مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 441
المشاهدات: 10721
تحميل: 5692


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10721 / تحميل: 5692
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

بها معتبرة وهي أكمل مراتب الإخلاص وإليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة لا يفسد بقصدها(١) وكذا ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر ، وباقي الغايات الظاهر أن قصدها مجز لأن الغرض بها الله في الجملة ، ولا يقدح كون تلك الغايات باعثة على العبادة أعني الطمع والرجاء والشكر والحياء ، لأن الكتاب والسنة مشتملة على المرهبات من الحدود والتعزيرات والذم والإيعاد بالعقوبات ، وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل ونعيمها في الآجل ، وأما الحياء فغرض مقصود وقد جاء في الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استحيوا من الله حق الحياء ، أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة ، وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد قال له ذعلب اليماني ـ بالذال المعجمة المكسورة والعين المهملة الساكنة ، واللام المكسورة ـ هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام أفأعبد ما لا أرى؟ فقال : وكيف تراه؟ فقال : لا يدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن يدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم بلا رؤية ، مريد بلا هم ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجل القلوب من مخافته.

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية ، ويفسر معنى الرؤية وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن ، وإن لم يكن تمام الغاية ،

__________________

(١) وفي بعض النسخ « فاسد بقصدها ».

١٠١

وكذلك الخوف منه تعالى.

ثم لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص ، وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه فخليق أن يذكر ضمائم آخر وهي أقسام : الأول ما يكون منافية له كضم الرياء ويوصف بسببه العبادة بالبطلان بمعنى عدم استحقاق الثواب ، وهل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به والخلاص من العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزيا ولم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى قدس الله لطيفه ، فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنوي بها الرياء.

الثاني : ما يكون من الضمائم لازما للفعل كضم التبرد والتسخن أو التنظيف إلى نية القربة ، وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقق معنى الإخلاص ، فلا يكون الفعل مجزيا وإلى أنه حاصل لا محالة فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب ، والأول أشبه ، ولا يلزم من حصوله نية حصوله.

ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل لم يضر ، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراد ضم القربة لم يجز ، وكذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا فكأنه غير ناو ، ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم ، وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

الثالث : ضم ما ليس بمناف ولا لازم كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة أو إرادة الأكل ، ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف ، وهذه الأشياء وإن لم يستحب لها الطهارة بخصوصياتها إلا أنهما داخلة فيما يستحب لعمومه ، وفي هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني وأولى بالبطلان ، لأن ذلك

١٠٢

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله

تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه.

ثم قال (ره) : يجب التحرز من الرياء فإنه يلحق العمل بالمعاصي ، وهو قسمان جلي وخفي فالجلي ظاهر ، والخفي إنما يطلع عليه أولو المكاشفة والمعاملة لله ، كما يروى عن بعضهم أنه طلب الغزو وتاقت نفسه إليه فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم : فلان غاز ، فتركه فتئقت نفسه إليه ، فأقبل يعرض على ذلك الرياء حتى أزاله ، ولم يزل يتفقدها شيئا بعد شيء حتى وجد الإخلاص مع بقاء الانبعاث فاتهم نفسه وتفقد أحوالها فإذا هو يحب أن يقال مات فلان شهيدا لتحسن سمعته في الناس بعد موته ، وقد يكون ابتداء النية إخلاصا وفي الأثناء يحصل الرياء ، فيحب التحرز منه ، فإنه مفسد للعمل ، نعم لا يكلف بضبط هواجس النفس وخواطرها بعد إيقاع النية في الابتداء خالصة ، فإن ذلك معفو عنه ، كما جاء في الحديث : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها.

وأقول : قد مر بعض القول في ذلك في باب الإخلاص.

الحديث الثاني : حسن موثق وقد مر مثله في الرابع من باب ترك دعاء الناس.

« اجعلوا أمركم هذا » أي التشيع« لله » أي خالصا له« ولا تجعلوه للناس » لا بالانفراد ولا بالاشتراك« فإنه ما كان لله » أي خالصا له «فهو لله » أي يصعد إليه ويقبله وعليه أجره« وما كان للناس » ولو بالشركة« فلا يصعد إلى الله » أي لا يدفعه الملائكة ولا يثبتونه في ديوان الأبرار كما قال تعالى : «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ »(١) والصعود إليه كناية عن القبول.

__________________

(١) سورة المطفّفين : ١٨.

١٠٣

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن يزيد بن خليفة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كل رياء شرك إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ

الحديث الثالث : ضعيف.

« كل رياء شرك » هذا هو الشرك الخفي فإنه لما أشرك في قصد العبادة غيره تعالى فهو بمنزلة من أثبت معبودا غيره سبحانه كالصنم« كان ثوابه على الناس » أي لو كان ثوابه لازما على أحد كان لازما عليهم ، فإنه تعالى قد شرط في الثواب الإخلاص ، فهو لا يستحق منه تعالى شيئا أو أنه تعالى يحيله يوم القيامة على الناس.

الحديث الرابع : مجهول.

«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ » قال الطبرسي (ره) : أي فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمله ويقر بالبعث إليه والوقوف بين يديه ، وقيل : معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب ربه ، وقيل : إن الرجاء يشتمل على كلا المعنيين الخوف والأمل «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » من ملك أو بشر أو حجر أو شجر ، وقيل : معناه لا يرائي عبادته أحدا عن ابن جبير ، وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به؟ فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقل شيئا فنزلت الآية ، قال عطاء عن ابن عباس : إن الله تعالى قال : ولا يشرك به ، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله ، ويحب أن يحمد عليه ، قال : ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصل بها ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : قال الله عز وجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه

١٠٤

رَبِّهِ أَحَداً »(١) قال الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر

غيري فأنا منه بريء ، فهو الذي أشرك ، أورده مسلم في الصحيح ، وروى عن عبادة الصامت وشداد بن الأوس قالا : سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك ، ومن صام صوما يرائي بها فقد أشرك ، ثم قرأ هذه الآية وروي أن أبا الحسن الرضاعليه‌السلام دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال : لا تشرك بعبادة ربك أحدا ، فصرف المأمون الغلام وتولى إتمام وضوئه بنفسه ، انتهى.

وأقول : الرواية الأخيرة تدل على أن المراد بالشرك هنا الاستعانة في العبادة ، وهو مخالف لسائر الأخبار ، ويمكن الجمع بحملها على الأعم منها فإن الإخلاص التام هو أن لا يشرك في القصد ولا في العمل غيره سبحانه« تزكية الناس » أي مدحهم« أن يسمع » على بناء الأفعال.

« ما من عبد أسر خيرا » أي عمل صالحا بأن أخفاه عن الناس لئلا يشوب بالرياء ، أو أخفى في قلبه نية حسنة خالصة« فذهبت الأيام أبدا » قوله : أبدا متعلق بالنفي في قوله : ما من عبد.

« حتى يظهر الله له خيرا » حتى للاستثناء ، أي يظهر الله ذلك العمل الخفي للناس أو تلك النية الحسنة ، وصرف قلوبهم إليه ليمدحوه ويوقروه فيحصل له مع ثناء الله ثناء الناس ، وعلى الاحتمال الأول يدل على أن إسرار الخير أحسن من إظهاره ، ولكل فائدة ، أما فائدة الأسرار فالتحرز من الرياء ، وأما فائدة الإظهار من إظهاره ، ولكل فائدة ، أما فائدة الأسرار فالتحرز من الرياء ، وأما فائدة الإظهار فترغيب الناس في الاقتداء به ، وتحريكهم إلى فعل الخير ، وقد مدح الله كليهما ،

__________________

(١) سورة الكهف : ١١٠.

١٠٥

شرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له شرا.

وفضل الإسرار في قوله سبحانه : «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ »(١) ويظهر من بعض الأخبار أن الإخفاء في النافلة أفضل والإبداء في الفريضة أحسن ، ويمكن القول باختلاف ذلك بحسب اختلاف أحوال الناس ، فمن كان آمنا من الرياء فالإظهار منه أفضل ومن لم يكن آمنا فالإخفاء أفضل ، والأول أظهر لتأييده بالخبر.

قال المحقق الأردبيلي (ره) : المشهور بين الأصحاب أن الإظهار في الفريضة أولى سيما في المال الظاهر ، ولمن هو محل التهمة لرفع تهمة عدم الدفع وبعده عن الرياء ، ولأن يتبعه الناس في ذلك ، والإخفاء في غيرها ليسلم من الرياء ، والمروي عن ابن عباس أن صدقة التطوع إخفاؤها أفضل ، وأما المفروضة فلا يدخلها الرياء ويلحقها تهمة المنع بإخفائها فإظهارها أفضل.

وما رواه في مجمع البيان عن علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادقعليه‌السلام قال : الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية وغير الزكاة إن دفعها سرا فهو أفضل ، فإن ثبت صحته أو صحة مثله فتخصص الآية ، وتفصل به ، وإلا فهي على عمومها ، ومعلوم دخول الرياء في الزكاة المفروضة كما في سائر العبادات المفروضة ، ولهذا اشترط في النية عدمه ولو تمت التهمة لكانت مختصة بمن يتهم ، ( انتهى ).

« وما من عبد يسر شرا » أي عملا قبيحا أو رياء في الأعمال الصالحة فإن الله يفضحه بهذا العمل القبيح إن داوم عليه ولم يتب عند الناس ، وكذا الرياء الذي أصر عليه فيترتب على إخفائه نقيض مقصوده على الوجهين.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧١.

١٠٦

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن عرفة قال قال لي الرضاعليه‌السلام ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ويحك ما عمل أحد عملا إلا رداه الله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

الحديث الخامس : كالسابق.

وفي النهاية :ويح كلمة ترحم وتوجع يقال : لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، انتهى.

والسمعة بالضم وقد يفتح يكون على وجهين أحدهما أن يعمل عملا ويكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أن الرياء هو أن يعمل ليراه الناس فهو قريب من الرياء بل نوع منه ، وثانيهما أن يسمع عمله الناس بعد الفعل ، والمشهور أنه لا يبطل عمله بل ينقص ثوابه أو يزيله كما سيأتي وكان المراد هنا الأول ، في القاموس : وما فعله رياء ولا سمعة وتضم وتحرك ، وهي ما نوه ليرى ويسمع ، انتهى.

« إلى من عمل » أي إلى من عمل له ، وفي بعض النسخ إلى ما عمل أي إلى عمله أي لا ثواب له إلا أصل عمله وما قصده به أو ليس له إلا التعب« إلا رداه الله به » رداه تردية ألبسه الرداء أي يلبسه الله رداء بسبب ذلك العمل ، فشبهعليه‌السلام الأثر الظاهر على الإنسان بسبب العمل بالرداء ، فإنه يلبس فوق الثياب ولا يكون مستورا بثوب آخر« إن خيرا فخيرا » (١) أي إن كان العمل خيرا كان الرداء خيرا وإن كان العمل شرا كان الرداء شرا.

والحاصل أن من عمل شرا إما بكونه في نفسه شرا أو بكونه مشوبا بالرياء يظهر الله أثر ذلك عليه ، ويفضحه بين الناس وكذا إذا عمل عملا خيرا وجعله لله خالصا ألبسه الله أثر ذلك العمل وأظهر حسنه للناس كما مر في الخبر السابق ، وقيل : شبه

__________________

(١) وفي المتن « فخير » وفيما بعده أيضا « فشر ».

١٠٧

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن يزيد قال إني لأتعشى مع أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ تلا هذه الآية «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ

العمل بالرداء في الإحاطة والشمول إن خيرا فخيرا أي إن كان عمله خيرا فكان جزاؤه خيرا ، وكذا الشر وربما يقرأ ردأه بالتخفيف والهمز ، يقال : رداه به أي جعله له ردءا وقوة وعمادا ، ولا يخفى ما فيهما من الخبط والتصحيف وسيأتي ما يأبى عنهما.

الحديث السادس : صحيح.

والتعشي أكل الطعام آخر النهار أو أول الليل ، في القاموس العشي والعشية آخر النهار ، والعشاء كسماء طعام العشي وتعشى أكله «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » قال البيضاوي : أي حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها ، وصفها بالبصارة على سبيل المجاز أو عين بصيرة بها ، فلا يحتاج إلى الإنباء «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » أي ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به ، جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر ، فإن قياسه معاذر ، انتهى.

والتوجيه الأول لبصيرة لأكثر المفسرين ، والثاني نقله النيسابوري عن الأخفش ، فإنه جعل الإنسان بصيرة كما يقال : فلان كرم لأنه يعلم بالضرورة متى رجع إلى عقله أن طاعة خالقه واجبة ، وعصيانه منكر ، فهو حجة على نفسه بعقله السليم ونقل عن أبي عبيدة أن التاء للمبالغة كعلامة ، وقال في قوله تعالى : «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » هذا تأكيد أي ولو جاء بكل معذرة يحاج بها عن نفسه فإنها لا تنفعا لأنها لا تخفى شيئا من أفعاله فإن نفسه وأعضائه تشهد عليه.

قال : قال الواحدي والزمخشري : المعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير للمنكر ولو كان جمعا لكان معاذر بغير ياء ، ونقل عن الضحاك والسدي أن المعاذير جمع المعذار وهو الستر ، والمعنى أنه وإن أسبل الستور أن يخفى شيء من عمله ، قال الزمخشري

١٠٨

بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ »(١) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بخلاف ما يعلم الله تعالى ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد بها.

إن صح هذا النقل فالسبب في التسمية أن الستر يمنع رؤية المحتجب كما يمنع المعذرة عقوبة المذنب ، انتهى.

« يا أبا حفص » أي قال ذلك« ما يصنع الإنسان » استفهام على الإنكار والغرض التنبيه على أنه لا ينفعه في آخرته ولا في دنياه أيضا لما سيأتي« أن يتقرب إلى الله » أي يفعل ما يفعله المتقرب ويأتي بما يتقرب به وإن كان ينوي به أمرا آخر ،« بخلاف ما يعلم الله » أي من باطنه فإنه يظهر ظاهرا أنه يعمل العمل لله ، ويعلم الله من باطنه أنه يفعله لغير الله ، أو أنه ليس خالصا لله ، وقيل : المعنى التقرب بهذا العمل المشترك إلى الله تعالى تقرب بخلاف ما يعلم الله أنه موجب للتقرب ، والسريرة ما يكتم« رداه الله رداءها » كأنه جرد التردية عن معنى الرداء واستعمل بمعنى الإلباس وسيأتي « ألبسه الله » وقد مر أنه أستعير الرداء للحالة التي تظهر على الإنسان وتكون علامة لصلاحه وفساده.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

والابتهاج السرور ، والباء فيقوله : بعمل وبحسناته للملابسة ويحتمل التعديةوقوله : ليصعد أي يشرع في الصعود ،وقوله : فإذا صعد أي تم صعوده ووصل إلى موضع يعرض فيه الأعمال على الله تعالى ، وقوله : بحسناته من قبيل وضع المظهر موضع المضمر تصريحا بأن العمل من جنس الحسنات أو هو منها بزعمه ، أي أثبتوا تلك

__________________

(١) سورة القيامة : ١٤.

١٠٩

٨ ـ وبإسناده قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال الله عز وجل أنا خير شريك

الأعمال التي تزعمون أنها حسنات من ديوان الفجار الذي هو في سجين كما قال الله تعالى : «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ »(١) وفي القاموس : سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار ، وواد في جهنم أعاذنا الله منها أو حجر في الأرض السابعة وقال البيضاوي «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ » ما يكتب من أعمالهم «لَفِي سِجِّينٍ » كتاب جامع لإعمال الفجرة من الثقلين كما قال : «وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ، كِتابٌ مَرْقُومٌ » أي مسطور بين الكتابة ، ثم قال : وقيل : هو اسم المكان والتقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف« اجعلوها » الخطاب إلى الملائكة الصاعدين ، فالمراد بالملك أولا الجنس أو إلى ملائكة الرد والقبول ، والضمير المنصوب للحسنات« ليس إياي أراد » تقديم الضمير للحصر ، أي لم يكن مراده أنا فقط بل أشرك معي غيري.

الحديث الثامن : كالسابق.

وفي القاموس :نشط كسمع نشاطا بالفتح طابت نفسه للعمل وغيره ، وقال :الكسل محركة التثاقل عن الشيء والفتور فيه ، كسل كفرح ، انتهى.

والنشاط يكون قبل العمل وباعثا للشروع فيه ، ويكون بعده وسببا لتطويله وتجويده« في جميع أموره » أي في جميع طاعاته وتركه للمنهيات أو الأعم منها ومن أمور الدنيا.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

« أنا خير شريك » لأنه سبحانه غني لا يحتاج إلى الشركة وإنما يقبل

__________________

(١) سورة المطفّفين : ٧.

١١٠

من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن داود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له.

١١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن فضل أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسر سيئا أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك والله عز وجل يقول : «بَلِ الْإِنْسانُ

الشركة من لم يكن غنيا بالذات ، فلا يقبل العمل المخلوط لرفعته وغناه ، أو المراد أني محسن إلى الشركاء أدع إليهم ما كان مشتركا بيني وبينهم ولا أقبله ، وقيل : على هذا الكلام مبني على التشبيه ، والاستثناء في قوله : إلا ما كان ، منقطع.

الحديث العاشر : مختلف فيه.

« وبارز الله » كان المراد به أبرز وأظهر لله بما كرهه الله من المعاصي ، فإن ما يفعله في الخلوة يراه الله ويعلمه ، والمستفاد من اللغة أنه من المبارزة في الحرب فإن من يعصي الله سبحانه بمرأى منه ومسمع ، فكأنه يبارزه ويقاتله ، في القاموس بارز القرن مبارزة وبرازا برز إليه.

الحديث الحادي عشر : صحيح بسنده الأول والثاني ضعيف.

« ويسر سيئا » أي نية سيئة ورياء أو أعمالا قبيحة والأول أظهر ، فيعلم أن ذلك ليس كذلك أي يعلم أن عمله ليس بمقبول لسوء سريرته وعدم صحة نيته« إن السريرة إذا صحت » أي إن النية إذا صحت ،قويت الجوارح على العمل ، كما ورد لا يضعف بدن عما قويت عليه النية ، وروي أن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ألا وهي القلب ، لكن هذا المعنى لا يناسب هذا المقام كما لا يخفى ، ويمكن أن يكون المراد بالقوة القوة المعنوية أي صحة العمل وكمالها ،

١١١

عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » إن السريرة إذا صحت قويت العلانية.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة ، عن معاوية ، عن الفضيل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من عبد يسر خيرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر شرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له شرا.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن يحيى بن بشير ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أراد الله عز وجل بالقليل من عمله أظهر الله له أكثر مما أراد ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه

وقيل : المرادبالعلانية الرداء المذكور سابقا ، أي أثر العمل.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى قوة العلانية على العمل دائما ، لا بمحضر الناس فقط.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور وقد مر.

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

« أظهر الله له » في بعض النسخ أظهره الله له ، فالضمير للقليل أو للعمل ، وأكثر صفة للمفعول المطلق المحذوف« مما أراد » أي مما أراد الله به ، والمراد إظهاره على الناس ، ونسبة السهر إلى الليل على المجاز ، وضمير يقلله للكثير أو للعمل ، وقد يقال : الضمير للموصول فالتقليل كناية عن التحقير كما روي أن رجلا من بني إسرائيل قال : لأعبدن الله عبادة أذكر بها فمكث مدة مبالغا في الطاعات وجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا متصنع مراء فأقبل على نفسه وقال : قد أتعبت نفسك

١١٢

وسهر من ليله أبى الله عز وجل إلا أن يقلله في عين من سمعه.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن يزيد

وضيعت عمرك في لا شيء فينبغي أن تعمل لله سبحانه ، فغير نيته وأخلص عمله لله فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا ورع تقي.

الحديث الرابع عشر : كالسابق أيضا.

« سيأتي » السين للتأكيد أو للاستقبال القريب« يخبث » كيحسن« سرائرهم » بالمعاصي أو بالنيات الخبيثة الريائية« طمعا » مفعول له ليحسن« لا يريدون به » الضمير لحسن العلانية أو للعمل المعلوم بقرينة المقام« يكون دينهم » أي عباداتهم الدينية أو أصل إظهار الدين« رياء » لطلب المنزلة في قلوب الناس ، والباء فيقوله : « بعقاب » للتعدية« دعاء الغريق » أي كدعاء من أشرف على الغرق ، فإن الإخلاص والخضوع فيه أخلص من سائر الأدعية لانقطاع الرجاء من غيره سبحانه ، وما قيل : من أن المعنى من غرق في ماء دموعه فلا يخفى بعده ، وعدم الإجابة لعدم عملهم بشرائطها وعدم وفائهم بعهوده تعالى ، كما قال تعالى : «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » وسيأتي الكلام فيه في كتاب الدعاء إنشاء الله ، ولا يبعد أن يكون العقاب إشارة إلى غيبة الإمامعليه‌السلام .

الحديث الخامس عشر : صحيح.

وقد مر بعينه سندا ومتنا ولا اختلاف إلا في قوله : أن يعتذر إلى الناس ، وقوله : ألبسه الله ، وكأنه أعاده لاختلاف النسخ في ذلك وهو بعيد ، ولعله كان على السهو ، وما هنا كأنه أظهر في الموضعين ، والاعتذار إظهار العذر وطلب قبوله ، وقيل

١١٣

قال إني لأتعشى مع أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ تلا هذه الآية «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال الإبقاء على العمل أشد من العمل قال وما الإبقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له

لعل المراد به هو الحث على التسوية بين السريرة والعلانية ، بحيث لا يفعل سرا ما لو ظهر لاحتاج إلى العذر. ومن البين أن الخير لا يحتاج إلى العذر وإنما المحتاج إليه هو الشر ، ففيه ردع عن تعلق السر بالشر مخالفا للظاهر ، وهذا كما قيل لبعضهم : عليك بعمل العلانية ، قال : وما عمل العلانية؟ قال : ما إذا اطلع الناس عليك لم تستحي منه ، وهذا مأخوذ من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام على ما ذكره صاحب العدة (ره) حيث يقولعليه‌السلام : إياك وما تعتذر منه فإنه لا تعتذر من خير ، وإياك وكل عمل في السر تستحيي منه في العلانية ، وإياك وكل عمل إذا ذكر لصاحبه أنكره.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« الإبقاء على العمل » أي حفظه ورعايته والشفقة عليه من ضياعه ، في النهاية :

يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم البقيا ، وفي الصحاح أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه ورحمته.

قوله عليه‌السلام : يصل ، هو بيان لترك الإبقاء ليعرف الإبقاء فإن الأشياء تعرف بأضدادها« فتكتب » على بناء المجهول ، والضمير المستتر راجع إلى كل من الصلة والنفقة ، وسرا وعلانية ورياء كل منها منصوب ومفعول ثان لتكتب ، وقوله : فتمحى على بناء المفعول من باب الأفعال ، ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم من باب الافتعال

١١٤

فكتب له سرا ثم يذكرها وتمحى فتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه اخشوا الله خشية ليست بتعذير واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة فإنه من عمل

بقلب التاء ميما« فتكتب له علانية » أي يصير ثوابه أخف وأقل« وتكتب له رياء » أي يبطل ثوابه بل يعاقب عليه ، وقيل : كما يتحقق الرياء في أول العبادة ووسطها كذلك يتحقق بعد الفراغ منها ، فيجعل ما فعل لله خالصا في حكم ما فعل لغيره فيبطلها كالأولين عند علمائنا ، بل يوجب الاستحقاق للعقوبة أيضا عند الجميع.

وقال الغزالي : لا يبطلها لأن ما وقع صحيحا فهو صحيح لا ينتقل من الصحة إلى الفساد ، نعم الرياء بعده حرام يوجب استحقاق العقوبة ، وقد مر بسط القول فيهالحديث السابع عشر : كالسابق.

« خشية ليست بتعذير » أقول : هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأول : ما ذكره المحدث الأسترآبادي (ره) حيث قال : إذا فعل أحد فعلا من باب الخوف ولم يرض به فخشيته خشية تعذير وخشية كراهية ، وإن رضي به فخشيته خشية رضى أو خشية محبة.

الثاني : أن يكون التعذير بمعنى التقصير بحذف المضاف أي ذات تعذير ، أي لم تكونوا مقصرين في الخشية ، أو الباء للملابسة أي بمعنى مع ، قال في النهاية : التعذير التقصير ، ومنه حديث بني إسرائيل : كانوا إذا عمل فيهم بالمعاصي نهوهم تعذيرا أي نهيا قصروا فيه ولم يبالغوا ، وضع المصدر موضع اسم الفاعل حالا كقولهم جاء مشيا ، ومنه حديث الدعاء : وتعاطي ما نهيت عنه تعذيرا.

الثالث : أن يكون التعذير بمعنى التقصير أيضا ، ويكون المعنى لا تكون خشيتكم بسبب التقصيرات الكثيرة في الأعمال بل تكون مع بذل الجهد في الأعمال

١١٥

لغير الله وكله الله إلى عمله.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك.

كما ورد في صفات المؤمن يعمل ويخشى.

الرابع : أن يكون المعنى تكون خشيتكم خشية واقعية لا إظهار خشية في مقام الاعتذار إلى الناس والعمل بخلاف ما تقتضيه كما مر في قولهعليه‌السلام : ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس « إلخ » قال الجوهري : المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر من غير حقيقة له في العذر.

الخامس : ما ذكره بعض مشايخنا : أن المعنى اخشوا الله خشية لا تحتاجون معها في القيامة إلى إبداء العذر.

وكان الثالث أظهر الوجوه« وكله الله إلى عمله » أي يرد عمله عليه فكأنه وكله إليه ، أو بحذف المضاف أي مقصود عمله أو شريك عمله أو ليس له إلا العناء والتعب كما مر.

الحديث الثامن عشر : حسن كالصحيح.

« ما من أحد » أي الإنسان مجبول على ذلك لا يمكنه رفع ذلك عن نفسه فلو كلف به لكان تكليفا بما لا يطاق« إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » أي لم يكن باعثه على أصل الفعل أو على إيقاعه على الوجه الخاص ظهوره في الناس ، وقد ورد نظير ذلك من طريق العامة عن أبي ذر أنه قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن يعني البشرى المعجلة له في الدنيا ، والبشرى الأخرى قوله سبحانه : «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ

١١٦

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ »(١) .

وقيل : وهذا ينافي ما روي من طريقنا : ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل لله ، وما روي من طريقهم عن ابن جبير في سبب نزول قوله تعالى : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ »(٢) « إلخ ». وقد مر وقد جمع بينهما صاحب العدة (ره) بأنه إن كان سروره باعتبار أنه تعالى أظهر جميلة عليهم أو باعتبار أنه استدل بإظهار جميلة في الدنيا على إظهار جميلة في الآخرة على رؤوس الإشهاد ، أو باعتبار أن الرائي قد يميل قلبه بذلك إلى طاعة الله تعالى ، أو باعتبار أنه يسلب ذلك اعتقادهم بصفة ذميمة له فليس ذلك السرور رياء وسمعة ، وإن كان سروره باعتبار رفع المنزلة أو توقع التعظيم والتوقير بأنه عابد زاهد وتزكيتهم له إلى غير ذلك من التدليسات النفسانية والتلبيسات الشيطانية فهو رياء ناقل للعمل من كفة الحسنات إلى كفة السيئات ، انتهى.

وأقول : يمكن أن يكون ذلك باعتبار اختلاف درجات الناس ومراتبهم ، فإن تكليف مثل ذلك بالنظر إلى أكثر الخلق تكليف بما لا يطاق ، ولا ريب في اختلاف التكاليف بالنسبة إلى أصناف الخلق بحسب اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم.

__________________

(١) سورة الحديد : ١٢.

(٢) سورة الكهف : ١١.

١١٧

(باب )

(طلب الرئاسة )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر بن خلاد ، عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه ذكر رجلا فقال إنه يحب الرئاسة فقال ما ذئبان ضاريان

باب طلب الرئاسة

الحديث الأول : صحيح.

« أنه ذكر رجلا » ضمائر « أنه » و « ذكر » و « فقال » أولا راجعة إلى معمر ويحتمل رجوعها إلى الإمامعليه‌السلام ، والرئاسة الشرف والعلو على الناس ، رأس الرجل يرأس مهموزا بفتحتين رئاسة شرف وعلى قدره ، فهو رئيس ، والجمع رؤساء مثل شريف وشرفاء ، والضاري السبع الذي اعتاد بالصيد وإهلاكه ، والرعاء بالكسر والمد جمع راع اسم فاعل ، وبالضم اسم جمع صرح بالأول صاحب المصباح ، وبالثاني القاضي وتفرق الرعاء لبيان شدة الضرر ، فإن الراعي إذا كان حاضرا يمنع الذئب عن الضرر ، ويحمى القطيع ، والظاهر أنقوله : في دين المسلم صلة للضرر المقدر أي ليس ضرر الذئبين في الغنم بأشد من ضرر الرئاسة في دين المسلم ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، ويؤيده ما سيأتي في باب حب الدنيا مثله هكذا : بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم ، وقيل : في دين المسلم حال عن الرئاسة قدم عليه ، ولا يخفى ما فيه.

وفيه تحذير عن طلب الرئاسة ، وللرئاسة أنواع شتى منها ممدوحة ومنها مذمومة ، فالممدوحة منها الرئاسة التي أعطاها الله تعالى خواص خلقه من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، لهداية الخلق وإرشادهم ، ورفع الفساد عنهم ، ولما كانوا معصومين مؤيدين بالعنايات الربانية فهم مأمونون من أن يكون غرضهم من ذلك تحصيل

١١٨

في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من الرئاسة.

الأغراض الدنية والأغراض الدنيوية ، فإذا طلبوا ذلك ليس غرضهم إلا الشفقة على خلق الله تعالى ، وإنقاذهم من المهالك الدنيوية والأخروية كما قال يوسفعليه‌السلام «اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ »(١) وأما سائر الخلق فلهم رئاسات حقة ورئاسات باطلة وهي مشتبهة بحسب نياتهم واختلاف حالاتهم فمنها القضاء والحكم بين الناس ، وهذا أمر خطير وللشيطان فيه تسويلات ، ولذا وقع التحذير عنه في كثير من الأخبار ، وأما من يأمن ذلك من نفسه ويظن أنه لا ينخدع من الشيطان فإذا كان في زمان حضور الإمام وبسط يدهعليه‌السلام وكلفه ذلك يجب عليه قبوله.

وأما في زمان الغيبة فالمشهور أنه يجب على الفقيه الجامع لشرائط الحكم والفتوى ارتكاب ذلك إما عينا وإما كفاية ، فإن كان غرضه من ارتكاب ذلك إطاعة إمامه والشفقة على عباد الله وإحقاق حقوقهم وحفظ فروجهم وأموالهم وأعراضهم عن التلف ولم يكن غرضه الترفع على الناس والتسلط عليهم ، ولا جلب قلوبهم وكسب المحمدة منهم ، فليست رئاسته رئاسة باطلة ، بل رئاسة حقة أطاع الله تعالى فيها ونصح إمامه ، ولو كان غرضه كسب المال الحرام وجلب قلوب الخواص والعوام وأمثال ذلك فهي الرئاسة الباطلة التي حذر عنها ، وأشد منها من ادعى ما ليس له بحق كالإمامة والخلافة ومعارضة أئمة الحق فإنه على حد الشرك بالله وقريب منه ما فعله الكذابون المتصنعون الذين كانوا في أعصار الأئمةعليه‌السلام وكانوا يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأضرابهم.

ومن الرئاسات المنقسمة إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٥.

١١٩

والوعظ ، فمن كان أهلا لتلك الأمور عالما(١) بما يقول متبعا للكتاب والسنة وكان غرضه هداية الخلق وتعليمهم مسائل دينهم فهو من الرئاسة الحقة ، ويحتمل وجوبه إما عينا أو كفاية ، ومن لم يكن أهلا لذلك ويفسر الآيات برأيه والأخبار مع عدم فهمها ، ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال الله سبحانه فيهم : «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً »(٢) وكذلك من هو أهل لتلك الأمور من جهة العلم لكنه مراء متصنع يحرف الكلم عن مواضعه ، ويفتي الناس بخلاف ما يعلم ، أو كان غرضه محض الشهرة وجلب القلوب أو تحصيل الأموال والمناصب فهو أيضا من الهالكين ، ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرئاسات الحقة وإلا فهو أيضا من أهل الفساد.

والحاصل أن الرئاسة إن كانت بجهة شرعية ولغرض صحيح فهي ممدوحة وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو مقرونة بالأغراض الفاسدة فهي مذمومة فهذه الأخبار محمولة على هذه الوجوه الباطلة ، أو على ما إذا كان المقصود نفس الرئاسة والتسلط.

قال بعض المحققين : معنى الجاه ملك القلوب والقدرة عليها ، فحكمها حكم ملك الأموال فإنه عرض من أعراض الحياة الدنيا وينقطع بالموت كالمال ، والدنيا مزرعة الآخرة فكل ما خلق الله من الدنيا فيمكن أن يتزود منه إلى الآخرة ، وكما أنه لا بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس ، فلا بد من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق ، والإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله ، فيجوز أن يحب

__________________

(١) الظاهر أنّ الصحيح « عاملا » بدل « عالما » ولكن النسخ متفقة على ما في المتن ويحتمل التصحيف أيضا.

(٢) سورة الكهف : ١١٣.

١٢٠