مرآة العقول الجزء ٥

مرآة العقول5%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 380

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 380 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 5596 / تحميل: 5158
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

برغم المنافقين ، وغيظ الكافرين وكره الحاسدين وصغر الفاسقين.

فقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ،

________________________________________________________

على العدو ، وأضرع فلاناً أذلّه.

وأقول : المعنى أنّه متى قدرت على نهي المنكر وإعلاء الدين لم تذلل لأحد ولم تخضع لمنافق ، بل بذلت جهدك في إقأمّة الحقّ ما قدرت عليه ، أو المعنى - لا سيّما على الوجه الأوّل في الفقرة السابقة - لم يكن تركك للخلافة والجهاد في إقامتها ضراعة وتذللا ، بل كان لا طاعة أمر الله ورسوله ، والأوّل أظهر.

« برغم المنافقين » يقال : أرغم الله أنفه أي ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ثمّ شاع استعماله في الذل والعجز ، والظرف في موضع النصب على أنه حال من فاعل تضرع أو كنت ، وقيل : لعلّ المراد بالمنافقين من وافقه من أصحابه ظاهراً لا باطنا ، فان كثيراً من أصحابه كانوا على صفة النفاق ، وبالكافرين من خالفه وقاتله كمعاوية وأضرابه ، والحاسدين الخلفاء الماضين وبالفاسقين أتباعهم ، مع احتمال أنّ يراد بالجميع من خالفه ظاهراً أو باطناً أو فيهما قاتله أم لا ، والتكرار باعتبار تعدد صفاتهم أعني النفاق والكفر والحسد والفسق ، فان كلّ من خالفه بنحو من الأنحاء فهو متصف بهذه الصفات ، وفي القاموس : الصغر كعنب خلاف العظم ، والصاغر الراضي بالذل وقد صغر ككرم صغرا كعنب وصغارا وصغارة بفتحها ، وأصغره : جعله صاغرا ، وفي إكمال الدين : وضغن الفاسقين.

« فقمت بالأمر » أي بأمر الخلافة بعد قتل عثمان أو بالنهي عن المنكر في أيامه أو بأمور الدين في جميع الأزمان ، وفي القاموس فشل كفرح فهو فشل : كسل وضعف وتراخى وجبن ، انتهى.

« ونطقت » أي في حلّ المشكلات وجواب السؤالات « حين تتعتعوا » من باب التفعلل أي عجزوا عن الكلام ، وفي نهج البلاغة : تعتعوا بتاء واحدة في الأوّل ، وفي القاموس التعتعة في الكلام : التردد فيه من حصر أو عي.

٣٠١

فاتّبعوك فهدوا ، وكنت أخفضهم صوتا وأعلاهم قنوتا وأقلهم كلاما وأصوبهم نطقا

________________________________________________________

« ومضيت بنور الله » أي جريت في سبيل الحقّ بما أعطاك الله من العلم ، وعملت بما ينبغي في جهاد الأعداء وغيره إذ وقف غيرك عن سلوك سبيل الحقّ لجهله « فاتبعوك فهدوا » أي كلّ من اهتدى فإنّما اهتدى بمتابعتك ، وفي الإكمال : ولو اتبعوك لهدوا ، وهو أظهر « وكنت أخفضهم صوتاً » لعلّ خفض الصوت كناية عن التواضع ونفي الكبر والإعجاب ، أو ربط الجأش وثبات القلب لأنّ رفع الصوت في المخاوف من الجبن والفزع ، وقيل : المراد خفض الصوت عند الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وأعلاهم قنوتاً » القنوت يطلق على الطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والسكوت ، والأكثر مناسب ، وفي الإكمال والنهج وأعلاهم فوتا ، وهو أنسب ، والفوت السبق إلى الشيء من دون ائتمار واستشارة ، ومنه قولهم : فلان لا يفتات عليه ، أي لا يعمل شيء دون أمره ، والغرض نفي الاحتياج إلى الغير في استعلام الحق.

« وأقلهم كلاماً » أي كانعليه‌السلام لا يتكلم إلّا عند الحاجة « وأصوبهم نطقاً » وفي الإكمال منطقاً « وأكبرهم رأياً » أي كان رأيه في الأمور أعظم وأحزم من آراء غيره وفي بعض النسخ أكثر بالمثلثة ، فالمراد بالرأي الصواب منه « وأشدّهم يقيناً » هذه الفقرة مكرّرة ولعلّه من الرواة ، أو المراد بالأوّل اليقين بالله ورسوله لاقترانه بالإيمان وبما هنا اليقين بالقضاء والقدر وتورطه في المخاطرات والمجاهدات ليقينه بالقضاء والقدر أو بالمثوبات الأخرويّة كما سيأتي في باب اليقين أنهعليه‌السلام جلس تحت حائط مائل يقضي بين الناس ، فلـمّا قيل له في ذلك ، قال : حرس امرءاً أجله(١) وقال الصادق

__________________

(١) قال الشارح (ره) في البحار : « امرءا » مفعول حرس ، و « أجله » فاعله وهذا ممّا استعمل فيه النكرة في سياق الإثبات للعموم ، أي حرس كلّ امرىء أجله ؛ كقوله : أنجز حرما وعده ؛ ويؤيّده ما في النهج انه قالعليه‌السلام كفى بالاجل حارساً.

ومن العجب ما ذكره بعض الشارحين : أنّ امرء مرفوع على الفاعلية وأجله منصوب على المفعولية والعكس محتمل ؛ والمقصود الإنكار لأنّ أجل المرء ليس بيده حتّى يحرسه ؛ انتهى ، ثمّ قال (ره) : ويشكلّ هذا بأنّه يدلّ على جواز إلقاء النفس إلى التهلكة وعدم وجوب =

٣٠٢

وأكبرهم رأياً ، وأشجعهم قلباً ، وأشدهم يقيناً وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالأمور.

كنت والله يعسوباً للدين أولا وآخرا الأوّل حين تفرَّق الناس ، والآخر حين فشلوا كنت للمؤمنين أباً رحيماً ، إذ صاروا عليك عيالاً فحملت أثقال ما عنه ضعفوا وحفظت ما أضاعوا ورعيت ما أهملوا وشمّرت إذ [ ا ] اجتمعوا ، وعلوت

________________________________________________________

عليه‌السلام هذا اليقين ، وأنّه كان من يقينه أنه يخرج مع وفور أعدائه في الليالي وحده ، ومنع قنبراً من اتباعه وأمثال ذلك ، وهويناسب قوله : « أشجعهم قلباً ».

« وأعرفهم بالأمور » أي من الشرائع والتدابير الحقّة والحوادث الماضية والآتية والمعارف الإلهية ، في القاموس اليعسوب أمير النحلّ وذكرها ، والرئيس الكبير « أوّلا وآخراً » الظاهر إنّهما بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالأوّل حين تفرق الناس عنه واتبعوا الثلاثة والآخر بعد مقتل عثمان ، أو أوّلاً وآخرا في زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً فإنه آمن أولا حين نفر الناس ، ونصر آخراً حين فشلوا عن الجهاد وفروا ، أو الأوّل في زمن الرسول والآخر بعده ، ولعلّ الأوّل أظهر « كنت للمؤمنين أبا رحيماً » أي كالأب الرحيم في الشفقة وهو الوالد العقلاني فان الحياة الحقيقية بالإيمان والعلم كان بسببه ، كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ أنا وأنت أبوا هذه الأمة.

والعيال بالكسر جميع عيل كجياد وجيد ، وعال عيالة أقاتهم وأنفق عليهم والناس كلهم عيال الإمام من جهة الغذاء الجسماني والروحاني كما مرّ أنه يميرهم العلم « إذ صاروا » أي لأنّهم صاروا أو حين صاروا من ابتداء إمامته « فحملت أثقال ما عنه ضعفوا » بقتل من عجزوا عن مبارزته ، وبتعليم ما عجزوا عن إدراكه ، وبإنفاق ما عجزوا عن تحصيله من المعونات ، وحفظ كتاب الله وأحكام الشريعة وقد ضعفوا من حفظها « وحفظت ما أضاعوا » من أمور الدين وكتاب الله وسنّة سيّد المرسلين « ورعيت ما أهملوا » من الشرائع والأحكام ، وفي مجالس الصدوق « ووعيت » أي حفظت.

__________________

= الفرار عما يظن عنده الهلاك ؛ والمشهور عند الأصحاب خلافه؟ وأجاب عنه بوجوه كثيرة طويلة الذيل ومن أراد الوقوف عليها فليراجع ج ٧٠ ( الطبعة الحديثة ) ص ١٤٩ - ١٥٢. ولعلها يأتي عند شرح الحديث في الكتاب أيضاً فانتظر.

٣٠٣

إذ هلعوا ، وصبرت إذ أسرعوا ، وأدركت أوتار ما طلبوا ونالوا بك ما لم يحتسبوا.

كنت على الكافرين عذاباً صبّاً ونهباً ، وللمؤمنين عمداً وحصناً ، فطرت والله

________________________________________________________

« وشمرت إذا اجتمعوا » أي تهيأت وعزمت إذا اجتمعوا لأمر من أمور الدين ، في القاموس شمرّ وانشمر وتشمرّ مرّ جادّاً أو مختالا وتشمرّ للأمر تهيّأ ، وفي بعض النسخ إذ جشعوا بالجيم والجشع أشد الحرص ، وفي بعضها خشعوا أي خضعوا وذلوا « وعلوت » أي ارتفعت في تحصيل المكارم والغلبة على الأعداء « إذ هلعوا » والهلع أفحش الجزع « وصبرت إذ أسرعوا » أي في الأمور من غير روية ، وفي المجالس : إذا شرعوا في الباطل ، وفي الإكمال : إذ جزعوا وهو أظهر.

« وأدركت أوتار ما طلبوا » أي أدركت الجنايات الّتي وقعت من الكفار عليّ المسلمين فانتقمت منهم كالكفار الذين قتلهم في حياة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمنافقين الذين قتلهم بعد وفاته بسبب جنايات وقعت منهم على المؤمنين ، قال في النهاية : الوتر الجناية الّتي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي ، ومنه الحديث : ولا تقلدوها الأوتار ، أي لا تطلبوا على الخيل الأوتار الّتي وترتم بها في الجاهلية ، ومنه حديث عليّعليه‌السلام فأدركت أوتار ما طلبوا ، وفي الإكمال وأدركت إذ تخلفوا.

« ونالوا بك » من الخيرات والبركات « ما لم يحتسبوا » أي لم يظنوا ولم يتوقعوا « كنت للكافرين عذاباً صباً » أي مصبوباً بكثرة شبهه بالمطر الغريز الوابل ، فالمصدر بمعنى المفعول ، وفي قوله : نهبا ، بمعنى الفاعل ، يقال : نهب الشيء ينهبه نهبا إذا أخذه وسلبه قهراً ، إشارة إلى شوكته وغلبته على الكافرين « وللمؤمنين عمداً وحصناً » قال الجوهري : العمود البيت ، وجمع القلة أعمدة وجمع الكثرة عَمَد وعُمُد انتهى.

وقيل : إنّما جمَع العمد وأفرد الحصن لافتقار البناء غالباً إلى الأعمدة ، فهوعليه‌السلام قائم مقام الجميع بخلاف الحصن فإنّه يكفي الواحد الحصين ، وفي الإكمال غيثاً وخصباً ولعلّه أنسب ، والخصب بالكسر : كثرة العشب ورفاعة العيش كذا في

٣٠٤

بنعمائها وفزت بحبائها ، وأحرزت سوابغها وذهبت بفضائلها ، لم تفلل حجّتك ، ولم

________________________________________________________

القاموس.

« فطرت » النسخ هنا مختلفة ففي أكثر نسخ الكتاب فطرت والله بغمائها ، ويحتمل وجهين « الأوّل » أنّ يكون الفاء للعطف وطرت بالكسر من الطيران ، أي أعالي الدرجات بسبب غمّائها أو متلبّساً بها ، أو طرت إلى الآخرة متلبّساً بغمومها ، والضمير للخلافة أو الأمّة أو المعيشة ، والغماء بفتح الغين المعجمة وتشديد الميم والمد الكرب والداهية ، وفي بعض النسخ بنعمائها أي بنعمتها ، وهو مفرد ويجري فيه الوجوه المتقدمة كلها.

الثاني : أنّ يكون فطرت بصيغة المجهول من الفطرة أي خلقت متلبّساً بالغم والمصيبة أو بالنعمّ الجليلة العظيمة كناية عن استمرار إحدى الحالتين له من أوّل عمره إلى آخر دهره.

قال بعض شراح العامّة فطرت بصيغة المجهول بمعنى الخلقة ، وبصيغة المعلوم بمعنى الطيران ، وقرأ فطرت على المجهول وتشديد الطاء يقال : فطرت الصائم إذا أعطيته الفطور ، انتهى.

وفي نهج البلاغة فطرت والله بعنانها واستبددت برهانها فالطيران بالعنان كناية عن السبق المعنوي والضميران في عنانها ورهانها راجعان إلى الفضيلة المدلول عليها بالمقام ، والظاهر أنّ الظرف متعلّق بمحذوف أي طرت ممسكا بعنانها ، وفي الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله كلـمّا سمع هيعة طار إليها ، والاستبداد بالشيء الانفراد به ، والرهان بالكسر المسابقة على الخيل ، وكان المراد هنا ما يرهن ويستبق عليه أو الاستبداد بالرهان كناية عن الانفراد بأخذ الخطر ، وفي الإكمال : فطرت والله بعنانها وفزت بجنانها ، وهنا « بحبائها » والفوز الظفر بالمطلوب ، والحباء بالكسر العطاء أي فزت بحبوات الله وعطإيّاه الفائضة على هذه الأمّة ، أو بحباء الخلافة أو الفضيلة كما مرّ « وأحرزت سوابقها » وفي القاموس أحرز الأجر حازه وقال : له

٣٠٥

يزغ قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ولم تخرَّ

كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف ، وكنت كما قال : ءامن النّاس في صحبتك وذات

________________________________________________________

سابقه في هذا الأمر أي سبق الناس إليه ، انتهى.

وقيل : السوابق الخيل الّتي لا بدّ من تقديمها ، والسبق إليها في الخلافة والفضيلة ما يوجب الفضل والذّهاب بها أخذها والاتصاف بها منفردا ، أو ذهبت بها إلى الآخرة « لم تفلل حجتك » على بناء المجهول من المجرد أو بناء المعلوم من باب التفعل بحذف إحدى التائين في القاموس فله وفلله ثلمة فتفلل وانفل وافتل والقوم هزمهم فانفلوا أو تفللوا وسيف فليل ومفلول : منثلم ، انتهى.

شبهعليه‌السلام الحجة على الامامة وسائر الأمور الحقّة بالسيف القاطع ، وأثبت لها الفلول « ولم يزغ » من باب ضرب أي لم يمل إلى الباطل « ولم تضعف » من باب حسن وكذا لم تجبن « ولم تخر » من الخرور وهو السقوط من علو إلى سفل أو مطلقا والفعل من باب ضرب ونصر ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة من الحيرة ، وفي الإكمال والمجالس وبعض نسخ الكتاب : ولم تخن ، من الخيانة وهو أظهر.

« وكنت كالجبل لا تحركه العواصف » وفي النهج كالجبل لا تحركه القواصف ، وفي الإكمال لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف ، والقواصف الرياح الشديدة الّتي تكسر السفن ونحوها ، أو شديدة الصوت كالرعد ، والريح العاصف العاصفة الشديدة ، شبههعليه‌السلام في قوة الإيمان وشدة اليقين وكمال العزم في أمور الدين وعدم تزلزله فيها بالشكوك والشبهات والأغراض والشهوات بالجبل حيث لا تحركه الرياح الشديدة.

« وكنت كما قال » أي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنك « آمن الناس » آمن أفعل التفضيل مأخوذ من الأمانة ضد الخيانة « في صحبتك و » في « ذات يدك » أي كنت أكثر الناس أمانة في مصاحبتك بحيث لا تغش فيها أصلا ، وفي الأموال الّتي بيدك من بيت المال وغيره أو الأعمّ منها ومن العلوم والمعارف الّتي خصه الله بها ، وقيل : في للتعليل والمراد بالصحبّة ملازمته للرسول في الخلوات لتعلم الأحكام وبذات يده ما معه من العلوم

٣٠٦

يدك ، وكنت كما قال: ضعيفاً في بدنك قوياً في أمر الله متواضعاً في نفسك عظيما عند الله كبيراً في الأرض جليلاً عند المؤمنين لم يكن لأحد فيك مهمزٌ ولا لقائل فيك مغمز [ ولا لأحد فيك مطمع ] ولا لأحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتّى تأخذ له بحقّه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتّى تأخذ منه الحقّ والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء شأنك الحقّ والصدق والرفق وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم فيما فعلت وقد نهج السبيل وسهل العسير - وأطفئت

________________________________________________________

والمعارف ولا يخفى بعده « ضعيفاً في بدنك » أي كانوا يرونك ضعيفاً بحسب الجسم والبدن أو كنت في أمر رعاية بدنك وتربيتها ضعيفا ، وفي إقامة دين الله والجهاد في سبيله قوياً « متواضعاً في نفسك » أي عند نفسك متذللا متواضعا.

« لم يكن لأحد فيك مهمز » المهمز والمغمز مصدران أو أسماء مكان من الهمز والغمز وهما بمعنى ، أو الهمز الغيبة والوقيعة في الناس وذكر عيوبهم ، والغمز : الإشارة بالعين خاصة أو بالعين والحاجب واليد ، وفي فلان مغمز أي مطعن ، والهماز والهمزة العياب والنفي لظهور الفساد ، والمطمع أيضاً مصدر أو اسم مكان ، أي لم يكن أحد يطمع منك أنّ تميل إلى جانبه بغير حقّ أو لا تطمع في مال أحد والأوّل أظهر.

وقال في النهاية : فيه لا يأخذه في الله هوادة ، أي لا يسكن عند وجوب حد لله ولا يحابي فيه أحداً ، والهوادة : السكون والرخصة والمحاباة ، انتهى.

« الضعيف الذليل » أي عند الناس وهو استئناف لبيان نفي الهوادة « حتّى تأخذ » تعليل أو غاية للقوة والعزة إذ بعد ذلك هو وسائر الناس عنده سواء « قولك حكم » أي حكمة أو محكم ومتقن ، والحزم ضبط الأمر والأخذ فيه بالثقة « ورأيك علم » أي مبني على العلم لا الظن والتخمين « وعزم » أي تعزم عليه لابتنائه على اليقين « فيما عملت» (١) أي رأيك كذلك في كلّ ما فعلت ، وفي الإكمال والمجالس « فأقلعت وقد نهج السبيل » وهو الصواب ، أي فمضيت وذهبت عنا وقد وضح سبيل الحقّ ببيانك ،

__________________

(١) وفي المتن « في ما فعلت ».

٣٠٧

النيران ، واعتدل بك الدين ، وقوي بك الإسلام ، فظَهَرَ أمر اللهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، وثبت بك الإسلام والمؤمنون وسبقت سبقاً بعيداً وأتعبت من بعدك تعباً شديداً فجللت عن البكاءِ ، وعظمت رزيّتك في السّماء ، وهدَّت مصيبتك الأنام ، فإِنَّا لِلَّهِ

________________________________________________________

قال الجوهري : الإقلاع عن الأمر الكف عنه يقال : أقلع عمّا كان عليه وأقلعت عنه الحمى ، ويقال : هم على قلعة أي على رحلة ، وفي القاموس : نهج كمنع وضح وأوضح ، والطريق : سلكه ، وسهل كحسن ، أو مجهول باب التفعيل.

« وأطفئت النيران » أي نيران قتال المشركين والخوارج « واعتدل » أي استقام « بك » أي بسيفك وبيانك « الدين » و « سبقت » أي في الفضائل والكمالات « سبقاً بعيداً » لا يمكن لأحد الوصول إليك فيها ، أو سبقت بمضيك إلى الآخرة سبقاً بعيداً لا يوصل إليك إلّا في القيامة أو الرجعة « وأتعبت من بعدك » أي بمصيبتك أو بأنّهم يسعون لأنّ يصلوا إلى ما وصلت إليه من الكمالات فلا يمكنهم « فجللت عن البكاء » أي أنت أجل من أنّ تتدارك مصيبتك بالبكاء ، بل قتل الأنفس أيضاً قليل في ذلك.

والرزيئة بالهمز وقد تقلب ياءا : المصيبة ، والهد : الهدم الشديد.

« فإِنَّا لِلَّهِ » أي فنصير ونقول هذا الكلام وهي كلمة أثنى الله تعالى على قائلها عند المصائب لدلالتها على الرضا بقضائه والتسليم لأمره ، فمعنى «إِنَّا لِلَّهِ » إقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله وملكه ، فله التصرف فينا بالموت والحياة والمرض والصحّة والمالك على الإطلاق أعلم بصلاح مملوكه واعتراض المملوك عليه جرأة وسفاهة «وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » إقرار بالبعث والنشور ، وتسلية للنفس بأنّ الله تعالى عند رجوعنا إليه يثيبنا على ما أصابنا من المكاره والآلام أحسن الثواب كما وعدنا ، وينتقم لنا ممّن ظلمنا ، وفيه تسلية من جهة أخرى وهي أنه إذا كان رجوعنا جميعاً إلى الله وإلى ثوابه فلا بأس بافتراقنا بالموت ، ولا ضرر على الميت أيضاً لأنه انتقل من دار إلى دار أخرى أحسن من الأولى ، ورجع إلى رب كريم هو رب الآخرة والدنيا.

٣٠٨

وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، رضينا عن الله قضاه وسلمنا لله أمره فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً.

كنت للمؤمنين كهفاً وحصناً وقنة راسيا وعلى الكافرين غلظة وغيظاً فألحقك الله بنبيّه ولا أحرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك وسكت القوم حتّى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ طلبوه فلم يصادفوه.

٥ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال قال كنت أنا وعأمر وعبد الله بن جذاعة الأزديّ عند أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : فقال له عامر : جعلت فداك إنَّ الناس يزعمون أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام دُفن بالرحبة

________________________________________________________

« لن يصاب » أي في المستقبل لأنه كان أفضل ممّن بعده إلى يوم القيامة ، ولا ينافي كون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل منه وكون مصيبته أشد من مصيبته ، وفي القاموس الكهف كالبيت المنقور في الجبل ، والوزر والملجا ، وقال : القنة بالضمّ : الجبل الصغير وقلة الجبل ، والمنفرد والمستطيل في السماء ، ولا يكون إلّا أسود ، أو الجبل السهل المستوي المستنبط على الأرض ، والراسي : الثابت ، وقيل : هو تميز مثل : لله درة ، أو نعت قنة ، وترك التأنيث في مثله جائز ، قال الجوهري : قوله تعالى «أنّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ »(١) ولم يقل قريبة لأنه أراد بالرحمة الإحسّان ولأنّ ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره ، انتهى.

ويجوز كون ما بعد الياء ألفا ممدودة للتأنيث كنافقاء ، وليست هذه الفقرة في الإكمال « وغيظا» أي موجباً لغيظهم « فألحقك الله » جملة دعائية « وبكى » ثانياً على المجرد ورفع « أصحاب » أو على التفعيل ونصب أصحاب ، وفي الإكمال : وأبكي على بناء الأفعال.

الحديث الخامس : صحيح.

وفي القاموس : الرحبّة بالفتح محلة بالكوفة ، وفي الصحاح : رحبّة المسجد ساحته

__________________

(١) سورة الأعراف : ٥٦.

٣٠٩

قال : لا ، قال : فأين دفن ؟ قال إنه لـمّا مات احتمله الحسنعليه‌السلام فأتى به ظهر الكوفة قريباً من النجف يسرة عن الغريّ يمنة عن الحيرة ، فدفنه بين ركوات بيض ،

________________________________________________________

وفي المصباح : الرحبّة البقعة المتسعة بين أفنية القوم ، وكان المراد هنا ميدان الكوفة أو ساحة مسجدها ، وفي القاموس :النجف محركة - وبهاء - مكان لا يعلوه الماء ، مستطيل منقاد ، ويكون في بطن الوادي ، وقد يكون ببطن من الأرض أو هي أرض مستديرة مشرفة على ما حولها ، والنجف محركة التل - وبهاء - موضع بين البصرة والبحرين ، ومسناة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل أنّ يعلو مقابرها ومنازلها ، انتهى.

وفي معجم البلدان : النجف بالتحريك بظهر الكوفة كالمسناة يمنع سيل الماء أنّ يعلو الكوفة ومقابرها ، وبالقرب من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

وقال الجوهري : الغريان هما طربالآن يقال هما قبر مالك وعقيل نديمي جذيمة الأبرش ، وسميا غريين لأنّ النعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج يوم بؤسه ، وفي المغرب : الحيرة بالكسر مدينة كان يسكنها النعمان بن المنذر ، وهي على رأس ميل من الكوفة.

قولهعليه‌السلام : بين ذكوات ، كذا في أكثر نسخ الحديث ، ولعله أراد التلال الصغيرة الّتي كانت محيطة بقبره صلوات الله عليه شبهها - لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها ، لاشتمالها على الحصيات البيض والدراري - بالجمرّة الملتهبة إذ الذكوة هي الجمرّة الملتهبة كما ذكره اللغويون ، ويحتمل على بعد أنّ يكون المراد بالذكوات تلك الحصيات ، وقيل : أنّ أصله ذكاوات جمع ذكاء بمعنى التل الصغير ، ورأيت في بعض نسخ فرحة الغري الركوات جمع ركوة وهي الحوض الكبير ، فالمراد به الحياض الّتي كان يجمع فيها الماء حول قبره صلوات الله عليه.

واعلم أنّ سبب هذا السؤال أنه نشأ اختلاف في أوّل الأمر في موضع قبره الشريف لأنهعليه‌السلام أوصى بإخفاء دفنه خوفاً من الخوارج لئلا ينبشوا قبرهعليه‌السلام

٣١٠

قال : فلـمّا كان بعد ذهبت إلى الموضع ، فتوهّمت موضعاً منه ، ثمَّ أتيته فأخبرته

________________________________________________________

فدفنه الحسنان وخواصّ أقاربه ليلاً ، فذهب جماعة من المخالفين إلى أنه دفن في رحبّة الكوفة ، وبعضهم إلى أنه دفن في المسجد ، وقيل : دفن في قصر الإمارة ، وقيل : دفن في بيته ، وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ ، ثمّ أئمتناعليهم‌السلام عرفوا موضع قبره بعض خواص الشيعة فاجتمعت الشيعة وتواترت رواياتهم على أنه مدفون في الغري في الموضع المعروف عند الخاصّ والعامّ ، وارتفع الخلاف ، وقد كتب السيّد النقيب الجليل عبد الكريم بن أحمد بن طاوس كتاباً في تعيين موضع قبرهعليه‌السلام ورد أقوال المخالفين في ذلك سماه فرحة الغري وأورد فيه أخباراً كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير.

وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : وروى أبو الفرج الأصفهاني بإسناده عن الأسود الكندي والأجلح قالاً : توفي عليّعليه‌السلام وهو ابن أربع وستين سنّة ، وفي عام أربعين من الهجرة ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضأنّ ، وولي غسله ابنه الحسن فكبر عليه خمس تكبيرات ، ودفن بالرحبّة ممّا يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح ، هذه رواية أبي مخنف ، قال أبو الفرج : وحدثني أحمد بن سعيد بإسناده عن الحسن بن عليّ الحلال عن جده قال : قلت للحسين بن عليّعليه‌السلام : أين دفنتم أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ قال : خرجنا به ليلاً من منزله حتّى مررنا به على منزل الأشعث ، حتّى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغري.

قال ابن أبي الحديد : وهذه الرواية هي الحقّ وعليها العمل ، وقد قلنا فيما تقدم : أنّ أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب ، وهذا القبر الّذي بالغري ، هو الّذي كان بنو عليّ يزورونه قديماً وحديثاً ، ويقولون : هذا قبر أبينا لا يشك أحد في ذلك من الشيعة ولا من غيرهم أعني بني عليّ من ظهر الحسن والحسين وغيرهما من سلالة المتقدمين منهم والمتأخرين ، ما زاروا ولا وقفوا إلّا على هذا القبر بعينه.

٣١١

فقال لي : أصبت رحمك الله - ثلاث مرّات -.

________________________________________________________

وروى أبو الفرج عليّ بن عبد الرحمن الجوزي عن أبي الغنائم قال : مات بالكوفة ثلاثمائة صحابي ليس قبر أحد منهم معروفاً إلّا قبر أمير المؤمنين ، وهو القبر الّذي يزوره الناس الآن.

جاء جعفر بن محمّد وأبوه محمّد بن عليّ بن الحسين فزاراه ، ولم يكن إذ ذاك قبر ظاهر ، وإنّما كان به شيوخ أيضاً حتّى جاء محمّد بن زيد الداعي صاحب الديلم فأظهر القبة ، انتهى.

وروي في فرحة الغري بإسناده عن محمّد بن الحسن الجعفري قال : وجدت في كتاب أبي وحدثتني أمي عن أمها أنّ جعفر بن محمّدعليه‌السلام حدثها أنّ أمير المؤمنين أمر ابنه الحسنعليه‌السلام أنّ يحفر له أربع قبور في أربعة مواضع ، في المسجد ، وفي الرحبّة ، وفي الغري وفي دار جعدّة بن هبيرة ، وإنّما أراد بهذا أنّ لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره.

وروي أيضاً بإسناده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفرعليه‌السلام بإسناد آخر عن أبي عبد الله الجدلي ، أنه أوصى أمير المؤمنين إلى الحسنعليه‌السلام فقال : يا بني إني ميت من ليلتي هذه ، فإذا أنا مت فغسلني وكفني وحنطني بحنوط جدك ، وضعني على سريري ولا يقربن أحد منكم مقدّم السرير فإنكم تكفونه ، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخّر وليتّبع المؤخر المقدّم حيث ذهب ، فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر ، ثمّ تقدم أي بني فصل عليّ فكبر سبعا فإنّها لن تحلّ لأحد من بعديّ إلّا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان ، يقيم اعوجاج الحقّ ، فإذا صليت فحطّ حول سريري ثمّ احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذا وكذا ، ثمّ شق لي لحداً فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها لي أبي نوحعليه‌السلام ، وضعني في الساجة ثمّ ضع عليّ سبع لبنات كبار ثمّ ارقب هنيئة ثمّ انظر فإنك لن تراني في لحدي.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال للحسن والحسينعليهما‌السلام : فإنّكما

٣١٢

٦ - أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي عمير ، عن القاسم بن محمّد ، عن عبد الله بن سنان قال أتاني عمر بن يزيد فقال لي اركب فركبت معه فمضينا حتّى أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا ثمّ مضينا حتّى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر فقال انزلوا هذا قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام فقلنا من أين علمت فقال أتيته مع أبي عبد اللهعليه‌السلام حيث كان بالحيرة غير مرّة وخبرني أنه قبره.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن عبد الله بن محمّد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن عيسى شلقان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام له خئولة في بني مخزوم وأنّ شاباً منهم أتاه فقال يا خالي أنّ أخي مات وقد حزنت

________________________________________________________

تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن محفوظ ، فألحداني وأشرجا عليّ اللبن وارفعا لبنة ممّا عند رأسي فانظراً ما تسمعان ، فأخذاً اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس في القبر شيء وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين كان عبدا صالحا فألحقّه الله بنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء حتّى لو أنّ نبيا مات في المشرق ومات وصيّه في المغرب الحقّ الله الوصي بالنبي.

وفي رواية أم كلثوم ثمّ أخذ الحسن المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانية : بسم الله الرَّحمن الرحيم هذا قبر قبره نوح النبيّعليه‌السلام لعليّ وصي محمّد قبل الطوفان بسبعمائة عام ، قالت أم كلثوم فانشق القبر فلا أدري أنبش سيدي في الأرض أم أسري به إلى السماء ، إذا سمعت ناطقا لنا بالتعزية : أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه.

وروي بإسناده عن محمّد بن السائب الكلبي قال : أخرج به ليلاً ، خرج به الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر في عدّة من أهل بيته ودفن ليلاً في ذلك الظهر ظهر الكوفة ، فقيل له : لم فعل به ذلك؟ قال : مخافة الخوارج وغيرهم.

الحديث السادس : ضعيف.

الحديث السابع : كالسابق.

وقيل : شلقان ، لقب معناه الضارب « له خؤولة » أي كانت إحدى خالاته منهم

٣١٣

عليه حزناً شديداً ، قال فقال له تشتهي أنّ تراه قال بلى قال فأرني قبره قال فخرج ومعه بردة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متزراً بها فلـمّا انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثمّ ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام ألم تمت وأنت رجل من العرب قال بلى ولكنّا متنا على سنّة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا

________________________________________________________

أو كان هوعليه‌السلام خالاً لبعضهم ، فيكون« في » بمعنى « مع » ويؤيّد الأخير ما روي أنّ أم هانئ أخت أمير المؤمنينعليه‌السلام كانت زوجة هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ ابن عمران بن مخزوم ، وعلى الأوّل الخئولة جمع الخال ، وعلى الثاني مصدر وكلاهما ورد في اللغة ، يقال : بيني وبينهم خولة ، ويقال : خال بين الخئولة « متزراً بها » أي شدّها على وسطه مكان الإزار ، أو التحف بها وليس « متزراً بها » في الخرائج وفيه : معه برد رسول الله السنجاب.

« تلملمت » في أكثر نسخ الكتاب بتقديم اللام على الميم أي انضمت شفتاه أو تحركت كناية عن التكلم ، يقال كتيبة ململمة وملمومة أي مجتمعة مضمومة بعضها إلى بعض ، ولملم الحجر : أداره والململم بفتح لاميه : المجتمع المدور المضموم ، وفي الخرائج وغيره من الكتب بتقديم الميم على اللام ، وفي بعضها بعكسها وهو أظهر ، قال في القاموس : تململ تقلب والململة السرعة وفي المصباح ركض الرجل ركضا من باب قتل : ضربه برجله وفي الخرائج : فخرج من قبره وهو يقول رميكا بلسان الفرس ، وروي أيضاً برواية أخرى عن الصادقعليه‌السلام قال : كان قوم من بني مخزوم لهم خئولة من عليّعليه‌السلام فأتاه شاب منهم يوما فقال : يا خال مات ترب لي(١) فحزنت عليه حزناً شديداً قال : فتحبّ أنّ تراه؟ قال : نعمّ ، فانطلق بنا إلى قبره فدعا الله وقال : قم يا فلان بإذن الله ، فإذا الميت جالس على رأس القبر وهو يقول : ونيه ونيه سالا ، معناه لبيك لبيك سيدنا ، فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما هذا اللسان؟ ألم تمت وأنت رجل من

__________________

(١) الترب : من ولد معك.

٣١٤

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد وعليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لـمّا قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام قام الحسن بن عليّعليه‌السلام في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال أيّها الناس إنّه قد قبض في هذه الليّلة رجلٌ ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون إنه كان لصاحب راية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل لا ينثني حتّى يفتح الله له والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلّا سبعمائة درهم فضّلت عن عطائه ، أراد أنّ يشتري بها خادماً لأهله والله لقد قبض في اللّيلة الّتي فيها قبض وصيُّ موسى يوشع بن نون واللّيلة الّتي عرج فيها بعيسى ابن مريم واللّيلة الّتي نزل فيها القرآن.

٩ - عليُّ بن محمّد رفعه قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : لـمّا غسّل أمير المؤمنين

________________________________________________________

العرب؟ قال : نعمّ ولكني مت على ولاية فلان وفلان فانقلب لساني إلى السنّة أهل النار.

الحديث الثامن صحيح.

« ما سبقه » أي في الفضل والعلم والكمالات ، والأولون الأنبياء السابقون وأوصياؤهم ، والآخرون من يأتي بعده من الأوصياء وغيرهم لأنهعليه‌السلام كان أفضل منهم فهم لا يدركونه في الفضل ، وفي رواية أخرى في مجالس الصدوق : والله لا يسبق أبى أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنّة ولا من يكون بعده.

« أنّ كان » أنّ مخففة « لا ينثني » أي لا ينعطف ولا يرجع ، والبيضاء الفضة والحمراء الذهب ، والخادم الجارية « أنزل فيها القران » أي إلى البيت المعمور ويدلّ على كون الحادية والعشرين ليلة القدر لقوله تعالى : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وسيأتي تحقيقه في كتاب الصوم إنشاء الله تعالى.

الحديث التاسع مرفوع.

٣١٥

عليه‌السلام نودوا من جانب البيت : إن أخذتم مقدَّم السرير كُفيتم مؤخّره ، وإن أخذتم مؤخّره كُفيتم مقدَّمه.

[ ١٠ - عبد الله بن جعفر وسعد بن عبد الله جميعاً ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ولدت فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد مبعث رسول الله بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشرة سنّة وخمسة وسبعون يوماً.]

١١ - سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن عبد الله بكير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سمعه يقول : لـمّا قبض أمير المؤمنينعليه‌السلام أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتّى

________________________________________________________

« نودوا » النداء من الملائكة وسماعه لا يدلّ علي النبوّة لعدم رؤية الشخص كما مرّ « كفيتم » على بناء المجهول أي تحمله الملائكة.

الحديث العاشر حسن.

وكأنّه كان من الباب الآتي فاشتبه على النساخ وكتبوه هنا ، وربمّا يتكلف بأنّ مناسبته للباب لأجل أنه يشتمل على أنّ الظلم لأمير المؤمنينعليه‌السلام واستقرار عصب حقّه إنّما كان لقرب وفاة فاطمة من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما روى البخاري في صحيحه في بحث غزوة خيبر ، وكان لعليّ من الناس وجه حياة فاطمة فلـمّا توفيت استنكر على وجوه الناس فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أنّ ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية محضر عمر بن الخطّاب ، فقال عمر لأبي بكر : والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : ما عسى هم أنّ يفعلوا.

ولا يخفى ما في هذا التوجيه من التعسف.

الحديث الحادي عشر مرسل كالموثق بل كالصحيح.

ولعلّ المراد بالرجلين الآخرين محمّد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر كما يظهر

٣١٦

إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن إيمانهم ثمّ أخذوا في الجبّانة حتّى مرّوا به إلى الغريّ فدفنوه وسوّوا قبره فانصرفوا.

( باب )

( مولد الزهراء فاطمة عليها‌السلام )

ولدت فاطمة عليها وعلى بعلها السلام بعد مبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس سنين

________________________________________________________

من بعض الأخبار ، وفي بعضها أنّ صعصعة بن صوحان كان معهم « وسوّوا قبره » أي جعلوه مستوياً بالأرض ولم يرفعوه ولم يجعلوا له علامة.

باب مولد الزهراء فاطمةعليها‌السلام

قوله (ره) « ولدت » إلى آخره ، هذا موافق لـمّا مرّ من رواية السجستاني واختلفت الخاصة والعامّة في تاريخ ولادتها ووفاتها وعمرها الشريف عليّ أقوال كثيرة قال الشيخ في المصباح : في يوم العشرين من جمادى الآخرة سنّة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمةعليها‌السلام في بعض الروايات وفي رواية أخرى سنّة خمس من المبعث ، والعامّة يروي أنّ مولدها قبل المبعث بخمس سنين ، وقال : في الثالث من جمادى الآخرة كانت وفاة فاطمةعليها‌السلام سنّة إحدى عشرة ، وقال أيضاً في اليوم الحادي والعشرين من رجب وفاة الطاهرة فاطمةعليها‌السلام في قول ابن عياش.

وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين : كان مولد فاطمةعليها‌السلام قبل النبوّة وقريش حينئذ تبني الكعبة ، وكان تزويج عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام إياها في صفر بعد مقدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ، وبنى بها بعد رجوعه من غزاة بدر ولها يومئذ ثماني عشرة سنّة ، حدثني بذلك الحسن بن عليّ بإسناده عن إسحاق بن عبد الله عن جعفر بن محمّد بن عليّعليهم‌السلام وكانت وفاة فاطمة صلوات الله عليها بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمدة يختلف في مبلغها فالمكثر يقول ثمانية أشهر ، والمقلل يقول : أربعين يوما إلّا أنّ الثبت في ذلك ما روي عن أبي جعفر محمّد بن عليّعليه‌السلام أنّها توفيت بعده بثلاثة أشهر ، حدثني بذلك الحسن بن عليّ عن الحارث عن ابن سعد عن الواقدي عن عمرو بن دينار عن أبي

٣١٧

وتوفّيتعليها‌السلام ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً وبقيت بعد أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً.

________________________________________________________

جعفرعليه‌السلام .

وروى الطبرسي في كتاب دلائل الامامة عن أبي المفضّل الشيباني عن محمّد بن همام عن أحمد بن محمّد البرقي عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن ابن أبي نجرأنّ عن ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ولدت فاطمةعليها‌السلام في جمادى الآخرة يوم العشرين منه سنّة خمس وأربعين من مولد النبيّ فأقامت بمكّة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وبعد أبيها خمساً وسبعين يوماً وقبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء الثلاث خلون منه سنّة إحدى عشرة من الهجرة صلوات الله عليها.

وقال في كشف الغمة : ذكر ابن الخشاب عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمّد بن عليّ قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة وأنزل عليه الوحي بخمس سنين ، وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنّة وخمسة وسبعين يوماً ، وفي رواية صدقة : ثمانية عشرة سنّة وشهر وخمسة عشر يوماً ، وكان عمرها مع أبيها بمكّة ثمان سنين وهاجرت إلى المدينة مع رسول اللهعليه‌السلام فأقامت معه عشر سنين ، وكان عمرها ثمان عشرة سنّة وشهر وعشرة أيام.

وقال ابن شهرآشوب في المناقب : قال الدولابي في كتاب الذريّة الطاهرة لبثت فاطمة بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أشهر وقال ابن شهاب : ستّة أشهر ، وقال الزهري : ستّة أشهر ، ومثله عن عائشة وعروة بن الزبير ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام خمساً وسبعين ليلة في سنّة عشر ، وقال ابن قتيبة في معارفه مائة يوم ، وقيل : ماتت في سنّة إحدى عشرة ليلة الثلاثاء لثلاث ليال من شهر رمضان ، وهي بنت تسع وعشرين سنّة أو نحوها ، وقيل : ولدت قبل النبوّة بخمس سنين ، انتهى.

وروي في كتاب مصباح الأنوار عن أبي جعفر عن آبائهعليهم‌السلام : أنّ فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاشت بعد النبيّ ستّة أشهر ما رئيت ضاحكة ، وقال الخوارزمي في مناقبه

٣١٨

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أنّ فاطمةعليها‌السلام مكثت بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزنٌ شديدٌ على أبيها وكان يأتيها جبرئيلعليه‌السلام فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها وكان عليَّعليه‌السلام يكتب ذلك.

________________________________________________________

قال محمّد بن إسحاق توفّيت ولها ثمان وعشرون سنّة ، وقيل : سبع وعشرون سنّة ، وفي رواية أنها ولدت عليّ رأس سنّة إحدى وأربعين من مولد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون سنها عليّ هذا ثلاثاً وعشرين ، والأكثر عليّ أنها كانت بنت تسع وعشرين أو ثلاثينعليها‌السلام وذكر وهب بن منبه عن ابن عباس أنها بقيت أربعين يوماً بعده ، وفي رواية ستّة أشهر انتهى.

وأقول : إذا عرفت هذه الأقوال فاعلم أنه يشكلّ التطبيق بين أكثر تواريخ ولادتها ووفاتها وبين مدة عمرها الشريف ، وكذا بين تواريخ الوفاة وبين ما ورد في الخبر واختاره المصنف من أنهاعليها‌السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً ، إذ لو كانت وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في الثامن والعشرين من صفر كان على هذا وفاتها في أواسط جمادى الأولى ، ولو كان في ثاني عشر ربيع الأوّل كما اختاره العامّة كان وفاتها في أواخر جمادى الأولى ، وما رواه أبو الفرج عن الباقرعليه‌السلام من كون مكثهاعليها‌السلام بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أشهر يمكن تطبيقه على ما هو المشهور من كون وفاتها في ثالث جمادى الآخرة بأنّ يكونعليه‌السلام أسقط الأيام الزائدة لقلتها كما هو الشائع في التواريخ والمحاسبات من إسقاط الأقل من النصف وعد الأكثر منه تاما ، والله يعلم.

الحديث الأول صحيح ، وقد مرّ مضمونه في باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ، وفي القاموس : العزاء : الصبر أو حسنة كالتعزوة ، عزي كرضى عزاءاً فهو عزَّ وعزاه يعزيه كيعزوه ، انتهى.

٣١٩

٢ - محمّد بن يحيى ، عن العمركيّ بن عليّ ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسنعليه‌السلام قال إنّ فاطمةعليها‌السلام صدّيقة شهيدة

________________________________________________________

الحديث الثاني صحيح.

والصدّيقة فعلية للمبالغة في الصدق والتصديق ، أي كانت كثيرة التصديق لـمّا جاء به أبوهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت صادقة في جميع أقوالها مصدّقة أقوالها بأفعالها ، وهي معنى العصمة ، ولا ريب في عصمتها صلوات الله عليها لدخولها في الذين نزلت فيهم آية التطهير بإجماع الخاصّة والعامّة والروايات المتواترة من الجانبين ، وأمّا دلالة الآية على العصمة فلان المراد بالإرادة في الآية إما الإرادة المستتبعة للفعل أعني إذهاب الرجس حتّى يكون الكلام في قوة أنّ يقال : إنّما أذهب الله عنكم الرجس أو الإرادة المحضة حتّى يكون المراد أمركم الله يا أهل البيت باجتناب المعاصي ، فعلى الأوّل ثبت المدعى وأمّا الثاني فباطل من وجوه :

الأوّل : أنّ كلمة إنّما تدل على التخصيص والإرادة المذكورة تعمّ سائر المكلفين حتّى الكفار لاشتراك الجميع في التكليف وقد قال سبحانه : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ »(١) فلا وجه للتخصيص بهمعليهم‌السلام .

الثاني : أنّ المقام يقتضي المدح والتشريف لمن نزلت الآية فيه ، حيث جللهم بالكساء ، ولم يدخل فيه غيرهم ، وخصصهم بدعائه فقال : اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحأمّتي ، وكذا التأكيد في الآية حيث أعاد التطهير بعد ذكر إذهاب الرجس ، والمصدر بعد الفعل منونا بتنوين التعظيم.

وقد أنصف الفخر الرازي في تفسيره حيث قال : في قوله تعالى : «لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَكُمْ » لطيفة هي أنّ الرجس قد يزول عينا ولا يطهر المحلّ فقوله : ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب «وَيُطَهِّرَكُمْ » أي يلبسكم خلع الكرامة انتهى.

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380