مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22361 / تحميل: 7417
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

النبيعليه‌السلام ، حتى بدت أنيابه ، ثم قال : ( اذهب وأطعم عيالك )(١) .

ونحوه من طريق الخاصة(٢) .

وقال النخعي والشعبي وسعيد بن جبير وقتادة : لا كفّارة عليه(٣) .

وهو خرق الإِجماع ، فلا يلتفت إليه.

إذا عرفت هذا ، فقد أجمع العلماء على وجوب القضاء مع الكفّارة ، إلّا الأوزاعي ؛ فإنّه حكي عنه أنّه إن كفّر بالعتق أو الإِطعام ، قضى ، وإن كفّر بالصيام ، لم يقض ؛ لأنّه صام شهرين(٤) .

والإِجماع يبطله ، ولا منافاة.

وللشافعي قول : إنّه إذا وجبت الكفّارة ، سقط القضاء ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام ، لم يأمر الأعرابي بالقضاء(٥) .

وهو خطأ ؛ لأنّهعليه‌السلام ، قال : ( وصُم يوماً مكانه )(٦) .

ولا فرق بين وطء الميتة والحيّة والنائمة والمكرهة والمجنونة والصغيرة والمزني بها.

مسألة ١٥ : ويفسد [ الجماع ] صوم المرأة إجماعاً ، وعليها الكفّارة مع المطاوعة‌ عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤١ - ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨.

(٥) المجموع ٦ : ٣٣١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ - ٤٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٦.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

٤١

أحد القولين(١) - لأنّها شاركت الرجل في السبب وحكم الإِفطار ، فتشاركه في الحكم الآخر ، وهو وجوب الكفّارة.

ولعموم الروايات ؛ لقول الرضاعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٢) .

وفي الآخر للشافعي : لا كفّارة عليها - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ النبيعليه‌السلام أمر الواطئ في رمضان أن يعتق رقبة ، ولم يأمر في المرأة بشي‌ء(٤) .

ولا دلالة فيه ؛ فإنّ التخصيص بالذكر لا يوجبه في الحكم ، ولجواز أن تكون مكرهةً.

فروع :

أ - لو أكره زوجته على الجماع ، وجب عليه كفّارتان ، ولا شي‌ء عليها ؛ لأنّه هتك يصدر من اثنين ، وقد استقلّ بإيجاده ، فعليه ما يوجبه من العقوبة ، وهي الكفّارتان.

وخالف الجمهور ، فقالوا : تسقط عنها وعنه ؛ لصحة صومها(٥) .

وهو لا ينافي وجوب الكفّارة ، وللرواية(٦) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

(٣) المغني ٣ : ٦١ - ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٣١ و ٣٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٣ - ٤٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٥) اُنظر : المغني ٣ : ٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٦) الكافي ٤ : ١٠٣ - ١٠٤ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٧٣ / ٣١٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٥ / ٦٢٥.

٤٢

ولا قضاء عليها عندنا.

وقال أصحاب الرأي : يجب عليها القضاء. وهو قول الثوري والأوزاعي(١) .

وقال مالك : يجب على المكرهة القضاء والكفّارة(٢) .

وقال الشافعي وأبو ثور وابن المنذر : إن كان الإِكراه بوعيد حتى فعلت ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن كان إلجاءً ، لم تفطر ، والنائمة كالملجَأة(٣) .

ب - لو وطأ المجنون ، فإن طاوعته ، فعليها كفّارة واحدة عنها ، وإن أكرهها ، فلا كفّارة على أحدهما.

ج - لو زنى بامرأة ، فإن طاوعته ، فكفّارتان عليهما معاً ، وإن أكرهها ، فعليه كفّارة.

قال الشيخ : ولا يجب عنها شي‌ء ؛ لأنّ حمله على الزوجة قياس(٤) .

وهو مشكل ؛ لأنّ الفاحشة هنا أشدّ.

د - لو أكرهته على الجماع ، فعليها كفّارة عن نفسها ، ولا شي‌ء عليه ولا عليها عنه ؛ لأنّ القابل أقلّ في التأثير من الفاعل.

مسألة ١٦ : لو وطأ امرأته أو أجنبيةً في دُبرها فأنزل ، وجب عليه القضاء والكفّارة إجماعاً‌ ، وإن لم ينزل فكذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة في رواية(٥) - لأنّه أفسد صوم رمضان بجماع في فرج ، فوجب عليه الكفّارة ، كالقُبُل.

____________________

(١و٢) المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٣٦ ، المغني ٣ : ٦٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨‌

٤٣

ولأنّهعليه‌السلام أمر مَن قال : واقعت أهلي ، بالقضاء والكفّارة(١) ، ولم يستفصله مع الاحتمال ، فيكون عاماً.

وفي رواية عن أبي حنيفة : لا كفّارة ؛ لعدم تعلّق الحدّ به(٢) .

وهو ممنوع ، وأيضاً لا ملازمة ، كالأكل.

فروع :

أ - لو وطأ غلاماً فأنزل ، لزمته الكفّارة ، وكذا إذا لم ينزل - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه وطأ عمداً وطءً يصير به جُنباً ، فوجبت الكفّارة.

وقال أبو حنيفة : لا كفّارة(٤) .

ب - لو وطأ في فرج بهيمة فأنزل ، وجب القضاء والكفّارة ، وإن لم ينزل قال الشيخ : لا نص فيه ، ويجب القول بالقضاء ؛ لأنّه مجمع عليه دون الكفّارة(٥) .

ومنع ابن إدريس القضاء(٦) أيضاً.

وقال بعض العامة : تجب به الكفّارة ؛ لأنّه وطء في فرج موجب للغسل ، مفسد للصوم ، فأشبه وطء الآدمية(٧) .

ج - إن أوجبنا الكفّارة على الواطئ دُبُراً ، وجب على المفعول ؛ لاشتراكهما في السبب ، وهو : الهتك.

____________________

(١) تقدمت الإِشارة إلى مصادره في صفحة ٤٠ الهامش (٦).

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٨ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣ ، المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩.

(٤) المغني : ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٣.

(٥) الخلاف ٢ : ١٩١ ، المسألة ٤٢.

(٦) السرائر : ٨٦.

(٧) المغني ٣ : ٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٣.

٤٤

مسألة ١٧ : لو أنزل عند الملاعبة أو الملامسة أو التقبيل ، أو استمنى بيده ، لزمه القضاء والكفّارة‌ ، وكذا لو وطأ فيما دون الفرجين فأنزل - وبه قال مالك وأبو ثور(١) - لأنّه أجنب مختاراً متعمّداً ، فكان كالمجامع.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المفطر بالكفّارة(٢) .

ولأنّ الصادقعليه‌السلام ، سئل عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع »(٣) .

وعن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق ، قال : « كفّارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً أو يُعتق رقبة »(٤) .

وعن الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في(٥) رمضان فيسبقه الماء فينزل ، قال : « عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(٦) »(٧) .

وقال الشافعي وأبو حنيفة : عليه القضاء دون الكفّارة(٨) .

وقال أحمد : تجب الكفّارة في الوطء فيما دون الفرج مع الإِنزال(٩) .

وعنه في القُبلة واللمس روايتان(١٠) .

____________________

(١) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (١) من الصفحة ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٢ - ١٠٣ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٠ / ٩٨١.

(٥) في المصدر زيادة : قضاء شهر.

(٦) في المصدر زيادة : في رمضان.

(٧) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٣.

(٨) المجموع ٦ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٥.

(٩) المغني ٣ : ٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(١٠) الشرح الكبير ٣ : ٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٤٢.

٤٥

فروع :

أ - لو نظر أو تسمّع لكلام أو حادث فأمنى ، لم يفسد صومه - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - لعدم تمكّنه من الاحتراز عن النظرة الاُولى.

أمّا لو كرّر النظر حتى أنزل ، فالوجه : الإِفساد.

وقال الشيخ : إن نظر إلى محلّلة ، لم يلزمه شي‌ء بالإِمناء ، وإن نظر إلى محرَّمة ، لزمه القضاء(٢) .

وقال مالك : إن أنزل من النظرة الاُولى ، أفطر ولا كفّارة ، وإن استدام النظر حتى أنزل ، وجبت عليه الكفّارة(٣) . وهو جيّد.

ب - قال أبو الصلاح : لو أصغى فأمنى ، قضاه(٤) .

ج - لو قبّل أو لمس فأمذى ، لم يفطر - وبه قال الشافعي(٥) - لأنّه خارج لا يوجب الغسل ، فأشبه البول.

وقال أحمد : يفطر ، لأنّه خارج تخلّله الشهوة ، فإذا انضمّ إلى المباشرة أفطر به ، كالمني(٦) .

والفرق : أنّ المني يلتذّ بخروجه ويوجب الغسل ، بخلافه.

د - لو تساحقت امرأتان ، فإن لم تنزلا ، فلا شي‌ء سوى الإِثم ، وإن أنزلتا ، فسد صومهما.

والوجه القضاء والكفّارة ؛ لأنّه إنزال عن فعل يوجب الحدّ ، فأشبه الزنا.

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، الوجيز ١ : ١٠٢ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٦.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٢ - ٢٧٣.

(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٢٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣.

(٦) المغني ٣ : ٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

٤٦

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو ساحق المجبوب فأنزل ، فكالمجامع في غير الفرج.

ه - لو طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، وجب القضاء والكفّارة‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٢) - لصدق المجامع عليه.

وقال أبو حنيفة : يجب القضاء خاصة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٣) .

ونمنع حكم الأصل.

و - لو نزع في الحال مع أول طلوع الفجر من غير تلوّم ، لم يتعلّق به حكم ، إلّا أن يُفرّط بترك المراعاة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي(٤) - لأنّه ترك للجماع ، فلا يتعلّق به حكم الجماع.

وقال بعض الجمهور : تجب الكفّارة ، لأنّ النزع جماع يلتذّ به ، فيتعلّق به ما يتعلّق بالاستدامة(٥) .

وليس بحثنا فيه ، بل مع عدم التلذّذ.

وقال مالك : يبطل صومه ولا كفّارة ؛ لأنّه لا يقدر على أكثر ممّا فعله في ترك الجماع ، فأشبه المكره(٦) .

ونمنع وجوب القضاء.

مسألة ١٨ : ويجب بالأكل والشرب عامداً مختاراً في نهار رمضان‌ على‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٢ - ٦٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٢.

(٢) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٣) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٩ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣١١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ ، المجموع ٦ : ٣١١ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

٤٧

مَن يجب عليه الصوم : القضاء والكفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال عطاء والحسن البصري والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبو حنيفة ومالك(١) - لأنّه أفطر بأعلى ما في الباب من جنسه ، فوجب عليه الكفّارة ، كالجماع ؛ لما رواه الجمهور : أنّ رجلاً أفطر ، فأمره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستّين مسكيناً ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق »(٣) .

وقال الشافعي : لا تجب الكفّارة ، بل القضاء خاصة - وبه قال سعيد ابن جبير والنخعي ومحمد بن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد وداود - لأصالة البراءة(٤) .

والأصل قد يخالف ؛ للدليل ، وقد بيّناه.

ولا فرق بين الرجل والمرأة والعبد والخنثى في ذلك ، ولا بين أكل المحلَّل والمحرَّم ، ولا المعتاد وغيره ، خلافاً للسيد المرتضى في الأخير(٥) ،

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣ ، الجامع الصغير للشيباني : ١٤٠ ، المجموع ٦ : ٣٣٠ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، اختلاف العلماء : ٧٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٠ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، اختلاف العلماء : ٧٢ - ٧٣ ، المغني ٣ : ٥١ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٢ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٣.

(٥) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

٤٨

ولأبي حنيفة والشافعي(١) .

مسألة ١٩ : ويجب بإيصال الغبار الغليظ والرقيق إلى الحلق عمداً : القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ ؛ لأنّه مفسد واصل الى الجوف ، فأشبه الأكل.

وما رواه سليمان بن جعفر المروزي ، قال : سمعته يقول : « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّداً أو شمّ رائحةً غليظةً أو كنس بيتاً ، فدخل في أنفه وحلقه غبار ، فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإنّ ذلك له فطر ، مثل الأكل والشرب »(٢) .

مسألة ٢٠ : لو أجنب ليلاً ، وتعمّد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لقولهعليه‌السلام : ( مَن أصبح جنباً في شهر رمضان فلا يصومنّ يومه )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمّداً حتى أصبح ، قال : « يُعتق رقبةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً»(٤) .

وقال ابن أبي عقيل منّا : عليه القضاء خاصة. وهو ظاهر كلام السيد المرتضى(٥) ، وبه قال أبو هريرة والحسن البصري وسالم بن عبد الله والنخعي وعروة وطاوس(٦) .

____________________

(١) الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٩ ، المجموع ٦ : ٣٢٨ و ٣٢٩ - ٣٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٨ ، المغني ٣ : ٥٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٤ / ٦٢١ ، الاستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٥ ، وفيهما : سليمان بن حفص المروزي.

(٣) أورده السيد المرتضى في الانتصار : ٦٣ ، والمحقق في المعتبر : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٢.

(٥) اُنظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٦) المغني ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢.

٤٩

وقال الجمهور : لا قضاء ولا كفّارة ، وصومه صحيح(١) ، لقوله تعالى :( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٢) .

وما رووه عن النبيعليه‌السلام ، أنّه كان يُصبح جنباً من جماع غير احتلام ثم يصومه(٣) .

والجواب : لا يجب اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الغاية.

والرواية ممنوعة ، على أنّها محمولة على أنّه كان يقارب بالاغتسال طلوع الفجر ، لا أنّه يفعله بعده ، وإلّا لكان مداوماً لترك الأفضل وهو الصلاة في أول وقتها ؛ فإنّ قولنا : كان يفعل ، يدلّ على المداومة.

تذنيب : لو أجنب ثم نام غير ناوٍ للغسل حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء والكفّارة‌ ؛ لأنّه مع ترك العزم على الغسل يسقط اعتبار النوم ، ويصير كالمتعمّد للبقاء على الجنابة.

ولو نام على عزم الاغتسال ثم نام ثم انتبه ثانياً ثم نام ثالثاً على عزم الاغتسال ، واستمرّ نومه في الثالث حتى أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة أيضاً ؛ لرواية سليمان بن جعفر المروزي عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه »(٤) وهو يتناول صورة النزاع.

مسألة ٢١ : أوجب الشيخان بالارتماس القضاء والكفّارة(٥) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٨ ، المجموع ٦ : ٣٠٧ ، المغني ٣ : ٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٢ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٥٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩٢.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الاستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، وفي الأول : سليمان بن حفص المروزي.

(٥) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

٥٠

واختار السيد المرتضى -رحمه‌الله - الكراهية ، ولا قضاء ولا كفّارة فيه(١) ، وبه قال مالك وأحمد(٢) .

وللشيخ قول في الاستبصار : إنّه محرَّم لا يوجب قضاءً ولا كفّارةً(٣) .

وهو الأقوى ؛ لدلالة الأحاديث(٤) على المنع ، وأصالة البراءة(٥) على سقوط القضاء والكفّارة.

وقال ابن أبي عقيل : إنّه سائغ مطلقاً. وبه قال الجمهور(٦) ، إلّا مَن تقدّم.

مسألة ٢٢ : أوجب الشيخان القضاء والكفّارة بتعمّد الكذب على الله تعالى‌ ، أو على رسوله ، أو على الأئمّةعليهم‌السلام (٧) .

وخالف فيه السيد المرتضى(٨) ، وابن أبي عقيل ، والجمهور(٩) كافّة ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة.

احتجّ الشيخان : برواية أبي بصير ، قال : سمعت الصادقعليه‌السلام ، يقول : « الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم » قال : قلت : هلكنا ، قال :

____________________

(١) حكاه عنه ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢ ، وانظر : جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤.

(٢) حكاه عنهما ، المحقّق في المعتبر : ٣٠٢.

(٣) الاستبصار ٢ : ٨٥.

(٤) اُنظر : الكافي ٤ : ١٠٦ / ١ - ٣ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٧ و ٥٨٨ ، والاستبصار ٢ : ٨٤ / ٢٥٨ - ٢٦٠.

(٥) أي : ولدلالة أصالة البراءة

(٦) المغني ٣ : ٤٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٤٨.

(٧) المقنعة : ٥٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٧٠.

(٨) جُمل العلم والعلم ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٤ ، وحكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٢.

(٩) كما في المعتبر : ٣٠٢.

٥١

« ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الأئمّةعليهم‌السلام »(١) .

والإِفطار يستلزم الكفّارة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام ، في رجل أفطر في شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر ، قال : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما يطيق »(٢) .

وهي محمولة على المفطرات الخاصة ، والحديث الأول اشتمل على ما هو ممنوع عندهم ، وهو : نقض الوضوء ، فيحمل على المبالغة.

مسألة ٢٣ : والقضاء الواجب هو يوم مكان يوم خاصة عند عامة العلماء(٣) .

وحكي عن ربيعة أنّه قال : يجب مكان كلّ يوم اثنا عشر يوماً(٤) .

وقال سعيد بن المسيب : إنّه يصوم عن كلّ يوم شهراً(٥) .

وقال إبراهيم النخعي ووكيع : يصوم عن كلّ يوم ثلاثة آلاف يوم(٦) .

والكلّ باطل ؛ لقولهعليه‌السلام للمجامع : ( وصُم يوماً مكانه )(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « ويصوم يوماً بدل يوم »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٥٤ / ٩ ، معاني الأخبار : ١٦٥ ، باب معنى قول الصادقعليه‌السلام : الكذبة تفطر الصائم ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٠١ - ١٠٢ باب من أفطر متعمّداً من غير عذر الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٣) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٤) كما في المغني ٣ : ٥٢ ، وحلية العلماء ٣ : ١٩٩ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٥ و ٦ ) المغني ٣ : ٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٩.

(٧) سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ ذيل الحديث ١٦٧١ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٤ / ٢٣٩٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٢

مسألة ٢٤ : والكفّارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً على التخيير عند أكثر علمائنا‌(١) ، وبه قال مالك(٢) ؛ لما رواه أبو هريرة : أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفّر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُعتق نسمةً أو يصوم شهرين متتابعين أو يُطعم ستين مسكيناً »(٤) و « أو » للتخيير.

وقال ابن أبي عقيل : إنّها على الترتيب - وبه قال أبو حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي(٥) - لقولهعليه‌السلام للواقع على أهله : ( هل تجد رقبة تعتقها؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ) قال : لا ، قال : ( فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ )(٦) .

ومن طريق الخاصة : قول الكاظمعليه‌السلام : « مَن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم »(٧) .

____________________

(١) كالشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٤ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ ، والجمل والعقود ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢١٢ ، وسلّار في المراسم : ١٨٧ ، وابن إدريس في السرائر : ٨٦.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ و ٧٨٣ / ٨٣ و ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨ ، التهذيب ٤ : ٣٢١ / ٩٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠.

(٥) بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ٤١ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ / ١١١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٣٤ / ١٦٧١ ، سنن الترمذي ٣ : ١٠٢ / ٧٢٤ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١.

٥٣

ولا دلالة ؛ لأنّ إيجاب الرقبة لا ينافي التخيير بينها وبين غيرها ، وإيجاب العتق لا ينافي إيجاب غيره.

وقال الحسن البصري : إنّه مخيّر بين عتق رقبة ونَحر بدنة(١) ؛ لما رواه العامة عن جابر بن عبد الله عن النبيعليه‌السلام ، أنّه قال : « مَن أفطر يوماً في شهر رمضان في الحضر فليُهد بدنة ، فإن لم يجد فليُطعم ثلاثين صاعاً »(٢) .

ورواية ضعيف فلا يعوّل عليه.

وللسيد المرتضى -رحمه‌الله - قولان : أحدهما : أنّها على الترتيب ، والثاني: أنّها على التخيير(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

والتخيير عندنا أولى ؛ لموافقة براءة الذمّة.

تذنيب :

الأولى الترتيب‌ ؛ لما فيه من الخلاص عن الخلاف ، ولاشتماله على العتق الذي هو أفضل الخصال.

مسألة ٢٥ : صوم الشهرين متتابع عند علمائنا أجمع‌ - وهو قول عامة أهل العلم(٥) - لما رواه العامة عن أبي هريرة أنّ النبيعليه‌السلام ، قال لِمَنْ واقَعَ أهلَه : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ )(٦) .

____________________

(١) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٢) سنن الدار قطني ٢ : ١٩١ / ٥٤.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٣٠٦ ، وفي الانتصار : ٦٩ القول بالتخيير.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٦) أوعزنا إلى مصادرها في الهامش (١) من صفحة ٤٠.

٥٤

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « أو يصوم شهرين متتابعين »(١) .

ولأنّها كفّارة فيها صوم شهرين ، فكان متتابعاً ، كالظهار والقتل(٢) .

وقال ابن أبي ليلى : لا يجب التتابع(٣) ؛ لما روى أبو هريرة أنّ رجلاً أفطر في رمضان ، فأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يكفِّر بعتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكيناً(٤) . ولم يذكر التتابع ، والأصل عدمه.

وحديثنا أولى ؛ لأنّه لفظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحديثكم لفظ الراوي ، ولأنّ الأخذ بالزيادة أولى.

مسألة ٢٦ : الواجب في الإِطعام مُدٌّ لكلّ مسكين‌ ، قدره رطلان ورُبع بالعراقي ، والواجب خمسة عشر صاعاً - وبه قال الشافعي وعطاء والأوزاعي(٥) - لما رواه العامة في حديث المـُجامع ، أنّه اُتي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بمِكتَل فيه خمسة عشر صاعاً من تَمر ، فقال : ( خُذها وأطعم عيالك )(٦) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الرحمن عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً ، قال : « عليه خمسة عشر صاعاً ، لكلّ مسكين مُدٌّ بمُدِّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٥ - ٢٠٦ / ٥٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٩٥ - ٩٦ / ٣١٠ ، والفقيه ٢ : ٧٢ / ٣٠٨.

(٢) أي : كفّارة الظهار والقتل.

(٣) المجموع ٦ : ٣٤٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧٢.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٣ - ٧٨٤ / ٨٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩١ / ٥٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٣١٣ / ٢٣٩٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٩٠ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٢ بتفاوت يسير.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٥٩٩ ، والاستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١٢ بتفاوت يسير في الأخير.

٥٥

وقال الشيخرحمه‌الله : لكلّ مسكين مُدّان من طعام(١) .

والأصل براءة الذمة.

وقال أبو حنيفة : من البُرّ ، لكلّ مسكين نصفُ صاع ، ومن غيره صاع(٢) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث سلمة بن صخر : ( وأطعم وَسقاً من تَمر )(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه مختلف فيه.

وقال أحمد : مُدٌّ من بُرّ و(٤) نصف صاع من غيره(٥) ؛ لما رواه أبو زيد المدني قال : جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، للمُظاهر : ( أطعم هذا فإنّ مُدَّي شعيرٍ مكان مُدّ بُرٍّ(٦) .

وليس محلّ النزاع.

مسألة ٢٧ : قد بيّنّا أنّ الكفّارة مخيّرة‌ ، وعلى القول بالترتيب لو فقدت الرقبة فصام ثم وجد الرقبة في أثنائه ، جاز له المضيّ فيه ، والانتقال الى الرقبة أفضل ؛ لأنّ فرضه انتقل بعجزه الى الصيام وقد تلبّس به ، فكان الواجب إتمامه ، وسقط وجوب العتق ، كالمتيمّم يسقط عنه الوضوء بشروعه في الصلاة.

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٧١.

(٢) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨٩ ، المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٦٥ / ٢٢١٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٤) في المصدر : أو. وهو الصحيح.

(٥) المغني ٣ : ٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٦.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٦

ولأنّه بعد الرقبة(١) تعيّن عليه الصوم ، فلا يزول هذا الحكم بوجود الرقبة ، كما لو وجدها بعد إكمال الصوم.

وقال أبو حنيفة والمزني : لا يجزئه الصوم ، ويكفّر بالعتق - وللشافعي قولان(٢) - لأنّه قدر على الأصل قبل أداء فرضه بالبدل ، فيبطل حكم البدل ، كالمتيمّم يرى الماء(٣) .

وليس حجّةً ؛ فإنّ المتيمّم بعد الدخول في الصلاة يمضي فيها ، ولا يبطل تيمّمه ، أمّا قبلها(٤) فلا ، والفرق : أنّه لم يتلبّس بما فعل التيمّم له ، فلم يظهر له حكم.

ولأنّ التيمّم لا يرفع الحدث بل يستره ، فإذا وجد الماء ، ظهر حكمه ، بخلاف الصوم ؛ فإنّه يرفع حكم الجماع بالكلية.

مسألة ٢٨ : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً‌ ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما وجد ، أو صام ما استطاع ، فإن لم يتمكّن ، استغفر الله تعالى ولا شي‌ء عليه ، قاله علماؤنا ؛ لما رواه العامة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للمجامع : ( اذهب فكُله أنت وعيالك )(٥) ولم يأمره بالكفّارة في ثاني الحال ، ولو كان الوجوب ثابتاً في ذمته ، لأمَره بالخروج عنه عند قدرته.

ومن طريق الخاصة : قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( فخُذه فأطعمه عيالك واستغفر الله عزّ وجل )(٦) .

____________________

(١) أي : بعد فقدان الرقبة.

(٢) المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، الاُم ٥ : ٢٨٣ ، مختصر المزني : ٢٠٦ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٥٠٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ٩٨ ، المغني ٣ : ٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧١ ، حلية العلماء ٧ : ١٩٥ ، المهذب للشيرازي ٢ : ١١٨ ، مختصر المزني : ٢٠٦.

(٤) في « ف » : قبله.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٧٨١ - ٧٨٢ / ١١١١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢١ بتفاوت.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ - ٨١ / ٢٤٥ ، والكافي ٤ : ١٠٢ / ٢.

٥٧

ولأنّ الكفّارة حقٌّ من حقوق الله تعالى على وجه البدل ، فلا يجب مع العجز ، كصدقة الفطر.

وقال الزهري والثوري وأبو ثور : إذا لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة ، كانت الكفّارة ثابتةً في ذمّته - وهو قياس قول أبي حنيفة(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام ، أمَر الأعرابي أن يأخذ التمر ويكفّر عن نفسه ، بعد أن أعلمه بعجزه عن الأنواع الثلاثة ، وهو يقتضي وجوب الكفّارة مع العجز.

ولأنّه حقُّ لله تعالى في المال ، فلا يسقط بالعجز ، كسائر الكفّارات(٢) .

وليس حجّةً ؛ لأنّهعليه‌السلام ، دفع ( التمر )(٣) تبرّعاً منه ، لا أنّه واجب على العاجز. وحكم الأصل ممنوع.

وقال الأوزاعي : تسقط الكفّارة عنه(٤) . وللشافعي قولان(٥) . وعن أحمد روايتان(٦) .

فروع :

أ - حدّ العجز عن التكفير : أن لا يجد ما يصرفه في الكفّارة فاضلاً عن قوته وقوت عياله ذلك اليوم.

ب - لا يسقط القضاء بسقوط الكفّارة مع العجز ، بل يجب القضاء مع القدرة عليه ، فإن عجز أيضاً عنه ، سقط ؛ لعدم الشرط ، وهو : القدرة.

ج - اختلفت عبارة الشيخين هنا ، فقال المفيدرحمه‌الله : لو عجز عن الأصناف الثلاثة ، صام ثمانية عشر يوماً متتابعات ، فإن لم يقدر ، تصدّق بما‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، وفي الطبعة الحجرية : البُرّ. والصحيح - كما يقتضيه السياق - ما أثبتناه.

(٤) المغني والشرح الكبير ٣ : ٧٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٤٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٦) المغني ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٢.

٥٨

أطاق ، أو فليصُم ما استطاع(١) . فجعل الصدقة مرتّبةً على العجز عن صوم ثمانية عشر.

والشيخ -رحمه‌الله - عكس ، فقال : إن لم يتمكّن من الأصناف الثلاثة فليتصدّق بما تمكّن منه ، فإن لم يتمكّن من الصدقة ، صام ثمانية عشر يوماً ، فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه(٢) .

د - أطلق الشيخ -رحمه‌الله - صوم ثمانية عشر يوماً(٣) .

والمفيد والمرتضى - رحمهما الله - قيّداها بالتتابع(٤) .

ورواية سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسنعليه‌السلام ، من قوله : « إنّما الصيام الذي لا يفرّق كفّارة الظهار وكفّارة اليمين »(٥) يدلّ على قول الشيخرحمه‌الله تعالى.

ه- لو عجز عن صيام شهرين ، وقدر على صوم شهر مثلاً ، ففي وجوبه أو الاكتفاء بالثمانية عشر يوماً إشكال.

أمّا في الصدقة ، فلو عجز عن إطعام ستين ، وتمكّن من إطعام ثلاثين ، وجب قطعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : ( فإن لم يتمكّن تصدّق بما استطاع )(٦) .

وكذا الإِشكال لو تمكّن من صيام شهر وإطعام ثلاثين هل يجبان أم لا؟

مسألة ٢٩ : وإنّما تجب الكفّارة في صوم تعيّن وقته إمّا بأصل الشرع ، كرمضان ، أو بغيره ، كالنذر المعيّن‌ ، وتجب أيضاً في قضاء رمضان بعد الزوال‌

____________________

(١) المقنعة : ٥٥.

(٢ و ٣ ) النهاية : ١٥٤.

(٤) المقنعة : ٥٥ ، جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٥٥.

(٥) الكافي ٤ : ١٢٠ / ١ ، الفقيه ٢ : ٩٥ / ٤٢٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٤ / ٨٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١١٧ / ٣٨٢.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر الحديثية لأبناء العامّة ، ونحوه من طريق الخاصة عن الإِمام الصادقعليه‌السلام ، في الكافي ٤ : ١٠١ و ١٠٢ / ١ و ٣ والفقيه ٢ : ٧٢ / ١ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٥ و ٢٠٦ / ٥٩٤ و ٥٩٦ ، والاستبصار ٢ : ٩٥ و ٩٦ / ٣١٠ و ٣١٣.

٥٩

لا قبله ، وفي الاعتكاف عند علمائنا.

وأطبقت العلماء على سقوط الكفّارة فيما عدا رمضان(١) ، إلّا قتادة ؛ فإنّه أوجب الكفّارة في قضاء رمضان(٢) .

أمّا قضاء رمضان : فلأنّه عبادة تجب الكفّارة في أدائها ، فتجب في قضائها كالحجّ.

ولما رواه بريد بن معاوية العجلي - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان ، قال : « إن كان أتى أهله قبل الزوال ، فلا شي‌ء عليه إلّا يوماً مكان يوم ، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين »(٣) .

وأمّا النذر المعيّن : فلتعيّن زمانه كرمضان.

ولأنّ القاسم الصيقل كتب اليهعليه‌السلام : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً لله تعالى ، فوقع في ذلك اليوم على أهله ، ما عليه من الكفارة؟

فأجابه : « يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة »(٤) .

وأمّا الاعتكاف الواجب : فلأنّه كرمضان في التعيين.

ولأنّ زرارة سأل الباقرعليه‌السلام عن المعتكف يجامع ، فقال : « إذا فعل فعليه ما على المظاهر»(٥) .

مسألة ٣٠ : قد بيّنا أنّه فرقٌ بين أن يفطر في قضاء رمضان قبل الزوال وبعده‌ ، فتجب الكفّارة لو أفطر بعده ، ولا تجب لو أفطر قبله.

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٣) الكافي ٤ : ١٢٢ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٩٦ / ٤٣٠ ، التهذيب ٤ : ٢٧٨ - ٢٧٩ / ٨٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٩١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٦ / ٨٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٢٥ / ٤٠٦.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٩ ( باب المعتكف يجامع أهله ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٢٢ / ٥٣٢ ، التهذيب ٤ : ٢٩١ / ٨٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٤.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمد بن يوسف ، عن ميسر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا ينبغي للمسلم أن يواخي الفاجر ولا الأحمق ولا الكذاب.

وغيبة الناس ، وفي الصحاح الوقيعة في الناس الغيبة ، والظاهر أن المراد بالمباهتة إلزامهم بالحجج القاطعة وجعلهم متحيرين لا يحيرون جوابا كما قال تعالى : «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ »(١) ويحتمل أن يكون من البهتان للمصلحة فإن كثيرا من المساوي يعدها أكثر الناس محاسن خصوصا العقائد الباطلة ، والأول أظهر ، قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، وبهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير ، وفي المصباح بهت وبهت من بابي قرب وتعب دهش وتحير ، ويعدى بالحرف وبغيره ، فيقال : بهته يبهته بفتحتين ، فبهت بالبناء للمفعول « ولا يتعلموا » في أكثر النسخ ولا يتعلمون وهو تصحيف.

الحديث الخامس : مجهول.

لكن الظاهر أن ميسرا هو ابن عبد العزيز الثقة فهو موثق ، و المؤاخاة المصاحبة والصداقة بحيث يلازمه ويراعى حقوقه ، ويكون محل إسراره ويواسيه بماله وجاهه والفجور التوسع في الشر ، قال الراغب : الفجر شق الشيء شقا واسعا قال تعالى : «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً »(٢) والفجور شق ستر الديانة يقال : فجر فجورا فهو فاجر وجمعه فجار وفجرة ، انتهى.

وتخصيص الكذاب مع أنه داخل في الفاجر لأنه أشد ضررا من سائر الفجار.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٨.

(٢) سورة القمر : ١٢.

٨١

٦ ـ عنه ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن سالم الكندي عمن حدثه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه إذا صعد المنبر قال ينبغي للمسلم أن يجتنب مواخاة ثلاثة الماجن والأحمق والكذاب فأما الماجن فيزين لك فعله ويحب أن تكون مثله ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ومقارنته جفاء وقسوة ومدخله ومخرجه عليك عار وأما الأحمق فإنه لا يشير عليك بخير ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه وربما أراد منفعتك فضرك فموته خير من حياته وسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه وأما الكذاب فإنه لا يهنئك معه عيش

الحديث السادس : ضعيف.

وفي القاموس : مجن مجونا صلب وغلظ ، ومنه الماجن لمن لا يبالي قولا وفعلا كأنه صلب الوجه ، وقال الجوهري : المجون أن لا يبالي الإنسان ما صنع وكان المراد بالجفاء البعد عن الآداب الحسنة ، ويطلق في الأخبار على هذا المعنى كثيرا وهو الأنسب هنا ، ويمكن أن يكون المراد به أنه يوجب غلظ الطبع ، وترك الصلة والبر ، ومنه الحديث : من بدا جفا أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس ، والجفاء غلظ الطبع.

« وقسوة » أي توجب القسوة ، و المدخل مصدر ميمي وكذا المخرج ، ويحتملان الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول أي دخولك عليه أو دخوله عليك ، وكذا المخرج « فإنه لا يشير عليك بخير » أي إذا شاورته « ولا يرجى لصرف السوء عنك » أي إذا ابتليت ببلية « ولو أجهد » أي أتعب نفسه فإن كل ذلك فرع العقل.

« وربما أراد منفعتك فضرك » لحمقه من حيث لا يشعر « فموته خير » لك « من حياته » في كل حال « وسكوته » عند المشورة وغيرها « خير » لك « من نطقه » « وبعده » عنك أو بعدك عنه « خير لك من قربه » فإن احتمال الضرر أكثر من النفع « لا يهنئك » بالهمز والقلب أيضا ، في المصباح هنؤ الشيء بالضم مع الهمز هناءة

٨٢

ينقل حديثك وينقل إليك الحديث كلما أفنى أحدوثة مطها بأخرى حتى إنه

بالفتح والمد تيسر من غير مشقة ولا عناء فهو هنيء ، ويجوز الإبدال والإدغام ، وهنا في الولد يهنؤني مهموز من بابي نفع وضرب ، أي سرني ويقول العرب في الدعاء ليهنئك الولد بهمزة ساكنة وبإبدالها ياءا وحذفها عامي ، ومعناه سرني فهو هاني وهنأني الطعام يهنؤني ساغ.

« ينقل حديثك وينقل إليك الحديث » أي يكذب عليك عند الناس ويكذب على الناس عندك ، فيفسد بينك وبينهم ، فقوله : كلما أفنى بيان مفسدة أخرى ، وهي عدم الاعتماد على كلامه ويحتمل أن يكون الجميع لبيان مفسدة واحدة وهو أن العمدة في منفعة الصديق أن يأتيك بكلام غيرك أو فعله وأن يبلغ رسالتك إلى غيره ، ولما كانت عادته الكذب لا تعتمد أنت على كلامه ولا غيرك فتنتفي الفائدتان هذا إذا لم يأت بما يوجب الإفساد والإغراء ، وإلا فمفسدته أشد فيكون قوله ويغري تأسيسا لا تأكيدا.

وفي القاموس : الحديث الخبر ، والجمع أحاديث شاذ ، و الأحدوثة ما يتحدث به ، وفي الصحاح الحديث الخبر يأتي على القليل والكثير ، ويجمع على أحاديث على غير قياس ، قال الفراء : نرى أن واحد الأحاديث أحدوثة ، ثم جعلوه جمعا للحديث والأحدوثة ما يتحدث به ، وقال : مطه يمطه أي مده ، وفي القاموس مطه مده والدلو جذبه ، وحاجبيه وخده تكبر ، وأصابعه مدها مخاطبا بها ، وتمطط تمدد ، وفي الكلام لون فيه ، انتهى.

وسيأتي هذا الخبر بعينه في كتاب العشرة ، وفيه مطرها وفي القاموس : مطر بي وما مطر منه خيرا وبخير أي ما أصابه منه خير ، وتمطرت الطير أسرعت في هويتها كمطرت ، وعلى الأول الباء في قوله بأخرى للآلة ، وعلى الثاني للتعدية إلى المفعول الثاني « فما يصدق » على بناء المجهول من التفعيل ، وربما يقرأ على بناء المعلوم

٨٣

يحدث بالصدق فما يصدق ويغري بين الناس بالعداوة فينبت السخائم في الصدور فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن عذافر ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن مسلم أو أبي حمزة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيهعليهما‌السلام قال قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما : يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم

كينصر أي أصل الحديث صادق ، فيمطها بكذب من عنده فلا يكون صادقا لذلك والأول أظهر ، وفي القاموس : أغرى بينهم العداوة ألقاها كأنه ألزقها بهم وقال الجوهري : أغريت الكلب بالصيد وأغريت بينهم.

وأقول : كان المعنى هنا يغري بينهم المخاصمات بسبب العداوة ، أو الباء زائدة وقد قال تعالى : «فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ »(١) ويظهر من بعضهم كالجوهري أن الإغراء بمعنى الإفساد ، فلا يحتاج إلى مفعول ، وفي بعض النسخ فيما سيأتي ويفرق بين الناس بالعداوة ، فلا يحتاج إلى تكلف ، وقال : السخيمة والسخمة بالضم الحقد.

« وانظروا لأنفسكم » أي اختاروا للمؤاخاة والمصاحبة غير هؤلاء حيث عرفتم ضرر مصاحبتهم ، أو لما نبهتكم على ضرر مصاحبة صاحب السوء فاتقوا عواقب السوء واختاروا للإخوة من لم تتضرروا بمصاحبتهم في الدين والدنيا وإن كان غير هؤلاء كما سيأتي أفراد أخر ، وقيل : المعنى فانظروا لأنفسكم ولا تقبلوا قول الكذاب ولا تعادوا الناس بقولهم ، وقد قال تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا »(٢) ولا يخلو من بعد.

الحديث السابع : ضعيف.

__________________

(١) سورة المائدة : ١٤.

(٢) سورة الحجرات : ٦.

٨٤

ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق فقلت يا أبه من هم قال إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك بأكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.

« فإنه » أي الكذاب « بمنزلة السراب » قال الراغب : السراب اللامع في المفازة كالماء ، وذلك لانسرابه في رأي العين ، ويستعمل السراب فيما لا حقيقة له كالشراب فيما له حقيقة ، قال تعالى : «كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً »(١) وقال تعالى : «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً »(٢) انتهى.

وقد يقال : المراد بالكذاب هنا من يكذب على الله ورسوله بالفتاوى الباطلة ويمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ » إلخ.

و قولهعليه‌السلام : يقرب ، استيناف لبيان وجه الشبه ، والمستتر فيه راجع إلى الكذاب والمعنى أنه بكذبه يقرب إليك البعيد عن الحق والواقع أو عن العقل ، وكذا العكس.

« فإنه بائعك » على صيغة اسم الفاعل أو فعل ماض من المبايعة بمعنى البيعة ، والأول أظهر ، والأكلة إما بالفتح أي بأكلة واحدة أو بالضم أي لقمة ، قال الجوهري : أكلت الطعام أكلا ومأكلا ، و الأكلة المرة الواحدة حتى تشبع ، والأكلة بالضم اللقمة ، تقول : أكلت أكلة واحدة ، أي لقمة ، وهي القرصة أيضا ، وهذا الشيء أكلة لك أي طعمة ، انتهى.

وقد يقرأ بأكله بالإضافة إلى الضمير الراجع إلى الفاسق ، كناية عن مال الدنيا ،

__________________

(١) سورة النور : ٣٩.

(٢) سورة النبأ : ٢٠.

٨٥

وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع قال الله عز وجل : «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ

فقوله : وأقل من ذلك ، الصيت والذكر عند الناس وهو بعيد ، والأول أصوب كما روي في النهج عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال لابنه الحسن : يا بني إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه وإياك مصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه ، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عنك القريب ، والتافه : اليسير الحقير ، وذلك لأنه لا يخاف الله ويسهل عليه خلاف الديانة فلا يحفظ حق المصادقة « فإنه يخذلك في ماله » أي يترك نصرتك بسبب ماله « أحوج ما تكون إليه » قيل : أحوج منصوب بنيابة ظرف الزمان لإضافته إلى المصدر ، لكون ما مصدرية ، وكما أن المصدر يكون نائبا لظرف الزمان مثل رأيته قدوم الحاج كذلك يكون المضاف إليه أيضا نائبا وتكون تامة ، ونسبة الحاجة إلى المصدر مجاز ، والمقصود نسبته إلى الفاعل ، وإليه متعلق بالأحوج والضمير راجع إلى البخيل أو إلى ماله وقيل : أحوج منصوب على الحال من الكاف.

« في ثلاث مواضع » كذا في أكثر النسخ وكان تأنيثه بتأويل المواضع بالآيات ، وفي بعضها في ثلاثة وهو أظهر «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » قال البيضاوي : أي توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم ، أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام » «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » « تناجزا عن الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من التغاور والمقاتلة مع الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك منهم من عرف حالهم ويقول لهم : هل عسيتم » أولئك المذكورون الذين لعنهم الله لإفسادهم وقطعهم الأرحام فأصمهم عن استماع الحق وقبوله وأعمى أبصارهم فلا يهتدون إلى سبيله.

٨٦

وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ »(١) وقال «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

«الَّذِينَ يَنْقُضُونَ » في الرعد « والذين » وحذف العاطف سهل ، لكن ليس في بعض النسخ «وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » وكأنه من النساخ لوجوده في أكثر النسخ.

وفي كتاب الاختصاص وغيره « عهد الله » قيل : لله تعالى عهود ، عهد أخذه بالعقل على عباده بإراءة آياته في الآفاق والأنفس ، وبما ذكر من إقامة الحجة على وجود الصانع وقدرته وعلمه وحكمته وتوحيده ، وعهد أخذه عليهم بأن يقروا بربوبيته فأقروا ، وقالوا بلى حين قال : ألست بربكم ، وعهد أخذه على أهل الكتاب في الكتب المنزلة على أنبيائهم بتصديق محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعهد أخذه على الأمم أن يصدقوا نبيا بعث إليهم بالمعجزات ويتبعوه ولا يخالفوا حكمه ، وعهد أخذه عليهم بالولاية للأوصياء ، وعهد أخذه على العلماء بأن يعلموا الجهال ويبينوا ما في الكتاب ولا يكتموه ، وعهد أخذه على النبيين بأن يبلغوا الرسالة ويقيموا الذين ولا يتفرقوا فيه ، وقد وقع النقض في جميع ذلك إلا في الأخير.

والضمير في ميثاقه للعهد ، وقال المفسرون : هو اسم لما تقع به الوثاقة وهي الاستحكام والمراد به ما وثق الله به عهده من الآيات والكتب ، أو ما وثقوه به من الالتزام والقبول وأن يوصل في محل الخفض على أنه بدل الاشتمال من ضمير به ، وفي تفسير الإمامعليه‌السلام في تفسير آية البقرة «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ » المأخوذ عليهم لله بالربوبية ولمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوة ، ولعلي بالإمامة ولشيعتهما بالمحبة والكرامة «مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ » أي إحكامه وتغليظه «وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » من الأرحام والقرابات أن يتعاهدهم وأفضل رحم وأوجبهم حقا رحم محمد فإن حقهم محمد كما أن قرابات الإنسان بأبيه وأمه ، ومحمد أعظم حقا من أبويه ، كذلك حق رحمه أعظم وقطيعته أفظع وأفضح؟.

«وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » بالبراءة فمن فرض الله إمامته ، واعتقاد إمامة من قد

__________________

(١) سورة محمّد : ٢٣.

٨٧

أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(١) وقال في البقرة «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٢).

فرض الله مخالفته «أُولئِكَ » أهل هذه الصفة «هُمُ الْخاسِرُونَ » خسروا أنفسهم لما صاروا إليه من النيران ، وحرموا الجنان ، فيا لها من خسارة ألزمتهم عذاب الأبد ، وحرمتهم نعيم الأبد.

وقيل في «يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » : يدخل فيه التفريق بين الأنبياء والكتب في التصديق وترك موالاة المؤمنين ، وترك الجمعة والجماعات المفروضة ، وسائر ما فيه رفض خيرا وتعاطى شر فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد التي هي المقصودة بالذات من كل وصل وفصل ، وقولهعليه‌السلام : وجدته ملعونا في ثلاثة مواضع اللعن في الآية الأولى والثانية ظاهر ، وأما الثالثة فلاستلزام الخسران لا سيما على ما فسره الإمامعليه‌السلام اللعن والبعد من رحمة الله ، والله سبحانه في أكثر القرآن وصف الكفار بالخسران ، فقد قال تعالى : «أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٣) . وقال : «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ »(٤) وقال بعد ذكر الكفار : «لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٥) وقال : «فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٦) وقال : «وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٧) وقال : «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٨) وقال : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٩) وقال : «قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ

__________________

(١) سورة الرعد : ٢٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٧.

(٣) سورة التوبة : ٦٩.

(٤) سورة الأعراف : ٩٩.

(٥) سورة النحل : ١٠٩.

(٦) سورة الأنفال : ٣٧.

(٧) سورة الأعراف : ١٧٨.

(٨) سورة العنكبوت : ٥٩.

(٩) سورة البقرة : ١٢١.

٨٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ

يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ »(١) وقال : «وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ »(٢) وقال : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(٣) وقال : «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ »(٤) وقال «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ »(٥) وقال : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ »(٦) .

الحديث الثامن : صحيح.

«وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ » يعني في القرآن وكأنه إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام : «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ »(٧) فإن الأنعام مكية ، وهذه الآية في سورة النساء وهي مدنية وكأنهعليه‌السلام لذلك اختار هذه الآية لإشارتها إلى الآية الأخرى أيضا ، وتتمة الآية «فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » ، «أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ » قيل : « أن » مفسرة ، وقال البيضاوي : محففة ، والمعنى أنه إذا سمعتم آيات الله ، وقد ورد في الأخبار الكثيرة أن آيات الله الأئمةعليهم‌السلام أو الآيات النازلة فيهم وقال علي بن إبراهيم هنا : آيات الله هم الأئمةعليهم‌السلام .

__________________

(١) سورة الزمر : ١٥.

(٢) سورة يونس : ٩٥.

(٣) سورة الزمر ٦٣.

(٤) سورة الزمر ٦٥.

(٥) سورة آل عمران : ٨٥.

(٦) سورة المائدة : ٥.

(٧) الآية ٦٨.

٨٩

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها » إلى آخر الآية(١) فقال إنما عنى بهذا [ إذا سمعتم ] الرجل [ الذي ] يجحد الحق ويكذب به ويقع في الأئمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الأعلى بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » فلا يجلس مجلسا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن.

«يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها » قال البيضاوي : حالان من الآيات جيء بهما لتقييد النهي عن المجالسة في قوله : «فَلا تَقْعُدُوا » إلخ ، الذي هو جزاء الشرط بما إذا كان من يجالسه هازئا معاندا غير مرجو ، ويؤيده الغاية ، والضمير في معهم للكفرة المدلول عليهم بقوله : يكفر بها ويستهزئ بها «إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » في الإثم لأنكم قادرون على الإعراض عنهم والإنكار عليهم أو الكفر إن رضيتم بذلك أو لأن الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأخبار كانوا منافقين ، ويدل عليه «إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً » يعني القاعدين والمقعود معهم ، انتهى.

وفي الآية إيماء إلى أن من يجالسهم ولا ينهاهم هو من المنافقين كائنا من كان ، أي سواء كان من أقاربك أم من الأجانب ، وسواء كان ظاهرا من أهل ملتك أم لا ، وسواء كان معدودا ظاهرا من أهل العلم أم لا ، وسواء كان من الحكام أو غيرهم إذا لم تخف ضررا.

الحديث التاسع : مجهول بعبد الأعلى ، وقد يعد حسنا لمدح فيه رواه نفسه.

« فلا يجلس » بالجزم أو الرفع ، وكأنه إشارة إلى قوله تعالى : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ »(٢) وفيه زجر عظيم عن

__________________

(١) سورة النساء : ١٣٧.

(٢) سورة المجادلة : ٢٢.

٩٠

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ » فلا يقوم مكان ريبة.

استماع غيبة المؤمن حيث عادلة بانتقاص الإمام ، يقال : فلان ينتقص فلانا أي يقع فيه ويذمه.

الحديث العاشر : ضعيف.

« مكان ريبة » أي مقام تهمة وشك ، وكان المراد النهي عن حضور موضع يوجب التهمة بالفسق أو الكفر أو بذمائم الأخلاق أعم من أن يكون بالقيام أو المشي أو القعود أو غيرها ، فإنه يتهم بتلك الصفات ظاهرا عند الناس وقد يتلوث به باطنا أيضا كما مر ، قال في المغرب : رابه ريبا شككه ، والريبة الشك والتهمة ، ومنها الحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فإن الكذب ريبة ، وإن الصدق طمأنينة أي ما يشك ويحصل فيك الريبة ، وهي في الأصل قلق النفس واضطرابها ، ألا ترى كيف قابلها بالطمأنينة وهي السكون ، وذلك أن النفس لا تستقر متى شكت في أمر ، وإذا أيقنته سكنت واطمأنت ، انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد به المنع عن مجالسة أرباب الشكوك والشبهات الذين يوقعون الشبهة في الدين ، ويعدونها كياسة ودقة فيضلون الناس عن مسالك أصحاب اليقين كأكثر الفلاسفة والمتكلمين ، فمن جالسهم وفاوضهم لا يؤمن بشيء بل يحصل في قلبه مرض الشك والنفاق ، ولا يمكنه تحصيل اليقين في شيء من أمور الدين ، بل يعرضه إلحاد عقلي لا يتمسك عقله بشيء ، ولا يطمئن في شيء ، كما أن الملحد الديني لا يؤمن بملة ، فهم كما قال تعالى : «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً »(١) وأكثر أهل زماننا سلكوا هذه الطريقة ، وقلما يوجد مؤمن على الحقيقة أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين من ذلك ، وحفظنا عن جميع المهالك.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٠.

٩١

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عبد الأعلى قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن في مجلس يعاب فيه إمام أو ينتقص فيه مؤمن.

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن إسحاق بن موسى قال حدثني أخي وعمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثلاثة مجالس

الحديث الحادي عشر : مجهول أو حسن وقد تقدم مثله بتغيير ما في المتن والسند.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وكان المراد بالأخ الرضاعليه‌السلام ، لأن الشيخ عد إسحاق من أصحابهعليه‌السلام وبالعم علي بن جعفر ، وكأنه كان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام فظن الرواة أنه زائد فأسقطوه وإن أمكن رواية علي بن جعفر عن أبيه ، والرضاعليه‌السلام لا يحتاج إلى الواسطة في الرواية ، والمراد بالنقمة أما العقوبة الدنيوية أو اللعنة والحكم باستحقاق العقوبة الأخروية ، و قوله : ولا تجالسوهم إما تأكيد لقوله فلا تقاعدوهم ، أو المراد بالمقاعدة مطلق القعود مع المرء وبالمجالسة الجلوس معه على وجه الموادة والمصاحبة والمؤانسة كما يقال فلان أنيسه وجليسه ، فيكون ترقيا من الأدون إلى الأعلى كما هو عادة العرب ، وعليه جرى قوله تعالى : «وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ »(١) وقوله سبحانه : «لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ »(٢) .

ويحتمل العكس أيضا بأن يكون المراد بالمقاعدة من يلازم القعود كقوله تعالى : «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ »(٣) أو يكون المراد بأحدهما حقيقة المقاعدة وبالأخرى مطلق المصاحبة.

__________________

(١) سورة يونس : ٦١.

(٢) سورة البقرة : ٢٥٥.

(٣) سورة ق : ١٧.

٩٢

يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم مجلسا فيه من يصف لسانه كذبا في فتياه ومجلسا ذكر أعدائنا فيه جديد وذكرنا فيه رث ومجلسا فيه من يصد عنا وأنت تعلم قال ثم تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام ثلاث آيات من كتاب الله كأنما كن في فيه أو قال [ في ] كفه : «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ

وقد ذكروا وجوها من الفرق بين القعود والجلوس لكن مناسبته لهذا المقام محل تأمل ، وإن أمكن تحصيلها بتكلف ، قال في المصباح : الجلوس غير القعود ، فالجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو والقعود هو الانتقال من علو إلى سفل ، فعلى الأول يقال لمن هو نائم أو ساجد اجلس ، وعلى الثاني لمن هو قائم أقعد وقد يكون جلس بمعنى قعد متربعا ، وقد يفارقه ، ومنه جلس بين شعبها أي حصل وتمكن ، إذ لا يسمى هذا قعودا فإن الرجل حينئذ يكون معتمدا على أعضائه الأربع ، ويقال : جلس متكئا ولا يقال قعد متكئا بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين.

وقال الفارابي وجماعة : الجلوس نقيض القيام فهو أعم من القعود ، وقد يستعملان بمعنى الكون والحصول فيكونان بمعنى واحد ، ومنه يقال : جلس متربعا ، وقعد متربعا ، والجليس من يجالسك ، فعيل بمعنى فاعل.

« في فتياه » قيل : في للتعليل ، ونحو قوله : «فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ »(١) وقال الجوهري : الرث الشيء البالي ، وقال : صد عنه صدودا أعرض ، وصده عن الأمر صدا منعه وصرفه عنه ، والمراد بمن يصد عنهم أعم من ذلك المجلس وغيره ، لقوله : وأنت تعلم ، أي وأنت تعلم أنه ممن يصد عنا ، فإن لم تعلم فلا حرج عليك في مجالسته.

« قال ثم تلا » الضمير في قال هنا وفيما سيأتي راجع إلى كل من الأخ والعم ، ولذلك تكلف بعضهم وقال : الأخ والعم واحد ، والمراد الأخ الرضاعي ولا يخفى بعده ، « أو قال كفه » الترديد من الراوي أي أو قال مكان في فيه في كفه ،

__________________

(١) سورة يوسف : ٣٢.

٩٣

وعلى التقديرين الغرض التعجب من سرعة الاستشهاد بالآيات بلا تفكر وتأمل.

وترتيب الآيات على خلاف ترتيب المطالب ، فالآية الثالثة للكذب في الفتيا ، والأولى للثاني ، إذ قد ورد في الأخبار أن المراد بسب الله سب أولياء الله ، وإذا جلس مجلسا يذكر فيه أعداء الله فإما أن يسكت فيكون مداهنا أو يتعرض لهم فيدخل تحت الآية ، وسيأتي في الروضة في حديث طويل عن الصادقعليه‌السلام : وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم ، وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله ، كيف هو أنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله ، ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه ، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وروى العياشي عنهعليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية؟ فقال : أرأيت أحدا يسب الله؟ فقال : لا وكيف؟ قال : من سب ولي الله فقد سب الله؟

وفي الاعتقادات عنهعليه‌السلام أنه قيل له : إنا نرى في المسجد رجلا يعلن بسب أعدائكم ويسبهم؟ فقال : ما له لعنه الله ، تعرض بنا ، قال الله : «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ » الآية ، قال : وقال الصادقعليه‌السلام في تفسير هذه الآية : لا تسبوهم فإنهم يسبوا عليكم ، وقال : من سب ولي الله فقد سب الله ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : من سبك فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله ، ومن سب الله فقد كبه الله على منخريه في النار.

والآية الثانية للمطلب الثالث إذ قد ورد في الأخبار أن المراد بالآيات الأئمةعليهم‌السلام ، وروى علي بن إبراهيم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم ، إن الله تعالى يقول

٩٤

فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ »(١) «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ »(٢) «وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ »(٣) .

في كتابه : «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا » الآية ، وقيل : الأولى للثالث ، والثانية للثاني ، وقال : الخوض في شيء الطعن فيه كما قال تعالى : «وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ »(٤) ولنرجع إلى تفسير الآيات على قول المفسرين : «وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » ، قالوا أي لا تذكروا آلهتهم التي يعبدونها فيها من القبائح «فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً » أي تجاوزا عن الحق إلى الباطل «بِغَيْرِ عِلْمٍ » أي على جهالة بالله وما يجب أن يذكربه.

وأقول : على تأويلهمعليهم‌السلام يحتمل أن يكون المعنى بغير علم أن سب أولياء الله سب لله «وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا » قالوا » أي بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ » أي فلا تجالسهم وقم عنهم «حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ » قيل : أعاد الضمير على معنى الآيات لأنها القرآن ، وقيل في قوله «فِي آياتِنا » حذف مضاف ، أي حديث آياتنا بقرينة قوله في حديث غيره ، وقال بعد ذلك : «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ » بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي «فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى » أي بعد أن تذكره «مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » أي معهم بوضع الظاهر موضع المضمر دلالة على أنهم ظلموا بوضع التكذيب والاستهزاء موضع التصديق والاستعظام.

«وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ » قيل : اللام للتعليل ومتعلق بالنهي عنه في لا تقولوا ، وما مصدرية ، قال البيضاوي : انتصاب الكذب بلا تقولوا و «هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ » بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي لا تقولوا الكذب لما تصف

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٠٨.

(٢) سورة الأنعام : ٦٨.

(٣) سورة النحل : ١١٦.

(٤) سورة المدّثّر : ٤٥.

٩٥

١٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن محمد بن مسلم ، عن داود بن فرقد قال حدثني محمد بن سعيد الجمحي قال حدثني هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا ابتليت بأهل النصب ومجالستهم فكن كأنك على الرضف حتى تقوم فإن الله يمقتهم ويلعنهم فإذا رأيتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمة فقم فإن سخط الله ينزل هناك عليهم.

١٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد

ألسنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام ، أو مفعول لا تقولوا ، أو الكذب منتصب بتصف وما مصدرية أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي لا تحرموا ولا تحلوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل.

ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، كان حقيقة الكذب كانت مجهولة ، وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم ، هذا ولذلك عد من من فصيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر «لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » تعليل لا يتضمن الغرض كما في قوله «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً »(١) .

الحديث الثالث عشر : مجهول.

وفي النهاية في حديث الصلاة كان في التشهد الأول « كأنه على الرضف » الرضف الحجارة المحماة علي النار ، واحدتها رضفة ، انتهى.

وسخط الله لعنهم والحكم بعذابهم وخذلانهم ، ومنع الألطاف عنهم ، فإذا نزل يمكن أن يشمل من قارنهم وقاربهم فيجب الاحتراز عن مجالستهم إذا لم تكن تقية.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

ويدل على تحريم الجلوس مع النواصب وإن لم يسبوا في ذلك المجلس وهو أيضا محمول على غير التقية.

__________________

(١) سورة القصص : ٨.

٩٦

الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قعد عند سباب لأولياء الله فقد عصى الله تعالى.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قعد في مجلس يسب فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف فلم يفعل ألبسه الله الذل في الدنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما من به عليه من معرفتنا.

١٦ ـ الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن علي بن محمد بن سعد ، عن محمد بن مسلم ، عن الحسن بن علي بن النعمان قال حدثني أبي علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن اليمان بن عبيد الله قال رأيت يحيى ابن أم الطويل وقف

الحديث الخامس عشر : مجهول.

والانتصاف الانتقام ، وفي القاموس : انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتى صار كل على النصف سواء ، وتناصفوا أنصف بعضهم بعضا ، انتهى.

والانتصاف أن يقتله إذا لم يخف على نفسه أو عرضه أو ماله أو على مؤمن آخر ، وإضافة صالح إلى الموصول بيانية فيفيد سلب أصل المعرفة بناء على أن من للبيان ، ويحتمل التبعيض أي من أنواع معرفتنا فيفيد سلب الكمال ، ويحتمل التعليل أي الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة التي أعطاه يسبب المعرفة ، ويحتمل أن تكون الإضافة لامية فيرجع إلى الأخير والأول أظهر.

الحديث السادس عشر : مجهول.

ويحيى بن أم الطويل من أصحاب الحسين ، وقال الفضل بن شاذان : لم يكن في زمن علي بن الحسينعليه‌السلام في أول أمره إلا خمسة أنفس ، وذكر من جملتهم يحيى بن أم الطويل ، وروي عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : ارتد الناس بعد الحسينعليه‌السلام إلا ثلاثة ، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ، ثم إن

٩٧

بالكناسة ثم نادى بأعلى صوته معشر أولياء الله إنا برآء مما تسمعون من سب علياعليه‌السلام فعليه لعنة الله ونحن برآء من آل مروان وما يعبدون من دون الله ثم يخفض صوته فيقول من سب أولياء الله فلا تقاعدوه ومن شك فيما نحن عليه فلا تفاتحوه ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه ثم يقرأ : «إِنَّا

الناس لحقوا وكثروا ، وفي رواية أخرى مثله ، وزاد فيها وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أن الحجاج طلبه وقال : تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله.

وأقول : كان هؤلاء الأجلاء من خواص أصحاب الأئمةعليهم‌السلام كانوا مأذونين من قبل الأئمةعليهم‌السلام بترك التقية لمصلحة خاصة خفية ، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا ينفعهم التقية وأنهم يقتلون على كل حال بأخبار المعصوم أو غيره ، والتقية إنما تجب إذا نفعت مع أنه يظهر من بعض الأخبار أن التقية إنما تجب إبقاء للدين وأهله ، فإذا بلغت الضلالة حدا توجب اضمحلال الدين بالكلية فلا تقية حينئذ وإن أوجب القتل كما أن الحسينعليه‌السلام لما رأى انطماس آثار الحق رأسا ترك التقية والمسالمة.

وقال الفيروزآبادي : الكناسة بالضم موضع بالكوفة ، و البراء إما بالفتح مصدر ، والحمل للمبالغة ، أو بالضم أو الكسر جمع بريء ، أو كعلماء جمعه أيضا كما مر.

« مما تسمعون » أي من سب أمير المؤمنينعليه‌السلام ومدح أئمة الجور « وما يعبدون من دون الله » إشارة إلى أنهم على كفرهم الأصلي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، أو إلى أن تركهم الطاعة لأئمة المنصوبين من قبل الله وطاعتهم خلفاء الجور بمنزلة الشرك ، فالمراد بمن يعبدون من دون الله الطواغيت.

« ثم يخفض » ذكر المضارع مكان الماضي للإشعار بتكرر وقوع ذلك منه « فيما نحن عليه » أي مذهب الإمامية.

٩٨

أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً »(١) .

وقال في النهاية : الفتح الحكم ، ومنه حديث ابن عباس : ما كنت أدري ما قوله عز وجل «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا »(٢) حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك ، أي أحاكمك ، ومنه الحديث : لا تفاتحوا أهل القدر ، أي لا تحاكموهم ، وقيل : لا تبتدئوهم بالمجادلة والمناظرة ، وفي القاموس : فاتح جامع وقاضي ، وتفاتحا كلاما بينهما تحافتا دون الناس « فقد خنتموه » الغرض الحث على الإعطاء قبل سؤالهم حتى لا يحتاجوا إلى المسألة ، فإن العطية بعد السؤال جزاؤه كما قاله الحكماء ، ووردت به الأخبار وقيل : المعنى إن لم تعطوه فقد خنتموه وهو بعيد.

«أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها » في القاموس : السرادق كلما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء ، وقال البيضاوي : أي فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار ، وقيل : السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط ، وقيل : سرادقها دخانها وقيل : حائط من نار «وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا » من العطش «كَالْمُهْلِ » أي كالجسد المذاب وقيل : كدردي الزيت «يَشْوِي الْوُجُوهَ » إذا قدم ليشرب من فرط حرارته «بِئْسَ الشَّرابُ » المهل «وَساءَتْ » النار «مُرْتَفَقاً » أي متكئا ، وأصل الاتفاق نصب المرفق تحت الخد ، وهو لمقابلة قوله : وحسنت مرتفقا ، وإلا فلا ارتفاق لأهل النار.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٨.

(٢) سورة الأعراف : ٨٩.

٩٩

باب

أصناف الناس

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط ، عن سليم مولى طربال قال حدثني هشام ، عن حمزة بن الطيار قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام الناس على ستة أصناف قال قلت أتأذن لي أن أكتبها قال نعم قلت ما أكتب؟

باب أصناف الناس

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« الناس ستة أصناف » قيل : لعل وجه الحصر أن الناس إما مؤمن أو كافر أو لا هذا ولا ذاك ، والأخير هم المستضعفون الذين لا يقرون بالحق ولا ينكرونه ، والثاني هم أهل النار قطعا ، والأول إما مؤمن كامل سابق بالخيرات لم يصدر منه ذنب أصلا أولا ، والأول هم أهل الجنة قطعا ، والثاني إما أن يتوب عن ذنبه أو لا والأول هم «آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » أي يقبل توبتهم ، والثاني إما أن تغلب حسناته على سيئاته أو لا ، والأول هم «آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » والثاني هم أصحاب الأعراف ، انتهى.

وأقول : قد عرفت أن مصطلح الآيات والأخبار في الإيمان والكفر غير مصطلح المتكلمين ، وأن المؤمن غالبا يطلق على من صحت عقائده وعمل بفرائض الله واجتنب الكبائر ، فهو من أهل الوعد بالجنة ، ويدخلها البتة ويقابله أقسام كثيرة ، فلذا تنقسم الفرق ستة أقسام ، فالأول والثاني أهل الوعد والوعيد ، اكتفي بأحدهما تغليبا ، وفي بعض النسخ الوعد لذلك ، وفي بعضها الوعدين وهو أظهر ، أي الذين

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407