مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16743 / تحميل: 8184
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

عليه ألان له القول ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله قلت له الذي قلت ثم ألنت له القول؟ قال : يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه اتقاء فحشه.

قال عياض : قوله : لبئس ، ذم له في الغيبة والرجل عيينة بن حصن الفزاري ، ولم يكن أسلم حينئذ ، ففيه لا غيبة على فاسق ومبتدع ، وإن كان قد أسلم فيكونعليه‌السلام أراد أن يبين حاله ، وفي ذلك الذم يعني لبئس ، علم من أعلام النبوة ، فإنه ارتد وجيء به إلى أبي بكر وله مع عمر خبر.

وفيه أيضا أن المداراة مع الفسقة والكفرة مباحة وتستحب في بعض الأحوال بخلاف المداهنة المحرمة ، والفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا ، والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذل له من دنياه حسن العشرة وطلاقة الوجه ، ولم يرو أنه مدحه حتى يكون ذلك خلاف قوله لعائشة ، ولا من ذي الوجهين وهوعليه‌السلام منزه عن ذلك ، وحديثه هذا أصل في جواز المداراة وغيبة أهل الفسق والبدع.

وقال القرطبي : قيل أسلم هو قبل الفتح وقيل بعده ، ولكن الحديث دل على أنه شر الناس منزلة عند الله ولا يكون كذلك حتى يختم له بالكفر ، والله سبحانه أعلم بما ختم له وكان من المؤلفة وجفاة الأعراب.

وقال النخعي : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير إذن فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأين الإذن؟ فقال : ما استأذنت على أحد من مضر ، فقالت عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وهو على ما ترين سيد قومه ، وكان يسمى الأحمق المطاع ، وقال الآبي : هذا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعليم لغيره لأنه أرفع من أن يتقى فحش كلامه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

٢٨١

عليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم.

٣ ـ عنه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من خاف الناس لسانه فهو في النار.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شر الناس يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم.

(باب البغي )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن قداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن أعجل الشر عقوبة البغي.

« يكرمون » على بناء المجهول.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

باب البغي

الحديث الأول : ضعيف.

والبغي مجاوزة الحد وطلب الرفعة والاستطالة على الغير ، في القاموس : بغى عليه يبغي بغيا علا وظلم وعدل عن الحق واستطال وكذب ، وفي مشيته : اختال ، والبغي الكثير من البطر ، وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل ، وقال الراغب : البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه أو لم يتجاوزه ، فتارة يعتبر في الكمية وتارة في الكيفية ، يقال : بغيت الشيء إذا طلبت أكثر مما يجب ، وابتغيت كذلك ،

٢٨٢

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

والبغي على ضربين محمود وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع ، ومذموم وهو تجاوز الحق إلى الباطل ، وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ويستعمل ذلك في أي أمر كان ، قال تعالى : «يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ »(١) وقال : «إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ »(٢) و «بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ »(٣) «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ »(٤) وقال تعالى : «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي »(٥) فالبغي في أكثر المواضع مذموم ، انتهى.

والمراد بتعجيل عقوبته أنها تصل إليه في الدنيا أيضا بل تصل إليه فيها سريعا.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ، إن الباطل كان زهوقا.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من سل سيف البغي قتل به.

والظاهر أن ذلك من قبل الله تعالى عقوبة على البغي وزجرا عنه وعبرة ، لا لما قيل : سر ذلك أن الناس لا يتركونه بل ينالونه بمثل ما نالهم أو بأشد ، وتلك عقوبة حاضرة جلبها إلى نفسه من وجوه متكثرة ، انتهى ، وأقول : مما يضعف ذلك أنا نرى أن الباغي يبتلي غالبا بغير من بغى عليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« فإنهما يعدلان » إلخ ، أي في الإخراج من الدين والعقوبة والتأثير في فساد

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢.

(٢) سورة يونس : ٢٣.

(٣) سورة الحجّ : ٦٠.

(٤) سورة القصص : ٧٦.

(٥) سورة الحجرات : ٩.

٢٨٣

عليه‌السلام قال يقول إبليس لجنوده ألقوا بينهم الحسد والبغي فإنهما يعدلان عند الله الشرك.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن مسمع أبي سيار أن أبا عبد اللهعليه‌السلام كتب إليه في كتاب انظر أن لا تكلمن بكلمة بغي أبدا وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك.

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ويعقوب السراج جميعا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أيها الناس إن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله عناق بنت آدم فأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع

نظام العالم إذ أكثر المفاسد التي نشأت في العالم من مخالفة الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وترك طاعتهم ، وشيوع المعاصي إنما نشأت من هاتين الخصلتين كما حسد إبليس على آدمعليه‌السلام وبغى عليه ، وحسد الطغاة من كل أمة على حجج الله فيها ، فطغوا وبغوا فجعلوا حجج الله مغلوبين وسرى الكفر والمعاصي في الخلق.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« أن لا تكلم » وفي بعض النسخ أن لا تكلمن وهما إما على بناء التفعيل ، أي أحدا فإنه متعد أو على بناء التفعل بحذف إحدى التائين« بكلمة بغي » أي بكلام مشتمل على بغي ، أي جور أو تطاول« وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك » الظاهر أن فاعل أعجبتك الضمير الراجع إلى الكلمة ، ونفسك بالنصب تأكيد للضمير وعشيرتك عطف عليه ، وقيل : نفسك فاعل أعجبت والأول أظهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

وهذا جزء من خطبة طويلة أثبتها في أوائل الروضة ، وذكر أنه خطب بها بعد مقتل عثمان وبيعة الناس له« وكان مجلسها جريبا » قال في المصباح : الجريب الوادي ثم أستعير للقطعة المميزة من الأرض فقيل فيها جريب ، ويختلف مقداره

٢٨٤

ظفران مثل المنجلين فسلط الله عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلنها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا.

بحسب اصطلاح أهل الأقاليم كاختلافهم في مقدار الرطل والكيل والذراع ، وفي كتاب المساحة : اعلم أن مجموع عرض كل سبع شعيرات معتدلات يسمى إصبعا والقبضة أربع أصابع ، والذراع ست قبضات ، وكل عشرة أذرع يسمى قصبة وكل عشر قبضات يسمى أشلا ، وقد يسمى مضروب الأشل في نفسه جريبا ، ومضروب الأشل في القصبة قفيزا ، ومضروب الأشل في الذراع عشيرا ، فحصل من هذا أن الجريب عشرة آلاف ذراع ، ونقل عن قدامة أن الأشل ستون ذراعا وضرب الأشل في نفسه يسمى جريبا فيكون ثلاثة آلاف وست مائة ، انتهى.

فقوله عليه‌السلام : في جريب كان المعنى مع جريب فيكون جريبين أو أطلق الجريب على أحد أضلاعه مجازا للإشعار بأنها كانت تملأ الجريب طولا وعرضا أو يكون الجريب في عرف زمانهعليه‌السلام مقدارا من امتداد المسافة كالفرسخ ، وفي تفسير علي بن إبراهيم : وكان مجلسها في الأرض موضع جريب.

والمنجل كمنبر حديدة يحصد بها الزرع ، والنسر طائر معروف له قوة في الصيد ، ويقال لا مخلب له ، وإنما له ظفر كظفر الدجاجة ، وفي تفسير علي بن إبراهيم ونسرا كالحمار « وكان ذلك في الخلق الأول » أي كانت تلك الحيوانات كذلك في أول الخلق في الكبر والعظم ، ثم صارت صغيرة كالإنسان ، و« آمن » أفعل تفضيل وما مصدرية« وكانوا » تامة والمصدر إما بمعناه أو استعمل في ظرف الزمان نحو رأيته مجيء الحاج ، وعلى التقديرين نسبة الأمن إليه على التوسع والمجاز.

والحاصل أن الله عز وجل قتل الجبارين الذين جبروا خلق الله على ما أرادت نفوسهم الخبيثة من الأوامر والنواهي وبغوا عليهم ولم يرفقوا بهم على أحسن الأحوال والشوكة والقدرة لفسادهم ، فلا يغتر الظالم بأمنه واجتماع أسباب عزته ، فإن الله هو القوي العزيز.

٢٨٥

(باب )

(الفخر والكبر )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسينعليه‌السلام عجبا للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آفة الحسب الافتخار والعجب.

باب الفخر والكبر

الحديث الأول : صحيح.

وقد مر بعض القول في ذم الكبر والفخر ودوائهما ، والتفكر في أمثال تلك الأخبار ، وزجر النفس على خلاف هاتين الرذيلتين مما ينفع في التخلص منهما كما مرت الإشارة إليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

والحسب : الشرف والمجد الحاصل من جهة الآباء وقد يطلق على الشرافة الحاصلة من الأفعال الحسنة والأخلاق الكريمة ، وإن لم تكن من جهة الآباء ، في القاموس : الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالح ، أو الشرف الثابت في الآباء أو البال ، أو الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء ، والشرف والمجد لا يكونان إلا بهم.

وأقول : الخبر يحتمل وجوها « الأول » أن لكل شيء آفة تضيعه ، وآفة الشرافة من جهة الآباء الافتخار والعجب الحاصلان منها ، فإنه يبطل بهما هذا الشرف الحاصل له بتوسط الغير عند الله وعند الناس.

الثاني : أن المراد بالحسب الأخلاق الحسنة والأفعال الصالحة ويضيعهما

٢٨٦

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان ، عن عقبة بن بشير الأسدي قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام أنا عقبة بن بشير الأسدي وأنا في الحسب الضخم من قومي قال فقال ما تمن علينا بحسبك إن الله رفع بالإيمان من كان الناس يسمونه وضيعا إذا كان مؤمنا ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفا إذا كان كافرا فليس لأحد فضل على أحد إلا بالتقوى.

الافتخار بهما وذكرهما ، والإعجاب بهما كما مر.

الثالث : أن يكون المراد به أن الحسب يستتبع آفة الافتخار ويوجبها ، لا أن آفة الافتخار بالحسب تضيعه كما قيل ـ والأول أظهر الوجوه ، ويؤيده ما روي في شهاب الأخبار ـ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : آفة العلم النسيان ، وآفة الحديث الكذب وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر ، وآفة الظرف الصلف(١) وآفة الجود السرف وآفة الدين الهوى.

وقال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب : نهي الحسيب عن الاستطالة والتفاخر الذي يضع الرفيع وكفاك مانعا من الافتخار قولهعليه‌السلام : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ومعناه أني لا أذكر ذلك على سبيل الافتخار والمبارأة وإلا فأي مظنة فخر فوق سيادة سيد ولد آدم.

الحديث الثالث : مجهول.

وفي القاموس :الضخم بالفتح وبالتحريك العظيم من كل شيء« ما تمن » ما للاستفهام الإنكاري أو نافية« فليس لأحد » إشارة إلى قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) الظرف : البراعة وذكاء القلب ، وقيل : حسن العبارة ، وقال الجزريّ في النهاية : الظرف في اللسان : البلاغة ، وفي الوجه : الحسن ، وفي القلب : الذكاء ، وقال في مادة « صلف » : آفة الظرف الصلف ، هو الغلوّ في الظرف والزيادة على المقدار مع تكبر.

٢٨٧

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عيسى بن الضحاك قال قال أبو جعفرعليه‌السلام عجبا للمختال الفخور وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به.

أَتْقاكُمْ »(١) وكفى بهذه الآية واعظا وزاجرا عن الكبر والفخر.

الحديث الرابع : مجهول.

« وعجبا » بالتحريك مصدر باب علم ، وهو إما بتقدير حرف النداء أو مفعول مطلق لفعل محذوف ، أي عجبت عجبا ، فعلى الأول« للمتكبر » صفة لقوله عجبا وعلى الثاني خبر مبتدإ محذوف بتقدير هو للمتكبر والضمير المحذوف راجع إلى عجبا ، وقال النحويون : لا يمكن أن يكون صفة لعجبا لأن الفعل كما لا يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا ، وحذف الفعل وإقامة المصدر مقامه في تلك المواضع واجب.

وروى الراونديقدس‌سره في ضوء الشهاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبا كل العجب للمختال الفخور ، وإنما خلق من نطفة ثم يعود جيفة وهو بين ذلك لا يدري ما يفعل به ، ثم قال (ره) : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند جهله بسبب الشيء ، وقيل : العجب ما لا يعرف سببه ولا يوصف الله تعالى بذلك لأنه عالم لذاته وقولهعليه‌السلام : عجبا ، الألف فيه بدل من الياء ، لأنهم كثيرا ما يفزعون من الكسرة إلى الفتحة طلبا للخفة كأنه ينادي عجب نفسه ويستحضره لما يرى ويستبدع ، وهذا على التشبيه والتمثيل ، وإلا فالعجب لا ينادي ويجوز أن يكون كل العجب بدلا من عجبي ، ويجوز أن يكون حالا من عجبي ، ويجوز أن يكون صفة مصدر يدل عليه الكلام كأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعجب عجبا كل العجب ، ثم حذف فقال : أعجب كل العجب ، ويجوز أن يكون الألف للندبة.

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٣.

٢٨٨

وقال (ره) في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجبا للمؤمن ، عجبا مصدر فعل محذوف ، أي عجبت عجبا.

وأقول : هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية لمعالجة أعظم الأدواء الروحانية وهو الفخر المترتب على الكبر ، وحاصلها أن في الإنسان كثير من صفات النقصان ، وإن كان فيه كمال فمن رب الإنس والجان ، فلا يليق به أن يفتخر على غيره من الإخوان ، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره وعلاجه مركب من أجزاء علمية وعملية ، فأما العلمية فبأن يعرف الله سبحانه بجلاله ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كل موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلا بفيض وجوده ورحمته وأن الإنسان مخلوق من أكثف الأشياء وأخسها وهو التراب ، ثم النطفة النجسة القذرة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم الجنين الذي غذاؤه دم الحيض ، ثم يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب الناس إليه ، وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور ومن حال إلى حال ، من مرض إلى صحة ، ومن صحة إلى مرض إلى غير ذلك من الأحوال المتبادلة ، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا.

وإلى هذا أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : وهو فيما بين ذلك ما يدري ما يصنع به ثم لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة ، كما ذكر سابقا في باب الكبر.

وأنه يعلم أن استكمال كل شيء سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلا بالانكسار والضعف ، فإن العناصر ما لم تنكسر صورة كيفياتها الصرفة لم تقبل صورة كمالية معدنية أو حيوانية أو إنسانية ، والبذر ما لم يقع في التراب ولم يقرب من التعفن والفساد لم يقبل صورة نباتية ولم تخرج منه سنبلة ولا ثمر ، وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية قابلة للخلافة الربانية.

٢٨٩

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا رسول الله أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما إنك عاشرهم في النار.

فمن تفكر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه التحرز من الكبر والفخر بفضله تعالى.

وأما العملية فهي المداومة على التواضع لكل عالم وجاهل وصغير وكبير ، والاقتداء بسنن النبي والأئمة الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم ، وتتبع سيرهم وأخلاقهم وحسن معاشرتهم لجميع الخلق.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« أما إنك عاشرهم في النار » أي أن آباءك كانوا كفارا وهم في النار ، فما معنى افتخارك بهم وأنت أيضا مثلهم في الكفر باطنا ، إن كان منافقا ، أو ظاهرا أيضا إن كان كافرا ، فلا وجه لافتخارك أصلا.

والحاصل أن عمدة أسباب الفخر بل أشيعها وأكثرها الفخر بالآباء وهو باطل لأن آباءه إن كانوا كفرة أو ظلمة فهم من أهل النار ، فينبغي أن يتبرء منهم لا أن يفتخر بهم وإن كان باعتبار أن لهم ما لا فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الافتخار ، بل ورد في ذمه كثير من الأخبار ، ولو كان كمالا كان لهم لا له ، والعاقل لا يفتخر بكمال غيره ، وإن كان باعتبار أنه كان خيرا أو فاضلا أو عالما فهذا أجهل من حيث أنه تعزز بكمال غيره ، ولذلك قيل :

لئن فخرت بآباء ذوي شرف

لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا(١)

فالمتكبر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أين يجبر خسته كمال غيره ، وأيضا ينبغي أن يعرف نسبه الحقيقي فيعرف أباه وجده فإن أباه نطفة قذرة ، وجده البعيد تراب ذليل ، وقد عرفه الله نسبه فقال : «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ

__________________

(١) وقال الشاعر الفارسيّ :

گيرم پدر تو بود فاضل

از فضل پدر تو را چه حاصل

٢٩٠

خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ »(١) فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالأقدام ثم خمر طينته حتى صار حمأ مسنونا كيف يتكبر ، وأخس الأشياء ما إليه نسبه ، فإن قال : أفتخر بالأب القريب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من الأب فليحتقر نفسه بهما.

والسبب الثاني الحسن والجمال فإن افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام ، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به ، ولينظر أيضا إلى أصله وما خلق منه كما مر ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة ، وإلى ما في باطنه من الخبائث مثل الأقذار التي في جميع أعضائه والرجيع الذي في أمعائه ، والبول الذي في مثانته ، والمخاط الذي في أنفه ، والوسخ الذي في أذنيه ، والدم الذي في عروقه ، والصديد الذي تحت بشرته ، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح ، فإذا عرف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدمن.

الثالث : القوة والشجاعة ، فمن افتخر بها فليعلم أن الذي خلقه هو أشد منه قوة ، وأن الأسد والفيل أقوى منه ، وأن أدنى العلل والأمراض تجعله أعجز من كل عاجز ، وأذل من كل ذليل ، وأن البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.

الرابع : الغناء والثروة.

الخامس : كثرة الأنصار والأتباع والعشيرة وقرب السلاطين والاقتدار من جهتهم ، والكبر والفخر بهذين السببين أقبح لأنه أمر خارج عن ذات الإنسان وصفاته ، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغير عليه السلطان وعزله لبقي ذليلا عاجزا ، وإن من فرق الكفار من هو أكثر منه مالا وجاها ، فالمتكبر بهما في غاية الجهل.

__________________

(١) سورة السجدة : ٨.

٢٩١

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آفة الحسب الافتخار.

السادس : العلم وهذا أعظم الأسباب وأقواها فإنه كمال نفساني عظيم عند الله تعالى وعند الخلائق ، وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات ، فإذا تكبر العالم وافتخر فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل ، وأن الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم ، وأن العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل ، وأن عذاب العالم أشد من عذاب الجاهل ، وأنه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار وتارة بالكلب ، وأن الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته وأن الشياطين أكثرهم على العالم ، وأن سوء العاقبة وحسنها أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه ، فلعل الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم.

السابع : العبادة والورع والزهادة ، والفخر فيها أيضا فتنة عظيمة ، والتخلص منها صعب ، فإذا غلب عليه فليتفكر أن العالم أفضل منه فلا ينبغي أن يفتخر عليه ، ولا ينبغي أيضا أن يفتخر على من تأخر عنه في العلم أيضا إذ لعل قليل عمله يكون مقبولا وكثير عمله مردودا ولا على الجاهل والفاسق إذ قد يكون لهما خصلة خفية وصفة قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته ، ولو فرض خلوهما عن جميع ذلك بالفعل فلعل الأحوال في العاقبة تنعكس ، وقد وقع مثل ذلك كثيرا ، ولو فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك ، فيحبط عمله فيصير هو في الآخرة مثلهم بل أقبح منهم والله المستعان.

الحديث السادس : قد مر سندا ومتنا إلا زيادة « والعجب » في آخر الأول ، وكان الراوي رواه على الوجهين.

٢٩٢

(باب القسوة )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال فيما ناجى الله عز وجل به موسىعليه‌السلام يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن حفص ، عن إسماعيل بن دبيس عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا خلق الله العبد في أصل الخلقة كافرا لم يمت حتى يحبب الله إليه الشر فيقرب منه فابتلاه بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء

باب القسوة

الحديث الأول : مجهول مرفوع.

« لا تطول في الدنيا أملك » تطويل الأمل هو أن ينسى الموت ويجعله بعيدا ، ويظن طول عمرة أو يأمل آمالا كثيرة لا تحصل إلا في عمر طويل ، وذلك يوجب قساوة القلب وصلابته وشدته ، أي عدم خشوعه وتأثره عن المخاوف وعدم قبوله للمواعظ ، كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب ووجله عند ذكر الله والموت والآخرة ، قال الجوهري :قسا قلبه قسوة وقساوة وقساء وهو غلظ القلب وشدته ، وأقساه الذنب ، ويقال : الذنب مقساة للقلب.

الحديث الثاني : مرسل.

قيل :قوله كافرا ، حال عن العبد ، فلا يلزم أن يكون كفره مخلوقا لله تعالى.

أقول : كأنه على المجاز ، فإنه تعالى لما خلقه عالما بأنه سيكفر فكأنه خلقه كافرا ، أو الخلق بمعنى التقدير ، والمعاصي يتعلق بها التقدير ببعض المعاني كما مر تحقيقه ، وكذا تحبيب الشر إليه مجاز فإنه لما سلب عنه التوفيق لسوء أعماله وخلي بينه وبين نفسه وبين الشيطان فأحب الشر فكأن الله حببه إليه ،

٢٩٣

خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها ثم ركب معاصي الله وأبغض طاعته ووثب على الناس لا يشبع من الخصومات فاسألوا الله العافية واطلبوها منه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لمتان لمة من الشيطان ولمة من الملك فلمة

كما قال سبحانه : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ »(١) وإن كان الظاهر أن الخطاب لخلص المؤمنين.

« فيقرب منه » أي العبد من الشر أو الشر من العبد ، وعلى التقديرين كأنه كناية عن ارتكابه ، وقال الجوهري : يقال : فيهجبرية وجبروة وجبروت وجبورة مثال فروجة أي كبر ، وغلظ الوجه كناية عن العبوس أو الخشونة وقلة الحياء« وكشف الله ستره » كناية عن ظهور عيوبه للناس ، وقيل : المراد به كشف سره الحاجز بينه وبين القبائح وهو الحياء ، فيكون تأكيدا لما قبله.

وأقول : الأول أظهر كما ورد في الخبر« ثم ركب المحارم » (٢) أي الصغائر مصرا عليها ،لقوله : فلم ينزع عنها ، أي لم يتركها« ثم ركب معاصي الله » أي الكبائر ، وقيل : المراد بالأول الذنوب مطلقا ، وبالثاني حبها أو استحلالها بقرينةقوله : « وأبغض طاعته » لأن بغض الطاعة يستلزم حب المعصية ، أو المراد بها ذنوبه بالنسبة إلى الخلق ، والوثوب على الناس كناية عن المجادلات والمعارضات.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وقال الجزري : في حديث ابن مسعود : لابن آدملمتان لمة من الملك ولمة من الشيطان ، اللمة : الهمة والخطرة تقع في القلب ، أراد إلمام الملك أو الشيطان به و

__________________

(١) سورة الحجرات : ٧.

(٢) وفي المتن « وركب المحارم ».

٢٩٤

الملك الرقة والفهم ولمة الشيطان السهو والقسوة.

(باب الظلم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضل بن صالح ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الظلم ثلاثة ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره الله وظلم لا يدعه الله فأما الظلم الذي لا يغفره

القرب منه ، فما كان من خطرات القلب فهو من الملك ، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان ، انتهى.

« فلمة الملك الرقة والفهم » أي هما ثمرتها أو علامتها ، والحمل على المجاز لأن لمة الملك إلقاء الخير والتصديق بالحق في القلب ، وثمرتها رقة القلب وصفاؤه وميلة إلى الخير ، وكذالمة الشيطان إلقاء الوساوس والشكوك والميل إلى الشهوات في القلب ، وثمرتها السهو عن الحق والغفلة عن ذكر الله وقساوة القلب.(١)

باب الظلم

الحديث الأول : ضعيف.

والظلم وضع الشيء غير موضعه ، فالمشرك ظالم لأنه جعل غير الله تعالى شريكا له ، ووضع العبادة في غير محلها ، والعاصي ظالم لأنه وضع المعصية موضع الطاعة ،فالشرك كأنه يشمل كل إخلال بالعقائد الإيمانية ، والمراد المغفرة بدون التوبة

__________________

(١) وقال سيدنا الأستاذ الطباطبائى دام ظله ـ على ما حكى عنه ـ قوله عليه‌السلام : الرقة والفهم ـ وقوله ـ السهو والغفلة ، من قبيل بيان المصداق ، والأصل في ذلك قوله تعالى : «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً » والمقابلة بين الوعدين يدلّ على أن أحدهما من الملك والاخر من الشيطان.

٢٩٥

فالشرك وأما الظلم الذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله وأما الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد.

٢ ـ عنه ، عن الحجال ، عن غالب بن محمد عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ »(١) قال قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة.

كما قال عز وجل : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ »(٢) .

« وأما الظلم الذي يغفره » أي يمكن أن يغفره بدون التوبة كما قال «لِمَنْ يَشاءُ »« وأما الظلم الذي لا يدعه » أي لا يترك مكافأته في الدنيا أو الأعم ، ولعل التفنن في العبارة لأنه ليس من حقه سبحانه حتى يتعلق به المغفرة ، أو المعنى لا يدع تداركه للمظلوم إما بالانتقام من الظالم أو بالتعويض للمظلوم ، فلا ينافي الأخبار الدالة على أنه إذا أراد تعالى أن يغفر لمن عنده من حقوق الناس يعوض المظلوم حتى يرضى« والمداينة بين العباد » أي المعاملة بينهم كناية عن مطلق حقوق الناس ، فإنها تترتب على المعاملة بينهم أو المراد به المحاكمة بين العباد في القيامة ، فإن سببها حقوق الناس ، قال الجوهري : داينت فلانا إذا عاملته فأعطيت دينا وأخذت بدين ، والدين الجزاء والمكافاة ، يقال : دانه دينا أي جازاه.

الحديث الثاني : مرسل «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » قال في المجمع : المرصاد الطريق ، مفعال من رصده يرصده رصدا رعي ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه أي عليه طريق العباد ، فلا يفوته أحد ، والمعنى أنه لا يفوته شيء من أعمالهم لأنه يسمع ويرى جميع أقوالهم وأفعالهم كما لا يفوت من هو بالمرصاد ، وروي عن عليعليه‌السلام أنه قال : معناه إن ربك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم.

__________________

(١) سورة الفجر : ١٤.

(٢) سورة النساء : ٤٨.

٢٩٦

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن وهب بن عبد ربه وعبيد الله الطويل ، عن شيخ من النخع قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إني لم أزل واليا منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة قال فسكت ثم أعدت عليه فقال لا حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

وعن الصادقعليه‌السلام أنه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد ، وقال عطاء : يعني يجازى كل أحد وينتصف من الظالم للمظلوم ، وروي عن ابن عباس في هذه الآية قال : إن على جسر جهنم سبع مجالس يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء بها تامة جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرة ، فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم ، فإن خرج منها وإلا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله ، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة ، وفي القاموس : المرصاد الطريق والمكان يرصد فيه العدو وقال :القنطرة الجسر وما ارتفع من البنيان ، والمظلمة بكسر اللام ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك ، ذكره الجوهري.

الحديث الثالث : مجهول.

والنخع بالتحريك قبيلة باليمن منهم مالك الأشتر« حتى تؤدي » أي مع معرفتهم وإمكان الإيصال إليهم ، وإلا فالتصدق أيضا لعله قائم مقام الإيصال كما هو المشهور ، إلا أن يقال أرباب الصدقة أيضا ذوو الحقوق في تلك الصورة ، ولعلهعليه‌السلام لما علم أنه لا يعمل بقوله لم يبين له المخرج من ذلك ، والله يعلم.

الحديث الرابع : موثق.

٢٩٧

إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلا الله عز وجل.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لما حضر علي بن الحسينعليه‌السلام الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبيعليه‌السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله.

٦ ـ عنه ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه من خاف القصاص كف عن ظلم الناس.

« لا يجد صاحبها عونا » أي لا يمكنه الانتصار في الدنيا لا بنفسه ولا بغيره ، وظلم الضعيف العاجز أفحش ، وقيل : المعنى أنه لا يتوسل في ذلك إلى أحد ، ولا يستعين بحاكم ، بل يتوكل على الله ويؤخر انتقامه إلى يوم الجزاء ، والأول أظهر ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : قال الله عز وجل : اشتد غضبي على من ظلم أحدا لا يجد ناصرا غيري ، وروي أيضا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن العبد إذا ظلم فلم ينتصر ولم يكن من ينصره ورفع طرفه إلى السماء فدعا الله تعالى ، قال جل جلاله : لبيك عبدي أنصرك عاجلا وآجلا ، اشتد غضبي على من ظلم أحدا لا يجد ناصرا غيري.

الحديث الخامس : ضعيف.

الحديث السادس : مجهول.

وضميرعنه راجع إلى أحمد ، فينسحب عليه العدة.

وقيل : المرادبالقصاص قصاص الدنيا ولا يخفى قلة فائدة الحديث حينئذ ، بل المعنى أن من خاف قصاص الآخرة ومجازاة أعمال العبادكف نفسه عن ظلم

٢٩٨

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب

الناس ، فلا يظلم أحدا ، والغرض التنبيه على أن الظالم لا يؤمن ولا يوقن بيوم الحساب ، فهو على حد الشرك بالله والكفر بما جاءت به رسل اللهعليهم‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد القصاص في الدنيا ، لكن للتنبيه على ما ذكرنا أي من خاف قصاص الدنيا ترك ظلم الناس ، مع أنه لا قدر له في جنب قصاص الآخرة فمن لا يخاف قصاص الدنيا ويجترئ على الظلم فمعلوم أنه لا يخاف عقاب الآخرة ، ولا يؤمن به ، فيرجع إلى الأول مع مزيد تأكيد وتنبيه.

الحديث السابع : موثق.

وظاهره أن من دخل الصباح على تلك الحالة وهي أن لا يقصد ظلم أحد غفر الله له كل ما صدر عنه من الذنوب غير القتل وأكل مال اليتيم ، وكان المراد بعدم النية العزم على العدم ، ولا ينافي ذلك صدوره منه في أثناء اليوم ، لكن ينافي ذلك الأخبار الكثيرة الدالة على المؤاخذة بحقوق الناس ، وقد مر بعضها ، وتخصيص هذه الأخبار الكثيرة بل ظواهر الآيات أيضا بمثل هذا الخبر مشكل ، وإن قيل : بأن الله تعالى يرضي المظلوم.

ويمكن توجيهه بوجوه : الأول : أن يكون الغرض استثناء جميع حقوق الناس سواء كان في أبدانهم أو في أموالهم ، وذكر من كل منهما فردا على المثال ، لكن خص أشدهما ، ففي الأبدان القتل ، وفي الأموال أكل مال اليتيم ، فيكون حاصل الحديث أن من أصبح غير قاصد بالظلم ولم يأت به في ذلك اليوم غفر الله له كل ما كان بينه وبين الله تعالى من الذنوب كما هو ظاهر الخبر الآتي.

الثاني : أن يكون التخصيص لأنهما من الكبائر والباقي من الصغائر كما هو ظاهر أكثر أخبار الكبائر ، وما سواهما من الكبائر من حقوق الله ، ويمكن شمول

٢٩٩

ذلك اليوم ما لم يسفك دما أو يأكل مال يتيم حراما.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح لا يهم بظلم أحد غفر الله ما اجترم.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده.

١٠ ـ ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال

سفك الدم للجراحات أيضا ولا استبعاد كثيرا في كون هذا العزم في أول اليوم مع ترك كبائر حقوق الناس مكفرا لحقوق الله وسائر حقوق الناس بأن يرضى الله الخصوم.

الثالث : أن يكون المعنى من أصبح ولم يهم بظلم أحد ولم يأت به في أثناء اليوم أيضا غفر الله له ما أذنب من حقوقه تعالى ما لم يسفك دما قبل ذلك اليوم ولم يأكل مال يتيم قبل ذلك اليوم ، ولم يتب منهما ، فإن من كانت ذمته مشغولة بمثل هذين الحقين لا يستحق لغفران الذنوب ، وعلى هذا يحتمل أن يكون « ذلك اليوم » ظرفا للغفران لا للذنب ، فيكون الغفران شاملا لما مضى أيضا كما هو ظاهر الخبر الآتي وقد يأول الغفران بأن الله يوفقه لئلا يصر على كبيرة ، ولا يخفى بعده.

ثم اعلم أنقوله : حراما يحتمل أن يكون حالا عن كل من السفك والأكل فالأول للاحتراز عن القصاص وقتل الكفار والمحاربين ، والثاني للاحتراز عن الأكل بالمعروف وأن يكون حالا عن الأخير لظهور الأول.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس :جرم فلان أذنب ، كأجرم واجترم فهو مجرم ، و« ما » يحتمل المصدرية والموصولة.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح وسيأتي الكلام في مؤاخذة الولد.

الحديث العاشر : كالسابق ومعلق عليه.

٣٠٠

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن منصور ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من أحد يظلم بمظلمة إلا أخذه الله بها في نفسه وماله وأما الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن أبي نجران ، عن عمار بن حكيم ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام مبتدئا :

والظلمات جمع ظلمة وهي خلاف النور ، وحملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة ، والمراد بالظلمة إما الحقيقة لما قيل : من أن الهيئات النفسانية التي هي ثمرات الأعمال الموجبة للسعادة أو الشقاوة أنوار وظلمات مصاحبة للنفس وهي تنكشف لها في القيامة التي هي محل بروز الأسرار وظهور الخفيات فتحيط بالظالم على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة حين يكون المؤمنون في نور يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، أو المراد بها الشدائد والأهوال كما قيل في قوله تعالى : «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »(١) .

الحديث الحادي عشر : صحيح.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وذكر النفس والمال على المثال لما مر وسيأتي من إضافة الولد وفيه إشعار بأن رد المظالم ليس جزءا من التوبة بل من شرائط صحته.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

ولما كان استبعاد السائل عن إمكان وقوع مثل هذا لا عن أنه ينافي العدل

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦٣.

٣٠١

من ظلم سلط الله عليه من يظلمه [ أو على عقبه ] أو على عقب عقبه قلت هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه فقال إن الله عز وجل يقول : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً »(١) .

فأجابعليه‌السلام بوقوع مثله في قصة اليتامى أو أنه لما لم يكن له قابلية فهم ذلك وأنه لا ينافي العدل أجاب بما يؤكد الوقوع ، أو يقال رفععليه‌السلام الاستبعاد بالدليل الإني وترك الدليل اللمي والكل متقاربة.

وأما تفسير الآية فقال البيضاوي : أمر للأوصياء بأن يخشوا الله ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم ، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم ، فلا يتركونهم أن يضر بهم بصرف المال عنهم ، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم ، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ، و « لو » بما في حيزه جعل صلة للذين على معنى : وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافا خافوا عليهم الضياع ، وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه ، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده ، وتهديد للمخالف بحال أولاده.

«فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » أمرهم بالتقوى الذي هو نهاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبتدإ والمنتهى ، إذ لا ينفع الأول دون الثاني ثم أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب أو للمريض ما يصده عن الإسراف في الوصية ما يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتغييره الورثة ، ويذكره

__________________

(١) سورة النساء : ٩.

٣٠٢

١٤ ـ عنه ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه في مملكة جبار من الجبارين

التوبة وكلمة الشهادة ، أو لحاضري القسمة عذرا جميلا ووعدا حسنا ، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة ، انتهى.

وقال الطبرسي (ره) في ذكر الوجوه في تفسير الآية : وثانيها : أن الأمر في الآية لولي مال اليتيم ، يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه ، كما لو خاف على مخلفه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم عن ابن عباس ، وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : إن الله تعالى أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين ، أما إحداهما فعقوبة الدنياقوله : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا » الآية قال : يعني بذلك ليخش أن أخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى.

وأقول : أما دفع توهم الظلم في ذلك فهو أنه يجوز أن يكون فعل الألم بالغير لطفا لآخرين ، مع تعويض أضعاف ذلك الألم بالنسبة إلى من وقع عليه الألم بحيث إذا شاهد ذلك العوض رضي بذلك الألم ، كأمراض الأطفال ، فيمكن أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن من ظلم أحدا أو أكل مال يتيم ظلما بأن يبتلي أولاده بمثل ذلك فهذا لطف بالنسبة إلى كل من شاهد ذلك أو سمع من مخبر علم صدقه ، فيرتدع عن الظلم على اليتيم وغيره ويعوض الله الأولاد بأضعاف ما وقع عليهم أو أخذ منهم في الآخرة ، مع أنه يمكن أن يكون ذلك لطفا بالنسبة إليهم أيضا فيصير سببا لصلاحهم وارتداعهم عن المعاصي فإنا نعلم أن أولاد الظلمة لو بقوا في نعمه آبائهم لطغوا وبغوا وهلكوا كما كان آباؤهم ، فصلاحهم أيضا في ذلك وليس في شيء من ذلك ظلم على أحد ، وقد تقدم بعض القول منا في ذلك سابقا.

الحديث الرابع عشر : موثق.

والظلامة بالضم ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك ، وفيه دلالة على

٣٠٣

أن ائت هذا الجبار فقل له إنني لم أستعملك على سفك الدماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكف عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارا.

١٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من أكل مال أخيه ظلما ولم يرده إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة.

أن سلطنة الجبارين أيضا بتقديره تعالى ، حيث مكنهم منها وهيأ لهم أسبابها ، ولا ينافي ذلك كونهم معاقبين على أفعالهم لأنهم غير مجبورين عليها ، مع أنه يظهر من الأخبار أنه كان في الزمن السابق السلطنة الحقة لغير الأنبياء والأوصياء أيضا لكنهم كانوا مأمورين بأن يطيعوا الأنبياء فيما يأمرونهم به ، وقوله : فإني لن أدع ظلامتهم ، تهديد للجبار بزوال ملكه ، فإن الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس :الجذوة مثلثة القبسة من النار والجمرة ، والمراد بالأخ إن كان المسلم فالتخصيص لأن أكل مال الكافر ليس بهذه المثابة وإن كان حراما ، وكذا إن كان المراد به المؤمن ، فإن مال المخالف أيضا ليس كذلك ، وإن كان المراد به من كان بينه وبينه أخوة ومصادقة فالتخصيص لكونه الفرد الخفي لأن الصداقة مما يوهم حل أكل ماله مطلقا لحل بعض الأموال في بعض الأحوال كما قال تعالى : «أَوْ صَدِيقِكُمْ »(١) فالمعنى فكيف من لم يكن كذلك ، وكان الأوسط أظهر.

وأكل الجذوة إما حقيقة بأن يلقى في حلقه النار أو كناية عن كونه سببا لدخول النار.

__________________

(١) سورة النور : ٦١.

٣٠٤

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد ليكون مظلوما فما يزال يدعو

الحديث السادس عشر : ضعيف كالموثق.

« العامل بالظلم » الظاهر الظلم على الغير ، وربما يعم بما يشمل الظلم على النفس« والمعين له » أي في الظلم ، وقد يعم« والراضي به » أي غير المظلوم ، وقيل : يشمله ، ويؤيده قوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »(١) قال في الكشاف : النهي متناول للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ومجالستهم ، وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم ، والتزيي بزيهم ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وفي خبر مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقيه وغيره أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مدح سلطانا جائرا أو تخفف وتضعضع طمعا فيه كان قرينه في النار ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من دل جائرا على جور كان قرين هامان في جهنم.

الحديث السابع عشر : صحيح.

« فما يزال يدعو » أقول : يحتمل وجوها ، الأول : أنه يفرط في الدعاء على الظالم ، حتى يصير ظالما بسبب هذا الدعاء كان ظلمه بظلم يسير كشتم أو أخذ دراهم يسيرة ، فيدعو عليه بالموت والقتل والفناء ، أو العمى أو الزمن وأمثال ذلك ، أو يتجاوز في الدعاء إلى من لم يظلمه كانقطاع نسله أو موت أولاده وأحبائه أو استئصال عشيرته وأمثال ذلك ، فيصير في هذا الدعاء ظالما.

الثاني : أن يكون المعنى أنه يدعو كثيرا على العدو المؤمن ولا يكتفي بالدعاء لدفع ضرره بل يدعو بابتلائه ، وهذا مما لا يرضى الله به فيكون في ذلك ظالما على نفسه بل على أخيه أيضا إذ مقتضى الأخوة الإيمانية أن يدعو له بصلاحه ، وكف ضرره

__________________

(١) سورة هود : ١١٣.

٣٠٥

حتى يكون ظالما.

١٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال من عذر ظالما بظلمه سلط الله

عنه كما ذكره سيد الساجدين في دعاء دفع العدو ، وما ورد من الدعاء بالقتل والموت والاستئصال فالظاهر أنه كان للدعاء على المخالفين وأعداء الدين بقرينة أن أعداءهم كانوا كفارا لا محالة كما يومئ إليه قوله تعالى : «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ »(١) وسيأتي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك كف أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك.

الثالث : ما قيل أنه يدعو كثيرا ولا يعلم الله صلاحه في إجابته فيؤخرها فييأس من روح الله فيصير ظالما على نفسه وهو بعيد.

الرابع : أن يكون المعنى أنه يلح في الدعاء حتى يستجاب له فيسلط على خصمه فيظلمه فينعكس الأمر وكانت حالته الأولى أحسن له من تلك الحالة.

الخامس : أن يكون المراد به لا تدعو كثيرا على الظلمة فإنه ربما صرتم ظلمة فيستجيب فيكم ما دعوتم على غيركم.

السادس ما قيل : كان المراد من يدعو لظالم يكون ظالما لأنه رضي بظلمه كما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه.

وأقول : هذا أبعد الوجوه.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

« من عذر ظالما » يقال عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب : رفعت عنه اللوم

__________________

(١) سورة يونس : ١١.

٣٠٦

عليه من يظلمه فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته.

١٩ ـ عنه ، عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال ما انتصر الله من ظالم إلا بظالم وذلك قوله عز وجل : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً »(١) .

فهو معذور ، أي غير ملوم والاسم العذر بضم الذال للاتباع وتسكن ، والجمع أعذار والمعذرة بمعنى العذر وأعذرته بالألف لغة« وإن دعا لم يستجب له » (٢) أي إن دعا الله تعالى أن يدفع عنه ظلم من يظلمه لم يستجب له لأنه بسبب عذره صار ظالما خرج عن استحقاق الإجابة ، أو لما عذر ظالم غيره يلزمه أن يعذر ظالم نفسه ولم يأجره اللهعلى ظلامته لذلك ، أو لأنها وقعت مجازاة ، وقيل : لا ينافي ذلك الانتقام من ظالمه كما دل عليه الخبر الأول.

الحديث التاسع عشر : ضعيف على المشهور.

والانتصار الانتقام «وَكَذلِكَ نُوَلِّي ».

أقول : قبله قوله تعالى : «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ » ثم قال سبحانه : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ».

وقال الطبرسي (ره) : الكاف للتشبيه أي كذلك المهل بتخلية بعضهم على بعض للامتحان الذي معه يصح الجزاء على الأعمال توليتنا بعض الظالمين بعضا بأن نجعل بعضهم يتولى أمر بعض للعقاب الذي يجري على الاستحقاق ، وقيل : معناه إنا كما وكلنا هؤلاء الظالمين من الجن والإنس بعضهم إلى بعض يوم القيامة وتبرأنا منهم فكذلك نكل الظالمين بعضهم إلى بعض يوم القيامة ونكل الأتباع إلى المتبوعين ونقول

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٩.

(٢) وفي المتن « فان دعا ».

٣٠٧

٢٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فإنه كفارة له.

٢١ ـ أحمد بن محمد الكوفي ، عن إبراهيم بن الحسين ، عن محمد بن خلف ، عن

للأتباع قولوا للمتبوعين حتى يخلصوكم من العذاب عن الجبائي ، وقال غيره : لما حكى الله سبحانه ما يجري بين الجن والإنس من الخصام والجدال في الآخرة قال «وَكَذلِكَ » أي وكما فعلنا بهؤلاء من الجمع بينهم في النار وتولية بعضهم بعضا نفعل مثله بالظالمين جزاء على أعمالهم ، وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم وإذا سخط على قوم ولي أمرهم شرارهم.

«بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » من المعاصي أي جزاء على أعمالهم القبيحة ، وذلك معنى قوله : «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ »(١) ومثله ما رواه الكلبي عن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم ، وقيل معنى : نولي بعضهم بعضا ، نخلي بينهم وبين ما يختارونه من غير نصرة لهم ، وقيل : معناه نتابع بعضهم بعضا في النار ، انتهى.

وأقول : ما ذكرهعليه‌السلام أوفق بكلام ابن عباس والكلبي ، ومطابق لظاهر الآية.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور« ففاته » أي لم يدركه ليطلب البراءة ويرضيه ، ولعله محمول على ما إذا لم يكن حقا ماليا كالغيبة وأمثالها ، وإلا فيجب أن يتصدق عنه إلا أن يقال : التصدق عنه أيضا طلب مغفرة له.

الحديث الحادي والعشرون : مجهول.

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

٣٠٨

موسى بن إبراهيم المروزي ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح وهو لا يهم بظلم أحد غفر الله له ما اجترم.

٢٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال دخل رجلان على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مداراة بينهما ومعاملة فلما أن سمع كلامهما قال أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس :تدارءوا تدافعوا في الخصومة ، ودارأته داريته ودافعته ولا ينته ضد« فلما أن سمع » أن زائدة لتأكيد الاتصال« ما ظفر أحد بخير » أقول : هذه العبارة تحتمل عندي وجوها : الأول : أن ظفر من باب علم والظفر الوصول إلى المطلوب والباء في قوله : بخير ، الآلية المجازية ، كقولك : قام زيد بقيام حسن ، وفيبظلم صلة للظفر ، ومن صلة لأفعل التفضيل ، والظلم مصدر مبني للفاعل أو للمفعول والحاصل أنه لم يظفر أحد بنعمة يكون خيرا من أن يظفر بظلم ظالم له أو بمظلومية من ظالم ، فإنه ظفر بالمثوبات الأخروية كما سنبينه.

الثاني : أن يكون كالسابق لكن يكون الباء في قوله بخير صلة للظفر وفي قوله بالظلم للآلية المجازية ، ومن للتعليل متعلقا بالظفر والظلم مصدر مبني للفاعل أي ما ظفر أحد بأمر خير بسبب ظفره بظلم أحد.

الثالث ما قيل : إن الخير مضاف إلى من بالمنع ولا يخفى ما فيه.

الرابع : أن يكون من اسم موصول وظفر فعلا ماضيا ويكون بدلا لقوله أحد كما في قوله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » وهذا مما خطر أيضا بالبال لكن الأول أحسن الوجوه ، وعلى التقاديرقوله : أما إنه ، استئناف بياني لسابقه ، ويؤيده ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنه يسعى في مضرته ونفعك.

٣٠٩

ثم قال من يفعل الشر بالناس فلا ينكر الشر إذا فعل به أما إنه إنما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المر حلوا ولا من الحلو مرا فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.

٢٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف القصاص كف عن ظلم الناس.

(باب )

(اتباع الهوى )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمد الوابشي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم

« وليس يحصد أحد من المر حلوا » هذا تمثيل لبيان أن جزاء الشر لا يكون نفعا وخيرا ، وجزاء الخير وثمرته لا يكون شرا ووبالا في الدارين.

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

باب اتباع الهوى

الحديث الأول : مجهول.

« احذروا أهواءكم » الأهواء جمع الهوى وهو مصدر هويه كرضيه إذا أحبه واشتهاه ، ثم سمي به المهوي المشتهى ، محمودا كان أو مذموما ثم غلب على المذموم.

قال الجوهري : كل حال هواء ، وقوله تعالى : «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ » يقال : إنه لا عقول فيها ، والهوى مقصورا هوى النفس ، والجمع الأهواء ، وهوى بالكسر يهوي هوى أي أحب ، الأصمعي : هوى بالفتح يهوي هويا أي سقط إلى أسفل.

وقال الراغب : الهوى ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل : سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة

٣١٠

فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.

إلى الهاوية ، وقد عظم الله ذم اتباع الهوى فقال : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(١) وقال : «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) «وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً »(٣) وقوله : «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ »(٤) فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أن لكل هوى غير هوى الآخر ، ثم هوى كل واحد لا يتناهى فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال : «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ »(٥) وقال : «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ »(٦) «وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ »(٧) وقال : «قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً »(٨) «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ »(٩) «وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ » و «مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(١٠) » انتهى.

وأقول : ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموما وما لا تهواه النفس ليس كله ممدوحا ، بل المعيار ما مر في باب ذم الدنيا وهو أن كل ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية والمقاصد الفانية الدنيوية ولم يكن الله مقصودا له في ذلك فهو من الهوى المذموم ويتبع فيه النفس الأمارة بالسوء ، وإن كان مشتملا على زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضا كمن يترك لذيذ المأكل والمطعم والملبس ويقاسي الجوع والصوم والسهر للاشتهار بالعبادة وجلب قلوب الجهال ، وما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان مما تشتهيه نفسه وتهواه ، فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكل ويشرب لأمره تعالى بهما ، أو لتحصيل القوة على العبادة ، وكمن يجامع الحلال لكونه مأمورا به

__________________

(١) سورة الجاثية : ٣٣. (٢) سورة ص : ٢٦.

(٣) سورة الكهف : ٢٨. (٤) سورة البقرة : ١٢٠.

(٥) سورة الجاثية : ١٨. (٦) سورة الأنعام : ٧١.

(٧) سورة المائدة : ٧٧. (٨) سورة الأنعام : ٥٦.

(٩) سورة المائدة : ٤٩. (١٠) سورة القصص : ٥٠.

٣١١

أو لتحصيل الأولاد الصالحين ، أو لعدم ابتلائه بالحرام فهؤلاء وإن حصل لهم الالتذاذ بهذه الأمور لكن ليس مقصودهم محض اللذة ، بل لهم في ذلك أغراض صحيحة إن صدقتهم أنفسهم ، ولم تكن تلك من التسويلات النفسانية والتخييلات الشيطانية ، ولو لم يكن غرضهم من ارتكاب تلك اللذات هذه الأمور فليسوا بمعاقبين في ذلك إذا كان حلالا لكن إطاعة النفس في أكثر ما تشتهيه قد ينجر إلى ارتكاب الشبهات والمكروهات ثم إلى المحرمات ومن حام حول الحمى أو شك أن يقع فيه.

فظهر أن كل ما تهواه النفس ليس مما يلزم اجتنابه فإن كثيرا من العلماء قد يلتذون بعلمهم أكثر مما يلتذ الفساق بفسقهم ، وكثيرا من العباد يأنسون بالعبادة بحيث يحصل لهم الهم العظيم بتركها ، وليس كل ما لا تشتهيه النفس يحسن ارتكابه كأكل القاذورات والزنا بالجارية القبيحة ، ويطلق أيضا الهوى على اختيار ملة أو طريقة أو رأي لم يستند إلى برهان قطعي ، أو دليل من الكتاب والسنة ، كمذاهب المخالفين وآرائهم وبدعهم فإنها من شهوات أنفسهم ، ومن أوهامهم المعارضة للحق الصريح كما دلت عليه أكثر الآيات المتقدمة.

فذم الهوى مطلقا إما مبني على أن الغالب فيما تشتهيه الأنفس أنها مخالفة لما ترتضيه العقل ، أو على أن المراد بالنفس النفس المعتادة بالشر الداعية إلى السوء والفساد ، ويعبر عنها بالنفس الأمارة كما قال تعالى : «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي ».

أو صار الهوى حقيقة شرعية في المعاصي والأمور القبيحة التي تدعو النفس إليها ، والآراء والملل والمذاهب الباطلة التي تدعو إليها الشهوات الباطلة والأوهام الفاسدة ، لا البراهين الحقة فليس شيء أعدى للرجال لأن ضرر العدو على فرض وقوعه راجع إلى الدنيا الزائلة ومنافعها الفانية ، وضرر الهوى راجع إلى الآخرة الباقية.

٣١٢

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني

« وحصائد ألسنتهم » قال في النهاية : فيه وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم أي ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به ، وقال الطيبي : أي كلامهم القبيح كالكفر والقذف والغيبة ، وقال الجوهري : حصدت الزرع وغيره أحصده وأحصده حصدا والزرع محصود وحصيد وحصيدة ، وحصائد ألسنتهم الذي في الحديث هو ما قيل في الناس باللسان وقطع به عليهم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« وعزتي » أقسم سبحانه تأكيدا لتحقيق مضمون الخطاب وتثبيته في قلوب السامعين أولا بعزته وهي القوة والغلبة وخلاف الذلة وعدم المثل والنظير ، وثانيا بجلاله وهو التنزه من النقائص أو عن أن يصله إليه عقول الخلق أو القدرة التي تصغر لديها قدرة كل ذي قدرة ، وثالثا بعظمته وهي تنصرف إلى عظمة الشأن والقدر الذي يذل عندها شأن كل ذي شأن ، أو هو أعظم من أن يصل إلى كنه صفاته أحد ، ورابعا بكبريائه وهو كون جميع الخلائق مقهورا له منقادا لإرادته ، وخامسا بنوره وهو هدايته التي بها يهتدي أهل السماوات والأرضين إليه وإلى مصالحهم ومراشدهم كما يهتدى بالنور ، وسادسا بعلوه أي كونه أرفع من أن يصل إليه العقول والأفهام أو كونه فوق الممكنات بالعلية ، أو تعاليه عن الاتصاف بصفات المخلوقين ، وسابعا بارتفاع مكانه وهو كونه أرفع من أن يصل إليه وصف الواصفين أو يبلغه نعت الناعتين وكان بعضها تأكيد لبعض.

٣١٣

لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت عليه أمره ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أؤته منها إلا ما قدرت له وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي

« لا يؤثر » أي لا يختار« عبد هواه » أي ما يحبه ويهواه« على هواي » أي على ما أرضاه وأمرت به« إلا شتت عليه أمره » على بناء المجرد أو التفعيل ، في القاموس : شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت ، وشتته الله وأشته.

وأقول : تشتت أمره إما كناية عن تحيره في أمر دينه فإن الذين يتبعون الأهواء الباطلة ، في سبل الضلالة يتيهون وفي طرق الغواية يهيمون ، أو كناية عن عدم انتظام أمور دنياهم فإن من اتبع الشهوات لا ينظر في العواقب فيختل عليه أمور معاشه ويسلب الله البركة عما في يده أو الأعم منهما ، وعلى الثاني الفقرة الثانية تأكيد وعلى الثالث تخصيص بعد التعميم.

« ولبست عليه دنياه » أي خلطتها أو أشكلتها وضيقت عليه المخرج منها ، قال في المصباح : لبست الأمر لبسا من باب ضرب خلطته ، وفي التنزيل «وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ »(١) والتشديد مبالغة ، وفي الأمر لبس بالضم ولبسة أيضا إشكال ، والتبس الأمر أشكل ، ولابسته بمعنى خالطته ، وقال الراغب : أصل اللبس ستر الشيء ، ويقال ذلك في المعاني ، يقال : لبست عليه أمره ، قال تعالى : «وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ » «وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ »(٢) «لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ »(٣) «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ »(٤) ويقال في الأمر لبسة أي التباس ولابست فلانا خالطته.

« وشغلت قلبه بها » أي هو دائما في ذكرها وفكرها غافلا عن الآخرة وتحصيلها

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩.

(٢) سورة البقرة : ٤٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧١.

(٤) سورة الأنعام : ٨٢.

٣١٤

وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا استحفظته ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة.

ولا يصل من الدنيا غاية مناه فيخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين« إلا استحفظته ملائكتي » أي أمرتهم بحفظه من الضياع والهلاك في الدين والدنيا.

« وكفلت السماوات والأرضين رزقه » وقد مر « وضمنت » أي جعلتهما ضامنين وكفيلين لرزقه ، كناية عن تسبب الأسباب السماوية والأرضية لوصول رزقه المقدر إليه.

« وكنت له من وراء تجارة كل تاجر » أقول : قد مر أنه يحتمل وجوها الأول : أن يكون المعنى كنت له من وراء تجارة التاجرين أي عقبها أسوقها إليه أي أسخر له قلوبهم له وألقي فيها أن يدفعوا قسطا من أرباح تجارتهم إليه.

الثاني : أني أتجر له عوضا عن تجارة كل تاجر له لو كانوا اتجروا له.

الثالث : أن المعنى أنا أي قربي وحبي له عوضا عن المنافع الزائلة الفانية التي تحصل للتجار في تجارتهم ، وبعبارة أخرى أنا مقصوده في تجارته المعنوية بدلا عما يقصده التجار من أرباحهم الدنيوية «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ».

الرابع : أن المعنى كنت له بعد أن أسوق إليه أرباح التاجرين فتجتمع له الدنيا والآخرة ، وهي التجارة الرابحة.

« وأتته الدنيا وهي راغمة » أي ذليلة منقادة كناية عن تيسر حصولها بلا مشقة ولا مذلة أو مع هوانها عليه ، وليست لها عنده منزلة لزهده فيها ، أو مع كرهها كناية عن بعد حصولها له بحسب الأسباب الظاهرة لعدم توسله بأسباب حصولها ، وهذا معنى لطيف وإن كان بعيدا ، وفي القاموس : الرغم الكره ويثلث كالمرغمة ، رغمه كعلمه ومنعه كرهه ، والتراب كالرغام ورغم أنفي لله مثلثة ذل عن كره ، وأرغمه الله أسخطه ، ورغمته فعلت شيئا على رغمه ، وفي النهاية أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره.

٣١٥

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إنما أخاف عليكم اثنتين ـ اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام اتق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق » لأن حب الدنيا وشهواتها يعمى القلب عن رؤية الحق وتمنع النفس عن متابعته ، فإن الحق والباطل متقابلان والآخرة والدنيا ضرتان متنافرتان. والدنيا مع أهل الباطل فاتباع الهوى إما يصير سببا لاشتباه الحق بالباطل في نظره ، أو يصير باعثا على إنكار الحق مع العلم به ، والأول كعوام أهل الباطل والثاني كعلمائهم« وطول الأمل » أي ظن البقاء في الدنيا وتوقع حصول المشتهيات فيها بالأماني الكاذبة الشيطانيةينسى الموت والآخرة وأهوالها فلا يتوجه إلى تحصيل الآخرة وما ينفعه فيها ، ويخلصه من شدائدها وإنما ينسب الخوف منهما إلى نفسه القدسية لأنه هو مولى المؤمنين والمتولي لإصلاحهم والراعي لهم في معاشهم ، والداعي لهم إلى صلاح معادهم.

الحديث الرابع : ضعيف.

« اتق المرتقى السهل » إلخ ، المرقى والمرتقى والمرقاة موضع الرقي والصعود من رقيت السلم والسطح والجبل علوته ، والمنحدر الموضع الذي ينحدر منه أي ينزل ، من الانحدار وهو النزول ، والوعر ضد السهل ، قال الجوهري : جبل وعر بالتسكين ومطلب وعر ، قال الأصمعي : ولا تقل وعر.

أقول : ولعل المراد به النهي عن طلب الجاه والرئاسة وسائر شهوات الدنيا

٣١٦

قال وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوى دواها.

ومرتفعاتها فإنها وإن كانت مؤاتية على اليسر والخفض إلا أن عاقبتها عاقبة سوء والتخلص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة ، والحاصل أن متابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت كل واحدة منها في نظره حقيرة ، وتحصل له بسهولة ، لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها ، والمحاسبة عليها ، فهو كمن صعد جبلا بحيل شتى فإذا انتهى إلى ذروته تحير في تدبير النزول عنها.

وأيضا تلك المنازل الدنية تحصل له في الدنيا بالتدريج ، وعند الموت لا بد من تركها دفعة ، ولذا تشق عليه سكرات الموت بقطع تلك العلائق ، فهو كمن صعد سلما درجة درجة ثم سقط في آخر درجة منه دفعة ، فكلما كانت الدرجات في الصعود أكثر كان السقوط منها أشد ضررا وأعظم خطرا فلا بد للعاقل أن يتفكر عند الصعود على درجات الدنيا في شدة النزول عنها فلا يرقى كثيرا ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة ، فهذا التشبيه البليغ على كل من الوجهين من أبلغ الاستعارات وأحسن التشبيهات ، وفي بعض النسخ : أتقي بالياء وكأنه من تصحيف النساخ ، ولذا قرأ بعض الشارحين أتقى بصيغة التفضيل على البناء للمفعول وقرأ السهل مرفوعا ليكون خبرا للمبتدإ وهو أتقى ، أو يكون أتقي بتشديد التاء بصيغة المتكلم من باب الافتعال فالسهل منصوب صفة للمرتقى ، وكل منهما لا يخلو من بعد.

« لا تدع النفس وهواها » أي لا تتركها مع هواها وما تهواه وتحبه من الشهوات المردية« فإن هواها في رداها » أي هلاكها في الآخرة بالهلاك المعنوي ، في القاموس ردي في البئر سقط كتردى وأرداه غيره ورداه وروي كرضى ردي هلك ، وأرداه ، ورجل ردها لك.

قوله عليه‌السلام : أذاها ، الأذى ما يؤذي الإنسان من مرض أو مكروه ، والشيء القذر ، وفي بعض النسخ داؤها أي مرضها وهو أنسب بقوله : دواءها لفظا ومعنى ، في القاموس الدواء مثلثة ما داويت به ، وبالقصر المرض.

٣١٧

(باب )

(المكر والغدر والخديعة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لو لا أن المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس.

باب المكر والغدر والخديعة

الحديث الأول : مرفوع كالحسن.

وفي القاموس :المكر الخديعة ، وقال : خدعه كمنعه خدعا ويكسر ختله ، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع ، والاسم الخديعة ، وقال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال الله عز وجل : «وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ »(١) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى : «وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ »(٢) وقال في الأمرين : «وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ »(٣) وقال بعضهم من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن غفلة ، وقال : الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه ، انتهى.

وفي المصباح :خدعته خدعا فانخدع ، والخدع بالكسر اسم منه ، والخديعة مثله ، والفاعل خدوع مثل رسول وخداع أيضا وخادع ، والخدعة بالضم ما يخدع به الإنسان مثل اللعبة لما يلعب به ، انتهى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤.

(٢) سورة فاطر : ٤٣.

(٣) سورة النمل : ٥٠.

٣١٨

وربما يفرق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس واستعمال الرأي فيما يراد فعله مما لا ينبغي ، وإرادة إظهار غيره وصرف الفكر في كيفيته ، وبالخديعة إبراز ذلك في الوجود وإجراؤه على من يريد.

وكأنهعليه‌السلام إنما قال ذلك لأن الناس كانوا ينسبون معاوية لعنه الله إلى الدهاء والعقل ، وينسبونهعليه‌السلام إلى ضعف الرأي لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والغدر والمكر ، فبينعليه‌السلام أنه أعرف بتلك الحيل منه ، ولكنها لما كانت مخالفة لأمر الله ونهيه ، فلذا لم يستعملها ، كما روى السيدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه أنه قال : ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة في الدين ، والحريجة التقوى.

وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام : وذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس ، فإنه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي ، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالآراء إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هي غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية ، والكيس هو المتفطن بالحيلة الموافقة لهما ، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدرة بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم ، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور ، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة ، بخلاف حيلة الكيس ومصلحته فإنها تجر

٣١٩

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء كل غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتى

إلى العدل ، انتهى.

وقد صرحعليه‌السلام بذلك في مواضع يطول ذكرها ، وكونهعليه‌السلام أعرف بتلك الأمور وأقدر عليها ظاهر ، لأن مدار المكر على استعمال الفكر في درك الحيل ، ومعرفة طرق المكروهات وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه لا يشعر به ، وهوعليه‌السلام لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الأمور ، والمراد بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها والإسناد على المجاز.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : الغدر ضد الوفاء ، غدر هو به كنصر وضرب وسمع غدرا ، وأقول : يطلق الغدر غالبا على نقض العهد والبيعة وإرادة إيصال السوء إلى الغير بالحيلة بسبب خفي ، وقوله : بإمام متعلق بغادر ، والمراد بالإمام إمام الحق.

ويحتمل أن يكون الباء بمعنى مع ويكون متعلقا بالمجيء فالمراد بالإمام إمام الضلالة كما قال بعض الأفاضل« يجيء كل غادر » يعني من أصناف الغادرين على اختلافهم في أنواع الغدر « بإمام » يعني مع إمام يكون تحت لوائه كما قال الله سبحانه : «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ »(١) وإمام كل صنف من القادرين على اختلافهم من كان كاملا في ذلك الصنف من القدر أو باديا به ، ويحتمل أن يكون المراد بالغادر بإمام من غدر ببيعة إمام في الحديث الآتي خاصة ، وأما هذا الحديث فلا ، لاقتضائه التكرار وللفصل فيه بيوم القيامة ، والأول أظهر لأنهما في الحقيقة حديث واحد يبين أحدهما الآخر ، فينبغي أن يكون معناهما واحدا ، انتهى.

وفي المصباح :الشدق بالفتح والكسر جانب الفم قاله الأزهري ، وجمع المفتوح

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441