مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 378

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الحديث
تصنيف:

الصفحات: 378
المشاهدات: 8856
تحميل: 5465


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8856 / تحميل: 5465
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 7

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر بن خلاد قال سمعت

______________________________________________________

الحديث الثالث : مرسل كالصحيح فإنه يقال مراسيل البزنطي في حكم المسانيد.

والإدمان الإدامة وقوله عليه‌السلام : وفي قدرته ، كأنه عطف تفسير لقوله : في الله ، فإن التفكر في ذات الله وكنه صفاته ممنوع كما مر في الأخبار في كتاب التوحيد ، لأنه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل ، فالمراد بالتفكر في الله النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه ، فإنها تدل على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه ، وتدل على كمال علمه وحكمته ، وعلى نفاذ مشيته وقدرته وإحاطته بالأشياء ، وأنه سبحانه لكمال علمه وحكمته لم يخلق هذا الخلق عبثا من غير تكليف ومعرفة وثواب وعقاب فإنه لو لم تكن نشأة أخرى باقية غير هذه النشأة الفانية المحفوفة بأنواع المكاره والآلام لكان خلقها عبثا كما قال تعالى : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ »(١) .

وهذا تفكر أولي الألباب كما قال تعالى : «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ »(٢) وقال سبحانه «وَمِنْ آياتِهِ » ، «وَمِنْ آياتِهِ » ، في مواضع كثيرة فتلك الآيات هي مجاري التفكر في الله وفي قدرته لأولي النهي لا ذاته تعالى ، فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما قال : تفكروا في آلاء الله فإنكم لن تقدروا قدره.

الحديث الرابع : صحيح.

__________________

(١) سورة المؤمنون : ١١٥.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

٣٤١

أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم إنما العبادة التفكر في أمر الله عز وجل.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه إن التفكر يدعو إلى البر والعمل به.

______________________________________________________

« ليس العبادة كثرة الصلاة » أي ليست منحصرة فيها« إنما العبادة » أي الكاملة« التفكر في أمر الله » بالمعاني المتقدمة ، وقد يقال : المراد بالتفكر في أمر الله طلب العلم بكيفية العمل وآدابه وشرائطه ، والعبادة بدونه باطلة ، فالحاصل أن كثرة الصلاة والصوم بدون العلم بشرائطهما وكيفياتهما وأحكامهما ليست عبادة.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن كثرة الصلاة والصوم بدون التفكر في معرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة أئمة الهدى كما يصنعه المخالفون غير مقبولة وموجبة للبعد عن الحق.

الحديث الخامس : ضعيف.

« التفكر يدعو إلى البر » كان التفكر الوارد في هذا الخبر شامل لجميع التفكرات الصحيحة التي أشرنا إليها كالتفكر في عظمة الله فإنه يدعو إلى خشيته وطاعته ، والتفكر في فناء الدنيا ولذاتها فإنها يدعو إلى تركها ، والتفكر في عواقب من مضى من الصالحين فيدعو إلى اقتفاء آثارهم ، وفي ما آل إليه أمر المجرمين فيدعو إلى اجتناب أطوارهم ، وفي عيوب النفس وآفاتها فيدعو إلى الإقبال على إصلاحها ، وفي أسرار العبادة وغاياتها فيدعو إلى السعي في تكميلها ورفع النقص عنها ، وفي رفعة درجات الآخرة فيدعو إلى تحصيلها ، وفي مسائل الشريعة فيدعو إلى العمل بها في مواضعها ، وفي حسن الأخلاق الحسنة فيدعو إلى تحصيلها ، وفي قبح الأخلاق السيئة وسوء آثارها فيدعو إلى تجنبها ، وفي نقص أعماله ومعائبها فيدعو إلى السعي في إصلاحها ، وفي سيئاته وما يترتب عليها من العقوبات والبعد عن الله

٣٤٢

باب المكارم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الهيثم بن أبي مسروق ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن الحسين بن عطية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المكارم عشر فإن استطعت أن تكون فيك فلتكن فإنها تكون في الرجل ولا تكون في ولده

______________________________________________________

والحرمان عن السعادات فيدعوه إلى الانتهاء عنها وتدارك ما أتى به بالتوبة والندم ، وفي صفات الله وأفعاله من لطفه بعباده وإحسانه إليه بسوابغ النعماء وبسط الآلاء والتكليف دون الطاقة والوعد لعمل قليل بثواب جزيل ، وتسخيره له ما في السماوات والأرض وما بينهما. إلى غير ذلك فيدعوه إلى البر والعمل به ، والرغبة في الطاعات والانتهاء عن السيئات ، وبالمقايسة إلى ما ذكرنا يظهر آثار سائر التفكرات ، والله الموفق للخيرات.

باب المكارم

الحديث الأول : مجهول.

وفي الخصال ومجالس الشيخ والمفيد عن الحسن بن عطية ، فالحديث حسن كالصحيح وهو الظاهر.

وفي القاموس : الكرم محركة ضد اللؤم ، كرم بضم الراء كرامة فهو كريم ومكرمة وأكرمه وكرمه عظمه ونزهة ، والكريم الصفوح والمكرم والمكرمة بضم رأيهما فعل الكرم ، وأرض مكرمة كريمة طيبة ، انتهى.

والمكارم جمع المكرمة أي الأخلاق والأعمال الكريمة الشريفة التي توجب كرم المرء وشرافته.

« فإن استطعت » يدل على أن تحصيل تلك الصفات أو كمالها لا يتيسر لكل أحد فإنها من العنايات الربانية والمواهب السبحانية التابعة للطينات الحسنة الطيبة ، وبينعليه‌السلام ذلك بقوله. فإنها تكون في الرجلولا تكون في ولده مع

٣٤٣

وتكون في الولد ولا تكون في أبيه وتكون في العبد ولا تكون في الحر قيل وما

______________________________________________________

شدة المناسبة والخلطة والمعاشرة بينهما ، وكذا العكس ، ولا مدخل للشرافة النسبية في ذلك ولا الكرامة الدنيوية وبينعليه‌السلام ذلكبقوله : وتكون في العبد ، « إلخ ».

فإن قيل : إذا كانت هذه الصفات من المواهب الربانية فلا اختيار للعباد فيها ، فلا يتصور التكليف بها والمذمة على تركها؟

قلت : يمكن أن يجاب عنه بوجهين : الأول : أن يكون المراد بالاستطاعة بسهولة التحصيل ، لا القدرة والاختيار ، وتكون العناية الإلهية سببا لسهولة الأمر لا التمكن منه ، الثاني : أن تكون الاستطاعة في المستحبات كإقراء الضيف وإطعام السائل والتذمم والحياء لا في الواجبات كصدق اللسان وأداء الأمانة.

قوله عليه‌السلام : صدق البأس ، في بعض نسخ الكتاب ومجالس الشيخ وغيره بالياء المثناة التحتانية ، وفي بعضها بالباء الموحدة.

فعلى الأول المراد به اليأس عما في أيدي الناس وقصر النظر على فضله تعالى ولطفه ، والمراد بصدقه عدم كونه بمحض الدعوى من غير ظهور آثاره ، إذ قد يطلق الصدق في غير الكلام من أفعال الجوارح ، فيقال : صدق في القتال إذا وفي حقه وفعل على ما يجب وكما يجب ، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك ، وقد يطلق على مطلق الحسن نحو قوله تعالى : «مَقْعَدِ صِدْقٍ »(١) و «قَدَمَ صِدْقٍ »(٢) .

وعلى الثاني المراد بالبأس أما الشجاعة والشدة في الحرب وغيره ، أي الشجاعة الحسنة الصادقة في الجهاد في سبيل الله ، وإظهار الحق والنهي عن المنكر ، أو من البؤس والفقر كما قيل : أريد بصدق البأس موافقة خشوع ظاهره وإخباته لخشوع باطنه وإخباته لا يرى التخشع في الظاهر أكثر مما في باطنه ، انتهى.

وهو بعيد عن اللفظ إذ الظاهر حينئذ البؤس بالضم وهو خلاف المضبوط من

__________________

(١) سورة القمر : ٥٥.

(٢) سورة يونس : ٢.

٣٤٤

هن قال صدق البأس وصدق اللسان وأداء الأمانة وصلة الرحم وإقراء الضيف

______________________________________________________

الرسم ، قال في القاموس : البأس العذاب والشدة في الحرب ، بؤس ككرم بأسا فهو بئيس شجاع ، وبئس كسمع بؤسا اشتدت حاجته ، والتباؤس التفاقر وأن يرى تخشع الفقراء إخباتا وتضرعا ، انتهى.

وكأنه أخذه من المعنى الأخير ولا يخفى ما فيه ، وقال بعضهم : صدق البأس أي الخوف أو الخضوع أو الشدة والفقر ومنه «الْبائِسَ الْفَقِيرَ » أو القوة وصدق الخوف من المعصية بأن يتركها ، ومن التقصير في العمل بأن يسعى في كماله ، ومن عدم الوصول إلى درجة الأبرار بأن يسعى في اكتساب الخيرات ، وصدق الخضوع بأن يخضع لله لا لغيره ، وصدق الفقر بأن يترك عن نفسه هواها ومتمنياتها ، وصدق القوة بأن يصرفها في الطاعات ، انتهى.

وفي أكثرها تكلف مستغنى عنه.

« وأداء الأمانة » الأمانة ضد الخيانة وما يؤتمن عليه وكأنها تعم المال والعرض والسر وغيرها من حقوق الله وحقوق النبي والأئمةعليهم‌السلام وسائر الخلق ، كما قال تعالى : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها »(١) وقد فسرت الأمانة في هذه الآية وغيرها بالودائع والتكاليف ، والإمامة والخلافة في أخبار كثيرة مر بعضها.

وفي النهاية قد تكرر في الحديث ذكرصلة الرحم وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم ، وكذلك إن بعدوا وأساءوا ، وقطع الرحم ضد ذلك كله ، يقال : وصل رحمه يصلها وصلا وصلة ، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة ، فكأنه بالإحسان إليهم وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر ، انتهى.

وشمولها للأصهار لا يخلو من نظر وإن كان حسنا.

« وإقراء الضيف » كذا في نسخ الكتاب وغيره إلا في رواية أخرى رواها الشيخ

__________________

(١) سورة النساء : ٥٧.

٣٤٥

وإطعام السائل والمكافأة على الصنائع والتذمم للجار والتذمم للصاحب ورأسهن

______________________________________________________

في المجالس موافقة المضامين لهذه الرواية فإن فيها قرى الضيف وهو أظهر وأوفق لما في كتب اللغة ، في القاموس : قرى الضيف قرى بالكسر والقصر ، والفتح والمد أضافه واستقري واقترى وأقرئ طلب ضيافة ، انتهى.

لكن قد نرى كثيرا من الأبنية مستعملة في الأخبار والعرف العام والخاص لم يتعرض لها اللغويون ، وقد يقال : الأفعال هنا للتعريض نحو أباع البعير ، وقيل : إقراء الضيف طلبه للضيافة ولم أدر من أين أخذه ، وكأنه أخذه من آخر كلام الفيروزآبادي ، ولا يخفى ما فيه.

والقرى والإطعام إما مختصان بالمؤمن أو بالمسلم مطلقا كما يدل عليه بعض الأخبار وإن كان يأباه بعضها أو الأعم منه ومن الكفار كما اشتهر على الألسن : أكرم الضيف ولو كان كافرا ، وأما الحربي فالظاهر العدم ، ثم هما يتفاوتان في الفضل بحسب تفاوت نية القاري أو المطعم واحتياجهما واستحقاق الضيف أو السائل وصلاحهما ، والغالب استحبابهما وقد يجبان عند خوف هلاك الضيف والسائل.

والمكافاة على الصنائع أي المجازات على الإحسان ، في القاموس : كافأه مكافأة وكفاء جازاه ، وفي النهاية : الاصطناع افتعال من الصنيعة وهي العطية والكرامة والإحسان ، ولعلها من المستحبات والآداب لجواز الأخذ من غير عوض لما رواه إسحاق بن عمار قال : قلت له : الرجل يهدي إلى الهدية يتعرض لما عندي فآخذها ولا أعطيه شيئا؟ قال : نعم هي لك حلال ولكن لا تدع أن تعطيه ، وهذا هو الأشهر الأقوى.

وعن الشيخ أن مطلق الهبة يقتضي الثواب ومقتضاه لزوم بذله وإن لم يطلبه الواهب وهو بعيد ، وعن أبي الصلاح أن هبة الأدنى للأعلى يقتضي الثواب فيعوض عنها بمثلها ولا يجوز التصرف فيها ما لم يعوض ، والأظهر خلافه.

نعم إن اشترط الواهب على المتهب العوض وعينه لزم وإن أطلق ولم يتفقا على

٣٤٦

الحياء.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل خص رسله بمكارم الأخلاق فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم فاحمدوا الله واعلموا أن ذلك من خير

______________________________________________________

شيء فالظاهر أنه يلزم المتهب مثل الموهوب أو قيمته إن أراد اللزوم ، وهل يهب على المتهب الوفاء بالشرط أو له التخيير فيه وفي رد العين؟ فيه قولان.

وفي النهايةالتذمم للصاحب هو أن يحفظ ذمامه ويطرح عن نفسه ذم الناس له إن لم يحفظه ، وفي القاموس تذمم استنكف يقال : لو لم أترك الكذب تأثما لتركته تذمما ، والحاصل أن يدفع الضرر عمن يصاحبه سفرا أو حضرا وعمن يجاوره في البيت أو في المجلس أيضا ، أو من أجاره وآمنه خوفا من اللوم والذم لكنه مقيد بما إذا لم ينته إلى الحمية والعصبية بأن يرتكب المعاصي لإعانته.

في القاموس : الجار المجاور ، والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير والمستجير والحليف« ورأسهن الحياء » لأن جميع ما ذكر إنما يحصل ويتم بالحياء من الله أو من الخلق ، فهي بالنسبة إليها كالرأس من البدن ، والحياء انقباض النفس عن القبائح وتركها لذلك.

الحديث الثاني : موثق وآخره مرسل.

والخلق بالضم ملكة للنفس يصدر عنها الفعل بسهولة ، ومنها ما تكون خلقية ومنها ما تكون كسبية بالتفكر والمجاهدة والممارسة وتمرين النفس عليها ، فلا ينافي وقوع التكليف بها كما أن البخيل يعطي أولا بمشقة ومجادلة للنفس ثم يكرر ذلك حتى يصير خلقا وعادة له ، والمراد بتخصيص الرسل بها أن الفرد الكامل منها مقصورة عليهم أو هم مقصورون عليها دون أضدادها ، فإن الباء قد تدخل على المقصور كما هو المشهور وقد تدخل على المقصور عليه ، أو المعنى خص الرسل بإنزال المكارم عليهم وأمرهم بتبليغها كما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق« واعلموا أن

٣٤٧

وإن لا تكن فيكم فاسألوا الله وارغبوا إليه فيها قال فذكرها عشرة اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروءة

______________________________________________________

ذلك من خير » أي من خير عظيم أراد الله بكم أو علم الله فيكم من صفاء طينتكم أو من عمل خير أو نية خير صدر عنكم فاستحققتم أن يتفضل عليكم بذلك. أو اعلموا أن ذلك من توفيق الله سبحانه ، ولا يمكن تحصيل ذلك إلا به ، أو عدوه من الخيرات العظيمة أو خص رسله من بين سائر الخلق بالنبوة والرسالة والكرامة بسبب مكارم الأخلاق التي علمها فيهم.

واليقين أعلى مراتب الإيمان بحيث يبعث على العمل بمقتضاه كما مر.

والقناعة الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها يقال : قنع يقنع قناعة إذا رضي ، والأظهر عندي أنها الاكتفاء بما أعطاه الله تعالى وعدم طلب الزيادة منه قليلا كان أم كثيرا.

والصبر هو حبس النفس عن الجزع عند المصيبة وعن ترك الطاعة لمشقتها وعن ارتكاب المعصية لغلبة شهوتها.

والشكر مكافأة نعم الله في جميع الأحوال باللسان والجنان والأركان.

والحلم ضبط النفس عن المبادرة إلى الانتقام فيما يحسن لا مطلقا.

وحسن الخلق هو المعاشرة الجميلة مع الناس بالبشاشة والتودد والتلطف والإشفاق واحتمال الأذى عنهم.

والسخاء هو بذل المال بسهولة على قدر لا يؤدي إلى الإسراف في موضعه ، وأفضله ما كان بغير سؤال.

والغيرة الحمية في الدين وترك المسامحة فيما يرى في نسائه وحرمه من القبائح ، لا تغير الطبع بالباطل والحمية فيه ، والقتل والضرب بالظن من غير ثبوت شيء عليه شرعا وأمثال بذلك.

والشجاعة الجرأة في الجهاد مع أعادي الدين مع تحقق شرائطه ، والأمر

٣٤٨

قال وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة وزاد فيها الصدق وأداء الأمانة.

٣ ـ عنه ، عن بكر بن صالح ، عن جعفر بن محمد الهاشمي ، عن إسماعيل بن

______________________________________________________

بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومجاهدة النفس والشيطان.

والمروءة بالهمز وقد يشدد الواو بتخفيف الهمزة هي الإنسانية ، وهي صفات إذا كانت في الإنسان يحق أن يسمى إنسانا أو يحق الإنسان من حيث أنه إنسان أن يأتي بها فهو مشتق من المرء فهي من أمهات الصفات الكمالية ، قال في المصباح : المروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، انتهى.

وقريب منه معنى الفتوة ويعبر عنهما بالفارسية ( بمردى وجوانمردي ) ويرجع أكثر ما يندرج فيه إلى البذل والسخاء وحسن المعاشرة وكثرة النفع للعباد والإتيان بما يعظم عند الناس من ذلك.

وروى الصدوق (ره) في معاني الأخبار بسند مرفوع إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : تذاكرنا أمر الفتوة عنده فقال : أتظنون أن الفتوة بالفسق والفجور! إنما الفتوة طعام موضوع ونائل مبذول ، وبشر معروف وأذى مكفوف ، وأما تلك فشطارة وفسق ، ثم قال : ما المروة؟ قلنا : لا نعلم قال : المروة والله أن يضع الرجل خوانه في فناء داره.

قوله : قال : وروى بعضهم ، الظاهر أن فاعل قال البرقي حيث روي من كتابه ، ويحتمل ابن مسكان أيضا ، وعلى التقديرين قوله : روي ، و « زاد فيها » تنازعا في الصدق ،فقوله : وزاد فيها تأكيد للكلام السابق لئلا يتوهم أنه أتى بها بدلا من خصلتين من العشر تركهما ، فلا بد من سقوط عشرة من الرواية الأخيرة كما في الرواية الآتية ، أو إبدالها باثنتي عشرة ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله : وزاد فيها أنه زاد في أصل العدد أيضا بما ذكرنا من الإبدال والله أعلم بحقيقة الحال.

الحديث الثالث : ضعيف.

٣٤٩

عباد قال بكر وأظنني قد سمعته من إسماعيل ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنا لنحب من كان عاقلا فهما فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا إن الله عز وجل خص الأنبياء بمكارم الأخلاق فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم تكن فيه فليتضرع إلى الله عز وجل وليسأله إياها

______________________________________________________

وقد مر تفسير العقل في أول الكتاب والأظهر هنا أنه ملكة للنفس يدعو إلى اختيار الخير والنافع واجتناب الشرور والمضار ، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوية والغضبية والوساوس الشيطانية.

والفهم هو جودة تهيؤ الذهن لقبول ما يرد عليه من الحق وينتقل من المبادئ إلى المطالب بسرعة ، والفقه العلم بالأحكام من الحلال والحرام وبالأخلاق وآفات النفوس وموانع القرب من الحق ، وقيل : بصيرة قلبية في أمر الدين تابعة للعلم والعمل ، مستلزم للخوف والخشية ، وقال الراغب : الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ، فهو أخص من العلم ، قال تعالى : «فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً »(١) «بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ »(٢) إلى غير ذلك من الآيات.

والفقه العلم بأحكام الشريعة يقال : فقه الرجل إذا صار فقيها وتفقه إذا طلبه ، فتخصص به ، قال تعالى : «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ »(٣) والمداراة الملاطفة والملاينة مع الناس وترك مجادلتهم ومناقشتهم وقد يهمز قال في القاموس : درأه كجعله دفعه ودرأته ودرايته دافعته ولا ينته ضد ، وفي النهاية فيه : كان لا يداري ولا يماري ، أي لا يشاغب ولا يخالف ، وهو مهموز فأما المداراة في حسن الخلق والصحبة فغير مهموز وقد يهمز ، انتهى.

والوفي الكثير الوفاء بعهود الله وعهود الخلق ، وهو قريب من الصدق ملازم له كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : الوفاء توأم الصدق ويومئ الحديث إلى التحريص

__________________

(١) سورة النساء : ٧٨.

(٢) سورة الأنفال : ٦٥.

(٣) سورة التوبة : ١٢٢.

٣٥٠

قال قلت جعلت فداك وما هن قال هن الورع والقناعة والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة والبر وصدق الحديث وأداء الأمانة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل ارتضى لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

______________________________________________________

على محبة الموصوف بالصفات المذكورة ، واختيار مصاحبته.

والورع قريب من التقوى بل أخص منها ببعض معانيها ، فإنه يعتبر فيه الكف عن الشبهات بل المكروهات وبعض المباحات ، قال في النهاية فيه : ملاك الدين الورع ، الورع في الأصل الكف عن المحارم والتحرج منه ، ثم أستعير للكف عن المباح والحلال.

والبر هو الإحسان بالوالدين والأقربين بل بالناس أجمعين ، وقد يطلق على جميع الأعمال الصالحة والخيرات.

الحديث الرابع : مرسل.

« ارتضى لكم الإسلام » إشارة إلى قوله تعالى : «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً »(١) ولما ورد في الأخبار المتواترة أن الآية نزلت بعد نصب أمير المؤمنينعليه‌السلام بالخلافة فالخطاب في الرواية متوجه إلى الشيعة لأنهم الذين قبلوا الولاية« فأحسنوا صحبته » شبه الإسلام برجل صالح يصاحبه المؤمن فإن أحسن صحبته لازمه وإلا فارقه ففيه إشعار بأنه إذا ترك هاتين الخصلتين لا يؤمن أن يفارقه الإسلام فيدل على أن للأعمال الحسنة والأخلاق الجميلة مدخلا في رسوخ الإسلام والإيمان وثباتهما وكمالهما.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

٣٥١

عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الإيمان أربعة أركان الرضا بقضاء الله والتوكل على الله وتفويض الأمر إلى الله والتسليم لأمر الله.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن سنان ، عن رجل من بني هاشم قال أربع من كن فيه كمل إسلامه ولو كان من قرنه إلى قدمه خطايا لم تنقصه الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بخير رجالكم قلنا بلى يا رسول الله قال إن من خير

______________________________________________________

« الإيمان أربعة أركان » أي مركب منها أو له هذه الأربعة عليها بناؤه واستقراره فكأنه عينها وقد مر تفسير تلك الدعائم وسيأتي أيضا إنشاء الله.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

وكان المرادبرجل من بني هاشم الصادقعليه‌السلام عبر هكذا لشدة التقية ، أو الرجل راو وضمير قال راجع إليهعليه‌السلام ، فالحديث مضمر ، والخبر مروي بسند آخر عن أبي ولاد عن الصادقعليه‌السلام ، وسيأتي في باب حسن الخلق.

« أربع » أي أربع خصال« لم تنقصه » ضمير المفعول راجع إلى الإسلام أو إلى الموصول أي لم ينقصه شيئا من الإسلام ، قيل : أي يوفقه الله للتوبة بسبب تلك الخصال فلا ينقصه شيئا من ثواب الآخرة ، مع أن حصول هذه الصفات يوجب ترك أكثر المعاصي ويستلزمه.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« بخير رجالكم » ربما يتوهم التنافي بين هذا وبينقوله : من خير رجالكم ، وأجيب بأن المراد بالأول الصنف ، وبالثاني كل فرد من هذا الصنف أو الحصر في الأول إضافي بالنسبة إلى من لم يوجد فيه الصفات المذكورة ، دون الخير على الإطلاق.

وأقول : يحتمل أن يكونعليه‌السلام أراد ذكر الكل ثم اكتفى بذكر البعض ،

٣٥٢

رجالكم التقي النقي السمح الكفين النقي الطرفين البر بوالديه ولا يلجئ

______________________________________________________

أو المراد أن المتصف بكل من الصفات المذكورة من جملة الخير ، أو المراد بقوله بخير رجالكم ببعضهم بقرينة الأخير ، ومرجعه إلى بعض الوجوه المتقدمة« النقي » أي من الشرك وما يوجب الخروج من الإيمان أو من سائر المعاصي أيضا ، فقوله :

النقي الطرفين ، تخصيص بعد التعميم أو المراد به الاحتراز عن الشبهات ، والنقي النظيف الطاهر من الأوساخ الجسمانية والأدناس النفسانية من رذائل العقائد والأخلاق.

« السمح الكفين » قال في النهاية : سمح وأسمح إذا جاد وأعطى عن كرم وسخاء ، انتهى.

والإسناد إلى الكفين لظهور العطاء منهما ، والتثنية للمبالغة أو إشارة إلى عطاء الواجبات والمندوبات.

« النقي الطرفين » أي الفرج عن الحرام والشبهة ، واللسان عن الكذب والخنى والافتراء والفحش والغيبة وسائر المعاصي ، وما لا يفيد من الكلام ، أو الفرجين أو الفرج والفم عن أكل الحرام والشبهة ، أو المراد كريم الأبوين والأول أظهر ، قال في النهاية : طرفا الإنسان لسانه وذكره ، ومنه قولهم : لا يدري أي طرفيه أطول ، وفيه : وما أدري أي طرفيه أسرع ، أراد حلقه ودبره أي أصابه القيء والإسهال ، فلم أدر أيهما أسرع خروجا من كثرته ، انتهى.

والمعنى الثالث أيضا حسن لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أكثر ما يدخل النار الأجوفان ، قالوا : يا رسول الله وما الأجوفان؟ قال : الفرج والفم وأيضا قرنوا في أخبار كثيرة في بيان المهلكات بين شهوة البطن والفرج ، وروي في معاني الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة ، وحمله الأكثر على المعنى الأول ، قال الصدوق (ره) : يعني من ضمن لي لسانه وفرجه

٣٥٣

عياله إلى غيره.

باب فضل اليقين

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن المثنى بن الوليد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس شيء إلا وله حد

______________________________________________________

وأسباب البلايا تنفتح من هذين العضوين ، انتهى.

« البر بوالديه » أي المحسن إليهما والمطيع لهما والمتحري لمحابهما« ولا يلجئ عياله إلى غيره » أي لم يضطرهم لعدم الإنفاق عليهم مع القدرة عليه إلى السؤال عن غيره ، يقال : ألجأته إليه ولجأته بالهمزة والتضعيف أي اضطررته وأكرهته.

باب فضل اليقين

الحديث الأول : ضعيف على المشهور معتبر.

وقال المحقق الطوسي (ره) في أوصاف الأشراف : اليقين اعتقاد جازم مطابق ثابت لا يمكن زواله ، وهو في الحقيقة مؤلف من علمين العلم بالمعلوم ، والعلم بأن خلاف ذلك العلم محال ، وله مراتب ، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.

وقالقدس‌سره في بعض مصنفاته إن مراتب المعرفة مثل مراتب معرفة النار مثلا فإن أدناها من سمع أن في الوجود شيئا يعدم كل شيء يلاقيه ويظهر أثره في كل شيء يحاذيه ، وأي شيء أخذ منه لم ينقص منه شيء ، ويسمى ذلك الموجود نارا ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المقلدين الذين صدقوا بالدين من غير وقوف على الحجة ، وأعلى منها مرتبة من وصل إليه دخان النار وعلم أنه لا بد من مؤثر فحكم بذات لها أثر هو الدخان ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع ، وأعلى منها مرتبة من أحس بحرارة النار بسبب مجاورتها وشاهد الموجودات

٣٥٤

قال قلت جعلت فداك فما حد التوكل قال اليقين قلت فما حد اليقين قال ألا تخاف مع الله شيئا.

٢ ـ عنه ، عن معلى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد الحناط وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من صحة يقين المرء المسلم

______________________________________________________

بنورها وانتفع بذلك الأثر.

ونظير هذه المرتبة في معرفة الله سبحانه معرفة المؤمنين الخلص الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقنوا أن الله نور السماوات والأرض كما وصف به نفسه ، وأعلى منها مرتبة من احترق بالنار بكليته وتلاشى فيها بجملته ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل الشهود والفناء في الله وهو الدرجة العليا والمرتبة القصوى رزقنا الله الوصول إليها والوقوف عليها بمنه وكرمه ، انتهى.

والمرادبالحد هنا إما علامته أو تعريفه أو نهايته ، فعلى الأول المعنى أن علامة التوكل اليقين ، وعلى الثاني تعريف له بلازمه ، وعلى الثالث المعنى أن التوكل ينتهي إلى اليقين فإنه إذا تمرن على التوكل وعرف آثاره حصل له اليقين بأن الله مدبر أمره وأنه الضار النافع ، وكذا الفقرة الثانية تحتمل الوجوه المذكورة وعدم الخوف من غيره سبحانه لا ينافي التقية وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة إطاعة لأمره تعالى فإن صاحب اليقين يفعلهما خوفا منه تعالى كما أن التوكل لا ينافي التوسل بالوسائل والأسباب تعبدوا مع كون الاعتماد على الله تعالى في جميع الأمور.

الحديث الثاني : له سندان أولهما ضعيف على المشهور كالصحيح عندي ، وثانيهما صحيح ، فهما في غاية الصحة والقوة.

« من صحة يقين المرء المسلم » أي من علامات كون يقينه بالله وبكونه مالكا لنفعه وضره وقاسما لرزقه على ما علم صلاح دنياه وآخرته فيه ، وأن الله مقلب

٣٥٥

أن لا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من

______________________________________________________

القلوب وهي بيده يصرفها كيف يشاء وأن الآخرة الباقية خير من الدنيا الفانية صحيحا غير معلول ولا مشوب بشك وشبهة وأنه واقع ليس محض الدعوى.

« أن لا يرضى الناس بسخط الله » بأن يوافقهم في معاصيه تعالى طلبا لما عندهم من الزخارف الدنيوية أو المناصب الباطلة ، ويفتيهم بما يوافق رضاهم من غير خوف أو تقية ، ولا يأمرهم بالمعروف ولا ينهاهم عن المنكر من غير خوف ضرر أو عدم تجويز تأثير ، بل لمحض رعاية رضاهم وطلب التقرب عندهم ، أو يأتي أبواب الظالمين ويتذلل عندهم لا لتقية تجوزه ولا لمصلحة جلب نفع لمؤمن أو لدفع ضرر عنه ، بل لطلب ما في أيديهم لسوء يقينه بالله وبرازقيته ، مع أنه يترتب عليه خلاف ما أمله ، كما روي : من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.

قوله عليه‌السلام : ولا يلومهم على ما لم يؤته الله ، أي لا يذمهم ولا يشكرهم على ترك صلتهم إياه بالمال وغيره فإنه يعلم صاحب اليقين أن ذلك شيء لم يقدره الله له ولا يرزقه إياه لعدم كون صلاحه فيه مطلقا أو في كونه بيد هذا الرجل وبتوسطه بل يوصله إليه من حيث لا يحتسب فلا يلوم أحدا بذلك لأنه ينظر إلى مسبب الأسباب ولا ينظر إليها ولا يعترض على الله فيما فعل به.

وهذا اللوم يتضمن نوعا من الشرك حيث جعلهم الرازق والمعطي مع الله وسخطا لقضاء الله والموقن بريء منهما ، فضمير يؤته راجع إلى المرء المسلم ، وعائد« ما » محذوف بتقدير إياه.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أنه لا يلومهم على ما لم يؤته الله إياهم فإن الله خلق كل أحد على ما هو عليه وكل ميسر لما خلق له فيكون كقولهعليه‌السلام لو علم الناس كيف خلق الله هذا الخلق لم يلم أحد أحدا.

٣٥٦

الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ثم قال إن الله بعدله وقسطه جعل

______________________________________________________

ولا يخفى بعده لا سيما بالنظر إلى التعليلبقوله فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص أي الرزق الذي قدره الله للإنسان لا يحتاج في وصوله إلى حرص بل يأتيه بأدنى سعي أمر الله به« ولا يرده » هذا الرزق« كراهة كاره » لرزق نفسه لقلته أو للزهد ، أو كاره لرزق غيره حسدا ، ويؤكد الأول :ولو أن أحدكم « إلخ » وهذا يدل على أن الرزق مقدر من الله تعالى ويصل إلى العبد البتة.

وفيه مقامان : الأول : أن الرزق هل يشمل الحرام أم لا؟ فالمشهور بين الإمامية والمعتزلة الثاني ، وبين الأشاعرة الأول قال الرازي في تفسير قوله تعالى : «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »(١) الرزق في كلام العرب الحظ وقال بعضهم : كل شيء يؤكل أو يستعمل ، وقال آخرون : الرزق هو ما يملك ، وأما في عرف الشرع فقد اختلفوا فيه فقال أبو الحسن البصري : الرزق هو تمكين الحيوان من الانتفاع بالشيء والحظر غير أن يمنعه من الانتفاع به فإذا قلنا رزقنا الله الأموال فمعنى ذلك أنه مكننا من الانتفاع بها والمعتزلة لما فسروا الرزق بذلك لا جرم قالوا : الحرام لا يكون رزقا وقال أصحابنا : الحرام قد يكون رزقا.

حجة الأصحاب من وجهين : الأول : أن الرزق في أصل اللغة هو الحظ والنصيب على ما بيناه فمن انتفع بالحرام فذلك الحرام صار حظا ونصيبا له ، فوجب أن يكون رزقا له ، الثاني : أنه تعالى قال : «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها »(٢) وقد يعيش الرجل طول عمره لا يأكل إلا من السرقة فوجب أن يقال : أنه طول عمره لم يأكل من رزقه شيئا.

وأما المعتزلة فقد احتجوا بالكتاب والسنة ، والمعنى ، أما الكتاب فوجوه

__________________

(١) سورة البقرة : ٣.

(٢) سورة هود : ٦.

٣٥٧

الروح والراحة في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط

______________________________________________________

أحدها : قوله تعالى : «وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ »(١) مدحهم على الإنفاق مما رزقهم الله تعالى فلو كان الحرام رزقا لوجب أن يستحقوا المدح إذا أنفقوا من الحرام وذلك باطل بالاتفاق ، وثانيها. لو كان الحرام رزقا لجاز أن ينفق الغاصب منه لقوله تعالى : «وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ »(٢) وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز للغاصب أن ينفق منه بل يجب عليه رده ، فدل على أن الحرام لا يكون رزقا ، وثالثها : قوله تعالى : «قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ »(٣) فبين أن من حرم رزق الله فهو مفتر على الله ، فثبت أن الحرام لا يكون رزقا.

وأما السنة فما رواه أبو الحسين في كتاب الغرر بإسناده عن صفوان بن أمية قال : كنا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ جاء عمرو بن مرة فقال : يا رسول الله إن الله كتب على الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة؟ فقالعليه‌السلام : لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة ، كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله طيبا فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله ، أما إنك لو قلت بعد هذه النوبة شيئا ضربتك ضربا وجيعا.

وأما المعنى فهو أن الله تعالى منع المكلف من الانتفاع به وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به ، ومن منع من أخذ شيء والانتفاع به لا يقال أنه رزقه إياه ، ألا ترى أنه لا يقال : أن السلطان رزق جنده مالا وقد منعهم من أخذه.

الثاني : أن الرزق هل يجب على الله إيصاله من غير سعي وكسب ، أم لا بد من الكسب والسعي فيه؟ ظاهر هذا الخبر وغيره الأول ، وقد روي في النهج عن أمير المؤمنين

__________________

(١) سورة البقرة : ٣.

(٢) سورة المنافقون : ١٠.

(٣) سورة سورة يونس : ٥٩.

٣٥٨

٣ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين.

______________________________________________________

عليه‌السلام أنه قيل لهعليه‌السلام : لو سد على رجل باب بيت وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقالعليه‌السلام : من حيث يأتيه أجله ، وظاهر كثير من الأخبار الثاني ، وسيأتي تمام الكلام فيه في كتاب المكاسب إنشاء الله تعالى.

قوله عليه‌السلام : وقسطه ، العطف للتفسير والتأكيد ، وكذا الراحة ، والروح راحة القلب وسكونه عن الاضطراب ، والراحة فراغ البدن وعدم المبالغة في الاكتساب« في اليقين » برازقيته سبحانه ولطفه وسعة كرمه ، وأنه لا يفعل بعباده إلا ما هو أصلح لهم ، وأنه لا يصل إلى العباد إلا ما قدر لهم« والرضا » بما يصل من الله إليه وهو ثمرة اليقين ، والحزن بالضم والتحريك أيضا إما عطف تفسير للهم أو الهم اضطراب النفس عند تحصيله والحزن جزعها واغتمامها بعد فواته« في الشك » أي عدم اطمئنان النفس بما ذكر في اليقين« والسخط » وعدم الرضا بقضاء الله المترتب على الشك.

ونعم ما قيل :

ما العيش إلا في الرضا

والصبر في حكم القضاء

ما بات من عدم الرضا

إلا على جمر الغضا(١)

الحديث الثالث : صحيح.

وابن محبوب معلق على ثاني سندي الخبر السابق ، ويدل على أن لكمال اليقين وقوة العقائد مدخلا عظيما في قبول الأعمال وفضلها بل لا يحصل الإخلاص الذي هو روح العبادة وملاكها إلا بها ، وكان قيد الدوام معتبر في الثاني أيضا ليظهر مزيد فضل اليقين ، ويحتمل أن يكون حذف قيد الدوام في الثاني للإشعار بأن إحدى

__________________

(١) الجمر : النار المتقدة ، والغضا شجر خشبه من أصلب الخشب وجمره يبقى زمنا طويلا لا ينطفي.

٣٥٩

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه على المنبر لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

______________________________________________________

ثمرات اليقين دوام العمل فإن اليقين الذي هو سببه لا يزول بخلاف العمل الكثير على غير يقين فإنه غالبا يكون متفرعا على غرض من الأغراض تتبدل سريعا ، أو إيمان ناقص هو بمعرض الضعف والزوال على نهج قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : طعم الإيمان ، قيل : إن فيه مكنية وتخييلية حيث شبه الإيمان بالطعام في أنه غذاء للروح به ينمو ويبلغ حد الكمال كما أن الطعام غذاء للبدن.

قوله عليه‌السلام : لم يكن ليخطئه يحتمل أن يكون من المعتل أي يتجاوزه ، أو من المهموز أي لا يصيبه كما يخطئ السهم الرمية.

قال الراغب : الخطأ العدول عن الجهة وذلك أضرب : أحدها : أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله ، والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد ، وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل ، والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه فهذا مخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل ، فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله ، وجملة الأمر أن من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب ، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل أنه أخطأ.

وقال الجوهري في المعتل قولهم في الدعاء : إذا دعوا للإنسان خطىء عنه السوء أي دفع عنه السوء وتخطئته تجاوزته ، وتخطيت رقاب الناس وتخطيت إلى كذا ، ولا تقل تخاطئت.

٣٦٠