مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 378

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف:

الصفحات: 378
المشاهدات: 8849
تحميل: 5465


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8849 / تحميل: 5465
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

.................................................................................................

______________________________________________________

شققت قلبه؟ على بعض النسخ ، يريد بذلك الإنكار عليه ، حيث لم يكتف بالشهادتين منه.

والجواب عن الأول أن الخروج عن الكفر بكلمة الشهادة إن أرادوا به الخروج في نفس الأمر بحيث يصير مؤمنا عند الله سبحانه بمجرد ذلك من دون تصديق فهو ممنوع ، لم لا يجوز أن يكون اكتفاؤهم بذلك للترغيب في الإسلام ، لا الحكم بالإيمان وإن أرادوا به الخروج بحسب الظاهر فهو مسلم لكن لا ينفعهم إذا الكلام فيما يتحقق به الإيمان عند الله تعالى ، بحيث يصير المتصف به مؤمنا في نفس الأمر لا فيما يتحقق به الإسلام في ظاهر الشرع حيث لا يمكن الاطلاع على الباطن ، ألا ترى أنهم كانوا يحكمون بكفر من ظهر منه النفاق بعد الحكم بإسلامه ، ولو كان مؤمنا في نفس الأمر لما جاز ذلك ، وأما نفي الواسطة فهو مستقيم على أخذ الحكم في نفس الأمر ، فإن حال المكلف في نفس الأمر لا يخلو عن أحدهما ، وأما جعل لا إله إلا الله غاية للقتال ، فلا يدل على أكثر من كونه للترغيب في الإسلام أيضا بسبب حقن الدماء ، على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربما لا يطلع على بواطن الناس ، فكيف يؤمر بالقتال على ما لا يطلع عليه.

وأما أهل الثالث وهم قدماء المعتزلة القائلون بأنه جميع الطاعات فرضا ونفلا ، فمن أمتن دلائلهم على ذلك قوله تعالى : «وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ »(١) والمشار إليه بذلك هو جميع ما حصر بإلا وما عطف عليه ، والدين هو الإسلام لقوله تعالى :

«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ »(٢) والإسلام هو الإيمان لقوله تعالى : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ »(٣) ولا ريب أن الإيمان مقبول من مبتغيه للنص

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) سورة آل عمران : ١٩.

(٣) سورة آل عمران : ٨٥.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

والإجماع ، فيكون إسلاما ، فيكون دينا فيعتبر فيه الطاعات كما دلت عليه الآيات.

والجواب المنع من اتحاد الدينين في الآيتين فلا يتكرر الوسط ، ولو سلم اتحادهما فلا نسلم أن الإيمان هو الإسلام ليكون هو الدين ، فتعتبر فيه الطاعات لم لا يجوز أن يكون الإيمان شرطا للإسلام أو جزءا منه أو بالعكس ، وشرط الشيء وجزؤه يقبل مع كونه غيره ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الإيمان هو الدين بل شرطه أو جزؤه.

على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالآية الكريمة إنما تدل على من ابتغى وطلب غير دين الإسلام دينا له فلن يقبل منه ذلك المطلوب ، ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الإسلام ، إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه لعدم المنافاة بينهما ، فإن الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمالا وتقصيرا ، ولا يخرج بذلك عن ابتغائها.

واستدلوا أيضا بقوله تعالى : «وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ »(١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، واعترض عليه بأنه لم لا يجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلاة. سلمنا ذلك لكن لا دلالة لهم في الآية وذلك لأنهم زعموا أن الإيمان جميع الطاعات ، والصلاة إنما هي جزء من الطاعات وجزء الشيء لا يكون ذلك الشيء.

وأما أهل الرابع وهم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات وترك المحظورات ودون النوافل فقد يستدل لهم بقوله تعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(٢) والتقوى لا يتحقق إلا بفعل المأمور به وترك المنهي عنه ، فلا يكون التصديق مقبولا ما لم يحصل التقوى ، وبما روي أن الزاني لا يزني وهو مؤمن ، وبقولهعليه‌السلام : لا إيمان

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٣.

(٢) سورة المائدة : ٢٧.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لمن لا أمانة له ، وبقوله تعالى : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ »(١) وقد لا يحكم بما أنزل الله أو يحكم بما لم ينزل الله مصدقا فلو تحقق الإيمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر والإيمان في محل واحد وهو محال لتقابلهما بالعدم والملكة.

والجواب عن الأول أنه يجوز أن يكون المراد والله أعلم الأعمال الندبية ، على أنا نقول أن ظاهر الآية الكريمة متروك فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله وكان قد سبق منه معصية واحدة لم يثبت عليها ويكون جميع الطاعات اللاحقة غير مقبولة ، والقول بذلك مع بعده عن حكمة الله تعالى من أفظع الفظائع فلا يكون مرادا ، بل المراد والله أعلم أن من عمل عملا إنما يكون مقبولا إذا كان متقيا فيه بأن يكون مخلصا فيه لله تعالى وحينئذ فلا دلالة لهم في الآية الكريمة.

مع أنا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بدلالتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى فلا يحصل بذلك مدعاهم الذي هو كون الإيمان عبارة عن جميع الواجبات « إلخ » ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون الإيمان عبارة عما ذكرتهم مع التصديق بالمعارف الأصولية وعدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل ، وأما الحديث الأول على تقدير تسليمه فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن استحل ودليل التخصيص في أحاديث أخر ، أو على نفي الكمال في الإيمان ، وكذا الحديث الثاني.

وأما الاستدلال بالآية فقد تعارض بقوله تعالى : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ »(٢) والفاسق مؤمن على المذهب الحق أو بين المنزلتين على غيره ويمكن أن يقال : الفسق لا ينافي الكفر إذ الكافر فاسق لغة وإن كان في العرف يباينه لكنه لم يتحقق كونه عرف الشارع ، بل المعلوم كونه لأهل الشرع والأصول فلا تعارض حينئذ.

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

(٢) سورة المائدة : ٤٧.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : والحق في الجواب أن المراد والله أعلم : ومن لم يحكم بما أنزل الله ، أي بما علم قطعا أن الله سبحانه أنزله فإن العدول عنه إلى غيره مستحلا أو الوقوف عنه كذلك لا ريب في كونه كفرا لأنه إنكار لما علم ثبوته ضرورة فلا يكون التصديق حاصلا وحينئذ فلا دلالة فيها على أن من ارتكب معصية غير مستحل أو مستحلا مع كون تحريمها لم يعلم من الدين ضرورة يكون كافرا ، وإنما ارتكبنا هذا الإضمار في الآية لما دل عليه النص والإجماع من أن الحاكم لو أخطأ في حكمه لم يكفر مع أنه يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل الله.

واعلم أنه قد ظهر من هذا الجواب وجه آخر للجمع بين الآيتين ووقع التعارض بين ظاهر هما بأن يراد من إحداهما ما ذكرناه في الجواب ومن الأخرى ومن لم يحكم غير مستحل مع علمه بالتحريم فهو فاسق ، والحاصل أنه يقال لهم : إن أردتم بالطاعات والتروك ما علم ثبوته من الدين ضرورة فنحن نقول بموجب ذلك ، لكن لا يلزم منه مدعا كم لجواز كون الحكم بكفره إما لجحده ما علم من الدين ضرورة فيكون قد أخل بما هو شرط الإيمان وهو عدم الجحد على ما قدمناه ، أو لكون المذكورات جزء الإيمان على ما ذهب إليه بعضهم ، وإن أردتم الأعم فلا دلالة لكم فيها أيضا وهو ظاهر.

وأما أهل الخامس القائلون بأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان فيستدل لهم بما استدل به أهل التصديق مع ما استدل به أهل الأعمال ومن أضاف الإقرار باللسان إلى الجنان ، وقد علمت تزييف ما سوى الأول وسيجيء إنشاء الله تعالى تزييف أدلة من أضاف الإقرار فلم يبق لمذهبهم قرار.

نعم في أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام ما يشهد لهم وقد ذكر في الكافي وغيره منها جملة فمنها ما رواه علي بن إبراهيم عن العباس بن معروف عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت مع عبد الملك بن أعين

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى أبي عبد اللهعليهم‌السلام أسأله عن الإيمان ما هو إلى آخر الخبر ، ومنها ما رواه علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أوقفني على حدود الإيمان ، الخبر. ومنها : أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان أو غيره عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الإيمان ، الخبر.

ثم قالقدس‌سره : واعلم أن هذه الأحاديث منها ما سنده غير نقي كالأول ، فإن في سنده عبد الرحيم وهو مجهول مع كونه مكاتبة ، وأما الثاني فإن سنده وإن كان جيدا إلا أن دلالته غير صريحة فإن كون المذكورات حدود الإيمان لا يقتضي كونها نفس حقيقته إذ حد الشيء نهايته وما لا يجوز تجاوزه ، فإن تجاوزه خرج عنه ، ونحن نقول بموجب ذلك فإن من تجاوز هذه المذكورات بأن تركها جاحدا لا ريب في خروجه عن الإيمان ، لكن لعل ذلك لكونها شروطا للإيمان ، لا لكونها نفسه ، وأما الثالث فإن دلالته وإن كانت جيدة إلا أن في سنده إرسالا مع كون العلاء مشتركا بين المقبول والمجهول ، وبالجملة فهذه الرواية معارضة بما هو أمتن منها دلالة ، وقد تقدم ذلك فليراجع ، نعم لا ريب في كونها مؤيدة لما قالوه.

وأما أهل السادس القائلون بأنه التصديق مع كلمتي الشهادة ففيما مر من الأحاديث ما يصلح شاهدا لهم ، وكذا ما ذكره الكرامية مع ما ذكره أهل التصديق يصلح شاهدا لهم ، وقد عرفت ما في الأولين فلا نعيده ، وأما السابع فإنه مذهب جماعة من المتأخرين منهم المحقق الطوسي (ره) في تجريده فإنه اعتبر في حقيقة الإيمان مع التصديق الإقرار باللسان ، قال : ولا يكفي الأول لقوله تعالى : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ »(١) أثبت للكفار الاستيقان النفسي وهو التصديق القلبي ، فلو كان الإيمان هو التصديق القلبي فقط لزم اجتماع الكفر والإيمان وهو باطل لتقابلهما

__________________

(١) سورة النمل : ١٤.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تقابل العدم والملكة ، ولا الثاني يعني الإقرار باللسان لقوله تعالى : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا »(١) الآية ولقوله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ »(٢) فأثبت لهم تعالى في الآيتين التصديق باللسان ، ونفي عنهم الإيمان.

أقول : الاستدلال على عدم الاكتفاء بالثاني مسلم موجه وكذا عدم الاكتفاء بالأول ، أما على اعتبار الإقرار ففيه بحث فإن الدليل أخص من المدعى ، إذ المدعي أن الإيمان لا يحقق إلا بالتصديق مع الإقرار ، وبدون ذلك يتحقق الكفر ، والآية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر الآيات مع علمه بحقيقتها وبينهما واسطة ، فإن من حصل له التصديق اليقيني في أول الأمر ، ولم يكن تلفظ بكلمات الإيمان لا يقال أنه منكر ولا جاحد ، وحينئذ فلا يلزم اجتماع الكفر والإيمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر ولا تارك للإقرار جحدا كما هو المفروض ، هذا إن قصد بالآية الدلالة على اعتبار الإقرار أيضا ، وإلا لكان اعتبار الإقرار دعوى مجردة ، وقد علت ما عليه ، وأما دلالة الآية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه فنقول بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لأنه ضم إنكارا إلى استيقان.

وبالجملة فهو من جملة العلامات على الحكم بالكفر كما جعل الاستخفاف بالشارع أو الشرع ، ووطي المصحف علامة على الحكم بالكفر ، مع أنه قد يكون مصدقا كما سبقت الإشارة إليه ، نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار المصدق شرطا لحكمنا بإيمانه ظاهرا ، وأما قبل ذلك وبعد التصديق فهو مؤمن عند الله تعالى إذا لم يكن تركه للإقرار عن جحد.

على أنه يلزمهقدس‌سره أن من حصل له التصديق بالمعارف الإلهية ثم عرض له الموت فجأة قبل الإقرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم مع اعتقاده

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

(٢) سورة البقرة : ٨.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وحدة الصانع وحقية ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أظن أن مثل هذا المحقق يلتزم ذلك ، والحاصل أنه إن أرادرحمه‌الله أن كون الإنسان مؤمنا عند الله سبحانه كما هو ظاهر كلامه لا يتحقق إلا بمجموع الأمرين فالواسطة والالتزام لا زمان عليه ، وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر الشرع لا يتحقق إلا بالأمرين معا فالنزاع لفظي فإن من اكتفى فيه بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند الله تعالى فقط ، وأما عند الناس فلا بد في العلم بذلك من الإقرار ونحوه.

واعلم أنه استدل بعضهم على هذا المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن الإيمان في اللغة هو التصديق ، والدلائل عليه كثيرة ، فإما أن يكون في الشرع كذلك أو يكون منقولا عن معناه في اللغة ، والثاني باطل لأن أكثر الألفاظ تكرار في القرآن وكلام الرسولعليه‌السلام لفظ الإيمان ، فلو كان منقولا عن معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب العلم به فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة.

إذا ثبت هذه فنقول : ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني أو مجموعهما ، والأول باطل لقوله تعالى : «فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ »(١) فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم ولو كان مجرد المعرفة إيمانا لما صح ذلك وأيضا قوله تعالى : «فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا »(٢) ولا يصح أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الاستيقان بها ، فلا بد أن يكون بألسنتهم حيث لم يقروا بها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان الإقرار به مع التصديق القلبي موجبا للإيمان فيكون الإقرار من محققات الإيمان ، وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام إذا يقول لفرعون : «لَقَدْ عَلِمْتَ

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٩.

(٢) سورة النمل : ١٤.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(١) فأثبت كونه عالما بأن الله تعالى هو الذي أنزل الآيات التي جاء بها موسىعليه‌السلام ، فلو كان مجرد العلم هو الإيمان لكان فرعون مؤمنا وهو باطل بنص القرآن العزيز وإجماع الأنبياءعليهم‌السلام من لدن موسى إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأيضا قوله تعالى : «فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ »(٢) ومعنى ذلك والله أعلم : أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم ولا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون نبوتك ، ولا يستقيم أن يكون المعنى لا يكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون بألسنتهم له ، فيلزم أن يكونوا كذبوا بألسنتهم ولم يكذبوا بها وبطلانه ظاهر فيجب تنزيه القرآن العزيز عنه.

ولك أن تقول : لم لا يجوز أن يكون المعنى لا يكذبونك بألسنتهم ولكن يجحدون نبوتك بقلوبهم كما أخبر الله تعالى عن المنافقين في سورتهم حيث قالوا «نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ » ، وكذبهم الله تعالى حيث شهد سبحانه وتعالى بكذبهم فقال : «وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ » والمراد في شهادتهم أي فيما تضمنته من أنها عن صميم القلب وخلوص الاعتقاد كما ذكره جماعة من المفسرين حيث لم توافق عقيدتهم فقد علم من ذلك أنهم لم يكذبوه بألسنتهم بل شهدوا له بها ، ولكنهم جحدوا ذلك بقلوبهم حيث كذبهم الله تعالى في شهادتهم.

والجواب التكذيب لهم ورد على نفس شهادتهم التي هي باللسان لا على نفس عقيدتهم ، وبالجملة فهذا لا يصلح نظيرا لما نحن فيه ، على أن معنى الجحد كما قرروه هو الإنكار باللسان مع تصديق القلب ، وما ذكر من الاحتمال عكس هذا المعنى.

ثم قال : والثاني باطل أما أولا فبالاتفاق من الإمامية ، وأما ثانيا فلقوله تعالى : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا »(٣) ولا شك أنهم كانوا

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٠٢.

(٢) سورة الأنعام : ٣٣.

(٣) سورة الحجرات : ١٤.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صدقوا بألسنتهم وحيث لم يكن كافيا نفى الله تعالى عنهم الإيمان مع تحققه ، وقوله تعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ »(١) فأثبت لهم الإقرار والتصديق باللسان ، ونفي إيمانهم فثبت بذلك أن الإيمان هو التصديق مع الإقرار.

ثم قال : لا يقال : لو كان الإقرار باللسان جزء الإيمان للزم كفر الساكت؟ لأنا نقول : لو كان الإيمان هو العلم أي التصديق لكان النائم غير مؤمن لكن لما كان النوم لا يخرجه عن كونه مؤمنا بالإجماع مع كونه أولى بأن يخرج النائم عن الإيمان لأنه لا يبقى معه معنى من الإيمان بخلاف الساكت ، فإنه قد بقي معه معنى منه وهو العلم لم يكن السكوت مخرجا بطريق أولى ، نعم لو كان الخروج عن التصديق والإقرار أو عن أحدهما على جهة الإنكار والجحد لخرج بذلك عن الإيمان ، ولذلك قلنا أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان أو ما في حكمهما ، انتهى محصل ما ذكره.

أقول : قوله : إن النائم ينتفي عنه العلم أي التصديق غير مسلم ، وإنما المنتفي شعوره بذلك العلم وهو غير العلم ، فالتصديق حينئذ باق لكونه من الكيفيات النفسية ، فلا يزيله النوم وحينئذ فلا يلزم من عدم الحكم بانتفاء الإيمان عن النائم عدم الحكم بانتفائه عن الساكت بطريق أولى ، نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على مذهب من جعل الإقرار جزءا إما للزوم الحرج العظيم بدوام الإقرار في كل وقت أو أن يكون المراد من كون الإقرار جزءا للإيمان الإقرار في الجملة أي في وقت ما مع البقاء عليه ، فلا ينافيه السكوت المجرد ، وإنما ينافيه مع الجحد لعدم بقاء الإقرار حينئذ.

وأقول : الذي ذكره من الدليل على عدم النقل لا يدل وحده على كون الإقرار جزءا وهو ظاهر ، بل قصد به الدلالة على بطلان ما عدا مذهب أهل التصديق ،

__________________

(١) سورة البقرة : ٨.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم استدل على بطلان مذهب التصديق بما ذكره من الآيات الدالة على اعتبار الإقرار في الإيمان الشرعي تخصيصا للغوي كما هو عند أهل التصديق وهذا جيد ، لكن دلالة الآيات على اعتبار الإقرار ممنوعة ، وقد بينا ذلك سابقا أن تكفيرهم إنما كان لجحدهم الإقرار وهو أخص من عدم الإقرار فتكفيرهم بالجحد لا يستلزم تكفيرهم بمطلق عدم الإقرار ليكون الإقرار معتبرا.

نعم اللازم من الآيات اعتبار عدم الجحد مع التصديق وهو أعم من الإقرار واعتبار الأعم لا يستلزم اعتبار الأخص وهو ظاهر.

وهذا جواب عن استدلاله بجميع الآيات ، ويزيد في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى ، في الحكاية عن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام : «لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ »(١) الآية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم على طريق الملاطفة والملائمة حيث كان مأمورا بذلك بقوله : «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى »(٢) وهذا شائع في الاستعمال كما يقال في المحاورات كثيرا ، وأنت خبير بأنه كذا وكذا ، مع أن المخاطب بذلك قد لا يكون عارفا بذلك المعنى أصلا ، بل قد لا يكون هناك مخاطب أصلا كما يقع في المؤلفات كثيرا.

وعلى هذا فلا تدل الآية على ثبوت العلم لفرعون ، ولو سلم ثبوته كان الحكم بكفره للجحد لا لعدم الإقرار مطلقا كما سبق بيانه.

واعلم أن المحقق الطوسيقدس‌سره اختار في فصوله الاكتفاء بالتصديق القلبي في تحقق الإيمان فكأنهرحمه‌الله لحظ ما ذكرناه ، وقد استدل بعض الشارحين بقوله تعالى : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(٣) وبقوله تعالى : «وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(٤) فيكون حقيقة فيه ، فلو أطلق على غيره لزم الاشتراك أو المجاز

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٠٢.

(٢) سورة طه : ٤٤.

(٣) سورة المجادلة : ٢٢.

(٤) سورة الحجرات : ١٤.

١٥٠

باب

أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سماعة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان فقال إن الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان فقلت فصفهما لي فقال ـ الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به

______________________________________________________

وهما خلاف الأصل ، والإقرار باللسان كاشف عنه والأعمال الصالحة ثمراته.

أقول : الذي ظهر مما حررناه أن الإيمان هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله وحكمته ، وبالنبوة وبكل ما علم بالضرورة مجيء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الإقرار بذلك وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم إجماعهم على ذلك ، والتصديق بإمامة الأئمة الاثني عشرعليه‌السلام وبإمام الزمان ، وهذا عند الإمامية.

باب أن الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان

الحديث الأول : موثق.

« أهما مختلفان » أي مفهوما وحقيقة أم متساويان مترادفان« يشارك الإسلام » قيل : المشاركة وعدمها أما باعتبار المفهوم فإن مفهوم الإسلام داخل في مفهوم الإيمان دون العكس أو باعتبار الصدق فإن كل مؤمن مسلم دون العكس ، أو باعتبار الدخول فإن الداخل في الإيمان داخل في الإسلام بدون العكس أو باعتبار الأحكام فإن أحكام الإسلام ثابتة للإيمان بغير عكس.

« فصفهما لي » أي بين لي حقيقتهما« شهادة أن لا إله إلا الله » بيان لأجزاء الإسلام« به حقنت » بيان لأحكام الإسلام ، ويدل على التوارث بين جميع فرق المسلمين كما هو المشهور ، والظاهر أن المراد بالشهادة والتصديق الإقرار الظاهري كما مر

١٥١

حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة إن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان

______________________________________________________

أنه إطلاقه الشائع ويحتمل التصديق القلبي فيكون إشارة إلى معنى آخر للإسلام ، ويحتمل أن يكون أصل معناه الإقرار القلبي وإن ترتبت الأحكام على الإقرار الظاهري ، بناء على الحكم بالظاهر ما لم يظهر خلافه ، لعدم إمكان الاطلاع علي القلب كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهل شققت قلبه؟ ولذا قالعليه‌السلام وعلى ظاهره جماعة الناس فتأمل ، وعلى هذا فلا فرق بين الإيمان والإسلام إلا بالولاية والإقرار بالأئمةعليهم‌السلام ، إذ في الإيمان أيضا يحكم بالظاهر والأول أظهر ، والمراد بالهدي الولاية والاهتداء بالأئمةعليهم‌السلام وما يثبت في القلوب إشارة إلى العقائد القلبية بالشهادة الظاهرة الإسلامية فكلمة« من » في قوله : من صفة الإسلام ، بيانية ، ويحتمل أن يكون ابتدائية أي ما يسري من أثر الأعمال الظاهرة إلى الباطن ، وقوله : وما ظهر من العمل ، يدل على أن الأعمال أجزاء الإيمان وإن أمكن حمله على الشهادتين كما يومئ إليه آخر الخبر.

« أرفع من الإسلام » لأنه يصير سببا لإحراز المثوبات الأخروية أو لاعتبار الولاية فيه فيكون أكمل وأجمع.

قولهعليه‌السلام : الإيمان يشارك الإسلام ظاهره أنه لا فرق بين العقائد الإيمانية والإسلامية ، والفرق بينهما أن في الإيمان يعتبر الإقرار الظاهري والتصديق الباطني معا بخلاف الإسلام فإنه لا يعتبر فيه إلا الظاهر فقط ، وقد يأول بأن المراد أن الإيمان يشارك الإسلام في جميع الأعمال الظاهرة المعتبرة في الإسلام مثل الصلاة والزكاة وغيرهما ،والإسلام لا يشارك الإيمان في جميع الأمور الباطنة المعتبرة في الإيمان ، لأنه لا يشاركه في التصديق بالولاية وإن اجتمعا في الشهادتين والتصديق بالتوحيد والرسالة ، قيل : ومنه يتبين أن الإيمان كالنوع والإسلام كالجنس ، وقد

١٥٢

في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن موسى بن بكر ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلام إن الإيمان ما وقر في القلوب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي الصباح الكناني قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أيهما أفضل الإيمان أو الإسلام فإن من قبلنا يقولون إن الإسلام أفضل من الإيمان فقال الإيمان

______________________________________________________

يطلق الإسلام ويراد به هذا النوع مجازا من باب إطلاق العام على الخاص ، ولعل قوله تعالى : «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها »(١) الآية من هذا الباب ، فقول من زعم أنهما مترادفان وتمسك بهذه الآية مدفوع.

الحديث الثاني : ضعيف كالموثق وقد مر القول فيه.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وهو خلاصة من الخبر الأول ، وفي النهاية بشيءوقر في القلب ، أي سكن فيه وثبت من الوقار الحلم والرزانة ، وقر يقر وقارا وفي المصباح : الوقار الحلم والرزانة وهو مصدر وقر بالضم مثل جمل جمالا ، ويقال أيضا وقر يقر من باب وعد ، ووقر من باب وعد أيضا أي جلس بوقار.

الحديث الرابع : صحيح.

« أيهما أفضل » ؟ مبتدأ وخبر ، والإيمان والإسلام تفسير لمرجع الضمير ، أو هما

__________________

(١) سورة الذاريات : ٣٥ ،.

١٥٣

أرفع من الإسلام قلت فأوجدني ذلك قال ما تقول فيمن أحدث في المسجد الحرام متعمدا قال قلت يضرب ضربا شديدا قال أصبت قال فما تقول فيمن أحدث في الكعبة متعمدا قلت يقتل قال أصبت ألا ترى أن الكعبة أفضل من المسجد وأن الكعبة تشرك المسجد والمسجد لا يشرك الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول الإيمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله عز وجل وصدقه

______________________________________________________

مبتدأ وأيهما أفضل خبر« أوجدني ذلك » أي اجعلني أجده وأفهمه ، وفي القاموس : وجد المطلوب كوعد وورم يجده ويجده بضم الجيم وجد أوجده أدركه وأوجده أغناه ، وفلانا مطلوبه أظفره به ، وبعد ضعف قواه كأجده.

قوله : متعمدا أي لا ساهيا ولا مضطرا ، ويدل على كفر من استخف بالكعبة فإنها من حرمات الله ووجوب تعظيمها من ضروريات الدين« ألا ترى أن الكعبة » شبهعليه‌السلام المعقول بالمحسوس إفهاما للسائل وبيانا للعموم والخصوص ، وشرف الإيمان على الإسلام« وأن الكعبة تشرك المسجد » أي في حكم التعظيم في الجملة أو في أنها يصدق عليها أنها مسجد وكعبة ، أو في أن من دخل الكعبة يحكم بدخوله في المسجد بخلاف العكس.

« والمسجد » أي جميع أجزائه« لا يشرك الكعبة » في قدر التعظيم وعقوبة من استخف بها أو لا يصدق على كل جزء من المسجد أنه كعبة ، أو في أن من دخلها دخل الكعبة كما سيأتي ووجه الشبه على جميع الوجوه ظاهر.

الحديث الخامس : حسن.

قوله عليه‌السلام « وأفضى به إلى الله » الضمير إما راجع إلى القلب أو إلى صاحبه أي أوصله إلى معرفة الله وقربه وثوابه فالضمير في أفضى راجع إلى ما ، ويحتمل أن يكون

١٥٤

العمل بالطاعة لله والتسليم لأمره والإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا إلى الإيمان والإسلام لا

______________________________________________________

راجعا إلى المؤمن وضمير به راجعا إلى الموصول أي وصل بسبب ذلك الاعتقاد أو أوصل ذلك الاعتقاد إلى الله كناية عن علمه سبحانه بحصوله في قلبه ، وقيل : أي جعل وجه القلب إلى الله من الفضائل والأحكام أي الفضائل الدنيوية والأحكام الشرعية ، قال في المصباح : أفضى الرجل بيده إلى الأرض بالألف مسها بباطن راحته قاله ابن فارس وغيره ، وأفضيت إلى الشيء وصلت إليه والسر أعلمته به ، انتهى.

وقيل : أشار به إلى أن المراد بما استقر في القلب مجموع التصديق بالتوحيد والرسالة والولاية ، لأن هذا المجموع هو المفضي إلى الله ، وقوله : وصدقه العمل ، مشعر بأن العمل خارج عن الإيمان. ودليل عليه ، لأن الإيمان وهو التصديق أمر قلبي يعلم بدليل خارجي مع ما فيه من الإيماء إلى أن الإيمان بلا عمل ليس بإيمان« والتسليم لأمره » أي الإمامة عبر هكذا تقية أو الأعم فيشملها أيضا ، ويحتمل أن يكون عدم ذكر الولاية لأن التصديق القلبي الواقعي بالشهادتين مستلزم للإقرار بالولاية فكأن المخالفين ليس إذعانهم إلا إذعانا ظاهريا لإخلالهم بما يستلزمانه من الإقرار بالولاية ، فلذا أطلق عليهم في الأخبار اسم النفاق والشرك فتفطن.

« والإسلام ما ظهر من قول أو فعل » أي قول بالشهادتين أو الأعم وفعل بالطاعات كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها ، فيدل على أن الإسلام يطلق علي مجرد الطاعات والشهادات من غير اشتراط التصديق« فخرجوا بذلك من الكفر » أي من أن يجري عليهم في الدنيا أحكام الكفار« وأضيفوا إلى الإيمان » أي نسبوا إلى الإيمان ظاهرا وإن لم يكونوا متصفين به حقيقة« وهما في القول والفعل يجتمعان »

١٥٥

يشرك الإيمان والإيمان يشرك الإسلام وهما في القول والفعل يجتمعان كما صارت الكعبة في المسجد والمسجد ليس في الكعبة وكذلك الإيمان يشرك الإسلام والإسلام لا يشرك الإيمان وقد قال الله عز وجل : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(١) فقول الله عز وجل أصدق القول قلت فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم ـ في أعمالهما وما يتقربان به إلى الله عز وجل قلت أليس الله عز وجل يقول : «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها »(٢) وزعمت أنهم

______________________________________________________

أي في الشهادتين والعبادات الظاهرة وإن خص الإيمان بالولاية ، وظاهر سياق الحديث لا يخلو من شوب تقية ، وكان المراد بالفضائل ما يفضل به في الدنيا من العطاء والأجر وأمثاله لا الفضائل الواقعية الأخروية أو ما يفضل به على الكافر من الإنفاق والإعطاء والإكرام والرعاية الظاهرية وقيل : أي في التكليف بالفضائل بأن يكون المؤمن مكلفا ولا يكون المسلم مكلفا بها.

وفي تفسير العياشي هكذا قال : قلت له : أرأيت المؤمن له فضل على المسلم في شيء من المواريث والقضايا والأحكام حتى يكون للمؤمن أكثر مما يكون للمسلم في المواريث أو غير ذلك؟ قال : لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحدا إذا حكم الإمام عليهما ، إلى آخر الخبر ، وهو أظهر ، فالفضائل تصحيف القضايا.

« في إعمالهما » أي صحتها وقبولها« وما يتقربان به إلى الله » أي من العقائد والأعمال فيكون تأكيدا أو تعميما بعد التخصيص لشموله للعقائد أيضا ، أو المراد بالأول صحة الأعمال ، وبالثاني كيفياتها فإن المؤمن يعمل بما أخذه من إمامه ، والمسلم يعمل ببدع أهل الخلاف ، وقيل : المراد به الإمام الذي يتقرب بولايته ومتابعته إلى الله تعالى ، فإن أمام المؤمن مستجمع لشرائط الإمامة وإمام المسلم لشرائط الفسق والجهالة.

قوله : أليس الله تعالى يقول. أقول : هذا السؤال والجواب يحتمل وجوها

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

(٢) سورة الأنعام : ١٦.

١٥٦

مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحج مع المؤمن قال أليس قد قال الله عز وجل : «فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً »(١) فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز وجل لهم حسناتهم لكل حسنة سبعون ضعفا فهذا فضل المؤمن ويزيده الله في حسناته على قدر صحة إيمانه أضعافا كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير قلت أرأيت

______________________________________________________

« الأول » وهو الظاهر أن السائل أراد أنه إذا كانا مجتمعين في الحسنات والحسنة بالعشر ، فكيف يكون له فضل عليه في الأعمال والقربات مع أن الموصول من أدوات العموم فيشمل كل من فعلها ، فأجابعليه‌السلام بأنها شريكان في العشر والمؤمن يفضل بما زاد عليها ، ويرد عليه أنه على هذا يكون لإعمال غير المؤمنين أيضا ثواب وهو مخالف للإجماع والأخبار المستفيضة إلا أن يحمل الكلام على نوع من التقية أو المصلحة لقصور فهم السائل ، أو يكون المراد بالإيمان الإيمان الخالص وبالإسلام أعم من الإيمان الناقص وغيره ، ويكون الثواب للأول وهو غير بعيد عن سياق الخبر بل لا يبعد أن يكون المراد المستضعف من المؤمنين الذين يظهرون الإيمان ولم يستقر في قلوبهم كما يرشد إليه قوله : وهما في القول والفعل يجتمعان ، وقد عرفت اختلاف الاصطلاح في الإيمان فيكون هذا الخبر موافقا لبعض مصطلحاته ، وقيل في الجواب : لعل عمل غير المؤمن ينفعه في تخفيف العقوبة ورفع شدتها لا في دخول الجنة إذ دخولها مشروط بالإيمان.

الثاني : أنه تعالى قال : «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً » والقرض الحسن هو العبادة الواقعة على كمالها وشرائط قبولها ، ومن جملة شرائطها هو الإيمان فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله عز وجل لهم حسناتهم لا غيرهم ، فيعطيهم لكل حسنة عشرة ، وربما يعطيهم لكل حسنة سبعين ضعفا ، فهذا فضل المؤمن على المسلم ، ويزيد الله في حسناته على قدر صحة إيمانه ، وحسب كماله أضعافا

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٤٥.

١٥٧

من دخل في الإسلام أليس هو داخلا في الإيمان فقال لا ولكنه قد أضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر وسأضرب لك مثلا تعقل به فضل الإيمان على الإسلام أرأيت لو بصرت رجلا في المسجد أكنت تشهد أنك رأيته في الكعبة قلت لا يجوز لي ذلك قال فلو بصرت رجلا في الكعبة أكنت شاهدا أنه قد دخل المسجد الحرام قلت

______________________________________________________

كثيرة حتى أنه تعطى بواحدة سبعمائة أو أزيد ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير الذي لا يعلمه إلا هو كما قال : «وَلَدَيْنا مَزِيدٌ »(١) وقيل : أراد بما يشاء من الخير إيتاء العلم والحكمة وزيادة اليقين والمعرفة.

الثالث : ما ذكره بعض الأفاضل ويرجع إلى الثاني وهو أن المراد بالقرض الحسن صلة الإمامعليه‌السلام كما ورد في الأخبار ، فالغرض من الجواب أنه كما أن القرض يكون حسنا وغير حسن ، والحسن الذي هو صلة الإمام يصير سببا لتضاعف أكثر من عشرة ، فكذلك الصلاة والزكاة والحج تكون حسنة وغير حسنة ، والحسنة ما كان مع تصديق الإمام وهو يستحق المضاعفة لا غيره ، والفاء فيقوله : « فالمؤمنون » للبيان ،وقوله : يضاعف الله بتقدير قد يضاعف الله وإلا لكان الظاهر عشرة أضعاف ،« ويزيد الله » أي على السبعين أيضا.

قوله : أرأيت من دخل في الإسلام ، كان السائل لم يفهم الفرق بين الإيمان والإسلام بما ذكرهعليه‌السلام فأعاد السؤال أو أنه لما كان تمكن في نفسه ما اشتهر بين المخالفين من عدم الفرق بينهما أراد أن يتضح الأمر عنده أو قاس الدخول في المركب من الأجزاء المعقولة بالدخول في المركب من الأجزاء المقدارية ، فإن من دخل جزءا من الدار صدق عليه أنه دخل الدار ، فلذا أجابهعليه‌السلام بمثل ذلك لتفهيمه فقال : المتصف ببعض أجزاء الإيمان لا يلزم أن يتصف بجميع أجزائه حتى يتصف بالإيمان كما أن من دخل المسجد لا يحكم عليه بأنه دخل الكعبة ومن دخل الكعبة يحكم عليه بأنه دخل المسجد ، فكذا يحكم على المؤمن أنه مسلم ولا يحكم على كل مسلم أنه مؤمن.

__________________

(١) سورة ق : ٣٥.

١٥٨

نعم قال وكيف ذلك قلت إنه لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد فقال قد أصبت وأحسنت ثم قال كذلك الإيمان والإسلام.

باب

آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أسأله عن الإيمان ما هو فكتب إلي مع عبد الملك بن أعين سألت رحمك الله عن الإيمان والإيمان هو الإقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان

______________________________________________________

ثم اعلم أنه استدل بهذه الأخبار على كون الكعبة جزءا من المسجد الحرام ، ويرد عليه أنه لا دلالة في أكثرها على ذلك ، بل بعضها يومئ إلى خلافه كهذا الخبر ، حيث قال :أكنت شاهدا أنه قد دخل المسجد ، ولم يقل أكنت شاهدا أنه في المسجد ، وكذاقوله : لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد ، نعم بعض الأخبار تشعر بالجزئية.

باب آخر منه وفيه أن الإسلام قبل الإيمان

الحديث الأول : مجهول.

قوله عليه‌السلام : والإيمان هو الإقرار « إلخ » هذا تفسير للإيمان الكامل والأخبار في ذلك كثيرة ، وعليه انعقد اصطلاح المحدثين منا ، قال الصدوقرحمه‌الله في الهداية : الإسلام هو الإقرار بالشهادتين وهو الذي يحقن به الدماء ، والأموال ، ومن قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله فقد حقن ماله ودمه إلا بحقيهما وعلى الله حسابه ، والإيمان هو الإقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ، وأنه يزيد بالأعمال وينقص بتركها ، وكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم بمؤمن ومثل ذلك مثل الكعبة والمسجد فمن دخل الكعبة فقد دخل المسجد ، وليس كل من دخل المسجد دخل الكعبة ، وقد فرق الله عز اسمه

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في كتابه بين الإسلام والإيمان ، فقال : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا » وقد بين الله عز وجل أن الإيمان قول وعمل ، لقوله : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » إلى قوله تعالى : «أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا »(١) وأما قوله عز وجل : «فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ »(٢) فليس ذلك بخلاف ما ذكرنا لأن المؤمن يسمى مسلما والمسلم لا يسمى مؤمنا حتى يأتي مع إقراره بعمل ، وأما قوله عز وجل : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ »(٣) الآية فقد سئل الصادقعليه‌السلام عن ذلك فقال : هو الإسلام الذي فيه الإيمان ، انتهى.

وقال الشيخ المفيدقدس‌سره في كتاب المسائل : أقول : إن مرتكبي الكبائر من أهل المعرفة والإقرار مؤمنون بإيمانهم بالله وبرسله وبما جاء من عنده وفاسقون بما معهم من كبائر الآثام ولا أطلق لهم اسم الفسوق ولا اسم الإيمان ، بل أقيدهما جميعا في تسميتهم بكل واحد منهما وامتنع من الوصف لهم بهما على الإطلاق وأطلق لهم اسم الإسلام بغير تقييد ، وعلى كل حال وهذا مذهب الإمامية إلا بني نوبخترحمهم‌الله ، فإنهم خالفوا فيه وأطلقوا للفساق اسم الإيمان ، انتهى.

« والإيمان بعضه من بعض » أي تترتب أجزاء الإيمان بعضها على بعض فإن الإقرار بالعقائد يصير سببا للعقائد القلبية والعقائد تصير سببا للأعمال البدنية أو المعنى أن أفراد الإيمان ودرجاته يترتب بعضها على بعض ، فإن الأدنى منها تصير سببا لحصول الأعلى وهكذا إلى حصول أعلى درجاته فإن حصول قدر من اليقين يصير سببا للإتيان بقدر من الأعمال بحسبه فإذا أتى بتلك الأعمال زاد الإيمان القلبي فيزيد أيضا العمل وهكذا ، فيترتب كمال كل جزء من الإيمان على كمال الجزء الآخر.

ويحتمل أن يكون إشارة إلى اشتراط بعض أجزاء الإيمان ببعض ، فإن العمل لا ينفع بدون الاعتقاد والاعتقاد أيضا مشروط في كماله وترتب الآثار عليه بالعمل

__________________

(١) سورة الأنفال : ٣.

(٢) سورة الذاريات : ٣٥.

(٣) سورة آل عمران : ٨٥.

١٦٠