مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول8%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 441

  • البداية
  • السابق
  • 441 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16720 / تحميل: 8184
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٠

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا خائنا مخونا فإذا كان خائنا مخونا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا فظا غليظا فإذا كان فظا غليظا

استحقاقه للطف« نزع منه الحياء » أي سلب التوفيق منه حتى يخلع لباس الحياء ، وهو خلق يمنع من القبائح والتقصير في حقوق الخلق والخالق« فإذا نزع منه الحياء » المانع من ارتكاب القبائح« لم تلقه إلا خائنا مخونا » وقد مر معنى الخائن وذمه ، وأما المخون فيحتمل أن يكون بفتح الميم وضم الخاء أي يخونه الناس فذمه باعتبار أنه السبب فيه ، أو المراد أنه يخون نفسه أيضا ويجعله مستحقا للعقاب فهو خائن لغيره ولنفسه ، وبهذا الاعتبار مخون ففي كل خيانة خيانتان أو يكون بضم الميم وفتح الخاء وفتح الواو المشددة أي منسوبا إلى الخيانة مشهورا به ، أو بكسر الواو المشددة أي ينسب الناس إلى الخيانة مع كونه خائنا.

في القاموس : الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، خانه خونا وخيانة واختانه فهو خائن ، وقد خانه العهد والأمانة وخونه تخوينا نسبه إلى الخيانة ونقصه.

« نزعت منه الأمانة » لأنها ضد الخيانة ، فإن قيل : كان هذا معلوما لا ـ يحتاج إلى البيان؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم يبال من الخيانة يصير بالأخرة إلى أنه يسلب منه الأمانة بالكلية ، أو المعنى أنه يصير بحيث لا يأتمنه الناس على شيء.

« لم تلقه إلا فظا غليظا » في القاموس : الفظ الغليظ السيء الخلق القاسي الخشن الكلام ، انتهى.

والغلظة : ضد الرقة والمراد هنا قساوة القلب وغلظته ، كما قال تعالى : «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ »(١) وتفرع هذا على نزع الأمانة ظاهر لأن الخائن

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٩.

٨١

نزعت منه ربقة الإيمان فإذا نزعت منه ربقة الإيمان لم تلقه إلا شيطانا ملعونا.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن زياد الكرخي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث

لا سيما من يعلمه الناس كذلك لا بد من أن يعارض الناس ويجادلهم فيصير سيئ الخلق الخشن الكلام ولا يرحم الناس لذهابه بحقهم فيقسو قلبه ، وأيضا إصراره على ذلك دليل على عدم تأثير المواعظ في قلبه ، فإذا كان كذلك نزعت منه ربقة الإيمان لسلب أكثر لوازمه وصفاته عنه كما مر في صفات المؤمن ، والمراد كمال الإيمان أو أحدا المعاني التي مضت منه ولا أقل أنه ينزع منه الحياء وهو رأس الإيمان« لم تلقه إلا شيطانا » أي شبيها به في الصفات أو بعيدا من الله ومن هدايته وتوفيقه« ملعونا » يلعنه الله والملائكة والناس أو بعيدا من رحمة الله تعالى.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

و« ثلاث » مبتدأ ، وقد يجوز كون المبتدأ نكرة محضة لا سيما في العدد ، و« ملعون من فعلهن » استئناف بياني ، والمعنى أن اللعن لا يتعلق بالعمل حقيقة بل بفاعله ، وقرأ بعض الأفاضل بإضافة ثلاث إلى ملعونات ، فالجملة خبر وقوله المتغوط خبر مبتدإ محذوف بتقدير مضاف أيضا بتقديرهن صفة المتغوط والضمير لثلاث ، ويمكن عدم تقدير المضاف فالتقدير هو المتغوط والضمير لمن فعلهن وفي المصباح الغائط المطمئن الواسع من الأرض ، ثم أطلق الغائط على الخارج المستقذر من الإنسان كراهة تسميته باسمه الخاص لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في المواضع المطمئنة فهو من مجاز المجاورة ، ثم توسعوا فيه حتى اشتقوا منه وقالوا تغوط الإنسان ، انتهى.

وكان نسبة اللعن إلى الفعل مجاز في الإسناد ، أو كناية عن قبحه. ونهي

٨٢

ملعونات ملعون من فعلهن المتغوط في ظل النزال والمانع الماء المنتاب والساد

الشارع عنه ، والمرادبظل النزال تحت سقف أو شجرة ينزلها المسافرون ، وقد يعم بحيث يشمل المواضع المعدة لنزولهم وإن لم يكن فيه ظل لاشتراك العلة أو بحمله على الأعم والتعبير بالظل لكونه غالبا كذلك ، والظاهر اختصاص الحكم بالغائط لكونه أشد ضررا ، وربما يعم ليشمل البول ، والمشهور اختصاص الحكم بالغائط لكونه أشد ضررا ، وربما يعم ليشمل البول ، والمشهور بين الأصحاب كراهة ذلك ، وظاهر الخبر التحريم إذ فاعل المكروه لا يستحق اللعن ، وقد يقال : اللعن البعد من رحمة الله وهو يحصل بفعل المكروه أيضا في الجملة ، ولا يبعد القول بالحرمة إن لم يكن إجماع على الخلاف للضرر العظيم فيه على المسلمين ، لا سيما إذا كان وقفا فإنه تصرف مناف لغرض الواقف ومصلحة الوقف ، ولا يبعد القول بهذا التفصيل أيضا.

ويمكن حمل الخبر على أن الناس يلعنونه ويشتمونه لكن يقل فائدة الخبر إلا أن يقال : الغرض بيان علة النهي عن الفعل ، قال في النهاية : فيه : اتقوا الملاعن الثلاث ، هي جمع ملعنة وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحل له وهو أن يتغوط الإنسان على قارعة الطريق أو ظل الشجرة أو جانب النهر ، فإذا مر بها الناس لعنوا فاعله ، ومنه الحديث اتقوا اللاعنين أي الآمرين الجالبين للعن الباعثين للناس عليه ، فإنه سبب للعن من فعله في هذه المواضع ، وليس كل ظل وإنما هو الظل الذي يستظل به الناس يتخذونه مقيلا ومناخا ، وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله تعالى ، ومن الخلق السب والدعاء ، انتهى.

« والمانع الماء المنتاب » الماء مفعول أول للمانع إما مجرور بالإضافة من باب الضارب الرجل ، أو منصوب على المفعولية ، والمنتاب اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة فهو مفعول ثان وهو من الانتياب افتعال من النوبة ، ويحتمل أن يكون اسم مفعول

٨٣

الطريق المعربة.

صفة من انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى ، والماء المنتاب هو الماء الذي يرد عليه الناس متناوبة ومتبادلة لعدم اختصاصه بأحدهم ، كالماء المملوك المشترك بين جماعة ، فلعن المانع لأحدهم في نوبته ، والماء المباح الذي ليس ملكا لأحدهم كالغدران والآبار في البوادي ، فإذا ورد عليه الواردون كانوا فيه سواء فيحرم لأحدهم منع الغير من التصرف فيه على قدر الحاجة ، لأن في المنع تعريض مسلم للتلف فلو منع حل قتاله.

قال الجوهري : انتابه انتيابا أتاه مرة بعد أخرى ، وفي النهاية : نابه ينوبه نوبا وانتابه إذا قصده مرة بعد أخرى ، ومنه حديث الدعاء : يا أرحم من انتابه المسترحمون ، وحديث صلاة الجمعة كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم.

« والساد الطريق المعربة » بالعين المهملة على بناء المفعول أي واضحة التي ظهر فيها أثر الاستطراق ، في النهاية : الإعراب الإبانة والإفصاح ، وفي أكثر النسخ المقربة بالقاف فيمكن أن يكون بكسر الراء المشددة أي الطريق المقربة إلى المطلوب بأن يكون هناك طريق آخر أبعد منه ، فإن لم يكن طريق آخر فبطريق أولى ، وهذه النسخة موافقة لروايات العامة لكنهم فسروه على وجه آخر ، قال في النهاية فيه : من غير المطربة والمقربة فعليه لعنة الله ، المطربة واحدة المطارب وهي طرق صغار تنفذ إلى الطرق الكبار ، وقيل : هي الطرق الضيقة المتفرقة يقال : طربت عن الطريق أي عدلت عنه ، والمقربة طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير ، وجمعها المقارب ، وقيل هو من القرب وهو السير بالليل ، وقيل : السير إلى الماء ، ومنه الحديث ثلاث لعينات رجل عور طريق المقربة ، وقال في القاموس : المقرب والمقربة الطريق المختصر ، وقال : القرب بالتحريك سير الليل لورد الغد ، والبئر القريبة الماء ، وطلب الماء ليلا ، وفي الفائق : القربة المنزل وأصلها من القرب وهو السير إلى الماء.

٨٤

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث ملعون من فعلهن المتغوط في ظل النزال والمانع الماء المنتاب والساد الطريق المسلوك.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بشرار رجالكم قلنا بلى يا رسول الله فقال إن

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وتذكير ضمير الطريق هنا وتأنيثه فيما تقدم باعتبار أن الطريق يذكر ويؤنث.

الحديث الثالث عشر : حسن كالصحيح.

والبهات مبالغة من البهتان ، وهو أن يقول في الناس ما ليس فيهم ، قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، قال الله تعالى : «بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ »(١) وتقول أيضا : بهته بهتا وبهتا وبهتانا فهو بهات ، أي قال عليه ما لم يفعله فهو مبهوت ، انتهى.

والجري بالياء المشددة وبالهمز أيضا على فعيل وهو المقدام على القبيح من غير توقف والاسم الجرأة ، والفحاش ذو الفحش وهو كلما يشتد قبحه من الأقوال والأفعال وكثيرا ما يراد به الزنا وقد مر الكلام فيه.

« الآكل وحده » أقول : لعل النكتة في إيراد العاطف في الأخيرات وتركها في الأول الإشعار بأن البهت والجرأة والفحش صارت لازمة له كالذاتيات فصرن كالذات التي أجريت عليها الصفات ، فناسب إيراد العاطف بين الصفات لتغايرها ، ويحتمل أن تكون العلة الفصل بالمعمول أي « وحده » و « رفده » و « عبده » بين الفقرات الأخيرة وعدمها في الأول فتأمل.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٤٠.

٨٥

من شرار رجالكم البهات الجريء الفحاش الآكل وحده والمانع رفده ، والضارب عبده والملجئ عياله إلى غيره.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ميسر ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة لعنتهم وكل نبي مجاب الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي والمكذب بقدر الله والمستحل من عترتي ما حرم

« والمانع رفده » قد مر الكلام فيه ، وعدم حرمة هذه الخصلة لا ينافي كون المتصف بجميع تلك الصفات من شرار الناس ، فإنه الظاهر من الخبر لا كون المتصف بكل منها من شرار الناس ، وقيل : يفهم منه ومما سبقه أن ترك المندوب وما هو خلاف المروة شر فالمراد بشرار الرجال فاقد الكمال ، سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا انتهى.

« والملجئ عياله إلى غيره » أي لا ينفق عليهم ولا يقوم بحوائجهم.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

« وكل نبي مجاب » أقول : يحتمل أن يكون عطفا على فاعل لعنتهم ، وترك التأكيد بالمنفصل للفصل بالضمير المنصوب مع أنه قد جوزه الكوفيون مطلقا ، وقيل : كل منصوب على أنه مفعول معه ، فقوله : مجاب صفة للنبي أي لعنهم كل نبي أجابه قومه ، أو لا بد من أن يجيبه قومه أو أجاب الله دعوته ، فالصفة موضحة ، ويحتمل أن يكون « كل » مبتدأ « ومجاب » خبرا والجملة حالية أي والحال أن كل نبي مستجاب الدعوة ، فلعني يؤثر فيهم لا محالة ، ويحتمل العطف أيضا ، ويؤيد الأول ما في مجالس الصدوق وغيره من الكتب ، ولعنهم كل نبي.

« والتارك لسنتي » أي مغير طريقته ، والمبتدع في دينه ، والمكذب بقدر الله أي المفوضة الذين يقولون ليس لله في أعمال العباد مدخل أصلا كالمعتزلة ، وقد مر تحقيقه« والمستحل من عترتي ما حرم الله » والمراد بعترته أهل بيته والأئمة من

٨٦

الله والمستأثر بالفيء [ و ] المستحل له.

(باب الرياء )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال لعباد بن كثير البصري في المسجد ويلك يا عباد إياك والرياء فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له.

ذريته باستحلال قتلهم أو ضربهم أو شتمهم أو إهانتهم أو ترك مودتهم أو غصب حقهم أو عدم القول بإمامتهم أو ترك تعظيمهم« والمستأثر بالفيء المستحل له » في النهاية الاستئثار الانفراد بالشيء ، وقال : الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد ، انتهى.

وأقول : الفيء يطلق على الغنيمة والخمس والأنفال وكل ذلك يتعلق بالإمام كلا أو بعضا كما حقق في محله.

باب الرياء

الحديث الأول : ضعيف.

« وكله الله إلى من عمل له » أي في الآخرة كما سيأتي أو الأعم منها ومن الدنيا وقيل : وكل ذلك العمل إلى الغير ولا يقبله أصلا ، وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؟ قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم. وقال بعض المحققين : اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية ، والسمعة مشتقة من السماع ، وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإراءتهم خصال الخير ، إلا أن الجاه والمنزلة يطلب في القلب بأعمال سوى العبادات ويطلب بالعبادات ، واسم الرياء مخصوص

٨٧

بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات وإظهارها فحد الرياء هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالى ، فالمرائي هو العابد ، والمرائي هو الناس المطلوب رؤيتهم لطلب المنزلة في قلوبهم ، والمرائي به هي الخصال التي قصد المرائي إظهارها ، والرياء هو هو قصده إظهار ذلك.

والمرائي به كثيرة ويجمعها خمسة أقسام ، وهي مجامع ما يتزين العبد به للناس فهو البدن والزي والقول والعمل والأتباع والأشياء الخارجة ، ولذلك أهل الدنيا يراءون بهذه الأسباب الخمسة ، إلا أن طلب الجاه وقصد الرياء بأعمال ليست من جملة الطاعات أهون من الرياء بالطاعات ، والرياء في الدين من جهة البدن ، وذلك بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين ، وغلبة خوف الآخرة ، وليدل بالنحول على قلة الأكل ، وبالصفار على سهر الليل ، وكثرة الأرق في الدين ، وكذلك يرائي بتشعث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين وعدم التفرغ لتسريح الشعر ، ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين ، فهذه مراءاة أهل الدين في البدن ، وأما أهل الدنيا فيراءون بإظهار السمن وصفاء اللون واعتدال القامة وحسن الوجه ونظافة البدن وقوة الأعضاء.

وثانيها : الرياء بالزي والهيئة أما الهيئة فتشعث شعر الرأس وحلق الشارب وإطراق الرأس في المشي والهدء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه ، وغلظ الثياب ، وليس الصوف وتشميرها إلى قريب من نصف الساق ، وتقصير الأكمام وترك تنظف الثوب وتركه مخرقا ، كل ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه يتبع السنة فيه ومقتد فيه بعباد الله الصالحين ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة وأنواع التوسع والتجمل.

الثالث : الرياء بالقول ، ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة

٨٨

وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة إظهارا لغزارة العلم ولدلالته على شدة العناية بأقوال السلف الصالحين ، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق وإظهار الغضب للمنكرات وإظهار الأسف على مقارفة الناس بالمعاصي ، وتضعيف الصوت في الكلام ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالقول بحفظ الأشعار والأمثال والتفاصح في العبارات وحفظ النحو الغريب للأعراب على أهل الفضل وإظهار التودد إلى الناس لاستمالة القلوب.

الرابع : الرياء بالعمل ، كمراءاة المصلي بطول القيام ومده وتطويل الركوع والسجود ، وإطراق الرأس وترك الالتفات وإظهار الهدء والسكون ، وتسوية القدمين واليدين ، وكذلك بالصوم وبالحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات بالشيء عند اللقاء ، كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتى أن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار ، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه ، ومنهم من يستحيي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرأى من الناس ، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتى إذا رآه الناس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه تخلص به من الرياء ، وقد تضاعف به رياؤه فإنه صار في خلواته أيضا مرائيا ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر والاختيال وتحريك اليدين وتقريب الخطا والأخذ بأطراف الذيل وإدارة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة.

الخامس : المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يزور عالما من العلماء ليقال أن فلانا قد زار فلانا أو عابدا من العباد لذلك ، أو ملكا من الملوك وأشباهه ليقال إنهم يتبركون به ، وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه

٨٩

لقي شيوخا كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ، ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه ، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته ، ومنهم من يقصد التوصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ، ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك.

وأما حكم الرياء فهل هو حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل؟ فأقول : فيه تفصيل ، فإن الرياء هو طلب الجاه ، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث أنه طلب منزله في قلوب العباد ، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب مخطورة فكذلك الجاه ، وكما أن كسب قليل من المال وهو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه وهو ما يسلم به عن الآفات محمود ، وهو الذي طلبه يوسفعليه‌السلام حيث قال : «إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ »(١) وكما أن المال فيه سم ناقع وترياق نافع فكذلك الجاه ، وأما انصراف الهم إلى سعة الجاه فهو مبدء الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال ، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اهتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه ، فلا جاه أوسع من جاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده من علماء الدين ، ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم ، وبالجملة المراءاة بما ليس من العبادات قد يكون مباحا وقد يكون طاعة وقد يكون مذموما ، وذلك بحسب الغرض المطلوب به.

وأما العبادات كالصدقة والصلاة والغزو والحج ، فللمرائي فيه حالتان : إحداهما أن لا يكون له قصد إلا الرياء المحض دون الأجر ، وهذا يبطل عبادته

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٥.

٩٠

لأن الأعمال بالنيات ، وهذا ليس بقصد العبادة ، ثم لا يقتصر على إحباط عبادته حتى يقول صار كما كان قبل العبادة ، بل يعصي بذلك ويأثم لما دلت عليه الأخبار والآيات والمعنى فيه أمران ، أحدهما يتعلق بالعبادة ، وهو التلبيس والمكر لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله وأنه من أهل الدين ، وليس كذلك والتلبيس في أمر الدنيا أيضا حرام حتى لو قضى دين جماعة وخيل إلى الناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوا سخاوته أثم بذلك لما فيه من التلبيس وتملك القلوب بالخداع والمكر ، والثاني يتعلق بالله وهو أنه مهما قصد بعبادة الله خلق الله فهو مستهزئ بالله ، فهذا من كبائر المهلكات ، ولهذا سماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشرك الأصغر فلو لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد ويركع لغير الله لكان فيه كفاية ، فإنه إذا لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله ، لعمري لو قصد غير الله بالسجود لكفر كفرا جليا إلا أن الرياء هو الكفر الخفي.

واعلم أن بعض أبواب الرياء أشد وأغلظ من بعض ، واختلافه باختلاف أركانه وتفاوت الدرجات فيه ، وأركانه ثلاثة المرايا به والمرايا ونفس قصد الرياء ، الركن الأول نفس قصد الرياء وذلك لا يخلو إما أن يكون مجردا دون إرادة الله والثواب ، فإن كان كذلك فلا يخلو إما أن يكون إرادة الثواب أقوى وأغلب أو أضعف أو مساويا لإرادة العبادة ، فيكون الدرجات أربعا.

الأولى : وهو أغلظها أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلي بين أظهر الناس ، ولو انفرد لكان لا يصلي فهذه الدرجة العليا من الرياء.

الثانية : أن يكون له قصد الثواب أيضا ولكن قصدا ضعيفا بحيث لو كان في في الخلوة لكان لا يفعله ، ولا يحمله ذلك القصد على العمل ، ولو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله على العمل فهذا قريب مما قبله.

٩١

الثالثة : أن يكون قصد الثواب وقصد الرياء متساويين بحيث لو كان كل واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل ، فلما اجتمعا انبعثت الرغبة فكان كل واحد لو انفرد لا يستقل بحمله على العمل ، فهذا قد أفسد مثل ما أصلح فنرجو أن يسلم رأسا برأس لا له ولا عليه ، أو يكون له من الثواب مثل ما كان عليه من العقاب ، وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم.

الرابعة : أن يكون اطلاع الناس مرجحا ومقويا لنشاطه ، ولو لم يكن لكان لا يترك العبادة ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم ، والذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ، ولكنه ينقص منه ، أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب ، وأما قوله تعالى : أنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان الرياء أرجح.

الركن الثاني : المرايا به وهو الطاعات ، وذلك ينقسم إلى الرياء بأصول العبادات وإلى الرياء بأوصافها ، القسم الأول وهو الأغلظ الرياء بالأصول وهو على ثلاث درجات.

الأولى : الرياء بأصل الإيمان وهو أغلظ أبواب الرياء ، وصاحبه مخلد في النار وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ، ولكنه يرائي بظاهر الإسلام ، وهم المنافقون الذين ذمهم الله سبحانه في مواضع كثيرة ، وقد قال : «يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً »(١) .

وكان النفاق في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ، ولكن يكثر نفاق من ينسل من الدين باطنا فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة ، أو يعتقد طي بساط الشرع

__________________

(١) سورة النساء : ١٤٢.

٩٢

والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة ، ويعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه فهؤلاء من المرائين المنافقين المخلدين في النار ، وحال هؤلاء أشد من حال الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر.

الثانية : الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين ، وهذا أيضا عظيم عند الله ، ولكنه دون الأول بكثير ، ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفا من ذمه والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها ، أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع فيصلي معهم ، وعادته ترك الصلاة في الخلوة ، وكذا سائر العبادات ، فهو مراء معه أصل الإيمان بالله ، يعتقد أنه لا معبود سواه ، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغير الله لم يفعل ، ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند اطلاع الناس ، فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق ، وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله ، وهذا غاية الجهل ، وما أجدر صاحبه بالمقت وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد.

الثالثة : أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكن يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي ، ولكن يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ، ولا يثأر لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ، ثم يبعثه الرياء على فعله ، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة وعيادة المريض واتباع الجنائز وكالتهجد بالليل وصيام السنة والتطوع ونحو ذلك ، فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفا من المذمة أو طلبا للمحمدة ويعلم الله تعالى منه لو خلي بنفسه لما زاد على أداء الفرائض فهذا أيضا عظيم ، ولكن دون ما قبله ، وكأنه على الشطر من الأول وعقابه نصف عقابه.

القسم الثاني : الرياء بأوصاف العبادات لا بأصولها ، وهي أيضا على ثلاث درجات

٩٣

الأولى : أن يرائي بفعل ما في تركه نقصان العبادة كالذي غرضه أن يخفف الركوع والسجود ولا يطول القراءة فإذا رآه الناس أحسن الركوع وترك الالتفات وتمم القعود بين السجدتين وقد قال ابن مسعود من فعل ذلك فهو استهانة يستهين بها ربه ، فهذا أيضا من الرياء المخطور لكنه دون الرياء بأصول التطوعات ، فإن قال المرائي : إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة فإنهم إذا رأوا تخفيف الركوع والسجود وكثرة الالتفات أطلقوا اللسان بالذم والغيبة فإنما قصدت صيانتهم عن هذه المعصية فيقال له : هذه مكيدة للشيطان وتلبيس ، وليس الأمر كذلك ، فإن ضررك من نقصان صلاتك وهي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك من غيبة غيرك ، فلو كان باعثك الدين لكان شفقتك على نفسك أكثر ، نعم للمرائي فيه حالتان : إحداهما : أن يطلب بذلك المنزلة والمحمدة عند الناس ، وذلك حرام قطعا ، والثانية أن يقول : ليس يحضرني الإخلاص في تحسين الركوع والسجود ، ولو خففت كان صلاتي عند الله ناقصة ، وآذاني الناس بذمهم وغيبتهم واستفيد بتحسين الهيئة دفع مذمتهم ولا أرجو عليه ثوابا فهو خير من أن أترك تحسين الصلاة فيفوت الثواب وتحصل المذمة فهذا فيه أدنى نظر ، فالصحيح أن الواجب عليه أن يحسن ويخلص ، فإن لم تحضره النية فينبغي أن يستمر على عبادته في الخلوة وليس له أن يدفع الذم بالمراءاة بطاعة الله ، فإن ذلك استهزاء.

الثانية أن يرائي بفعل ما لا نقصان في تركه ، ولكن فعله في حكم التكملة والتتمة لعبادته ، كالتطويل في الركوع والسجود ومد القيام وتحسين الهيئة في رفع اليدين ، والزيادة في القراءة على السورة المعتادة وأمثال ذلك ، وكل ذلك مما لو خلي ونفسه لكان لا يقدم عليه.

الثالثة : أن يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل ، كحضوره الجماعة قبل

٩٤

القوم ، وقصده الصف الأول وتوجهه إلى يمين الإمام وما يجري مجراه ، وكل ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلي بنفسه لكان لا يبالي من أين وقف ومتى يحرم بالصلاة فهذه درجات الرياء بالإضافة إلى ما يرائي به ، وبعضه أشد من بعض والكل مذموم.

الركن الثالث : المرايا لأجله ، فإن للمرائي مقصودا لا محالة فإنما يرائي لإدراك مال أو جاه أو غرض من الأغراض لا محالة ، وله أيضا ثلاث درجات :

الأولى : وهي أشدها وأعظمها أن يكون مقصده التمكن من معصية كالذي يرائي بعباداته ليعرف بالأمانة فيولي القضاء أو الأوقاف أو أموال الأيتام ، فيحكم بغير الحق ، ويتصرف في الأموال بالباطل وأمثال ذلك كثيرة.

الثانية : أن يكون غرضه نيل حظ مباح من مال أو نكاح امرأة جميلة أو شريفة فهذا رياء مخطور ، لأنه طلب بطاعة الله متاع الدنيا ، ولكنه دون الأول.

الثالثة : أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو شبهه ولكن يظهر عبادته خيفة من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد كان يسبق إلى الضحك أو يبدر منه المزاح فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار وتنفس الصعداء وإظهار الحزن ويقول : ما أعظم غفلة الإنسان عن نفسه ، والله يعلم منه أنه لو كان في الخلوة لما كان يثقل عليه ذلك ، فهذه درجات الرياء. ومراتب أصناف المرائين ، وجميعهم تحت مقت الله وغضبه ، وهي من أشد المهلكات.

وأما ما يحبط العمل من الرياء الخفي والجلي وما لا يحبط فنقول : إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثم ورد وارد الرياء فلا يخلو إما أن ورد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ ، فإن ورد بعد الفراغ سرور من غير إظهار فلا يحبط العمل إذ العمل قد تم على نعت الإخلاص سالما من الرياء فما يطرء بعده فنرجو

٩٥

أن لا ينعطف عليه أثره لا سيما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ولم يتمن ذكره وإظهاره ، ولكن اتفق ظهوره بإظهار الله إياه ولم يكن منه إلا ما دخل من السرور والارتياح على قلبه ، ويدل على هذا ما سيأتي في آخر الباب وقد روي أن رجلا قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني؟ قال : لك أجران أجر السر وأجر العلانية ، وقال الغزالي : نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء ، ولكن ظهرت له بعده رغبة في الإظهار فتحدث به وأظهره فهذا مخوف ، وفي الأخبار والآثار ما يدل على أنه محبط ، ويمكن حملها على أن هذا دليل علي أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد الرياء وقصده لما أن ظهر منه التحدث به ، إذ يبعد أن يكون ما يطرء بعد العمل مبطلا للثواب ، بل الأقيس أن يقال أنه مثاب على عمله الذي مضى ومعاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها ، بخلاف ما لو تغير عقده إلى الرياء قبل الفراغ فإنه مبطل.

ثم قال المحقق المذكور : وأما إذا ورد وارد الرياء قبل الفراغ من الصلاة مثلا ، وكان قد عقد على الإخلاص ، ولكن ورد في أثنائها وارد الرياء فلا يخلو إما أن يكون مجرد سرور لا يؤثر في العمل فهو لا يبطله ، وأما أن يكون رياء باعثا على العمل ، وختم به العمل ، فإذا كان كذلك حبط أجره ، ومثاله أن يكون في تطوع فتجددت له نظارة أو حضر ملك من الملوك وهو يشتهي أن ينظر إليه أو يذكر شيئا نسيه من ماله ، وهو يريد أن يطلبه ، ولو لا الناس لقطع الصلاة فاستتمها خوفا من مذمة الناس فقد حبط أجره وعليه الإعادة إن كان في فريضة وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العمل كالوعاء إذا طاب آخره طاب أوله ، أي النظر إلى خاتمته ، وروي من راءى بعمله ساعة حبط عمله الذي كان قبله ، وهو منزل على الصلاة في هذه الصورة ، لا على

٩٦

الصدقة ولا على القراءة فإن كل جزء منها منفرد ، فما يطرء يفسد الباقي دون الماضي والصوم والحج من قبيل الصلاة.

فأما إذا كان وارد الرياء بحيث لا يمنعه من قصد الاستتمام لأجل الثواب كما لو حضر جماعة في أثناء صلاة ففرح بحضورهم ، واعتقد الرياء وقصد تحسين الصلاة لأجل نظرهم ، وكان لو لا حضورهم لكان يتمها أيضا فهذا رياء قد أثر في العمل ، وانتهض باعثا على الحركات فإن غلب حتى انمحق معه الإحساس بقصد العبادة والثواب ، وصار قصد العبادة مغمورا فهذا أيضا ينبغي أن يفسد العبادة مهما مضى ركن من أركانها على هذا الوجه ، لأنا نكتفي بالنية السابقة عند الإحرام بشرط أن لا يطرء ما يغلبها ويغمرها ، ويحتمل أن يقال لا تفسد العبادة نظرا إلى حالة العقد وإلى بقاء أصل قصد الثواب وإن ضعف بهجوم قصد هو أغلب منه ، والأقيس أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل صادرا عن باعث الدين ، وإنما انضاف إليه سرور بالاطلاع فلا يفسد العمل ، لأنه لم ينعدم به أصل نيته ، وبقيت تلك النية باعثة على العمل ، وحاملة على الإتمام ، وروي في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام ما يدل عليه.

وأما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا الخلق ، وأما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساويا لقصد الثواب أو أغلب منه ، أما إذا كان ضعيفا بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة وسائر الأعمال ، ولا ينبغي أن تفسد الصلاة ، ولا يبعد أيضا أن يقال : إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله ، والخالصة ما لا يشوبه شيء ، فلا يكون مؤديا للواجب مع هذا الشوب والعلم عند الله فيه ، فهذا حكم الرياء الطاري بعد عقد العبادة ، إما قبل الفراغ أو بعده.

القسم الثالث : الذي يقارن حال العقد بأن يبتدئ الصلاة على قصد الرياء ، فإن

٩٧

تم عليه حتى يسلم فلا خلاف في أنه يعصي ولا يعتد بصلاته ، وإن ندم عليه في أثناء ذلك واستغفر ورجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه ، قالت فرقة لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف ، وقالت فرقة تلزمه إعادة الأفعال كالركوع والسجود ويفسد أعماله دون تحريمة الصلاة لأن التحريم عقد والرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقدا ، وقالت فرقة : لا تلزمه إعادة شيء بل يستغفر الله بقلبه ويتم العبادة على الإخلاص ، والنظر إلى خاتمة العبادة ، كما لو ابتدأها بالإخلاص وختم بالرياء لكان يفسد عمله ، وشبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة ، فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل ، فقالوا : إن الصلاة والركوع والسجود لا يكون إلا لله ، ولو سجد لغير الله لكان كافرا ، ولكن قد اقترن به عارض الرياء.

ثم إن زال بالندم والتوبة وصار إلى حالة لا يبالي بحمد الناس وذمهم فتصح صلاته ، ومذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جدا ، خصوصا من قال يلزمه إعادة الركوع والسجود دون الافتتاح ، لأن الركوع والسجود إن لم يصح صارت أفعالا زائدة في الصلاة فتبطل الصلاة ، وكذلك قول من يقول لو ختم بالإخلاص صح نظرا إلى الآخر فهو أيضا ضعيف ، لأن الرياء يقدح في النية وأولى الأوقات بمراعاة أحكام النية حالة الافتتاح ، فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال : إن كان باعثه مجرد الرياء في ابتداء العقد دون طلب الثواب وامتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه ، ولم يصح ما بعده ، وذلك من إذا خلا بنفسه لم يصل ولما رآه الناس يحرم بالصلاة ، وكان بحيث لو كان ثوبه أيضا نجسا كان يصلي لأجل الناس ، فهذه صلاة لا نية فيها إذ النية عبارة عن إجابة باعث الدين ، وهيهنا لا باعث ولا إجابة.

فأما إذا كان بحيث لو لا الناس أيضا لكان يصلي إلا أنه ظهرت له الرغبة في المحمدة أيضا فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة أو قراءة وما ليس فيه تحليل وتحريم ، أو في عقد صلاة وحج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث

٩٨

الرياء وأطاع بإجابة باعث الثواب ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، وله ثواب بقدر قصده الصحيح ، وعقاب بقدر قصده الفاسد ، ولا يحبط أحدهما الآخر ، وإن كان في صلاة يقبل الفساد بتطرق خلل إلى النية فلا يخلو إما أن يكون نفلا أو فرضا ، فإن كانت نفلا فحكمها أيضا حكم الصدقة فقد عصى من وجه وأطاع من وجه ، إذا اجتمع في قلبه الباعثان ، وأما إذا كان في فرض واجتمع الباعثان وكان كل واحد منهما لا يستقل ، وإنما يحصل الانبعاث بمجموعهما فهذا لا يسقط الواجب عنه ، لأن الإيجاب لم ينتهض باعثا في حقه بمجرده واستقلاله وإن كان كل باعث مستقلا حتى لو لم يكن باعث الرياء لأدى الفرض ، ولو لم يكن باعث الفرض لأنشأ صلاة تطوعا لأجل الرياء فهذا في محل النظر وهو محتمل جدا فيحتمل أن يقال : أن الواجب صلاة خالصة لوجه الله ، ولم يؤد الواجب الخالص ، ويحتمل أن يقال : أن الواجب امتثال الأمر بواجب مستقل بنفسه وقد وجد ، فاقتران غيره به لا يمنع سقوط الفرض عنه ، كما لو صلى في دار مغصوبة فإنه وإن كان عاصيا بإيقاع الصلاة في الدار المغصوبة فإنه مطيع بأصل الصلاة ومسقط للفرض عن نفسه ، وتعارض الاحتمال في تعارض البواعث في أصل الصلاة.

أما إذا كان الرياء في المبادرة مثلا دون أصل الصلاة ، مثل من بادر في الصلاة في أول الوقت لحضور الجماعة ، ولو خلا لأخرها إلى وسط الوقت ، ولو لا الفرض لكان لا يبتدأ صلاة لأجل الرياء ، فهذا مما يقطع بصحة صلاته ، وسقوط الفرض به لأن باعث أصل الصلاة من حيث إنها صلاة لم يعارضها غيره ، بل من حيث تعيين الوقت ، فهذا أبعد من القدح في النية.

هذا في رياء يكون باعثا على العمل وحاملا عليه ، فأما مجرد السرور باطلاع الناس إذا لم يبلغ أثره حيث يؤثر في العمل فبعيد أن يفسد الصلاة فهذا ما نراه

٩٩

لائقا بقانون الفقه والمسألة غامضة من حيث أن الفقهاء لم يتعرضوا لها في فن الفقه ، والذين خاضوا فيه وتصرفوا لم يلاحظوا قوانين الفقه ، ومقتضى فتاوى العلماء في صحة الصلاة وفسادها ، بل حملهم الحرص على تصفية القلوب وطلب الإخلاص على إفساد العبادات بأدنى الخواطر ، وما ذكرناه هو الأقصد فيما نراه والعلم عند الله تعالى ، انتهى كلامه.

وقال الشهيد قدس الله روحه في قواعده : النية يعتبر فيها القربة ، ودل عليه الكتاب والسنة ، قال تعالى : «وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ »(١) والإخلاص فعل الطاعة خالصة لله وحده ، وهنا غايات ثمان :

فالأول الرياء ، ولا ريب في أنه مخل بالإخلاص فيتحقق الرياء بقصد مدح الرائي أو الانتفاع به ، أو دفع ضرره ، فإن قلت : فما تقول في العبادة المشوبة بالتقية؟ قلت : أصل العبادة واقع على وجه الإخلاص وما فعل منها تقية فإن له اعتبارين بالنظر إلى أصله ، وهو قربة ، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر ، وهو لازم لذلك فلا يقدح في اعتباره ، أما لو فرض إحداثه صلاة مثلا تقية فإنها من باب الرياء.

الثاني قصد الثواب أو الخلاص من العقاب أو قصدهما معا.

الثالث فعلها شكرا لنعم الله تعالى واستجلابا لمزيده.

الرابع فعلها حياء من الله تعالى.

الخامس فعلها حبا(٢) لله تعالى.

السادس فعلها تعظيما لله تعالى ومهابة وانقيادا وإجابة.

السابع فعلها موافقة لإرادته وطاعة لأمره.

الثامن فعلها لكونه أهلا للعبادة ، وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) وفي بعض النسخ « حياء » بدل « حبا ».

١٠٠

بها معتبرة وهي أكمل مراتب الإخلاص وإليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ، ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.

وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب بكون العبادة لا يفسد بقصدها(١) وكذا ينبغي أن يكون غاية الحياء والشكر ، وباقي الغايات الظاهر أن قصدها مجز لأن الغرض بها الله في الجملة ، ولا يقدح كون تلك الغايات باعثة على العبادة أعني الطمع والرجاء والشكر والحياء ، لأن الكتاب والسنة مشتملة على المرهبات من الحدود والتعزيرات والذم والإيعاد بالعقوبات ، وعلى المرغبات من المدح والثناء في العاجل ونعيمها في الآجل ، وأما الحياء فغرض مقصود وقد جاء في الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استحيوا من الله حق الحياء ، أعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة ، وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام وقد قال له ذعلب اليماني ـ بالذال المعجمة المكسورة والعين المهملة الساكنة ، واللام المكسورة ـ هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام أفأعبد ما لا أرى؟ فقال : وكيف تراه؟ فقال : لا يدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن يدركه القلوب بحقائق الإيمان ، قريب من الأشياء غير ملامس ، بعيد منها غير مباين ، متكلم بلا رؤية ، مريد بلا هم ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، بصير لا يوصف بالحاسة ، رحيم لا يوصف بالرقة ، تعنو الوجوه لعظمته ، وتجل القلوب من مخافته.

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والإكرام التي عليها مدار علم الكلام ، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية ، ويفسر معنى الرؤية وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن ، وإن لم يكن تمام الغاية ،

__________________

(١) وفي بعض النسخ « فاسد بقصدها ».

١٠١

وكذلك الخوف منه تعالى.

ثم لما كان الركن الأعظم في النية هو الإخلاص ، وكان انضمام تلك الأربعة غير قادح فيه فخليق أن يذكر ضمائم آخر وهي أقسام : الأول ما يكون منافية له كضم الرياء ويوصف بسببه العبادة بالبطلان بمعنى عدم استحقاق الثواب ، وهل يقع مجزيا بمعنى سقوط التعبد به والخلاص من العقاب؟ الأصح أنه لا يقع مجزيا ولم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى قدس الله لطيفه ، فإن ظاهره الحكم بالإجزاء في العبادة المنوي بها الرياء.

الثاني : ما يكون من الضمائم لازما للفعل كضم التبرد والتسخن أو التنظيف إلى نية القربة ، وفيه وجهان ينظران إلى عدم تحقق معنى الإخلاص ، فلا يكون الفعل مجزيا وإلى أنه حاصل لا محالة فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه وهذا الوجه ظاهر أكثر الأصحاب ، والأول أشبه ، ولا يلزم من حصوله نية حصوله.

ويحتمل أن يقال : إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد عند الابتداء في الفعل لم يضر ، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراد ضم القربة لم يجز ، وكذا إذا كان الباعث مجموع الأمرين لأنه لا أولوية فتدافعا فتساقطا فكأنه غير ناو ، ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى القربة في الصوم ، وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

الثالث : ضم ما ليس بمناف ولا لازم كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية التقرب في الطهارة أو إرادة الأكل ، ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه الأشياء ، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف ، وهذه الأشياء وإن لم يستحب لها الطهارة بخصوصياتها إلا أنهما داخلة فيما يستحب لعمومه ، وفي هذه الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني وأولى بالبطلان ، لأن ذلك

١٠٢

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله

تشاغل عما يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه.

ثم قال (ره) : يجب التحرز من الرياء فإنه يلحق العمل بالمعاصي ، وهو قسمان جلي وخفي فالجلي ظاهر ، والخفي إنما يطلع عليه أولو المكاشفة والمعاملة لله ، كما يروى عن بعضهم أنه طلب الغزو وتاقت نفسه إليه فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم : فلان غاز ، فتركه فتئقت نفسه إليه ، فأقبل يعرض على ذلك الرياء حتى أزاله ، ولم يزل يتفقدها شيئا بعد شيء حتى وجد الإخلاص مع بقاء الانبعاث فاتهم نفسه وتفقد أحوالها فإذا هو يحب أن يقال مات فلان شهيدا لتحسن سمعته في الناس بعد موته ، وقد يكون ابتداء النية إخلاصا وفي الأثناء يحصل الرياء ، فيحب التحرز منه ، فإنه مفسد للعمل ، نعم لا يكلف بضبط هواجس النفس وخواطرها بعد إيقاع النية في الابتداء خالصة ، فإن ذلك معفو عنه ، كما جاء في الحديث : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها.

وأقول : قد مر بعض القول في ذلك في باب الإخلاص.

الحديث الثاني : حسن موثق وقد مر مثله في الرابع من باب ترك دعاء الناس.

« اجعلوا أمركم هذا » أي التشيع« لله » أي خالصا له« ولا تجعلوه للناس » لا بالانفراد ولا بالاشتراك« فإنه ما كان لله » أي خالصا له «فهو لله » أي يصعد إليه ويقبله وعليه أجره« وما كان للناس » ولو بالشركة« فلا يصعد إلى الله » أي لا يدفعه الملائكة ولا يثبتونه في ديوان الأبرار كما قال تعالى : «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ »(١) والصعود إليه كناية عن القبول.

__________________

(١) سورة المطفّفين : ١٨.

١٠٣

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن يزيد بن خليفة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كل رياء شرك إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل لله كان ثوابه على الله.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ

الحديث الثالث : ضعيف.

« كل رياء شرك » هذا هو الشرك الخفي فإنه لما أشرك في قصد العبادة غيره تعالى فهو بمنزلة من أثبت معبودا غيره سبحانه كالصنم« كان ثوابه على الناس » أي لو كان ثوابه لازما على أحد كان لازما عليهم ، فإنه تعالى قد شرط في الثواب الإخلاص ، فهو لا يستحق منه تعالى شيئا أو أنه تعالى يحيله يوم القيامة على الناس.

الحديث الرابع : مجهول.

«فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ » قال الطبرسي (ره) : أي فمن كان يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمله ويقر بالبعث إليه والوقوف بين يديه ، وقيل : معناه فمن كان يخشى لقاء عقاب ربه ، وقيل : إن الرجاء يشتمل على كلا المعنيين الخوف والأمل «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » من ملك أو بشر أو حجر أو شجر ، وقيل : معناه لا يرائي عبادته أحدا عن ابن جبير ، وقال مجاهد : جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به؟ فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقل شيئا فنزلت الآية ، قال عطاء عن ابن عباس : إن الله تعالى قال : ولا يشرك به ، لأنه أراد العمل الذي يعمل لله ، ويحب أن يحمد عليه ، قال : ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصل بها ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : قال الله عز وجل : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه

١٠٤

رَبِّهِ أَحَداً »(١) قال الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه ثم قال ما من عبد أسر خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر

غيري فأنا منه بريء ، فهو الذي أشرك ، أورده مسلم في الصحيح ، وروى عن عبادة الصامت وشداد بن الأوس قالا : سمعنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك ، ومن صام صوما يرائي بها فقد أشرك ، ثم قرأ هذه الآية وروي أن أبا الحسن الرضاعليه‌السلام دخل يوما على المأمون فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء فقال : لا تشرك بعبادة ربك أحدا ، فصرف المأمون الغلام وتولى إتمام وضوئه بنفسه ، انتهى.

وأقول : الرواية الأخيرة تدل على أن المراد بالشرك هنا الاستعانة في العبادة ، وهو مخالف لسائر الأخبار ، ويمكن الجمع بحملها على الأعم منها فإن الإخلاص التام هو أن لا يشرك في القصد ولا في العمل غيره سبحانه« تزكية الناس » أي مدحهم« أن يسمع » على بناء الأفعال.

« ما من عبد أسر خيرا » أي عمل صالحا بأن أخفاه عن الناس لئلا يشوب بالرياء ، أو أخفى في قلبه نية حسنة خالصة« فذهبت الأيام أبدا » قوله : أبدا متعلق بالنفي في قوله : ما من عبد.

« حتى يظهر الله له خيرا » حتى للاستثناء ، أي يظهر الله ذلك العمل الخفي للناس أو تلك النية الحسنة ، وصرف قلوبهم إليه ليمدحوه ويوقروه فيحصل له مع ثناء الله ثناء الناس ، وعلى الاحتمال الأول يدل على أن إسرار الخير أحسن من إظهاره ، ولكل فائدة ، أما فائدة الأسرار فالتحرز من الرياء ، وأما فائدة الإظهار من إظهاره ، ولكل فائدة ، أما فائدة الأسرار فالتحرز من الرياء ، وأما فائدة الإظهار فترغيب الناس في الاقتداء به ، وتحريكهم إلى فعل الخير ، وقد مدح الله كليهما ،

__________________

(١) سورة الكهف : ١١٠.

١٠٥

شرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له شرا.

وفضل الإسرار في قوله سبحانه : «إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ »(١) ويظهر من بعض الأخبار أن الإخفاء في النافلة أفضل والإبداء في الفريضة أحسن ، ويمكن القول باختلاف ذلك بحسب اختلاف أحوال الناس ، فمن كان آمنا من الرياء فالإظهار منه أفضل ومن لم يكن آمنا فالإخفاء أفضل ، والأول أظهر لتأييده بالخبر.

قال المحقق الأردبيلي (ره) : المشهور بين الأصحاب أن الإظهار في الفريضة أولى سيما في المال الظاهر ، ولمن هو محل التهمة لرفع تهمة عدم الدفع وبعده عن الرياء ، ولأن يتبعه الناس في ذلك ، والإخفاء في غيرها ليسلم من الرياء ، والمروي عن ابن عباس أن صدقة التطوع إخفاؤها أفضل ، وأما المفروضة فلا يدخلها الرياء ويلحقها تهمة المنع بإخفائها فإظهارها أفضل.

وما رواه في مجمع البيان عن علي بن إبراهيم بإسناده إلى الصادقعليه‌السلام قال : الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية وغير الزكاة إن دفعها سرا فهو أفضل ، فإن ثبت صحته أو صحة مثله فتخصص الآية ، وتفصل به ، وإلا فهي على عمومها ، ومعلوم دخول الرياء في الزكاة المفروضة كما في سائر العبادات المفروضة ، ولهذا اشترط في النية عدمه ولو تمت التهمة لكانت مختصة بمن يتهم ، ( انتهى ).

« وما من عبد يسر شرا » أي عملا قبيحا أو رياء في الأعمال الصالحة فإن الله يفضحه بهذا العمل القبيح إن داوم عليه ولم يتب عند الناس ، وكذا الرياء الذي أصر عليه فيترتب على إخفائه نقيض مقصوده على الوجهين.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧١.

١٠٦

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن عرفة قال قال لي الرضاعليه‌السلام ويحك يا ابن عرفة اعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ويحك ما عمل أحد عملا إلا رداه الله إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

الحديث الخامس : كالسابق.

وفي النهاية :ويح كلمة ترحم وتوجع يقال : لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر ، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف ، انتهى.

والسمعة بالضم وقد يفتح يكون على وجهين أحدهما أن يعمل عملا ويكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أن الرياء هو أن يعمل ليراه الناس فهو قريب من الرياء بل نوع منه ، وثانيهما أن يسمع عمله الناس بعد الفعل ، والمشهور أنه لا يبطل عمله بل ينقص ثوابه أو يزيله كما سيأتي وكان المراد هنا الأول ، في القاموس : وما فعله رياء ولا سمعة وتضم وتحرك ، وهي ما نوه ليرى ويسمع ، انتهى.

« إلى من عمل » أي إلى من عمل له ، وفي بعض النسخ إلى ما عمل أي إلى عمله أي لا ثواب له إلا أصل عمله وما قصده به أو ليس له إلا التعب« إلا رداه الله به » رداه تردية ألبسه الرداء أي يلبسه الله رداء بسبب ذلك العمل ، فشبهعليه‌السلام الأثر الظاهر على الإنسان بسبب العمل بالرداء ، فإنه يلبس فوق الثياب ولا يكون مستورا بثوب آخر« إن خيرا فخيرا » (١) أي إن كان العمل خيرا كان الرداء خيرا وإن كان العمل شرا كان الرداء شرا.

والحاصل أن من عمل شرا إما بكونه في نفسه شرا أو بكونه مشوبا بالرياء يظهر الله أثر ذلك عليه ، ويفضحه بين الناس وكذا إذا عمل عملا خيرا وجعله لله خالصا ألبسه الله أثر ذلك العمل وأظهر حسنه للناس كما مر في الخبر السابق ، وقيل : شبه

__________________

(١) وفي المتن « فخير » وفيما بعده أيضا « فشر ».

١٠٧

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن يزيد قال إني لأتعشى مع أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ تلا هذه الآية «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ

العمل بالرداء في الإحاطة والشمول إن خيرا فخيرا أي إن كان عمله خيرا فكان جزاؤه خيرا ، وكذا الشر وربما يقرأ ردأه بالتخفيف والهمز ، يقال : رداه به أي جعله له ردءا وقوة وعمادا ، ولا يخفى ما فيهما من الخبط والتصحيف وسيأتي ما يأبى عنهما.

الحديث السادس : صحيح.

والتعشي أكل الطعام آخر النهار أو أول الليل ، في القاموس العشي والعشية آخر النهار ، والعشاء كسماء طعام العشي وتعشى أكله «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » قال البيضاوي : أي حجة بينة على أعمالها لأنه شاهد بها ، وصفها بالبصارة على سبيل المجاز أو عين بصيرة بها ، فلا يحتاج إلى الإنباء «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » أي ولو جاء بكل ما يمكن أن يعتذر به ، جمع معذار وهو العذر أو جمع معذرة على غير قياس كالمناكير في المنكر ، فإن قياسه معاذر ، انتهى.

والتوجيه الأول لبصيرة لأكثر المفسرين ، والثاني نقله النيسابوري عن الأخفش ، فإنه جعل الإنسان بصيرة كما يقال : فلان كرم لأنه يعلم بالضرورة متى رجع إلى عقله أن طاعة خالقه واجبة ، وعصيانه منكر ، فهو حجة على نفسه بعقله السليم ونقل عن أبي عبيدة أن التاء للمبالغة كعلامة ، وقال في قوله تعالى : «وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » هذا تأكيد أي ولو جاء بكل معذرة يحاج بها عن نفسه فإنها لا تنفعا لأنها لا تخفى شيئا من أفعاله فإن نفسه وأعضائه تشهد عليه.

قال : قال الواحدي والزمخشري : المعاذير اسم جمع للمعذرة كالمناكير للمنكر ولو كان جمعا لكان معاذر بغير ياء ، ونقل عن الضحاك والسدي أن المعاذير جمع المعذار وهو الستر ، والمعنى أنه وإن أسبل الستور أن يخفى شيء من عمله ، قال الزمخشري

١٠٨

بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ »(١) يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى الله عز وجل بخلاف ما يعلم الله تعالى ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول الله عز وجل اجعلوها في سجين إنه ليس إياي أراد بها.

إن صح هذا النقل فالسبب في التسمية أن الستر يمنع رؤية المحتجب كما يمنع المعذرة عقوبة المذنب ، انتهى.

« يا أبا حفص » أي قال ذلك« ما يصنع الإنسان » استفهام على الإنكار والغرض التنبيه على أنه لا ينفعه في آخرته ولا في دنياه أيضا لما سيأتي« أن يتقرب إلى الله » أي يفعل ما يفعله المتقرب ويأتي بما يتقرب به وإن كان ينوي به أمرا آخر ،« بخلاف ما يعلم الله » أي من باطنه فإنه يظهر ظاهرا أنه يعمل العمل لله ، ويعلم الله من باطنه أنه يفعله لغير الله ، أو أنه ليس خالصا لله ، وقيل : المعنى التقرب بهذا العمل المشترك إلى الله تعالى تقرب بخلاف ما يعلم الله أنه موجب للتقرب ، والسريرة ما يكتم« رداه الله رداءها » كأنه جرد التردية عن معنى الرداء واستعمل بمعنى الإلباس وسيأتي « ألبسه الله » وقد مر أنه أستعير الرداء للحالة التي تظهر على الإنسان وتكون علامة لصلاحه وفساده.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

والابتهاج السرور ، والباء فيقوله : بعمل وبحسناته للملابسة ويحتمل التعديةوقوله : ليصعد أي يشرع في الصعود ،وقوله : فإذا صعد أي تم صعوده ووصل إلى موضع يعرض فيه الأعمال على الله تعالى ، وقوله : بحسناته من قبيل وضع المظهر موضع المضمر تصريحا بأن العمل من جنس الحسنات أو هو منها بزعمه ، أي أثبتوا تلك

__________________

(١) سورة القيامة : ١٤.

١٠٩

٨ ـ وبإسناده قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ثلاث علامات للمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده ويحب أن يحمد في جميع أموره.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن علي بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال الله عز وجل أنا خير شريك

الأعمال التي تزعمون أنها حسنات من ديوان الفجار الذي هو في سجين كما قال الله تعالى : «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ »(١) وفي القاموس : سجين كسكين موضع فيه كتاب الفجار ، وواد في جهنم أعاذنا الله منها أو حجر في الأرض السابعة وقال البيضاوي «إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ » ما يكتب من أعمالهم «لَفِي سِجِّينٍ » كتاب جامع لإعمال الفجرة من الثقلين كما قال : «وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ، كِتابٌ مَرْقُومٌ » أي مسطور بين الكتابة ، ثم قال : وقيل : هو اسم المكان والتقدير ما كتاب السجين أو محل كتاب مرقوم فحذف المضاف« اجعلوها » الخطاب إلى الملائكة الصاعدين ، فالمراد بالملك أولا الجنس أو إلى ملائكة الرد والقبول ، والضمير المنصوب للحسنات« ليس إياي أراد » تقديم الضمير للحصر ، أي لم يكن مراده أنا فقط بل أشرك معي غيري.

الحديث الثامن : كالسابق.

وفي القاموس :نشط كسمع نشاطا بالفتح طابت نفسه للعمل وغيره ، وقال :الكسل محركة التثاقل عن الشيء والفتور فيه ، كسل كفرح ، انتهى.

والنشاط يكون قبل العمل وباعثا للشروع فيه ، ويكون بعده وسببا لتطويله وتجويده« في جميع أموره » أي في جميع طاعاته وتركه للمنهيات أو الأعم منها ومن أمور الدنيا.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

« أنا خير شريك » لأنه سبحانه غني لا يحتاج إلى الشركة وإنما يقبل

__________________

(١) سورة المطفّفين : ٧.

١١٠

من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن داود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له.

١١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن فضل أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسر سيئا أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك والله عز وجل يقول : «بَلِ الْإِنْسانُ

الشركة من لم يكن غنيا بالذات ، فلا يقبل العمل المخلوط لرفعته وغناه ، أو المراد أني محسن إلى الشركاء أدع إليهم ما كان مشتركا بيني وبينهم ولا أقبله ، وقيل : على هذا الكلام مبني على التشبيه ، والاستثناء في قوله : إلا ما كان ، منقطع.

الحديث العاشر : مختلف فيه.

« وبارز الله » كان المراد به أبرز وأظهر لله بما كرهه الله من المعاصي ، فإن ما يفعله في الخلوة يراه الله ويعلمه ، والمستفاد من اللغة أنه من المبارزة في الحرب فإن من يعصي الله سبحانه بمرأى منه ومسمع ، فكأنه يبارزه ويقاتله ، في القاموس بارز القرن مبارزة وبرازا برز إليه.

الحديث الحادي عشر : صحيح بسنده الأول والثاني ضعيف.

« ويسر سيئا » أي نية سيئة ورياء أو أعمالا قبيحة والأول أظهر ، فيعلم أن ذلك ليس كذلك أي يعلم أن عمله ليس بمقبول لسوء سريرته وعدم صحة نيته« إن السريرة إذا صحت » أي إن النية إذا صحت ،قويت الجوارح على العمل ، كما ورد لا يضعف بدن عما قويت عليه النية ، وروي أن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ألا وهي القلب ، لكن هذا المعنى لا يناسب هذا المقام كما لا يخفى ، ويمكن أن يكون المراد بالقوة القوة المعنوية أي صحة العمل وكمالها ،

١١١

عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ » إن السريرة إذا صحت قويت العلانية.

الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة ، عن معاوية ، عن الفضيل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من عبد يسر خيرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر شرا إلا لم تذهب الأيام حتى يظهر الله له شرا.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن يحيى بن بشير ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أراد الله عز وجل بالقليل من عمله أظهر الله له أكثر مما أراد ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه

وقيل : المرادبالعلانية الرداء المذكور سابقا ، أي أثر العمل.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى قوة العلانية على العمل دائما ، لا بمحضر الناس فقط.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور وقد مر.

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

« أظهر الله له » في بعض النسخ أظهره الله له ، فالضمير للقليل أو للعمل ، وأكثر صفة للمفعول المطلق المحذوف« مما أراد » أي مما أراد الله به ، والمراد إظهاره على الناس ، ونسبة السهر إلى الليل على المجاز ، وضمير يقلله للكثير أو للعمل ، وقد يقال : الضمير للموصول فالتقليل كناية عن التحقير كما روي أن رجلا من بني إسرائيل قال : لأعبدن الله عبادة أذكر بها فمكث مدة مبالغا في الطاعات وجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا متصنع مراء فأقبل على نفسه وقال : قد أتعبت نفسك

١١٢

وسهر من ليله أبى الله عز وجل إلا أن يقلله في عين من سمعه.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمر بن يزيد

وضيعت عمرك في لا شيء فينبغي أن تعمل لله سبحانه ، فغير نيته وأخلص عمله لله فجعل لا يمر بملإ من الناس إلا قالوا ورع تقي.

الحديث الرابع عشر : كالسابق أيضا.

« سيأتي » السين للتأكيد أو للاستقبال القريب« يخبث » كيحسن« سرائرهم » بالمعاصي أو بالنيات الخبيثة الريائية« طمعا » مفعول له ليحسن« لا يريدون به » الضمير لحسن العلانية أو للعمل المعلوم بقرينة المقام« يكون دينهم » أي عباداتهم الدينية أو أصل إظهار الدين« رياء » لطلب المنزلة في قلوب الناس ، والباء فيقوله : « بعقاب » للتعدية« دعاء الغريق » أي كدعاء من أشرف على الغرق ، فإن الإخلاص والخضوع فيه أخلص من سائر الأدعية لانقطاع الرجاء من غيره سبحانه ، وما قيل : من أن المعنى من غرق في ماء دموعه فلا يخفى بعده ، وعدم الإجابة لعدم عملهم بشرائطها وعدم وفائهم بعهوده تعالى ، كما قال تعالى : «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ » وسيأتي الكلام فيه في كتاب الدعاء إنشاء الله ، ولا يبعد أن يكون العقاب إشارة إلى غيبة الإمامعليه‌السلام .

الحديث الخامس عشر : صحيح.

وقد مر بعينه سندا ومتنا ولا اختلاف إلا في قوله : أن يعتذر إلى الناس ، وقوله : ألبسه الله ، وكأنه أعاده لاختلاف النسخ في ذلك وهو بعيد ، ولعله كان على السهو ، وما هنا كأنه أظهر في الموضعين ، والاعتذار إظهار العذر وطلب قبوله ، وقيل

١١٣

قال إني لأتعشى مع أبي عبد اللهعليه‌السلام إذ تلا هذه الآية «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ » يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس بخلاف ما يعلم الله منه إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول من أسر سريرة ألبسه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال الإبقاء على العمل أشد من العمل قال وما الإبقاء على العمل قال يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له

لعل المراد به هو الحث على التسوية بين السريرة والعلانية ، بحيث لا يفعل سرا ما لو ظهر لاحتاج إلى العذر. ومن البين أن الخير لا يحتاج إلى العذر وإنما المحتاج إليه هو الشر ، ففيه ردع عن تعلق السر بالشر مخالفا للظاهر ، وهذا كما قيل لبعضهم : عليك بعمل العلانية ، قال : وما عمل العلانية؟ قال : ما إذا اطلع الناس عليك لم تستحي منه ، وهذا مأخوذ من كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام على ما ذكره صاحب العدة (ره) حيث يقولعليه‌السلام : إياك وما تعتذر منه فإنه لا تعتذر من خير ، وإياك وكل عمل في السر تستحيي منه في العلانية ، وإياك وكل عمل إذا ذكر لصاحبه أنكره.

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« الإبقاء على العمل » أي حفظه ورعايته والشفقة عليه من ضياعه ، في النهاية :

يقال أبقيت عليه أبقى إبقاء إذا رحمته وأشفقت عليه والاسم البقيا ، وفي الصحاح أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه ورحمته.

قوله عليه‌السلام : يصل ، هو بيان لترك الإبقاء ليعرف الإبقاء فإن الأشياء تعرف بأضدادها« فتكتب » على بناء المجهول ، والضمير المستتر راجع إلى كل من الصلة والنفقة ، وسرا وعلانية ورياء كل منها منصوب ومفعول ثان لتكتب ، وقوله : فتمحى على بناء المفعول من باب الأفعال ، ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم من باب الافتعال

١١٤

فكتب له سرا ثم يذكرها وتمحى فتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء.

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه اخشوا الله خشية ليست بتعذير واعملوا لله في غير رياء ولا سمعة فإنه من عمل

بقلب التاء ميما« فتكتب له علانية » أي يصير ثوابه أخف وأقل« وتكتب له رياء » أي يبطل ثوابه بل يعاقب عليه ، وقيل : كما يتحقق الرياء في أول العبادة ووسطها كذلك يتحقق بعد الفراغ منها ، فيجعل ما فعل لله خالصا في حكم ما فعل لغيره فيبطلها كالأولين عند علمائنا ، بل يوجب الاستحقاق للعقوبة أيضا عند الجميع.

وقال الغزالي : لا يبطلها لأن ما وقع صحيحا فهو صحيح لا ينتقل من الصحة إلى الفساد ، نعم الرياء بعده حرام يوجب استحقاق العقوبة ، وقد مر بسط القول فيهالحديث السابع عشر : كالسابق.

« خشية ليست بتعذير » أقول : هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأول : ما ذكره المحدث الأسترآبادي (ره) حيث قال : إذا فعل أحد فعلا من باب الخوف ولم يرض به فخشيته خشية تعذير وخشية كراهية ، وإن رضي به فخشيته خشية رضى أو خشية محبة.

الثاني : أن يكون التعذير بمعنى التقصير بحذف المضاف أي ذات تعذير ، أي لم تكونوا مقصرين في الخشية ، أو الباء للملابسة أي بمعنى مع ، قال في النهاية : التعذير التقصير ، ومنه حديث بني إسرائيل : كانوا إذا عمل فيهم بالمعاصي نهوهم تعذيرا أي نهيا قصروا فيه ولم يبالغوا ، وضع المصدر موضع اسم الفاعل حالا كقولهم جاء مشيا ، ومنه حديث الدعاء : وتعاطي ما نهيت عنه تعذيرا.

الثالث : أن يكون التعذير بمعنى التقصير أيضا ، ويكون المعنى لا تكون خشيتكم بسبب التقصيرات الكثيرة في الأعمال بل تكون مع بذل الجهد في الأعمال

١١٥

لغير الله وكله الله إلى عمله.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسره ذلك فقال لا بأس ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك.

كما ورد في صفات المؤمن يعمل ويخشى.

الرابع : أن يكون المعنى تكون خشيتكم خشية واقعية لا إظهار خشية في مقام الاعتذار إلى الناس والعمل بخلاف ما تقتضيه كما مر في قولهعليه‌السلام : ما يصنع الإنسان أن يعتذر إلى الناس « إلخ » قال الجوهري : المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر من غير حقيقة له في العذر.

الخامس : ما ذكره بعض مشايخنا : أن المعنى اخشوا الله خشية لا تحتاجون معها في القيامة إلى إبداء العذر.

وكان الثالث أظهر الوجوه« وكله الله إلى عمله » أي يرد عمله عليه فكأنه وكله إليه ، أو بحذف المضاف أي مقصود عمله أو شريك عمله أو ليس له إلا العناء والتعب كما مر.

الحديث الثامن عشر : حسن كالصحيح.

« ما من أحد » أي الإنسان مجبول على ذلك لا يمكنه رفع ذلك عن نفسه فلو كلف به لكان تكليفا بما لا يطاق« إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » أي لم يكن باعثه على أصل الفعل أو على إيقاعه على الوجه الخاص ظهوره في الناس ، وقد ورد نظير ذلك من طريق العامة عن أبي ذر أنه قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال : تلك عاجل بشرى المؤمن يعني البشرى المعجلة له في الدنيا ، والبشرى الأخرى قوله سبحانه : «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ

١١٦

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ »(١) .

وقيل : وهذا ينافي ما روي من طريقنا : ما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل لله ، وما روي من طريقهم عن ابن جبير في سبب نزول قوله تعالى : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ »(٢) « إلخ ». وقد مر وقد جمع بينهما صاحب العدة (ره) بأنه إن كان سروره باعتبار أنه تعالى أظهر جميلة عليهم أو باعتبار أنه استدل بإظهار جميلة في الدنيا على إظهار جميلة في الآخرة على رؤوس الإشهاد ، أو باعتبار أن الرائي قد يميل قلبه بذلك إلى طاعة الله تعالى ، أو باعتبار أنه يسلب ذلك اعتقادهم بصفة ذميمة له فليس ذلك السرور رياء وسمعة ، وإن كان سروره باعتبار رفع المنزلة أو توقع التعظيم والتوقير بأنه عابد زاهد وتزكيتهم له إلى غير ذلك من التدليسات النفسانية والتلبيسات الشيطانية فهو رياء ناقل للعمل من كفة الحسنات إلى كفة السيئات ، انتهى.

وأقول : يمكن أن يكون ذلك باعتبار اختلاف درجات الناس ومراتبهم ، فإن تكليف مثل ذلك بالنظر إلى أكثر الخلق تكليف بما لا يطاق ، ولا ريب في اختلاف التكاليف بالنسبة إلى أصناف الخلق بحسب اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم.

__________________

(١) سورة الحديد : ١٢.

(٢) سورة الكهف : ١١.

١١٧

(باب )

(طلب الرئاسة )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر بن خلاد ، عن أبي الحسنعليه‌السلام أنه ذكر رجلا فقال إنه يحب الرئاسة فقال ما ذئبان ضاريان

باب طلب الرئاسة

الحديث الأول : صحيح.

« أنه ذكر رجلا » ضمائر « أنه » و « ذكر » و « فقال » أولا راجعة إلى معمر ويحتمل رجوعها إلى الإمامعليه‌السلام ، والرئاسة الشرف والعلو على الناس ، رأس الرجل يرأس مهموزا بفتحتين رئاسة شرف وعلى قدره ، فهو رئيس ، والجمع رؤساء مثل شريف وشرفاء ، والضاري السبع الذي اعتاد بالصيد وإهلاكه ، والرعاء بالكسر والمد جمع راع اسم فاعل ، وبالضم اسم جمع صرح بالأول صاحب المصباح ، وبالثاني القاضي وتفرق الرعاء لبيان شدة الضرر ، فإن الراعي إذا كان حاضرا يمنع الذئب عن الضرر ، ويحمى القطيع ، والظاهر أنقوله : في دين المسلم صلة للضرر المقدر أي ليس ضرر الذئبين في الغنم بأشد من ضرر الرئاسة في دين المسلم ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، ويؤيده ما سيأتي في باب حب الدنيا مثله هكذا : بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم ، وقيل : في دين المسلم حال عن الرئاسة قدم عليه ، ولا يخفى ما فيه.

وفيه تحذير عن طلب الرئاسة ، وللرئاسة أنواع شتى منها ممدوحة ومنها مذمومة ، فالممدوحة منها الرئاسة التي أعطاها الله تعالى خواص خلقه من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، لهداية الخلق وإرشادهم ، ورفع الفساد عنهم ، ولما كانوا معصومين مؤيدين بالعنايات الربانية فهم مأمونون من أن يكون غرضهم من ذلك تحصيل

١١٨

في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من الرئاسة.

الأغراض الدنية والأغراض الدنيوية ، فإذا طلبوا ذلك ليس غرضهم إلا الشفقة على خلق الله تعالى ، وإنقاذهم من المهالك الدنيوية والأخروية كما قال يوسفعليه‌السلام «اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ »(١) وأما سائر الخلق فلهم رئاسات حقة ورئاسات باطلة وهي مشتبهة بحسب نياتهم واختلاف حالاتهم فمنها القضاء والحكم بين الناس ، وهذا أمر خطير وللشيطان فيه تسويلات ، ولذا وقع التحذير عنه في كثير من الأخبار ، وأما من يأمن ذلك من نفسه ويظن أنه لا ينخدع من الشيطان فإذا كان في زمان حضور الإمام وبسط يدهعليه‌السلام وكلفه ذلك يجب عليه قبوله.

وأما في زمان الغيبة فالمشهور أنه يجب على الفقيه الجامع لشرائط الحكم والفتوى ارتكاب ذلك إما عينا وإما كفاية ، فإن كان غرضه من ارتكاب ذلك إطاعة إمامه والشفقة على عباد الله وإحقاق حقوقهم وحفظ فروجهم وأموالهم وأعراضهم عن التلف ولم يكن غرضه الترفع على الناس والتسلط عليهم ، ولا جلب قلوبهم وكسب المحمدة منهم ، فليست رئاسته رئاسة باطلة ، بل رئاسة حقة أطاع الله تعالى فيها ونصح إمامه ، ولو كان غرضه كسب المال الحرام وجلب قلوب الخواص والعوام وأمثال ذلك فهي الرئاسة الباطلة التي حذر عنها ، وأشد منها من ادعى ما ليس له بحق كالإمامة والخلافة ومعارضة أئمة الحق فإنه على حد الشرك بالله وقريب منه ما فعله الكذابون المتصنعون الذين كانوا في أعصار الأئمةعليه‌السلام وكانوا يصدون الناس عن الرجوع إليهم كالحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأضرابهم.

ومن الرئاسات المنقسمة إلى الحق والباطل ارتكاب الفتوى والتدريس

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٥.

١١٩

والوعظ ، فمن كان أهلا لتلك الأمور عالما(١) بما يقول متبعا للكتاب والسنة وكان غرضه هداية الخلق وتعليمهم مسائل دينهم فهو من الرئاسة الحقة ، ويحتمل وجوبه إما عينا أو كفاية ، ومن لم يكن أهلا لذلك ويفسر الآيات برأيه والأخبار مع عدم فهمها ، ويفتي الناس بغير علم فهو ممن قال الله سبحانه فيهم : «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً »(٢) وكذلك من هو أهل لتلك الأمور من جهة العلم لكنه مراء متصنع يحرف الكلم عن مواضعه ، ويفتي الناس بخلاف ما يعلم ، أو كان غرضه محض الشهرة وجلب القلوب أو تحصيل الأموال والمناصب فهو أيضا من الهالكين ، ومنها أيضا إمامة الجمعة والجماعة فهذا أيضا إن كان أهله وصحت نيته فهو من الرئاسات الحقة وإلا فهو أيضا من أهل الفساد.

والحاصل أن الرئاسة إن كانت بجهة شرعية ولغرض صحيح فهي ممدوحة وإن كانت على غير الجهات الشرعية أو مقرونة بالأغراض الفاسدة فهي مذمومة فهذه الأخبار محمولة على هذه الوجوه الباطلة ، أو على ما إذا كان المقصود نفس الرئاسة والتسلط.

قال بعض المحققين : معنى الجاه ملك القلوب والقدرة عليها ، فحكمها حكم ملك الأموال فإنه عرض من أعراض الحياة الدنيا وينقطع بالموت كالمال ، والدنيا مزرعة الآخرة فكل ما خلق الله من الدنيا فيمكن أن يتزود منه إلى الآخرة ، وكما أنه لا بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس ، فلا بد من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق ، والإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله ، فيجوز أن يحب

__________________

(١) الظاهر أنّ الصحيح « عاملا » بدل « عالما » ولكن النسخ متفقة على ما في المتن ويحتمل التصحيف أيضا.

(٢) سورة الكهف : ١١٣.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441