مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16311 / تحميل: 8035
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به(١) في الجنة(٢) ، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار ؛ فإن الله أمر بكثرة الذكر له(٣) ، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين ، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير(٤) ، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ؛ فإن الله لايدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر القرآن وباطنه(٥) ؛ فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال في كتابه ـ وقوله الحق ـ :( وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ) (٦) .

واعلموا أن ما أمر الله به(٧) أن تجتنبوه(٨) فقد حرمه(٩) ، واتبعوا آثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته(١٠) ، فخذوا بها ، ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم(١١) فتضلوا ، فإن أضل الناس عند الله(١٢) من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله ، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم( إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ) (١٣)

__________________

(١) في «ل ، ن ، بح ، بن ، جت ، جد» : ـ «به».

(٢) في الوسائل ، ح ٨٦١٢ : «يزيدهم في الخير» بدل «يزيدهم به في الجنة».

(٣) في «بف» : ـ «له».

(٤) في مرآة العقول : «بخيره».

(٥) في شرح المازندراني : «باطنه لا يعلمه كل أحد ، فلا بد أن يرجع إلى العالم به ، ولعل المراد بالمحرمات الباطنة ولاية أئمة الجور ثم استشهد لذلك بقوله : فإن الله تعالى قال في كتابه وقوله الحق :( وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ ) دل الاستشهاد على أن ظاهر الإثم ما ظهر تحريمه من ظاهر القرآن ، وباطن الإثم ماظهر تحريمه من باطنه ، وهو على تأويل العبد الصالح ـ في رواية ذكرها الشيخ الكليني في باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ـ ولاية أئمة الجور. وقيل : ظاهر الإثم ما يعلن ، أو ما يصدر بالجوارح ، وباطنه ما يسر ، أو ما يصدر بالقلب ، وقيل غير ذلك».

وفي الوافي : «لعل المراد بما حرم الله تعالى في باطن القرآن مخالفة ولي الأمر ومتابعة أهل الضلال واتباع آرائهم واعتقاد الولاية فيهم ، وذلك لأن ثلث القرآن ورد فيهم ، كما ورد عنهم عليهم‌السلام ، وهو المراد بباطن الإثم ، أوهو أحد أفراده».

(٦) الأنعام (٦) : ١٢٠.

(٧) في «ن ، بح ، بف ، جد» والوافي : ـ «به».

(٨) في «بح» وشرح المازندراني : «أن يجتنبوه».

(٩) في الوافي : + «الله».

(١٠) في «جت» : «وسننه».

(١١) في «د ، ع ، بف ، بن ، جد» وحاشية «م» : «ورأيكم».

(١٢) في «بح» : ـ «عند الله».

(١٣) الإسراء (١٧) : ٧.

٢١

وجاملوا(١) الناس ، ولا تحملوهم على رقابكم ، تجمعوا(٢) مع ذلك طاعة ربكم.

وإياكم وسب(٣) أعداء الله حيث يسمعونكم(٤) ،( فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (٥) ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا(٦) حد سبهم لله(٧) كيف هو ، إنه من سب أولياء الله فقد انتهك(٨) سب الله(٩) ، ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه(١٠) ، فمهلا مهلا(١١) ، فاتبعوا

__________________

(١) في شرح المازندراني : «جاملوا ، بالجيم أو الحاء المهملة ، كما مر». وقد مر في أوائل هذا الحديث الشريف عند قولهعليه‌السلام : «وعليكم بمجاملة أهل الباطل».

(٢) في حاشية «بن ، بح» : «تجمعون». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : تجمعوا مع ذلك ، جواب للأمر ، أي إنكم إذا جاملتم الناس جمعتم مع الأمن وعدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم في ما أمر كم به من التقية ، وفي بعض النسخ : تجمعون ، فيكون حالا عن ضميري الخطاب ، أي إن أجمعوا طاعة الله مع المجاملة ، لا بأن تتابعوهم في المعاصي وتشاركوهم في دينهم ، بل بالعمل بالتقية في ما أمركم الله فيه بالتقية».

(٣) في «جت» وحاشية «بح» : «أن تسبوا» بدل «وسب».

(٤) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : حيث يسمعونكم ، بفتح الياء ، أي يسمعون منكم ، بل سبوا أعداء الله في الخلوات وفي مجامع المؤمنين. ويحتمل أن يقرأ بضم الياء ، يقال : أسمعه ، أي شتمه ، أي إن شتموكم لا تسبوا أئمتهم ؛ فإنهم يسبون أئمتكم. ثم فسرعليه‌السلام معنى سب الله بأنهم لا يسبون الله ، بل المراد بسب الله سب أولياء الله ؛ فإن من سبهم فقد سب الله ، ومن أظلم ممن فعل فعلا يعلم أنه يصير سببا لسب الله وسب أوليائه؟».

(٥) الأنعام (٦) : ١٠٨. وفي شرح المازندراني : «فيسبو الله عدوا بغير علم ، هذه العبارة تحتمل وجهين : أحدهما ما ذكره الفاضل الأمين الأسترآبادي ، وهو أنهم يسبون من رباكم ومن علمكم السب ، ومن المعلوم أن المربي والمعلم هو الله تعالى بواسطة النبي وآلهعليهم‌السلام فينتهي سبهم إلى الله من غير علمهم به. وثانيهما أنهم يسبون أولياء الله ، كما دل عليه بعض الروايات صريحا ودل عليه أيضا ظاهر هذه الرواية ، كما أشار إليه بقوله : وقد ينبغي أن تعلموا حد سبهم لله ـ أي معناه ـ كيف هو».

وفي الوافي : «عدوا : تجاوزا عن الحق إلى الباطل. بغير علم : على جهالة بالله ، أشار بذلك إلى قوله سبحانه : ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) أراد أن سبكم لأئمتهم جهارا يقتضي سبهم لأئمتكم ، وهو معنى سب الله تعالى وحده».

(٦) في «بن» : «أن تعرفوا».

(٧) في «د» : «الله».

(٨) في «بن» : ـ «انتهك».

(٩) «فقد انتهك سب الله» أي دخل فيه وتناوله ؛ من الانتهاك ، وهو مصدر انتهك الرجل الحرمة ، أي تناولها بما لايحل ، أو هو المبالغة في خرق محارم الله تعالى وإتيانها. راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦١٣ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ١٣٧ (نهك).

(١٠) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي وشرح المازندراني والبحار. وفي المطبوع : «ولأولياء الله».

(١١) في المرآة : «فمهلا مهلا ، أي لتسكنوا سكونا وأخروا تأخيرا واتركوا هذه الامور إلى ظهور دولة الحق».

٢٢

أمر الله ، ولا حول(١) ولا قوة إلا بالله».

وقال : «أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم(٢) ، عليكم بآثار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) وسنته(٤) ، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده وسنتهم ؛ فإنه(٥) من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل ؛ لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم وقد قال أبونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن ـ وإن قل ـ أرضى لله(٦) وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء ، ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله(٧) ضلال(٨) ، وكل ضلالة(٩) بدعة(١٠) ، وكل بدعة في النار ، ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته

__________________

(١) في «د ، ع ، ل ، بف ، بن» : ـ «ولا حول».

(٢) في الوسائل ، ح ٣٢٢٨١ : ـ «الحافظ الله لهم أمرهم». ومر معنى العصابة أوائل الحديث.

وفي شرح المازندراني : «وقال : أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم ، الدنيوي والاخروي. والجملة الوصفية إما دعائية أو خبرية ، وإشارة إلى أنه ينبغي التوسل بالله وحفظه في جميع الامور وعدم الاعتماد بحولهم وقوتهم».

وفي الوافي : «الحافظ الله لهم أمرهم ، لعل المراد به حفظ أمر دينهم بإقامة إمام لهم بعد إمام ، ومع غيبة إمامهم بتبليغ كلام أئمتهم إليهم وإبقاء آثارهم لديهم ؛ لئلا يحتاجوا إلى الآراء والأهواء والمقاييس».

(٣) في حاشية «جت» وشرح المازندراني : + «من بعده».

(٤) في حاشية «بح» : + «من بعده».

(٥) في «ن» وحاشية «بح» : «فإن».

(٦) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : أرضى لله ، هذا من قبيل المماشاة مع الخصم لترويج الحجة ، أي لو كان ينفع البدع ويرضى الرحمن به على الفرض المحال ، كان اتباع السنة أنفع وأرضى وإن قل».

(٧) في شرح المازندراني : «بغير هدى من الله ، تأكيد ؛ لأن اتباع الأهواء والبدع يكونان بغير هدى من الله قطعا».

(٨) في «جت» وحاشية «بح» : «ضلالة».

(٩) في «بف» وحاشية «بح ، جت» والوافي : «ضلال».

(١٠) في شرح المازندراني : «فيه ترغيب في ترك الآراء المخترعة والأهواء المبتدعة معللا بأن اتباعهما ضلالة وأن الضلالة توجب الدخول في النار ؛ لأن التمسك يقود إلى حمل أثقال الخطايا قال المازري : البدعة : ما احدثت ولم يسبق لها مثال ، وحديث : كل بدعة في النار ، من العام المخصوص ؛ لأن من البدع واجب ، كترتيب الأدلة على طريقة المتكلمين للرد على الملاحدة ، ومنها مندوب ، كبناء المدارس والزوايا ، ومنها مباح ، كالبسط في أنواع الأطعمة والأشربة. أقول : هذا إن فسرت البدعة بما ذكر ، وأما إن فسرت بما خالف الشرع ، أو بما نهى

٢٣

والصبر والرضا ؛ لأن الصبر والرضا من طاعة الله.

واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه ، وصنع به على(١) ما أحب وكره(٢) ، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما(٣) هو أهله ، وهو خير له مما أحب وكره(٤) .

وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين(٥) ، كما أمر الله به المؤمنين(٦) في كتابه(٧) من قبلكم وإياكم ، وعليكم بحب المساكين المسلمين ؛ فإنه(٨) من حقرهم وتكبر عليهم ، فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت(٩) ، وقد(١٠) قال أبونا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أمرني ربي بحب المساكين المسلمين(١١) .

__________________

عنه الشارع فلا تصدق على الامور المذكورة».

وفي المرآة : «قوله : عليه‌السلام : وكل ضلال بدعة ، الغرض بيان التلازم والتساوي بين المفهومين ويظهر منه أن قسمة البدع بحسب انقسام الأحكام الخمسة ، كما فعله جماعة من الأصحاب تبعا للمخالفين ليس على ما ينبغي ؛ إذ البدعة ما لم يرد في الشرع ، لا خصوصا ولا في ضمن عام. وما ذكروه من البدع الواجبة والمستحبة والمكروهة والمباحة هي الداخلة في ضمن العمومات ، ولتحقيق ذلك مقام آخر». وراجع : سبل السلام ، ج ٢ ، ص ٤٨.

(١) في «بن» : «في».

(٢) في «بن» : «أو كره».

(٣) في «جت» وشرح المازندراني : «بما».

(٤) في حاشية «بح» : «فيما أحب وكره». في شرح المازندراني : «مما أحب وكره ، الظاهر أنه بيان للموصول ، وتعلقه بخير بعيد من حيث المعنى ، ويؤيده أنه وقع «فيما» بدل «مما» في بعض النسخ».

(٥) في المرآة : «قيل : المراد القنوت بالمعنى المصطلح ، وقيل : المراد : خاشعين وخاضعين».

(٦) في «ع ، ل ، ن ، جد» وحاشية «بح» : «المؤمن».

(٧) البقرة (٢) : ٢٣٨.

(٨) في «بح ، جد» وحاشية «جت» : «فإن».

(٩) في «بح ، بف ، جد» وحاشية «جت» والوافي : «وماقت». والمقت : أشد البغض عن أمر قبيح. راجع : النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٤٦ ؛ المصباح المنير ، ص ٥٧٦ (مقت).

(١٠) في «بف» : «ولقد».

(١١) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي «بف» والمطبوع والوافي : + «منهم».

٢٤

واعلموا أن(١) من حقر أحدا من المسلمين ، ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته(٢) الناس ، والله له أشد مقتا ، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين(٣) ؛ فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم ؛ فإن الله أمر رسوله(٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله بحبهم ، فمن لم يحب من أمر الله بحبه(٥) ، فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك ، مات وهو من الغاوين(٦) .

وإياكم والعظمة والكبر(٧) ، فإن الكبر رداء الله(٨) عزوجل ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله ، وأذله يوم القيامة.

وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض ، فإنها(٩) ليست من خصال الصالحين ؛ فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه ، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ، ومن نصره الله غلب

__________________

(١) في «ع ، ل ، ن ، بح ، بف ، بن ، جت ، جد» : «أنه».

(٢) في «د ، ن ، جد» : «حتى تمقته».

(٣) في «بف ، جت» وحاشية «بح» والوافي : + «منهم».

(٤) في «ن ، بف» : «رسول الله» بدل «رسوله». وفي حاشية «جت» والوافي : «نبيه».

(٥) في «ن ، جت» وحاشية «د» : «بحبهم».

(٦) الغاوون : الضالون الخائبون المنهمكون في الباطل ؛ من الغي بمعنى الضلال والخيبة والانهماك في الباطل. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٤٥٠ (غوي) ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٩٧ (غوا).

(٧) في شرح المازندراني : «وإياكم والعظمة والكبر ، العطف للتفسير ، أو العظمة عبارة عن اعتبار كمال ذاته ووجوده وصفاته ، والكبر هذا مع اعتبار فضله على الغير».

(٨) في النهاية : «في الحديث : قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي ، ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة والكبرياء ، أي ليست كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا ، كالرحمة والكرم وغيرهما. وشبههما بالإزار والرداء لأن المتصف بهما يشملانه ، كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره وردائه أحد ، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد». النهاية ، ج ١ ، ص ٤٤ (أزر).

وفي شرح المازندراني : «فإن الكبر رداء الله ، شبه الكبر ـ وهو العظمة بحسب الذات والصفات والرفعة على الغير من جميع الجهات ـ بالرداء في الإحاطة والشمول ، فهي موجودة في المشبه تخييلا وفي المشبه به تحقيقا ، أو في الاختصاص ؛ لأن رداء كل شخص مختص به لا يشاركه غيره ، والمقصود من هذا التشبيه إخراج المعقول إلى المحسوس لقصد الإيضاح والإفهام».

(٩) في شرح المازندراني : «ضمير التأنيث راجع إلى البغي باعتبار الخصلة».

٢٥

وأصاب الظفر من الله.

وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا ؛ فإن الكفر أصله الحسد.

وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ، فيدعو الله(١) عليكم ، فيستجاب(٢) له فيكم ؛ فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إن(٣) دعوة المسلم المظلوم مستجابة ، وليعن بعضكم بعضا ؛ فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : إن معونة(٤) المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام.

وإياكم وإعسار(٥) أحد من إخوانكم المسلمين(٦) أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر ؛ فإن أبانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول : ليس لمسلم أن يعسر مسلما ، ومن أنظر معسرا أظله الله(٧) بظله يوم لاظل إلا ظله.

وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها ، وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ؛ فإنه من عجل حقوق الله قبله ، كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل ، وإنه(٨) من أخر حقوق الله قبله ، كان الله أقدر على تأخير رزقه ، ومن حبس الله رزقه ، لم يقدر أن يرزق نفسه ، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم ، يطيب(٩) لكم بقيته ، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته

__________________

(١) في الوسائل ، ح ٢٠٩٦٧ : ـ «الله».

(٢) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والوسائل ، ح ٢٠٩٦٧. وفي المطبوع : «ويستجاب».

(٣) في «بح» : ـ «إن».

(٤) في البحار : «معاونة».

(٥) الإعسار : طلب الدين من الغريم على عسره ، والإعسار أيضا : الافتقار ، ومنه المعسر بمعنى المفتقر ، ويقال أيضا : أعسر فهو معسر ، أي صار ذا عسرة وقلة ذات يد. راجع : لسان العرب ، ج ٤ ، ص ٥٦٤ ؛ المصباح المنير ، ص ٤٠٩ (عسر).

(٦) في «بح ، بف» وحاشية «م ، د» والوافي : «المؤمنين».

(٧) في «بف ، بن» والوافي والوسائل ، ح ٢٣٨٦٠ : + «يوم القيامة».

(٨) في حاشية «جت» : «وإن».

(٩) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : + «الله».

٢٦

لكم الأضعاف الكثيرة التي لايعلم عددها(١) ولا كنه(٢) فضلها إلا الله(٣) رب العالمين».

وقال : «اتقوا الله أيتها العصابة ، وإن استطعتم أن لايكون منكم محرج(٤) الإمام(٥) ؛ فإن(٦) محرج(٧) الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام المسلمين لفضله ، الصابرين على أداء حقه ، العارفين بحرمته(٨) ، واعلموا أنه(٩) من نزل بذلك المنزل عند الإمام ، فهو محرج(١٠) الإمام(١١) ، فإذا فعل ذلك عند الإمام ، أحرج(١٢) الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه(١٣) المسلمين لفضله ، الصابرين على أداء حقه ، العارفين

__________________

(١) في «م ، بح» وحاشية «د ، جت» والوافي : «بعددها».

(٢) في «م ، بف ، جد» وحاشية «د ، جت» والوافي : «ولا بكنه».

(٣) في «بح» : ـ «الله».

(٤) في «د ، ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «مخرج».

(٥) في «بف» والوافي : «للإمام».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : محرج الإمام ، في الصحاح : أحرجه إليه : ألجأه ، وفيه : سعى به إلى الوالي : إذا وشى به ؛ يعني نمه وذمه عنده. أقول : الظاهر أن المراد : لا تكونوا محرج الإمام ، أي بأن تجعلوه مضطرا إلى شيء لا يرضى به ، ثم بين عليه‌السلام بأن المحرج هو الذي يذم أهل الصلاح عند الإمام ويشهد عليهم بفساد ، وهو كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الإمام فيلزم الإمام أن يلعنهم ، فإذا لعنهم وهم غير مستحقين لذلك تصير اللعنة عليهم رحمة ، وترجع اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الإمام إلى ذلك ، أو المراد أنه ينسب الواشي إلى أهل الصلاح عند الإمام شيئا بمحضر جماعة يتقي منهم الإمام فيضطر الإمام إلى أن يلعن من نسب إليه ذلك تقية. ويحتمل أن يكون المراد أن محرج الإمام هو من يسعى بأهل الصلاح إلى أئمة الجور ويجعلهم معروفين عند أئمة الجور بالتشيع ، فيلزم أئمة الحق لرفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلاح أن يلعنوهم ويتبرؤوا منهم ، فتصير اللعنة إلى الساعين وأئمة الجور معا ، وعلى هذا المراد بأعداء الله أئمة الجور. وقوله عليه‌السلام : إذا فعل ذلك عند الإمام ، يؤيد المعنى الأول. هذه هي من الوجوه التي خطرت بالبال ، والله أعلم ومن صدر عنه صلوات الله عليه». وراجع : الصحاح ، ج ١ ، ص ٣٠٦ (حرج) ؛ وج ٦ ، ص ٢٣٧٧ (سعي) ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٣٦١ (حرج).

(٦) في الوافي : «وإن».

(٧) في «د ، ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «مخرج».

(٨) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي وشرح المازندراني والبحار ، ج ٧٨ ، ص ٢١٩. وفي المطبوع : «لحرمته».

(٩) في «بف» والوافي : «أن».

(١٠) في «د ، ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «مخرج».

(١١) في «بف» والوافي : «للإمام».

(١٢) في «د ، ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «أخرج».

(١٣) في «بف» وحاشية «بح» : + «من».

٢٧

بحرمته ، فإذا لعنهم لإحراج(١) أعداء الله الإمام(٢) ، صارت لعنته رحمة من الله عليهم ، وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة(٣) ورسله على أولئك.

واعلموا أيتها العصابة ، أن السنة من الله قد جرت(٤) في الصالحين قبل.

وقال(٥) : «من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا ، فليتول الله ورسوله والذين آمنوا ، وليبرأ إلى الله من عدوهم ، ويسلم(٦) لما انتهى إليه(٧) من فضلهم ؛ لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا من دون ذلك ، ألم تسمعوا(٨) ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة(٩) وهم المؤمنون قال :( فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ) (١٠) فهذا(١١) وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة ، فكيف بهم وفضلهم؟!

ومن سره أن يتم الله له(١٢) إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا ، فليتق الله(١٣) بشروطه

__________________

(١) في «ع ، م ، بف ، بن ، جد» : «لإخراج».

(٢) في شرح المازندراني : «الإمام فاعل «لعنهم» ومفعول ل «إحراج» على سبيل التنازع. وإضافة الإحراج إلى الأعداء إضافة المصدر إلى الفاعل ، والمراد بهم الساعون بأهل الصلاح إلى الإمام ، أو إلى الجائر على الاحتمال. ويحتمل أن يكون فاعل «لعنهم» ضمير راجع إلى الإمام».

(٣) في حاشية «بح ، جت» : «ملائكته».

(٤) في الوافي : «أن السنة من الله قد جرت ؛ يعني أن هذه السنة قد جرت فيهم قبل ذلك في من سلف من الامم بأن يسعى بهم إلى الإمام فيلعنوا ، فإذا لعنوا صارت اللعنة عليهم رحمة».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : في الصالحين قبل ، أي جرت السنة فيهم إن كانوا مقهورين مرعوبين ، وكذلك تجري في الصالحين منكم ، أو بأن يلعنهم الناس وتصير اللعنة عليهم رحمة».

(٥) في شرح المازندراني : «قال و» بدل «وقال».

(٦) في الوافي : «وليسلم».

(٧) في الوافي : ـ «إليه».

(٨) في «بف ، بن» : «ألم يسمعوا». وفي «بح» بالتاء والياء معا.

(٩) في شرح المازندراني : «الاستفهام للتقرير ، ووصف الأئمة بالهداة للمدح ، أو للتقييد بإخراج أئمة الضلالة».

(١٠) النساء (٤) : ٦٩.

(١١) في «بح» : «وهذا».

(١٢) في «ن» : ـ «له». وفي «بن» : «له الله».

(١٣) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت. وفي «بف» : «فليف الله». وفي المطبوع والوافي : «فليف لله».

٢٨

التي اشترطها على المؤمنين ؛ فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين : إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فلم يبق شيء مما فسر(١) مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله ، فمن دان الله(٢) فيما بينه وبين الله مخلصا لله ، ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا ، فهو عند الله في(٣) حزبه الغالبين ، وهو من المؤمنين حقا.

وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه ، وقد قال الله تعالى(٤) :( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (٥) » (إلى هاهنا رواية القاسم(٦) بن الربيع(٧) ) يعني(٨) المؤمنين قبلكم ، إذا نسوا شيئا(٩) مما اشترط الله في كتابه عرفوا

__________________

(١) في «بف» : ـ «مما فسر». وفي شرح المازندراني : «الفسر : الإبانة وكشف الغطاء ، كالتفسير ، والفعل كضرب ونصر ، و «مما حرم» بيان لما فسر ، أو لشيء. والأول أظهر والثاني أشمل. والمراد بالجملة على الأول الفواحش ؛ يعني أن هذا المجمل شامل لجميع المحرمات في الآيات والروايات ، وعلى الثاني إقام الصلاة إلى آخره ؛ فإنه شامل لجميع الطاعات أيضا».

(٢) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : في جملة قوله ، أي في الفواحش ، فقولهعليه‌السلام : واجتناب الفواحش ، يشمل اجتناب جميع المحرمات. قولهعليه‌السلام : فمن دان الله ، أي عبد الله في ما بينه وبين ربه مختفيا ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى من سواه».

(٣) في «بن ، جت» وحاشية «بح» : «من».

(٤) في «ع ، ل ، بف ، بن ، جد» : ـ «الله تعالى».

(٥) آل عمران (٣) : ١٣٥.

(٦) في «ع ، ل ، م ، ن ، د ، بن ، جت» : «قاسم».

(٧) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي وشرح المازندراني. وفي المطبوع : «ربيع».

وفي شرح المازندراني : «إلى هاهنا رواية القاسم بن الربيع ، وما يأتي رواية حفص المؤذن وإسماعيل بن جابر ، وإنما لم يقل : إلى هاهنا رواية إسماعيل بن مخلد السراج ؛ لأنه لو قال ذلك لفهم أنه لم يرو الباقي ، وذلك ليس بمعلوم ؛ لجواز روايته وعدم نقله للقاسم ، أو نقله له واختصار القاسم على القدر المذكور».

وفي المرآة : «قوله : إلي هاهنا رواية ، إلى آخره ، أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم ، بل كان في رواية حفص وإسماعيل».

(٨) في «جت» : «فيعني».

(٩) في شرح المازندراني : «يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا ، إلى آخره ، الظاهر أنه كلام المصنف لتفسير الآية المذكورة ، والنسيان كناية عن الترك ، كما دل عليه ما بعده وفسره أبو جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى

٢٩

أنهم قد عصوا الله(١) في تركهم ذلك الشيء ، فاستغفروا(٢) ولم يعودوا إلى تركه ، فذلك معنى قول الله :( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) .

واعلموا أنه إنما أمر(٣) ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى(٤) عما نهى عنه ، فمن اتبع أمره فقد أطاعه ، وقد أدرك كل شيء من الخير عنده ، ومن لم ينته عما نهى(٥) الله عنه فقد عصاه ، فإن(٦) مات على معصيته أكبه الله(٧) على وجهه في النار.

واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك(٨) مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له(٩) ، فاجتهدوا(١٠) في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا(١١) ، ولا قوة إلا بالله».

وقال : «وعليكم(١٢) بطاعة ربكم ما استطعتم ، فإن الله ربكم.

__________________

آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) [طه (٢٠) : ١١٥] بالترك ، وبالجملة إطلاقه على الترك شائع ، فلا يرد أن النسيان ليس بعصيان».

(١) في «ع ، ل ، م ، ن ، بن ، جت» والوافي : ـ «الله».

(٢) في «د ، بح» : + «الله».

(٣) في «د ، بح ، جد» وحاشية «م» : + «الله».

(٤) في «ن» : «وينتهى».

(٥) في «م» : «نهاه».

(٦) في «م ، ن» وحاشية «بح» : + «من».

(٧) في «ل» : ـ «الله».

(٨) في شرح المازندراني : «الظاهر أن «ملك» اسم «ليس» ، و «من خلقه» متعلق بأحد ، واحتمال جعله اسم «ليس» بزيادة «من» وجعل «ملك» مجرورا بدلا عن لفظه ومرفوعا بدلا عن محله بعيد ، فكأنه رغب كل واحد في العلم بأن كل بلية بينه وبين الله كانت طاعتهم له ؛ ليجتهد فيها ولا يتخلف في السباق عنهم. والأظهر أن «ملك» بدل من الخلق وأن اسم «ليس» محذوف ، أي ليس بين الله وبين أحد من الخلائق شيء نافع إلا الطاعة فجدوا فيها».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : ملك مقرب ، يمكن أن يكون بدلا من الخلق ، وهو الأظهر ، وأن يكون اسم «ليس» أي لا يتوسط ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا غيرهم بين الخلق وبين الله توسطا مستقلا بدون الطاعة ، بل شفاعتهم وتوسطهم بقدر من الطاعة».

(٩) في «ع ، ل» : ـ «له».

(١٠) في «ع ، ل ، بف» وحاشية «م ، بح ، جت» والوافي وشرح المازندراني : «فجدوا». وفي «بح ، بن ، جد» وحاشية «م ، جت» : «فخذوا». وفي «بف» : + «معا».

(١١) في «د» : + «ولا حول».

(١٢) في «د ، ل ، بف ، بن ، جت ، جد» وشرح المازندراني : «عليكم» بدون الواو.

٣٠

واعلموا(١) أن الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو الإسلام ، فمن سلم فقد أسلم ، ومن لم يسلم فلا إسلام له ، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان(٢) فليطع الله ؛ فإنه(٣) من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان.

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها(٤) ، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها ، فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ، ولأهل الإساءة عند ربهم النار(٥) ، فاعملوا بطاعة الله ، واجتنبوا معاصيه.

واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا(٦) ، لاملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا من دون ذلك ، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله ،

__________________

(١) في «ن» : «فاعلموا».

(٢) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان ، يقال : بالغ في أمر ، أي اجتهد ولم يقصر ، وكأن الإبلاغ هنا بمعنى المبالغة. وقوله : إلى نفسه ، متعلق بالإحسان ، أي يبالغ ويجتهد في الإحسان إلى نفسه ، هذا هو الظاهر بحسب المعنى ، ويؤيده ما ذكر في الإساءة ، وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ويجوز بتأويل ، كما هو الشائع ، ولعل التقديم والتأخير من النساخ. ويحتمل أن يكون الإبلاغ بمعنى الإيصال ، أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمرا كاملا في الإحسان ، والأول أظهر. والشائع في مثل هذا المقام : بلغ ، من المجرد ، يقال : بلغ في الكرم ، أي حد الكمال فيه».

(٣) في حاشية «بح» : «فإن».

(٤) في شرح المازندراني : «أن تركبوها ، أي تتبعوها ؛ من ركبت الأثر : إذا تبعته ، أو تعلوها بتشبيه المعصية بالدابة في إيصال صاحبها إلى منزل الشقاوة ، ونسبة الركوب إليها مكنية وتخييلية». وراجع : النهاية ، ح ٢ ، ص ٢٥٧ ؛ لسان العرب ، ج ١ ، ص ٤٣٢ (ركب).

(٥) في شرح المازندراني : «كما قال تعالى :( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ) [الشورى (٤٢) : ٧] قال الأمين الأسترآبادي : قد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار بأن الناس ثلاثة أصناف ، منهم من هو تحت المشية ، فالظاهر أن مرادهعليه‌السلام أن الذي أبرم الله أمره قسمان ، أقول : يريد أن الذي وقع الحتم فيه قسمان لا ثالث لهما ؛ لأنه إما مقر بالولايات المذكورة متمسك بشروطها ، أو منكر لشيء منها ، فالأول محسن ، والثاني مسيء ، وأما المستضعف ـ وهو من لم يقر ولم ينكر ـ فهو خارج عن القسم ، فلا يرد أنه قسم ثالث».

(٦) يقال : أغن عني شرك ، أي اصرفه وكفه ، ومنه قوله تعالى :( لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) [الجاثية (٤٥) : ١٩]. النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٩٢ (غنا).

٣١

فليطلب(١) إلى الله(٢) أن يرضى عنه.

واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ، ومعصيتهم من معصية الله ، ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر(٣) .

واعلموا أن المنكرين هم المكذبون(٤) ، وأن المكذبين هم المنافقون ، وأن الله(٥) قال للمنافقين ـ وقوله الحق ـ :( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ) (٦) ولا يفرقن(٧) أحد منكم(٨) ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس(٩) أخرجه الله

__________________

(١) في شرح المازندراني : + «متضرعا».

(٢) قولهعليه‌السلام : «فليطلب إلى الله» أي فليرغب إليه تعالى ؛ من طلب إليه طلبا ، أي رغب. راجع : لسان العرب ، ج ١ ، ص ٥٦٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ١٩٤ (طلب).

(٣) في «د ، ع ، ل ، ن ، بف ، بن ، جت» وحاشية «م ، بح» : «ولا صغر» بدل «أو صغر». وفي شرح المازندراني : «المراد بالفضل العظيم مالا يصل إليه الفهم ويستبعده العقل ولا يعرف حقيقته ، وبالصغير ما هو خلاف ذلك. والظاهر أن قوله : ومعصيتهم ، عطف على اسم «إن» وقوله : لم ينكر ، على خبرها ، وفيه شيء ؛ لأن كثيرا من الناس أنكروا فضلهم ، بل نصبوا عداوتهم ، ولعل المراد بعدم إنكار أحد عدم الإنكار ولو حين الاحتضار ، ولد لالة بعض الروايات على أن المنكرين يعترفون بفضلهم حينئذ ، أو المراد به العلم بفضلهم وأن يصدقوا به ، أو المراد أنه ينبغي عدم إنكار فضلهم ، أو المراد بالخلق الأنبياء والأوصياء وأهل المعرفة من الامم السابقة ومن هذه الأمة ، والله أعلم».

(٤) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : إن المنكرين هم المكذبون ، يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم الإقرار والمعرفة ، كماقال تعالى :( فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ) [يوسف (١٢) : ٥٨] والغرض أن عدم المعرفة أيضا تكذيب ، وأن يكون المراد أن إنكار الأئمة داخل في التكذيب الذي ذكر الله تعالى في القرآن وحكم بكفر من يرتكبه».

(٥) هكذا في جميع النسخ. وفي المطبوع : + «عزوجل».

(٦) في النساء (٤) : ١٤٥.

(٧) في «بح» : «ولا تفرقن». وفي «ع ، بن» وحاشية «ن ، بح ، جت» وشرح المازندراني والمرآة : «ولا يعرفن». وفي المرآة : «قولهعليه‌السلام : لا يعرفن ، كأنه من باب التفعيل وفي بعض النسخ المصححة : لا يفرقن ، من الفرق بمعنى الخوف ، أي لا تخافوهم ؛ فإنهم كالشياطين وإن كيد الشيطان كان ضعيفا».

(٨) في «بح» وحاشية «ن» : + «ممن».

(٩) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي وشرح المازندراني والبحار ، ج ٧٨ ، ص ٢٢١. وفي حاشية «جت» والمطبوع وشرح المازندراني : + «ممن».

٣٢

من صفة الحق ، ولم يجعله من أهلها ، فإن من لم يجعله(١) الله من أهل صفة الحق ، فأولئك هم شياطين الإنس والجن(٢) ، وإن(٣) لشياطين الإنس حيلة(٤) ومكرا وخدائع(٥) ووسوسة(٦) بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب ، فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله(٧) :( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً ) (٨) ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا ، فلا يهولنكم(٩) ولا يردنكم

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع : «لم يجعل».

(٢) في شرح المازندراني : «إن اريد بمن الموصولة الإنس والجن فحمل شياطين الإنس والجن عليهم ظاهر ، وإن اريد به الإنس فحمل شياطين الجن عليهم من باب التشبيه في التجرد والشيطنة».

وفي الوافي : «هم شياطين الإنس والجن ؛ يعني شياطين الإنس إن كانوا من الإنس ، وشياطين الجن إن كانوا من الجن ، ويحتمل أن يكون المراد بهم الإنس خاصة ويكون إشارة إلى إلحاقهم بشياطين الجن بعد موتهم ، كما اشير إليه بقوله سبحانه : ( يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ) [الأنعام (٦) : ١٢٨] على ما في بعض التفاسير».

(٣) في «بح ، بف» وحاشية «جت» والوافي وشرح المازندراني : «فإن».

(٤) في «بح ، بف» والوافي : «حيلا».

(٥) في حاشية «جت» : «وخديعة».

(٦) في شرح المازندراني : «المراد بالحيلة استعمال الحذق والتصرف في الامور للتوصل بها إلى المقصود ، وبالمكر إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يعلم ، والخديعة بهذا المعنى ، أو تلبيس شبهات باطلة بلباس الحق ؛ لانخداع الغير بها. وبالوسوسة مشاورة بعضهم بعضا في تحصيل أسباب الغلبة والإضرار».

(٧) في «بن» : «بقوله» بدل «من قوله».

(٨) النساء (٤) : ٨٩. وفي «ع ، ل» : ـ «كما وصف الله ـ إلى ـ فتكونون سواء».

(٩) في شرح المازندراني : «في القاموس : هاله يهوله هولا : أفزعه ، كهوله فاهتال ، فعلى هذا يجوز في «لايهولنكم» بتخفيف الواو وتشديدها. ورده عن الأمر : صرفه عنه فارتد هو. وضمير الجمع للفاعل المحذوف راجع إلى أعداء الله أو إلى شياطين الإنس. ولعل النهي راجع إلى الاهتيال والارتداد المقصودين من الفعلين».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : فلا يهولنكم ، يحتمل معنيين : الأول : أن تكون «حيلة» فاعلا للفعلين وتكون «من» زائدة لتأكيد النفي ، وقوله : من اموركم ، متعلقا بالمكر ، يقال : مكره من كذا ، أو عنه ، أي احتال أن يرده عنه. والثاني :

٣٣

عن النصر بالحق الذي خصكم الله به(١) من حيلة شياطين الإنس(٢) ومكرهم من أموركم ، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لاخير عندهم ، لايحل(٣) لكم أن تظهروهم(٤) على أصول دين الله ؛ فإنهم(٥) إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ، ورفعوه(٦) عليكم(٧) ، وجهدوا(٨) على هلاككم(٩) ، واستقبلوكم(١٠) بما تكرهون ، ولم يكن لكم النصف(١١) منهم في دول الفجار ،

__________________

أن يكون «يهولنكم» و «يردنكم» بضم الدال واللام على صيغة الجمع ، أي لا يرد نكم شياطين الجن والإنس عن النصر الرباني الذي هو حاصل لكم بسبب الحق الذي خصكم الله به». وراجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ١٨٥٥ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٤١٦ (هول).

(١) في «ع ، ل» : ـ «به».

(٢) في شرح المازندراني : «قوله : من حيلة شياطين الإنس ، متعلق بالفعلين ، و «من» إما ابتدائية ، أو للتعليل ، أو بمعنى الباء ، والأصل : من حيلتهم ، عدل عن الضمير إلى الظاهر لنسبته الشيطنة إليهم وتوبيخهم عليها. و «من اموركم» متعلق بمكرهم ، و «من» كالمذكورة في المعاني الثلاثة ، أو بمعنى «في». لا تخافوا ولا ترتدوا عن نصرة الحق من أجل حيلتهم ومكرهم من اموركم واحتيالهم في صرفكم عنها ؛ فإنهم شياطين الإنس وإن كيد الشيطان كان ضعيفا».

وفي المرآة : «من حيلة ، أي بسبب حيلة شياطين الإنس ، أي بسبب حيلتهم ، فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، وعلى هذا قوله : من اموركم ـ كما ذكرنا في الوجه الأول ـ متعلق بالمكر ، أو «من» سببية ، أي حيلهم ناشئة مما يرون من اموركم. وهذا أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي أشرنا إليها والنسخ المشهورة ، وفي تلك النسخة قوله : ومكرهم ، متصل بما مرفي أوائل الرسالة من قوله : وحيلهم ، كما أومأنا إليه هكذا : من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض. وهو الصواب ، كما لا يخفى».

(٣) في «بح ، بن ، جد» وحاشية «م ، ن» : «ولا يحل».

(٤) في حاشية «بح ، جت» : «أن تطلعوهم».

(٥) في الوافي : «فإنه».

(٦) في «بن» وحاشية «جت» : «ودفعوه». وفي حاشية اخرى ل «جت» : «ورفعوا».

(٧) في «جد» وحاشية «م» : «منكم». و «رفعوه عليكم» أي إلى ولاتهم الجائرين ؛ لينالكم الضرر منهم ، أو إلى الناس بالتشهير والإفشاء والإظهار. وقال العلامة المجلسي : «ويحتمل أن يكون المراد أنكم إن علمتموهم شيئا يجعلونه حجة عليكم في المناظرة». راجع : شرح المازندراني ، ج ١١ ، ص ١٧٤ ؛ الوافي ، ج ٢٦ ، ص ١١١ ؛ مرآة العقول ، ج ٢٥ ، ص ٢٥.

(٨) في «بف» والوافي : «وجاهدوا».

(٩) في «ن ، بح ، جت» : «إهلاككم».

(١٠) في شرح المازندراني : «واستقبلوا».

(١١) هكذا في معظم النسخ التي قوبلت وحاشية «د» والمرآة. وفي «د» والمطبوع وشرح المازندراني :

٣٤

فاعرفوا(١) منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ؛ فإنه لاينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ؛ لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ، ألم تعرفوا(٢) وجه قول الله في كتابه إذ يقول :( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) (٣) أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ، ولا تجعلوا(٤) الله تبارك وتعالى ـ وله المثل الأعلى ـ وإمامكم ودينكم الذي تدينون به(٥) عرضة(٦) لأهل الباطل ، فتغضبوا الله عليكم ، فتهلكوا(٧) ، فمهلا مهلا يا أهل الصلاح ، لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته ، فيغير الله ما بكم من نعمة ، أحبوا في الله من(٨) وصف صفتكم(٩) ، وأبغضوا في الله من خالفكم ، وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم(١٠) ، ولاتبذلوها(١١) لمن رغب عن صفتكم ، وعاداكم عليها ، وبغى لكم(١٢)

__________________

«النصفة». وقال الفيروزآبادي : «الإنصاف : العدل ، والاسم : النصف والنصفة محركتين». القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١١٤٠ (نصف).

(١) في شرح المازندراني : «اعرفوا».

(٢) هكذا في «م ، بح ، جد» والوافي. وفي «ع ، بن» وحاشية «بح» وشرح المازندراني : «لم يعرفوا». وفي «ل ، جت» والمطبوع : «ألم يعرفوا». وفي «د ، ن ، بف» بالتاء والياء معا. وما أثبتناه هو الظاهر الموافق لسياق الحديث.

(٣) ص (٣٨) : ٢٨.

(٤) في «د ، ل ، جد» والوافي وشرح المازندراني : «فلا تجعلوا».

(٥) في «بن» : ـ «الذي تدينون به».

(٦) في المرآة : «أي لا تجعلوا ربكم وإمامكم ودينكم في معرض ذم أهل الباطل بأن تعارضوهم في الدين وهم يعارضونكم بأشياء لا تليق بربكم وإمامكم ودينكم».

(٧) في شرح المازندراني : «فتهلكوا ، على صيغة المجهول من الإهلاك ، أو المعلوم من الهلاك ، وفعله كضرب ومنع وعلم».

(٨) في «ع ، ل» وحاشية «بح» : «ومن».

(٩) في الوافي : «وصف صفتكم : قال بقولكم ودان بدينكم».

(١٠) في «ع ، ل ، بن» والمرآة : ـ «لمن وصف صفتكم».

(١١) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي المطبوع : «ولا تبتذلوها».

(١٢) في «د ، ع ، ن ، بف ، جت» وحاشية «بح» وشرح المازندراني والوافي : «وبغاكم» بدل «وبغى لكم».

٣٥

الغوائل(١) ، هذا أدبنا أدب الله فخذوا به ، وتفهموه واعقلوه(٢) ، ولا تنبذوه وراء ظهوركم ، ما وافق هداكم أخذتم به(٣) ، وما وافق هواكم اطرحتموه(٤) ولم تأخذوا به.

وإياكم والتجبر على الله(٥) ، واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله ، فاستقيموا لله ، ولا ترتدوا على أعقابكم(٦) ، فتنقلبوا خاسرين أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ، ولا قوة لنا ولكم(٧) إلا بالله».

وقالعليه‌السلام : «إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل ـ أصل الخلق ـ مؤمنا ، لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده عنه(٨) ، ومن كره الله(٩) إليه الشر وباعده عنه(١٠) ، عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية(١١) ، فلانت(١٢) عريكته(١٣) ، وحسن خلقه ، وطلق

__________________

(١) «الغوائل» : الدواهى ، وهى المصائب. وقال ابن الأثير : «الغائلة : صفة لخصلة مهلكة». راجع : النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٩٧ ؛ لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٥٠٧ (غول).

(٢) في حاشية «د» : «وتعقلوه». وفي شرح المازندراني : «أمر أولا بالأخذ به ، وهو تناوله وقبوله بالقلب ، وثانيا بتفهمه ، وهو معرفته ومعرفة حسنه وكماله ، وثالثا بعقله ، وهو الغور فيه وإدراك حسن عاقبته ، أو إمساكه وحفظه ؛ من عقلت الشيء. إذا أمسكته وحفظته ؛ وهذه امور ثلاثة لابد منها في كل مطلوب».

(٣) في شرح المازندراني : ـ «به».

(٤) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «ل» والمطبوع وشرح المازندراني : «طرحتموه».

(٥) في شرح المازندراني : «حذر عن التجبر على الله لأنه مهلك ، والمراد به ترك الامتثال بأوامره ونواهيه وآدابه وأحكامه ومواعظه ونصائحه. أو المراد به التجبر على أولياء الله ، أو على الناس كلهم». وراجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٦٠٨ (جبر).

(٦) في حاشية «م» : «أدباركم».

(٧) في «د ، بف ، جد» وحاشية «م ، بح» والوافي : «ولا لكم».

(٨) في «ع ، ل ، بح ، بف ، بن ، جد» وحاشية «د» : «منه».

(٩) في «ل» : ـ «الله».

(١٠) في «ع ، ل ، بف ، بن ، جد» وحاشية «د» والوافي : «منه».

(١١) في الوافي : «الجبرية : الكبر ، فالعطف للبيان». وراجع : تاج العروس ، ج ٦ ، ص ١٦٢ (جبر).

(١٢) في «د» : «ولانت».

(١٣) العريكة : الطبيعة ، وفلان لين العريكة ، إذا كان سلسا. ويقال : لانت عريكته : إذا انكسرت نخوته. الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٥٩٩ (عرك).

٣٦

وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته(١) وتخشعه ، وورع عن محارم الله ، واجتنب مساخطه ، ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء ، وإن العبد إذا(٢) كان الله خلقه في الأصل(٣) ـ أصل الخلق ـ كافرا ، لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه(٤) ، فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ، ابتلي بالكبر والجبرية ، فقسا قلبه ، وساء خلقه ، وغلظ وجهه ، وظهر فحشه(٥) ، وقل حياؤه ، وكشف الله ستره(٦) ، وركب المحارم ، فلم ينزع عنها ، وركب معاصي الله ، وأبغض(٧) طاعته وأهلها ، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر.

سلوا الله العافية واطلبوها إليه ، ولاحول ولا قوة إلا بالله ، صبروا النفس على البلاء في الدنيا ؛ فإن تتابع البلاء فيها والشدة(٨) في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها(٩)

__________________

(١) في شرح المازندراني : «قد مر تفسيرهما والفرق بينهما ، ويمكن الفرق بينهما بوجه آخر ، وهو أن الوقارسكون النفس في مقتضى القوة الشهوية ، والسكينة سكونها في مقتضى القوة الغضبية ، ويؤيده أن المحقق الطوسي عد الأول من أنواع العفة الحاصلة باعتدال القوة الاولى ، وعد الثاني من أنواع الشجاعة الحاصلة باعتدال القوة الثانية».

(٢) في «د ، ل ، جت ، جد» وحاشية «م ، بح» : «إن».

(٣) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : خلقه في الأصل ، أي علم عند خلقه أنه يصير كافرا».

(٤) في «بن» : «إليه». وفي شرح المازندراني : «قال الفاضل الأسترآبادي : معناه التخلية بينه وبين شيطانه وإخراج الملك عن قلبه ، وهذا من باب جزاء العمل في الدنيا ، كما وقع التصريح به في الأحاديث وفي كلام ابن بابويه».

(٥) قال ابن الأثير : «قد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي». النهاية ، ج ٣ ، ص ٤١٥ ، (فحش).

(٦) في «د ، م ، ن ، جد» وحاشية «بح» والبحار ، ج ٧٨ ، ص ٢٢٣ : «سره».

(٧) في «ن» : «فأبغض».

(٨) في شرح المازندراني : «الشدة بالنصب عطف على التتابع ، واحتمال نصبها على المعية بعيد ، كاحتمال جرهاعطفا على البلاء والولاية بالفتح : النصرة ، وبالكسر : السلطان والإمارة».

(٩) في «بح» : «وزهراتها». وزهرة الدنيا : حسنها وبهجتها وكثرة خيرها وزينتها ونضارتها. راجع : النهاية ، ج ٢ ، ص ٣٢٢ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٥٦٨ (زهر).

٣٧

وغضارة عيشها(١) في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته ؛ فإن(٢) الله أمر بولاية(٣) الأئمة الذين سماهم(٤) في كتابه في قوله :( وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا ) (٥) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم(٦) ، والذين نهى الله(٧) عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلالة(٨) الذين قضى الله(٩) أن يكون(١٠) لهم دول(١١) في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد ، يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليحق(١٢) عليهم كلمة العذاب ، وليتم(١٣) أن تكونوا(١٤) مع نبي الله محمد(١٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله والرسل من قبله ، فتدبروا

__________________

(١) «غضارة عيشها» أي طيبها ولذتها ، يقال : إنهم لفي غضارة العيش وفي غضراء العيش ، أي في خصب وخير ، والخصب : كثرة العشب والخير. والغضارة أيضا : النعمة والسعة. راجع : الصحاح ، ج ٢ ، ص ٧٧٠ ؛ النهاية ، ج ٣ ، ص ٣٧٠ ؛ القاموس المحيط ، ج ١ ، ص ٦٢٩ (غضر).

(٢) في شرح المازندراني : «إن».

(٣) في حاشية «جت» : «بطاعة».

(٤) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي. وفي «جت» والمطبوع وشرح المازندراني : + «الله».

(٥) الأنبياء (٢١) : ٧٣.

(٦) في شرح المازندراني : «بطاعتهم وولايتهم».

(٧) في شرح المازندراني : «الظاهر أن الموصول الأول ، وهو قوله : والذين نهى الله ، مبتدأ ، والموصول الثاني ، وهو قوله : الذين قضى الله ، صفة لأئمة الضلالة ، وقوله : يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خبر المبتدأ. ويحتمل أن يكون الموصول الثاني بيانا وتفسيرا للموصول الأول وأن يكون خبرا ، وحينئذ قوله : يعملون ، حال عن ضمير «لهم» أو استيناف ، كأنه قيل : ما يصنعون في دولتهم؟ فأجاب بما ذكر».

(٨) في الوافي : «الضلال».

(٩) في شرح المازندراني : + «لهم».

(١٠) في «ع ، ل ، جد» : «أن تكون».

(١١) في المرآة : «الدول مثلثة : جمع دولة بالضم ، وهي الغلبة». أقول : وقيل غير ذلك ، فللمزيد راجع : الصحاح ، ج ٤ ، ص ١٦٩٩ ؛ النهاية ، ج ٢ ، ص ١٤١ ؛ لسان العرب ، ج ١١ ، ص ٢٥٢ ؛ تاج العروس ، ج ١٤ ، ص ٢٤٥ (دول).

(١٢) في «ل ، بن» : «لتحق». وفي «د ، م ، بح ، جت» : + «الله».

(١٣) في حاشية «بن» : + «وإن سركم».

(١٤) في «د ، ن ، بح ، جت ، جد» بالتاء والياء معا. وفي المرآة : «أن يكونوا». وقال : «قولهعليه‌السلام : وليتم أن يكونوا ، في بعض النسخ بالياء ، فالمراد الأئمةعليهم‌السلام ، وفي بعضها بالتاء ، أي أنتم يا معشر الشيعة بمايصل إليكم منهم من الجور والظلم. أقول : هذا أيضا أحد مواضع الاختلاف ، وفي تلك النسخة قوله : وليتم ، متصل بقولهعليه‌السلام : أمر الله فيهم ، هكذا : ليحق أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل. وهو الظاهر ، كما لايخفى».

(١٥) في «ل» : ـ «محمد».

٣٨

ما قص الله عليكم في كتابه(١) مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين.

ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء(٢) والشدة والرخاء(٣) مثل الذي أعطاهم وإياكم ، ومماظة(٤) أهل الباطل.

وعليكم بهدي(٥) الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن(٦) محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته ؛ فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.

واعلموا أن الله إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق(٧) لسانه بالحق ، وعقد قلبه عليه(٨) فعمل به ، فإذا(٩) جمع الله له ذلك تم له(١٠) إسلامه ، وكان عند الله ـ إن مات على ذلك الحال ـ من المسلمين حقا ، وإذا لم يرد الله بعبد خيرا

__________________

(١) في «بح ، جت» وشرح المازندراني : + «الكريم».

(٢) «الضراء» : الحالة التي تضر ، وهي نقيض السراء ، وهما بناءان للمؤنت ولا مذكر لهما. النهاية ، ج ٣ ، ص ٨٢ (ضرر).

(٣) في شرح المازندراني : «الشدة والرخاء ، لعل المراد بالفقرة الاولى ما يتعلق بالبدن ، مثل الصحة والسلامة والأمراض ونحوها ، وبالثانية ما يتعلق بالمال ، كضيق العيش وسعته. وفي الرخاء والسراء أيضا ابتلاء ؛ لكثرة ما يطلب فيهما ، وقد ذكرنا توضيح ذلك في أول كتاب الكفر والإيمان».

(٤) المماظة : المشاورة والمنازعة ، قاله الجوهري ، أو شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم ، قاله ابن الأثير. راجع : الصحاح ، ج ٣ ، ص ١١٨٠ ؛ النهاية ، ج ٤ ، ص ٣٤٠ (مظظ).

(٥) في شرح المازندراني : «الهدي بفتح الهاء ـ وقد تكسر وسكون الدال ـ : السيرة والطريقة والهيئة ، وأما ضم الهاء وفتح الدال بمعنى الرشاد فبعيد».

وفي المرآة : «قوله عليه‌السلام : بهدى الصالحين ، الهدى بضم الهاء وفتح الدال : الرشاد والدلالة ، والهدي ـ ويكسر ـ : الطريقة والسيرة». وراجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٥٣٣ ؛ النهاية ، ج ٥ ، ص ٢٥٣ ؛ القاموس المحيط ، ج ٢ ، ص ١٧٦٢ (هدي).

(٦) في «ع ، بف» : «من».

(٧) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع : «أنطق».

(٨) في المرآة : «قولهعليه‌السلام : وعقد قلبه عليه ، على بناء المجهول ، ويحتمل المعلوم ، أي أيقنه واعتقد به ، كأنه معقودعليه لايفارقه».

(٩) في شرح المازندراني : «إذا».

(١٠) في الوافي : ـ «له».

٣٩

وكله إلى نفسه ، وكان(١) صدره ضيقا حرجا(٢) ، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال ، كان عند الله من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ، ولم يعطه العمل به حجة عليه(٣) ، فاتقوا الله ، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك ، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ، ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين.

ومن سره(٤) أن يعلم أن الله يحبه ، فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ، ألم يسمع قول الله ـعزوجل ـ لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٦) ؟ والله لايطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ، ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ، ولا والله ، لايدع(٧) أحد اتباعنا(٨) أبدا إلا أبغضنا ، ولا والله لايبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله ، ومن مات عاصيا لله أخزاه الله(٩) ، وأكبه على وجهه في النار ، والحمد لله رب العالمين».(١٠)

__________________

(١) في شرح المازندراني : «فكان».

(٢) في شرح المازندراني : «الحرج ، أي الضيق ، أو أشد أفراده ، فعلى الأول تأكيد وعلى الثاني تأسيس ومبالغة في عدم قبوله للحق وإنكاره لأهله». وراجع : النهاية ، ج ١ ، ص ٣٦١ (حرج).

(٣) هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار. وفي المطبوع وشرح المازندراني : + «يوم القيامة».

(٤) في حاشية «د» : «يسره».

(٥) في «بن» : ـ «لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٦) آل عمران (٣) : ٣١. وفي شرح المازندراني : «تطبيقه ـ أي قول الله تعالى ـ على المدعى من جهة أن متابعتهم متابعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو سبب لها ، وهي سبب لمحبة الله تعالى للعبد».

(٧) في «جت» : «ولا يدع».

(٨) في «بف» والوافي : «اتباعنا أحد».

(٩) «أخزاه الله» أي أذله وأهانه وأهلكه وأوقعه في بلية وعذاب ؛ من خزي ، أي ذل وهان وهلك ووقع في بلية. راجع : الصحاح ، ج ٦ ، ص ٢٣٢٦ (خزا).

(١٠) راجع : الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب القسوة ، ح ٢٦٤٨ ؛ وتحف العقول ، ص ٣١٣ الوافي ، ج ٢٦ ،

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الخمر لأن الله عز وجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا

أيها الشهود أو المديونون ، وشهادتهم إقرارهم على أنفسهم «وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم ، والجملة خبر إن وإسناد الإثم إلى القلب لأن الكتمان تقترفه ، ونظيره : العين زانية والأذن زانية ، أو للمبالغة لأنه رئيس الأعضاء وأفعاله أعظم الأفعال ، وكأنه قيل : تمكن الإثم في نفسه وأخذ أشرف أجزائه وفاق سائر ذنوبه.

وقال الطبرسي (ره) : أضاف الإثم إلى القلب وإن كان الإثم للجملة لأن اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب لأن العزم على الكتمان إنما يقع به ، ولأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم كما أن إضافة الإيمان إلى القلب أبلغ في المدح ، قال سبحانه : «أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ »(١) انتهى.

وأقول : ثاني الوجهين اللذين ذكراه أوفق بالخبر ، فإن تلك المبالغة مما يستلزم وعيد العذاب والعقاب ، فإنها تشعر بأنها أفحش من أكثر الذنوب ، ويؤثر في القلب الذي هو محل العقائد ويفسده.

ثم اعلم أنهعليه‌السلام ذكرشهادة الزور ولم يستدل على كونها كبيرة بشيء ، ويحتمل وجهين « أحدهما » أنها تدل عليها أيضا لأن شهادة الزور إنما تكون غالبا مع العلم بخلافه ، فمن شهد بالزور فقد كتم الشهادة التي عنده « وثانيهما » أنها تدل عليها بالطريق الأولى ، إذ لو كان كتمان الحق والسكون عنه كبيرة كان إظهار خلاف الحق والتكلم به أولى بذلك ، ولذا لم يستدل بقوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ »(٢) لأنه لا يدل على التحريم فضلا عن كونه من الذنوب العظيمة ، مع أنه يحتمل أن يكون المراد به لا يحضرون مجالس الباطل بل هو الأظهر ، وقال به الأكثر ، وعن الصادقينعليهما‌السلام أنه الغناء ولا بقوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ »(٣) لأنه لا يدل على أكثر من

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢٢.

(٢) سورة الفرقان : ٧٢.

(٣) سورة الحجّ : ٣٠.

٦١

أو شيئا مما فرض الله لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من ترك الصلاة متعمدا فقد

التحريم ، مع أن الأكثر فسروه بمطلق الكذب وإن كان يشمله كما نهى عن عبادة الأوثان ، أي ذكرهما في آية واحدة وسياق واحد ، فيدل على مقاربتهما في وجوب تركهما وترتب العقاب على فعلهما ، ولذا ورد : شارب الخمر كعابد الوثن ، وأيضا قال سبحانه : «فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » فيدل على أن فاعل كل منهما لا يفلح ، وعدم الفلاح إنما يكون بترتب العذاب والعقاب.

« أو شيئا مما فرض الله » أي في الصلاة من الواجبات والشروط وقيل : أي مطلقا فيكون إجمالا بعد تفصيل بعض الكبائر لبعض المصالح.

قال الوالدقدس‌سره : يمكن التعميم للاختصار ليدخل فيه ترك الحج والصوم والجهاد مع الوجوب وغيرها من الواجبات وإن ذكر عقوبة ترك الصلاة فقط ليحال عليها غيرها ، وليتدبر في البواقي كما ذكر تعالى في الحج : «وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ »(١) لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هذا مما يشعر بأن وعيد النار أو ما يستلزمه أعم من أن يكون في الكتاب أو في السنة ، ويمكن أن يكون الخبر ورد تفسيرا لبعض الآيات الواردة في ذلك كقوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ »(٢) فإن الصلاة من أعظم عهود الله التي أخذها على العباد.

وأقول : يؤيده ما سيأتي في كتاب الصلاة بأسانيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقي الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ويحتمل أن يكونعليه‌السلام ذكر الحديث استطرادا ولم يتعرض للآيات لكثرتها وظهورها ، كقوله تعالى : «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ »(٣) وقوله : «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ »(٤) وأمثال ذلك كثيرة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) سورة الرعد : ٢٥.

(٣) سورة المدّثّر : ٦٣.

(٤) سورة الماعون : ٥.

٦٢

برئ من ذمة الله وذمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله

وكان هذا أحسن من الأول لأن الظاهر أن الوعيد الذي ورد في أخبار الكبائر ما يفهم من ظاهر القرآن وإلا فعلم كل شيء في القرآن كما ورد في الأخبار الكثيرة.

« فقد بريء من ذمة الله وذمة رسوله » أي من عهدهما كما مر في الخبر أو من أمانهما أي ليس ممن عهد الله إليه أن لا يعذبه ولا ممن آمنه الله من عذابه« ونقض العهد » أي مع الله في العهد والنذر واليمين ، أو مع الإمام في البيعة ، وقيل : في جميع الواجبات وترك المنهيات وحمله على مخالفة الوعد مع المؤمنين وشروطهم مطلقا بعيد.

وأما الآية فقد قال سبحانه قبل ذلك : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ » وقال الطبرسيرحمه‌الله في قوله : «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ » أي يؤدون ما عهد الله إليهم وألزمهم إياه عقلا وسمعا فالعهد العقلي ما جعله في عقولهم من اقتضاء صحة أمور وفساد أمور أخر كاقتضاء الفعل للفاعل وأن الصانع لا بد أن يرجع إلى صانع غير مصنوع ، وإلا أدى إلى ما لا يتناهى ، وأن للعالم مدبرا لا يشبهه والعهد الشرعي ما أخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المؤمنين من الميثاق المؤكد باليمين أن يطيعوه ولا يعصوه ولا يرجعوا عما ألزموه من أوامر شرعه ونواهيه ، وإنما كرر ذكر الميثاق وإن دخل جميع الأوامر والنواهي في لفظة العهد لئلا يظن ظان أن ذلك خاص فيما بين العبد وربه ، فأخبر أن ما بينه وبين العباد من المواثيق كذلك في الوجوب واللزوم ، وقيل : أنه كرره تأكيدا.

«وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » قيل : المراد به الإيمان بجميع الرسل والكتب ، كما في قوله : «لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » وقيل : هو صلة محمد وموازرته ومعاونته والجهاد معه ، وقيل : هو صلة الرحم عن ابن عباس ، ثم ذكر

٦٣

عز وجل يقول : «أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(١) قال فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

أخبارا كثيرة تدل على المعنى الأخير ثم قال تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ».

وفي القاموس :الصرخة الصيحة الشديدة وكغراب الصوت أو شديدة والصارخ المغيث والمستغيث ضد والصارخة الإغاثة.

وأقول : قد أحصى والديقدس‌سره في بعض مؤلفاته ما يستنبط من الأخبار المختلفة أنها من الكبائر فمنها الشرك ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، والقذف ، وأكل مال اليتيم بغير حق ، والفرار من الزحف ، والربا ، والسحر ، والكهانة ، والزنا ، واللواط ، والسرقة لا سيما من الغنيمة ، والحلف كاذبا ، وترك الفرائض : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان وتأخير الحج عن سنة الاستطاعة بغير عذر ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر بل كل مسكر ونكث الصفقة ونقض العهد مع الله ومع الخلق ، وقطع الرحم ، والتعرب بعد الهجرة ، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمةعليهم‌السلام ، والغيبة ، والبهتان وقيل : ترك جميع السنن ومنع الزيادة من الماء السابلة مع حاجتهم وعدم حاجته ، وعدم الاحتراز عن البول ، والتسبب إلى سب الوالدين ، والإضرار في الوصية ، وسخط قضاء الله والاعتراض على قدره على قول فيهما ، والتكبر والحسد وعداوة المؤمنين والإلحاد في الحرم وفي المدينة والنم وقطع عضو مؤمن بغير حق وأكل الميتة وسائر النجاسات ، والقيادة ، والإصرار على الصغيرة ، والأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ، على احتمال وكذا الكذب ، وخلف الوعد والخيانة ، ولعن المؤمنين وسبهم وإيذاؤهم بغير سبب ، وضرب الخادم زائدا على ما يستحقه ومانع الماء المباح عن

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٦.

٦٤

مستحقه ، وساد الطريق المسلوك ، وتضييع العيال والتعصب ، والظلم والغدر ، وكونه ذا لسانين ، وتحقير المؤمنين وتجسس عيوبهم وتعييرهم والافتراء عليهم وسبهم وسوء الظن بهم وتخويفهم ، وبخس المكيال والميزان ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجلوس في مجالس الفساق لا سيما شرب الخمر بغير ضرورة ، والبدعة في الدين ، والجلوس مع أهلها ، وتحقير السيئة والقمار وأكل الحرام ، فمن الأمر بالمنكر إلى هنا احتمال كونها كبيرة والله يعلم.

فائدة

قال بعض المحققين : قد ذكر بعض العلماء ضابطة يعلم بها كبائر المعاصي عن صغائرها بل مراتب التكاليف الشرعية كلها أو جلها ، وملخصها أنا نعلم بشواهد الشرع وأنوار البصائر جميعا أن مقصود الشرائع كلها سياقة الخلق إلى جوار الله وسعادة لقائه وأنه لا وصول لهم إلى ذلك إلا بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة صفاته ورسله وكتبه ، وإليه الإشارة بقوله عز وجل : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(١) أي ليكونوا عبيدا ولا يكون العبد عبدا ما لم بعرف ربه بالربوبية ونفسه بالعبودية فلا بد وأن يعرف نفسه وربه ، فهذا هو المقصود الأصلي ببعثة الأنبياء ، ولكن لا يتم هذا إلا في الحياة الدنيا ، وهو المعنى لقولهعليه‌السلام : الدنيا مزرعة الآخرة ، فصار حفظ الدنيا أيضا مقصودا تابعا للدين ، لأنه وسيلة إليه والمتعلق من الدنيا بالآخرة شيئان النفوس والأموال ، فكلما يسد باب معرفة الله فهو أكبر الكبائر ويليه ما يسد باب حياة النفوس ، ويلي ذلك ما يسد يأب المعايش التي بها حياة النفوس ، فهذه ثلاث مراتب ، فحفظ المعرفة على القلوب ، والحياة على الأبدان ، والأموال على الأشخاص ضروري في مقصود الشرائع كلها ، وهذه ثلاثة أمور لا يتصور أن تختلف فيها الملل ، فلا يجوز أن يبعث الله نبيا يريد ببعثه إصلاح الخلق في دينهم

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦.

٦٥

ودنياهم ثم يأمرهم بما يمنعهم عن معرفته ومعرفة رسله ويأمرهم بإهلاك النفوس وإهلاك الأموال.

فحصل من هذا أن الكبائر على ثلاث مراتب : « الأولى » ما يمنع عن معرفة الله ومعرفة رسله وهو الكفر فلا كبيرة في المعاصي فوق الكفر ، كما لا فضيلة فوق الإيمان على مراتبه في قوة المعرفة وضعفها لأن الحجاب بين العبد وبين الله هو الجهل ، ويتلو الجهل بحقائق الإيمان أعني الكفر الأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمته ، فإن هذا باب من الجهل بالله بل عينه ، فمن عرف الله لم يتصور أن يكون آمنا من مكره ولا أن يكون آيسا من رحمته ويتلو هذه الرتبة البدع كلها المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله ، وبعضها أشد من بعض.

المرتبة الثانية : قتل النفوس إذ ببقائها تدوم الحياة وبدوامها تحصل المعرفة والإيمان بالله وآياته فهو لا محالة من الكبائر وإن كان دون الكفر لأنه يصدم عن المقصود ، وهذا يصدم عن وسيلته ، ويتلو هذه الكبيرة قطع الأطراف وكل ما يفضي إلى الهلاك حتى الضرب وبعضها أكبر من بعض ، ويقع في هذه المرتبة تحريم الزنا واللواط لأنه لو اجتمع الناس على الاكتفاء بالذكور لا نقطع النسل ، ودفع الوجود قريب من رفعه وأما الزنا فإنه وإن لم يفوت أصل الوجود ولكن يشوش الأنساب ويبطل التوارث والتناصر وما يتعلق بهما من عدم انتظام العيش وتحريك أسباب يكاد يفضي إلى التقاتل.

المرتبة الثالثة : تلف الأموال لأنها معائش الخلق فلا بد من حفظها إلا أنه إذا أخذت أمكن استردادها وإن أكلت أمكن تغريمها ، فليس يعظم الأمر فيها ، نعم إذا أخذ بطريق يعسر التدارك له فينبغي أن يكون ذلك من الكبائر ، وذلك بطرق خفية كالسرقة وأكل الولي مال اليتيم وتفويته بشهادة الزور وباليمين الغموس فإن في هذه الطرق لا يمكن الاسترداد والتدارك ، ولا يجوز أن تختلف الشرائع في

٦٦

تحريمها أصلا ، وبعضها أشد من بعض ، وكلها دون المرتبة الثانية المتعلقة بالنفوس وأما أكل الربا فلا بد أن تختلف فيه الشرائع إذ ليس فيه إلا أكل مال الغير بالتراضي مع الإخلال بشرط وضعه ، إلا أن الشارع عظم الزجر عنه ، وعده من الكبائر لمصلحة يراها وإن لم يجعل الغصب الذي هو أكل مال الغير بغير رضاه وبغير رضا الشرع منها والله أعلم.

وقال الشهيدقدس‌سره : كل ما توعد الشرع عليه بخصوصه فإنه كبيرة وقد ضبط ذلك بعضهم ، فقال : هي الشرك بالله تعالى ، والقتل بغير حق ، واللواط ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، والربا ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم والغيبة بغير حق ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله تعالى ، والأمن من مكر الله تعالى ، وعقوق الوالدين ، وكل هذا ورد في الحديث منصوصا عليه بأنه كبيرة ، وورد أيضا التهمة ، وترك السنة ومنع ابن السبيل فضل الماء ، وعدم التنزه من البول والتسبب إلى شتم الوالدين ، والإضرار في الوصية.

وهناك عبارات أخر في حد الكبيرة ، منها كل معصية توجب الحد ، ومنها التي يلحق بها صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة ، ومنها كل معصية يوجب في جنسها حد ، وهذه الكبائر المعدودة عند الناس يرجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال لمصلحة الدين ، منها ما يتعلق بالاعتقاد ، وهو إما كفر وهو الشرك بالله تعالى ، أو ليس بكفر وهو ترك السنة إذا لم ينته إلى الكفر ، وتدخل فيه مقالات المبتدعة من الأمة كالمرجئة والخوارج والمجسمة وقد يكون الاعتقاد في نفسه خطاء وإن لم يسم كفرا ولا بدعة كالأمن من مكر الله تعالى ، واليأس من روح الله سبحانه ، ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله تعالى ، والاعتراض بقدره وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية

٦٧

(باب)

(استصغار الذنب )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي أسامة زيد الشحام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اتقوا المحقرات من الذنوب فإنها لا تغفر قلت وما المحقرات قال الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك

كالكبر والحسد والغل للمؤمنين ، ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن إما قاصرا كالإلحاد في الحرم ، فيدخل فيه شبهه كإخافة المدينة الشريفة والإلحاد فيها ، والكذب على النبي والأئمةعليهم‌السلام ، وإما متعديا وقد نص على النميمة والسحر والتولي من الزحف ونكث الصفقة لأن ضرره متعد وأما مصلحة النفس فكالقتل بغير حق ويدخل فيه جناية الطرف ، وأما العقل فشرب الخمر ويدخل فيه كل مسكر ، وأكل الميتة وسائر النجاسات في معناه ، لاشتمال الخمر على النجاسة ، وأما الأنساب فالزنا واللواط ويدخل فيها القيادة ، ومن النسب عقوق الوالدين والإضرار في الوصية.

باب استصغار الذنب

الحديث الأول : حسن كالصحيح موثق.

« اتقوا المحقرات » لأن التحقير يوجب الإصرار وترك الندامة الموجبين للبعد عن المغفرة« غير ذلك » أي غير ذلك الذنب.

وأقول : مثل هذا الكلام يمكن أن يذكر في مقامين : أحدهما : بيان كثرة معاصيه وعظمتها ، وأن له معاصي أعظم من ذلك ، وثانيهما : بيان حقارة هذا الذنب وعدم الاعتناء به ، وكأنه محمول على الوجه الأخير.

٦٨

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال والحجال جميعا ، عن ثعلبة ، عن زياد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نزل بأرض قرعاء فقال لأصحابه ائتوا بحطب فقالوا يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب قال فليأت كل إنسان بما قدر عليه فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا تجتمع الذنوب ثم قال إياكم والمحقرات من الذنوب فإن لكل شيء طالبا ألا وإن طالبها يكتب «ما قَدَّمُوا

الحديث الثاني : موثق.

« في السر » أي في الخلوة أو في القلب ، وعلى الأول التخصيص لأن الإخلاص فيه أكثر ولاستلزامه الخوف في العلانية أيضا« حتى تعطوا » أي حتى يبلغ خوفكم درجة يصير سببا لإعطاء الإنصاف والعدل من أنفسكم للناس ، ولا ترضون لهم ما لا ترضون لأنفسكم ، أو حتى تعطواالإنصاف من أنفسكم أنكم تخافون الله وليس عملكم لرئاء الناس ، وكان الأول أظهر.

الحديث الثالث : مجهول.

« بأرض قرعاء » أي لا نبات ولا شجر فيها تشبيها بالرأس الأقرع ، وفي القاموس قرع كفرح ذهب شعر رأسه وهو أقرع وهي قرعاء والجمع قرع وقرعان بضمهما ، ورياض قرع بالضم بلا كلاء ، وفي النهاية : القرع بالتحريك هو أن يكون في الأرض ذات الكلاء موضع لا نبات فيها كالقرع في الرأسحتى رموا بين يديه أي كثر وارتفع والطالب للذنوب هو الله سبحانه وملائكته «ما قَدَّمُوا » أي أسلفوا في حياتهم «وَآثارَهُمْ » ما بقي عنهم بعد مماتهم يصل إليهم ثمرته أما حسنة كعلم علموه أو حبيس وقفوه ،

٦٩

وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ ».

(باب )

(الإصرار على الذنب )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عبد الله بن محمد النهيكي ، عن عمار بن مروان القندي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.

أو سيئة كإشاعة باطل أو تأسيس ظلم أو نحو ذلك« والإمام المبين » اللوح المحفوظ وقيل : القرآن ، وقيل : كتاب الأعمال ، وفي كثير من الأخبار أنه أمير المؤمنينعليه‌السلام وكأنه من بطون الآية ، وأماقوله : «أَحْصَيْناهُ » فيحتمل أن يكون في الأصل أحصاه فصحف النساخ موافقا للآية ، أو هو على سبيل الحكاية ، وقرأ بعض الأفاضل نكتب بالنون موافقا للآية ، فيكون لفظ الآية خبرا لأن أي طالبها هذه الآية على الإسناد المجازي ، وله وجه لكنه مخالف للمضبوط في النسخ ، وقد مر بعض القول في الآية في العاشر من باب الذنوب.

باب الإصرار على الذنب

الحديث الأول : مجهول.

وأما أنهلا كبيرة مع الاستغفار ، فالمراد بالاستغفار التوبة والندم عليها والعزم على عدم العود إليها ، ومع التوبة لا يبقى أثر الكبيرة ولا يعاقب عليها ، وأما أنهلا صغيرة مع الإصرار فيدل على أن الإصرار على الصغيرة كبيرة كما ذكره جماعة من الأصحاب ، وربما يجعل هذا مؤيدا لما مر من أن المعاصي كلها كبيرة ، بناء على أن المراد بالإصرار الإقامة على الذنب بعدم التوبة والاستغفار كما يدل عليه الخبر الآتي ، وروي من طريق العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أصر من استغفر ، ويرد عليه أنه يجوز أن يكون المراد بالإصرار المداومة عليه والعزم على المعاودة ، فإن ذلك أنسب

٧٠

باللغة قال الجوهري : أصررت على الشيء أي أقمت ودمت ، وفي النهاية : أصر على الشيء يصر إصرارا إذا لزمه ودامه وثبت عليه ، وفي القاموس : أصر على الأمر لزم وقريب منه كلام مجمل اللغة.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : قد يفهم من نفي الصغيرة مع الإصرار أنها تصير كبيرة معه فلو لبس الحرير مثلا مصرا عليه يصير ذلك اللبس كبيرة والمشهور فيما بين القوم أن الكبيرة هي نفس الإصرار على الصغيرة المصر عليها تصير بالإصرار كبيرة ، فكأنهم يحملون الحديث على معنى أنه لا أثر للصغيرة في ترتب العقاب مع الإصرار بل العقاب معه يترتب على نفس الإصرار الذي هو من الكبائر ، فكأن الصغيرة مضمحلة في جنبه والإصرار في الأصل من الصر وهو الشد والربط ، ومنه سميت الصرة ، ثم أطلق على الإقامة على الذنب من دون استغفار ، كان المذنب ارتبط بالإقامة عليه ، كذا ذكره المفسرون في تفسير قوله تعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) .

وقال الشهيد رفع الله درجته : الإصرار إما فعلي وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة ، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله توبة ولا عزم على فعلها ، فالظاهر أنه غير مصر ولعله مما تكفره الأعمال الصالحة من الوضوء والصلاة والصيام كما جاء في الأخبار ، انتهى.

وقال الشيخ البهائي روح الله روحه بعد نقل هذا الكلام : ولا يخفى أن تخصيصه الإصرار الحكمي بالعزم على تلك الصغيرة بعد الفراغ منها يعطي أنه لو كان عازما على صغيرة أخرى بعد الفراغ مما هو فيه لا يكون مصرا ، والظاهر أنه مصر أيضا وتقييده ببعد الفراغ منها يقتضي بظاهره أن من كان عازما مدة سنة على لبس الحرير مثلا لكنه لم يلبسه أصلا لعدم تمكنه لا يكون في تلك المدة مصرا وهو

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧١

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ »(١) قال الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه

محل نظر ، انتهى.

وأقول : كان نظره في غير محله لأن الظاهر من الأخبار الكثيرة وأقوال الجم الغفير من الأصحاب عدم المؤاخذة على العزم على المعاصي ، مع عدم الإتيان بها ، وأما قول الشهيد (ره) بتكفير الأعمال الصالحة للصغائر فلعله مع عدم اجتناب الكبائر ومعه يكفرها اجتنابها كما مر ، وقال بعض العامة : الإصرار هو إدامة الفعل والعزم على إدامته إدامة يصح معها إطلاق وصف العزم عليه ، وقال بعضهم : هو تكرار الصغيرة تكرارا يشعر بقلة المبالاة إشعار الكبيرة بذلك ، أو فعل صغائر من أنواع مختلفة بحيث يشعر بذلك ، ثم إن العلامةقدس‌سره لم يعد من الكبائر الإصرار على الصغائر في بعض كتبه ، وكان ذلك لدخوله في الكبائر.

الحديث الثاني : ضعيف.

وقد مر القول فيه ، ويدل على أحد معاني الإصرار كما أومأنا إليه ، وقال به بعض الأصحاب فقال : المرادبالإصرار عدم التوبة لكن رده بعضهم لضعفه ومخالفته لظاهر اللغة فقيل : المراد بالإصرار على الصغيرة الإكثار منها ، سواء كان من نوع واحد أو أنواع مختلفة ، وقيل : هو الإصرار على نوع واحد منها ، وقيل : يحصل بكل منهما ، وظاهر الأصحاب أن الإكثار من الذنوب وإن لم يكن من نوع واحد بحيث يكون ارتكابه للذنب أغلب من اجتنابه عنه إذا عن له من غير توبة فهو قادح في العدالة بل لا خلاف في ذلك بينهم ، نقل الجماع عليه العلامة في التحرير فلا فائدة في تحقيق كونه داخلا في مفهوم الإصرار أم لا ، وظاهر المحقق أنه غير داخل في مفهوم الإصرار ، وكذا من كلام العلامة في الإرشاد والقواعد.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٣٥.

٧٢

بتوبة فذلك الإصرار.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه.

(باب )

(في أصول الكفر وأركانه )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمد ، عن أبي بصير قال :

وقال في التحرير : وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها ، ثم قال : وأما الصغائر فإن داوم عليها أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردت شهادته إجماعا وعلى كل تقدير فالمداومة والإكثار من الذنب والمعصية قادح في العدالة وأما العزم عليها بعد الفراغ ففي كونه قادحا تأمل إن لم يكن ذلك اتفاقيا ، وفي صحيحة عمر ابن يزيد أن إسماع الكلام الغليظ للأبوين لا يوجب ترك الصلاة خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا ، وهي تدل على أن مثل ذلك العزم غير قادح إذ الظاهر أن إسماع الكلام المغضب للأبوين معصية.

الحديث الثالث : حسن موثق.

وفيه إشعار بأن الإصرار على الصغيرة كبيرة إذ يبعد أن تكون الصغيرة المكفرة مانعة عن قبول الطاعة ، وفي الخبر إيماء إلى قوله تعالى : «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) .

باب في أصول الكفر وأركانه

الحديث الأول : صحيح.

وكان المرادبأصول الكفر ما يصير سببا للكفر أحيانا لا دائما وللكفر

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

٧٣

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أصول الكفر ثلاثة الحرص والاستكبار والحسد فأما الحرص فإن آدمعليه‌السلام حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

أيضا معان كثيرة ، منها ما يتحقق بإنكار الرب سبحانه ، والإلحاد في صفاته ، ومنها ما يتضمن إنكار أنبيائه وحججه أو ما أتوا به من أمور المعاد وأمثالها ، ومنها ما يتحقق بمعصية الله ورسوله ، ومنها ما يكون بكفران نعم الله تعالى إلى أن ينتهي إلى ترك الأولى فالحرص يمكن أن يصير داعيا إلى ترك الأولى أو ارتكاب صغيرة أو كبيرة حتى ينتهي إلى جحود يوجب الشرك والخلود ، فما في آدمعليه‌السلام كان من الأول ثم تكامل في أولاده حتى انتهى إلى الأخير ، فصح أنه أصل الكفر ، وكذا سائر الصفات ، وقيل : قد كان إباء إبليس لعنه الله من السجود عن حسد واستكبار ، وإنما خص الاستكبار بالذكر لأنه تمسك به حيث قال : «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » أو لأن الاستكبار أقبح من الحسد ، انتهى.

وقوله : فأما الحرص فهو مبتدأ ، وقوله : فإن ، إلى قوله : أكل منها خبر ، والعائد تكرار المبتدأ وضعا للظاهر موضع المضمر ، مثل الحاقة ما الحاقة ،وقوله : فإبليس بتقدير فمعصية إبليس وكذاقوله : فأبناء آدم بتقدير فمعصية ابني آدم ، أي معصية أحدهما كما قيل.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وأركان الكفر قريب من أصوله ولعل المرادبالرغبة الرغبة في الدنيا والحرص عليها ، أو اتباع الشهوات النفسانية ، وبالرهبة الخوف من فوات الدنيا واعتباراتها بمتابعة الحق أو الخوف من القتل عند الجهاد ، ومن الفقر عند أداء

٧٤

عليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أركان الكفر أربعة الرغبة والرهبة والسخط والغضب.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن نوح بن شعيب ، عن عبد الله الدهقان ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن أول ما عصي الله عز وجل به ست حب الدنيا وحب الرئاسة وحب الطعام وحب النوم وحب الراحة وحب النساء.

الزكاة ، ومن لؤم اللائمين عن ارتكاب الطاعات وإجراء الأحكام ، وقيل : الخوف من فوات الدنيا والهم من زوالها وهو يوجب صرف العمر في حفظها والمنع من أداء حقوقها ، وبالسخط عدم الرضا بقضاء الله ، وانقباض النفس في أحكامه وعدم الرضا بقسمة ، وبالغضب ثوران النفس نحو الانتقام عند مشاهدة ما لا يلائمها من المكاره والآلام.

الحديث الثالث : ضعيف.

« حب الدنيا » أي مال الدنيا أو البقاء فيها للذاتها ومألوفاتها لا للطاعة ،وحب الرئاسة بالجور والظلم والباطل ، أو في نفسها لا لإجراء أو أمر الله تعالى وهداية عباده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وحب الطعام لمحض اللذة لا لقوة الطاعة والإفراط في حبه بحيث لا يبالي من حلال حصل أو من حرام ، وكذاحب النوم أي الإفراط فيه بحيث يصير مانعا عن الطاعات الواجبة أو المندوبة ، أو في نفسه لا للتقوى على الطاعة ، وكذاحب الاستراحة على الوجهين ، وكذاحب النساء أي الإفراط فيه بحيث ينتهي إلى ارتكاب الحرام أو ترك السنن والاشتغال عن ذكر الله بسبب كثرة معاشرتهن ، أو ما يوجب إطاعتهن في الباطل وإلا فقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخترت من دنياكم الطيب والنساء.

٧٥

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلا من خثعم جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أي الأعمال أبغض إلى الله عز وجل فقال الشرك بالله قال ثم ما ذا قال قطيعة الرحم قال ثم ما ذا قال الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسن بن عطية ، عن يزيد الصائغ قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام رجل على هذا الأمر إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن ائتمن خان ما منزلته قال هي أدنى المنازل من الكفر وليس بكافر.

الحديث الرابع : كالسابق.

وخثعم أبو قبيلة من معد ، وقد مر معنى الشرك ، وقطيعة الرحم يمكن شمولها لقطع رحم آل محمد كما مر ، ويمكن إدخاله كلا أو بعضا في الشرك ، والمنكر ما حرمه الله أو ما علم بالشرع أو العقل قبحه ويحتمل شموله للمكروه أيضا ، وقال الشهيد الثانيقدس‌سره : المنكر المعصية قولا أو فعلا وقال أيضا : هو الفعل القبيح الذي عرف فاعله قبحه أو دل عليه ، والمعروف ما عرف حسنه عقلا أو شرعا ، وقال الشهيد الثاني (ره) : هو الطاعة قولا أو فعلا ، وقال : يمكن بتكلف دخول المندوب في المعروف.

الحديث الخامس : كالسابق أيضا.

وقوله : على هذا الأمر ، صفة رجل ، وجملةإن حدث ، خبر «أدنى المنازل » أي أقربهامن الكفر أي الذي يوجب الخلود في الناروليس بكافر بهذا المعنى ، وإن كان كافرا ببعض المعاني ، ويشعر بكون خلف الوعد معصية بل كبيرة ، والمشهور استحباب الوفاء به وكأنه مر القول فيه وسيأتي إن شاء الله.

٧٦

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن داود بن النعمان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خطب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الناس فقال ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله قال الذي يمنع رفده ويضرب عبده ويتزود وحده فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال الذي لا يرجى خيره ولا يؤمن شره فظنوا أن الله لم يخلق خلقا هو شر من هذا.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

والشقاء والشقاوة والشقوة سوء العاقبة بالعقاب في الآخرة ضد السعادة ، وهي حسن العاقبة باستحقاق دخول الجنة ، وجمود العين كناية عن بخلها بالدموع وهو من توابعقسوة القلب وهي غلظته وشدته وعدم تأثره من الوعيد بالعقاب والمواعظ قال تعالى : «فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ »(١) وكون تلك الأمور من علامات الشقاء ظاهر ، وفيه تحريص على ترك تلك الخصال ، وطلب أضدادها بكثرة ذكر الله وذكر عقوباته على المعاصي والتفكر في فناء الدنيا وعدم بقاء لذاتها ، وفي عظمة الأمور الأخروية ومثوباتها وعقوباتها وأمثال ذلك.

الحديث السابع : حسن موثق كالصحيح.

« الذي يمنع رفده » الرفد بالكسر العطاء والصلة وهو اسم من رفده رفدا من باب ضرب أعطاه وأعانه ، والظاهر أنه أعم من منع الحقوق الواجبة والمستحبة« ويضرب عبده » أي دائما وفي أكثر الأوقات أو من غير ذنب ، أو زائدا على القدر المقرر أو مطلقا ، فإن العفو من أحسن الخصال« ويتزود وحده » أي يأكل زاده وحده من غير رفيق مع الإمكان ، أو أنه لا يعطي من زاده غيره شيئا من عياله وغيرهم ،

__________________

(١) سورة الزمر : ٢٢.

٧٧

ثم قال ألا أخبركم بمن هو شر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال المتفحش اللعان الذي إذا ذكر عنده المؤمنون لعنهم وإذا ذكروه لعنوه.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم من إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف إن الله عز وجل قال في كتابه «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(١) وقال «أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ »(٢) وفي قوله عز وجل : «وَاذْكُرْ

وقيل : أي لا يأخذ نصيب غيره عند أخذ العطاء ، وهو بعيد.

ثم اعلم أنه لا يلزم حمل هذه الخصال على الأمور المحرمة فإنه يمكن أن يكون الغرض عد مساوئ الأخلاق لا المعاصي ، والتفحش المبالغة في الفحش وسوء القول كما سيأتي ، واللعان المبالغة في اللعن ، وهو من الله الطرد والإبعاد من الرحمة ، ومن الخلق السب والدعاء على الغير ، وقريب منه في النهاية.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

واعلم أنه كما يطلق المؤمن والمسلم على معان كما عرفت فكذلك يطلقالمنافق على معان ، منها أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، وهو المعنى المشهور ، ومنها الرياء ، ومنها أن يظهر الحب ويكون في الباطن عدوا ، أو يظهر الصلاح ويكون في الباطن فاسقا ، وقد يطلق على من يدعي الإيمان ولم يعمل بمقتضاه ، ولم يتصف بالصفات التي ينبغي أن يكون المؤمن عليها ، فكان باطنه مخالفا لظاهرة ، فكأنه المراد هنا ، وسيأتي معاني النفاق في بابه إنشاء الله ، والمرادبالمسلم هنا المؤمن الكامل المسلم لأوامر الله ونواهيه ، ولذا عبر بلفظ الزعم المشعر بأنه غير صادق في

__________________

(١) سورة الأنفال : ٥٨.

(٢) سورة النور : ٧.

٧٨

فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا »(١) .

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها قالوا بلى يا رسول الله قال الفاحش المتفحش البذيء البخيل المختال الحقود

دعوى الإسلام.

« من إذا ائتمن » أي على مال أو عرض أو سرخان صاحبه وقيل : المراد به من أصر علي الخيانة كما يدل عليه قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »(٢) حيث لم يقل إن الله لا يحب الخيانة ، ويدل على أنه كبيرة لا يقبل منه معها عمل ، وإلا كان محبوبا في الجملة ، وأما الاستدلال بآية اللعان فلأنه علق اللعنة بمطلق الكذب وإن كان مورده الكذب في القذف ، ولو لم يكن مستحقا للعن لم يأمره الله بهذا القول.

وأماقوله عليه‌السلام : وفي قوله عز وجل ، فلعلهعليه‌السلام إنما غير الأسلوب لعدم صراحة الآية في ذمه بل إنما يدل على مدح ضده وبتوسطه يشعر بقبحه ، وإنما لم يذكرعليه‌السلام الآية التي هي أدل على ذلك حيث قال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »(٣) وسيأتي الاستدلال به في خبر آخر إما لظهوره واشتهاره ، أو لاحتمال معنى آخر كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في قوله : « في قوله » بمعنى مع أي قال في سورة الصف ما هو مشهور في ذلك ، مع قوله في سورة مريم« واذكر » لدلالته علي مدح ضده.

الحديث التاسع : مرسل كالصحيح.

والفحش القول السيء والكلام الرديء وكل شيء جاوز الحد فهو فاحش ومنه غبن فاحش ، والتفحش كذلك مع زيادة تكلف وتصنع وقيل : أراد بالمتفحش

__________________

(١) سورة مريم : ٥٤.

(٢) سورة الأنفال : ٥٨.

(٣) سورة الصفّ ٣٠.

٧٩

الحسود القاسي القلب البعيد من كل خير يرجى غير المأمون من كل شر يتقى.

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط رفعه إلى سلمان قال إذا أراد الله عز وجل هلاك عبد نزع منه الحياء ،

الذي يقبل الفحش من غيره ، فالفاحش المتفحش الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، والأول أظهر ، وبعد من كان كذلك عن مشابهة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غاية الحياء وكان يحترز عن الفحش في القول حتى أنه كان يعبر عن الوقاع والبول والتغوط بالكنايات ، بل بأبعدها تأسيا بالرب سبحانه في القرآن.

قال في النهاية : فيه أن الله يبغض الفاحش المتفحش ، الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله ، والمتفحش الذي يتكلف ذلك ويتعمده وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي ، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ، وقال :البذاء بالمد الفحش في القول ، وفلان بذي اللسان ، وفي المصباح بذا علي القوم يبذو بذاء بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه ، وإن كان كلامه صدقا فهو بذي علي فعيل.

وفي النهاية فيه : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ،الخيلاء بالضم والكسر :

الكبر والعجب يقال : اختال فهو مختال ، وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر وتقييد الخير والشر بكونه مرجوا أو يتقي منه إما للتوضيح أو للاحتراز والأول كأنه أظهر.

الحديث العاشر : ضعيف موقوف لكنه ينتهي إلى سلمان وهو في درجة قريبة من العصمة بل فيها.

« إذا أراد الله هلاك عبد » لعله كناية عن علمه سبحانه بسوء سريرته وعدم

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441