مرآة العقول الجزء ٨

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 437

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 437
المشاهدات: 19724
تحميل: 8742


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 437 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19724 / تحميل: 8742
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 8

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

الرابع : أنه أراد أنه لا بدّ لكلّ مكلف من دار استرضاء حتّى يرضى فيها ربه بالأعمال الصالحة فإذا لم تكن الدّنيا عندك كما وصفتها لك بل تكون منهمكا في لذاتها حريصا عليها فلتطلب دار استرضاء أخرى غير التّي أنت فيها فإنه ممّا لا بدّ منه.

الخامس : أن يقرأ تحول بصيغة المضارع المخاطب بحذف إحدى التائين فالمعنى أنه لا يخفى عليّ ذي عقل قبح الدّنيا وفنائها فإن زعمت أنه ليس كذلك فلعلك تقول ذلك لأجل أنها دار يمكن فيها تحصيل رضا الله ، وهذا لا ينافي ما ذكرت لك من ذم الركون إلى لذاتها وشهواتها كما عرفت سابقاً.

السادس : أن يكون المرّاد بدار المستعتب دار الآخرة لأن الكفّار يطلبون فيها الرجوع إلى الدّنيا عند مشاهدة عذابها كما قال الله تعالى : «وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ »(١) فالمرّاد به إن لم تصدق بهذه الأوصاف لهذه الدار فاصبر حتّى ترد دار القرار فإنه حينئذ يظهر لك حقّية هذا الكلام ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرأ على اسم الفاعل أيضاً.

السابع : ما ذكره بعض المدعين للفضل أن المستعتب لعله اسم رجل ذي جاه ومال أصابه الذلّ وذهب جميع ما كان له ، فقالعليه‌السلام : تحول إلى داره لتعتبر به ، وإنما ذكرناه لغرابته.

وأقول : في تحف العقول ليس لفظ « غير » بل هو هكذا فإن تكن الدّنيا عندك على ما وصفت لك فتحوَّل عنها إلى دار المستعتب اليوم ، فيؤيّد المعنى الأوّل أي إذا عرفت أن الدّنيا كذلك وصدقت بما قلت فتحوَّل عنها أي انتقل إلى الآخرة بقلبك واقطع تعلقك عن الدّنيا اليوم اختيارا قبل أن تقلع عنها عند الموت اضطرارا أو إلى

____________________

(١) سورة فصلت : ٢٤.

٣٠١

فلعمري لَرُبَّ حريص على أمرّ قد شقي به حين أتاه ولربّ كاره لأمر قد سعد به حين

_________________________________________________

مقام الاسترضاء كما مرّ.

والظاهر أنّ المستعتب على أكثر الاحتمالات مصدر ميميّ ، قال في القاموس : العتبي بالضمّ الرّضا واستعتبه أعطاه العتبي كأعتبه وطلب إليه العتبي ضدّ «وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ » أي إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم أي لم يردهم إلى الدّنيا ، وفي النّهاية : العتبة الغضب ، وأعتبني فلان إذا عاد إلى مسرتي ، واستعتب طلب أن يرضي عنه كما يقول : استرضيته فأرضاني ، والمعتب المرّضي ، ومنه الحديث : لا يتمنين أحدكم الموت إمّا محسناً فلعله يزداد وإمّا مسيئاً فلعله يستعتب ، أي يرجع عن الإساءة ويطلب الرّضا ، ومنه الحديث : ولا بعد الموت من مستعتب ، أي ليس بعد الموت من استرضاء ، لأن الأعمال بطلت وانقضى زمانها ، وما بعد الموت دار جزاء لا دار عمل ، انتهى.

وقولهعليه‌السلام : فلعمرّي أي اقسّم بحياتي ، وفي القسّم مفتوح غالبا.

« لرب حريص على أمرّ » من أمور الدّنيا « قد شقي به حين أتاه » أي تعب به في الدّنيا أو صار سبباً لشقاوته في الآخرة ويطلق غالباً على سوء العاقبة ، والسعادة ضدّ الشقاوة وتطلق غالباً على حسن العاقبة وراحة الآخرة.

في القاموس : الشقاء الشدّة والعسر ويمدّ شقي كرضي شقاوة ويكسر وشقا وشقاء وشقوة ويكسر وقال : السعادة خلاف الشقاوة وقد سعد كعلم وعنّي فهو سعيد ومسعود ، وقال الرّاغب : السعد والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضادّ الشقاوة ، وقال : الشقاوة خلاف السعادة وكما أن السعادة في الأصل ضربان سعادة أخروية وسعادة دنيوية ثم السعادة الدنيويّة ثلاثة أضرب سعادة نفسية وبدنيّة وخارجة ، كذلك الشقاوة على هذه الأضرب.

وقال بعضهم : قد يوضع الشقاء موضع التعب نحو شقيت في كذا وكلّ شقاوة

٣٠٢

أتاه ،وذلك قول الله عزَّ وجلَّ «وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحقّ الْكافِرِينَ »(١) .

١٧ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال قال أبو ذر -رحمه‌الله - جزى الله الدّنيا عنّي مذمّة بعد رغيفين من الشعير

_________________________________________________

تعب وليس كلّ تعب شقاوة ، فالتعب أعمّ من الشقاوة ، وفي التحف فلرب حريص على أمرّ من أمور الدّنيا قد ناله فلـمّا ناله كان عليه وبإلّا وشقي به ، ولرب كاره لأمرّ من أمور الآخرة قد ناله فسعد به ، وإلى هنا انتهى الخبر فيه.

قوله : وليمحص الله ، الآية في آل عمران عند ذكر غزوة أحد حيث قال تعالى : «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاس وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحبّ الظَّالِمِينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ».

قال الطبرسي (ره) بين وجه المصلحة في مداولة الأيام بين النّاس ، أي وليبتلي الله الذين آمنوا ويمحقّ الكافرين بنقصهم ، أو ليخلص الله ذنوب المؤمنين أو ينجي الله الذين آمنوا من الذنوب بالابتلاء ويهلك الكافرين بالذنوب عند الابتلاء.

أقول : هذا الوجه الأخير أنسب بالخبر ليكون استشهادا للجزءين معاً فإن الكافرين كانوا حرصاء في الغلبة على المؤمنين فنالوها فصارت سبباً لشقاوتهم ومزيد عذابهم ، والمؤمنين كانوا كارهين للمغلوبية فصارت سبباً لمزيد سعادتهم وتمحيص ذنوبهم.

قال الرّاغب : أصل المحص تخليص الشيء ممّا فيه من عيب يقال محصت الذهب ومحصته إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث ، قال تعالى : «وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا » فالتمحيص هنا كالتزكية والتطهير.

الحديث السابع عشر : ضعيف كالموثق.

« جزى الله الدّنيا عنّي مذمة » قوله : مذمة مفعول ثان لجزى أي يوفقني

____________________

(١) سورة آل عمران : ١٤١.

٣٠٣

أتغدّى بأحدهما وأتعشّى بالآخر وبعد شملتَي الصوف أتّزر بأحداهما وأتردَّى بالأخرى.

١٨ - وعنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن المثنّى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبو ذر -رضي‌الله‌عنه - يقول في خطبته يا مبتغي العلم كأنَ شيئاً

_________________________________________________

لأن أجزيه ، وقيل : أحال الذمّ إلى الله نيابة عنه للدّلالة على كمال ذمه فإن كلّ فعل من الفاعل القوي قوي وفي النّهاية الشملة كساء يتغطى به ويتلفف فيه ، انتهى.

ويدلّ على جواز لبس الصوف بل استحبابه وما ورد بالنهي والذمّ فمحمول على المداومة عليه أو على ما إذا لم يكن للقناعة بل لإظهار الزّهد والفضل كما ورد في وصيّة النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذررضي‌الله‌عنه : يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم بذلك الفضل على غيرهم ، وسيأتي الكلام فيه في أبواب التجمل إنشاء الله تعالى.

الحديث الثامن عشر : حسن.

« يا مبتغي العلم » أي يا طالبه « كان شيئاً من الدّنيا » هذا يحتمل وجوها :

« الأوّل » أن يكون إلّا في قوله : إلّا ما ينفع ، كلمة استثناء وما موصولة ، فالمعنى أن ما يتصوّر في هذه الدّنيا إمّا شيء ينفع خيره أو شيء يضرّ شره كلّ أحد إلّا من رحم الله فيغفر له إمّا بالتوبة أو بدونها.

الثاني : أن يكون مثل السّابق إلّا أنه يكون المعنى أن كلّ شيء في الدّنيا له جهة نفع وجهة ضر لكلّ النّاس إلّا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره.

الثالث : أن يكون كلمة ما مصدرية والاستثناء من مفعول يضرّ أي ليس شيء من الدّنيا شيئاً إلّا نفع خيره وإضرار شره كلّ أحد إلّا من رحم الله.

الرابع : ما قيل : أن إلّا بالتخفيف حرف تنبيه وما نافية والضميران للشيء ومعنى الاستثناء أن المرّحوم ينتفع بخيره ولا يتضرر من شره ، وقيل في بيان هذا

٣٠٤

من الدنيا لم يكن شيئاً إلّا ما ينفع خيره ويضرّ شرّه إلّا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثمَّ غدوت عنهم إلى غيرهم والدّنيا والآخرة كمنزل تحوَّلت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلّا

_________________________________________________

الوجه : يعنّي أنّ شيئاً من الدّنيا ليس شيئاً يعتدّ به ويركن إليه العاقل لأنّه إمّا خير أو شرّ ، وخيره لا ينفع لأنه في معرض الفناء والزّوال ، وشرّه يضرّ إلّا مع رحمة الله وهو الذي عصمه من الشرّ.

الخامس : أن ّكلمة ما مصدريّة وضمير خيره راجعاً إلى شيئاً من الدّنيا والإضافة من قبيل إضافة الجزء إلى الكلّ والاستثناء من مفعول يضرّ أي كان شيئاً من الدّنيا لم يكن شيئاً إلّا نفع الطّاعة فيه أو إضرار المعصية فيه كلّ أحد إلّا من رحم الله بتوفيق التوبة ، وهذا يرجع إلى المعنى الثالث ، وعليّ جميع التقادير الاستثناء الثاني مفرغ « عن نفسك » أي عن تحصيل ما ينفعها في يوم لا ينفع مال ولا بنون وقد قال تعالى : «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(١) والمرّاد بالأهل هنا أعمّ من الزوجة والأولاد وسائر من في بيته ، بل يشمل الأقارب أيضاً.

قال الرّاغب : أهل الرّجل من جمعه وإيّاهم نسب أو دين أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد وضيعة ، فأهل الرّجل في الأصل من جمعه وإياهم مسكن واحد ثم تجوز به فقيل أهل بيت الرّجل لمن يجمعه وإياهم نسب ، وعبر بأهل الرّجل عن امرّأته وأهل الإسلام الذين يجمعهم.

قوله : كمنزل ، أي كمنزلين تحولت من أحدهما إلى الآخر ، والتصريح بتشبيه الدّنيا للإشارة إلى أن الاهتمام هنا ببيان حاله أشدّ وأكثر ، والضمير في نمتها راجع إلى النومة وهو بمنزلة مفعول مطلق ، وهذا بالنسبة إلى المستضعفين ، وكان التخصيص بذكرهم لأنّ المتقيّن بعد الموت في النعيم والجنّة ، والكفّار في العذاب والنار ،

____________________

(١) سورة المنافقون : ٩.

٣٠٥

كنومة نمتها ثمَّ استيقظت منها يا مبتغي العلم قدّم لمقامك بين يدي الله عزَّ وجلَّ فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم.

١٩ - عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن

_________________________________________________

فليس بين الدنيا والآخرة لهما فاصلة ، فيتحوّلون من الدّنيا إلى الآخرة كما روي : من مات فقد قامت قيامته ، وإمّا المستضعفون فلـمّا كانوا ملهي عنهم استدرك ذلك بأن حالهم في البرزخ كنوم وليلة ، فلا فاصلة بين دنيا هم وآخرتهم حقّيقة ، ويحتمل أن يكون الغرض بيان قلة نعيم البرزخ وجحيمها بالنسبة إلى نعيم الآخرة وجحيمها ، فكأنهم نائمون أو لأنّ جلّ عذابهم بعد السؤال والضغطة وأمثالهما لـمّا كان روحانيّاً شبه تلك الحالة بالنومة.

ولم يتعرّض أحد لتحقّيق هذه الفقرة مع إشكالها ومخالفتها ظاهرا للآيات والأخبار الكثيرة.

قوله (ره) : قدم ، أي العمل الصالح « لمقامك بين يدي الله عزَّ وجلَّ » أي للحساب « كما تدين تدان » أي كما تفعل تجازى ، فهو على المشاكلة ولا يضرّ تقدّمه أو كما تجازي الرب تجازى ، ولا يخلو من بعد ، أو كما تجازي العبّاد تجازى فيكون تأسيسا قال الجوهري : دانه دينا أي جازاه كما يقال : كما تدين تدان ، أي كما تجازي تجازى بفعلك وبحسب ما عملت ، وقوله تعالى : «إِنَّا لَمَدِينُونَ »(١) أي مجزيون.

« يا مبتغي العلم » قيل : هذا افتتاح كلام آخر تركه المصنّف ، وإنّما ذكر ليعلم أن ما ذكره ليس جميع الخطبة كما مرّ بعضه في باب الصمّت ، حيث قالرضي‌الله‌عنه : يا مبتغي العلم إن هذا الّلسان مفتاح خير « إلخ ».

الحديث التاسع عشر : ضعيف.

____________________

(١) سورة الصافات : ٥٣.

٣٠٦

جدّه الحسن بن رأشدّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها ثم راح وتركها.

٢٠ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يحيى بن عقبة الأزدي ، عن

_________________________________________________

« ما لي وللدنيا » أي أي شغل لي مع الدّنيا ، وقيل : « ما » نافية أي ما لي محبة مع الدّنيا أو للاستفهام أي أي محبة لي معها حتّى أرغب فيها ذكره الطيبي في شرح بعض رواياتهم « وما أنا والدّنيا » أي أي مناسبة بيني وبين الدّنيا ، ومن طريق العامة روي عن ابن مسعود أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام على حصير فقام وقد أثر في جسده فقالوا : لو أمرّتنا أن نبسط لك ونعمل؟ فقال : ما لي وللدنيا وما أنا والدّنيا إلّا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها.

أقول : وجه الشبه سرعة الرحيل وقلة المكث وعدم الرّضا به وطنا ، وقال الكرماني في شرح البخاري : فيه فرفعت لنا صخرة أي ظهرت لأبصارنا ، وفيه أيضاً فرفع لي البيت المعمور ، أي قرب وكشف وعرض وقال الجوهري : يوم صائف أي حار وليلة صائفة وربمّا قالوا : يوم صاف بمعنى صائف ، كما قالوا : يوم راح « فقال » القائلة الظهيرة ، يقال : أتانا عند القائلة ، وقد يكون بمعنى القيلولة أيضاً ، وهي النوم في الظهيرة تقول : قال يقيل قيلولة وقيلا ومقيلا وهو شاذ فهو قائل ، وفي المصباح : راح يروح رواحاً وتروح مثله ، يكون بمعنى الغدو وبمعنى الرجوع ، وقد يتوهّم بعض النّاس أن الرواح لا يكون إلّا في آخر النهار ، وليس كذلك بل الرواح والغدو عند العرب يستعملان في المسير أي وقت كان من ليل أو نهار ، وقال ابن فارس : الرواح رواح العشي وهو من الزّوال إلى الليل.

الحديث العشرون : مجهول.

قال في المصباح : القز معرب ، قال الليث : هو ما يعمل منه الإبريسم ، ولهذا

٣٠٧

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أبو جعفرعليه‌السلام مثل الحريص على الدّنيا كمثل دودة القز كلـمّا ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتّى تموت غما قال وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام كان فيما وعظ به لقمان ابنه يا بني إن النّاس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له وإنّما أنت عبد مستأجر قد أمرّت بعمل ووعدت عليه أجراً فأوف عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدّنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر فأكلت حتّى سمنت(١) فكان حتفها عند سمنها ولكنّ اجعل الدّنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر أخربها ولا تعمرّها فإنك لم تؤمرّ بعمارتها

واعلم أنك ستسئل غداً إذا وقفت بين يدي الله عزَّ وجلَّ عن أربع شبابك فيما أبليته وعمرّك فيما أفنيّته ومالك ممّا اكتسبته وفيما أنفقته فتأهب لذلك وأعد له

_________________________________________________

قال بعضهم : القزّ الأبريسم ، مثل الحنطة والدقيق ، انتهى.

« ولفّاً » تميز عن نسبة ازدادت ، وغمّاً مفعول له أو حال « فلم يبق ما جمعوا » في بعض النّسخ ما جمعوا له ، وكأنّه زيد « له » من النّساخ ، وعلى تقديره كان المعنى لم تبق الأغراض والمطالب الباطلة التّي جمعوا لها الدّنيا كالجاه والعزّة والغلبة والفخر وأمثالها « فكان حتفها » أي هلاكها المعنويّ فإن التمتع بالمستلذّات الجسمانيّة موجب لقوة القوى الشهوانيّة وطغيانها ، وهذا استعارة تمثيليّة شبه توسّع الإنسان في لذات الدّنيا وشهواتها وعدم مبالاته بحرامها وشبهاتها وابتلائه بعد الموت بعقوباتها بشاة وقعت في زرع أخضر فأكلت منها حيث شاءت وكيف شائت بلا مانع حتّى إذا سمنت قتلها صاحبها لسمنها.

« آخر الدهر » أي إلى آخر الزّمان أي أبداً « أخربها » أي دعها خراباً بترك ما لا تحتاج إليه من المطأعمّ والمشارب والملابس والمناكح والمساكن ، والاقتصار على القدر الضروري في كلّ منها « ستسئل » قيل : السين لمحض التأكيد « فيما أبليته »

____________________

(١) كذا في الأصل والظاهر « سمنت » بالتاء.

٣٠٨

_________________________________________________

كلمة « ما » في المواضع الأربعة استفهامية وإثبات الألف مع حرف الجر فيها شاذ ، والثوب البالي هو الذي استعمل حتّى أشرف على الاندراس.

ثم إن العمرّ لا يستلزم القوة والشّباب ، فكلّ منهما نعمة يسأل عنها ، ومع الاستلزام أيضاً تكفي المغايرة للسؤال عن كلّ منهما وإمّا السؤال عن المال إمّا لغير المؤمنين أو لغير الكاملين منهم ، لـمّا روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام فيما كتب إلى أهل مصر : من عمل لله أعطاه الله أجره في الدّنيا والآخرة وكفاه المهم فيهما ، وقد قال الله تعالى : «يا عبّاد الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدّنيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(١) فما أعطاهم الله في الدّنيا لم يحاسبهم به في الآخرة ، قال الله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ »(٢) والحسنى هي الجنّة ، والزيادة هي الدنيا.

وروى البرقي في الصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ثلاثة أشياء لا يحاسب العبد المؤمن عليهن : طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه وقد وردت أخبار كثيرة في تفسير قوله تعالى : «لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » أن النعيم(٣) ولاية أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد روى العيّاشي وغيره أنّه سأل أبو حنيفة أبا عبد اللهعليه‌السلام عن هذه الآية فقال له : ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام والماء البارد ، فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه؟ قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : نحن أهل بيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العبّاد ، الخبر.

ويمكن أن يقال : السؤال عن المال اكتسبه من حلال أو حرام أو أنفقه في حلال

____________________

(١) سورة الزمر : ١٠.

(٢) سورة يونس : ٢٦.

(٣) سورة التكاثر : ٨.

٣٠٩

جواباً ولا تأس على ما فاتك من الدُّنيا فإنّ قليل الدنيا لا يدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه فخذ حذرك وجد في أمرّك واكشف الغطاء عن وجهك وتعرض

_________________________________________________

أو حرام ، لا ينافي عدم محاسبتهم على ما أنفقوه في الحلال من مأكلهم ومسكنهم وملبسهم ونحو ذلك ، أو المرّاد بتلك الأخبار أنهم لا يعاتبون بذلك ولا يقاص من حسناتهم بها ، فلا ينافي أصل المحاسبة كما روى الشيخ في مجالسه بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : يوقف العبد بين يدي الله فيقول : قيسوا بين نعمتي عليه وبين عمله ، فتستغرق النعم العمل ، فيقولون : قد استغرق النعم العمل ، فيقول : هبوا له نعمتي وقيسوا بين الخير والشرّ منه فإن استوى العملان أذهب الله الشرّ بالخير ، وأدخله الجنّة وإن كان له فضل أعطاه الله بفضله ، وإن كان عليه فضل وهو من أهل التقوى ولم يشرك بالله تعالى ، واتقى الشرك به فهو من أهل المغفرة يغفر الله له برحمته إن شاء ويتفضل عليه بعفوه.

وقال الجوهري : تأهب استعد وأهبه الحرب عدتها وقال : الأسي مفتوح مقصور : الحزن ، وأسى على مصيبته بالكسر يأسى أسى أي حزن « لا يدوم بقاؤه » والعاقل لا يتأسف بفوات قليل لا بقاء له.

« لا يؤمن بلاؤه » أي في الدّنيا والآخرة ، والعاقل لا يتأسف بفوت ما يتوقع منه الضرر والبليّة ، مع أن الرب الذي فوتها عليه أعلم بمصلحته ، أو المعنى لا تحزن على ما لم يصل إليك من الدّنيا فإن الصّبر على قليل الدّنيا وقلته سهل فإنه لا يدوم وينقضي قريباً بالموت ، والكثرة محلّ الآفات« فخذ حذرك » بالكسر أي ما تحذر به من مكائد النّفس والشيطان في الدّنيا والعذاب في الآخرة قال الرّاغب في قوله تعالى : «خُذُوا حِذْرَكُمْ »(١) أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره « وجد في أمرّك » أي في تهيئة سفر الآخرة والاستعداد للقاء الله من العقائد الحسنة والأعمال الصالحة

____________________

(١) سورة النساء : ٧١.

٣١٠

لمعروف ربّك وجدّد التوبة في قلبك واكمش في فراغك قبل أن يقصد قصدك ويقضى

_________________________________________________

والأخلاق المرّضية فإن من أراد سفرا يأخذ الأسلحة لدفع ضرر الطريق ويجهز ويهيئ ما يحتاج إليه في ذلك السفر « واكشف الغطاء عن وجهك » أي ارفع غطاء الغفلة عن وجه قلبك لتميز بين الحقّ والباطل والفاني والباقي أو عن الجهة التّي تتوجه إليه ، والطريق الذي تسلكه لئلّا يشتبه عليك فتسلك طريقا يؤديك إلى النار وأنت لا تعلم « وتعرض لمعروف ربّك » بما به تستحقّ إحسانه وتفضله عليك من صالح النيّات والأعمال.

« وجدّد التوبة في قلبك » أي كلـمّا ذكرت معاصيك ، وفي النسبة إلى القلب إشعار بأن التوبة أمرّ قلبي وهي الندامة عمّا مضى والعزم على عدم الإتيان بمثله فيما سيأتي ، وفيه دلالة على حسن تكرار التوبة وإن كانت عن معصية واحدة « واكمش » أي أسرع وعجل ، في الصحاح : الكمش الرّجل السريع الماضي ، وقد كمش بالضمّ كماشة فهو كمش وكميش وكمشته تكميشا أعجلته ، وانكمش أسرع ، انتهى.

« في فراغك » أي في أن تفرغ من الأمور التّي تحتاج إليه في الآخرة أو في فراغك من الدّنيا وجعلك نفسك فارغة منها للآخرة أو في قصدك إلى الآخرة أو أسرع في العمل في أيام فراغك قبل أن تشتغل أو تبتلي بشيء يمنعك عنه ، فإن الفراغ خلاف الشغل ، قال في المصباح : فرغ من الشغل فروغاً من باب قعد ، ومن باب تعب لغة لبني تميم والاسم الفراغ ، وفرغت للشيء وإليه قصدت.

أقول : ويؤيّد المعنى الأخير ما روي في مجالس الشيخ عن ابن عمرّ : خذ من حياتك لموتك ، وخذ من صحتك لسقمك ، وخذ من فراغك لشغلك ، فإنك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غداً ، وما رواه الصّدوق في مجالسه عن الكاظم عن آبائهعليهم‌السلام

٣١١

قضاؤك ويحال بينك وبين ما تريد.

٢١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسىعليه‌السلام يا موسى لا تركن إلى الدّنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أبا وإمّا يا موسى لو وكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذا لغلب عليك حبّ الدّنيا وزهرتها يا موسى

_________________________________________________

عن عليّعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ »(١) قال : لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك تطلب بها الآخرة « قبل أن يقصد » على بناء المجهول« قصدك » أي نحوك كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الأمرّاض والبلايا من الله إليه« ويقضي قضاءك » أي يقدر ويحتم موتك ، ويحال بالموت أو الأعمّ بينك وبين ما تريد من التوبة والأعمال الصالحة ولا ينفعه تمنى الحياة والرجعة حيث يقول : «رَبِّ ارْجِعُونِ لَعليّ أَعْمَلُ صالحاً فِيما تَرَكْتُ » فيقال : «كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » أعاذنا الله وسائر المؤمنين من ندامة تلك الساعة وأهوال هذا اليوم.

الحديث الحادي والعشرون : مرسل.

وسيأتي تمام تلك المناجاة في الروضة بسند آخر ، وبعض تلك الفقرات مذكور فيها عليّ خلاف الترتيب ، ويقال : ركن إليه كنصر وعلم ومنع : مال ، ويطلق غالباً على الميل القلبي « لو وكلتك » يدلّ على أن الزّهد في الدّنيا لا يحصل بدون توفيقه تعالى ، وفي القاموس : نظر لهم رثى لهم وأعانهم وقال : النظر محركة الفكر في الشيء تقدره وتقيسه ، والحكم بين القوم والإعانة والفعل كنصر ، وفي النّهاية المنافسة الرغبة في الشيء والانفراد به ، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه ونافست في الشيء منافسة ونفاساً إذا رغبت فيه.

____________________

(١) سورة القصص : ٧٧.

٣١٢

نافس في الخير أهله واستبقهم إليه فإن الخير كاسمه واترك من الدّنيا ما بك الغنى عنه ولا تنظر عينك إلى كلّ مفتون بها وموكلّ إلى نفسه واعلم أن كلّ فتنة

_________________________________________________

قوله تعالى : فإن الخير كاسمه ، لعلّ المعنى أن الخير لـمّا دل بحسب أصل معناه في اللّغة على الأفضلية وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال الحسنة أو إيصال النّفع إلى الغير هي حير الأعمال ، فالخير كاسمه أي إطلاق هذا الاسم على تلك الأمور بالاستحقّاق ، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي ، أو المرّاد به أن الخير لـمّا كان كلّ من سمعه يستحسنه فهو حسن واقعاً وحسنه حسن واقعي.

والحاصل أن ما يحكم به عقول عامة الخلق في ذلك مطابق للواقع ، أو المرّاد باسمه ذكره بين النّاس ، يعنّي إن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سبباً لرفعة الذكر في الدّنيا « ما بك الغناء عنه » أي ما لم تحتج إليه بل لم تضطر إليه « ولا تنظر » على بناء المجرّد« عينك » بالرفع أو بالنصب بنزع الخافض ، أي بعينك ، وربمّا يقرأ تنظر على بناء الأفعال أي لا تجعلها ناظرة إلى كلّ مفتون بها أي مبتلى مخدوع بها ، والمرّاد النظر إلى كلّ من لقيه منهم ، فإنه لا يمكن النظر إلى كلهم أو كناية عن أن النظر إلى واحد منهم بالإعجاب به وبما معه من زينتها بمنزلة النظر إلى جميعهم ، لاشتراك العلّة « وموكلّ إلى نفسه » المتبادر أنه على بناء المفعول لكنّ كان الظاهر حينئذ وموكول ، إذ لم يأت أو كله فيما عندنا من كتب اللّغة لكنّ كثير من الأبنيّة المتداولة كذلك ، ويمكن أن يقرأ على بناء الفاعل من الإيكال بمعنى الاعتماد ، في القاموس : وكلّ بالله وتوكلّ عليه وأو كلّ واتكلّ استسلم إليه ، ووكلّ إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه وتركه.

« أن كلّ فتنة » أي ضلاله أو بليّة أو امتحان أو إثم ، في القاموس : الفتنة بالكسر الخبرة وإعجابك بالشيء والضّلال والإثم والكفّر والفضيحة والعذاب ، وإذابة الذهب والفضة والإضلال والجنون والمحنة والمال والأولاد ، واختلاف الناس

٣١٣

بدؤها حبّ الدنيا ولا تغبط أحداً بكثرة المال فإنّ مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقّوق ولا تغبطن أحداً برضى النّاس عنه حتّى تعلم أن الله راض عنه ولا تغبطن مخلوقاً بطاعة النّاس له فإن طاعة النّاس له واتباعهم إيّاه على غير الحقّ هلاك له ولمن اتبعه.

٢٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن في كتاب عليّ صلوات الله عليه إنما مثل الدّنيا كم ثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع يحذرها الرّجل العاقل ويهوي إليها الصبي الجاهل

_________________________________________________

في الآراء.

وأقول : يناسب هنا أكثر المعاني « ولا تغبط أحداً » بأن تتمنى حاله « تكثر الذنوب » بصيغة المضارع من باب حسن أو مصدر باب التفعل « لواجب الحقّوق » أي للتقصير في أداء الحقّوق الواجبة غالباً « بطاعة النّاس له » أي في الباطل.

الحديث الثاني والعشرون : حسن موثق.

وفي النّهاية : السم الناقع أي القاتل ، وقد نقعت فلاناً إذا قتلته ، وقيل :

الناقع الثابت المجتمع ، من نقع الماء ، انتهى.

وما أحسن هذا التشبيه وأتمه وأكمله ، وفي النهج عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : مثل الدّنيا مثل الحية لين مسها والسم الناقع في جوفها ، يهوي إليها الغر الجاهل ، ويحذرها ذو اللب العاقل.

وفي خبر المتن ظاهره أن الجملتين الأخيرتين لبيان المشبه به ، وفي النهج لبيان المشبه ، ويحتمل العكس في كلّ منهما ، وكون المشبه به أقوى لا ينافي كون ضرر الدّنيا على طالبها واقعا أشدّ من ضرر الحية على لامسها لأن الأشدية والأظهرية إنما تعتبران بالنسبة إلى المخاطب ، والمخاطبون هنا هم أهل الدنيا

٣١٤

٢٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كتب أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى بعض أصحابه يعظه أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا الغنى إلّا به فإن من اتقى الله جل وعزَّ وقوي وشبع وروي ورفع عقله عن أهل الدّنيا فبدنه مع أهل الدّنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدّنيا فقذر

_________________________________________________

المغرورون بها ، الغافلون عن مضارها وضرر الحية عندهم أشدّ وأبين.

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف.

وقال الرّاغب : الوعظ : خبر مقترن بتخويف وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب والعظة والموعظة الاسم ، وقال : الوصيّة التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية متصلة النبات يقال : أوصاه ووصاه «فإن من اتقى الله» علة للوصيّة «عز» أي بعزة واقعية ربانيّة لا تزول بإزلال النّاس ، كما قال تعالى «وَلِلَّهِ العزّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ »(١) وقوي بقوة معنوية إلهية ، ولا تشبه القوي البدنيّة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانيّة بل بقوة ربانيّة «وشبع وروي» من غير اكتساب لقوله تعالى : «وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(٢) أو شبع بالعلوم اللدنيّة ، وارتوى بزلال الحكمة الإلهية « ورفع عقله » على بناء المجهول « عن أهل الدّنيا » أي صار عقله أرفع من عقولهم أو أرفع من أن ينظر إلى الدّنيا وأهلها ويلتفت إليهم ويعتني بشأنهم إلّا لهدايتهم وإرشادهم « فبدنة مع أهل الدّنيا » لكونه من جنس أبدانهم في الصورة الجسدانيّة « وقلبه وعقله» لشدّة يقينه « معائن الآخرة » لتخليه عن العلائق الجسمانيّة « من حبّ الدّنيا » من للبيان أو للتبعيض ، وإسناد الإبصار

____________________

(١) سورة المنافقون : ٨.

(٢) سورة الطلاق : ٢.

٣١٥

حرامها وجانب شبهاتها وأضر والله بالحلال الصافي إلّا ما لا بدّ له من كسرة منه يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ولم يكن له فيما لا بدّ له منه ثقة ولا رجاء فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء فجد واجتهد وأتعب

_________________________________________________

إلى الحبّ عليّ المجاز ، أو المصدر بمعنى المفعول أو هو بالكسر ، قال في القاموس : الحبّ بالكسر المحبوب شبهعليه‌السلام ما أبصره أو أحبّه بالنار في الإهلاك استعارة مكنيّة ونسبة الإطفاء إليه تخييلية« فقذر حرامها » أي عده قذرا نجسا يجب اجتنابه أو كرهه ، في الصحاح : القذر ضدّ النظافة وشيء قدر بين القذارة وقذرت الشيء بالكسر وتقذرته واستقذرته إذا كرهته.

« وجانب شبهاتها » وهي المشبهات بالحرام مع عدم العلم بكونها حراماً كأموال الظلمة فيكون مكروها على المشهور ، أو الذي اشتبه عليه الحكم فيه فاجتنابه مستحبّ على المشهور وكأنهعليه‌السلام لذلك غير التعبير فعبّر هنا بالاجتناب ، وفي الحرام بالحكم بالقذارة« وأضر » على بناء المعلوم كناية عن تركه وعدم الاعتناء به ، وترك الالتفات إليه ، أو على بناء المجهول أي يعد نفسه متضررة به أو يتضرر به لعلو حاله « بالحلال الصافي » من الشبهة فكيف بالحرام والشبهة.

وفي المصباح : الكسرة القطعة من الشيء المكسور ومنه الكسرة من الخبز ، وفي القاموس : الكسرة القطعة من الشيء المكسور ، والجمع كسر ، انتهى.

« يشد بها صلبه » أي يقوي بها على العبادة« من أغلظ ما يجد » ظاهره استحباب الاكتفاء بالثياب الخشنة وإن كان قادرا على الناعمة وهو مخالف لأخبار كثيرة إلّا أن يحمل على أن المرّاد به من الأغلظ الذي يجدّه أي إذا لم يجد غيره أو على ما إذا لم يجد غيره إلّا بارتكاب الحرام والشبهة أو بصرف جل أوقاته في تحصيله ، بحيث يمنعه عن النوافل وفواضل الطّاعات ، أو على ما إذا علم أنه يصير سبباً لطغيانه وإن علاج كبره وصفاته الذميمة منحصر في ذلك « ثقة ولا رجاء » أي بغيره سبحانه كما

٣١٦

بدنه حتّى بدت الأضلاع وغارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة

_________________________________________________

بينه في الفقرة الآتية.

وفي المصباح : الجدّ بالكسر الاجتهاد وهو مصدر يقال منه : جد يجد من بابي ضرب وقتل والاسم الجدّ بالكسر « وأتعب بدنه » أي بالعبادات الشرعيّة لا الأعمال المبتدعة « فأبدل الله له» لأنّه تعالى قال : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) .

فمن بذل ما أعطاه الله من الأموال الفانيّة عوضه الله من الأموال الباقية أضعافها ، ومن بذل قوته البدنيّة في طاعة الله أبدّ له الله قوة روحانيّة لا يفنى في الدّنيا والآخرة فتبدو منه المعجزات وخوارق العادات والكرامات وما لا يقدر عليه بالقوى الجسمانيّة ، ومن بذل علمه في الله وعمل به ورثه الله علـمّا لدنيا يزيد في كلّ ساعة ، ومن بذل عزه الفاني الدنيوي في رضا الله تعالى أعطاه الله عزّاً حقيقياً لا يتبدل بالذلّ أبداً ، كما أن الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام لـمّا بذلوا عزهم الدنيوي في سبيل الله أعطاهم الله عزة في الدارين ، لا يشبه عزَّ غيرهم فيلوذ النّاس بقبورهم وضرائحهم المقدسة ، والملوك يعفرون وجوههم على أعتابهم ويتبركون بذكرهم ، ومن بذل حياته البدنيّة في الجهاد في سبيله عوضه حياة أبدية يتصرفون بعد موتهم في عوالم الملك والملكوت ، وقد قال تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ »(٢) ومن بذل نور بصره وسمعه في الطّاعة أعطاه الله نوراً منه ينظر في ملكوت السماوات والأرض ، وبه يسمع كلام الملائكة المقربين ووحي رب العالمين ، كما ورد : المؤمن ينظر بنور الله ، وورد : بي يسمع وبي يبصر ، وإذا تخلى من إرادته وجعلها تابعة لإرادة الله جعله الله بحيث لا يشاء إلّا أن يشاء الله ، وكان الله هو الذي يدبر في بدنه وقلبه وعقله وروحه ، والكلام هنا دقيق لا تفي به العبارة والبيان ، وفي هذا المقام تزل الأقدام.

____________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) سورة آل عمران : ١٦٩.

٣١٧

في عقله وما ذخر له في الآخرة أكثر فارفض الدّنيا فإن حبّ الدّنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب فتدارك ما بقي من عمرّك ولا تقل غداً أو بعد غد فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف حتّى أتاهم أمرّ الله بغتة وهم غافلون فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة وقد أسلمهم الأولاد والأهلون

_________________________________________________

والرفض الترك « يعمى » أي بصر القلب من رؤية الحقّ كما قال تعالى : «فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكنّ تَعْمَى الْقُلُوبُ التّي فِي الصُّدُورِ »(١) ويصم القلب أيضاً عن سماع الحقّ وقبوله ، ويمكن أن يراد بها عمى البصر الظاهر لعدم انتفاعه بما يرى فكأنه أعمى ، وصمم السمع الظاهر لأنه لا ينتفع بما يسمع فكأنه أصم كما قال سبحانه : «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ »(٢) .

والبكم نسبته إلى الظاهر أظهر فإنه لـمّا لم يتكلم بالحقّ وبما ينفعه فكأنه أبكم ، وإن أمكن حمله أيضاً على لسان القلب ، فإن لسان الرأس معبّر عنه حقّيقة « ويذل الرقاب » لأنه موجب للتذّلل عند أهل الدّنيا لتحصيله أو يذلها لقبول الباطل من أهله من الذلّ بالكسر ، وهو ضدّ الصعوبة.

« فتدارك ما بقي » التدارك ليس هنا بمعنى التلافي ، ولا بمعنى التلأحقّ بل بمعنى الإدراك أي أدركه ولا تفوته كقوله تعالى : «لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ »(٣) أي أدركته بإجابة دعائه كما قاله الطبرسي (ره) ، ويحتمل أن يكون « ما بقي » ظرفاً والمفعول مقدراً أي تلاف ما فات منك فيما بقي من عمرّك ، لكنه بعيد.

« ولا تقل غداً » أي أتوب أو اعمل غداً « حتّى أتاهم أمرّ الله » أي بالموت أو بالعذاب « بغتة » بالفتح ، وقد يحرّك أي فجاءة « وهم غافلون » عن إتيانه « على أعوادهم » أي كائنين على السرر والتوابيت المعمولة من الأعواد « إلى قبورهم المظلمة الضيقة »

____________________

(١) سورة الحجّ : ٤٦.

(٢) سورة البقرة : ٧.

(٣) سورة القلم : ٤٩.

٣١٨

فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدّنيا وعزم ليس فيه انكسار ولا انخزال أعاننا الله وإياك على طاعته ووفقنا الله وإياك لمرّضاته.

٢٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة وغيره ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال مثل الدّنيا كمثل ماء البحر كلـمّا شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتّى يقتله.

٢٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء قال سمعت الرضا

_________________________________________________

فإنها على الأشقياء كذلك وإن كانت للأصفياء روضة من رياض الجنّة « فانقطع » أي عن الدّنيا وأهلها «بِقَلْبٍ » أي مع قلب «مُنِيبٍ » أي تائب راجع عن الذنوب ، إشارة إلى قوله تعالى : «مَنْ خَشِيَ الرّحمن بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ »(١) قال الطبرسي أي وافى الآخرة بقلب مقبل على طاعة الله ، راجع إلى الله بضمائره « من رفض الدّنيا » من تعليل للإنابة ، أو للانقطاع ، وعزم عطف على قلب « ليس فيه انكسار » أي وهن « ولا انخزال » أي تثاقل أو انقطاع ، في القاموس : الانخزال مشية في تثاقل والاختزال الانفراد والحذف والاقتطاع ، وانخزل عن جوابي لم يعبأ به ، وفي كلامه : انقطع « لمرّضاته » أي لـمّا يوجب رضاه عنا.

الحديث الرابع والعشرون : ضعيف كالموثق أو كالحسن.

« كمثل ماء البحر » أي المالح ، وهذا من أحسن التمثيلات للدنيا وهو مجرّب فإن الحريص على جمع الدّنيا كلـمّا ازداد منها ازداد حرصه عليها ، وأيضاً كلـمّا حصل منها لا بدّ له لحفظه ونموه وسائر ما يليق به ويناسبه من أشياء أخرى ولا ينتهي إلى حد فيصرف جميع عمرّه في تحصيلها حتّى يموت ولا يبقى له إلّا حسراتها وعقوباتها أعاذنا الله منها.

الحديث الخامس والعشرون : ضعيف على المشهور معتبر.

وقال في النّهاية : فيه حواريي من أمتي أي خاصتي من أصحابي وناصري ،

____________________

(١) سورة ق : ٣٣.

٣١٩

عليه‌السلام يقول قال عيسى ابن مرّيم صلوات الله عليه للحواريين : يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدّنيا كما لا يأسى أهل الدّنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم.

_________________________________________________

ومنه الحواريون أصحاب عيسىعليه‌السلام أي خلصائه وأنصاره ، وأصله من التحوير التبييض قيل : إنّهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ، ومنه : الخبز الحوارى الذي نخل مرّة بعد مرّة قال الأزهري : الحواريون خلصان الأنبياء وتأويله الذين أخلصوا ونقوا من كلّ عيب ، وقال الرّاغب : الحواريون أنصار عيسىعليه‌السلام قيل : كانوا قصارين ، وقيل : كانوا صيادين ، وقال بعض العلماء : إنما سمّوا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس النّاس بإفادتهم الدين والعلم ، المشار إليه بقوله : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً »(١) قال : وإنّما قيل : كانوا قصارين على التمثيل والتشبيه ، وتصور منه من لم يتخصص بمعرفة الحقّائق المهنة المتداولة بين العامة ، قال : وإنما قال : كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس النّاس من الحيرة وقودهم إلى الحقّ ، انتهى.

والأسي الحزن على فوت الفائت ، والغرض لا يكن أهل الدّنيا عليّ باطلهم أشدّ حرصاً منكم على الحقّ.

____________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣.

٣٢٠