مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22617 / تحميل: 7494
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

وادي : معرفة غير مضاف ، علم للوادي الذي به فج الروحاء ، وتقدم في مفرش قول ابن عمر : هبطت بطن واد فإذا ظهر من بطن واد مع بيان المزية.

وادي أبي كبير : فوق المخرم والمعرس وصدر الحفيرة.

وادي أحيليين :بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة ثم مثناة تحتية ثم لام ومثناتين كذلك ، تقدم في نار الحجاز.

وادي الأزرق : بسكون الزاي ثم راء ، سبق في جمدان أنه بعد أمج بميل وفي الصحيح أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مر بوادي الأزرق فقال : كأني أنظر إلى موسى هابطا من الثنية له جؤار إلى الله بالتلبية ، ثم أتى على ثنية هرشى فقال : «كأني أنظر إلى يونس بن متّى» ، الحديث.

وقوله : «ثم أتى» يعني في الرجوع إلى المدينة.

وادي بطحان : وغيره من الأودية التي بالمدينة سبقت في الفصل الخامس وما قبله.

وادي الجزل : بالجيم والزاي ، الوادي الذي به الرحبة ، وسقيا لجزل قرب وادي القرى ، ويلقى وادي إضم في نخيل ذي المروة.

وادي دحيل : سبق في حمى النقيع.

وادي الدوم : معترض في شمالي خيبر إلى قبلتها ، أوله من الشمال غمرة ، ومن القبلة القصيبة ، وهو فاصل بين خيبر والعراص.

وادي السّمك : بفتح السين المهملة ثم السكون ، بناحية الصفراء ، يسلكه الحاج أحيانا ، ذكره المجد في السين.

وادي القرى :واد كثير القرى ، بين المدينة والشام ، وقال الحافظ ابن حجر : هي مدينة قديمة بين المدينة والشام ، وأغرب ابن قرقول فقال : إنها من أعمال المدينة ، انتهى.

ولا إغراب فيه لتصريح صاحب المسالك به كما سبق في تبوك ، وسبق أن دومة الجندل من أعمال المدينة ، وأنها بوادي القرى ، بل يظهر أنها أبعد منه لأنها على خمس عشرة أو ست عشرة ليلة من المدينة ، وأما وادي القرى ففي طبقات ابن سعد أن أسامة بن زيد لما رجع من غزوة الروم أجدّ السير ، فورد وادي القرى في سبع ليال ، ثم قصد يعدو في السير فسار إلى المدينة ستا ، وسبق أن حجر ثمود على يوم من وادي القرى ، وأن العلا بناحية وادي القرى.

وروى البيهقي : من طريق الواقدي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم من خيبر إلى وادي القرى ، فلما نزلنا إلى وادي القرى انتهينا إلى يهود

١٦١

وقد ثوى إليها ناس من العرب ، وذكر استقبال يهود لهم بالرمي وهم يصيحون في آطامهم وقتالهم حتى أمسوا ، قال : وغدا عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم. وفتحها عنوة ، وغنمه الله أموالهم ، أصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، فأقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بوادي القرى أربعة أيام ، وقسم ما أصاب ، وترك الأرض والنخل بأيدي يهود ، وعاملهم عليها ، فلما بلغ يهود تيماء ما وطئ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه على الجزية ، وأقاموا بأيديهم أموالهم فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك ، ولم يخرج أهل تيماء ووادي القرى ؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام ويروى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام فانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد أن ترفع من خيبر ومن وادي القرى ، وقال أحمد بن جابر : قيل : إن عمر أجلى يهود وادي القرى ، وقيل : لم يجلهم.

وسبق في ذي المروة أن بعضهم عده من وادي القرى ، وأنه إن ثبت فهو غير وادي القرى المذكور ، وسبق في بلاكث وبرمة ما يؤيده ، وعليه أهل المدينة اليوم ؛ لأنهم يسمون ناحية ذي المروة وناحية ذي خشب وادي القرى ، ولعلها قرى عرينة.

واردات : هضبات صغار بحمى ضرية ، فيها يقول الأخطل :

إذا ما قلت قد صالحت بكرا

أبي الأضغان والنسب البعيد

ومهراق الدماء بواردات

تبيد لمجريات ولا تبيد

واسط : أطم لبني خدرة ، وأطم آخر لبني خزيمة رهط سعد بن عبادة ، وآخر لبني مازن بن النجار ، وموضع بين ينبع وبدر ، وجبل تنتطح سيول العقيق عنده ثم يفضي إلى الجثجاثة ، وفيه يقول كثير :

أقاموا ، فأما آل عزة غدوة

فبانوا ، وأما واسط فمقيم

واقم : كصاحب ، أطم بني عبد الأشهل ، نسبت إليه حرّتهم ، وله يقول شاعرهم :

نحن بنينا واقما بالحره

بلازب الطين وبالأصرّه

وواقم أيضا : أطم بالمسكبة شرقي مسجد قباء لأبي عويم بن ساعدة ، وأطم آخر في موضع الدار التي يقال لها واقم بقباء كان لأحيحة قبل تحوله للعصبة.

الوالج : كان به الشيخان ، وهما أطمان كما سبق ، وبطرفه مما يلي قناة أطم يقال له الأزرق.

الوبرة :بسكون الموحدة ، قرية على عين من جبال آرة ، وجاء ذكرها في حديث

١٦٢

أهبان الأسلمي أنه كان يسكن يين وهي من بلاد أسلم : يينا هو يرعى بحرة الوبرة عدا الذئب على غنمه ، الحديث ، قاله المجد تبعا لياقوت ، وهو وهم ؛ لأن الوبرة هذه بالفرع كما يؤخذ مما سبق في آرة ، على أربعة أيام من المدينة ويين على بريد من المدينة كما سيأتي ، وتقدم عن المجد في حرة الوبرة ما يخالف المذكور هنا ، وهو الصواب ، وقد وقع الموضعان كذلك في كلام ياقوت فتبعه المجد.

وبعان : بالفتح ثم الكسر وإهمال العين آخره نون ، ويقال باللام بدل الباء ، قرية على أكناف آرة ، قاله المجد.

وجمة : بالفتح وسكون الجيم ، جبل يدفع سيله في عنقه.

الوحيدة : مؤنث الوحيد للمنفرد ، من أعراض المدينة بينها وبين مكة.

ودّان : بالفتح ودال مهملة مشددة آخره نون ، قرية من نواحي الفرع لضمرة وغفار وكنانة ، على ثمانية أميال من الأبواء ، أكثر نصيب من ذكرها قال :

أقول لركب قافلين عشية

قفا ذات أوشال ومولاك قارب

قفوا أخبروني عن سليمان إنني

لمعروفه من أهل ودّان راغب

فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله

ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب

وقال أبو زيد : ودّان من الجحفة على مرحلة ، بينها وبين الأبواء ستة أميال وبها كان أيام مقامي بالحجاز رئيس لبني جعفر بن أبي طالب ، ولهم بالفرع وساية ضياع وعشيرة ، وبينهم وبين الحسنيين حروب ، ولم يزل كذلك حتى استولت طائفة من اليمن تعرف ببني حرب على ضياعهم.

ودعان : بالفتح ثم السكون وعين مهملة آخره نون ، موضع بينبع.

هضب الوراق جبل تقدم في حمى ضرية.

ورقان : بالفتح ثم الكسر وقد تسكن وبالقاف ، جبل عظيم أسود على يسار المصعد من المدينة ، وينقاد من سيالة إلى الجي بين العرج والرويثة ، وبسفحه عن يمينه سيالة ثم الروحاء ثم الرويثة ثم الجي ، وفي ورقان أنواع الشجر المثمر وغير المثمر والقرظ والسماق ، وفيه أوشال وعيون ، سكانه بنو أوس من مزينة قوم صدق أهل عمود ، قاله عرام.

وقال الأسدي : إنه على يسار الطريق حين يخرج من السيالة ، ويقال : إنه يتصل إلى مكة ، انتهى.

وذكر عرام أن الذي يليه عند الجي القدسان ، يفصل بينه وبينهما عقبة ركوبة ، وسبق

١٦٣

في فضل أحد من حديث الطبراني أن ورقان من جبال الجنة ، وحديث «خير الجبال أحد والأشعر وورقان» وأنه أحد الأجبل التي وقعت بالمدينة من الجبل الذي تجلى الله تعالى له ، وفي رواية أنه أحد الأجبل التي بنيت الكعبة منها ، وسبق في مسجد عرق الظبية قولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «هل تدرون ما اسم هذا الجبل» يعني ورقان «هذا حمت ، جبل من جبال الجنة ، اللهم بارك فيه وبارك لأهله» ثم قال «هذا سجاسج للروحاء ، هذا واد من أودية الجنة» قال ابن شبة : يقال يوم حمت ؛ إذا كان شد الحر : أي هو قوى شديد.

الوسباء : بالفتح وسكون السين المهملة ثم باء موحدة وبالمد ، ماء لبني سليم بلحف أبلى.

وسط : بل بحمى ضرية ، ينسب إليه دارة وسط بناحيته اليسرى.

وسوس : من الوسواس من أودية القبلية ، يصب من الأجرد على الحاضرة والنكباء ، وهما فرعان بهما نخل لجهينة وغيرهم ، والحاضرة عين لبني عبد العزيز بن عمر في صدر الحرار.

الوشيجة : بالفتح وكسر الشين المعجمة ثم مثناة تحت وجيم وهاء ، من أودية العقيق ذو وشيع بالفتح ثم الكسر آخره عين مهملة ، من أموال المدينة.

الوطيح : بالفتح وكسر الطاء المهملة وياء وحاء مهملة ، من أعظم حصون خيبر ، سمي بوطيح بن مازن رجل من ثمود ، وفي كتاب أبي عبيدة «الوطيحة» بزيادة هاء.

وظيف الحمار : بالظاء المعجمة والمثناة تحت والفاء ، ستدق الذراع والساق من الحمار ونحوه ، هو من العقيق ما بين سقاية سليمان بن عبد الملك إلى زغابة.

وفي طبقات ابن سعد في قصة ما عز : أنه لما مسّته الحجارة فر يعدو قبل العقيق فأدرك بالمكيمن ، وكان الذي أدركه عبد الله بن أنيس بوظيف الحمار ، فلم يزل يضربه حتى قتله ، انتهى. والمكيمن : بالعقيق ، لكنه بعيد من الموضع المذكور

وعيرة : بالفتح وكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت وفتح الراء ثم هاء ، جبل شرقي ثور ، أكبر منه وأصغر من أحد.

ولعان : لغة في وبعان كما سبق.

حرف الياء

يتيب : بالفتح ثم كسر المثناة فوق ثم مثناة تحت ثم موحدة ، جبل له ذكر في حدود الحرم ، وفي نزول أبي سفيان به حين حرق صورا من صيران العريص كذا قاله المجد ، وسبق في حدود الحرم ما يخالفه في الضبط.

١٦٤

يثرب : تقدم في أسماء المدينة ، وقال ابن زبالة : يثرب أم قرى المدينة ، وهي ما بين طرف قناة إلى طرف الجرف ، أي هذا حدها من المشرق والمغرب وما بين المال الذي يقال له البرني إلى زبالة أي من الشام والقبلية ، وفي شامي الموضع المعروف اليوم بيثرب نخل يعرف بالمال ، وزبالة تقدم بيانها.

ذو يدوم : من أودية العقيق.

يديع : بالفتح وكسر الدال المهملة ومثناة تحتية ثم عين مهملة ، ناحية بين فدك وخيبر ، بها مياه وعيون لفزارة وغيرهم.

يراجم : غدير ببطن قاع النقيع في صير الجبل نصيف روى الزبير أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم توضأ من غدير يراجم بالنقيع وقال : إنكم ببقعة مباركة ، وقال تبع الملك :

ولقد شربت على يراجم شربة

كادت بباقية الحياة تذيع

يرعة : محركة والعين مهملة ، في ديار فزارة ، بين ثوابة والحراضة.

يلبن : بالفتح ثم السكون ثم موحدة مفتوحة ثم نون ، غدير بنقيع الحمى في صير ، وقال ابن السكيت : هو قلت (١) عظيم بالنقيع من حرة سليم ، قال الهجري : ويقول الفصحاء فيه «ألبن» بهمزة بدال الياء و «يلبن» بالياء ، وقال المجد : هو جبل قرب المدينة ، وقيل : غدير بها.

اليسيرة : بئر بني أمية بن زيد ، تقدمت في الآبار.

يليل : بياءين مفتوحتين بينهما لام وآخره لام ، واد بناحية ينبع والصفراء ، يصب في البحر ، وبه عين كبيرة تخرج من جوف رمل من أغزر ما يكون من العيون ، وتجري في الرمل فلا يستطيعون الزراعة عليها إلا في أحياء الرمل ، وبها نخل وبقول ، وتسمى النجير ، ويتلوها الجار ، وهو على شاطئ من النجير ، قاله عرام.

وفي غزوة بدر أن قريشا نزلت بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل ويليل بين بدر وبين العقنقل ، فيليل هذا غير يليل السابق ذكره في الخلائق ؛ لأن ذاك عند الضبوعة ، ومن مجتمعها تخرج إلى فرش ملل.

وروي برجال وثقوا عن سبرة بن معبد قال : رأى أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم سحابة ، فقالوا : يا رسول الله كنا نرجو أن تمطرنا هذه السحابة ، فقال : إن هذه أمرت أن تمطر بيليل ، يعني واديا يقال له يليل.

__________________

(١) القلت : النقرة في أرض أو بدن.

١٦٥

ينبع : بالفتح ثم السكون وضم الموحدة وإهمال العين مضارع «نبع الماء» أي : ظهر ، من نواحي المدينة على أربعة أيام منها ، وإنما أفردت عنها في الأعصر الأخيرة ، سميت به لكثرة ينابيعها ، قال بعضهم : عددت بها مائة وسبعين عينا.

ولما أشرف عليها علي رضي الله تعالى عنه ونظر إلى جبالها قال : لقد وضعت على نقي من الماء عظيم ، وسكانها جهينة وبنو ليث والأنصار ، وهي اليوم لبني حسن العلويين.

وروى ابن شبة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أقطع عليا بينبع ، ثم اشترى عليّ إلى قطيعة عمر شيئا.

وروى أيضا عن كشد بن مالك الجهني قال : نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عليّ بالمنحار وهو موضع بين حوزة السفلى وبين منحوين على طريق تجار الشام يرقبان عير أبي سفيان ، فأجازهما كشد ، فلما أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ينبع أقطعها لكشد ، فقال : إني كبير ، ولكن أقطعها لابن أخي ، فأقطعها له ، فابتاعها منه عبد الرحمن بن سعد الأنصاري بثلاثين ألف درهم ، فخرج عبد الرحمن إليها وأصابه صافيها وربحها ، فقدرها ، وأقبل راجعا ، فلحق علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه دون ينبع ، فقال : من أين جئت؟ فقال : من ينبع ، وقد سئمتها ، فهل لك أن تبتاعها؟ قال علي : قد أخذتها بالثمن ، قال : هي لك ، فكان أول شيء عمله علي فيها البغيبغة.

وعن عمار بن ياسر قال : أقطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا بذي العشيرة من ينبع ، ثم أقطعه عمر بعد ما استخلف قطيعة ، واشترى عليّ إليها قطيعة ، وكانت أموال علي بينبع عيونا متفرقة تصدق بها.

وروى أحمد بن الضحاك أن أبا فضالة خرج عائدا لعلي بينبع ، وكان مريضا ، فقال له : ما يسكنك هذا المنزل؟ لو هلكت لم يلك إلا الأعراب أعراب جهينة ، فاحتمل إلى المدينة فإن أصابك قدر وليك أصحابك ، فقال علي : إني لست بميت من وجعي هذا ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إليّ أن لا أموت حتى أضرب ثم تخضب هذه يعني لحيته من هذه ، يعني هامته.

يهيق : موضع قرب المدينة ، قال المجد : لم أر من تعرض له ، وفي الحديث «ليوشكن أن يبلغ بنيانهم سيفا» يعني أهل المدينة.

يين : بياءين مفتوحة ثم ساكنة ثم نون ، وليس في كلامهم ما فاؤه وعينه ياء غيره ، وضبطه الصغاني بفتح الياءين.

قال نصر : يين واد به عين من أعراض المدينة ، على بريد منها ، وهي منازل أسلم من خزاعة.

١٦٦

وقال الزمخشري : يين عين بواد يقال له حورتان ، لبني زيد الموسوي من بني الحسن.

وفي سر الصناعة : يين واد بين ضاحك وضويحك ، جبلان بأسفل الفرش.

قلت : وسيلهما يصب في حورتين ، فلا تخالف ، وأثر العين والقرية اليوم موجود هناك ، وكان بها فواكه كثيرة ، حتى نقل الهجري أن يين بلد فاكهة المدينة ، وكانت تعرف من قريب بقرية بني زيد ، فوقع بينهم وبين بني يزيد حروب ، فجلا بنو زيد عنها إلى الصفراء ، وبنو يزيد إلى الفرع ، فخربت ، وكانت منازل بني أسلم قديما.

وعن أسماء بن خارجة الأسلمي قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم عاشوراء ، فقال : أصمت اليوم يا أسماء؟ فقلت : لا ، قال : فصم ، قلت : قد تغديت ، قال : صم ما بقي من يومك ، وأمر قومك يصومونه ، قال : فأخذت نعلي بيدي فما دخلت رجلي حتى وردت يين على قومي ، فقلت : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم أن تصوموا بقية يومكم.

وفي حديث أهبان الأسلمي ثم الخزاعي أنه كان يسكن يين ، فبينما هو يرعى بحرة الوبرة عدا الذئب على غنمه ، الحديث.

وقال ابن هرمة :

أدار سليمي بين يين فمثعر

أبيني ، فما استخبرت إلا لتخبري

ومحجة يين طريق درب الفقرة التي في شامي الجمّاوات : لأن يين على يمين طريق مكة قرب ملل ، وقال الهجري : قال أبو الحسن : عبود جبل بين مدفع مريين وبين ملل ومريين طريق ، أي يسلك هناك ويريد مريين بطريق عبود. وقال ابن إسحاق ، في المسير إلى بدر : ثم مر على تربان ، ثم على ملل ، ثم علي عميس الحمام من مريين ثم علي صخيرات الثمام ، ويين أيضا : بئر بوادي بوادي عياش ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

١٦٧

الباب الثامن

في زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم

وفيه أربعة فصول

الفصل الأول

في الأحاديث الواردة في الزيارة نصّا

الحديث الأول

روى الدار قطني والبيهقي وغيرهما ، قال الدار قطني : حدثنا القاضي المحاملي ، حدثنا عبيد بن محمد الوراق ، حدثنا موسى بن هلال العبدي ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

قال السبكي : كذا في عدة نسخ معتمدة من سنن الدار قطني عبيد الله مصغرا ، وكذلك الدار قطني في غير السنن ، واتفقت رواياته من طريق محمد بن أحمد بن محمد ومحمد بن عبد الملك بن بشران وأبي النعمان تراب بن عبيد كلهم عن الدار قطني عن المحاملي علي عبيد الله مصغرا ، ورواه غير الدار قطني عن غير المحاملي كما رواه البيهقي من طريق محمد بن رنجويه القشيري ، قال : حدثنا عبيد بن محمد بن القاسم بن أبي مريم الوراق ، حدثنا موسى بن هلال العبدي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، الحديث ؛ فثبت عن عبيد بن محمد وهو ثقة روايته على التصغير ، ورواه جماعة غيره عن موسى بن هلال منهم جعفر بن محمد البزوري حدثنا محمد بن هلال البصري عن عبيد الله مصغرا رواه العقيلي ومنهم محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، واختلف عليه ؛ فروي عنه مصغرا كغيره ، وروي عنه مكبرا ، ومرّض ذلك الحافظ يحيى بن علي القرشي ، وصوب التصغير ، وفي تاريخ ابن عساكر بخط البرزالي : لمحفوظ عن ابن سمرة «عبيد الله» وفي كامل ابن عدي «عبد الله أصح» قال السبكي : وفيه نظر ، والذي يترجح «عبيد الله» لتضافر روايات عبيد بن محمد كلها وبعض روايات ابن سمرة ، ولما سيأتي في الحديث الثالث من متابعة مسلمة الجهني لموسى بن هلال ، ويحتمل أن موسى سمع الحديث من عبيد الله وعبد الله جميعا ، وحدث به عن هذا تارة وعن هذا أخرى. وممن رواه عن موسى عن عبد الله مكبرا الفضل بن سهل ؛ فإن صح حمل على أنه عنهما ، إذ لا منافاة ، على أن المكبر روى له مسلم مقرونا بغيره ، وقال

١٦٨

أحمد : صالح ، وقال أبو حاتم : رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه ، وقال يحيى بن معين : ليس به بأس ، يكتب حديثه ، وقال : إنه في نافع صالح ، وقال ابن عدي : لا بأس به ، صدوق. وقال ابن حبان ما حاصله : إن الكلام عليه لكثرة غلطه لغلبة الصلاح عليه ، حتى غلب عن ضبط الأخبار.

قال السبكي : وهذا الحديث ليس في مظنة الالتباس عليه ، لا سندا ولا متنا ؛ لأنه في نافع ، وهو خصيص به ، ومتنه في غاية القصر والوضوح ، والرواة إلى موسى بن هلال ثقات ، وموسى قال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقد روى عنه ستة منهم الإمام أحمد ، ولم يكن يروي إلا عن ثقة ، فلا يضره قول أبي حاتم الرازي : إنه مجهول ، وقول العقيلي : لا يتابع عليه ، وقول البيهقي : سواء قال عبيد الله أم عبد الله فهو منكر عن نافع ، لم يأت به غيره ، فهذا وشبهه يدلك على أنه لا علة لهذا الحديث إلا تفرد موسى به ، وأنهم لم يحتملوه له لخفاء حاله ، وإلا فكم من ثقة ينفرد بأشياء وتقبل منه.

قلت : ولهذا قال بعض الحفاظ ممن هو في طبقة ابن منده : هذا الخبر رواه عن موسى بن هلال محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، ومحمد بن جابر المحاربي ، ويوسف بن موسى القطان ، وهرون بن سفيان ، والفضل بن سهل ، والعباس بن الفضل ، وعبيد بن محمد الوراق ، وبعض هؤلاء قال في حديثه : عن عبيد الله بن عمر ، ذكرناه بأسانيده في الكتاب الكبير ، ولا نعلم رواه عن نافع إلا العمري ، ولا عنه إلا موسى بن هلال العبدي ، تفرد به ، انتهى.

قال السبكي عقب ما تقدم : وأما بعد قول ابن عدي في موسى ما قال ووجود متابع فإنه يتعين قبوله ، ولذلك ذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى ، وسكت عليه مع قوله في الصغرى «إنه تخيرها صحيحة الإسناد ، معروفة عند النقاد» وقد نقلها الأثبات ، وتداولها الثقات ، وذكر نحوه في الوسطى المعروفة اليوم بالكبرى ، وسبقه ابن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث كما سيأتي ، وهو متضمن لمعنى هذا ، وأقل درجات هذا الحديث الحسن إن نوزع في صحته لما سيأتي من شواهده ، وتضافر الأحاديث يزيدها قوة ، حتى إن الحسن قد يترقى بذلك إلى درجة الصحيح.

وقال الذهبي : طرق هذا الحديث كلها لينة يقوى بعضها بعضا ؛ لأنه ما في رواتها متهم بالكذب ، قال : ومن أجودها إسنادا حديث حاطب «من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي» أخرجه ابن عساكر وغيره ، انتهى.

ومعنى قوله «وجبت» أنها ثابتة لا بد منها بالوعد الصادق.

١٦٩

وقوله «له» إما أن يراد بخصوصه فيخص الزائر بشفاعة لا تحصل لغيره ، وإما أن يراد أنه تفرد بشفاعة مما يحصل لغيره ، والإفراد للتشريف والتنويه بسبب الزيارة ، وإما أن يراد أنه بعدم تركه الزيارة يجب دخوله فيمن تناله الشفاعة ؛ فهو بشرى بموته مسلما ، فيجري على عمومه ، ولا يضم فيه شرط الوفاة على الإسلام ، بخلافه على الأولين.

وقوله «شفاعتي» في هذه الإضافة تشريف ، فإن الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون ، والزائر له نسبة خاصة فيشفع هو فيه بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الشافع.

الحديث الثاني

روى البزار من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري : حدثنا عن عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زار قبري حلّت له شفاعتي».

قال البزار : عبد الله بن إبراهيم حدث بأحاديث لم يتابع عليها ، وإنما يكتب من حديثه ما لا يحفظ إلا عنه ، وقال أبو داود : إنه منكر الحديث.

قال السبكي : وهذا الحديث هو الأول ، ولذلك عزاه عبد الحق للدار قطني والبزار ، إلا أن في الأول «وجبت» وفي هذا «حلت» فلذلك أفردته ، والقصد تقوية الأول به ، فلا يضره ما قيل في الغفاري ، وكذا ما قيل في عبد الرحمن بن زيد ، إذ ليس راجعا إلى تهمة كذب ولا فسق ، ومثله يحتمل في المتابعات والشواهد ، وقد روى الترمذي وابن ماجه لعبد الرحمن بن زيد ، وقال ابن عدي : إن له أحاديث حسانا ، وإنه ممن احتمله الناس وصدقه بعضهم ، وإنه ممن يكتب حديثه ، وصحح الحاكم حديثا من جهته في التوسل بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم .

الحديث الثالث

روى الطبراني في الكبير والأوسط ، والدار قطني في أماليه ، وأبو بكر بن المقرئ في معجمه ، من رواية مسلمة بن سالم الجهني قال : حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جاءني زائرا لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقّا عليّ أن أكون له شفيعا يوم القيامة» وفي معجم ابن المقرئ عن مسلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من جاءني زائرا كان له حقا على اللهعزوجل أن أكون له شفيعا يوم القيامة» فقد تابع مسلمة الجهني موسى بن هلال في شيخه عبيد الله العمري ، والطرق كلها في روايته متفقة على عبيد الله المصغر الثقة ، إلا أن مسلمة بن حاتم

١٧٠

الأنصاري رواه عن مسلمة عن عبد الله مكبرا ، وأورد الحافظ ابن السكن هذا الحديث في باب «ثواب من زار قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم » من كتابه المسمى بالسنن الصحاح المأثورة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهو إمام حافظ ثقة مات بمصر سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، وكتابه هذا محذوف الأسانيد ، ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث مما أجمع على صحته.

قلت : ولهذا نقل عنه جماعة منهم الحافظ زين الدين العراقي أنه صححه ، فإما أن يكون ثبت عنده من غير طريق مسلمة أو أنه ارتقى إلى ذلك بكثرة الطرق ، وتبويبه دال على أنه فهم من هذا الحديث الزيارة بعد الموت ، أو أن ما بعد الموت داخل في العموم ، قال السبكي : وهو صحيح.

الحديث الرابع

روى الدار قطني ، والطبراني في الكبير والأوسط ، وغيرهما من طريق حفص بن داود القارئ عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي».

ورواه ابن الجوزي في «مثير الغرام الساكن» من طريق الحسن بن الطيب : حدثنا علي بن حجر حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصحبه» قال أبو اليمن بن عساكر : تفرد بقوله «وصحبتي» الحسن بن الطيب عن علي بن حجر ، وفيه نظر ، وهي زيادة منكرة ، قال السبكي : ولم ينفرد بها ابن الطيب ؛ فقد رواه كذلك ابن عدي في كامله من طريق الحسن بن سفيان عن علي بن حجر بالسند المتقدم ، ورواه أبو يعلى من طريق حفص بن سليمان عن كثير بن شنطير عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر بدون قوله «وصحبني».

قلت : والتشبيه بمن صحبني لا يقتضي التشبيه به من كل وجه حتى يناقضه قوله «لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا الحديث» كما زعمه بعضهم.

وروى بعض الحفاظ المعاصرين لابن منده هذا الحديث من طريق حفص بن سليمان عن ليث بلفظ «من حج فزارني في حياتي» قال السبكي : وحفص بن أبي داود وثّقه أحمد ، ثم روى ذلك عنه من طريقين ، قال : وذلك مقدم على من روى عنه تضعيفه ، وضعفه جماعة ، وهم حفص بن سليمان القارئ الغاضري على ما قاله البخاري وابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان وغيرهم ، وهو لم ينفرد بهذا الحديث ، ودعوى البيهقي انفراده به

١٧١

بحسب اطلاعه ؛ فقد جاء في الكبير والأوسط للطبراني متابعته ؛ فإنه رواه من طريق عائشة بنت يونس امرأة الليث عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» قال الهيتمي : فيه عائشة بنت يونس ، ولم أجد من ترجمها.

الحديث الخامس

روى ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن محمد بن النعمان حدثني جدي قال : حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» قاله ابن عدي : ولا أعلم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل ، ولم أر في أحاديثه حديثا غريبا قد جاوز الحد فأذكره ، وروى في صدر ترجمته عن عمران بن موسى أنه وثقه وعن موسى بن هارون أنه متهم ، قال السبكي : هذه التهمة غير مفسدة ، فالحكم بالتوثيق مقدم عليها ، والحديث ذكره الدار قطني في غرائب مالك بالسند المتقدم وقال : تفرد به هذا الشيخ وهو منكر ، والظاهر أن ذلك بحسب تفرده ، وعدم احتماله له بالنسبة إلى الإسناد المذكور ، ولا يلزم أن يكون المتن في نفسه منكرا ولا موضوعا ، وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات سرف منه.

الحديث السادس

روى الدار قطني في السنن في الكلام على حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «من استطاع أن يموت في المدينة فليفعل» من طريق موسى بن هارون عن محمد بن الحسن الجيلي عن عبد الرحمن بن المبارك عن عون بن موسى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني إلى المدينة كنت له شهيدا وشفيعا» قيل للجيلي : إنما هو سفيان بن موسى ، قال : اجعلوه علي بن موسى. قال موسى بن هارون : ورواه إبراهيم بن الحجاج عن وهيب عن أيوب عن نافع مرسلا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا أدري أسمعه إبراهيم بن الحجاج أولا؟

قلت : والصواب أنه من رواية سفيان بن موسى ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات.

قيل : وأخطأ راويه في متنه ، والمعروف من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما «من استطاع منكم أن يموت بالمدينة ـ الحديث» وفيه نظر.

الحديث السابع

روى أبو داود الطيالسي قال : حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي قال : حدثني رجل من آل عمر ، عن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «من

١٧٢

زار قبري أو قال من زارني ـ كنت له شفيعا ، أو شهيدا ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللهعزوجل في الآمنين يوم القيامة».

قال السبكي : سوّار بن ميمون روى عنه شعبة ، فدل على ثقته عنده ، فلم يبق من ينظر فيه إلا الرجل الذي من آل عمر ، والأمر فيه قريب ، لا سيما في هذه الطبقة التي هي طبقة التابعين.

الحديث الثامن

روى أبو جعفر العقيلي من رواية سوّار بن ميمون المتقدم عن رجل من آل الخطاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة» وفي رواية أخرى عن هارون بن قزعة عن رجل من آل الخطاب مرفوعا نحوه ، وزاد عقب قوله في جواري يوم القيامة «ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا ، أو شفيعا ، يوم القيامة» وقال في آخره «من الآمنين يوم القيامة» بدل «في الآمنين». وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في الثقات ، والعقيلي لم يذكر فيه أكثر من قول البخاري : إنه لا يتابع عليه ، فلم يبق فيه إلا الرجل المبهم وإرساله.

وقوله فيه «من آل الخطاب» يوافق قوله في رواية الطيالسي «من آل عمر» وقد أسنده الطيالسي عن عمر رضي الله تعالى عنه ، لكن البخاري لما ذكره في التاريخ قال : هارون بن قزعة عن رجل من ولد حاطب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من مات في أحد الحرمين» روى عنه ميمون بن سوار لا يتابع عليه ، وقال ابن حبان : إن هارون بن قزعة روى عن رجل من ولد حاطب المراسيل ، وعلى كلا التقديرين فهو مرسل جيد ، وسيأتي عن هارون بن قزعة أيضا مسندا بلفظ خر في الحديث التاسع ، قاله السبكي.

الحديث التاسع

روى الدار قطني وغيره من طريق هارون بن قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة» وفي رواية أحمد بن مروان صاحب المجالسة عن هارون بن أبي قزعة مولى حاطب عن حاطب ، والرواية «عن رجل عن حاطب» كما سبق أولى الصواب.

الحديث العاشر

روى أبو الفتح الأزدي في الثاني من فوائده من طريق عمار بن محمد : حدثني خالي سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللهرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله

١٧٣

صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج حجة الإسلام ، وزار قبري ، وغزا غزوة ، وصلى في بيت المقدس ، لم يسأله اللهعزوجل فيما افترض عليه».

قال السبكي : وعمار هو ابن أخت سفيان ، روى له مسلم والحسن بن عثمان الزيادي ، ووثقه الخطيب ، والراوي عنه ما علمت من حاله شيئا. وصاحب الخبر أبو الفتح من أهل العلم والفضل ، وكان حافظا ، ذكره الخطيب وابن السمعاني. وأثنى عليه محمد بن جعفر بن علان ، وقال أبو النجيب الأرموي : رأيت أهل الموصل يوهّنونه جدا ، وسئل البرقاني عنه ، فأشار إلى أنه كان ضعيفا ، وذكر غيره كلاما أشد من هذا الحديث.

الحديث الحادي عشر

روى أبو الفتوح سعيد بن محمد اليعقوبي في جزئه رواية إسماعيل المشهور بابن الأنباطي عنه قال فيه من طريق خالد بن يزيد : حدثنا عبد الله بن عمر العمري قال : سمعت سعيدا المقبري يقول : سمعت أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيدا ، أو شفيعا ، يوم القيامة».

وخالد بن يزيد إن كان العمري فقد قال ابن حبان : إنه منكر الحديث.

الحديث الثاني عشر

روى ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن أبي فديك عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من زارني بالمدينة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة» وفي رواية «كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة» ورواه البيهقي بهذا الطريق ، ولفظه «من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة».

وإسماعيل مجمع عليه ، وسليمان ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو حاتم : إنه منكر الحديث ليس بقوى.

قلت : وزعم ابن عبد الهادي أن روايته عن أنس منقطعة ، وأنه لم يدركه ، فإنه إنما يروى عن التابعين وأتباعهم.

الحديث الثالث عشر

روى ابن النجار في أخبار المدينة له ، قال : أنبأنا أبو محمد بن علي أخبرنا أبو يعلى الأزدي أخبرنا أخبرنا أبو إسحاق البجلي أخبرنا أبو سعيد بن أبي سعيد النيسابوري أخبرنا إبراهيم بن محمد المؤدب حدثنا محمد بن محمد حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا جعفر بن

١٧٤

هارون حدثنا سمعان بن المهدي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني ميتا فكأنما زارني حيا ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر».

قلت : لم يتكلم عليه السبكي ، وقال الذهبي : سمعان بن مهدي عن أنس لا يعرف ، ألصقت به نسخة مكذوبة ، رأيتها ، قبح الله من وضعها ، انتهى.

قال الحافظ ابن حجر : وهي من رواية محمد بن مقاتل عن جعفر بن هارون الواسطي عن سمعان ، وهي أكثر من ثلاثمائة حديث ، أكثر متونها موضوعة ، انتهى.

الحديث الرابع عشر

روى أبو جعفر العقيلي في الضعفاء في ترجمة فضالة بن سعيد بن زميل المازني من طريقه عن محمد بن يحيى المازني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا ، أو قال شفيعا» وذكره ابن عساكر من جهته بإسناده إلا أنه قال «من رآني في المنام كان كمن رآني في حياتي» والباقي سواء.

وفضالة قال العقيلي : حديثه غير محفوظ ، لا يعرف إلا به ، قال السبكي : كذا رأيته في كتاب العقيلي. ونقل ابن عساكر عنه أنه قال : لا يتابع على حديثه من جهة تثبت ، ولا يعرف إلا به. ومحمد بن يحيى المازني قال ابن عدي : أحاديثه مظلمة منكرة ، ولم يذكر ابن عدي هذا الحديث في أحاديثه ، ولم يذكر فيه ولا العقيلي في فضالة شيئا من الجرح سوى التفرد والنكارة.

الحديث الخامس عشر

روى بعض الحفاظ في زمن ابن منده قال : حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك بسرّمن رأى بنصيبين حدثنا أبو أيوب إسحاق بن يسار بن محمد النصيبي حدثنا أسيد بن زيد حدثنا عيسى بن بشير عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان» وهو في مسند الفردوس ، ولم يذكره السبكي.

وأسيد بن زيد هو الجمال ، قال الحافظ ابن حجر : هو ضعيف ، أفرط ابن معين فكذبه ، وله في البخاري حديث واحد معروف بغيره ، انتهى ، فهو ممن يستشهد به. وعيسى بن بشير : مجهول ، ومن بعده ثقة.

١٧٥

الحديث السادس عشر

روى يحيى بن الحسن بن جعفر الحسيني في أخبار المدينة له من طريق النعمان بن شبل قال : حدثنا محمد بن الفضل مديني سنة ست وسبعين عن جابر عن محمد بن علي عن علي رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جفاني» ولم يتكلم السبكي عليه.

والنعمان بن شبل : تقدم الكلام عليه في الحديث الخامس ، وعن محمد بن الفضل قال : إنه مديني ، فهو غير محمد بن الفضل بن عطية الذي كذبوه ، خلاف قول ابن عبد الهادي إنه هو ؛ لأن ذاك كوفي ، ويقال : مروزي نزل بخارى. وجابر إن كان الجعفي كما قال ابن عبد الهادي فهو ضعيف ، فيه كلام كثير وثقة شعبة والثوري. ومحمد بن علي إن كان أبا جعفر الباقر فالسند منقطع ؛ لأنه لم يدرك جده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، وإن كان ابن الحنفية فقد أدرك أباه عليا ، وقد قال أبو سعيد عبد الملك بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الجركوسي في شرف المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم : روى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن لم يزر قبري فقد جفاني». وعبد الملك هذا توفي سنة ست وأربعمائة بنيسابور ، وقبره فيها مشهور يزار ، قاله السبكي ، قال : وقد روى حديث علي من طريق أخرى ليس فيها تصريح بالرفع ، ذكرها ابن عساكر من طريق عبد الملك بن هرون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي رضي الله تعالى عنه قال : من سأل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم الدرجة والوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ، ومن زار قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في جوار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعبد الملك بن هارون بن عنترة فيه كلام كثير ، رماه يحيى بن معين وابن حبان ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال أحمد : ضعيف الحديث ، اه.

قلت : وقد رأيت في نسخة من كتاب يحيى رواية ابنه طاهر بن يحيى عنه عقب حديث عليّ المتقدم ما لفظه : حدثنا أبو يحيى محمد بن الفصل بن نباتة النميري قال : حدثنا الجمالي قال : حدثنا الثوري عن عبد الله بن السائب عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مثله ، اه. ولم أر ذلك في النسخة التي هي رواية ابن ابنه الحسين بن محمد بن يحيى عن جده يحيى.

الحديث السابع عشر

روى يحيى أيضا قال : حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن

١٧٦

بكر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «من أتى المدينة زائرا لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا» ولم يتكلم عليه السبكي.

ومحمد بن يعقوب هو أبو عمر الزبيري المدني ، صدوق. وعبد الله بن وهب ثقة ، ففيه الرجل المبهم. وبكر بن عبد الله إن كان المزني فهو تابعي جليل ؛ فيكون مرسلا ، وإن كان هو بكر بن عبد الله بن الربيع الأنصاري فهو صحابي.

الفصل الثاني

في بقية أدلة الزيارة ، وإن لم تتضمّن لفظ الزيارة نصّا

وبيان تأكد مشروعيتها وقربها من درجة الوجوب ، حتى أطلقه بعضهم عليها ، وبيان حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قبره ، ومشروعية شدّ الرحال إليه ، وصحة نذر زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والاستئجار للسلام عليه.

روى أبو داود بسند صحيح كما قال السبكي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردعليه‌السلام » وقد صدّر به البيهقي باب زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، واعتمد عليه جماعة من الأئمة فيها منهم الإمام أحمد ، قال السبكي : وهو اعتماد صحيح ؛ لتضمنه فضيلة رد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وهي عظيمة.

وذكر ابن قدامة الحديث من رواية أحمد بلفظ «ما من أحد يسلّم عليّ عند قبري» فإن ثبت فهو صريح في تخصيص هذه الفضيلة بالمسلم عند القبر ، وإلا فالمسلّم عند القبر امتاز بالمواجهة بالخطاب ابتداء وجوابا ، ففيه فضيلة زائدة على الرد على الغائب ، مع أن السلام عليه صلى الله تعالى عليه وسلم على نوعين : الأول ما يقصد الدعاء منا بالتسليم عليه من الله ، سواء كان بلفظ الغيبة أو الحضور ، كقولنا : صلى الله تعالى عليه وسلم ، والصلاة والسلام عليك يا رسول الله ، سواء كان من الغائب عنه أو الحاضر عنده ، وهذا هو الذي قيل باختصاصه بهصلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الأمة ، حتى لا يسلم على غيره من الأمة إلا تبعا كالصلاة عليه ، فلا يقال : فلانعليه‌السلام . الثاني : ما يقصد به التحية كسلام الزائر إذا وصل إلى قبره ، وهو غير مختص ، بل يعم الأمة ، وهو مبتدع للرد على المسلم بنفسه أو برسوله فيحصل ذلك منهعليه‌السلام . وأما الأول فالله أعلم ، فإن ثبت امتاز الثاني بالقرب والخطاب ، وإلا فقد حرم من لم يزر هذه الفضيلة ، وهو مقتضي ما فسر به الحديث الإمام الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله بن زيد المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري ، حيث قال في قوله «ما من أحد يسلم عليّ الحديث" : هذا في الزيارة إذا زارني فسلّم عليّ رد الله عليّ

١٧٧

روحي حتى أرد عليه ، وأما حديث «أتاني ملك فقال يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليه أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ، أو لا يسلم عليك إلا سلمت عليه عشرا ؛ فالظاهر أنه في السلام بالنوع الأول.

وروى النسائي وإسماعيل القاضي بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغون من أمتي السلام ، وجاءت أحاديث أخرى في عرض الملك لصلاة الأمة وسلامها على النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا في حق الغائب. وأما الحاضر عند القبر ، فهل يكون كذلك أو يسمعه صلى الله تعالى عليه وسلم بلا واسطة؟ فيه حديثان : أحدهما : «من صلى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى علي نائيا بلّغته» رواه جماعة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعا من طريق أبي عبد الرحمن محمد بن مروان السدي الصغير ، وهو ضعيف. قال الطيالسي : حدثنا العلاء بن محمود حدثنا أبو عبد الرحمن قال البيهقي : أبو عبد الرحمن هذا هو محمد بن مروان السدي فيما أرى وفيه نظر ، انتهى. قلت : وروى نحوه أبو محمد عبد الرحمن بن حمدان بن عبد الرحمن بن المرزبان الخلال من طريق أبي البحتري ، وهو ضعيف جدا ، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «من صلى عليّ عند قبري رددت عليه ، ومن صلى علي في مكان آخر بلغونيه». والحديث الثاني وهو أضعف من الأول عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أيضا «من صلى علي عند قبري وكّل الله بها ملكا يبلغني ، وكفى أمر آخرته ، وكنت له شهيدا وشفيعا» وفي رواية «ما من عبد يسلم علي عند قبري إلا وكل الله بها ملكا يبلغني ، وكفى أمر آخرته ودنياه ، وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة» فإن ثبت الأول فكفى بذلك شرفا ، وإلا فهو مرجو ، فينبغي الحرص عليه ، قال السبكي : وسيأتي ما يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يسمع من يسلم عليه عند قبره ويرد عليه عالما بحضوره عند قبره. وكفى بهذا فضلا حقيقا بأن ينفق فيه ملك الدنيا حتى يتوصل إليه من أقطار الأرض.

قلت : روى عبد الحق في الأحكام الصغرى وقال : إسناده صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه ، وردعليه‌السلام » ورواه ابن عبد البر وصححه كما نقله ابن تيمية ، لكن بلفظ «ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا ردّ الله عليه روحه حتى يردعليه‌السلام » وقال عبد الحق في كتاب العاقبة : ويروى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها «ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده

١٧٨

إلا استأنس به حتى يقوم» وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه ردعليه‌السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه ردعليه‌السلام .

والآثار في هذا المعنى كثيرة ، وقد ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ـ كما نقه ابن عبد الهادي ـ أن الشهداء بل كل المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلّم عليهم عرفوا به ، وردواعليه‌السلام ، فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فكيف بسيد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وسلم ؟

وذكر البارزي في «توثيق عرى الإيمان» عن سليمان بن سحيم قال : رأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه سلامهم؟ قال : وأرد عليهم.

وروى ابن النجار عن إبراهيم بن بشار ، قال : حججت في بعض السنين ، فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلمت عليه ، فسمعت من داخل الحجرة : وعليك السلام ، وقد نقل مثل ذلك عن جماعة من الأولياء والصالحين.

ولا شك في حياته صلى الله تعالى عليه وسلم بعد وفاته ، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أحياء في قبورهم حياة أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله تعالى بها في كتابه العزيز ، ونبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم سيد الشهداء ، وأعمال الشهداء في ميزانه ، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم «علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي» رواه الحافظ المنذري.

وروى ابن عدي في كامله عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» ورواه أبو يعلى برجال ثقات ، ورواه البيهقي وصححه ، وروى من طريق ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ ـ عن ثابت عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ، ولكن يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور» قال البيهقي :وإن صح بهذا اللفظ فالمراد والله أعلم ـ لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ، ثم يكونوا مصلين فيما بين يدي الله تعالى.

قال البيهقي : ولحياة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ـ بعد موتهم شواهد من الأحاديث الصحيحة ، ثم ذكر حديث «مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره» وغيره من أحاديث لقاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الأنبياء وصلاته بهم ، وحديث الصحيحين «فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن

١٧٩

استثنى اللهعزوجل » قال البيهقي : وهذا إنما يصح على أن اللهعزوجل يردّ على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أرواحهم ، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ، ثم لا يكون ذلك موتا في جميع معانيه ، إلا في ذهاب الاستشعار في تلك الحالة. ويقال : إن الشهداء ممن استثنى اللهعزوجل بقوله :( إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ) قال : وروينا في ذلك خبرا مرفوعا ، وذكر أيضا حديث أوس بن أوس مرفوعا «أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا : وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ يقولون بليت ، فقال «إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ، وذكر البيهقي له شواهد ، ثم ذكر حديث «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغون عن أمتي السلام» وغيره.

وروى ابن ماجه بإسناد جيد ـ كما قال المنذري ـ عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم «أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحد يصلّي علي إلا عرضت عليّ صلاته حين يفرغ منها» قال : قلت : وبعد الموت؟ قال «وبعد الموت ، إن الله حرم عليّ الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» فنبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم حي يرزق ، هذا لفظ ابن ماجه ، قال السبكي : وفي إسناده زيد بن أيمن عن عبادة بن نسئ ، إلا أنه بتقوى باعتضاده بغيره.

وروى البزار برجال الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن لله ملائكة سيّاحين يبلغونّي عن أمتي» قال : وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «حياتي خير لكم ، تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ، فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم».

وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي في أجوبة مسائل الجاجرميين : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا : إن نبينا محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم حي بعد وفاته ، يسرّ بطاعات أمته ، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يبلون ، وسيأتي في الفصل الثالث قول ابن حبيب :فإنهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يسمع ويعلم وقوفك بين يديه.

وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد : الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد ما قبضوا ردّت إليهم أرواحهم ؛ فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة المعراج جماعة منهم ، قال : وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتابا.

قلت : ويؤيد ذلك حديث «إن عيسى ابن مريمعليه‌السلام مار بالمدينة حاجا أو معتمرا ، وإن سلم عليّ لأردّنّ عليه».

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تجالسوهم يعني المرجئة لعنهم الله ولعن [ الله ] مللهم المشركة الذين لا يعبدون الله على شيء من الأشياء.

باب

المؤلفة قلوبهم

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر وعلي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل جميعا ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة [ من يعبد ] من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلمهم.

الذين في مللهم كثرة « على شيء من الأشياء » أي على عبادة من العبادات أو على ملة من الملل.

باب المؤلفة قلوبهم

الحديث الأول : مرسل.

وقوله : أن محمدا ، متعلق بالمعرفة أي معرفة أن محمدا رسول الله ، ويمكن أن يكون هذا أحد أقسام المؤلفة ، والقسم الآخر أن يقروا بالرسالة ويشكوا في بعض ما جاء به كالولاية وقسمة الأموال وأمثال ذلك ، ويحتمل أن يكون هذا الخبر شاملا للقسمين ، أي لم يقروا بالرسالة كما هو حقها إما بنفيها رأسا أو بإثباتها مجملا ، والشك في بعض ما جاء به النبي من عند الله ، فلا تنافي بين الأخبار.

« ويعرفهم » أي رسالته بالبراهين والمعجزات « لكيما يعرفوا » ويعلمهم شرائع الدين ، أو يعرفهم أصل الرسالة ويعلمهم أن ما أتى به هو من عند الله أو هو تأكيد ، وقد يقرأ يعلمهم على بناء المعلوم أي والحال أنه يعلمهم ويعرفهم ، وقيل

٢٢١

الظاهر أن يعلمهم عطف على يعرفهم ، وأن الضمير فيهما راجع إلى المؤلفة ، وأن قوله لكيما يعرفوا على صيغة المجهول علة لهما ، والمقصود أن إعطاءهم لأمرين أحدهما تأليف قلوبهم بالمال ليثبت إسلامهم ويستقر في قلوبهم ، وثانيهما أن يعرفهم ويعلمهم بأعيانهم لأصحابه حتى يعرفوهم بأنهم من الذين لم يثبت إيمانهم في قلوبهم ، وأنهم مؤلفة ، ولا يخفى ما فيه.

واعلم أن المؤلفة قلوبهم صنف من أصناف مستحقي الزكاة قال تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ »(١) ويظهر من هذه الأخبار أنهم قوم أظهروا الإسلام ولم يستقروا فيه ، فهم إما منافقون أو شكاك جعل الله لهم حصة من الزكاة والغنائم تأليفا لقلوبهم ليستقروا في الدين ويستعين بهم على جهاد المشركين ، قال ابن الأثير في النهاية : في حديث حنين : إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم ، التآلف المداراة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال ، انتهى.

والمشهور بين أصحابنا أنهم كفار يستمالون للجهاد ، وقال المفيد : المؤلفة قسمان مسلمون ومشركون ، وقال العلامة في القواعد : المؤلفة قسمان كفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام ، ومسلمون إما من ساداتهم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام ، وإما سادات مطاعون ترجى بعطائهم قوة إيمانهم ، ومساعدة قومهم في الجهاد ، وإما مسلمون في الأطراف إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول ، وإما مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها ، وقيل : المؤلفة الكفار خاصة.

ونقل الشهيد في الدروس عن أبي الجنيد أنه قال : المؤلفة هم المنافقون ، وفي مؤلفة الإسلام قولان أقربها أنهم يأخذون من سهم سبيل الله ، وقال بعض

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٢٢٢

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ »(١) قال هم قوم وحدوا الله عز وجل وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر الله عز وجل نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروابه.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة

الأصحاب : للإمام أن يتألف هؤلاء إن شاء من سهم المؤلفة ، وإن شاء من سهم المصالح ، وسيأتي تمام القول فيه في كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« وهم في ذلك » أي مع ذلك ، وقال في المصباح : حنين مصغرا واد بين مكة والطائف ، وهو مذكر منصرف ، وقد يؤنث على معنى البقعة ، وقصة حنين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة في رمضان سنة ثمان ، ثم خرج منها ـ وقد بقيت من شهر رمضان أيام لقتال هوازن وثقيف ، فسار إلى حنين ، فلما التقى الجمعان انكشف المسلمون ، ثم أمدهم الله بنصره فعطفوا وانهزم المشركون إلى أوطاس وغنم المسلمون ، أموالهم وأهليهم ثم منهم من سار على نخلة اليمامة ، ومنهم من سلك الثنايا ، وتبعت خيل رسول الله من سلك نخلة ويقال إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام عليها يوما وليلة ، ثم سار إلى أوطاس فاقتتلوا وانهزم المشركون إلى الطائف ، وغنم المسلمون منها أيضا أموالهم وأولادهم ، ثم سار إلى الطائف فقاتلهم بقية شوال ، فلما أهل ذو القعدة رحل عنها راجعا فنزل الجعرانة وقسم بها غنائم أوطاس وحنين ،

__________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٢٢٣

فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الكلام فقال نعم فقال إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله الله رضينا وإن كان غير ذلك لم نرض قال زرارة وسمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد فقالوا سيدنا الله ورسوله ثم قالوا في الثالثة نحن على مثل قوله ورأيه قال زرارة فسمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول فحط الله نورهم وفرض الله للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن.

٣ ـ علي ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم.

وقيل : كانت ستة آلاف سبي ، انتهى.

ومضر كزفر أبو قبيلة عظيمة ، قريش شعبة منها ، وفي القاموس : الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء ، وقال الشافعي : التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف ، وفي المصباح على سبعة أميال من مكة ، وكان سبب غضب الأنصار أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل بعض قريش عليهم في العطاء تأليفا لقلوبهم « فحط الله نورهم » أي نور إيمانهم ، وجعل درجة إيمانهم نازلة ناقصة فصاروا بحيث قالوا في السقيفة منا أمير ومنكم أمير ، وفرض للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن رغما لهم أو دفعا لاعتراضهم.

الحديث الثالث : مرسل.

والمراد بكثرتهم أن أصناف المسلمين لما كثروا وتضاعف أطماعهم وقل الديانون منهم ، كان هذا الصنف الذين كان يتألفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر لا أن حكم التأليف جار في هذا الزمان ، ويحتمل أن يكون المراد أن إمام الحق أيضا بحسب قدرته وبسط يده يفعل ذلك بهم ، لأنهمعليهم‌السلام كان يعطون بعض المخالفين والمستضعفين لتأليف قلوبهم ودفع الضرر عنهم وعن شيعتهم ، وأما أمير المؤمنينعليه‌السلام فالمعروف من سيرته أنه لم يكن مأمورا بذلك ، بل كان يقسم

٢٢٤

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن إسحاق بن غالب قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية : «فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ »(١) قال : ثم قال : هم

بالسوية ، نعم كان يعطي الولايات بعض المنافقين كزياد بن أبيه وأمثاله بظاهر الإسلام ، ويظهر من الأخبار أن القائمعليه‌السلام يسير بسيرة أمير المؤمنينعليه‌السلام ويعمل بمر الحق ، فما ذكرنا أولا أظهر.

واعلم أن الأصحاب اختلفوا في بقاء سهم المؤلفة في زمن الغيبة ، والمشهور بينهم سقوطه ، قال العلامة في النهاية : لو فرضت الحاجة إلى المؤلفة في يومنا بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفار ، فالأقوى عندي جواز صرف السهم إليهم ، وفيه رد على بعض العامة ، حيث قال : سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وكثر أهله سقط ، ولذلك لما تولى أبو بكر منع المؤلفة لكثرة المسلمين وعدم الحاجة إليهم ، ولم يعلم أن إعطاءهم ليس لمحض الجهاد بل قد يكون لرسوخهم في الإسلام ، أو لرغبة نظرائهم أو غير ذلك كما مر.

الحديث الرابع : حسن كالموثق.

«فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا » قيل : لما قسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غنائم حنين وألف قلوب المؤلفة بتوفير العطاء عليهم قال بعض المنافقين : اعدل يا رسول الله ، قال : ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ فنزل قوله تعالى «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا » الآية أي منهم من يعيبك وينسبك إلى الجور في تقسيمها ، وقد أشارعليه‌السلام إلى أن المعترضين على الإمام لو ملك الأرض وقسم الغنائم على ما فرضه الله أكثر بكثير من المعترضين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو المعنى أن هؤلاء لو كانوا في ذلك الزمان كانوا من المعترضين ، أو أن كل من تولى قسمة حق من الحقوق يرى ذلك فيهم ، سواء كان من أئمة الحق أو نوابهم من علماء الدين يجدون ذلك في أكثر الناس ،

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٨.

٢٢٥

أكثر من ثلثي الناس.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن حسان ، عن موسى بن بكر ، عن رجل قال قال أبو جعفرعليه‌السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلوبهم وما جاء به فتألفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتألفهم المؤمنون بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكيما يعرفوا.

باب

في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال كان الطيار يقول لي إبليس ليس من الملائكة وإنما أمرت الملائكة بالسجودلآدمعليه‌السلام فقال إبليس لا أسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟ قال

ولا يخفى ذلك على من تصدى بشيء من ذلك.

الحديث الخامس : ضعيف.

وظاهره بقاء سهم المؤلفة في سائر الأزمنة ، وإن احتمل أن يكون المراد بالمؤمنين الأئمةعليهم‌السلام ، ولا يبعد شموله لنوابهمعليهم‌السلام في زمن الغيبة ، بناء على التعليل الوارد في تلك الأخبار ، فإنه غير ما ذكره الأصحاب والله يعلم.

باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« وإنما أمرت الملائكة » الحصر ممنوع وإنما يتم لو قال الله تعالى : يا ملائكتي اسجدوا أو نحو ذلك ، وذلك غير معلوم لجواز أن يكون الخطاب اسجدوا مخاطبا لهم مشافهة بدون ذكر الملائكة ، نعم في قوله تعالى : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ » تجوز لما ذكرهعليه‌السلام أو تغليب ، والمنافقون هم المقرون بالنبي ظاهرا والمنكرون

٢٢٦

فدخلت أنا وهو على أبي عبد اللهعليه‌السلام قال فأحسن والله في المسألة فقال جعلت فداك أرأيت ما ندب الله عز وجل إليه المؤمنين من قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » أدخل في ذلك المنافقون معهم قال نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم.

له باطنا ، و الضلال هم المقرون به ظاهرا وباطنا إلا أنهم أخطأوا سبيل الحق ولم يعرفوا الحجة ، فضلوا.

إذا عرفت هذا فنقول : لما علم الطيار أن المنافقين غير مؤمنين حقيقة لعدم اتصافهم بالإيمان وهو الإقرار باطنا ، وكذا إبليس لم يكن من الملائكة وإن شاركهم في الصورة الظاهرة والمخالفة والكون معهم ، أحسن في المسألة واستفهم عن دخولهم في خطاب المؤمنين وعدمه ليجعله ذريعة إلى ما هو مقصوده ، ولم يكن موهما للاعتراض على الله تعالى ، أو إن أجابعليه‌السلام بعدم الدخول كانت شبهته أقوى ، والأول أقرب إلى الأدب ، فأجابعليه‌السلام بأنهم داخلون في خطاب المؤمنين باعتبار أن المراد بالمؤمنين المؤمنون بحسب الظاهر.

ثم إنهعليه‌السلام لما علم بالإعجاز مقصوده من هذا السؤال صرح به وبين أن إبليس كان داخلا في خطاب الملائكة ، باعتبار أن المراد بالملائكة من هو بصورتهم الظاهرة ، فيشمل إبليس لأنه كان معهم وفي صورتهم بحسب الظاهر ، والحاصل أن الأمر بالسجود من الله تعالى إنما توجه إلى من كان ظاهرا من الملائكة ومخلوطا بهم ، وإن لم يكن منهم ، وكان إبليس لا طاعته ظاهرا وإقراره بالدعوة الظاهرة مخلوطا معهم ومعدودا منهم ، كما أن المنافقين وإن لم يكونوا مؤمنين واقعا شملهم خطاب المؤمنين لكونهم ظاهرا في عدادهم.

وأقول : إن المخالفين اختلفوا في كون إبليس من الملائكة أو الجن ، والمشهور بين أصحابنا الإمامية كونه من الجن ، وذهب الشيخ في التبيان إلى أنه كان من

٢٢٧

باب

في قوله تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ »

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل وزرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ »(١) قال زرارة سألت عنها أبا جعفرعليه‌السلام فقال هؤلاء قوم عبدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشكوا في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به فتكلموا

الملائكة وظاهر الآية والأخبار المعتبرة كهذا الخبر هو الأول ، وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

باب في قوله تعالى «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ »

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » في القاموس أي وجه واحد وهو أن يعبده على السراء والضراء أو على شك أو على غير طمأنينة على أمره ، أي لا يدخل في الدين متمكنا.

وقال البيضاوي : أي على طرف من الدين لإثبات له فيه ، كالذي يكون على طرف الجيش إن أحس بظفر قر وإلا فر ، روي أنها نزلت في أعاريب قدموا إلى المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهرا سريا وولدت امرأته غلاما سويا وكثر ماله وماشيته ، قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا واطمأن ، وإن كان الأمر بخلافه قال : ما أصبت إلا شرا وانقلب.

وعن أبي سعيد أن يهوديا أسلم فأصابته مصائب فتشأم بالإسلام فأتى النبي

__________________

(١) سورة الحجّ : ١١.

٢٢٨

بالإسلام وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقروا بالقرآن وهم في ذلك شاكون في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به وليسوا شكاكا في الله قال الله عز وجل : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » يعني على شك في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به «فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ » يعني عافية في نفسه وماله وولده «اطْمَأَنَّ بِهِ » ورضي به «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ » يعني بلاء في جسده أو ماله تطير وكره المقام على الإقرار بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع إلى الوقوف والشك فنصب العداوة لله ولرسوله والجحود بالنبي وما جاء به.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » قال هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله فخرجوا من الشرك ولم يعرفوا أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله فهم يعبدون الله على شك في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا ننظر فإن كثرت

عليه‌السلام فقال : أقلني. فقال : إن الإسلام لا يقال ، فنزلت.

قوله : « وشهدوا » أي باللسان لا بالجنان بقرينة نسبة الشك إليهم في موضعين ، وقال الجوهري : تطيرت من الشيء وبالشيء والاسم منه الطيرة كالغيبة ، وهو ما يتشأم به من الفال « إلى الوقوف » أي على الكفر أو التوقف في أمر الدين.

الحديث الثاني : ضعيف كالموثق وسنده الثاني مرسل.

والشكاك بضم الشين وتشديد الكاف جمع شاك(١) « وقالوا ننظر » جعلوا حصول المعافاة وكثرة الأموال والأولاد دليلا على صدق الرسول وحقيته لزعمهم أن كل ما يورث ذلك فهو مبارك وكل ما هو بخلافه فهو شؤم ، ولم يعلموا أن نزول البلايا والمصائب على المؤمنين من لدن آدمعليه‌السلام إلى آخر الدهر كان أكثر من نزولها على غيرهم ، وأن بناءه كأصل التكليف على الاختيار والامتحان ، وقد

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّ هذا من تتمة ما ذكره في شرح الحديث الأوّل لأنّ لفظ الشكاك موجود فيه دون الحديث الثاني.

٢٢٩

أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنه صادق وأنه رسول الله وإن كان غير ذلك نظرنا.

قال الله عز وجل : «فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ » يعني عافية في الدنيا : «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ » يعني بلاء في نفسه [ وماله ] «انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ » انقلب على شكه إلى الشرك «خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ » قال ينقلب مشركا يدعو غير الله ويعبد غيره فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه فيؤمن ويصدق ويزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان ومنهم من يثبت على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك.

علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة مثله.

أشار إليه عز وجل بقوله : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » إلى قوله : «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »(١) .

« انقلب على وجهه » كأنهعليه‌السلام فسر الوجه بالحالة التي هو عليها أي رجع من حالة الشك إلى الشرك ، أو بسبب تلك الحالة إلى الشرك ، أو يكون بيانا لحاصل المعنى أي رجع إلى الجهة التي أتى منه ، والحاصل أنه ينتقل من شكه في رسول الله بعد نزول البلايا إلى الشرك بالله.

«خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ » أما خسرانه في الدنيا فلورود البلايا عليه وذهاب عصمته ، وأما خسرانه في الآخرة فلحبوط عمله بالارتداد ، و ذلك هو الخسران المبين لخسرانه في منافع الدارين جميعا «يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ » أي يعبد جمادا لا يضر بنفسه ولا ينفع « فمنهم من يعرف » قسمعليه‌السلام من خرج عن الشرك وشك في محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به على ثلاثة أقسام ، فمنهم من يعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقربه ظاهرا وباطنا ويزول عنه الشك بمشاهدة الآيات والمعجزات والهدايات الخاصة ، ومنهم من يثبت على شكه فيه ويقيم عليه ، ومنهم من ينتقل

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٥.

٢٣٠

باب

أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرا أو ضالا

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن عياش ، عن سليم بن قيس قال سمعت عليا صلوات الله عليه يقول وأتاه رجل فقال له ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا وأدنى ما يكون به العبد كافرا وأدنى ما يكون به العبد ضالا فقال له قد سألت فافهم الجواب أما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقر له بالطاعة ويعرفه نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقر له بالطاعة ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة قلت له يا أمير المؤمنين وإن جهل

من الشك إلى الشرك.

باب نادر

وفي بعض النسخ : باب أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أو كافرا أو ضالا.

الحديث الأول : مختلف فيه معتبر عندي.

ومفعول يقول محذوف يدل عليه ، فقال له قد سألت ، إلى آخر الكلام.

« أن يعرفه الله تعالى نفسه » تعريف الرب يتحقق بما أظهر من آيات وجوده وقدرته وعلمه وحكمته وسائر صفاته الكمالية والفعلية في الآفاق والأنفس ، ويتحقق تعريف النبي بما خصه من المعجزات البينات والأفعال الخارقة للعادات ، ويتحقق تعريف الحجة بالنصوص النبوية والعلوم الدينية والمعجزات الجلية والكرامات العلية ، والمراد بالإقرار الإقرار بالجنان أو الأعم منه ومن الإقرار باللسان ، وظاهره أن الإيمان هو التصديق والإذعان مع الإقرار الظاهري وقد مر أنه يشترط فيه عدم فعل ما يتضمن الإنكار ، وأما اشتراط الأعمال الصالحة

٢٣١

جميع الأشياء إلا ما وصفت قال نعم إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.

وأدنى ما يكون به العبد كافرا من زعم أن شيئا نهى الله عنه أن الله أمر به ونصبه دينا يتولى عليه ويزعم أنه يعبد الذي أمره به وإنما يعبد الشيطان.

وأدنى ما يكون به العبد ضالا أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عز وجل بطاعته وفرض ولايته قلت يا أمير المؤمنين صفهم لي فقال الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه ونبيه فقال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(١) قلت يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أوضح لي فقال الذين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر خطبته يوم قبضه الله

وترك المعاصي فالمشهور أنها شرط لكمال الإيمان وقد مر الكلام فيه مفصلا.

« من زعم » أي حال من زعم أن الله أمر به ، ظاهره أن الابتداع في الدين يوجب الكفر ، فلو كان في أصول الدين أو متضمنا لإنكار بعض ضرورياته فلا ريب فيه ، ومنه إنكار إمامة أحد من الأئمةعليهم‌السلام ، وأما إذا كان في الفروع ولم يكن ضروريا للدين فالكفر بالمعنى الذي يطلق على أصحاب الكبائر « ويزعم أنه يعبد الذي أمره به » أي يزعمه وهو الرب تعالى وإلا فالآمر والمعبود واحد وهو الشيطان « أن لا يعرف حجة الله » عدم معرفة الحجة وإن كان أعم من الاعتقاد بعدم كونه حجة ومن عدم الاعتقاد مطلقا ، لكن المراد هنا هو الثاني لأن الأول كفر ، ومن قدم الطاغوت على الحجة فهو داخل في الأول ، وفي الكلام السابق إشعار به.

« أطيعوا الله » إلخ حذف مفعول الإطاعة للدلالة على التعميم ، فوجب إطاعة أولي الأمر في جميع الأمور كما وجب إطاعة الله وإطاعة رسوله فيها ، فلا يجوز أن يراد بأولى الأمر السلطان الجائر ، بل غير المعصوم مطلقا ، إذ لا يجوز إطاعته في أكثر الأمور ، وقد مر تفصيله في باب ما نص الله ورسوله على الأئمةعليهم‌السلام .

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٥.

٢٣٢

عزوجل إليه إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهماكتاب الله وعترتي أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض كهاتين وجمع بين مسبحتيه ولا أقول كهاتين وجمع بين المسبحة والوسطى فتسبق إحداهما الأخرى فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا.

« إني قد تركت فيكم أمرين » لو كان لهذه الأمة متمسك غيرهما لذكره ، والحديث متفق عليه بين الخاصة والعامة ، وعدم الافتراق باعتبار أن الكتاب يدل على إمامتهم ، وهم يشهدون بحقية الكتاب ويثبتونه ، أو أن تمام القرآن لفظا وتفسيره وتأويله معنى عندهم فهما لا يفترقان ، أو هما متساوقان في الشرف والفضل والحجية ، وكونهما وسيلة لنجاة الأمة ، أو أنهما متحدان حقيقة ، وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أنا كلام الله الناطق وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب القرآن إنشاء الله.

وقيل : أي لن يفترقا في وجوب التمسك والحجية فلو كان عليعليه‌السلام حجة بعد الثلاث وقد كان القرآن حجة بعد النبي بلا فصل لزم الافتراق وأنه باطل.

« ولا تقدموهم » أي لا تتقدموهم ، والضمير للعترة وقد يقال أنه من باب التفعيل والضمير للغاصبين الثلاثة ، ولا يخفى بعده.

٢٣٣

باب

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه.

باب أي نادر

الحديث الأول : ضعيف.

« أطلقوا للناس » قال والد شيخنا البهائيقدس‌سره : قيل : في معناه أن المراد أطلقوهم ولم يكلفوهم تعليم الإيمان ، وجعلوهم فارغين من ذلك لأنهم لو حملوهم وكلفوهم تعليم الإيمان لما عرفوه ، وذلك إنما هو أهل البيتعليهم‌السلام وهم أعداء أهل البيت ، فكيف يكلفون الناس تعليم شيء يكون سببا لزوال دولتهم وحكمهم وزيادتهم بخلاف الشرك ، ولا يخفى بعده ، بل الظاهر أن المراد أنهم لم يعلموهم ما يخرجهم من الإسلام من إنكار نص النبي والخروج على أمير المؤمنينعليه‌السلام وسبه وإظهار عداوة النبي وأهل بيته وغير ذلك ، لئلا يأبوا عنها إذا حملوهم عليها ، ولم يعرفوا أنها شرك وكفر.

وبعبارة أخرى يعني أنهم لحرصهم على إطاعة الناس إياهم اقتصروا لهم على تعريف الإيمان ولا يعرفوهم معنى الشرك لكي إذا حملوهم على إطاعتهم إياهم لم يعرفوا أنها من الشرك فإنهم إذا عرفوا أن إطاعتهم شرك لم يطيعوهم.

٢٣٤

باب

ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن حسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام لم يكون الرجل عند الله مؤمنا قد ثبت له الإيمان عنده ثم ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر قال فقال إن الله عز وجل هو العدل إنما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ولا يدعو أحدا إلى الكفر به فمن آمن بالله ثم ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله

الحديث الأول : صحيح.

« لم ينقله الله » لعل المراد أن الله لم ينقله بل ينتقل هو بنفسه ، أو المعنى أن ما ينقله الله يظهر أنه لم يكن مؤمنا باطنا عند الله وتفصيله أنه سأل عن سبب نقل ثابت الإيمان منه إلى الكفر إلا أنه نسب النقل إلى الله عز وجل مجازا باعتبار خذلانه له وسلب لطفه وتوفيقه منه ، أو عن سبب نقله عز وجل إياه حقيقة لزعمه أن الكفر والإيمان من فعله عزوجل.

والجواب على الأول أن الله عادل ومن عدله أنه دعا الناس إلى الإيمان لا إلى الكفر ، فمن آمن به وثبت إيمانه في علمه لم ينقله من الإيمان إلى الكفر ، ولم يسلب عنه لطفه وتوفيقه أبدا وهو يخرج من الدنيا مؤمنا ، وما قد يتفق من نقل المؤمن إلى الكفر فإنما هو إذا كان الإيمان مستودعا غير ثابت.

وعلى الثاني أنه تعالى عادل لا يجور ، ولو كان الإيمان والكفر والنقل من الأول إلى الثاني من فعله تعالى لزم الجور والظلم ، وإنما فعله دعاء الناس إلى الإيمان لا إلى الكفر وهدايتهم إلى منافع الأول ومضار الثاني ، فمن آمن به وثبت له

٢٣٥

عز وجل [ بعد ذلك ] من الإيمان إلى الكفر قلت له فيكون الرجل كافرا قد ثبت له الكفر عند الله ثم ينقله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان قال فقال إن الله

الإيمان واستقر في قلبه لم ينقله إلى الكفر ، ولم يسلب عنه توفيقه.

« وقلت له : فيكون الرجل كافرا » يحتمل الخبر والاستفهام ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلان السائل لما علم بالجواب المذكور أن من ثبت إيمانه لم ينقله الله إلى الكفر بسلب التوفيق عنه ، سأل عن حال من ثبت كفره هل ينقله الله من الكفر إلى الإيمان بهذا التوفيق واللطف أم لا؟ وانطباق الجواب على الأول ظاهر ، لإشعاره بأنه ممن هداه لعدم إبطاله الفطرة الأصلية بالكلية ، فلذلك تداركته العناية الإلهية ، وأما انطباقه على الثاني ففيه خفاء إذ لم يصرحعليه‌السلام بما سأله عنه إلا أنه أشار إلى تقرير قاعدة كلية للتنبيه على أن المقصود الأهم هو معرفتها والتصديق بها.

وهي أن الله تعالى خلق الناس على نحو من الفطرة ، وهي كونهم قابلين للخير والشر وهداهم إليها ببعث الرسل ، وهم يدعونها إلى الإيمان وإلى سبيل الخير ، وينهونهم عن سبيل الكفر والشر ، فمنهم من هداه الله عز وجل بالهدايات الخاصة لعدم إبطاله الفطرة الأصلية وتفكره في أنه من أين جاء وإلى أين نزل ، وأي شيء يطلب منه ، واستماعه إلى نداء الحق ، فإنه عند ذلك يتلقاه اللطف والتوفيق والرحمة ، كما قال عز وجل : «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا »(١) .

ومنهم من لم يهده الله عز وجل لإبطاله فطرته وعدم تفكره فيما ذكر وإعراضه عن سماع نداء الحق ، فيسلب عنه الرحمة واللطف والتوفيق ، وهو المراد من عدم هدايته له.

وقد أشارعليه‌السلام بتقرير هذه المقدمة إلى أن الواجب عليكم أن تعلموا وتصدقوا بأن كل من آمن به فإنما آمن لأجل هدايته الخاصة ، وكل من

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

٢٣٦

عز وجل خلق الناس كلهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون إيمانا بشريعة ولا كفرا بجحود ثم بعث الله الرسل تدعوا العباد إلى الإيمان به «فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ » ومنهم من لم يهده الله.

لم يؤمن به فلفقد استحقاقه تلك الهداية كذا قيل.

وأقول : الظاهر أن كلام السائل استفهام ، وحاصل الجواب أن الله تعالى خلق العباد على الفطرة قابلة للإيمان ، وأتم على جميعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج ، فليس لأحد منهم حجة على الله في القيامة ولم يكن أحد منهم مجبورا على الكفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصير في الهداية ، وإقامة الحجة ، لكن بعضهم استحق الهدايات الخاصة منه تعالى ، فصارت مؤيدة لإيمانهم وبعضهم لم يستحق ذلك لسوء اختياره ، فمنعهم تلك الألطاف فكفروا ومع ذلك لم يكونوا مجبورين ولا مجبولين على الكفر ، وهذا معنى الأمر بين الأمرين كما عرفت مرارا.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله : فمنهم من هدى الله ، منهم من اهتدى بتلك الهداية العامة ، ومنهم من لم يهده الله أي لم يهتد بتلك الهداية ، وهذا أوفق بمسلك المتكلمين ، والأول أنسب بسائر الأخبار والله أعلم بحقيقة الأسرار.

ثم اعلم أنه اختلف أصحابنا في أنه هل يمكن زوال الإيمان بعد تحققه حقيقة أم لا ، قال الشهيد الثانيقدس‌سره في رسالة حقائق الإيمان : المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا؟ ولا خلاف أنه لا يمكن ما دام الوصف ، وإنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره ، فذهب أكثر الأصوليين إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه ، وذلك لأن زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال أمر ممكن ، لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال.

لا يقال : نمنع عدم لزوم المحال من فرض وقوعه وذلك لأن زوال الضد

٢٣٧

بطريان الآخر يلزم منه الترجيح من غير مرجح ، بل ترجيح المرجوح لأن الضد الموجود راجح الوجود لوجوده ، والمعدوم مرجوح فكيف يترجح على الراجح وكلاهما محال؟ وكذا الحكم في الأمثال.

لأنا نقول : المرجح موجود وهو الفاعل المختار القادر على الإيجاد والإعدام ، حتى في الحقائق الوجودية فكيف بالحقائق الاعتبارية ولا ريب أن الإيمان والكفر حقيقتان اعتباريتان للشارع ، فاعتبر الاتصاف بالإيمان عند حصول عقائد مخصوصة ، وانتفائه عند انتفائها ، وكلاهما مقدوران للمعتقد ، وظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه ، كقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً »(١) وقوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ »(٢) .

وذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو غيره ، ونسب ذلك إلى السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه مستدلا بأن ثواب الإيمان دائم والإحباط والموافاة عنده باطلان.

أما الإحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الإحسان والإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما ، أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة وبمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما ، أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة وبمنزلة من لم يسيء مع العكس ، واللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله.

وأما الموافاة فليست عندنا شرطا في استحقاق الثواب بالإيمان لأن وجوه الأفعال وشروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن يكون منفصلة عنها ولا متأخرة عن وقت حدوثها ، والموافاة منفصلة عن وقت حدوث الإيمان ، فلا يكون

__________________

(١) سورة النساء : ١٣٧.

(٢) كذا في النسخ والآية في سورة آل عمران (١٠٠) هكذا : « ان تتبعوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ ».

٢٣٨

وجها ولا شرطا في استحقاق الثواب ، لا يقال : الثواب إنما يستحقه العبد على الفعل كما هو مذهب العدلية ، والإيمان ليس فعلا للعبد وإلا لما صح الشكر عليه ، لكن التالي باطل إذ الأمة مجتمعة على وجوب شكر الله تعالى على نعمة الإيمان ، فيكون الإيمان من فعل الله تعالى إذ لا يشكر على فعل غيره ، وإذا لم يكن من فعل العبد فلا يستحق عليه ثوابا فلا يتم دليله على أنه لا يتعقبه كفر لأن مبناه على استحقاق الثواب على الإيمان ، لأنا نقول : هو من فعل العبد ونلتزم عدم صحة الشكر عليه ، ونمنع بطلانه.

قولك في إثباته : الأمة مجتمعة « إلخ » قلنا : الشكر إنما هو على مقدمات الإيمان وهي تمكين العبد من فعله وأقداره عليه ، وتوفيقه على تحصيل أسبابه ، وتوفيق ذلك له لا على نفس الإيمان الذي هو فعل العبد ، فإن ادعى الإجماع على ذلك سلمناه ولا يضرنا ، وإن ادعى الإجماع على غيره منعناه فلا ينفعهم.

والاعتراض عليهرحمه‌الله من وجوه : « أحدها » توجه المنع إلى المقدمة القائلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب وما ذكره في إثباتها من أن وجوه الأفعال وشروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن يكون منفصلة عنها ، والموافاة منفصلة عن وقت الحدوث فلا يكون وجها ، لا دلالة له على ذلك بل إن دل فإنما يدل على أن الموافاة ليست من وجوه الأفعال ، لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون شرطا لاستحقاق الثواب ، فلم لا يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه الأفعال مع الموافاة أيضا ، لا بد لنفي ذلك من دليل.

ثانيها : الآيات الكريمة التي مر بعضها فإنها تدل على إمكان عروض الكفر بعد الإيمان ، بل بعضها على وقوعه ، وأجاب السيد عن ذلك بأن المراد والله أعلم من وصفهم بالإيمان الإيمان اللساني دون القلبي ، وقد وقع مثله كثيرا في القرآن

٢٣٩

العزيز ، كقوله تعالى : «آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ »(١) وحيث أمكن صحة هذا الإطلاق ولو مجازا سقط الاستدلال بها.

ثالثها : أن الشارع جعل للمرتد أحكاما خاصة به لا يشاركه فيها الكافر الأصلي كما هو مذكور في كتب الفروع وهذا أمر لا يمكن دفعه ، ولا مدخل للطعن فيه ، فإن الكتاب العزيز والسنة المطهرة ناطقان بذلك ، والإجماع واقع عليه كذلك ، ولا ريب أن الارتداد هو الكفر المتعقب للإيمان ، كما دل عليه قوله تعالى : «مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ »(٢) الآية ، فقد دل على ما ذكرناه من أن المؤمن يمكن أن يكفر.

أقول : وللسيدرحمه‌الله أن يجيب عن ذلك بأن ما ذكرناه إنما يدل على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالارتداد فحكمه كذا وكذا ، ولا يدل على أنه صار مرتدا بذلك في نفس الأمر ، فلعله كان كافرا في الأصل ، وحكمنا بأنه ظاهرا للإقرار بما يوجب الإيمان مع بقائه على كفره عند الله تعالى ، وبفعله ما يوجب الارتداد ظاهرا حكمنا بارتداده ، أو كان مؤمنا في الأصل وهو باق على إيمانه عند الله تعالى ، لكن لاقتحامه حرمات الشارع وتعديه هذه الحدود العظيمة جعل الشارع الحكم بالارتداد عليه عقوبة له لتنحسم بذلك مادة الاقتحام والتعدي من المكلفين فيتم نظام النواميس الإلهية.

وأقول : الحق أن المعلومات التي يتحقق الإيمان بالعلم بها أمور متحققة ثابتة لا تقبل التغير والتبدل ، إذ لا يخفى أن وحدة الصانع تعالى ووجوده وأزليته وأبديته وعلمه وقدرته وحياته إلى غير ذلك من الصفات أمور تستحيل تغيرها ، وكذا كونه تعالى عدلا لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب ، وكذا النبوة والمعاد ،

__________________

(١) كذا في النسخ والآية في سورة المائدة (٤١) هكذا «قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ. ».

(٢) سورة المائدة : ٥٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407