مرآة العقول الجزء ٧

مرآة العقول15%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الحديث
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 378

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 378 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11845 / تحميل: 7000
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٧

مؤلف:
الناشر: دار الحديث
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

.................................................................................................

______________________________________________________

مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلا هو ، وشاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ودهشت عن إدراكه.

فإذا ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان : أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه وذلك لا يخفى مثاله ، والآخر ما يتناهى وضوحه وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق ، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سببان لامتناع إبصاره فلا يرى شيئا إلا إذا امتزج الظلام بالضوء وضعف ظهوره فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والأرض فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والأبصار بظهوره ، ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ، فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلف الأشياء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ، ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر.

ومثاله نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الإعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس ، فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أن لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرها ، فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد ، وفي الأبيض إلا البياض ، وأما الضوء فلا ندركه وحده لكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالتين ، فعلمنا أن الأجسام كانت قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب ، فعرفنا وجود النور بعدمه ، وما كنا نطلع عليه لو لا عدمه إلا بعسر شديد ، وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور.

هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به يدرك سائر المحسوسات ، فما هو

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره ، انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لو لا طريان ضده ، فإذا الرب تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ، ولو كان له عدم أو غيبة أو تغير لانهدمت السماوات والأرض وبطل الملك والملكوت ، ولأدركت التفرقة بين الحالتين ، ولو كان بعض الأشياء موجودا به وبعضها موجودا بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين في الدلالة ، ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ، ووجوده دائم في الأحوال يستحيل خلافه ، فلا جرم أورث شدة الظهور خفاء.

فهذا هو السبب في قصور الأفهام ، وأما من قويت بصيرته ولم يضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله وأفعاله ، وأفعاله أثر من آثار قدرته ، فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة ، وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها ، ومن هذا حاله فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ، ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء وأرض وحيوان وشجر ، بل ينظر فيه من حيث أنه صنع ، فلا يكون نظره مجاوزا له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان أو خطه أو تصنيفه ، ورأى فيه الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث هي آثاره لا من حيث إنها حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض ، فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف.

فكل العالم تصنيف الله تعالى فمن نظر إليها من حيث إنها فعل الله ، وعرفها من حيث إنها فعل الله ، وأحبها من حيث إنها فعل الله لم يكن ناظرا إلا في الله ، ولا عارفا إلا بالله ولا محبا إلا لله ، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله ، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه ، بل من حيث هو عبد الله.

فهذا هو الذي يقال فيه أنه فني في التوحيد وأنه فنى من نفسه ، وإليه الإشارة بقول من قال : كنا بنا ففنينا عنا فبقينا بلا نحن ، فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن دركها وقصور قدرة العلماء عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الأفهام ، لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يغنيهم ، فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى.

وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله إنما يدركها الإنسان في الصبي عند فقد العقل قليلا قليلا وهو مستغرق الهم بشهواته ، وقد أنس بمدركاته ومحسوساته ألفها ، فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس.

ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيوانا غريبا أو فعلا من أفعال الله خارقا للعادة عجيبا انطلق لسانه بالمعرفة طبعا فقال : سبحان الله وهو يرى طول النهار نفسه وأعضاءه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد قاطعة ولا يحس بشهادتها لطول الأنس بها ولو فرض أكمه بلغ عاقلا ثم انقشعت غشاوة عن عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة يخاف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة هذه العجائب على خالقها.

وهذا وأمثاله من الأسباب مع الانهماك في الشهوات وهي التي سدت على الخلق سبيل الاستضائة بأنوار المعرفة والسباحة في بحارها الواسعة ، والجليات إذا صارت مطلوبة صارت معتاضة فهذا سد الأمر ، فليتحقق ولذلك قيل :

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد

إلا على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجبا

وكيف يعرف من بالعرف استترا

أقول : وفي كلام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين على جده وأبيه وأمه وأخيه وعليه وبنيه سلام الله ، ما يرشدك إلى هذا العيان ، بل يغنيك عن هذا البيان حيث قال في دعاء عرفة : كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك ، عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا.

وقال أيضا : تعرفت لكل شيء ، فما جهلك شيء.

٦٣

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن ابن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » قال فطرهم على التوحيد.

باب

كون المؤمن في صلب الكافر

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن ميسرة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن نطفة المؤمن لتكون في صلب المشرك فلا يصيبه من الشر شيء حتى إذا صار في رحم المشركة لم يصبها من الشر شيء حتى تضعه فإذا وضعته لم يصبه من الشر شيء حتى يجري عليه القلم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قلت له إني قد أشفقت من دعوة أبي عبد اللهعليه‌السلام

______________________________________________________

وقال : تعرفت إلى في كل شيء فرأيتك ظاهرا في كل شيء فأنت الظاهر لكل شيء.

الحديث الخامس : ضعيف.

باب كون المؤمن في صلب الكافر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« فلا يصيبه من الشر »و في بعض النسخ من الشرك ، أي يحفظه الله من أن يصيبه من شرك الأبوين أو شركهما شيء ، بحيث يضره واقعا والحكم عليه بالكفر والنجاسة بالتبعية قبل البلوغ نظرا إلى الظاهر لا ينافي إيمانه الواقعي في علم الله.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

وكان يقطين بن موسى من دعاة العباسية في ابتداء دولتهم وكان له اختصاص بهم ، قال الشيخ في الفهرست :علي بن يقطين ( ره) ثقة جليل القدر له منزلة عظيمة

٦٤

على يقطين وما ولد فقال يا أبا الحسن ليس حيث تذهب إنما المؤمن في صلب الكافر بمنزلة الحصاة في اللبنة يجيء المطر فيغسل اللبنة ولا يضر الحصاة شيئا.

______________________________________________________

عند أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، عظيم المكان في الطائفة ، وكان يقطين من وجوه الدعاة وطلبه مروان فهرب ، وابنه علي بن يقطين هذا ولد بالكوفة سنة أربع وعشرين ومائة وهربت أم علي به وبأخيه عبيد بن يقطين إلى المدينة ، فلما ظهرت الدولة الهاشمية ظهر يقطين وعادت أم علي بعلي وعبيد فلم يزل يقطين في خدمة أبي العباس وأبي جعفر المنصور ، ومع ذلك كان يتشيع ويقول بالإمامة ، وكذلك ولده يحمل الأموال إلى جعفر بن محمدعليه‌السلام ونمى خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله عنه كيدهما ، انتهى.

وأقول : هذا الخبر وما تقدم في باب كراهية التوقيت يدلان على أن يقطين لم يكن مشكورا وكان منحرفا عن هذه الناحية ، وهذا الخبر يدل على أن الصادقعليه‌السلام كان دعا على يقطين وولده ولعنهم وكان علي مشفقا خائفا من أن يصيبه أثر تلك الدعوة واللعنة ، فأجابعليه‌السلام بأن اللعنة وسائر الشرار لا تصيب المؤمن الذي في صلب الكافر ، وشبه ذلك بالحصاة في اللبنة ، فإنه لا يضر الحصاة ما تقع على اللبنة من المطر وغيره ، فعلى هذا شبهعليه‌السلام اللعنة بالمطر لأن المطر يفتت اللبنة ويفرقها ويبطلها ، فكذا اللعنة تبطل من تصيبه وتفتته وتفرقه.

ويحتمل أن يكون شبهعليه‌السلام الرحمة والألطاف التي تشمل من الله تعالى المؤمن بالمطر ، ويكون الغرض أن ألطافه سبحانه ورحماته التي تحفظ طينة المؤمن تغسله وتظهره من لوث الكفر وما يلزمه وما يتبعه من اللعنات والعقوبات كما يغسل المطر لوث الطين من الحصاة ولعله أظهر.

وحاصل الكلام على الوجهين أن دعاؤهعليه‌السلام كان مشروطا بعدم إيمانهم ولم يكن مطلقا ، وكان غرضهعليه‌السلام اللعن على من يشبهه من أولاده.

قوله عليه‌السلام شيئا ، أي من الضرر ، وفي بعض النسخ شيء أي من الآفات واللعنات والشرور.

٦٥

باب

إذا أراد الله عز وجل أن يخلق المؤمن

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن إبراهيم بن مسلم الحلواني ، عن أبي إسماعيل الصيقل الرازي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن في الجنة لشجرة تسمى المزن فإذا أراد الله أن يخلق مؤمنا أقطر منها قطرة فلا تصيب

______________________________________________________

باب إذا أراد الله أن يخلق المؤمن

الحديث الأول : مجهول.

وفي المصباح حلوان بالضم بلد مشهور من سواد العراق وهي آخر مدن العراق وبينها وبين بغداد نحو خمس مراحل ، قيل : سميت باسم بانيها وهو حلوان بن عمران ابن الحارث بن قضاعة ، وفي القاموس :المزن بالضم السحاب أو أبيضه أو ذو الماء ، انتهى.

وكان التسمية هنا على التشبيه ، قيل : هذا الحديث كما يناسب ما قيل من أن المراد بالطينة الأصول الممتزجات المنقلة في أطوار الخلقة كالنطفة وما قبلها من موادها مثل النبات والغذاء وما بعدها من العلقة والمضغة والمزاج الإنساني القابل للنفس الناطقة المدبرة ، كذلك يناسب ما ذكر من أن المراد بالطينة طينة الجنة لأن طينة الجنة اختمارها وتربيتها بهذه القطرة كما أنه بماء العذب الفرات المذكور سابقا ، وبالجملة خلقه من طينة الجنة ومزجها بماء الفرات أولا وتربيتها بماء المزن ثانيا لطف منه تعالى بالنسبة إلى المؤمن ليحصل له الوصول إلى أعلى مراتب القرب ، انتهى.

وقال بعض المحققين من أهل التأويل : الجنة تشمل جنان الجبروت والملكوت ، والمزن الحساب وهو أيضا يعم سحاب ماء الرحمة والجود والكرم

٦٦

بقلة ولا ثمرة أكل منها مؤمن أو كافر إلا أخرج الله عز وجل من صلبه مؤمنا

______________________________________________________

وسحاب ماء المطر والخصب والديم ، وكما أن لكل قطرة من ماء المطر صورة وسحابا انفصلت منه في عالم الملك كذلك له صورة وسحاب انفصلت منه في عالمي الملكوت والجبروت ، وكما أن البقلة والثمرة تتربى بصورتها الملكوتية كذلك تتربى بصورتيها الملكوتية والجبروتية المخلوقتين من ذكر الله تعالى اللتين من شجرة المزن الجناني وكما أنهما تتربيان بها قبل الأكل كذلك تتربيان بها بعد الأكل في بدن الآكل ، فإنها ما لم تستحل إلى صورة العضو فهي بعد في التربية ، فالإنسان إذا أكل بقلة أو ثمرة ذكر الله عز وجل عندها وشكر الله عليها ، وصرف قوتها في طاعة الله سبحانه والأفكار الإيمانية والخيالات الروحانية فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء المزن الجناني ، فإذا فضلت من مادتها فضلة منوية فهي من شجرة المزن التي أصلها في الجنة وإذا أكلها على غفلة من الله سبحانه ، ولم يشكر الله عليها وصرف قوتها في معصية الله تعالى والأفكار المموهة الدنيوية والخيالات الشهوانية ، فقد تربت تلك البقلة أو الثمرة في جسده بماء آخر غير صالح لخلق المؤمن إلا أن يكون قد تحقق تربيتها بماء المزن الجناني قبل الأكل ، وأما مأكولة الكافر التي يخلق منها المؤمن فإنما يتحقق تربيتها بذلك الماء قبل أكله لها غالبا ، ولذكر الله عند زرعها أو غرسها مدخل في تلك التربية ، وكذلك لحل ثمنها وتقوى زارعها أو غارسها إلى غير ذلك من الأسباب.

٦٧

باب

في أن الصبغة هي الإسلام

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً »(١) قال الإسلام وقال في قوله عز وجل «فَقَدِ

______________________________________________________

باب أن الصبغة هي الإسلام

الحديث الأول : صحيح.

قوله «صِبْغَةَ اللهِ » ، أقول : تمام الآية وما يتعلق بها هكذا : «وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ. مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » يعني قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى «بَلْ مِلَّةَ » أي بل نكون أهل ملة إبراهيم ، أو بل نتبع ملة إبراهيم ، والحنيف : المائل عن كل دين إلى الحق «وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » تعريض بأهل الكتابين فإنهم كانوا يدعون أتباع ملة إبراهيم ، وهم مع ذلك على الشرك ، والأسباط حفدة يعقوبعليه‌السلام .

«صِبْغَةَ اللهِ » قال البيضاوي أي صبغنا الله صبغة ، وهي «فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ، فإنها حلية الإنسان ، كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا هدايته أو أرشدنا حجته أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٨.

٦٨

اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى »(١) قال هي الإيمان بالله وحده لا شريك له.

______________________________________________________

ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل في قلوبهم تداخل الصبغ الثوب أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه العمودية ، ويقولون هو تطهير لهم وبه تحق نصرانيتهم ، ونصبها على أنه مصدر مؤكد لقوله آمنا وقيل : على الإغراء ، أي عليكم صبغة الله ، وقيل : على البدل من ملة إبراهيم ، «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » لا صبغة أحسن من صبغته «وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ » تعريض بهم أي لا نشرك به كشرككم ، انتهى.

وقيل : على هذه الأخبار يحتمل أن تكون منصوبة على المصدر من مسلمون ، ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصا بالخواص والخلص المخاطبين بقولوا دون سائر أفراد بني آدم ، بل يتعين هذا المعنى إن فسر الإسلام بالخضوع والانقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه ، وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله.

وقيل «صِبْغَةَ اللهِ » إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما.

قوله «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ » ، قال تعالى «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها » وفسر الطاغوت في الأخبار بالشيطان وبأئمة الضلال ، والأولى التعميم ليشمل كل ما عبد من دون الله من صنم أو صاد عن سبيل الله «وَيُؤْمِنْ بِاللهِ » بالتوحيد وتصديق الرسل وأوصيائهم «فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » أي طلب الإمساك من نفسه بالحبل الوثيق ، وهي مستعار ملتمسك الحق من النظر الصحيح والدين القويم «لَا انْفِصامَ لَها » أي لا انقطاع لها.

وما ورد في الخبر من تفسيره بالإيمان كان المراد به أنه تعالى شبه الإيمان الكامل بالعروة الوثقى ، وعلى ما ورد في كثير من الأخبار من أن المراد بالطاغوت

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٦.

٦٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن عبد الله بن فرقد ، عن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام.

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام في قول الله عز وجل : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً » قال الصبغة هي الإسلام وقال في قوله عز وجل : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى » قال هي الإيمان.

______________________________________________________

الغاصبون للخلافة فالمعنى من رفض متابعة أئمة الضلالة وآمن بما جاء من عند الله في علي والأوصياء من بعدهعليه‌السلام فقد آمن بالله وحده لا شريك له ، وإلا فهو مشرك كما روي في معاني الأخبار عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه ، وعن الباقرعليه‌السلام أن العروة الوثقى هو مودتنا أهل البيت.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : مرسل كالموثق ، وقال الجوهري :صبغة الله دينه ، ويقال : أصله من صبغ النصارى أولادهم في ماء لهم ، وقال الفيروزآبادي : الصبغة بالكسر الدين والملة ، وصبغة الله فطرة الله ، أو التي أمر الله تعالى بها محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي الختانة

٧٠

باب

في أن السكينة هي الإيمان

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي

______________________________________________________

باب أن السكينة هي الإيمان

الحديث الأول : صحيح كما في بعض النسخ عن أبي حمزة ، وضعيف على المشهور إن كان عن علي بن أبي حمزة كما في بعض النسخ.

«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ » الآية في سورة الفتح هكذا : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ » والظاهر أن المراد بالسكينة الثبات وطمأنينة النفس وشدة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن وعروض الشبهات ، بل هذا إيمان موهبي يتفرع على الأعمال الصالحة والمجاهدات الدينية سوى الإيمان الحاصل بالدليل والبرهان ، ولذا قال : «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ ».

وقال في مجمع البيان : هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن إليه نفوسهم ، وذلك بكثرة ما ينصب لهم من الأدلة الدالة عليه ، فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصة ، وأما غيرهم فتضطرب نفوسهم لأول عارض من شبهة ترد عليهم إذ لا يجدون برد اليقين وروح الطمأنينة في قلوبهم ، وقيل : هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ، ويثبتوا في القتال ، وقيل : ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله ولرسوله ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح وعلو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا ، وقيل : ليزدادوا تصديقا بشرائع الإسلام وهو أنهم كلما أمروا بشيء من الشرائع والفرائض كالصلاة والصيام والصدقات صدقوا به ، وذلك بالسكينة التي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس

٧١

قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ »(١) قال هو الإيمان قال وسألته عن قول الله عز وجل : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ »(٢) قال هو الإيمان.

______________________________________________________

والمعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم ، انتهى.

والحاصل أن تفسيرهعليه‌السلام السكينة بالإيمان إما لكون هذا اليقين هو كمال الإيمان ، أو إيمان آخر موهبي ينضم إلى الإيمان الاستدلالي ، وهذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة والضعف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله.

وأما الآية الثانية فهي في سورة المجادلة حيث قال : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ » قال الطبرسي (ره) : كتب في قلوبهم الإيمان بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب عن الحسن ، وقيل : كتب في قلوبهم علامة الإيمان ومعنى ذلك أنها سمة وعلامة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون كما أن قوله في الكفار : وطبع الله على قلوبهم ، علامة يعلم من شاهدها من الملائكة أنه مطبوع على قلبه ، عن أبي علي الفارسي.

«وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » أي قواهم بنور الإيمان ، ويدل عليه : «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ » عن الزجاج ، وقيل : معناه وقواهم بنور الحجج والبرهان حتى اهتدوا للحق وعملوا به ، وقيل : قواهم بالقرآن الذي هو حياة القلوب من الجهل عن الربيع ، وقيل : أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم ، انتهى.

أقول : لعل المراد بالروح الإيمان الموهبي لأنه قال ذلك بعد قوله : «كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » أو المراد به قوة الإيمان وكماله ، ويحتمل أن يراد به أنه سبب

__________________

(١) سورة الفتح : ٤.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

٧٢

٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن صفوان ، عن أبان ، عن فضيل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ » هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع قال لا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال السكينة الإيمان.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وهشام بن سالم وغيرهما ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » قال هو الإيمان.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن جميل قال :

______________________________________________________

الإيمان وقوته وكماله لما سيأتي أن الله تعالى أيد المؤمن بروح يحضره في كل. وقت يحسن فيه ويتقي ويغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي وإن أمكن تأويل تلك الأخبار بما يوافق ظاهر هذا الخبر كما سيأتي في باب الروح الذي أيد به المؤمن.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

وإنما ذكر هذا مع عدم اشتماله على ما عنون به الباب لأنه كالتتمة لما ذكر في آخر الخبر السابق لأنهما في آية واحدة ، ويدل على أن الإيمان من الله وليس للعباد فيها صنع واختيار ، وإنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا وبإخراج التعصب والأغراض الباطلة عن النفس ، أو مع السعي في الجملة أيضا ، ويمكن تخصيصه بمعرفة الصانع كما مر أو بكمال المعرفة وقد مضى تفصيل القول في ذلك في باب البيان والتعريف ، وفي بعض النسخ صبغ بالباء الموحدة والغين المعجمة ، أي لهذه الكتابة صبغ ولون وهو تصحيف.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

الحديث الخامس : صحيح وفسر أكثر المفسرين كلمة التقوى بكلمة التوحيد

٧٣

سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله عز وجل : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » قال هو الإيمان قال : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ » قال : هو الإيمان وعن قوله : «وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى »(١) قال هو الإيمان.

باب الإخلاص

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «حَنِيفاً مُسْلِماً »(٢) قال خالصا مخلصا ليس فيه شيء من

______________________________________________________

فإنه يتقي بها من عذاب الله وما فسرهاعليه‌السلام به أظهر ، إذ بجميع العقائد الإيمانية واجتماعها يتقي من عذاب الله لا بكلمة التوحيد فقط ، وفسرت في كثير من الأخبار بالولاية لأنها مستلزم لسائر العقائد ، وفي بعضها بأمير المؤمنينعليه‌السلام وفي بعضها بجميع الأئمةعليهم‌السلام أي ولايتهم والإقرار بإمامتهم كلمة التقوى ، وأنهم يعبرون عن الله ما يتقى به من عذابه كما ورد في الأخبار الكثيرة أنهم كلمات الله.

باب الإخلاص

الحديث الأول : صحيح.

وقد مر معنى الحنيف وأنه المائل إلى الدين الحق ، وهو الدين الخالص والمسلم المنقاد لله في جميع أوامره ونواهيه ، ولما قال سبحانه «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » ، وجعل الحنيف المسلم في مقابلة المشرك ، فلذا فسرعليه‌السلام الحنيف المسلم بمن كان خالصا لله مخلصا عمله من الشرك الجلي والخفي ،فالأوثان أعم من الأوثان الحقيقة والمجازية ، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها وعبادة النفس في أهوائها كما قال تعالى : «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ »(٣) وقال سبحانه : «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(٤)

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٦.

(٢) سورة الروم : ٦٧.

(٣) سورة يس : ٦٠.

(٤) سورة الفرقان : ٤٣.

٧٤

عبادة الأوثان.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا أيها الناس إنما هو الله والشيطان والحق والباطل والهدى والضلالة والرشد والغي والعاجلة والآجلة والعاقبة والحسنات

______________________________________________________

وقال : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ »(١) وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ملعون من عبد الدنيا والدرهم ، وفي المحاسن هكذا : خالصا مخلصا لا يشوبه شيء ، من دون ذكر عبادة الأوثان.

الحديث الثاني : مرفوع.

« إنما هو الله » الضمير راجع إلى المقصود في العبادة أو الأعم منه ومن الباعث عليها ، أو الموجود في الدنيا والمقصود فيها ، والغرض أن الحق والهدى والرشد ورعاية الآجلة والحسنات منسوب إلى الله ، وأضدادها منسوبة إلى الشيطان ، فما كان خالصا لله فهو من الحسنات ، وما كان للشيطان فيه مدخل فهو من السيئات ، ففي الكلام شبه قلب ، أو المعنى أن الرب تعالى والحق والهدى والرشد والآجلة والحسنات في جانب ، وأضدادها في جانب آخر ، فالحسنات ما يكون موافقا للحق ومعلوما بهداية الله ، ويكون سببا للرشد والمنظور فيه الدرجات الأخروية دون اللذات الدنيوية وقربه تعالى فهو منسوب إلى الله ، وإلا فهو من خطوات الشيطان ووساوسه ، والرشد ما يوصل إلى السعادة الأبدية والغي ما يؤدي إلى الشقاوة السرمدية ، والعاقبة عطف تفسير للآجلة.

وكان المناسب للترتيب سائر الفقرات تقديم الآجلة على العاجلة ، ولعلهعليه‌السلام إنما غير الأسلوب لأن الآجلة بعد العاجلة.

قال بعض المحققين أريد بالحسنات والسيئات الأعمال الصالحة والسيئة المترتبتان على الأمور الثمانية الناشئتان منها« فما كان من حسنات » يعني ما نشأ

__________________

(١) سورة التوبة : ٣١.

٧٥

والسيئات فما كان من حسنات فلله وما كان من سيئات فللشيطان لعنه الله.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول طوبى لمن أخلص لله

______________________________________________________

من الحق والهدى والرشد ورعاية العاقبة من الأعمال الصالحة« وما كان من سيئات » يعني ما نشأ من الباطل والضلالة والغي ورعاية العاجلة من الأعمال السيئة ، فكل من عمل عملا من الخير طاعة لله آتيا فيه بالحق على هدى من ربه ورشدة من أمره ، ولعاقبة أمره فهو حسنة تقبله الله بقبول حسن ، ومن عمل عملا من الخير أو الشر طاعة للشيطان آتيا فيه بالباطل على ضلالة من نفسه وغي من أمره ولعاجلة أمره فهو سيئة مردود إلى من عمل له ، ومن عمل عملا مركبا من أجزاء بعضها لله وبعضها للشيطان فما كان لله فهو لله وما كان للشيطان فهو للشيطان ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فإن أشرك بالله الشيطان في عمله أو في جزء عمله فهو مردود إليه لأن الله لا يقبل الشريك كما يأتي بيانه في باب الرياء إنشاء الله.

وربما يقال : إن كان الباعث الإلهي مساويا للباعث الشيطاني تقاوما وتساقطا وصار العمل لا له ولا عليه ، وإن كان أحدهما غالبا على الآخر بأن يكون أصلا وسببا مستقلا ويكون الآخر تبعا غير مستقل فالحكم للغالب إلا أن ذلك مما يشتبه على الإنسان في غالب الأمر فربما يظن أن الباعث الأقوى قصد التقرب ويكون الأغلب على سره الحظ النفساني فلا يحصل الأمن إلا بالإخلاص ، وقلما يستيقن بالإخلاص من النفس ، فينبغي أن يكون العبد دائما مترددا بين الرد والقبول ، خائفا من الشوائب ، والله الموفق للخير والسداد.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« طوبى » أي الجنة أو طيبها أو شجرة فيها كما سيأتي في الخبر ، أو العيش الطيب أو الخير« لمن أخلص لله العبادة والدعاء » أي لم يعبد ولم يدع غيره تعالى

٧٦

العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً »(١) قال

______________________________________________________

أو كان غرضه من العبادة والدعاء رضي الله سبحانه من غير رياء« بما ترى عيناه » أي من زخارف الدنيا ومشتهياتها ، والرفعة والملك فيها« ولم ينس ذكر الله » بالقلب واللسان« بما تسمع أذناه » من الغناء وأصوات الملاهي ، وذكر لذات الدنيا وشهواتها والشبهات المضلة والآراء المبتدعة ، والغيبة والبهتان ، وكل ما يلهي عن الله« ولم يحزن صدره بما أعطى غيره » من أسباب العيش وحرمها ، والاتصاف بهذه الصفات العلية إنما يتيسر لمن قطع عن نفسه العلائق الدنية ، وفي الخبر إشعار بأن الإخلاص في العبادة لا يحصل إلا لمن قطع عروق حب الدنيا من قلبه ، كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله : «لِيَبْلُوَكُمْ » إشارة إلى قوله تعالى : «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » تبارك أي تكاثر خيره من البركة وهي كثرة الخير ، أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله ، فإن البركة تتضمن معنى الزيادة «الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ » أي بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ » أي قدرهما أو أوجدهما وفيه دلالة على أن الموت أمر وجودي ، والمراد بالموت الموت الطاري على الحياة أو العدم الأصلي فإنه قد يسمى موتا أيضا ، كما قال تعالى : «كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ »(٢) وتقديمه على الأول لأنه ادعى إلى حسن العمل وأقوى في ترك الدنيا ولذاتها ،

__________________

(١) سورة الملك : ٢.

(٢) سورة البقرة : ٢٨.

٧٧

ليس يعني أكثر عملا ولكن أصوبكم عملا وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة

______________________________________________________

وعلى الثاني ظاهر لتقدمه.

«لِيَبْلُوَكُمْ » أي ليعاملكم معاملة المختبر «أَيُّكُمْ » مفعول ثان لفعل البلوى باعتبار تضمينه معنى العلم ، ووجه التعليل أن الموت داع إلى حسن العمل لكمال الاحتياج إليه بعده ، وموجب لعدم الوثوق بالدنيا ولذاتها الفانية ، والحياة نعمة تقتضي الشكر ويقتدر بها على الأعمال الصالحة ، وإن أريد به العدم الأصلي فالمعنى أنه نقلكم منه وألبسكم لباس الحياة لذلك الاختبار ، ولما كان اتصافنا بحسن العمل يتحقق بكثرة العمل تارة وبإصابته وشدة رعاية شرائطه أخرى نفي الأول ،بقوله : ليس يعني أكثركم عملا ، لأن مجرد العمل من غير خلوصه وجودته ليس أمرا يعتد به ، بل هو تضييع للعمر وأثبت الثانيبقوله : ولكن أصوبكم عملا ، لأن صواب العمل وجودته وخلوصه من الشوائب يوجب القرب منه تعالى ، وله درجات متفاوتة يتفاوت القرب بحسبها.

واسم ليس في قوله : « ليس يعني » ضمير عائد إلى الله عز وجل أو ضمير شأن ، وجملة يعني خبرها ، ثم بين الإصابة وحصرها في أمرينبقوله : إنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة ، وذكر الخشية ثانيا لعله من الرواة أو النساخ ، وليست في بعض النسخ ولو سحت يكون معناه خشية أن لا يقبل كما سيأتي في الخبر ، وهو غير خشية الله ، أو يقال : النية الصادقة مبتدأ والخشية معطوف عليه ، والخبر محذوف أي مقرونتان ، أو الخشية منصوب ليكون مفعولا معه.

فيكون الحاصل أن مدار الإصابة على الخشية وتلزمها النية الصادقة ، وفي بعض النسخ والحسنة أي كونه موافقا لأمره تعالى ، ولا يكون فيه بدعة ، وفي أسرار الصلاة للشهيد الثاني (ره) : والنية الصادقة الحسنة وهو أصوب.

والحاصل أن العمدة في قبول العمل بعد رعاية أجزاء العبادة وشرائطها المختصة النية الخالصة والاجتناب عن المعاصي كما قال تعالى : " «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ

٧٨

والحسنة ثم قال الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص

______________________________________________________

فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً »(١) " وقال سبحانه : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(٢) .

قال الشيخ البهائيقدس‌سره : المراد بالنية الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة غير ملحوظ فيه شيء سوى وجه الله سبحانه ، لا كمن يعتق عبد مثلا ملاحظا مع القربة الخلاص من مؤنته أو سوء خلقه أو يتصدق بحضور الناس لغرض الصواب والثناء معا بحيث لو كان منفردا لم يبعثه مجرد الثواب على الصدقة وإن كان يعلم من نفسه أنه لو لا الرغبة في الثواب لم يبعثه مجرد الرياء على الإعطاء ، ولا كمن له ورد في الصلوات وعادة في الصدقات واتفق أن حضر في وقتها جماعة فصار الفعل أخف عليه وحصل له نشاط ما بسبب مشاهدتهم ، وإن كان يعلم من نفسه أنهم لو لم يحضروا لم يكن يترك العمل أو يفتر عنه البتة ، فأمثال هذه الأمور مما يخل بصدق النية وبالجملة فكل عمل قصدت به القربة وانضاف إليه حظ من حظوظ الدنيا بحيث تركب الباعث عليه من ديني ونفسي ، فنيتك فيه غير صادقة سواء كان الباعث الديني أقوى من الباعث النفسي أو أضعف أو مساويا.

قال في مجمع البيان : «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » أي ليعاملكم معاملة المختبر بالأمر والنهي فيجازى كل عامل بقدر عمله ، وقيل : ليبلوكم أيكم أكثر للموت ذكرا وأحسن له استعدادا وأحسن صبرا على موته وموت غيره ، وأيكم أكثر امتثالا للأوامر واجتنابا عن النواهي في حال حياته قال أبو قتادة : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى : «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » ما عنى به؟ فقال : يقول أيكم أحسن عقلا ، ثم قال تعالى : أتمكم عقلا وأشدكم لله خوفا وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظرا ، وإن كان أقلكم تطوعا ، وعن ابن عمر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه تلا قوله : «تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » إلى قوله : «أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً »

__________________

(١) سورة النحل : ١١٠.

(٢) سورة المائدة : ٢٧.

٧٩

الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل والنية أفضل من العمل ألا

______________________________________________________

ثم قال : أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله ، وعن الحسن : أيكم ازهد في الدنيا وأترك لها ، انتهى.

وفي القاموس : الصواب ضد الخطإ كالإصابة ، وقال : الإصابة الإتيان بالصواب وإرادته ، والبقاء على العمل محافظته والإشفاق عليه وحفظه عن الفساد ، قال الجوهري أبقيت على فلان إذا دعيت عليه ، يقال : لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي والاسم البقيا ، انتهى.

والحاصل أن رعاية العمل وحفظه عند الشروع وبعده إلى الفراغ منه ، وبعد الفراغ إلى الخروج من الدنيا حتى يخلص عن الشوائب الموجبة لنقصه أو فساده أشد من العمل نفسه كما سيأتي في باب الرياء عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال :الإبقاء على العمل أشد من العمل ، قال : وما الإبقاء على العمل؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له ، فيكتب له سرا ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء ، ومن عرف معنى النية وخلوصها علم أن إخلاص النية أشد من جميع الأعمال كما سيأتي تحقيقه إنشاء الله.

ثم بينعليه‌السلام معنىالعمل الخالص بأنه هو العمل الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عز وجل ، لا عند الفعل ولا بعده أي يكون خالصا عن أنواع الرياء والسمعة.

وقد يقال : لو كان سروره باعتبار أن الله تعالى قبل عمله حيث أظهر جميلة كما روي في الحديث القدسي عملك الصالح عليك سره وعلي إظهاره ، أو باعتبار أنه استدل بإظهار جميلة في الدنيا على إظهار جميلة في الآخرة ، أو باعتبار رغبتهم إلى طاعة الله وميل قلوبهم إليها لم يقدح ذلك في الخلوص ، وإنما يقدح فيه إن كان لرفع منزلته عند الناس وتعظيمهم له واستجلاب الفوائد منهم فإنه بذلك يصير مرائيا مشركا بالشرك الخفي وبه يحبط عمله ، وهذا الكلام له جهة صدق لكن قلما تصدق النفس في ذلك ،

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378