مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 441
المشاهدات: 10718
تحميل: 5692


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10718 / تحميل: 5692
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

يدخل النار ويجيء كل ناكث بيعة إمام أجذم حتى يدخل النار.

شدوق مثل فلس وفلوس ، وجمع المسكور أشداق مثل حمل وأحمال ، وقيل : لما كان الغادر غالبا يتشبث بسبب خفي لإخفاء غدرة ذكرهعليه‌السلام أنه يعاقب بضد ما فعل ، وهو تشهيره بهذه البلية التي تتضمن خزيه على رؤوس الأشهاد ، ليعرفوه بقبح عمله ، والنكث نقض البيعة ، والفعل كنصر وضرب ، في المصباح : نكث الرجل العهد نكثا من باب قتل نقضه ونبذه فانتكث مثل نقضه فانتقض والنكث بالكسر ما نقض ليغزل ثانية ، والجمع أنكاث.

قوله : أجذم ، قال الجزري فيه من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة وهو أجذم ، أي مقطوع اليد من الجذم القطع ، ومنه حديث عليعليه‌السلام من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ، ليست له يد ، قال القتيبي : الأجذم هيهنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها وليست اليد أولى بالعقوبة من باقي الأعضاء ، يقال : رجل أجذم ومجذوم إذا تهافتت أطرافه من الجذام ، وهو الداء المعروف ، قال الجوهري : لا يقال للمجذوم أجذم وقال ابن الأنباري ردا على ابن قتيبة : لو كان العذاب لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية لما عوقب الزاني بالجلد والرجم في الدنيا وبالنار في الآخرة ، قال ابن الأنباري : معنى الحديث أنه لقي الله وهو أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ، ولا حجة له في يده ، وقول عليعليه‌السلام : ليست له يد أي لا حجة له ، وقيل : معناه لقيه منقطع السبب يدل عليه قوله : القرآن سبب بيد الله ، وسبب بأيديكم ، فمن نسيه فقد قطع سببه.

وقال الخطابي : معنى الحديث ما ذهب إليه ابن الأعرابي : وهو أن من نسي القرآن لقي الله خالي اليد صفرها عن الثواب ، فكني باليد عما تحويه وتشتمل عليه من الخير.

قلت : وفي تخصيص عليعليه‌السلام بذكر اليد معنى ليس في حديث نسيان القرآن ، لأن البيعة تباشرها اليد من بين الأعضاء ، انتهى.

وأقول : في حديث القرآن أيضا يحتمل أن يكون المراد بنسيانه ترك العمل

٣٢١

٣ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس منا من ماكر مسلما.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قريتين من أهل الحرب لكل واحدة منهما ملك على حدة اقتتلوا ثم اصطلحوا ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا ينبغي للمسلمين أن يغدروا ولا يأمروا بالغدر ولا يقاتلوا مع الذين غدروا ولكنهم

بما يدل عليه من مبايعة ولي الأمر ومتابعته ، فيرجع معناه إلى الخبر الآخر.

الحديث الثالث : كالسابق.

« ليس منا » أي من أهل الإسلام مبالغة ، أو من خواص أتباعنا وشيعتنا ، وكان المرادبالمماكرة المبالغة في المكر فإن ما يكون بين الطرفين يكون أشد أو فيه إشعار بأن المكر قبيح وإن كان في مقابلة المكر.

الحديث الرابع : ضعيف كالموثق.

وفي المصباح وحد يحدحدة من باب وعد انفرد بنفسه ، وكل شيء على حدة أي متميز عن غيره ، وفي الصحاح أعط كل واحد منهم على حدة أي على حياله ، والهاء عوض عن الواو ، وفي القاموس : يقال جلس وحده وعلى وحده وعلى وحدهما ووحديهما ووحدهم ، وهذا على حدته وعلى وحده أي توحده.

« على أن يغزوا » بصيغة الجمع أي المسلمونمعهم ، أي مع الملك الغادر وأصحابهتلك المدينة أي أهل تلك المدينة المغدور بها وفي بعض النسخ ملك المدينة أي الملك المغدور به أو على أن يغزو بصيغة المفرد أي الملك الغادر « معهم » أي مع المسلمين والباقي كما مر« ولا يأمروا بالغدر » عطف على يغدروا ولا لتأكيد النفي ، أي لا ينبغي للمسلمين أن يأمروا بالغدر ، لأن الغدر عدوان وظلم والأمر بهما غير جائز وإن كان المغدور به كافرا« ولا يقاتلوا مع الذين غدروا » أي لا ينبغي لهم أن يقاتلوا

٣٢٢

يقاتلون المشركين حيث وجدوهم ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عمرو بن الأشعث ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء كل غادر بإمام يوم القيامة مائلا شدقه حتى يدخل النار.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ذات يوم وهو يخطب على المنبر بالكوفة يا أيها الناس لو لا كراهية

مع الغادرين المغدورينولكنهم يقاتلون المشركين حيث وجدوهم ، سواء كانوا من أهل هاتين القريتين أو غيرهم ، وفيه دلالة على جواز قتالهم في حال الغيبة ،ولا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار ، ومعنى لا يجوز لا ينفذ ولا يصح ، تقول : جاز العقد وغيره إذا نفذ ، ومضى على الصحة ، يعني عهد المشركين وصلحهم معهم على غزو فريقهم غير نافذ ولا صحيح ، فلهم أن يقاتلوهم حيث وجدوهم ، أو المعنى أن الصلح الذي جرى بين الفريقين لا يكون مانعا لقتال المسلمين ، الفرقة التي لم يصالحوا مع المسلمين ، فإن الصلح مع أحد المتصالحين لا يستلزم الصلح مع الآخر ، أو المعنى أن ما صالحوا عليه الكفار من إعانتهم لا يلزمهم العمل به ، فيكون تأكيدا لما مر ، والأول أظهر.

الحديث الخامس : ضعيف ، وقد مر مضمونه وشرحه.

الحديث السادس : مجهول.

وفي القاموسالدهى والدهاء النكر وجودة الرأي والإرب ، ورجل داه وده وداهية والجمع دهاة ودهاه دهيا ، ودهاه نسبه إلى الدهاء ، أو عابه وتنقصه. أو أصابه بداهية ، وهي الأمر العظيم ، والدهى كغني العاقل ، انتهى.

٣٢٣

الغدر كنت من أدهى الناس ألا إن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة ألا وإن الغدر والفجور والخيانة في النار.

وكان المراد هنا طلب الدنيا بالحيلة واستعمال الرأي في غير المشروع مما يوجب الوصول إلى المطالب الدنيوية وتحصيلها ، وطالبها على هذا النحو يسمى داهيا وداهية للمبالغة ، وهو مستلزم للغدر بمعنى نقض العهد وترك الوفاء« ألا أن لكل غدرة فجرة » أي اتساع في الشر وانبعاث في المعاصي ، أو كذب أو موجب للفساد أو عدول عن الحق.

في القاموس : الفجر الانبعاث في المعاصي والزنا كالفجور فيهما ، فجر فهو فجور من فجر بضمتين وفاجر من فجار وفجرة ، وفجر فسق وكذب وعصى وخالف ، وأمرهم فسد وأفجر كذب وزنى وكفر ومال عن الحق ، انتهى.

وربما يقرأ بفتح اللام للتأكيد وغدرة بالتحريك جمع غادر كفجرة جمع فاجر ، وكذا الفقرة الثانية ولا يخفى بعده« ولكل فجرة كفرة » بالفتح فيهما أي سترة للحق أو كفران للنعمة وستر لها أو المراد بها الكفر الذي يطلق على أصحاب الكبائر كما مر ، وفي القاموس الكفر ضد الإيمان ويفتح ، وكفر نعمة الله وبها كفورا وكفرانا جحدها وسترها ، وكافر جاحد لأنعم الله تعالى والجمع كفار وكفرة ، وكفر الشيء ستره ككفرة ، وقال :الخون أن يأتمن الإنسان فلا ينصح ، خانه خونا وخيانة وقد خانه العهد والأمانة.

وأقول : روي في نهج البلاغة عنهعليه‌السلام : ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز بالشديدة ، وقال ابن أبي الحديد : الغدرة على فعلة الكثير الغدر ، والكفرة والفجرة الكثير الكفر والفجور ، وكلما كان على هذا البناء فهو الفاعل ، فإن أسكنت العين تقول رجل ضحكة أي يضحك منه ، وقال ابن ميثم : وجه لزوم الكفر

٣٢٤

(باب الكذب )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي النعمان قال قال أبو جعفرعليه‌السلام يا أبا النعمان لا تكذب علينا كذبة فتسلب الحنيفية ولا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا ولا تستأكل

هنا أن الغادر على وجه استباحة ذلك واستحلاله كما هو المشهور من حال عمرو ابن العاص ومعاوية في استباحة ما علم تحريمه بالضرورة من دين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجحده هو الكفر ، ويحتمل أن يريد كفر نعم الله وسترها بإظهار معصيته كما هو المفهوم منه لغة ، وإنما وحد الكفرة لتعدد الكفر بسبب تعدد الغدر.

باب الكذب

الحديث الأول : مجهول وقد مر قريب منه في باب طلب الرئاسة.

« كذبة » أي كذبة واحدة فكيف الأكثر ، والكذب الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه سواء طابق الاعتقاد أم لا على المشهور ، وقيل : الصدق مطابقة الاعتقاد والكذب خلافه ، وقيل : الصدق مطابقة الواقع والاعتقاد معا والكلام فيه يطول ولا ريب في أن الكذب من أعظم المعاصي وأعظم أفراده وأشنعها الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام .

« فتسلب الحنيفية » الحنيفية مفعول ثان لتسلب أي الملة المحمدية المائلة عن الضلالة إلى الاستقامة ، أو من الشدة إلى السهولة ، أي خرج عن كمال الملة والدين ولم يعمل بشرائطها إلا أنه خرج من الملة حقيقة وقد مر نظائره أو هو محمول على ما إذا تعمد ذلك لإحداث بدعة في الدين أو للطعن على الأئمة الهادين ، وفي النهاية : الحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه ، والحنيفية عند العرب من كان على دين إبراهيم وأصل الحنيف الميل ، ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، انتهى.

٣٢٥

الناس بنا فتفتقر فإنك موقوف لا محالة ومسئول فإن صدقت صدقناك وإن كذبت كذبناك.

والكذب يصدق على العمد والخطإ لكن الظاهر أن الإثم يتبع العمد ، والكذب عليهم يشمل افتراء الحديث عليهم ، وصرف حديثهم إلى غير مرادهم والجزم به ونسبة فعل إليهم لا يرضون به ، أو ادعاء مرتبة لهم لم يدعوها كالربوبية وخلق العالم وعلم الغيب ، أو فضلهم على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمثال ذلك ، أو نسبة ما يوجب النقص إليهم كفعل ينافي العصمة وأشباهه.

« ولا تطلبن أن تكون رأسا فتكون ذنبا » الفاء متفرع على الطلب وهو يحتمل وجوها :

الأول : أن يكون الذنب كناية عن الذل والهوان عند الله وعند الصالحين من عباده.

الثاني : أن يكون المراد به التأخر في الآخرة عمن طلب الرئاسة عليهم ، وقد نبه على ذلك بتشبيه حسن وهو أن الركبان المترتبون الذاهبون في طريق إذا بدا لهم الرجوع أو اضطروا إليه يقع لضيق الطريق لا محالة المتأخر متقدما والمتقدم متأخرا ، وكذا القطيع من الغنم وغيره إذا رجعوا ينعكس الترتيب.

الثالث : أن يكون المعنى تكون ذنبا وذليلا ولا يحصل مرادك في الدنيا أيضا فإن الطالب لكل مرتبة من مراتب الدنيا يصير محروما منها غالبا والهارب من شيء منها تدركه.

الرابع : أن يكون المعنى أن الرئاسة في الدنيا لأوساط الناس لا يكون إلا بالتوسل برئيس أعلى منه إما في الحق أو في الباطل ، ولما كان في غير دولة الحق لا يمكن التوسل بأهل الحق في ذلك ، فلا بد من التوسل بأهل الباطل فيكون ذنبا وتابعا لهم ومن أعوانهم وأنصارهم محشورا في الآخرة معهم ، لقوله تعالى : «احْشُرُوا

٣٢٦

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة عمن حدثه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي بن الحسين صلوات الله عليه يقول لولده اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترى على الكبير أما علمتم أن رسول

الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ »(١) إلا أن يكون مأذونا من قبل إمام الحق خصوصا أو عموما ويفعل ذلك بنياتهم على الوجه الذي أمروا به ، وهذا في غاية الندرة وأكثر الوجوه مما خطر بالبال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وربما يقرأ ذئبا بالهمزة بدل النون أي آكلا للناس وأموالهم ومهلكا لهم وهو مخالف للنسخ المضبوطة« ولا تستأكل الناس بنا » أي لا تطلب أكل أموال الناس بوضع الأخبار الكاذبة فينا أو بافتراء الأحكام ونسبتها إلينا« فتفتقر » أي في الدنيا أو في الآخرة والأخير أنسب بما هنا ، لكن كان فيما مضى : ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنك موقوف.

الحديث الثاني : مرسل.

وفي المصباح :جد في الأمر يجد جدا من بابي ضرب وقتل اجتهد فيه والاسم الجد بالكسر ، ومنه يقال : فلان محسن جدا ، أي نهاية ومبالغة ، وجد في الكلام جدا من باب ضرب هزل والاسم منه الجد بالكسر أيضا والأول هو المراد هنا للمقابلة ، وهزل في كلامه هزلا من باب ضرب مزح ولعب ، والفاعل هازل وهزال مبالغة ، والظاهر أن كل واحد من الجد والهزل متعلق بالصغير والكبير وتخصيص الأول بالصغير والثاني بالكبير بعيد ، وظاهره حرمة الكذب في الهزل أيضا ، ويؤيده عمومات النهي عن الكذب مطلقا ولم أذكر تصريحا من الأصحاب في ذلك.

وروي من طريق العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ويل للذي يحدث فيكذب

__________________

(١) سورة الصافّات : ٢٢.

٣٢٧

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقا وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا.

ليضحك. فويل له ثم ويل له ، وروي أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقا ولا يؤذي قلبا ولا يفرط فيه ، فالمزاح على حد الاعتدال مع عدم الكذب والأذى لا حرج فيه ، بل هو من خصال الإيمان ، ولا ريب أن ترك الكذب في المزاح إذا لم يكن من المعاريض المجوزة التي يكون مقصود القائل فيها حقا كما سيأتي أولى وأحوط ، لكن الحكم بالتحريم بمجرد هذه الأخبار مشكل ، لا سيما إذا لم يترتب عليه مفسدة ، ويظهر خلافه قريبا وإنما المقصود محض المطايبة فإن هذه الأخبار مسوقة لبيان مكارم الأخلاق والزجر عن مساويها أعم من أن تكون واجبة أو مندوبة ، محرمة أو مكروهة ، والمراد بالكبير إما الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام كما سيأتي أنها من الكبائر ، أو الأعم منها ومما تعظم مفسدته وضرره على المسلمين.

وقوله : اجترأ على الكبير ، أي على الكبير من الكذب بأحد المعنيين ، أو الكبير من المعاصي أعم من الكذب وغيره ، فإن الكذب كثيرا ما يؤدي إلى ذنوب غيره كما أن الصدق يؤدي إلى البر والعمل الصالح حتى يكتب صديقا.

ويخطر بالبال وجه آخر وهو أن يكون المراد بالكبير الرب العليم القدير ، أي لا تجتر على الكذب الصغير بأنه صغير فإنه معصية لله ومعصية الكبير كبيرة ، وما سيأتي بالأول أنسب.

قال الراغب :الصديق من كثر منه الصدق ، وقيل : بل يقال ذلك لمن لم يكذب قط ، وقيل : بل لمن لا يتأتى منه الكذب ، لتعوده الصدق ، وقيل : من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، والصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة ، وقيل : لعل معنى يكتب ، على ظاهره فإنه يكتب في اللوح المحفوظ أو في دفتر الأعمال أو في غيرهما أن فلانا صديق وفلانا كذاب ليعرفهما الناظرون إليه بهذين

٣٢٨

٣ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل جعل للشر أقفالا وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شر من الشراب.

٤ ـ عنه ، عن أبيه عمن ذكره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الكذب هو خراب الإيمان.

الوصفين ، أو معناه يحكم لهما بذلك أو يوجب لهما استحقاق الوصف بصفة الصديقين وثوابهم ، وصفة الكذابين وعقابهم ، أو معناه أنه يلقى ذلك في قلوب المخلوقين ويشهره بين المقربين.

الحديث الثالث : موثق.

والشر في الأول صفة مشبهة وفي الثاني أفعل التفضيل ، والمرادبالشراب جميع الأشربة المسكرة ، وكان المرادبالأقفال الأمور المانعة من ارتكاب الشرور من العقل وما يتبعه ويستلزمه من الحياء من الله ومن الخلق ، والتفكر في قبحها وعقوباتها ومفاسدها الدنيوية والأخروية ، والشراب يزيل العقل ، وبزوالها ترتفع جميع تلك الموانع ، فتفتح جميع الأقفال.

وكان المرادبالكذب الذي هو شر من الشراب الكذب على الله وعلى حججهعليهم‌السلام ، فإنه تألى الكفر وتحليل الأشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب ، فإن المخالفين بمثل ذلك حللوها ، وقيل : الوجه فيه أن الشرور التابعة للشراب تصدر بلا شعور بخلاف الشرور التابعة للكذب ، وقد يقال : الشر في الثاني أيضا صفة مشبهة ومن تعليلية والمعنى أن الكذب أيضا شر ينشأ من الشراب لئلا ينافي ما سيأتي في كتاب الأشربة أن شرب الخمر أكبر الكبائر.

الحديث الرابع : ضعيف.

والحمل على المبالغة ، أي هو سببخراب الإيمان وقد يقرأ بتشديد الراء بصيغة المبالغة.

٣٢٩

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الكبائر.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الأحمر ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أول من يكذب الكذاب الله عز وجل ثم الملكان اللذان معه ثم هو يعلم أنه كاذب.

٧ ـ علي بن الحكم ، عن أبان ، عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الكذاب يهلك بالبينات ويهلك أتباعه بالشبهات.

الحديث الخامس : ضعيف.

الحديث السادس : موثق.

ولفظة« ثم » إما للترتيب الرتبي ويحتمل الزماني أيضا إذ علم الله مقدم على إرادته أيضا ، ثم بإلهام الله تعالى يعلم الملكان أو عند الإرادة تظهر منه رائحة خبيثة يعلم الملكان قبحه وكذبه كما يظهر من بعض الأخبار ، ويمكن أن يكون علم الملكين لمصاحبتهما له وعلمهما بأحواله بناء على عدم تبدلهما في كل يوم كما هو ظاهر أكثر الأخبار ، وأما تأخر علمه فلأنه ما لم يتم الكلام لا يعلم يقينا صدور الكذب منه.

الحديث السابع : صحيح.

وأريدبالكذاب في هذا الحديث إما مدعي الرئاسة بغير حق وسببإهلاكه بالبينات إفتاؤه بغير علم مع علمه بجهله ، وسبب هلاكأتباعه بالشبهات تجويز كونه عالما وعدم قطعهم بجهله ، فهم في شبهة من أمره أو من يضع الحديث ويبتدع في الدين فهو يهلك نفسه بأمر يعلم كذبه وأتباعه يهلكون بالشبهة والجهالة لحسن ظنهم به واحتمالهم صدقه ، والوجهان متقاربان.

٣٣٠

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن آية الكذاب بأن يخبرك خبر السماء والأرض والمشرق والمغرب فإذا سألته عن حرام الله وحلاله لم يكن عنده شيء.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الكذبة لتفطر الصائم قلت وأينا لا يكون ذلك منه قال ليس حيث ذهبت إنما ذلك الكذب على الله وعلى

الحديث الثامن : صحيح.

« بأن يخبرك » كان الباء زائدة أو التقدير تعلم بأن يخبرك وإنما كان هذا آية الكذاب لأنه لو كان علمه بالوحي والإلهام لكان أحرى بأن يعلم الحلال والحرام ، لأن الحكيم العلام من يفيض على الأنام ما هم أحوج إليه من الحقائق والأحكام ، وكذا لو كان بالوراثة عن الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، ولو كان بالكشف فعلى تقدير إمكان حصوله لغير الحججعليهم‌السلام فالعلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه لا يحصل لأحد إلا بالتقوى وتهذيب السر عن رذائل الأخلاق ، قال الله تعالى : «وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ »(١) ولا يحصل التقوى إلا بالاقتصار على الحلال والاجتناب عن الحرام ، ولا يتيسر ذلك إلا بالعلم بالحلال والحرام ، فمن أخبر عن شيء من حقائق الأشياء ولم يكن عنده معرفة بالحلال والحرام فهو لا محالة كذاب يدعي ما ليس له.

الحديث التاسع : حسن موثق.

ويدل على أن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام يفسد الصوم كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب ، وهم اختلفوا فقيل : يجب به القضاء والكفارة ، وقيل : القضاء خاصة ، والمشهور أنه لا يفسد وإن نقص به ثوابه وفضله ، وتضاعف

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٢.

٣٣١

رسوله وعلى الأئمة ص لوات الله عليه وعليهم.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ذكر الحائك لأبي عبد اللهعليه‌السلام أنه ملعون فقال إنما ذاك الذي يحوك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن القاسم بن عروة ، عن عبد الحميد الطائي ، عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الكذاب هو الذي يكذب في الشيء قال لا ما من أحد إلا يكون ذلك منه ولكن المطبوع على الكذب.

به العذاب والعقاب.

الحديث العاشر : مرسل.

وقوله : أنه ملعون ، بفتح الهمزة بدل اشتمال للحائك ، ويحتمل أن يكون الحديث عندهعليه‌السلام موضوعا ولم يمكنه إظهار ذلك تقية فذكر له تأويلا يوافق الحق ، ومثل ذلك في الأخبار كثير يعرف ذلك من اطلع على أسرار أخبارهمعليهم‌السلام واستعارة الحياكة لوضع الحديث شايعة بين العرب والعجم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

ووجدان طعم الإيمان كناية عن كماله وترتب الثمرات العظيمة عليه ، ولا يكون ذلك إلا بوصوله درجة اليقين وصاحب اليقين المشاهد لمثوبات الآخرة وعقوباتها دائما لا يجترئ على شيء من المعاصي لا سيما الكذب الذي هو من كبائرها.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

والمطبوع على الكذب المجبول عليه بحيث صار عادة له ولا يتحرز عنه و

٣٣٢

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن ظريف ، عن أبيه عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال عيسى ابن مريمعليه‌السلام من كثر كذبه ذهب بهاؤه.

١٤ ـ عنه ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مواخاة الكذاب فإنه يكذب حتى يجيء بالصدق فلا يصدق.

لا يبالي به ولا يندم عليه ، ومن لا يكون كذلك لا يصدق عليه الكذاب مطلقا فإنه صيغة مبالغة ، أو المراد الكذاب الذي يكتبه الله كذابا كما مر ، أو الكذاب الذي ينبغي أن يجتنب مؤاخاته كما سيأتي ، وفيه إيماء إلى أن الكذب مطلقا ليس من الكبائر ، وفي القاموس طبع على الشيء بالضم : جبل.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

« ذهب بهاؤه » أي حسنه وجماله ووقره عند الله سبحانه وعند الخلق ، فإن الخلق وإن لم يكونوا من أهل الملة يكرهون الكذب ويقبحونه ويتنفرون من أهله.

الحديث الرابع عشر : مرفوع.

وسيأتي مثله في باب مجالسة أهل المعاصي في كتاب العشرة في باب من تكره مجالسته ومصادقته« حتى يجيء بالصدق فلا يصدق » الظاهر أنه على بناء المفعول من التفعيل أي لكثرة ما ظهر لك من كذبه لا يمكنك تصديقه فيما يأتي به من الصدق أيضا فلا تنتفع بمصاحبته ومؤاخاته ، مع أنه جذاب لطبع الجليس إلى طبعه ، ويخطر بالبال أنه يحتمل أن يكون المراد به أن هذا الرجل المؤاخي يكذب نقلا عن الأخ الكذاب لاعتماده عليه ثم يظهر كذب ما أخبر به حتى لا يعتمد الناس على صدقه أيضا كما ورد في الخبر : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع ، وما سيأتي في البابين يؤيد المعنى الأول ، وربما يقرأ يصدق على بناء المجرد أي إذا

٣٣٣

١٥ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن إبراهيم بن محمد الأشعري ، عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن مما أعان الله [ به ] على الكذابين النسيان.

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح بين الناس قال قيل له جعلت فداك ما الإصلاح بين الناس قال تسمع من الرجل كلاما

أخبر بصدق يغيره ويدخل فيه شيئا يصير كذبا.

الحديث الخامس عشر : موثق كالصحيح.

« إن مما أعان الله على الكذابين » أي أضرهم به وفضحهم فإنهم كثيرا ما يكذبون في خبر ثم ينسون ويخبرون بما ينافيه ويكذبه ، فيفتضحون بذلك عند الخاصة والعامة ، قال الجوهري : في الدعاء رب أعني ولا تعن على.

الحديث السادس عشر : مرسل.

« تسمع من الرجل كلاما » كان من بمعنى في كما في قوله تعالى : «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ »(١) أي فيه ، وكذا قالوا في قوله سبحانه : «أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ »(٢) أي في الأرض ، ويحتمل أن يكون تقدير الكلام تسمع من رجل كلاما في حق رجل آخر يذمه به فيبلغ الرجل الثاني ذلك الكلام فتخبث نفسه عن الأول أي يتغير عليه ويبغضه فتلقى الرجل الثاني فتقول : سمعت من الرجل الأول فيك كذا وكذا من مدحه خلاف ما سمعت منه من ذمه ، والتكلف فيه من جهة إرجاع ضمير يبلغه إلى الرجل الثاني ، وهو غير مذكور في الكلام لكنه معلوم بقرينة المقام.

وهذا القول وإن كان كذبا لغة وعرفا جائز لقصد الإصلاح بين الناس

__________________

(١) سورة الجمعة : ٩.

(٢) سورة فاطر : ٤٠.

٣٣٤

يبلغه فتخبث نفسه فتلقاه فتقول سمعت من فلان قال فيك من الخير كذا وكذا خلاف ما سمعت منه.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحسن الصيقل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنا قد روينا عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول يوسفعليه‌السلام : «أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » فقال والله ما سرقوا

وكأنه لا خلاف فيه عند أهل الإسلام ، والظاهر أنه لا تورية ولا تعريض فيه ، وإن أمكن أن يقصد تورية بعيدة كان ينوي أنه كان حقه أن يقول كذا ولو صافيته لقال فيك كذا ، لكنه بعيد ، وقد اتفقت الأمة على أنه لو جاء ظالم ليقتل رجلا مختفيا ليقتله ظلما أو يطلب وديعة مؤمن ليأخذها غصبا وجب الإخفاء على من علم ذلك ، فلو أنكرها فطولب باليمين ظلما يجب عليه أن يحلف لكن قالوا إذا عرف التورية بما يخرج به عن الكذب وجبت التورية ، كان يقصد ليس عندي مال يجب علي أداؤه إليك ، أو لا أعلم علما يلزمني الإخبار به وأمثال ذلك.

وقالوا : إذا لم يعرفها وجب الحلف والكذب بغير تورية أيضا فإنه وإن كان قبيحا إلا أن إذهاب حق الآدمي أشد قبحا من حق الله تعالى في الكذب أو اليمين الكاذبة ، فيجب ارتكاب أخف الضررين ، ولأن اليمين الكاذب عند الضرورة مأذون فيه شرعا كمطلق الكذب النافع ، بخلاف مال الغير فإنه لا يباح إذهابه بغير إذنه مع إمكان حفظه فأمثال هذا الكذب ليست بمذمومة في نفس الأمر بل إما واجبة أو مندوبة ، ويدل الحديث على أن الكذب شرعا إنما يطلق على ما كان مذموما فغير المذموم قسم ثالث من الكلام يسمى إصلاحا فهو واسطة بين الصدق والكذب.

الحديث السابع عشر : مجهول.

« في قول يوسف عليه‌السلام » هذا لم يكن قول يوسفعليه‌السلام وإنما كان قول مناديه ونسب إليه لوقوعه بأمره ، والعير بالكسر الإبل تحمل الميرة ، ثم غلب على كل

٣٣٥

وما كذب وقال إبراهيمعليه‌السلام : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » فقال والله ما فعلوا وما كذب قال فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما عندكم فيها يا صيقل قال فقلت ما عندنا فيها إلا التسليم قال فقال إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين أحب الخطر فيما بين الصفين وأحب الكذب في الإصلاح وأبغض

قافلة« وقال إبراهيم » عطف على الجملة السابقة بتقدير روينا ، وقيل « قال » هنا مصدر ، فإن القال والقيل مصدران كالقول ، فهو عطف على قول يوسف «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ »(١) أريد بالكبير الكبير في الخلقة أو التعظيم ، قيل : كانت لهم سبعون صنما مصطفة وكان ثمة صنم عظيم مستقبل الباب من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، ولعل إرجاع الضمير المذكر العاقل إلى الأصنام من باب التهكم أو باعتبار أنها يعقلون ويفهمون ويجيبون بزعم عبادها ، وأما ضمير الجمع فيقوله عليه‌السلام : والله ما فعلوا ، فراجع إلى الكبير باعتبار إرادة الجنس الشامل للمتعدد ولو فرضا ، أو إلى الأصنام للتنبيه على اشتراك الجميع في عدم صلاحية صدور ذلك الفعل منه.

وقيل : إنما أتى بالجمع لمناسبة ما سرقوا أو مبني على أن الفعل الصادر عن واحد من الجماعة قد ينسب إلى الجميع نحو قوله تعالى : «فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ »(٢) بناء على أن المنادي جبرئيل فقط ، قيل : ويمكن أن يكون إرجاع ضمير «فَسْئَلُوهُمْ » أيضا من هذا القبيل إذ لو كان المقصود نطق كل واحد في الزمان المستقبل تكون زيادة« كانوا » في المضارع لغوا وإن كان الغرض النطق في الزمان الماضي لا يترتب عليه صحة السؤال إذ لا يلزم جواز نطقهم قبل الكسر جواز ذلك بعده.

« أحب الخطر فيما بين الصفين » في النهاية يقال : خطر البعير بذنبه يخطر إذا رفعه وحطه ، إنما يفعل ذلك عند الشبع والسمن ، ومنه حديث مرحب : فخرج

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٦٣.

(٢) سورة آل عمران : ٣٩.

٣٣٦

الخطر في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح إن إبراهيمعليه‌السلام إنما قال : «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا » إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يفعلون وقال يوسفعليه‌السلام إرادة الإصلاح.

يخطر بسيفه أي يهزه معجبا بنفسه متعرضا للمبارزة ، أو أنه كان يخطر في مشيته أي يتمايل ويمشي مشية المعجب ، وسيفه في يده أي كان يخطر سيفه معه.

« إرادة الإصلاح » لعل المراد إرادة إصلاح قومه برجوعهم عن عبادة الأصنام ، وجه الدلالة أن العاقل إذا تفكر في نسبة الكسر إليها وعلم أنه لا يصح ذلك إلا من ذي شعور عاقل قادر ، وعلم أن هذه الأوصاف منتفية فيها ، وعلم أنها لا تقدر على دفع الاستخفاف والضرر عن أنفسها علم أنها ليست بمستحقة للألوهية والعبادة ويكون ذلك داعيا إلى الرجوع عنها ورفض العبادة لها.

وللعلماء فيه وجوه أخرى : الأول : أنها من المعاريض التي يقصد بها الحق وإلزام الخصم وتبكيته فلم يكن قصدهعليه‌السلام أن ينسب الفعل الصادر عنه إلى الصنم وإنما قصد أن يقرره لنفسه على أسلوب تعريضي مع الاستهزاء والتكبيت كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق : أنت كتبت؟ فقلت : بل كتبته أنت ، كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته لصاحبك الأمي ، والتعريض مما يجوز عقلا ونقلا لمصلحة جلب نفع أو دفع ضرر أو استهزاء في موضعه ونحوها.

الثاني : أنهعليه‌السلام غاظته الأصنام حين رآها مصطفة مزينة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم وتوقيرهم له ، فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته وكسره لها ، والفعل كما يسند إلى المباشر يسند إلى السبب أيضا.

الثالث : أن ذلك حكاية لما يعود إليه مذهبهم كأنه قال : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد ويدعي إليها أن يقدر على أمثال هذه الأفعال لا سيما الكبير الذي يستنكف أن يعبد معه هذه الصغار.

٣٣٧

الرابع : ما روي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله : بل فعله ، ثم يبتدئ : كبيرهم هذا ، أي فعله من فعله وهذا من باب التورية إذ له ظاهر وباطن ، وباطنه ما ذكر وظاهره إسناد الفعل إلى الكبير وفهمهم تعلق به ومرادهعليه‌السلام هو الباطن.

الخامس : ما روي عن بعضهم أنه كان يقف عند قوله كبيرهم ، ثم يبتدئ بقول هذا فاسألوهم ، وأراد بالكبير نفسه لأن الإنسان أكبر من كل صنم ، وهذا أيضا من باب التورية وقيل : إنه يتم بدون الوقف أيضا بأن يكون هذا إشارة إلى نفسه المقدسة والمغايرة بين المشير والمشار إليه كاف بحسب الاعتبار.

السادس : أن في الكلام تقديما وتأخيرا والتقدير : بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون فاسألوهم ، فيكون إضافة الفعل إلى كبيرهم مشروطا بكونهم ناطقين فلما لم يكونوا ناطقين لم يكونوا فاعلين ، والغرض منه تسفيه القوم وتقريعهم وتوبيخهم لعبادة من لا يسمع ولا ينطق ولا يقدر على أن يخبر من نفسه بشيء.

ويؤيده ما روي في كتاب الاحتجاج أنه سئل الصادق عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم : «قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » قال : ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم ، قيل : وكيف ذلك؟ فقال : إنما قال إبراهيم : فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا وما كذب إبراهيم.

وقال البيضاوي : وما روي أنهعليه‌السلام قال : لإبراهيم ثلاث كذبات ، تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته.

« وقال يوسف عليه‌السلام إرادة الإصلاح » كان المراد الإصلاح بينه وبين إخوته في حبس أخيه بنيامين عنده وإلزامهم ذلك بحيث لا يكون لهم محل منازعة ولم يتيسر له ذلك إلا بأمرين : أحدهما نسبة السرقة إليه ، وثانيهما : التمسك بحكم آل يعقوب في السارق وهو استرقاق السارق سنة وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق

٣٣٨

ويغرم مما سرق فلم يتمكن من أخذ أخيه في دين الملك فلذلك أمر فتيانه بأن يدسوا الصاع في رحل أخيه وأن ينسبوا السرقة إليه ، وأن يستفتوا في جزاء السارق منهم فقالوا : «جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ » أي أخذ السارق نفسه هو جزاؤه لا غير ، فلما فتشوا وجدوا الصاع في رحل أخيه فأخذوا برقبته وحكموا برقيته ، ولم يبق لإخوته محل منازعة في حبسه إلا أن قالوا على سبيل التضرع والالتماس «فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » فردهم بقوله : «مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ ».

قيل : أراد إنا إذا أخذنا غيره لظالمون في مذهبكم ، لأن استعباد غير من وجد الصاع في رحله ظلم عندكم ، أو أراد أن الله أمر بي وأوحى إلى أن آخذ بنيامين فلو أخذت غيره كنت عاملا بخلاف الوحي.

وللعلماء فيه أيضا وجوه أخرى : الأول : أن ذلك النداء لم يكن بأمره بل نادوا من عند أنفسهم لأنهم لما لم يجدوا الصاع غلب على ظنهم أنهم أخذوه.

الثاني : أنهم لم ينادوا أنكم سرقتم الصاع فلعل المراد أنكم سرقتم يوسف من أبيه ، يدل عليه ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال في تفسير هذه الآية : أنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنهم حين قالوا «ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ » ولم يقولوا سرقتم صواع الملك.

الثالث : لعل المراد من قولهم «إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » الاستفهام كما في قوله حكاية عن إبراهيم «هذا رَبِّي » وإن كان ظاهره الخبر وأيد ذلك بأن في مصحف ابن مسعود أئنكم بالهمزتين.

وقال بعض الأفاضل : حاصل الجواب إن لكل من الصدق والكذب معنيين أحدهما لغوي والآخر عرفي ، فالأول هو الموافق للواقع والمخالف للواقع ، والثاني الموافق للحق والمخالف للحق ، والمراد بالحق رضا الله تعالى فكما يمكن أن لا

٣٣٩

١٨ ـ عنه ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن أبي مخلد السراج ، عن عيسى بن حسان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما إلا [ كذبا ] في ثلاثة رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا يريد بذلك الإصلاح ما بينهما أو رجل وعد أهله

يكون الصادق اللغوي صادقا عرفيا كما قال تعالى «فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ »(١) فكذلك يمكن أن لا يكون الكاذب اللغوي كاذبا عرفيا كما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر.

الحديث الثامن عشر : مجهول« يوما » لعل الإبهام لاحتمال أن يكون السؤال في القبر أو في القيامة ، ويحتمل الدنيا أيضا فإن للناس أن يعيروه بذلك« إلا كذبا » المراد به الكذب اللغوي« فهو موضوع عنه » أي إثمه مرفوع عنه لا يأثم عليه« يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا » كان يقول : لكل منهما التقصير منك وهو غير مقصر في حقك أو يلقى كلا منهما بكلام غير الكلام الذي سمع من الآخر فيه ومن الشتم وإظهار العداوة ، وهذا أنسب معنى والأول لفظا « وما » في قوله : ما بينهما ، موصولة وهي مفعول الإصلاح.

« أو رجل وعد أهله » فيه أن الوعد من قبيل الإنشاء ، والصدق والكذب إنما يكونان في الخبر ، ولعله باعتبار أنه يلزمه إذا لم يف به أن يعتذر بما يتضمن الكذب كان يقول نسيت أو لم يمكني(٢) وأمثال ذلك ، أو باعتبار ما يستلزمه من الإخبار ضمنا بإرادة الوفاء ، هذا بحسب ما هو أظهر عندي في الوعد لكن ظاهر أكثر العلماء أنه من قبيل الخبر وسيأتي الكلام فيه في باب خلف الوعد.

قال الراغب : الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا ، وعدا كان أو غيره ، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول ، ولا يكونان من القول إلا

__________________

(١) سورة النور : ١٣.

(٢) كذا.

٣٤٠