلام فقلت: و ما يقصد بالرياء؟ قال: يرشّح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت: و ما يصنع بالترشيح، قد رشّحه لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصرفت عنه الخبر( ٢) .

لكن لا غرو في نسبته الرياء إليهعليه‌السلام بعد نسبته الهجر إلى نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد استخلافهعليه‌السلام .

٧ - الخطبة (٨٩) في الخطبة المعروفة بالاشباح بعد ذكره صفاته تعالى و خلقة السّماء و الملائكة و الأرض و إرساله الرّسل من آدم إلى الخاتم و بيان إحاطة علمه تعالى بكلّ شي‏ء:

اَللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ اَلْوَصْفِ اَلْجَمِيلِ وَ اَلتَّعْدَادِ اَلْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ وَ إِنْ تُرْجَ فَأَكْرَمُ مَرْجُوٍّ اَللَّهُمَّ وَ قَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ وَ لاَ أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ وَ لاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ اَلْخَيْبَةِ

____________________

(١) الانسان: ٨ ٢٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٢: ٨٠.

٣١

وَ مَوَاضِعِ اَلرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ اَلْآدَمِيِّينَ وَ اَلثَّنَاءِ عَلَى اَلْمَخْلُوقِينَ اَلْمَرْبُوبِينَ اَللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ اَلرَّحْمَةِ وَ كُنُوزِ اَلْمَغْفِرَةِ اَللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ اَلَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ اَلْمَحَامِدِ وَ اَلْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ وَ لاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا اَلْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ اَلْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ٢٤ ٢٨ ٣: ٢٦ «اللّهم أنت أهل الوصف الجميل» العليم الكريم الرحيم، إلى غير ذلك من صفات الكمال و نعوت الجلال و الجمال.

«و التعداد الكثير» في أوصاف كمالك حتّى أنّها لا تحصى.

«إن تؤمّل فخير مؤمل» هكذا في (المصرية)، و الصواب: (مأمول) كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و الخطية)( ١ ) ، و كونه تعالى خير مأمول لأنّه القادر على إعطاء كلّ أمل دون غيره.

«و إن ترج فأكرم مرجوّ» لأنّه الذي لا يخيب رجاء راجيه.

«اللّهم و قد بسطت لي» بقوّة البيان.

«فيما لا أمدح به غيرك» لعدم اتصاف غيره بما مدحه.

«و لا اثني به على أحد سواك» لفقدان سواه لما به أثنى عليه، فتقول:

إنّ اللَّه على كلّ شي‏ء قدير( ٢ ) و إنّ اللَّه بكلّ شي‏ء عليم( ٣) ،

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٧: ٣١، و شرح الخوئي ٣: ١٣١، لكن في شرح ابن ميثم ٢: ٣٦٨ «مؤمل».

(٢) البقرة: ٢٠ و مواضع اخرى.

(٣) النساء: ٩٧ و مواضع اخرى.

٣٢

فهل يكون أحد غيره كذلك.

«و لا أوجّهه» أي: مدحي و ثنائي، و أفرد الضمير لاتحادهما في المصداق «إلى معادن الخيبة» ممّن رجاهم غيره «و مواضع الرّيبة» باحتمال كونهم على ضدّ ما يمدحون به.

«و عدلت بلساني عن مدائح الآدميين» إلى مدحك «و» عن «الثناء على المخلوقين المربوبين» إلى الثناء عليك، لأنّك اللَّه خالق الخلق و ربّ العالمين.

«اللّهم و لكلّ مثن على من أثنى عليه مثوبة من جزاء» فأثبني جزاء ثنائي «أو عارفة» أي: معروف «من عطاء» فأعطني عطاء معروفا على ثنائي.

«و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة» و للَّه خزائن السماوات و الأرض( ١ ) و إن من شي‏ء إلاّ عندنا خزائنه و ما ننزّله إلاّ بقدر معلوم( ٢) .

«و كنوز المغفرة» أي: كنوز أسبابها، كقوله تعالى: و سارعوا إلى مغفرة من ربّكم( ٣) .

«اللّهمّ و هذا مقام من أفردك بالتوحيد الذي هو لك» أي: بالإقرار بواحدانيتك المختصّة بك «و لم ير مستحقا لهذه المحامد و الممادح» جمعا المحمدة و المدحة،

و جاء جمع الثاني بلفظ الأماديح أيضا، قال الشاعر:

لو كان مدحة حيّ منشرا أحدا

أحيا أبا كن يا ليلى الأماديح(٤)

و الأصل في الحمد الارتضاء، يقال أحمدت الأرض ارتضيت سكناها،

و قال قراد بن حنش:

____________________

(١) المنافقون: ٧.

(٢) الحجر: ٢١.

(٣) آل عمران: ١٣٣.

(٤) أورده أساس البلاغة: ٤٣٣، مادة (مدح)، و لسان العرب ٢: ٥٨٩ مادة (مدح).

٣٣

لهفي عليك إذا الرعاة تحامدوا

بحزيز أرضهم الدرين الأسودا(١)

«غيرك» لعدم صدقها في سواه تعالى «و بي فاقة» أي: حاجة «اليك لا يجبر مسكنتها إلاّ فضلك» لا استحقاقي.

«و لا ينعش» أي: لا يرفع «من خلتها» بالفتح أي: فاقتها «إلاّ منّك و جودك» على عبادك.

«فهب لنا في هذا المقام» مقام حمدك و ثنائك «رضاك» عنّا.

«و أغننا عن مدّ الأيدي إلى سواك» لأنّك الرّزّاق «إنّك على كلّ شي‏ء قدير» على إغنائنا و إصلاح جميع شؤوننا.

هذا، و روى (أمالي الشيخ) فيما رواه عن الغضائري أنّهعليه‌السلام كان إذا رأى الهلال قال: اللّهم ارزقنا خيره و نصره و بركته و فتحه، و نعوذبك من شرّه و شرّ ما بعده( ٢) .

و روى (الكافي) عنهعليه‌السلام قال: الدعاء مفتاح النّجاح، و مقاليد الفلاح،

و خير الدعاء ما صدر عن صدر نقيّ و قلب تقيّ، و في المناجاة سبب النجاة،

و بالاخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزع فإلى اللَّه المفزع.

أيضا: الدعاء ترس المؤمن، و متى تكثر قرع الباب يفتح لك( ٣) .

و في (المحاسن و الأضداد للجاحظ): يقال أنّ عليّاعليه‌السلام لمّا اتصل به مسير معاوية قال: لا أرشد اللَّه قائده، و لا أسعد رائده، و لا أصاب غيثا، و لا سار إلاّ ريثا، و لا رافق إلاّ ليثا، أبعده اللَّه و أسحقه، و أوقد على أثره و أحرقه، لا حطّ اللَّه رحله، و لا كشف محلّه، و لا بشّر به أهله، لا زكّى له مطلب و لا رحب له

____________________

(١) أورده أساس البلاغة: ٩٤، مادة (حمد).

(٢) أمالي ابن جعفر الطوسي ٢: ٢٦٠ المجلس ١٥.

(٣) الكافي ٢: ٤٦٨ ح ٢ و ٤.

٣٤

مذهب، و لا يسّر له مراما، لا فرّج اللَّه له غمّه، و لا سرّى همّه، لا سقاه اللَّه ماء، و لا حل عقده، و لا أروى زنده، جعله اللَّه سفر الفراق، و عصا الشقاق و أنشد:

بأنكد طائر و بشرّ فال

لأبعد غاية و أخسّ حال

بحدّ السدّ حيث يكون منّي

كما بين الجنوب إلى الشمال

غريبا تمتطي قدميك دهرا

على خوف تحنّ إلى العيال(١)

٨ - الكتاب (١٥) و كانعليه‌السلام يقول إذا لقي العدو محاربا:

اَللَّهُمَّ أَفْضَتِ إِلَيْكَ اَلْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ اَلْأَعْنَاقُ وَ شَخَصَتِ اَلْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ اَلْأَقْدَامُ وَ أُنْضِيَتِ اَلْأَبْدَانُ اَللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ اَلشَّنَآنِ وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ اَلْأَضْغَانِ اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ اَلْفاتِحِينَ ٣٥ ٤٥ ٧: ٨٩ قول المصنف: «و كانعليه‌السلام إذا لقي العدوّ محاربا» رواه نصر ابن مزاحم في (صفينه) في ثلاث روايات:

إحداها: ما رواه مسندا عن سلام بن سويد: كان عليّعليه‌السلام إذا أراد أن يسير إلى الحرب و قعد على دابّته قال: الحمد للَّه ربّ العالمين على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٢ ) ثم يوجّه دابته الى القبلة ثم يرفع يديه الى السماء ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و شخصت الأبصار،

____________________

(١) المحاسن و الأضداد: ٩٩.

(٢) الزخرف: ١٣ و ١٤.

٣٥

نشكو إليك غيبة نبيّنا، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ١ ) سيروا على بركة اللَّه( ٢) .

الثانية: مسندا عن تميم: كان عليعليه‌السلام إذا سار الى القتال ذكر اسم اللَّه حين يركب، ثم يقول: الحمد للَّه على نعمه علينا و فضله العظيم سبحان الّذي سخّر لنا هذا و ما كنّا له مقرنين و إنّا إلى ربّنا لمنقلبون( ٣ ) ثم يستقبل القبلة ثم يرفع يديه إلى اللَّه ثم يقول: اللّهم إليك نقلت الأقدام، و أتعبت الأبدان، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و أشخصت الأبصار ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين( ٤ ) سيروا على بركة اللَّه، ثم يقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر، يا اللَّه يا أحد يا صمد، يا ربّ محمّد، بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العليّ العظيم، إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، اللّهمّ كفّ عنّا بأس الظالمين فكان هذا شعاره بصفين( ٥) .

الثالثة: عن قيس بن الربيع عن عبد الواحد بن حسان عمّن حدّثه عن عليعليه‌السلام سمعه يقول يوم صفين «اللّهم إليك رفعت الأبصار، و بسطت الأيدي،

و دعيت الألسن، و أفضت القلوب، و تحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا و بينهم بالحقّ و أنت خير الفاتحين. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، و قلّة عددنا،

و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، و شدّة الزمان، و ظهور الفتن، أعنّا عليهم بفتح تعجّله، و نصر تعزّ به سلطان الحقّ و تظهره»( ٦) .

____________________

(١) الأعراف: ٨٩.

(٢) وقعة صفين: ٢٣١.

(٣) الزخرف: ١٣ ١٤.

(٤) الاعراف: ٨٩.

(٥) وقعة صفين: ٢٣٠.

(٦) وقعة صفين: ٢٣١.

٣٦

و الخبر الأوّل مطلق في كونه أيّ حرب، و الأخيران صرّح فيهما بكونه في صفين، لكن لم يذكر فيهما وقته.

و روى خبرا آخر انّهعليه‌السلام قاله يوم الهرير، فروى عن جابر بن عمير الأنصاري قال: و اللَّه لكأني أسمع عليّاعليه‌السلام يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي، حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهر يقول لأصحابه متى نخلّي بين هذين الحيين قد فنينا و أنتم وقوف تنظرون، أما تخافون مقت اللَّه.

ثم انفتل إلى القبلة و رفع يديه و نادى «يا اللَّه يا رحمن يا رحيم، يا واحد يا أحد يا صمد، يا اللَّه يا إله محمّد، اللّهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدّت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج، إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين الحقّ و أنت خير الفاتحين» سيروا على بركة اللَّه، ثم نادى «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر كلمة التقوى».

قال جابر: لا و الذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق اللَّه السماوات و الأرض، أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، إنّه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول «معذرة إلى اللَّه عزّ و جلّ و إليكم من هذا، لقد هممت أن أفلقه و لكن حجزني عنه أنّي سمعت الرسول يقول كثيرا «لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي» و أنا قاتل به دونه.

قال جابر: فكنّا نأخذه فنقوّمه ثم يتناوله من أيدينا فيتقحم به في عرض الصف، و لا و اللَّه ما ليث بأشدّ نكاية في عدوّه منهعليه‌السلام ( ١) .

و روى (صفين عبد العزيز الجلّودي) كما في (مهج علي بن طاوس)

____________________

(١) وقعة صفين: ٤٧٧، و النقل بتصرف يسير.

٣٧

إنّه كان في أوّل القتال، ففيه: فلمّا زحفوا باللواء قال عليّعليه‌السلام : بسم اللَّه الرحمن الرحيم، لا حول و لا قوّة إلاّ باللَّه العلّي العظيم، اللّهم إيّاك نعبد و إيّاك نستعين،

يا اللَّه يا رحمن يا رحيم يا أحد يا صمد يا إله محمّد، إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و شخصت الأبصار و مدّت الأعناق و طلبت الحوائج و رفعت الأيدي،

اللّهمّ افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين. ثم قال «لا إله إلاّ اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثا( ١ ) . قلت: و حيث انّه كان دعاء يكرّر أمكن دعاؤهعليه‌السلام به في كلّ ما روى، فعن جمل المفيد دعا به يوم الجمل أيضا( ٢) .

كما انّه روى الكلام عنهعليه‌السلام في غير وقت الحرب، فروى (رسائل الكليني) كما في (المحجّة) فيما كتبهعليه‌السلام بعد منصرفه من النهروان لمّا سألوه عن أبي بكر و عمر و عثمان إلى أن قال فدعوني إلى بيعة عثمان فبايعت مستكرها و صبرت محتسبا، و علّمت أهل القنوت أن يقولوا: «اللّهمّ لك أخلصت القلوب، و إليك شخصت الأبصار، و أنت دعيت بالألسن، و إليك تحوكم الأعمال، فافتح بيننا و بين قومنا بالحقّ. اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا،

و كثرة عدوّنا، و قلّة عددنا، و هو اننا على الناس، و شدّة الزمان، و وقوع الفتن بنا. اللّهم ففرّج ذلك بعدل تظهره، و سلطان حق تعرفه»( ٣) .

قال ابن أبي الحديد: كان سديف مولى المنصور يقول «اللّهم انّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا، و ما شملنا من زيغ الفتن،

و استولى علينا من عشوة الحيرة، حتى عاد فيئنا دولة بعد القسمة، و أمارتنا غلبة بعد المشورة، وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامة، و اشتريت الملاهي

____________________

(١) مهج الدعوات: ٩٦.

(٢) الجمل: ١٨٢.

(٣) كشف المحجة: ١٧٩.

٣٨

و المعازف بمال اليتيم و الأرملة، و أرعي في مال اللَّه من لا يرعى له حرمة،

و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة، و تولّى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلة،

فلا ذائد يذودهم عن هلكة، و لا راع ينظر إليهم بعين رحمة، و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحرّى من مسغبة، فهم أولو ضرع وفاقة، و أسراء فقر و مسكنة، و حلفاء كآبة و ذلّة. اللّهم و قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته، و استحكم عموده،

و استجمع طريده، و حذف وليده، و ضرب بجرانه فأتح له من الحقّ يدا حاصدة، تجذّ سنامه و تهشم سوقه و تصرع قائمه، ليستخفي الباطل بقبح حليته و يظهر الحقّ بحسن صورته».

و وجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسينعليه‌السلام ، و لعلّه من كلامه و قد كان سديف يدعو به( ١) .

قلت: ان كان أصل الكلام من السجادعليه‌السلام إلاّ أنّه لا بدّ أن يكون بعض فقراته من غيره، فهو لا يقول «عادت إمارتنا غلبة بعد المشورة وعدنا ميراثا بعد الاختيار للامّة»، فهل تلك المفاسد التي عدّت إلاّ نتيجة ذاك الاختيار يوم السقيفة و تلك المشورة يوم الدار؟

قولهعليه‌السلام «اللّهم أفضت اليك» هكذا في (المصرية)، و الصواب: «اللّهم إليك أفضت» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية)( ٢ ) «القلوب» أي: تظهر القلوب أسرارها لك.

«و مدّت الأعناق» أي: تتضرع لك «و شخصت الأبصار» شخص بصره: إذا فتحه و جعله لا يطرف.

«و نقلت الأقدام» أي: مسيرنا كان لك «و انضيت الأبدان» يقال: انضيت

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، و شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥.

٣٩

الثوب إذا ابليته، و انضى فلان بعيره أي: هزله، و تقديم الظرف للحصر، أي: ان وقوع جميع هذه الامور كان مختصا لك.

«اللّهم قد صرح» أي: انكشف و ظهر «مكتوم» هكذا في (المصرية)،

و الصواب: «مكنون» كما في (ابن أبي الحديد و ابن ميثم)( ١ ) «الشنآن» أي:

البغض.

«و جاشت» من جاشت القدر أي: غلت «مراجل» جمع المرجل قدر من نحاس «الأضغان».

و روى نصر بن مزاحم في (صفينه): لما أراد عليّعليه‌السلام الشخوص إلى صفين التفت عبد اللَّه بن بديل الخزاعي إلى الناس و قال: كيف يبايع معاوية عليّاعليه‌السلام و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جدّه عتبة في موقف واحد( ٢) .

«اللّهم إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا و كثرة عدوّنا» قالت سيدة النساء مخاطبة لأبيها أو صفية لابن أخيها كما في (بيان الجاحظ):

قد كان بعدك أنباء و هنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض و ابلها

فاحتل لقومك و اشهدهم و لا تغب(٣)

و قالت أروى بنت عبد المطلب كما في (طبقات كاتب الواقدي):

لعمرك ما أبكي النبي لموته

و لكن لهرج كان بعدك آتيا(٤)

و في (أنساب البلاذري): قالت امّ الفضل: كنت جالسة عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو مريض، فبكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: أخشى عليك و لا أدري ما نلقى من

____________________

(١) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٥: ١١٢، لكن في شرح ابن ميثم ٤: ٣٨٥ نحو المصرية.

(٢) وقعة صفين: ١٠٢.

(٣) نقله عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) الطبرسي في الاحتجاج ١: ٩٢، و عن صفية الجاحظ في البيان ٣: ٣١٩ و عن هند بنت اثاثة ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢: ٩٧ بفرق يسير بين الألفاظ.

(٤) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢: ٩٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً قلت ما تقولون إذا تكلمتم قال نمجّد ربّنا ونصلّي على نبيّنا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا قلت «كَلاَّ أنّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ »(١) قال هم الذين فجروا في حقّ الأئمّة واعتدوا عليهم ،

________________________________________________________

إلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحمن » وهم المؤمنون والملائكة «وَقالَ » في الدّنيا «صَواباً » أي شهد بالتوحيد وقال لا إله إلّا الله ، وقيل : أنّ الكلام هيهنا الشفاعة ، أي لا يشفعون إلّا من أذن له الرَّحمن أنّ يشفع عن الحسن والكلبي ، وروى معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سئل عن هذه الآية فقال : نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً ، قلت : جعلت فداك ما تقولون؟ قال : نمجّد ربّنا ونصلّي على نبيّنا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا ، رواه العيّاشي مرفوعاً ، انتهى.

وأقول : قد مضى أنّ الروح خلق أعظم من الملائكة وهو الّذي يسدد به الأئمّةعليهم‌السلام ، والأخبار الدالة على أنّ هذه الآية في شفاعة النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم للشيعة كثيرة ، أوردتها في الكتاب الكبير ، وروى محمّد بن العبّاس بإسناده عن أبي خالد القماط عن الصادق عن أبيهعليهما‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق من الأولين والآخرين في صعيد واحد خلع قول لا إله إلّا الله من جميع الخلائق إلّا من أقر بولاية عليّعليه‌السلام ، وهو قوله تعالى : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ » الآية.

«أنّ كِتابَ الفُجَّارِ » الآيات في المطففين وقد مرّ تفسيره في باب خلق أبدأنّ الأئمّة قال البيضاوي (ره) أي ما يكتب من أعمالهم أو كتابة أعمالهم «لَفِي سِجِّينٍ » كتاب جامع لإعمال الفجرة من الثقلين ، كما قال : «وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ، كِتابٌ مَرْقُومٌ » ، أي مسطور بين الكتابة أو معلم بعلم من رآه أنه لا خير فيه فعيل من السجن لقب به الكتاب لأنه سبب الحبس ، أو لأنه مطروح - كما قيل - تحت الأرضين في مكان وحش وقيل : هو اسم المكان والتقدير ما كتاب السجين أو محلّ كتاب مرقوم ، فحذف المضاف ، ثمّ قال سبحانه : «وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ، وَما يُكَذِّبُ بِهِ إلّا كلّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ، إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ

__________________

(١) سورة المطففين : ٧.

١٦١

قلت : «ثمّ يقال هذَا الّذي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ »(١) قال يعني أمير المؤمنين قلت تنزيلٌ ؟ قال : نعم.

٩٢ - محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن الحسين بن عبد الرَّحمن ، عن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَأنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً »(٢) قال يعني به ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام

________________________________________________________

كَلاَّ بَلْ رأنّ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، كَلاَّ أنّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، ثمّ أنّهم لَصالُوا الْجَحِيمِ ، ثمّ يُقالُ هذَا الّذي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ » قالوا : يقول لهم الزبانية.

أقول : لا ريب أنّ الذين فجروا في حقّ الأئمّةعليهم‌السلام هم أشد الفجار والكفار « يعني أمير المؤمنين » الظاهر منه أنّ هذا إشارة إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو بطن الآية ، أو العذاب المشار إليه لترك الولاية ، أو القائل هوعليه‌السلام ، وكان في التنزيل هنا تأويلاً نحوا ممّا مرّ في أمثاله ، ويحتمل أنّ يكون في قراءتهمعليهم‌السلام : هذا أمير المؤمنين الّذي كنتم به تكذبون ، والله يعلم.

الحديث الثاني والتسعون : ضعيف وقد مرّ في التسعين الحسن بن عبد الرَّحمن والظاهر أنّ أحدهما تصحيف والحسين غير مذكور في كتب الرجال والحسن مذكور فيه لكن عدوه من رجال الصادقعليه‌السلام وكون هذا راوياً عنه في غاية البعد.

«وَمَنْ أَعْرَضَ » الآيات في سورة طه ، حيث قال عند ذكر آدم وحواءعليهما‌السلام ونزولهما من الجنّة «قالَ اهْبِطا مِنْها جميعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » أي لا يضل في الدّنيا ولا يشقي في الآخرة «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي » قال البيضاوي : أي عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي «فَأنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً » ضيقاً مصدر وصف به ، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنّث ، وذلك لأنّ مجامع همه ومطامح نظره يكون إلى أغراض الدّنيا متهالكا على ازديادها خائفاً على انتقاصها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيّق بشؤم الكفر

__________________

(١) سورة المطففين : ١٦.(٢) سورة الحجّ : ١٢٤.

١٦٢

قلت : «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أَعْمى » قال يعني أعمى البصر في الآخرة أعمى القلب في الدّنيا عن ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال : وهو متحيّر في القيامة يقول : «لِمَ

________________________________________________________

ويوسّع ببركة الإيمان كما قال : «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ »(١) «وَلَوْ أنّهم أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ »(٢) «وَلَوْ أنّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا »(٣) وقيل : هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل : عذاب القبر.

«وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أَعْمى » أعمى البصر أو القلب ، ويؤيّد الأوّل «قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ » أي مثل ذلك فعلت ثمّ فسره فقال : «أَتَتْكَ آياتُنا » واضحة نيرة «فَنَسِيتَها » فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها «وَكَذلِكَ » أي مثل تركك إياها «الْيَوْمَ تُنْسى » تترك في العمى والعذاب «وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ » بالانهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات «وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ » بل كذبها وخالفها «وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ » هو الحشر على العمى ، وقيل : عذاب النار أي وللنار بعد ذلك «أَشَدُّ وَأَبْقى » من ضنك العيش ، أو منه ومن العمى ولعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محلّه وماله أو ممّا فعله من ترك الآيات والكفر بها ، انتهى.

وفسّرعليه‌السلام الذكر بالولاية لشموله لها وكونها عمدة أسباب التذكر والذكر المذكور في الآية شامل لجميع الأنبياء والأوصياء وولايتهم ومتابعتهم وشرائعهم وما أتوا به لكون الخطّاب إلى آدم وحواء وأولادهما ، لكن أشرف الأنبياء نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكرم الأوصياء وأفضل الشرائع شريعته فتخصيص أمير المؤمنينعليه‌السلام لكونه المتنازع فيه في هذه الأمة.

وروى عليّ بن إبراهيم بإسناده عن معاوية بن عمّار [ الدهني ] قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : عن قول الله : «فَأنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً » قال : هي والله للنصاب ، قلت : جعلت فداك قد رأيتهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا؟ قال : ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة.

__________________

(١) سورة البقرة : ٦١.(٢) سورة المائدة : ٦٦.

(٣) سورة الأعراف : ٩٦.

١٦٣

حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها » قال الآيات الأئمّةعليهم‌السلام : «فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى » يعني تركتها وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمّةعليهم‌السلام فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم قلت «وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى » قال يعني من أشرك بولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام غيره ولم يؤمن بآيات ربه وترك الأئمّة معاندة فلم يتّبع آثارهم ولم يتولهم قلت «اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ »(١) قال ولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام قلت «مَنْ كان يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ » قال معرفة أمير المؤمنين

________________________________________________________

وروى محمّد بن العبّاس في تفسيره بإسناده عن عيسى بن داود النجار عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام أنه سأل أباه عن قول الله عزَّ وجلَّ : «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى »(٢) قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الناس اتبعوا هدى الله تهدوا وترشدوا وهو هداي وهداي بعدي عليّ بن أبي طالب ، فمن اتبع هداي في حياتي وبعد موتي فقد اتبع هداي ، ومن اتبع هداي فقد اتبع هدى الله ومن اتبع هدى الله فلا يضل ولا يشقي «وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ » في عداوة آل محمد.

قولهعليه‌السلام : الآيات الأئمّة ، قد مرّ مراراً أو المراد الآيات النازلة فيهم أو هي عمدتها ، وفسّر أكثر المفسرين الإسراف بالشرك بالله وفسّرعليه‌السلام بالشرك في الولاية فإنه يتضمن الشرك بالله كما مر.

«اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ » الآيات في حم عسق ، قال البيضاوي : بربهم ، بصنوف من البر الّتي لا تبلغها الأفهام «يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ » أي يرزقه كما يشاء ، فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما اقتضته حكمته ، وهو القوي الباهر القدرة العزيز المنيع الّذي لا يغلب «مَنْ كان يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ » ثوابها ، شبهه بالزرع من حيث أنه فائدة تحصل بعمل الدّنيا ولذلك قيل : الدّنيا مزرعة الآخرة ، والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض ، ويقال : للزرع الحاصل منه ( نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ) فنعطه بالواحد عشرا إلى سبعمائة فما فوقها «وَمَنْ كان يُرِيدُ حَرْثَ الدّنيا نُؤْتِهِ مِنْها » شيئاً منها على

__________________

(١) سورة فصلت : ١٨. (٢) سورة طه : ١٢٣.

١٦٤

عليه‌السلام والأئمّة «نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ » قال نزيده منها قال يستوفي نصيبه من دولتهم «وَمَنْ كان يُرِيدُ حَرْثَ الدّنيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ » قال ليس له في دولة الحقّ مع القائم نصيب.

( باب )

( فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية )

١ - محمّد بن يعقوب الكلينيّ ، عن محمّد بن الحسن وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بكير بن أعين قال كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول أنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذرّ والإقرار

________________________________________________________

ما قسمنا له «وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ » إذ الأعمال بالنيات ولكلّ امرئ ما نوى ، انتهى.

وأقول : تفسير الرزق بالولاية تفسير للرزق بالرزق الروحاني أو بما يعمه وخص أشرفه وهو الولاية بالذكر لأنّها الأصل والمادة لسائر العلوم والمعارف ، ولا يحصل شيء منها إلّا بها ، وفسّر زيادة الحرث بالمنافع الدنيوية أو الأعمّ منها ومن العلوم والمعارف الّتي يلقونها إليهم ، وفسّر الآخرة بالرجعة ودولة القائمعليه‌السلام لـمّا مرّ من أنّ أكثر آيات البعث والقيامة مؤولة بدولة القائمعليه‌السلام والرجعة فإنّها من مباديها.

باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية

الحديث الأوّل :ضعيف على المشهور.

« ميثاق شيعتنا » إنّما خصّ بالشيعة لأنّهم قبلوها إذ ظاهر الأخبار أنّ الميثاق أخذ من جميع الخلق ، وقبلها الشيعة ولم يقبلها غيرهم « وهم ذرّ » قال الجوهري : الذرّ جمع ذرّة وهي أصغر النمل ، انتهى.

وشبههم بالذرّ لصغر الأجزاء الّتي تعلقت بها الأرواح عند الميثاق ، وذلك عند

١٦٥

له بالرُّبوبيّة ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوَّة.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن

________________________________________________________

كونهم في صلب آدم أو بعد إخراجهم منه كما سيأتي تفصيله في كتاب الإيمان والكفر قال المحدّث الأسترآبادي (ره) : أنّ الأرواح تعلّقت ذلك اليوم بأجساد صغيرة مثل النمل ، فأخذ منهم الميثاق بالولاية وغيرها ، انتهى.

وقيل : أنّهم لـمّا غفلوا إلّا من شاء الله عن تذكره في عالم الأبدأنّ إما لعدم شرط التذكّر أو وجود مانع منه ، بعث الأنبياء تكليفاً لهم ثانياً لدفع الغفلة وتكميل الحجّة.

قوله : والإقرار ، كأنه كان بالإقرار كما سيأتي في آخر الباب عن هذا الراوي بعينه مع اختلاف في أوّل السند ، وعلى تقدير صحته يمكن عطفه على الذرّ عطف تفسير أو على الولاية أو هو منصوب على أنه مفعول معه وعامله أخذ ، وقيل : كان فيه إشعاراً بأنّ الإقرار لله بالربوبية حقيقة لم يصدر عن غير الشيعة فأنّ إقرار غيرهم بها من قبيل الإقرار بالشيء مع إنكار لازمه البين وهو الولاية ، ولذا يسلب عنهم هذا الإقرار اليوم القيامة.

وقال بعض الأفاضل : إنّما أخذ الله المواثيق الثلاثة عن الناس أجمعين إلّا أنّهم أقروا بالربوبية جميعاً وأنكر النبوّة والولاية بقلبه من كان ينكره بعد خلقه في هذا العالم.

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : معاينة كان هذا؟ قال : نعمّ ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقر بلسانه في الذرّ ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ».

الحديث الثاني : ضعيف والظاهر الجعفي مكان الجعفري ، فإنه الموجود في كتب الرجال ، وسيأتي الخبر بعينه في أوائل الإيمان والكفر وفيه الجعفي.

١٦٦

صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمّد الجعفري ، عن أبي جعفرعليه‌السلام وعن عقبة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أنّ الله خلق الخلق فخلق ما أحبّ ممّا أحبّ وكان ما أحبّ أنّ خلقه من طينة الجنّة ، وخلق ما أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أنّ خلقه من طينة النار ثمّ بعثهم في الظلال فقلت وأي شيء الظلال قال ألم تر إلى

________________________________________________________

« فخلق ما أحبّ » قيل : « ما » في الأوّل موصولة وكذا في الثاني ، وفي الثالث مصدرية ، أقول : فيما سيأتي : فخلق من أحبّ ، وهو أظهر ، ويمكن أنّ يقدر مضاف أي وكان خلق ما أحب.

واعلم أنه ذهب المحدثون إلى أنه تعالى لـمّا علم أعمال العباد وعقائدهم في الأعيأنّ من الخير والشر خلق أبدان أهل الخير من طينة الجنّة وخلق أبدأنّ أهل الشر من طينة النار ، ليرجع كلّ إلى ما هو أهل له ولائق به ، فأعمالهم سبب لخلق الأبدأنّ على الوجه المذكور دون العكس ، قال المحدث الأسترآبادي (ره) : المراد خلق التقدير على الوجه المذكور دون العكس ، قال المحدث الأسترآبادي (ره) : المراد خلق التقدير لا خلق التكوين ، ومحصول المقام أنه تعالى قدر أبدانا مخصوصة من الطينتين ثمّ كلف الأرواح فظهر منها ما ظهر ، ثمّ قدر لكلّ روح ما يليق بها من تلك الأبدأنّ المقدرة.

« ثمّ بعثهم في الظلال » الضمير للمخلوقين معا والمراد بالظلال عالم المثال أو عالم الأرواح أو عالم الذرّ ، وإنّما سمي عالم المثال بالظلال لأنه بمنزلة الظل لهذا العالم ، تابع وموافق له ، والتشبيه في الوجهين الآخرين أيضاً قريب من ذلك ، أو لـمّا ذكرهعليه‌السلام من شباهتها بالظلال في أنه شيء وليس بشيء والمعنى أنه بالنسبة إلى الوجود العيني ليس بشيء أو كناية عن أنها أجسام لطيفة على الأوّل ، وعلى الثاني إيماء إلى تجردها على القول بالتجرد أو إلى لطافتها على القول بعدمه ، وعلى الثالث كناية عن صغر تلك الذرات الّتي تعلقت بها الأرواح كأنّها ليست بشيء أو عن أنّها ليست شيئاً معتداً به بل هي حكاية لشيء معتد به.

قال المحدث الأسترآبادي (ره) : يفهم من الروايات أنّ التكليف الأول وقع

١٦٧

ظلّك في الشمس شيء وليس بشيء ، ثمّ بعث الله فيهم النبييّن يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ »(١) ثمّ دعاهم إلى الإقرار بالنبييّن فأقر بعضهم وأنكر بعضهم ثمّ دعاهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحبّ وأنكرها من أبغض وهو قوله «فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ »(٢) ثمّ قال أبو جعفر

________________________________________________________

مرّتين مرّة في عالم المجرد الصرف ، ومرّة في عالم الذرّ بأنّ تعلقت الأرواح فيه بجسد صغير مثل النمل ، ولـمّا لم يكن تصل أذهان أكثر الناس إلى إدراك الجوهر المجرد عبرواعليهم‌السلام عن المجردات بالظلال لتفهيم الناس وقصدهم من ذلك أنّ موجودات ذلك العالم مجردة عن الكثافة الجسمانيّة كما أنّ الظل مجرد أنها ، فهي شيء وليست كالأشياء المحسوسة الكثيفة ، وهذا نظير قولهمعليهم‌السلام في معرفة الله تعالى : شيء بخلاف الأشياء الممكنة.

« ثمّ بعث الله فيهم النبييّن » وفيما سيأتي « منهم » يدعوهم(٣) حال عن الله ، والمستكن عائد إليه والبارز للخلق ، أو هو علة للبعث فالمستكن للنبيين والبارز لغيرهم ، والتقدير لأنّ يدعوهم وفي بعض النسخ يدعونهم ، فهو حال عن النبييّن ومؤيد للمعنى الثاني ، وفيما سيأتي فدعوهم وهو أظهر ، وهو قوله : أي جبل النفوس على الإقرار بالصانع بعد الإعراض عن الدواعي الخارجية بالضرورة الفطرية من أجل تلقينهم المعرفة في ذلك اليوم ، وإقرارهم بها ولو لم يكن ذلك لم يكن هذا ، وقيل : المعنى أنّ إقرارهم بذلك عند السؤال في أي وقت كان دل على إقرارهم بذلك في ذلك اليوم والأوّل أظهر « من أحبّ » أي من أحبّ الإقرار بها ومن أحبها أو من أحبنا أو من أحبه الله ، وكذا قوله : من أبغض.

« وهو » أي إنكار من أبغض « قوله » أي مدلول قوله والآية في الأعراف « فَما كانُوا » وكان التغيير من النساخ أو نقل بالمعنى ، وفيما سيأتي : ما كانوا ، بدون الواو

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٧. (٢) سورة يونس : ٧٥.

(٣) وفي المتن « يدعونهم » وسيأتي في كلام الشارح (ره) أيضاً.

١٦٨

عليه‌السلام كان التكذيب ثمَّ.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عليّ بن سيف ، عن العبّاس بن عأمر ، عن أحمد بن رزق الغمشاني ، عن محمّد بن عبد الرَّحمن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ولايتنا ولاية الله الّتي لم يبعث نبيّاً قطّ إلّا بها.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من نبي جاء قط إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على من سوانا.

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول والله أنّ في السماء لسبعين صفّاً من الملائكة لو اجتمع أهل الأرض كلهم

________________________________________________________

أيضاً وهو أقرب «لِيُؤْمِنُوا » أي في التكليف الثاني «بِما كَذَّبُوا بِهِ » أي عن النبوة.

والولاية «مِنْ قَبْلُ » أي في التكليف الأوّل في الميثاق « كان التكذيب ثمّ » أي كان تكذيب المكذّبين من ذلك اليوم وليس بمتجدد أو مناط التكذيب الثاني والعمدة فيه هو الأوّل ، وكذا الإقرار.

أقول : سيأتي الكلام في هذه الأخبار الموهمة للجبر في كتاب الإيمان والكفر.

الحديث الثالث : كالسابق « ولاية الله » أي ولاية واجبة من قبل الله ، ولا يختصّ هذه الأمّة بل كان أوجب الله سبحانه في كلّ شريعة ولايتنا أو الحمل على المبالغة.

لبيان أنّ ولاية الله لا تقبل إلّا بولايتنا.

الحديث الرابع : مجهول « إلّا بمعرفة حقنا » أي بواجب معرفة حقّ أهل البيت أو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام « على من سوانا » من الأنبياء السابقين والأوصياء وسائر الخلق ، وهذا ممّا يدلّ على فضلهم على جميع الخلق.

الحديث الخامس : كالسابق.

١٦٩

يحصون عدد كلّ صف منهم ما أحصوهم وأنّهم ليدينون بولايتنا.

٦ - محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال ولاية عليّعليه‌السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ولن يبعث الله رسولا إلّا بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ووصيّه عليّعليه‌السلام .

٧ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور قال حدثنا يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أنّ الله عزَّ وجلَّ نصب عليّاًعليه‌السلام علـمّا بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ومن جاء بولايته دخل الجنّة.

________________________________________________________

« يحصون » جملة حالية « عدد كلّ صف » أي جميع الصفوف أو واحد منها ، وفي البصائر لسبعين صنفا يحصون عدد صنف منهم وكأنه أظهر ، وما قيل : من أنّ ضمير منهم راجع إلى أهل الأرض فلا يخفى بعده « ليدينون بولايتنا » أي يعتقدون بها أو يعبدون الله بها أو متلبسا بها.

الحديث السادس : كالسابق « ولن » هنا لتأكيد النفي كما جوزه الزمخشري إذ لا معنى للتأبيد هنا ، وكأنه كان « لم » لكن في البصائر أيضاً كذلك.

الحديث السابع : ضعيف.

« علـمّا » بالتحريك وهو ما ينصب في الطريق ليهتدي به ، وقيل : علأمّة الرشد والغي بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « فمن عرفه» أي عرف ولايته وأقر بها « ومن أنكره » أي أنكر إمامته بعد العلم أو التمكن منه « ومن جهله » أي لم يتمّ عليه الحجة من المستضعفين فهو ضال ولله فيه المشية ، أو المراد بالجاهل الشاك الّذي لا ينكر ولا يقر « ومن نصب معه شيئاً » بأنّ يعتقد إمامته ويقدم عليه أهل الضلال كأكثر الخلق من المخالفين فهو في حكم المشرك ومخلد في النار « ومن جاء بولاية » بلا فصل بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع سائر الأئمّة إذ يستلزم ولايته والعلم بإمامته كما حقّه ، العلم بإمأمّة أوصيائه « دخل الجنّة » وظاهره أنّ غير هؤلاء لا يدخلون الجنّة ، فالضالون أنّ لم يدخلوا النار فهم أهل الأعراف.

١٧٠

٨ - الحسينُ بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول أنّ عليّاًعليه‌السلام باب فتحه الله فمن دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين قال الله تبارك وتعالى لي فيهم المشيئة.

٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بكير بن أعين قال كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول أنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذرّ بالإقرار له بالربوبية ولمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة وعرض الله جل وعزَّ على محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أمته في الطين وهم أظلة وخلقهم من الطينة الّتي خلق منها آدم وخلق الله أرواح شيعتنا قبل أبدأنّهم بألفي عام وعرضهم عليه وعرفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعرفهم عليّاً ونحن نعرفهم «فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ».

________________________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« أنّ عليّاًعليه‌السلام » أي ولايته« باب » ، أي باب رحمة الله وإسراره ومعارفه وباب علم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكمه كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلى بابها ، وكلّ ذلك على الاستعارة والتمثيل « فمن دخله » أي قبل ولايته وقال بإمامته وإنّما قسمعليه‌السلام في هذا الخبر ثلاثة أقسام لأنّ الخروج أعمّ من الإنكار مطلقاً أو التشريك في الإمأمّة فعد هنا قسمين قسما واحداً « قال الله » أي في قوله : «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وأمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ »(١) .

الحديث التاسع : حسن.

« في الطين » أي حين كان الرسول في الطين أو أمته أو هما معا ، أي قبل خلق أجسادهم « وهم أظلة » أي أرواح بلا أجساد أو أجساد مثالية « وعرضهم عليه » أي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهذا هو العرض الأوّل أو عرض آخر قبله كما مرّ « وعرفهم رسول الله » أي جعلهم عارفين بالرسول وبأمير المؤمنين صلوات الله عليهما أو جعلهما عارفين بهم وهو أظهر.

قوله : في لحن القول ، إشارة إلى قوله تعالى : «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

__________________

(١) سورة التوبة. ١٠٦.

١٧١

( باب )

( في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنَّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو مع أصحابه فسلم عليه ثمّ قال له أنا والله أحبك وأتولاك فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام كذبت قال بلى والله إني أحّبك وأتولاك فكرر ثلاثاً فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام كذبت ما أنت كما قلت أنّ الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ لنا فو الله ما رأيت روحك فيمن عرض فأين كنت فسكت الرجل عند ذلك ولم يراجعه.

وفي رواية أخرى قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كان في النار.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمّار بن مروان ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنا لنعرف الرجل

________________________________________________________

أنّ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغأنّهم ، وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ »(١) قال البيضاوي لحن القول أسلوبه أو إمالته إلى جهة تعريض وتورية ومنه قيل : للمخطئ لاحن لأنه يعدل الكلام عن الصواب.

باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم

الحديث الأول :ضعيف.

« خلق الأرواح » المشهور بين المتكلمين عدم تقدّم خلق الأرواح على الأبدأنّ والأخبار المستفيضة تدلّ على تقدّمها ولا مانع منه عقلاً والدلائل النافية مدخولة وسيأتي القول في ذلك في كتاب الإيمان والكفر إنشاء الله « كان في النار » أي في أهل النار وكانت طينته في طينتهم.

الحديث الثاني : مختلف فيه.

__________________

(١) سورة محمد : ٢٩ - ٣٠.

١٧٢

إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق.

٣ - أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الإمام فوض الله إليه كما فوض إلى سليمأنّ بن داود فقال نعم وذلك أنّ رجلا سأله عن مسألة فأجابه فيها وسأله آخر عن تلك المسألة فأجابه بغير جواب الأوّل ثمّ سأله آخر فأجابه بغير جواب الأولين ثمّ قال هذا عطاؤنا فامنن أو أعط بغير حساب وهكذا هي في قراءة عليّعليه‌السلام قال قلت أصلحك الله فحين أجابهم بهذا الجواب يعرفهم الإمام قال سبحان الله أما تسمع الله يقول : «أنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »(١)

________________________________________________________

« بحقيقة الإيمان » أي الإيمان الواقعي الحقّ الّذي لا يشوبه نفاق وذلك الّذي يحقّ أنّ يسمى إيمانا أو كناية عن أنّ الإيمان كأنه حقيقة المؤمن وماهيته أو بالحقيقة والطينة الّتي تدعو إلى الإيمان وكذا الكلام في حقيقة النفاق.

الحديث الثالث : مجهول كالحسن.

« وذلك أنّ رجلاً » الظاهر أنه كلام عبد الله لبيان سبب سؤاله السابق ، والتقدير ذلك السؤال لأنّ رجلاً سأله ويحتمل أنّ يكون من كلام الإمام ، فضمير سأله لسليمانعليه‌السلام لكنّه بعيد.

قولهعليه‌السلام : وهكذا هي ، أقول : لم تذكر هذه القراءة في القراءات الشاذة وكأنه على هذه القراءة المن بمعنى القطع أو النقض وحمله على أنّ الترديد بين العطاء مع المنة وبدونها بعيد عن سياق الخبر ، وعلى القراءة المشهورة المن بمعنى الإعطاء ، وقد مضى في باب أنّ المتوسميّن هم الأئمّةعليهم‌السلام تأويل قوله تعالى : «أنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ » وقد مضى في باب التفويض أنّ أحد معانيه تفويض بيان العلوم والأحكام بما أرادوا ورأوا المصلحة فيها بسبب اختلاف عقول الخلق

__________________

(١) سورة الحجر. ٧٥.

١٧٣

وهم الأئمّة «وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ » لا يخرج منها أبدا ثمّ قال لي نعمّ أنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه وعرف لونه وأنّ سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو أنّ الله يقول : «وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ أنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ »(١) وهم العلماء فليس يسمع شيئاً من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالّذي يجيبهم.

________________________________________________________

وإفهامهم ، أو بسبب التقية فيفتون بعض النّاس بالحكم الواقعي وبعضهم بالتقية ويبينون تفسير الآيات وتأويلها ويبدلون المعارف بحسب ما يحتمل عقل كلّ سائل ، وأيضاً لهم أنّ يجيبوا ولهم أنّ يسكتوا بحسب المصالح.

« وعرف لونه » أي ما يدلّ عليه لونه أو اللون بمعنى النوع من المؤمن والمنافق وكذا قوله : وعرف ما هو ، أي نوع هو ، وعلى أي صفة «أنّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ » على تأويلهعليه‌السلام المعنى أنّ في الألسن المختلفة والألوأنّ المتنوعة آيات وعلامات للعلماء الربانيين وهم الأئمّةعليهم‌السلام يستدلون بها على إيمانهم ونفاقهم ونجاتهم وهلاكهم.

__________________

(١) سورة الروم : ٢١.

١٧٤

(أبواب التاريخ )

(باب )

( باب مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته )

ولد النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزّوال ، وروي أيضاً عند طلوع الفجر قبل أنّ يبعث بأربعين سنّة وحملت به أمه في أيام التشريق عند الجمرّة الوسطى وكانت في منزل عبد الله بن

________________________________________________________

باب(١) التار يخ

تاريخ مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ووفاته

« لاثنتي عشرة » اعلم أنه اتفقت الإمامية إلّا من شذ منهم على أنّ ولادتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في سابع عشر شهر ربيع الأوّل ، وذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه ، واختاره المصنفرحمه‌الله إمّا اختياراً أو تقية والأخير أظهر ، لكن الدلائل الحسابية على الأوّل أدل كما سنشير إليه ، وذهب بعضهم إلى الثامن وبعضهم إلى العاشر من الشهر المزبور ، وذهب شاذ منهم إلى أنه ولد في شهر رمضان فأما يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا أنه كان يوم الجمعة ، والمشهور بين المخالفين يوم الاثنين ، ثمّ الأشهر بيننا وبينهم أنه ولد بعد طلوع الفجر ، وقيل : عند الزوال وقيل : آخر النهار ، وقال صاحب العدد القوية كانت خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل بسبع بقين من ملك أنوشيروأنّ ، ويقال : في ملك هرمز بن أنوشيروان وذكر الطبرسي أنّ مولده كان لاثنتي وأربعين سنّة من ملك أنوشيروأنّ ، وهو الصحيح لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان.

قوله : عند طلوع الفجر ، أي بعده بقليل « قبل أنّ يبعث » متعلق بولد.

قوله : وحملت به أمه ، اعلم أنّ هيهنا إشكالاً مشهوراً أورده الشهيد الثاني

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « أبواب » بلفظ الجمع.

١٧٥

________________________________________________________

رحمه‌الله وجماعة وهو أنّه يلزم على ما ذكره الكلينيرحمه‌الله من كون الحمل بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيام التشريق وولادته في ربيع الأوّل أنّ يكون مدة حملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما ثلاثة أشهر أو سنّة وثلاثة أشهر ، مع أنّ الأصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستّة أشهر ، ولا أكثر من سنّة ، ولم يذكر أحد من العلماء أنّ ذلك من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجواب أنّ ذلك مبني على النسيء الّذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وقد نهى الله تعالى عنه ، وقال : «إنّما النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ » قال الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد : كان المشركين يحجون في كلّ شهر عامين يحجوا في ذي الحجة عامين ثمّ حجوا في المحرم عامين وكذلك في المشهور حتّى وافقت الحجة الّتي قبل حجة الوداع في ذي القعدّة ، ثمّ حج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة ، فقال في خطبته : إلّا وأنّ الزمأنّ قد استدار كهيأته يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنّة اثنتي عشر شهراً ، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ، ذو القعدّة وذو الحجة ومحرم ورجب مضربين جمادى وشعبأنّ أراد بذلك أنّ الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء ، انتهى.

إذا عرفت هذا فقيل : إنه على هذا يلزم أنّ يكون الحج عام مولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جمادى الأولى لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنّة ، ودورة النسيء أربعة وعشرون سنّة ضعف عدد الشهور ، فإذا أخذنا من السنّة الثانية والستين ورجعنا تصير السنّة الخامس عشر ابتداء الدورة لأنه إذا نقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون يبقى أربعة عشر ، الاثنتان الأخيرتان منها لذي القعدّة ، واثنتان قبلهما الشوال وهكذا ، فتكون الأوليأنّ منها لجمادى الأولى ، فكان الحج عام مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عام الفيل في جمادى الأولى ، فإذا فرض أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حملت به أمه في الثاني عشر

١٧٦

________________________________________________________

منه ، ووضعت في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، تكون مدّة الحمل عشرة أشهر بلا مزيدة ولا نقيصة.

أقول : ويرد عليه أنه قد أخطأرحمه‌الله في حساب الدورة وجعلها أربعة وعشرين سنّة ، إذ الدورة على ما ذكر إنّما تتم في خمسة وعشرين سنّة ، إذ في كلّ سنتين يسقط شهر من شهور السنّة باعتبار النسيء ، وفي كلّ خمسة وعشرين سنّة تحصل أربعة وعشرون حجة تمام الدورة ، وأيضاً على ما ذكره يكون مدة الحمل أحد عشر شهرا إذ لـمّا كان عام مولده أوّل حج في جمادى الأولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني ، فالصواب أنّ يقال : كان في عام حملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحج في جمادى الأولى ، وفي عام مولده في جمادى الثانية ، فعلى ما ذكرنا تتم من عام مولده إلى خمسين سنّة من عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دورتان في الحادية والخمسين تبتدئ الدورة الثالثة من جمادى الثانية وتكون للشهر حجتان إلى أنّ ينتهي إلى الحادية والستين والثانية. والستين ، فيكون الحج فيهما في ذي القعدّة ويكون في حجة الوداع الحج في ذي الحجة فتكون مدة الحمل عشرة أشهر.

فأنّ قلت : على ما قررت من أنّ في كلّ دورة تتأخر سنّة ففي نصف الدورة تتأخر ستّة أشهر ومن ربيع الأوّل الّذي هو شهر المولد إلى جمادى الثانية الّتي هي شهر الحج نحو من ثلاثة أشهر فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟ قلت : تاريخ السنّة محسوبة من شهر الولادة فمن ربيع الأوّل من سنّة الولادة إلى مثله من سنّة ثلاث وستين تتم اثنان وستون ، ويكون السابع عشر منه ابتداء سنّة الثالث والستين وفي شهر العاشر من تلك السنّة أعني ذا الحجة وقع الحج الحادي والستون وتوفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل إتمام السنّة على ما ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوماً ، فصار عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثاً وستين إلّا تلك الأيام المعدودة.

وأمّا ما رواه سيّد بن طاوس في كتاب الإقبال نقلا من كتاب النبوّة للصدوق

١٧٧

عبد المطّلب وولدته في شعب أبي طالب في دار محمّد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدّار ؛وقد أخرجت الخيزرأنّ ذلك البيت فصيرته مسجدا

________________________________________________________

رضي الله عنهما ، أنّ الحمل بسيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة فيمكن أنّ يكون الحمل في أوّل سنّة وقع الحج في جمادى الثانية ومن سنّة الحمل إلى سنّة حجة الوداع أربع وستون سنّة ، وفي الخمسين تمام الدورتين وتبتدئ الثالثة من جمادى الثانية ، ويكون في حجة الوداع ، والّتي قبلها الحج في ذي الحجة ولا يخالف شيئاً إلّا ما مرّ عن مجاهد أنّ حجة الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدّة ، وقوله غير معتمد في مقابلة الخبر أنّ ثبت أنه رواه خبرا ، وتكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلّا يوما فيوافق ما هو المشهور في مدة حملهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند المخالفين.

وقوله : عند الجمرّة الوسطى أي في بيت كان قريبا منها ، وكان البيت لعبد الله أو موضع نزوله إذ كانت لأهل مكّة في منى منازل وبيوت ينزلونه في الموسم ، ويحتمل أنّ يكون المراد بالمنزل الخيمة المضروبة له هناك ، وقال بعض الأفاضل في دفع الإشكال المتقدَّم : التشريق الخروج إلى ناحية المشرق ، وكانت أشراف قريش يخرجون من مكّة مع أهاليهم في الصيف إلى الطائف ، وهو في ناحية المشرق وكانوا يسمون تلك الأيام أيام التشريق وينزلون منى في بعض تلك الأيام ، والقرينة على أنه ليس المراد بأيام التشريق ما في موسم الحج أنّ المكان الّذي هو عند الجمرّة الوسطى لا يخلو في موسم الحج.« وكانت » أي حين إقامتها بمكّة ، ولو كان المراد حين كونها في منى لم يحتج إلى زيادة لفظ : وكانت ، انتهى.

ولا يخفى غرابته ولا أدري من أين أخذرحمه‌الله هذا الاصطلاح لأيام التشريق ، وأي مناسبة لمني مع الطائف.

والشعب بالكسر : ما انفرج بين جبلين ، وشعب أبي طالب معروف بمكّة وهو

١٧٨

يصلّي الناس فيه وبقي بمكّة بعد مبعثه ثلاث عشرة سنّة ثمّ هاجر إلى المدينة ومكث بها عشر سنين ،ثمّ قبضعليه‌السلام لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الإثنين

________________________________________________________

الموضع الّذي كان فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو طالب وسائر بني هاشم فيه عند إخراج قريش إيّاهم من بينهم ، وكتب الكتاب بينهم في مهاجرتهم ومعاندتهم.

قوله : في دار محمّد بن يوسف ، المشهور في السير أنّ هذه الدار كانت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالميراث ، ووهبها عقيل بن أبي طالب ثمّ باعها أولاد عقيل بعد أبيهم محمّد بن يوسف أخا الحجّاج فاشتهرت بدار محمّد بن يوسف فأدخلها محمّد في قصره الّذي يسمونه بالبيضاء ثمّ بعد انقضاء دولة بني أمية حجت خيزران أم الهادي والرشيد من خلفاء بني العبّاس فأفزرها عن القصر وجعلها مسجداً ، والقصوى مؤنث أقصى أي الأبعد ، والمكان بهذا الوصف موجود الأنّ يزوره الناس.

وأمّا إقامتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة بعد البعثة فالمشهور أنه ثلاثة عشرة سنّة كما ذكره المصنف ، وقيل : خمس عشرة سنّة ، وقيل : ثمأنّ سنين وهما متروكان ، ولا خلاف في أنّ مدة إقامتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة كانت عشر سنين.

وأمّا ما ذكره من يوم وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد بناه على ما هو المشهور بين المخالفين أيضاً ، والمشهور بيننا ما ذكره الشيخ في التهذيب وغيره في كتبهم أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبض مسموماً يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنّة عشر من الهجرة ، والأصوب أنّ وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت سنّة إحدى عشرة من الهجرة ليتمّ عشر سنين منها كما ذكره المسعودي وغيره ، لكن لـمّا ذكره الشيخ أيضاً وجه ، إذ لو حوسب التاريخ من المحرم الّذي هو مبدء التواريخ بعد الهجرة ، فالوفاة في الحادية عشرة ، وأنّ حوسب من وقت الهجرة فالوفاة قبل تمام العشرة على المشهور ، وعنده على قول الكليني ، قال في جامع الأصول : مات سنّة إحدى عشرة ، فقيل : كان يوم الاثنين مستهل ربيع الأوّل ، وقيل : لليلتين خلتا ، وقيل : لاثنتي عشرة وهو الأكثر ، انتهى.

وقال صاحب كشف الغمة من تاريخ أحمد بن أحمد الخشاب عن أبي جعفر الباقر

١٧٩

________________________________________________________

عليه‌السلام قال قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنّة في سنّة عشر من الهجرة ، فكان مقامه بمكّة أربعين سنّة ، ثمّ نزل عليه الوحي في تمام أربعين ، وكان بمكّة ثلاث عشرة سنّة ، ثمّ هاجر إلى المدينة وهو ابن ثلاث وخمسين سنّة ، فأقام بالمدينة عشر سنين ، وقبضعليه‌السلام في شهر ربيع الأوّل يوم الاثنين لليلتين خلتا منه ، وروي لثماني عشرة ليلة منه ، رواه البغوي ، وقيل : لعشر خلون منه ، وقيل : لثمان بقين رواه ابن الجوزي والحافظ أبو محمّد بن حزم وقيل : لثمان خلون من ربيع الأوّل ، انتهى.

واعلم أنّ الّذي يدلّ على صحّة ما ذهب إليه الكلينيقدس‌سره من تاريخ الولادة هو أنه من أوّل ربيع الأوّل الّذي ولد فيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أوّل ربيع الأوّل الّذي هاجر فيه إلى المدينة ثلاث وخمسون سنّة تأمّة قمرية ، لأنّ مدة مكثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها بعد الهجرة كانت عشر سنين كما عرفت ، ومدة حياته ثلاث وستين سنّة أو أقل منها بعشرين يوما ، على رواية أنه ولد في السابع عشر من ربيع الأوّل ، وقبض في آخر صفر ولا اختلاف في ولادته باعتبار الشهر بين الشيعة ، فمن أوّل المحرم المقدم على ميلاده الشريف الّذي هو رأس سنّة عام الفيل إلى أوّل المحرم المقدم على هجرته الّذي هو مبدء التاريخ الهجري أيضاً ثلاث وخمسون سنّة تأمّة قمرية ، فلـمّا ضربنا عدد السنين التأمّة القمرية المذكورة في ثلاثمائة وأربعة وخمسين عدد أيام سنّة تأمّة قمرية وحصلنا الكبائس وزدناها عليها على القانون المقرر عندهم ، حصل ثمانية عشر آلاف وسبعمائة وأحد وثمانون وكان أوّل محرم سنّة هجرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخميس بالأمر الأوسط كما ذكروه في الزيجات ، وعليه مدار عملهم.

قال العلامة الرازي وأولها وهو أوّل المحرم يوم الخميس بالأمر الأوسط وقول أهل الحديث يوم الجمعة بالرؤية وحساب الاجتماعات نعمل عليه ، وأرخ منهما في مستأنف الزمان ، انتهى.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380