مرآة العقول الجزء ٦

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 289

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 289
المشاهدات: 3458
تحميل: 5326


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 289 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 3458 / تحميل: 5326
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 6

مؤلف:
العربية

فقلت له إني قد ضربت إليك من بلد بعيد تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا وأصبحت وأمسيت مؤيسا ألا أكون ظفرت بحاجتي فقال لي ما أرى أمك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر ولا أزعم إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سهره

فإن فرارهم في أكثر الحروب وعجزهم عن أكثر أمور الخلافة وشرائطها يلحقهم بالإناث كما قال عمر : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال.

وأما ظهر الآية فقالوا إنكار لقولهم : الملائكة بنات الله ، وهذه أصنام استوطنها جنيات هن بناته ، أو هياكل الملائكة ، ذكره البيضاوي.

ثم اعلم أنه قرأ بعضهم مثل بضمتين ، أي الأصنام وهو بعيد ، وقرأ بعضهم مثل بالكسر ، وقال : المراد أن الظهر والبطن جميعا لآل محمد في جميع الآيات مثل هذه الآية ، ولعله أبعد.

« تعرضت إليك » أي ارتكبت متوجها إليك ، قوله : مؤيسا ألا أكون ، أقول يحتمل وجهين : الأول : أن يكون من قبيل سألتك إلا فعلت كذا ، أي كنت في جميع الأحوال مؤيسا إلا وقت الظفر بحاجتي ، الثاني : أن يكون ألا بالفتح مركبا من أن ولا ، وتكون لا زائدة كما في قوله تعالى : « ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ » (١) ويضمن مؤيسا معنى الخوف أي خائفا أن لا أكون ، وربما يقرأ مؤيسا بفتح الميم وكسر الواو من الويس بالفتح كرب الفقر ونحوه ، وأن لا بالفتح مفعول له ، ولا يخفى ما فيه.

قوله : ولا أعلم أن أباك ، لعله زيدت كلمة أن من النساخ ، والظاهر عدمها ، وعلى تقديرها كان تقدير الكلام ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك فعل فعلا غير الاغتسال ، أو كان على حال غير حال الاغتسال وقيل : أباك اسم أن ، وحين منصوب بالظرفية ، مضاف إلى الجملة والظرف خبر أن نظير « يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » وإلا للاستثناء المفرغ ، والواو للحال ، انتهى.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٢.

٦١

ذلك فختم له بخير ارجع من حيث جئت فانطلق حتى تنزل مدينة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي يقال لها طيبة وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب ثم اعمد إلى موضع منها يقال له : البقيع ثم سل عن دار يقال لها دار مروان فانزلها وأقم ثلاثا ثم سل عن الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري وهي في بلادهم اسمها الخصف فالطف بالشيخ وقل له بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع ثم سله عن فلان بن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه لك فتعرفه بالصفة وسأصفه لك قلت فإذا لقيته فأصنع ما ذا قال سله عما كان وعما هو كائن وسله عن معالم دين من مضى

ودرس كنصر وضرب : قرأ وكان التخصيص بالسفر الرابع لكونه أفضل أسفاره ، أو لاشتماله على أحوال خاتم النبيين وأوصيائهم عليهم‌السلام « من سهره » بالتحريك وإهمال السين وهو أظهر مما في بعض النسخ بالإعجام وسكون الهاء.

« من حيث جئت » أي من الطريق الذي جئت « ثم اعمد » بالضم أي اقصد وتوجه « وأقم ثلاثا » لئلا يعلم الناس بالتعجيل لمطلبه ، والشيخ الأسود كأنه الفضل ابن سوار ، وقيل : البواري تنسج من القصب و الخصف تنسج من ورق النخل ، أي الخوص ، وقد يستعمل أحدها في الآخر ، وفي القاموس : النزيل الضيف « عن فلان ابن فلان الفلاني » أي عن موسى بن جعفر العلوي مثلا ، و النادي المجلس ، وفي القاموس : الندى كغني والنادي والندوة والمنتدي مجلس القوم نهارا والمجلس ما داموا مجتمعين فيه.

و « أي ساعة » قيل : أي مرفوع مضاف « يمر » أي يتوجه إلى النادي ، وضمير فيها للساعة « فليريكاه » بفتح اللام ، والألف من إشباع الفتحة « وسأصفه » الظاهر أنه وصف الإمام عليه‌السلام بحليته له ولم يذكر في الخبر ، وقيل : إشارة إلى ما يجيء من قوله : سله عما كان ، إلخ فإنه يدل على مبلغ علمه « من مضى » أي أمم الأنبياء السابقين « ومن بقي » أي أمة خاتم الأنبياء فإن دينه باق إلى يوم القيامة.

٦٢

ومن بقي فقال له أبو إبراهيم عليه‌السلام قد نصحك صاحبك الذي لقيت فقال الراهب ما اسمه جعلت فداك قال هو متمم بن فيروز وهو من أبناء الفرس وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له وعبده بالإخلاص والإيقان وفر من قومه لما خافهم فوهب له ربه حكما وهداه لسبيل الرشاد وجعله من المتقين وعرف بينه وبين عباده المخلصين وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ويعتمر في رأس كل شهر مرة ويجيء من موضعه من الهند إلى مكة فضلا من الله وعونا وكذلك يجزي الله الشاكرين ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن أشياء لم يكن عند الراهب فيها شيء فأخبره بها ثم إن الراهب قال أخبرني عن ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة على من نزلت

« لما خافهم » بفتح اللام وشد الميم أو بكسر اللام وتخفيف الميم وما مصدرية والحكم بالضم الحكمة « وعرف » على بناء التفعيل ، والمخلصين بفتح اللام وكسرها أي جعله بحيث يعرف أئمته ويعرفونه « ويجيء من موضعه » أي بطي الأرض بإعجازه عليه‌السلام « فضلا » منصوب بنزع الخافض ، أي بفضل كما قال تعالى : « وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً » (١) وليس مفعولا إلا عند من جوز تغاير فاعله وفاعل الفعل المعلل به وكذا عونا ، وقيل : كل منصوب بالظرفية وذلك إشارة إلى مصدر سأله وضمير فيها للسائل.

والأحرف جمع حرف وهو الكلام المختصر « فتبين في الأرض » أي ظهرت وعمل بمضمونها ولعل البقاء في الهواء كناية عن عدم تبينها في الأرض ، وعدم العمل بمضمونها لأنها متعلقة بأحوال من يأتي في آخر الزمان ، أو أنها نزلت من اللوح إلى بيت المعمور ، أو إلى السماء الدنيا ، أو إلى بعض الصحف لكن لم تنزل بعد إلى الأرض ، وتنزل عليه‌السلام ، ويؤيده قوله : وينزل عليه ، وليس هذا نسخا لأنه أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سيكون في زمن القائم عليه‌السلام أمور مستطرفة باعتبار تبدل الزمان

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤٧.

٦٣

تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسرها قال ذاك قائمنا ينزله الله عليه فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين ثم قال الراهب فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي قال أخبرك بالأربعة كلها أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا والثانية محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخلصا والثالثة نحن أهل البيت والرابعة شيعتنا منا ونحن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

فيكون الأحكام المغيرة أحكاما موقتة أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوقيتها ، أو أنه لا يتحقق مصداق تلك الأحكام إلا في ذلك الزمان فينزل عليه ما لم ينزل على أحد قبله ، ويكلف بما لم يكلف أحد قبله.

قوله : باقيا كأنه حال من القول المقدر في قوله : فلا إله إلا الله ، حال كون ذلك القول باقيا أبد الدهر ، وكذا قوله : مخلصا ، وقيل : أي إلها باقيا أو وحده وحده حالكونه باقيا ، أو كان كونا باقيا أو قيل قولا باقيا ، وهذا كقوله تعالى : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً » (١) يعني كلمة التوحيد « مخلصا » أي أرسل حالكونه مخلصا أو أرسل رسولا مخلصا بفتح اللام وكسره فيهما ، أو قيل هذا القول مخلصا.

« نحن أهل البيت » أي نحن أهل بيت الكتاب والحكم والنبوة ، وقد ذكر عليه‌السلام الكلمتين الأخيرتين بمضمونها ، ويحتمل ذلك في الأوليين أيضا ، ويحتمل أن يكون المعنى أن الكلمة الثالثة نحن فإنهم عليهم‌السلام كلمات الله الحسنى ، فيكون أهل البيت بدلا من نحن.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى المعنيون بقوله سبحانه : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (٢) وقوله : بسبب ، متعلق بالجمل الثلاث أي شيعتنا متعلقون بسبب نشأ منا أو شيعتنا بالنسبة إلينا متصلون بسبب والسبب في الأصل هو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ، ثم أستعير لكل ما يتوصل به إلى الشيء كقوله تعالى : « وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ » (٣) أي الوصل والمودات والمراد

__________________

(١) سورة الزخرف : ٢٨.

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣.

(٣) سورة البقرة : ١٦٦.

٦٤

ورسول الله من الله بسبب فقال له الراهب أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » فدعا أبو إبراهيم عليه‌السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة فأعطاه إياها وصلى الظهر وقال له اختتن فقال قد اختتنت في سابعي.

هنا الدين أو الولاية والمحبة ، فالمعنى أن شيعتنا على ديننا ونحن على دين رسول الله ورسول الله على دين الله الذي أنزله إليه ، وأن شيعتنا متصلون بنا اتصالا روحانيا ونحن متصلون برسول الله كذلك وهكذا ونحن وسيلة شيعتنا إلى الرسول ، وهو وسيلتنا إلى الله ، والمعاني كلها متقاربة.

« المستذلون » بالذال المعجمة المفتوحة أي الذين صيرهم الناس أذلاء كما قال تعالى : « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ » (١) الآية ، وفي بعض النسخ بالمهملة المكسورة أي المستدلون بالبراهين على إمامتكم وسائر الأمور الدينية وفي بعض النسخ بزيادة الباء الموحدة والدال المهملة المفتوحة إشارة إلى قوله تعالى : « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ » (٢) كما ورد أنهم الموالي يتبعون الأئمة عليهم‌السلام ويوالونهم « ولهم عاقبة الله » أي تمكينهم في الأرض في آخر الزمان كما قال سبحانه : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (٣) والجبة بالضم ثوب قصير الكمين ، وفي القاموس : القوهي ثياب بيض وقوهستان بالضم كورة بين نيسابور وهراة ، وقصبتها قاين وطبس ، وموضع وبلد بكرمان قرب جيرفت ، ومنه ثوب قوهي لما ينسج بها ، أو كل ثوب أشبهه يقال له قوهي وإن لم يكن من قوهستان ، انتهى.

والطيلسان بتثليث اللام ثوب من قطن « في سابعي » أي سابع ولادتي ، وقيل : أي اليوم السابع من إسلامي ، وكان هذا القول بعد هذا المجلس ، وقيل : أي سبعة أيام قبل زمان التكلم ولا يخفى بعدهما.

__________________

(١) سورة القصص : ٥.

(٢) سورة التوبة : ٣٩.

(٣) سورة القصص : ٨٣.

٦٥

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن المغيرة قال مر العبد الصالح بامرأة بمنى وهي تبكي وصبيانها حولها يبكون وقد ماتت لها بقرة فدنا منها ثم قال لها ما يبكيك يا أمة الله قالت يا عبد الله إن لنا صبيانا يتامى وكانت لي بقرة معيشتي ومعيشة صبياني كان منها وقد ماتت وبقيت منقطعا بي وبولدي لا حيلة لنا فقال يا أمة الله هل لك أن أحييها لك فألهمت أن قالت نعم يا عبد الله فتنحى وصلى ركعتين ثم رفع يده هنيئة وحرك شفتيه ثم قام فصوت بالبقرة فنخسها نخسة أو ضربها برجله فاستوت على الأرض قائمة فلما نظرت المرأة إلى البقرة صاحت وقالت عيسى ابن مريم ورب الكعبة فخالط الناس وصار بينهم ومضى عليه‌السلام.

٧ ـ أحمد بن مهران رحمه‌الله ، عن محمد بن علي ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمار قال سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت إلي شبه المغضب فقال يا إسحاق قد كان

الحديث السادس : صحيح.

وفي البصائر عن علي بن المغيرة ، وفيه : أن لي صبيانا ، قوله : كان منها ، ضمير كان للمعيشة والتذكير لأن أصلها المصدر « منقطعا » على بناء المفعول والظرف نائب الفاعل ، في القاموس : انقطع به مجهولا عجز عن سفره « أن قلت » أن مصدرية « هنيئة » بضم الهاء وفتح النون ، أي زمانا قليلا « فصوت » على بناء التفعيل وفي القاموس : نخس الدابة كنصر وجعل : غرز مؤخرها أو جنبها بعود ونحوه « أو ضربها » (١) الترديد من الراوي « عيسى بن مريم » أي هذا كعيسى.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

وفي المصباح : نعيت الميت نعيا من باب نفع ، أخبر بموته « وأنه ليعلم » بتقدير الاستفهام التعجبي ، والغضب لذلك لدلالته على ضعف إيمانه بل عدمه.

__________________

(١) وفي النسخ « أو ضربه » بتذكير الضمير ولكن الظاهر التأنيث كما في المتن.

٦٦

رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا والإمام أولى بعلم ذلك ثم قال يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فإن عمرك قد فني وإنك تموت إلى سنتين وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون بعدك إلا يسيرا حتى تتفرق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا حتى يشمت بهم

روى الكشي عن إسحاق بن عمار قال : كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام جالسا حتى دخل عليه رجل من الشيعة فقال له : يا فلان جدد التوبة وأحدث عبادة فإنه لم يبق من عمرك إلا شهر ، قال إسحاق : فقلت في نفسي : وا عجباه كأنه يخبرنا أنه يعلم آجال الشيعة ، أو قال : آجالنا ، قال : فالتفت إلى مغضبا وقال : يا إسحاق وما تنكر من ذلك وقد كان رشيد الهجري مستضعفا وكان عنده علم المنايا ، والإمام أولى بذلك من رشيد الهجري ، يا إسحاق إنه قد بقي من عمرك سنتان أما إنه يتشتت أهل بيتك تشتتا قبيحا وتفلس عيالك إفلاسا شديدا.

وفي الخلاصة رشيد بضم الراء الهجري بفتحتين مشكور ، وقال الشهيد الثاني (ره) قال ابن داود : رشد بغير الياء وجعل الياء قولا ، واستقرب الأول ، وكذا ذكره الشيخ في الفهرست بغير ياء ، وأما النجاشي فقد جعله بالياء كالعلامة ، انتهى.

وقال الكشي : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يسميه رشيد البلايا ، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا ، وكان في حياته إذا ألقى الرجل قال له : فلان يموت بميتة كذا ، ويقول : أنت يا فلان تموت بقتلة كذا ، فيكون كما يقول رشيد.

قوله عليه‌السلام : يعلم علم المنايا كان العلم هنا بمعنى المعلوم ، ويمكن أن يقرأ بالتحريك أي علامة المنايا ، والمنايا جمع المنية وهي الموت ، و فني كرضي أي ذهب وفي الخرائج : وقد بقي منه دون سنتين وكذلك أخوك ، ولا يمكث بعدك إلا شهرا واحدا حتى يموت ، إلى قوله : أكان هذا في صدرك فقلت : أستغفر الله مما في صدري فلم يستكمل سنتين حتى مات ، ومات بعده بشهر أخوه ومات عامة أهل بيته وأفلس بقيتهم وتفرقوا حتى احتاج من بقي منهم إلى الصدقة.

٦٧

عدوهم فكان هذا في نفسك فقلت فإني أستغفر الله بما عرض في صدري فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا يسيرا حتى مات فما أتى عليهم إلا قليل حتى قام بنو عمار بأموال الناس فأفلسوا.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن علي بن جعفر قال جاءني محمد بن إسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذ بمكة فقال يا عم إني أريد بغداد وقد أحببت أن أودع عمي أبا الحسن يعني موسى بن جعفر عليه‌السلام وأحببت أن تذهب معي إليه فخرجت معه نحو أخي وهو في داره التي بالحوبة وذلك بعد المغرب بقليل فضربت الباب فأجابني أخي فقال من هذا فقلت علي فقال هو ذا أخرج وكان بطيء الوضوء فقلت العجل قال وأعجل فخرج وعليه إزار ممشق قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب فقال

« فكان هذا في نفسك » أي الاستبعاد والإنكار عن علمه بموت الرجل كما قال في أول الخبر « فلم يلبث إسحاق » هذا كلام ابن عميرة ، وعلى هذه النسخة كأنه عليه‌السلام حدد إلى سنتين ترحما وتعطفا عليه لئلا يضطرب ، أو لاحتمال البداء ، وعلى ما في الخرائج وغيره لا إشكال « حتى قام بنو عمار بأموال الناس » أي أخذوا أموال الناس دينا أو مضاربة ومثل ذلك وتصرفوا فيها ، فصار ذلك سببا لإفلاسهم كما هو شائع بين التجار.

الحديث الثامن : صحيح.

ومحمد هو ابن إسماعيل بن الصادق عليه‌السلام الذي تنسب إليه الإسماعيلية ، وفي غيبة الطوسي وإرشاد المفيد رضي الله عنهما : علي بن إسماعيل لكن في رجال الكشي موافق لما هنا ، و الحوبة كأنها اسم موضع ، ولم يذكر في اللغة ، وفي القاموس : الحوبة وسط الدار ، والحوب موضع بديار ربيعة.

قوله : بعد المغرب ، أي بعد صلاة المغرب أو بعد وقتها « وهو ذا » للتقريب

٦٨

علي بن جعفر فانكببت عليه فقبلت رأسه وقلت قد جئتك في أمر إن تره صوابا فالله وفق له وإن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطئ قال وما هو قلت هذا ابن أخيك يريد أن يودعك ويخرج إلى بغداد فقال لي ادعه فدعوته وكان متنحيا فدنا منه فقبل رأسه وقال جعلت فداك أوصني فقال أوصيك أن تتقي الله في دمي فقال مجيبا له من أرادك بسوء فعل الله به وجعل يدعو على من يريده بسوء ثم عاد فقبل رأسه فقال يا عم أوصني فقال أوصيك أن تتقي الله في دمي فقال من أرادك بسوء فعل الله به وفعل ثم عاد فقبل رأسه ثم قال يا عم أوصني فقال أوصيك أن تتقي الله في دمي فدعا على من أراده بسوء ثم تنحى عنه ومضيت معه فقال لي أخي يا علي مكانك فقمت مكاني فدخل منزله ثم دعاني فدخلت إليه فتناول صرة فيها مائة دينار فأعطانيها وقال قل لابن أخيك يستعين بها على سفره قال علي فأخذتها فأدرجتها في حاشية ردائي ثم ناولني مائة أخرى وقال أعطه أيضا ثم ناولني صرة أخرى وقال أعطه أيضا فقلت جعلت فداك إذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت فلم تعينه على نفسك فقال إذا وصلته وقطعني قطع الله أجله ثم تناول مخدة أدم فيها ثلاثة آلاف درهم وضح وقال أعطه هذه أيضا قال فخرجت إليه فأعطيته المائة الأولى ففرح بها فرحا شديدا ودعا لعمه ثم أعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتى ظننت أنه سيرجع ولا يخرج ثم أعطيته الثلاثة آلاف درهم فمضى

والعجل محركا منصوب ، أي ألزم العجل ، وفي المغرب : ثوب ممشق أي مصبوغ بالمشق أي بالمغرة وهو طين أحمر « فما أكثر » صيغة التعجب « ما تخطئ » ما مصدرية « فعل الله به » أي السوء ، وهذا مجمل عما فصله من الدعاء على من فعل ذلك « وجعل » أي شرع « مكانك » أي ألزم مكانك « يستعين » خبر بمعنى الأمر « مثل الذي » منصوب بنيابة المفعول المطلق « أجله » أي عمره ، والمخدة بكسر الميم ما يوضع الخد عليه عند النوم ، والأدم بفتحتين : اسم جمع أدام ككتاب ، وهو الجلد المدبوغ ، وبضمتين جمعه ، والوضح بالتحريك الدرهم الجديد الضرب الخالص الصحيح الوزن « سيرجع »

٦٩

على وجهه حتى دخل على هارون فسلم عليه بالخلافة وقال ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم فرماه الله بالذبحة فما نظر منها إلى درهم ولا مسه.

٩ ـ سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر جميعا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال قبض موسى بن جعفر عليه‌السلام وهو ابن أربع وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة وعاش بعد جعفر عليه‌السلام خمسا وثلاثين سنة.

باب

مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام

ولد أبو الحسن الرضا عليه‌السلام سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض عليه‌السلام في صفر من

أي عن عزمه ، وفي القاموس : الذبحة كهمزة وعيبة وكسرة وصبرة وكتاب وغراب : وجع في الحلق ، أو دم يخنق فيقتل.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور ، موافق لإحدى الروايتين المذكورتين في أول الكلام.

باب مولد أبي الحسن الرضا عليه‌السلام

أقول : روى الصدوق رحمه‌الله في كتاب عيون أخبار الرضا عن عتاب بن أسيد قال : سمعت جماعة من أهل المدينة يقولون : ولد الرضا عليه‌السلام بالمدينة يوم الخميس لأحد عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة.

وقال الطبرسي (ره) في إعلام الورى : ولد عليه‌السلام سنة ثمان وأربعين ومائة ، ويقال إنه ولد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة يوم الجمعة سنة ثلاث وخمسين ومائة وقيل : يوم الخمسين وأمه أم ولد يقال لها : أم البنين واسمها نجمة ، ويقال : سكن النوبية ، ويقال تكتم ، وقبض عليه‌السلام في آخر صفر ، وقيل : في شهر رمضان لسبع بقين

٧٠

سنة ثلاث ومائتين وهو ابن خمس وخمسين سنة وقد اختلف في تاريخه إلا أن هذا التاريخ هو أقصد إن شاء الله وتوفي عليه‌السلام بطوس في قرية يقال لها : سناباد من نوقان

منه يوم الجمعة من سنة ثلاث ومائتين ، وله خمس وخمسون سنة ، وكانت مدة إمامته عشرين سنة.

وقال كمال الدين بن طلحة : ولد عليه‌السلام في حادي عشر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين ومائة وأمه تسمي الخيزران المرسية ، وقيل : شقراء النوبية ، واسمها أروى وشقراء لقبها ، وتوفي في سنة مائتين وثلاث وقيل : مائتين وسنتين.

وروى الصدوق (ره) عن إبراهيم بن العباس أنه عليه‌السلام توفي في رجب سنة ثلاث ومائتين ، ثم قال : والصحيح أنه توفي في شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة ، وله تسع وأربعون سنة ، وروي ذلك بإسناده عن عتاب بن أسيد.

وقال في الدروس : قبض عليه‌السلام في صفر ، وفي روضة الواعظين في شهر رمضان وهو ابن خمس وخمسين وقال الكفعمي : توفي عليه‌السلام في سابع عشر شهر صفر يوم الثلاثاء سنة ثلاث ومائتين.

وروي في كشف الغمة عن ابن خشاب بإسناده عن محمد بن سنان قال : توفي عليه‌السلام وله تسع وأربعون سنة وأشهر ، في سنة مائتي سنة وستة من الهجرة ، وكان مولده سنة مائة وثلاث وخمسين من الهجرة (١) بعد مضي أبي عبد الله بخمس سنين ، وأقام مع أبيه خمسا وعشرين سنة إلا شهرين ، وكان عمره تسعا وأربعين سنة وأشهرا ، قبره بطوس بمدينة خراسان ، أمه الخيزران المريسية أم ولد ، ويقال : شقراء النوبية وتسمى أروى أم البنين يكنى بأبي الحسن ، ولد له خمس بنين وابنة واحدة ، أسماء بنية محمد

__________________

(١) لا يخفى عدم استقامة ما ذكره ابن الخشاب من تاريخ ولادته عليه‌السلام ووفاته مع ما هو مذكور في كلامه من عمره الشريف ، فإنّه إذا كان ولادته عليه‌السلام في سنة مائة وثلاث وخمسين ، ووفاته في سنة مأتي سنة ستة من الهجرة فكان عمره الشريف حينئذ ثلاث وخمسين لا تسع وأربعين ولكنّ النسخ متوافقة كالمصدر ، والله أعلم.

٧١

على دعوة ودفن بها وكان المأمون أشخصه من المدينة إلى مرو على طريق البصرة وفارس فلما خرج المأمون وشخص إلى بغداد أشخصه معه فتوفي في هذه القرية.

الإمام أبو جعفر الثاني ، أبو محمد الحسن ، وجعفر وإبراهيم ، والحسين وعائشة فقط ولقبه الرضا والصابر والرضي والوفي ، انتهى.

وأقول : لم يذكر الأكثر من أولاده إلا الجواد عليه‌السلام

قوله : أقصد ، أي أقرب إلى الحق والصواب ، وفي القاموس : القصد استقامة الطريق والعدل ، وقوله : على دعوة ، نعت ثان لقرية ، وهو العامل في من نوقان ، أي البعد بينهما قدر مد صوت داع يسمعه مدعو في القاموس : هو مني دعوة الرجل أي قدر ما بيني وبينه ذاك ، وقال : نوقان إحدى مدينتي طوس ، والأخرى طابران « على طريق البصرة وفارس » أي دون طريق الكوفة وقم لعدم اجتماع شيعتهما عليه فيحولوا بينه وبينه.

« فلما خرج » أي من مرو « وشخص » كمنع من بلد إلى بلد : ذهب وسار في ارتفاع.

وأقول : اختلف أصحابنا وغيرهم في أنه هل مضى الرضا صلوات الله عليه شهيدا مسموما أو مات حتف أنفه ، وعلى الأول هل سمه المأمون أو غيره ، والمشهور بين محققي أصحابنا أنه سمه المأمون كما ذهب إليه الصدوق والمفيد رضي الله عنهما وغيرهما ونسب إلى السيد علي بن طاوس أنه أنكر ذلك وبالغ في الإنكار صاحب كشف الغمة ، والكليني (ره) لعله اتقى في السكوت عن ذلك كما أنه لم يصرح بشهادة الكاظم أيضا ، والحق أنه عليه‌السلام ذهب شهيدا بسم المأمون اللعين لشهادة الأخبار الكثيرة المعتبرة بذلك كما أوردتها في الكتاب الكبير.

ولما رأى المأمون انتقاض أطراف ملكه وخروج العلويين عليه ، وكان يخاف من الرضا عليه‌السلام أكثر من غيره فرأى المصلحة في أن يطلب الرضا عليه‌السلام فيكون معه ليأمن خروجه ويصير سببا لانقياد سائر الهاشميين والعلويين لإقرارهم جميعا بفضله

٧٢

وأمه أم ولد يقال لها أم البنين.

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن أحمر قال قال لي أبو الحسن الأول هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم قلت لا قال بلى قد قدم رجل فانطلق بنا فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المدينة معه رقيق فقلت له اعرض علينا فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن عليه‌السلام لا حاجة لي فيها ثم قال اعرض علينا فقال ما عندي إلا جارية مريضة فقال له ما عليك أن تعرضها فأبى عليه فانصرف

فلما طلبه اعتل عليه‌السلام عليه وأبي فلج في ذلك حتى أضطره فلما ذهب به إلى مرو أكرمه وأظهر له أنه يريد أن يخلع نفسه ويسلم الخلافة إليه ، فأبى عليه‌السلام لعلمه بغرضه وأنه يريد امتحانه فلما لم يقبل ذلك كلفة ولاية العهد فأبى ذلك أيضا لما ذكر فبالغ فيه حتى هدده بالقتل ، وكان عمدة غرضه في ذلك أن يسقطه عليه‌السلام من أعين الناس بأنه يحب الدنيا ويقبل الولاية ، فلما رأى أنه يظهر فضله عليه‌السلام واستحقاقه للخلافة ونقصه وعدم استيهاله لها على الناس يوما فيوما اشتد حسده وعزم على دفعه وسمه بعد خروجه من مرو ووصوله إلى طوس وقد أوردنا الأخبار في تفاصيل هذه الأمور في كتاب بحار الأنوار.

الحديث الأول : صحيح.

قوله : من أهل المدينة ، كذا فيما رأينا من نسخ الكتاب ، فالمراد بأهل المغرب فيما مضى تجار المغرب فلا ينافي كونه من أهل المدينة ، لكن كونه من أهلها وعدم معرفته له عليه‌السلام بعيد ، في العيون والخرائج هنا أيضا من أهل المغرب وكذا في إرشاد المفيد مع نقله عن الكليني بهذا السند وهو أصوب.

وفي العيون : ثم قال له : أعرض علينا ، قال : ما عندي شيء فقال : بلى أعرض علينا قال : لا والله ما عندي « إلخ ».

« ما عليك » ما ، استفهامية ، وتحتمل النافية ، وعلى للإضرار « وأن تعرضها »

٧٣

ثم أرسلني من الغد فقال قل له كم كان غايتك فيها فإذا قال كذا وكذا فقل قد أخذتها فأتيته فقال ما كنت أريد أن أنقصها من كذا وكذا فقلت قد أخذتها فقال هي لك ولكن أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس فقلت رجل من بني هاشم قال من أي بني هاشم فقلت ما عندي أكثر من هذا فقال أخبرك عن هذه الوصيفة إني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك قلت اشتريتها لنفسي فقالت ما يكون ينبغي أن تكون هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله قال فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت الرضا عليه‌السلام.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد عمن ذكره ، عن صفوان بن يحيى قال لما مضى أبو إبراهيم عليه‌السلام وتكلم أبو الحسن عليه‌السلام خفنا عليه من ذلك فقيل له إنك قد أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك هذه الطاغية قال فقال ليجهد جهده

بتقدير الباء « غايتك » أي منتهى ما تريد من القيمة ، وفي العيون : قلت : قد أخذتها وهو لك فقال : هي لك ، وقوله : من الرجل؟ استفهام ، وفي النهاية : الوصيف العبد ، والأمة وصيفة وجمعهما وصفاء ووصائف « ما يولد » في العيون يدين له شرق الأرض وغربها ، وكان علم الكتابية بذلك بما قرأت في الكتب السالفة ، أو بالكهانة والإخبار عن الجن ، وضمير « قال » راجع إلى هشام.

الحديث الثاني : مرسل.

« وتكلم » أي ادعى الإمامة وأفتى بالحق ودعى الناس إلى نفسه ، ولا ينافي ذلك ما مر في باب النص عليه وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون بأربع سنين لأن المراد به التكلم جهرة في مجالس الخلفاء والمخالفين ، والطاغية هارون والتاء للمبالغة « ليجهد » كيمنع أي ليجهد في العداوة والإضرار « جهده » بالفتح والضم أي غاية جده.

٧٤

فلا سبيل له علي.

٣ ـ أحمد بن مهران رحمه‌الله ، عن محمد بن علي ، عن الحسن بن منصور ، عن أخيه قال دخلت على الرضا عليه‌السلام في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت عشرة مصابيح واستأذن عليه رجل فخلى يده ثم أذن له.

٤ ـ علي بن محمد ، عن ابن جمهور ، عن إبراهيم بن عبد الله ، عن أحمد بن عبد الله ، عن الغفاري قال كان لرجل من آل أبي رافع مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له طيس علي حق فتقاضاني وألح علي وأعانه الناس فلما رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم توجهت نحو الرضا عليه‌السلام وهو يومئذ بالعريض فلما قربت من بابه إذا هو قد طلع على حمار وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف ونظر إلي فسلمت عليه وكان شهر رمضان فقلت جعلني الله فداك إن لمولاك طيس علي حقا وقد والله شهرني وأنا أظن في نفسي أنه يأمره بالكف عني وو الله ما قلت له كم له علي ولا سميت له شيئا فأمرني بالجلوس إلى رجوعه فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم فضاق صدري وأردت أن أنصرف فإذا هو قد

الحديث الثالث : ضعيف.

« عشرة مصابيح » أي كان كل إصبع منه بمنزلة مصباح من سطوع النور منه « فخلا به » (١) كان ضمير « به » راجع إلى مصدر استأذن ، والفعل على بناء التفعيل وفي المناقب وكشف الغمة وغيرهما وبعض نسخ الكتاب : فخلا يده وهو أظهر أي ترك يده وأخفاها وجعلها خالية من النور.

الحديث الرابع : ضعيف.

« الغفاري » بالكسر والتخفيف : و طيس بالفتح ، و عريض على بناء التصغير ، والسؤال بالضم وتشديد الهمزة جمع سائل و ابن المسيب اسمه هارون كما سيأتي ،

__________________

(١) وفي المتن « فخلّى يده » وسيأتي ذكره في الشرح أيضا.

٧٥

طلع علي وحوله الناس وقد قعد له السؤال وهو يتصدق عليهم فمضى ودخل بيته ثم خرج ودعاني فقمت إليه ودخلت معه فجلس وجلست فجعلت أحدثه عن ابن المسيب وكان أمير المدينة وكان كثيرا ما أحدثه عنه فلما فرغت قال لا أظنك أفطرت بعد فقلت لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي وأمر الغلام أن يأكل معي فأصبت والغلام من الطعام فلما فرغنا قال لي ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها وإذا دنانير فأخذتها ووضعتها في كمي وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوني منزلي فقلت جعلت فداك إن طائف ابن المسيب يدور وأكره أن يلقاني ومعي عبيدك فقال لي أصبت أصاب الله بك الرشاد وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم فلما قربت من منزلي وآنست رددتهم فصرت إلى منزلي ودعوت بالسراج ونظرت إلى الدنانير وإذا هي ثمانية وأربعون دينارا وكان حق الرجل علي ثمانية وعشرين دينارا وكان فيها دينار يلوح فأعجبني حسنه فأخذته وقربته من السراج فإذا عليه نقش واضح حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا وما بقي فهو لك ولا والله ما عرفت ما له علي « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » الذي أعز وليه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنه خرج من المدينة في السنة التي حج فيها هارون يريد الحج فانتهى إلى جبل

و « بعد » مبني على الضم أي إلى الآن ، والغلام مفعول معه أو عطف على الضمير على القول بجوازه ، والوسادة بتثليث الواو المتكإ والمخدة ، وفي القاموس : الطائف العسس « أصبت » أي الرشاد « وأصاب الله بك » الباء للتعدية « قربت » بضم الراء « أنست » بتثليث النون « يلوح » أي يتلألأ « ما عرفت » بالتشديد أو التخفيف « ماله على » ما استفهامية أو موصولة « وليه » أي من جعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

الحديث الخامس : مرسل.

وفي القاموس : الفارع : العالي المرتفع ، الهيء الحسن ، وحصن بالمدينة ، وقرية بوادي السراب قرب سابه ، وموضع بالطائف ، انتهى.

٧٦

عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة يقال له ـ فارع فنظر إليه أبو الحسن ثم قال باني فارع وهادمه يقطع إربا إربا فلم ندر ما معنى ذلك فلما ولى وافى هارون ونزل بذلك الموضع صعد جعفر بن يحيى ذلك الجبل وأمر أن يبنى له ثم

وإضافة الباني إلى الفارع على الاتساع من قبيل مالك يوم الدين ، والتقدير الباني في الفارع ، وكذا هادمه أو ضمير هادمه راجع إلى البناء المستفاد من الباني ، والإرب بالكسر العضو « فلما ولى » أي ذهب أبو الحسن « وافى » أي جاء ، وجعفر هو البرمكي المشهور ، والبرامكة كانوا وزراء هارون ولهم دولة عظيمة معروفة وكان سبب انقراضهم واقعا سعيهم في حبس الكاظم عليه‌السلام وقتله ، وظاهرا من جهة العباسة.

وملخص القصة ما ذكره المسعودي في مروج الذهب قال : ذكر ذو معرفة بإخبار البرامكة أنه لما بلغ يحيى بن خالد بن برمك وابناه جعفر والفضل وغيرهم من آل برمك ما بلغوا في الملك وتناهوا إليه من الرئاسة واستقامت لهم الأمور حتى قيل أيامهم عرس وسرور دائم لا يزول ، قال الرشيد لجعفر بن يحيى : ويحك إنه ليس في الأرض طلعة أنا بها آنس وإليها أميل وبها أشد استمتاعا وأنسا مني برؤيتك ، وإن للعباسة أختي موقعا مني ليس بدون ذلك وقد نظرت في أمري معكما فوجدتني لا أصبر عنك ولا عنها ، وقد رأيت شيئا يجتمع لي به السرور ، وتتكاثف به اللذة والأنس فقال : وفقك الله يا أمير المؤمنين وعزم لك على الرشد في أمورك فقال : قد زوجتكما تزويجا يحل لك مجالستها والنظر إليها والاجتماع في مجلس أنا معكما فيه ، لا سوى ذلك.

فزوجه بعد امتناع كان من جعفر وأشهد له من حضر من مواليه وخدمه وأخذ عليه عهد الله وميثاقه وغليظ إيمانه أن لا يجالسها ولا يخلو معها ولا يظله وإياها سقف بيت إلا وهارون ثالثهما ، فحلف له جعفر على هذه الحال وجعفر في ذلك صارف بصره عنها مزور بوجهه هيبة للرشيد ووفاء بعهده وأيمانه على ما فارقه عليه.

٧٧

مجلس فلما رجع من مكة صعد إليه فأمر بهدمه فلما انصرف إلى العراق قطع إربا إربا.

فكتبت إليه في ذلك رقعة فزبر رسولها وتهدده فعادت فعاد جعفر لذلك فلما استحكم يأسها منه قصدت لأمه ولم تكن بالحازمة فاستمالتها بالهدايا والألطاف ونفيس الجواهر وما أشبه ذلك من ألطاف الملوك حتى إذا علمت أنها في الطاعة كالأمة وفي النصيحة والإشفاق كالأم ألقت إليها طرفا من الأمر الذي تريده وأعلمتها ما لها في ذلك من جميل العاقبة وما لابنها من الفخر والشرف بمصاهرة أمير المؤمنين وأوهمتها أن هذا الأمر إذا وقع كان به أمانها وأمان ولدها من زوال النعمة أو سقوط مرتبته فاستجابت لها أم جعفر ووعدتها إعمال الحيلة في ذلك.

فأقبلت على جعفر يوما فقالت له : يا بني قد وصفت لي جارية في بعض القصور من تربية الملوك قد بلغت من الأدب والمعرفة والظرف والحلاوة مع الجمال الرائع والقد البارع والخصال المحمودة ما لم ير مثلها ، وقد عزمت على شرائها لك وقرب الأمر بيني وبين مالكها فاستقبل جعفر كلامها بالقبول وعلق بذلك قلبه وتطلعت إليه نفسه وجعلت تمطله حتى اشتد شوقه وقويت شهوته وهو في ذلك يلح عليها ، فلما علمت أنه قد عجز عن الصبر واشتد به القلق قال له : أنا مهديتها لك ليلة وبعثت إلى العباسة وأعلمتها بذلك فتأهبت بمثل ما يتأهب به مثلها وصارت إليه في تلك الليلة فانصرف جعفر في تلك الليلة من عند الرشيد وقد بقي في نفسه من الشرب فضلة لما قد عزم عليه ، فدخل منزله وسأل عن الجارية فخبر بمكانها فأدخلت على فتى سكران لم يكن بصورتها عالما ولا على خلقتها واقفا فقام إليها فواقعها فلما قضى حاجته منها قالت له : كيف رأيت حيل بنات الملوك؟ قال : وأي بنات الملوك تعنين؟ وهو يرى أنها من بعض بنات الروم.

قالت له : أنا مولاتك العباسة بنت المهدي ، فوثب فزعا قد زال عنه سكره ورجع إليه عقله وأقبل على أمه فقال لها : لقد بعتني بالثمن الخسيس وحملتني على المركب

٧٨

الوعر فانظري إلى ما يؤول إليه حالي.

وانصرفت العباسة مشتملة على حمل ثم ولدت غلاما فوكلت به خادما من خدمها يقال له رياش ، وحاضنة لها تسمى قرة (١) فلما خافت ظهور الخبر وانتشاره وجهت بالصبي إلى مكة مع الخادمين وأمرتهما بتربيته وطالت المدة حتى احتوى هو وأخوه وأبوه على أمر المملكة.

وكانت زبيدة أم جعفر زوجة الرشيد منه بالمنزلة التي لا يتقدمها أحد من نظرائها وكان يحيى بن برمك لا يزال يتفقد حرم الرشيد ويمنعهن من خدمة الخدم ، فشكت ذلك زبيدة إلى الرشيد فقال ليحيى : يا أبة ما بال أم جعفر تشكوك؟ فقال : يا أمير المؤمنين أمتهم أنا في حرمك وتدبير قصرك عندك؟ قال : لا والله قال : فلا تقبل قولها في ، قال الرشيد : فلست عائدا فازداد يحيى لها منعا وعليها في ذلك غلظة ، وكان يأمر بإقفال باب الخدم بالليل ويمضي بالمفاتيح إلى منزله.

فبلغ ذلك من أم جعفر كل مبلغ ، فدخلت ذات يوم على الرشيد فقالت يا أمير المؤمنين ما يحمل يحيى على ما لا يزال يفعله بي من منعه إياي من خدمي ووضعه إياي في غير موضعي؟ فقال لها الرشيد : يحيى عندي غير متهم في حرمي ، فقالت : لو كان كذلك لحفظ ابنه عما ارتكبه! قال : وما ذلك؟ فخبرته الخبر وقصت عليه قصة العباسة مع جعفر ، فأسقط في يده وقال : هل على ذلك دليل أو شاهد؟ قالت : وأي دليل أدل عن الولد ، قال : وأين الولد؟ قالت : كان هيهنا فلما خافت ظهور أمره وجهته إلى مكة ، قال : فعلم ذلك أحد غيرك؟ قالت : ما في قصرك جارية إلا وقد علمت بذلك.

فأمسك عن ذلك وطوى عليه كشحا وأظهر أنه يريد الحج فخرج هو وجعفر فكتبت العباسة إلى الخادم والحاضنة أن يخرجا بالصبي إلى اليمن ، فلما صار الرشيد إلى مكة وكل من يثق به بالفحص عن أمر الصبي والداية والخادم ، فوجد الأمر

__________________

(١) وفي المصدر « برة ».

٧٩

ووضح (١)

فلما قضى حجه ورجع أضمر في البرامكة إزالة النعمة عنهم والإيقاع بهم ، فأقام ببغداد مدة ثم خرج إلى الأنبار فلما كان في اليوم الذي عزم فيه على قتل جعفر دعا بالسندي بن شاهك فأمره بالمضي إلى مدينة السلام والتوكيل بدور البرامكة ودور كتابهم ونسابهم وقراباتهم وأن يجعل ذلك سرا من حيث لا يعلم به أحد حتى يصل إلى بغداد ، ثم يفضي بذلك إلى من يثق به من أهله وأعوانه ، فامتثل السندي ذلك وقعد الرشيد وجعفر عنده في موضع بالأنبار يعرف بالغمر فأقاما يومهما بأحسن هيئة وأطيب عيش ، فلما انصرف جعفر من عنده خرج الرشيد معه مشيعا له حتى ركب ، ثم رجع الرشيد فجلس على كرسي وأمر بما كان بين يديه فرفع ومضى جعفر إلى منزله وفيه فضلة من الشراب ودعا بأبي بكار الأعمى الطنبوري وابن أبي نجيح كاتبه ومدت الستور وجلست جواريه خلفها يضربن ويتغنين وأبو بكار يغنيه :

ما يريد الناس منا

ما ينام الناس عنا

إنما همتهم أن

يظهر وأما قد دفنا

ودعا الرشيد من ساعته ياسر الخادم فقال له : يا ياسر إني ندبتك لأمر لم أر محمدا ولا عبد الله ولا القاسم أهلا له ولا موضعا ورأيتك به مستقلا ناهضا فحقق ظني واحذر أن تخالف أمري فيكون ذلك سبب لسقوط منزلتك عندي ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أمرتني أن أدخل السيف في بطني وأخرجه من ظهري بين يديك لفعلت ، فمرني بأمرك تجدني والله إليه مسرعا ، فقال : تعرف جعفر بن يحيى البرمكي؟ قال : يا أمير المؤمنين وهل أعرف سواه وينكر مثلي جعفرا ، قال : ألم تر تشييعي له عند خروجه؟ فقال : بلى قال : فامض إليه الساعة فائتني برأسه على أي حال تجده عليها.

فأرتج على ياسر الخادم الكلام واستقبلته رعدة ووقف لا يحير جوابا : فقال : يا

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المصدر « فوجد الأمر صحيحا ».

٨٠