مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25492 / تحميل: 8260
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

فإذا علمها الشخص على وجه اليقين والثبات بحيث صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه غير أن الأولى نظري والثاني بديهي لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي ولم يبق فرق بين العلمين امتنع تغير ذلك العلم وتبدله كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه.

والحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره ، وإلا لما كان منطبقا ، فعلم أن ما يحصل لبعض الناس تغيير عقيدة الإيمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم ، بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات لا العلم بها ، والظن يمكن تبدله وتغيره وإن كان المظنون لا يمكن تبدله لأن الانطباق غير حاصل ، وإلا لصار علما.

إن قلت : يتصور زوال الإيمان بصدور بعض الأفعال الموجبة للكفر كما تقدم ، وإن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه بالإيمان.

قلت : لا نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور ، بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني وإن أمكن بالذات وحينئذ فصدور بعض الأفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور ، وبالجملة فكلام علم الهدى ومذهبه هنارضي‌الله‌عنه في غاية القوة والمتانة بعد تدقيق النظر. وقد ظهر مما حررناه أن القائلين بإمكان زوال الإيمان لعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالأمور المذكورة فظاهر أنه ممتنع بالذات ، كانقلاب الحقائق ، وإن أرادوا به إمكان انتفاء الإيمان لعروض شيء من الأفعال وإن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع بالغير ، فإن أرادوا بالإمكان على هذا التقدير الإمكان الذاتي فلا نزاع لأحد فيه ، وإن أرادوا به عدم الامتناع ولو بالغير فقد بينا منعه وامتناعه.

وبالجملة فظواهر كثير من الآيات الكريمة والسنة المطهرة تدل على

٢٤١

إمكان طرو الكفر على الإيمان ، وعلى هذا بناء أحكام المرتدين وهو مذهب أكثر المسلمين ، نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروه عليه كما أشرنا إليه إن جعلنا الإيمان عبارة عن التصديق مع الإقرار أو حكمه ، لكن الأول هو الأرجح في النفس ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وأقول : الحق أن الإيمان إذا بلغ حد اليقين فلا يمكن زواله ، ولكن بلوغه إلى هذا الحد نادر ، وتكليف عامة الخلق بها في حرج ، بل الظاهر أنه يكفي في أيمان أكثر الخلق الظن القوي الذي يطمئن به النفس ، وزوال مثل ذلك ممكن ، ودرجات الإيمان كثيرة كما عرفت ، ففي بعضها يمكن الزوال والعود إلى الشك ، بل إلى الإنكار ، وهو إيمان المعاد ، وفي بعضها لا يمكن الزوال لا بالقول ولا بالعقيدة ولا بالفعل ، وفي بعضها يمكن الزوال بالقول والفعل مع عدم زوال الاعتقاد كقوم من الكفرة كانوا يعتقدون صدق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانوا يعاندون وينكرون أشد الإنكار للأغراض الفاسدة والمطالب الدنيوية كأبي جهل وأضرابه ، وكثير من الصحابة رأوا نصب عليعليه‌السلام في يوم الغدير ، وسمعوا النص عليه في سائر المواطن ، وغلبت عليهم الشقاوة وحب الدنيا ، وأنكروا ذلك.

فلو قيل باشتراط الجزم في الإيمان وعدم إمكان زوال اليقين فلا ريب في أنه مشروط بعدم الإنكار ظاهرا كما قال تعالى : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ »(١) فيمكن حصول الارتداد وزوال الإيمان بالإنكار الظاهري أو فعل ما حكم الشارع بحصول الكفر عنده كسجود الصنم ، وقتل النبي أو الإمام وإلقاء المصحف في القاذورات والاستخفاف بالمصحف أو الكعبة ، وأمثال ذلك.

__________________

(١) سورة النمل : ١٤.

٢٤٢

باب المعارين

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سمعته يقول إن الله عز وجل خلق خلقا للإيمان لا زوال له وخلق خلقا للكفر لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك

باب المعارين

الحديث الأول : صحيح.

« خلق خلقا للإيمان » قيل : اللام لام العاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم الإيمان في العلم الأزلي لا زوال لإيمانهم وهم الأنبياء والأوصياء والتابعون لهم من المؤمنين الثابتين على الإيمان ، وخلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه عز وجل ، وخلق خلقا مترددين بين الإيمان والكفر ، مستضعفين في علمه ، فمن آمن منهم كان إيمانه مستودعا فإن يشأ الله أن يتم لهم بحسن استعدادهم وإقبالهم إلى الله عز وجل أتمه بفضله وتوفيقه ، وجعله ثابتا مستقرا فيهم وإن يشأ أن يسلبهم إياه لزوال استعدادهم الفطري وفساد استعدادهم الكسبي سلبهم ورفع عنهم توفيقهم ، ويفهم بالمقايسة حال من كفر منهم.

وأقول : من علم أنهم يموتون على الإيمان كان ينبغي أن يدخلهم في القسم الأول على هذا الوجه ، ومن علم أنهم يموتون على الكفر في القسم الثاني ، بل الأحسن أن يقال : لما علم الله سبحانه استعدادتهم وقابلياتهم وما يؤول إليه أمرهم ومراتب إيمانهم وكفرهم ، فمن علم أنهم يكونون راسخين في الإيمان كاملين فيه وخلقهم فكأنه خلقهم للإيمان الكامل الراسخ ، وكذا الكفر ، ومن علم أنهم يكونون متزلزلين مترددين بين الإيمان والكفر ، فكأنه خلقهم كذلك فهم مستعدون لإيمان ضعيف ، فمنهم من يختم له بالإيمان ، ومنهم من يختم له بالكفر فهم المعارون ،

٢٤٣

واستودع بعضهم الإيمان فإن يشأ أن يتمه لهم أتمه وإن يشأ أن يسلبهم إياه سلبهم وكان فلان منهم معارا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب والقاسم بن محمد الجوهري ، عن كليب بن معاوية الأسدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا وقوم يعارون الإيمان ثم يسلبونه ويسمون المعارين ثم قال فلان منهم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري

والظاهر أن المراد بفلان أبو الخطاب وكنى عنه بفلان لمصلحة ، فإن أصحابه كانوا جماعة كثيرة كان يحتمل ترتب مفسدة على التصريح باسمه.

ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فإنه قد انحرف عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز ، ووقع بينهعليه‌السلام وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده كما ذكرته في الكتاب الكبير ، والتقية فيه أظهر ، لكن سيأتي التصريح بأبي الخطاب في خبر شلقان ، وعلى التقديرين « منهم » خبر كان ، وضمير الجمع للخلق بين ذلك ، و معارا خبر بعد خبر ، وقيل : فلان كناية عن عثمان ، والضمير للخلفاء الثلاثة ، والظرف حال عن فلان ، ومعارا خبر كان ، ولا يخفى بعده لفظا ومعنى ، فإن الثلاثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط.

الحديث الثاني : صحيح.

« ثم يسلبونه » يدل على أن السلب متعد إلى مفعولين بخلاف ما يظهر من كتب اللغة ، ويومئ إليه أيضا تمثيلهم لبدل الاشتمال بقولهم سلب زيد ثوبه ، إذ لو كان متعديا إلى مفعولين لما احتاج إلى البدلية لكن لا عبرة بقولهم بعد وروده في كلام أفصح الفصحاء.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وفي المصباح البهمة ولد الضأن ، يطلق على الذكر والأنثى والجمع بهم ، مثل

٢٤٤

وغيره ، عن عيسى شلقان قال كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسىعليه‌السلام ومعه بهمة قال قلت يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك يأمرنا بالشيء ثم ينهانا عنه أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرأ منه فقال أبو الحسنعليه‌السلام وهو غلام :

تمرة وتمر ، وجمع البهم بهام مثل سهم وسهام ، وتطلق البهام على أولاد الضأن والمعز إذا اجتمعت تغليبا ، فإذا انفردت قيل : لأولاد الضأن بهام ولأولاد المعز سخال ، وقال ابن فارس : البهم صغار الغنم ، وقال أبو زيد : يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها الضأن أو المعز ، ذكرا كان الولد أو أنثى سخلة ، ثم هي بهمة والجمع بهم ، وقال : الغلام الابن الصغير.

وأبو الخطاب هو محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي وكان في أول الحال ظاهرا من أجلاء أصحاب الصادقعليه‌السلام ثم ارتد وابتدع مذاهب باطلة ، ولعنه الصادقعليه‌السلام وتبرأ منه.

وروى الكشي روايات كثيرة تدل على كفره ولعنه ، فمنها ما رواه عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : اللهم العن أبا الخطاب فإنه خوفني قائما وقاعدا وعلى فراشي ، اللهم أذقه حر الحديد.

وروى بإسناده عن حنان بن سدير قال : كنت جالسا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام وميسر عنده فقال له ميسر : جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم ، قال : ومن هم؟ قال : أبو الخطاب وأصحابه وكان متكئا فجلس فرفع إصبعيه إلى السماء ثم قال : على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك ، وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدوا وعشيا ثم قال : أما والله إني لأنفس على أجساد أصبت معه.

وعنهعليه‌السلام قال : تراءى والله إبليس لأبي الخطاب على سور المدينة والمسجد وكأني أنظر إليه وهو يقول : أيها تظفر الآن ، أيها تظفر الآن ، انتهى.

٢٤٥

إن الله خلق خلقا للإيمان لا زوال له وخلق خلقا للكفر لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك أعاره الإيمان يسمون المعارين إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطاب ممن أعير الإيمان قال فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فأخبرته ما قلت لأبي الحسنعليه‌السلام وما قال لي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنه نبعة نبوة.

وروي أنه كان يدعي ألوهية الصادقعليه‌السلام ويدعي أنه نبي من قبله على أهل الكوفة ، وبه يتأول قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ »(١) واختلف الأصحاب فيما رواه في حال استقامته والأكثر على جواز العمل بها ، وكأنه متفرع على المسألة السابقة فمن ادعى جواز تحقق الإيمان وزواله يجوز العمل بروايته ، لأنه حينئذ كان مؤمنا ومن زعم أنه كاشف عن عدم كونه مؤمنا لا يجوز العمل بها.

« أنه نبعة نبوة » أي عمله من ينبوع النبوة أو هو غصن من شجرة النبوة والرسالة ، في القاموس : نبع الماء ينبع مثلثة نبعا ونبوعا خرج من العين ، والنبع شجر للقسي والسهام ينبت في قلة الجبل.

وأقول : روى الكشي بسند صحيح عن شلقان قال : قلت لأبي الحسنعليه‌السلام وهو يومئذ غلام قبل أوان بلوغه : جعلت فداك ما هذا الذي نسمع من أبيك أنه أمرنا بولاية أبي الخطاب ثم أمرنا بالبراءة منه؟ قال : فقال أبو الحسنعليه‌السلام من تلقاء نفسه : إن الله خلق الأنبياء على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء ، وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلا مؤمنين ، واستودع قوما إيمانا فإن شاء أتمه وإن شاء سلبهم إياه وإن أبا الخطاب كان ممن أعاره الله الإيمان ، فلما كذب على أبي ، سلبه الله الإيمان ، قال : فعرضت هذا الكلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : فقال : لو سألتنا عن ذلك ما كان يكون عندنا غير ما قال.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٤.

٢٤٦

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن صلوات الله عليه قال : إن الله خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلا مؤمنين وأعار قوما إيمانا فإن شاء تممه لهم وإن شاء سلبهم إياه قال وفيهم جرت «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ » وقال لي إن فلانا كان مستودعا إيمانه فلما كذب علينا سلب إيمانه ذلك.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

الحديث الرابع : مجهول.

وقال تعالى : «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ »(١) قال البيضاوي : أي فلكم استقرار في الأصحاب أو فوق الأرض ، واستيداع في الأرحام أو تحت الأرض ، أو موضع الاستقرار والاستيداع ، وقرأ ابن كثير والبصريان بكسر القاف على أنه اسم فاعل ، والمستودع مفعول أي فمنكم قار ومنكم مستودع ، لأن الاستقرار منا دون الاستيداع ، انتهى.

ولعل تأويلهعليه‌السلام أنسب بالقراءة الأخيرة ، أي فمنكم إيمانه مستقر أي ثابت ، وبعضكم إيمانه مستودع ، أو بعضكم مستقر في الإيمان وبعضكم غير مستقر بل مستودع اسم مفعول أو اسم مكان ، وعلى القراءة الأولى اسم مكان ، أي بعضكم محل استقرار الإيمان ، والمستودع يحتمل الوجهين.

قوله : سلب إيمانه ، يحتمل بناء المفعول والفاعل ، وعلى الثاني ذلك إشارة إلى الكذب.

الحديث الخامس : مجهول.

وفي القاموس : جبلهم الله يجبل خلقهم ، وعلى الشيء طبعه وجبره كأجبله ،

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩٨.

٢٤٧

القاسم بن حبيب ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبدا ومنهم من أعير الإيمان عارية فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان.

« فإذا هو دعا » فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة وعدم الزيغ ، كما كان دأب الصالحين قبلنا ، وفيه دلالة أيضا على أن الإيمان والسلب مسببان عن فعل الإنسان ، لأنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلان.

وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الإيمان والكفر قد يكون ثابتا وقد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده لأن القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الإيمان وكل ما هو حق فيه ، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ما هو باطل فيه ، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه كان مترددا بين الإقبال والأدبار ، ومذبذبا بين الإيمان والكفر ، فإن غلب الأول دخل الإيمان فيه من غير استقرار ، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الإيمان إلى الكفر ، ومن الكفر إلى الإيمان فلا بد للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا إلى الله عز وجل شكره وبذل جهده وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب ويزيغ عن الحق ، كما ذكره سبحانه عن قوم صالحين : «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ »(١) وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك ما فرط فيه ، وتوكل على الله وتوسل إليه بالدعاء والتضرع ، لتدركه العناية الربانية فتخرجه من الظلمات إلى النور ، وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان ، واستحق من ربه الخذلان ، فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه : «فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ »(٢) أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الإيمان.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٨.

(٢) سورة الصفّ : ٥.

٢٤٨

باب في علامة المعار

١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل الجعفي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما أبصره ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم أنفع له أم ضر قلت له فبم يعرف الناجي من

باب في علامة المعار

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« إن الحسرة والندامة والويل » الحسرة اسم من حسرت الشيء حسرا من باب تعب ، وهي التلهف والتأسف على فوات أمر مرغوب ، والندامة الحزن على شيء مكروه ، والويل العذاب وواد في جهنم ، يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره ، وعلمه من العقائد والأحكام والأعمال والأخلاق والآداب ، وعدم الانتفاع بها بأن لا يعمل بمقتضى علمه بها « ولم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم » من العقائد والأحكام والأعمال والأخلاق والآداب و « أنفع » بصيغة المصدر أي نافع ، ويحتمل الماضي وكذا « أم ضر » يحتملهما والأول أظهر فيهما ، وفيه حث على مراقبة النفس في جميع الحالات ومحاسبتها في جميع الحركات والسكنات ، ليعلم ما ينفعها فيجلبها ويزيد منها وما يضرها فيجتنبها.

« فبم يعرف الناجي من هؤلاء » أي من يكون أمره آئلا إلى النجاة من المهالك وعقوبات الآخرة؟ فقال : « من كان فعله لقوله موافقا » أي لقوله الحق وهو ما يأمر الناس به من الخيرات والطاعات وترك المنكرات ، أو لما يدعيه من الإيمان بالله واليوم الآخر والأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، فإن مقتضى ذلك العمل بما يأمره الله تعالى ، ويوجب الوصول إلى مثوباته والنجاة من عقوباته ومتابعة أئمة الذين في أقوالهم وأفعالهم أو لما يدعي لنفسه من الكمالات وما نصب نفسه له من الحالات

٢٤٩

هؤلاء جعلت فداك قال من كان فعله لقوله موافقافأثبت له الشهادة بالنجاة ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع.

باب سهو القلب

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جعفر بن عثمان ، عن سماعة ، عن أبي بصير وغيره قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن القلب ليكون الساعة

والدرجات أو الجميع.

« فأثبتت له الشهادة » على صيغة المجهول أي يشهد الله تعالى وملائكته وحججهعليهم‌السلام وكل المؤمنين بأنه من الناجين لاتصافه بكمال الحكمة النظرية لقوله الحق ، وكمال الحكمة العملية لعمله بأقواله الحقة ، وفي بعض النسخ « فأتت ».

« ومن لم يكن فعله لقوله موافقا » أي بأن يكون قوله حقا وفعله باطلا كما هو شأن أكثر الخلق « فإنما ذلك مستودع » إيمانه غير ثابت فيه ، فيحتمل أن يبقى على الحق ويثبت له الإيمان وتحصل له النجاة ، وأن يزول عن الحق ويعود إلى الشقاوة ويستحق الويل والحسرة والندامة.

باب سهو القلب

الحديث الأول : مجهول أو حسن موثق لاشتراك عثمان ، وسنده الثاني ضعيف.

« إن القلب ليكون » المشهور أن المراد بالقلب النفس الناطقة الإنسانية التي هي محل الإيمان والكفر ، لا العضو الصنوبري المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، وإنما سميت بالقلب لتقلب أحواله ، أو لأن تعلق النفس الإنسانية ابتداء إنما هو بالروح الحيواني وهو البخار اللطيف المنبعث من القلب الذي هو محل القوي الإدراكية ، وقد مر بعض الكلام في تحقيق القلب في باب أن للقلب أذنين ، والمراد بالساعة ساعة الغفلة عن الحق والاشتغال بما سواه.

٢٥٠

من الليل والنهار ما فيه كفر ولا إيمان كالثوب الخلق قال ثم قال لي أما تجد ذلك من نفسك قال ثم تكون النكتة من الله في القلب بما شاء من كفر وإيمان.

« ما فيه كفر ولا إيمان » أي ليس متذكرا لشيء منهما ، أو في حال لا يمكن الحكم بكفره لكن ليس فيه الإقبال على الحق والتوجه إلى عالم القدس ، قيل : وفيه إشعار بأن الكفر وجودي إذ لو كان عبارة عن عدم الإيمان كما زعم لما انتفيا معا والخلق محركة البالي للمذكر والمؤنث ، والتشبيه إما للكثافة والرثاثة وعدم الاعتناء بشأنه ، وإما لأنه ليس باطلا بالمرة ولا كاملا في الجملة ، أو لأنه في معرض الانخراق والفساد ولا طراوة ولا نضارة له ، ويمكن أن ينتفع به ويرجع إلى الثاني.

« أما تجد » استفهام إنكاري وقيل : وذلك إذا وسوس إليه الشيطان بأن قال له لعل ما تقول الزنادقة في إنكار الصانع أو منكروا النبوة أو الإمامة في إنكارهما حق وأمثال ذلك ، وذلك محض تصور ، وإلا كان شركا.

وأقول : من تفكر في تارات القلب وعرف حالاته علم أنه أعم من ذلك وله شؤون غريبة وحالات عجيبة في القرب والبعد من ربه تعالى ، وفي الشوق والتيقظ والغفلة والكسل والرغبة في الدنيا والزهد فيها ، ومراتب حبه تعالى والأشواق العارضة له مما يوجب قربه وبعده وغير ذلك مما يطول ذكره ، وقال في النهاية في حديث الجمعة : فإذا فيها نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما ، وفي القاموس : النكت أن تضرب في الأرض بقضيب فتؤثر فيها ، والنكتة بالضم النقطة وشبه الوسخ في المرآة ، انتهى.

وكون نكتة الإيمان والكفر من الله سبحانه باعتبار توفيقه وخذلانه المسببان من سوء اختيار العبد وحسن اختياره ، وقيل : يحتمل أن يكون باعتبار أنه وكل

٢٥١

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن أبي عمير مثله.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول يكون القلب ما فيه إيمان ولا كفر شبه المضغة أما يجد أحدكم ذلك.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال إن الله خلق قلوب المؤمنين مطوية مبهمة على الإيمان فإذا أراد

على القلب ملكا يهديه إلى الخير وشيطانا يرشده إلى الشر كما مر ، وبهذا الاعتبار كان النكتتان منه تعالى ، ومعنى مشيته للإيمان والكفر المشية باعتبار الأقدار عليهما دون المشية على سبيل الإجبار ، فإنه تعالى لما جعل فيه آلة الكفر وآلة الإيمان ، فقد شاء منه الكفر والإيمان لكن لا بحيث يكون مجبورا وتكون المشية مشية حتم.

الحديث الثاني : موثق.

والمضغة بالضم القطعة من اللحم قدر ما يمضغ.

الحديث الثالث : صحيح.

« خلق قلوب المؤمنين مطوية » استعار الطي هنا لكمون الإيمان فيها كناية عن استعدادها لكمال الإيمان وأنه لا يعلم ذلك غير خالقها كالثوب المطوي أو الكتاب المطوي لا يعلم ما فيهما غير من طواهما ، وفي القاموس : الأبهم الأعجم واستبهم عليه استعجم فلم يقدر على الكلام ، وأبهم الأمر اشتبه ، والمبهم كمكرم المغلق من الأبواب والأصمت كالأبهم ، فالمراد بالمبهمة هنا المغلقة والمقفلة على التشبيه بالبيت ، فلا يعلم ما فيها إلا هو ، أو المعضلة التي لا يعلم حالها ووضعها إلا هو ، من أبهم الأمر فهو مبهم إذا لم يجعل عليه دليلا أو الخالصة الصحيحة التي ليس فيها شيء من العاهات والأمراض ، ومنه فرس بهيم وهو الذي له لون واحد لا يخالطه

٢٥٢

استنارة ما فيها نضحها بالحكمة وزرعها بالعلم وزارعها والقيم عليها رب العالمين.

لون سواه.

وقوله : على الإيمان ، متعلق بمطوية أو بمبهمة أو بهما على التنازع ، وقيل : حال عن القلوب أي خلقها كائنة على الإيمان ، وفي ذكر المطوية والمبهمة إشعار بأن إيمانها مغفول عنه ، وهو عبارة عن سهو القلب فلذا ذكره في هذا الباب ، قيل : ولما كان الخلق تابعا للعلم وكان علم الله عز وجل بالشيء قبل خلقه كعلمه به بعده ، وكان قلب المؤمن متصفا بالإيمان باختياره إياه ، صدق أنه تعالى خلقه على هذا الوصف ، فلا يلزم الجبر.

« فإذا أراد استثارة ما فيها »(١) أي تهييجها وسطوح أنوار ما كان كامنا فيها ، وفي بعض النسخ : استشارة ما فيها ، بالشين ، تشبيها لما في قلوب المؤمنين بالعسل في رغبة النفوس الصحيحة إليها ، في القاموس : الثور الهيجان والوثب والسطوح ، وأثاره وثورة واستثاره غيره ، وقال : شار العسل شورا استخرجه من الوقبة أي الموضع الذي اجتمع فيه كأشاره واشتاره واستشاره ، و النضح الرش وكان المراد بالحكمة العلوم اللدنية والإفاضات الربانية ، وبالعلم ما يكتسبه الإنسان بالتفكر والنظر والأخذ من الكتاب والسنة فأشارعليه‌السلام إلى أن الكسب والنظر لا ينفع ولا يثمر بدون الإفاضات السبحانية وأن الكسب أيضا لا يتم إلا بالتوفيقات الربانية فشبهعليه‌السلام العلم بالبذر والحكمة التي هي الإفاضات الربانية بالمطر ، فمن يطرح البذر في الأرض لا ينبت ولا ينمو إلا بالمطر الذي هو من فضله تعالى ، وبعد ذلك الإنبات من فعله سبحانه لا من فعل العبد ، كما قال عز وجل «أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ »(٢) حيث نسب الحرث إليهم لكونه فعلا لهم ، ونسب

__________________

(١) وفي نسخة « استنارة ما فيها » بالنون.

(٢) سورة الواقعة : ٦٤.

٢٥٣

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن القلب ليترجج فيما بين الصدر والحنجرة

الزرع إلى ذاته المقدسة لكونه من فعله ، وكذلك العلم لا يحصل إلا بإفاضته وإصلاح أرض القلب عما يضر بالزرع ، من الشكوك والشبه والرغبات الدنية والوساوس الشيطانية ، وأفاض عليها ماء الحكمة أثمر ما يوجب الحياة الأبدية في النشأة الباقية كما أن إنبات الزرع في الدنيا يوجب بقاء الأبدان في النشأة الفانية ، فكم بينهما من المباينة ، ويحتمل أن يكون المراد بالحكمة ما يجريه على لسان الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام بالوحي والإلهام ، كما قال تعالى : «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ».

وقيل : الحكمة الدين الحق وعلى التقادير ظهر أن زارع القلوب ومحييها والقيم عليها والقائم بما يصلحها هو رب العالمين الذي بيده إيجاد العالم بأنواعه المختلفة وتربيتها وإخراج كل منها من حد النقص إلى ما يستحقه من الكمال ، فظهر أنه تعالى مقلب القلوب والمتصرف فيها والحاكم عليها كما روي : قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ، وورد في الدعاء يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، بل هو عرشه ومحل معرفته ومحبته ومستقر عظمته وجلاله كما روي : قلب المؤمن عرش الرحمن ، فلا بد للعبد أن يتوسل بربه سبحانه في تصفية قلبه وتزكيته ، ويسعى في إخلائه عن محبة غيره ليصير محل معرفته سبحانه ومظهر أنواره ومهبط إسراره ، رزقنا الله وسائر المؤمنين ذلك بفضله ورحمته.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وفي المصباح : رججت الشيء رجا من باب قتل حركته فأرتج هو ، وارتج البحر اضطرب ، وفي القاموس : الرج التحريك والتحرك والاهتزاز والحبس والرجرجة الاضطراب كالارتجاج والترجرج ، والحنجرة الحلقوم ، يعني أن قلب من علم الله إيمانه يتحرك ويضطرب فيما بين الصدر والحنجرة طلبا للحق حتى

٢٥٤

حتى يعقد على الإيمان فإذا عقد على الإيمان قر وذلك قول الله عز وجل : «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ »(١) .

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فإذا أصابه اطمأن وقر ثم تلا أبو عبد اللهعليه‌السلام هذه الآية «فَمَنْ »

يعقد عليه أي يعتقده ويعقد قلبه عليه ، فإذا اعتقده وتيقن سقط عنه الاضطراب واستقر لحصول مطلوبه وزوال الشك عنه ، وفي المصباح : اعتقدت كذا عقدت عليه القلب والضمير حتى قيل : العقيدة ما يدين الإنسان به ، وأما الاستشهاد بالآية فكأنه كان في قراءتهمعليهم‌السلام يهدأ قلبه بفتح الدال والهمز ورفع « قلبه » أو بفتح الدال بغير همز بالقلب والحذف ، وقد قرأ بالأول في الشواذ.

قال البيضاوي : يهد قلبه للثبات والاسترجاع عند حلول المصيبة وقرأ يهد قلبه بالرفع على إقامته مقام الفاعل وبالنصب على طريق سفه نفسه ، ويهدأ بالهمز أي يسكن.

وقال الطبرسي : قرأ عكرمة وعمرو بن دينار يهدأ قلبه أي يطمئن قلبه كما قال سبحانه : «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(٢) انتهى.

ويؤيده أنه روى البرقي في المحاسن هذه الرواية وزاد في آخره ، قال : يسكن وعلى القراءة المشهورة يمكن أن يكون المعنى أن من كان من شأنه أن يؤمن بالله يهدي الله قلبه للإيمان ويرشده إليه ويوفقه له فيستقر عليه.

الحديث الخامس : ضعيف.

« ليتجلجل » في القاموس التجلجل التحرك والتضعضع ، والجلجلة التحريك وشدة الصوت وفي النهاية : الجلجلة حركة مع صوت «فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ

__________________

(١) سورة التغابن : ١١.

(٢) سورة النحل : ١٠٦.

٢٥٥

يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » إلى قوله «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ »(١) .

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن القلب يكون في الساعة من الليل والنهار ليس فيه إيمان ولا كفر أما تجد ذلك ثم تكون بعد ذلك نكتة من الله في قلب عبده بما شاء إن شاء بإيمان وإن شاء بكفر.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن القاسم ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله خلق قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان فإذا أراد استنارة

أي يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح فيه مجالة «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ » شبهه مبالغة في ضيق الصدر بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن الصعود إلى السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، انتهى.

وقد مر بعض القول في هداية الله وإضلاله ، وقيل : لعل المراد بالآية أن من يرد الله أن يهديه إلى الإسلام لعلمه أزلا بإسلامه وحسن رعايته للفطرة الأصلية يشرح صدره للإسلام وقبول أحكامه ، فيصرف زمام قلبه إليه باللطف والتوفيق فإذا أصابه قر واطمأن به «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » بسبب اللطف والتوفيق لعلمه بأنه لا يؤمن «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً » في قبول الإيمان «حَرَجاً » في الاتصاف به كأنما يصعد إلى السماء ، وهو كناية عن شدة قلبه وصعوبته ونهاية بعده وتأمله في قبول الإيمان ولوازمه.

الحديث السادس : صحيح.

وقد مر عن أبي بصير باختلاف يسير في المتن والسند.

الحديث السابع : ضعيف ، وقد مر بسند آخر عن الكاظمعليه‌السلام .

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٥.

٢٥٦

ما فيها فتحها بالحكمة وزرعها بالعلم وزارعها والقيم عليها رب العالمين.

باب

في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان ونور قلب المؤمن

وإن قصر به لسانه

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمرو ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لنا ذات يوم تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو خطيبا مصقعا ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم وتجد الرجل لا يستطيع يعبر عما في قلبه بلسانه وقلبه يزهر كما يزهر المصباح.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضل ، عن سعد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن القلوب أربعة قلب

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان ونور قلب المؤمن وإن قصر به لسانه

الحديث الأول : مجهول لاشتراك عمرو الظاهر صحته ، و المسقع كمنبر بالسين والصاد : البليغ أو العالي الصوت ، أو من لا يرتج عليه في كلامه ، ولا يتعتع ذكره الفيروزآبادي ويدل على أن حسن الظاهر وطلاقة اللسان وفصاحة البيان لا عبرة بها بدون تنور القلب وصفائه واستقامته ، وإنما العبرة بصفاء الباطن ونورانيته وإن لم يكن معه صفاء الظاهر ، والله الناظر الرقيب لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.

الحديث الثاني : مختلف فيه.

والظاهر أن المفضل هو أبو جميلة لروايته عن سعد وهو ابن طريف « إن القلوب أربعة » قيل : وجه الحصر أن القلب إما متصف بالإيمان أو لا ، والأول إما متصف بالإيمان بجميع ما جاء به النبي أو ببعضه دون بعض ، والأول قلب

٢٥٧

فيه نفاق وإيمان وقلب منكوس وقلب مطبوع وقلب أزهر أجرد فقلت ما الأزهر قال فيه كهيئة السراج فأما المطبوع فقلب المنافق وأما الأزهر

المؤمن والثاني قلب فيه إيمان ونفاق ، والثاني إما أن يصرح بالإيمان ظاهرا أو لا ، والأول قلب المنافق ، والثاني قلب المشرك.

وأقول : يمكن أن يكون المراد هنا بالنفاق التزلزل في الإيمان أو الرياء أو عدم العمل بمقتضى الإيمان ، فيشمل إرادة المعاصي والإصرار عليها ، وفي النهاية الأزهر الأبيض المستنير ، وقال : الأجرد : الذي ليس على بدنه شعر وفيه : القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر أي ليس فيه غل ولا غش ، فهو على أصل الفطرة فنور الإيمان فيه يزهر ، والقاموس : الأجرد فضاء لا نبات فيه ، ويوم أجرد تام ، انتهى.

فشبهعليه‌السلام قلب المؤمن بأرض صافية بيضاء قابلة لزرع الإيمان والحكمة وخالية عن شوك الشكوك والشبهات وذمائم الأخلاق ، وقال فيه : كهيأة السراج ، الهيئة الحالة والصورة ، شبه ما في القلب من نور الإيمان والمعارف بنور السراج للإيضاح لأنه أشهر وإن كان في المشبه أكمل ، لأن بنور القلب يرى ما في عالم الملك والملكوت ، وبنور السراج يرى بعض ما حوله من المبصرات.

« فأما المطبوع فقلب المنافق » الطبع الختم ، وختم القلب كناية عن منع الله عز وجل ألطافه الخاصة لإعراضه عن الحق ، وإنما نسب ذلك إلى قلب المنافق لأن عدم دخول الإيمان فيه مع تعرضه له بإظهاره باللسان إنما هو لمانع وهو الطبع المسبب عن إبطاله لاستعداده الفطري ، وفي النهاية فيه : من ترك ثلاث جمع من غير عذر طبع الله على قلبه ، أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه ، والطبع بالسكون الختم بالتحريك الدنس ، وأصله من الدنس والوسخ يغشيان السيف ، يقال : طبع السيف يطبع طبعا ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من القبائح.

٢٥٨

فقلب المؤمن إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر وأما المنكوس فقلب المشرك ثم قرأ هذه الآية «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) فأما القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإن أدرك

« إن أعطاه شكر » ذكر من صفات المؤمن الصبر والشكر لأنهما من أمهات صفات الكمال مستوعبان لجميع الأحوال وإنما وصف قلب المشرك بالنكس لأنه كالظرف المقلوب المكبوب لا يستقر فيه شيء ، وخصه بالمشرك لأن قلب المنافق يمر فيه شيء من الحق والإيمان ، ولا يعتقد به بخلاف قلب المشرك ، فإنه لا يمر فيه شيء من الحق ، ولا ينافي ذلك كون عقوبة المنافق أشد لأن إنكار الحق مع العلم به أشنع وأقبح.

وقيل : القلب المنكوس هو القلب الناظر إلى الدنيا المتوجهة إليها لأن الدنيا تحت الآخرة وأنه لما صرف نظره وهمته عن الدرجات العالية التي هي فوقه وقصر نظره وهمه إلى الدنيا الدنية فكأنه نكس وانقلب ، أو أنه لما خلقه الله تعالى على الفطرة القويمة وهيأ له أسباب الترقي والطيران إلى الدرجات العالية فإن توجه إلى الشهوات البهيمية وضيع فطرته الأصلية فقد تنزل عما كان عليه وتوجه إلى الجهة السفلى ، فصار منكوسا كالطير الذي يطير إلى جهة السفل.

والاستشهاد بالآية إما لمناسبة التشبيهات أو لأن المكب على وجهه يصير قلبه أيضا منكوسا أو لأن المراد بالإكباب في الآية إكباب قلبه ، وقيل : الاستشهاد باعتبار أن المشرك يمشي مكبا على وجهه لكون قلبه مكبوبا مقلوبا ، والمؤمن يمشي سويا لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيما عارفا بالحق كما يرشد إليه قوله تعالى «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وقال البيضاوي معنى مكبا أنه يعثر كل ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله «أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا » قائما سالما من العثار «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » مستوي الأجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد

__________________

(١) سورة الملك : ٢٢.

٢٥٩

أحدهم أجله على نفاقه هلك وإن أدركه على إيمانه نجا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال القلوب ثلاثة قلب منكوس لا يعي شيئا من الخير وهو قلب الكافر وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشر فيه يعتلجان فأيهما كانت منه غلب عليه وقلب مفتوح فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن.

بالسالكين والدينين بالمسلكين ، وقيل : المراد بالمكب الأعمى فإنه يعتسف فينكب وبالسوى البصير وقيل : من يمشي مكبا هو الذي يحشر على وجهه إلى النار ، ومن يمشي سويا الذي يحشر على قدميه إلى الجنة « فهم قوم » أي هم وأمثالهم ، وذكرهم على التمثيل والمراد بهم الشكاك ومن يعبد الله على حرف.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« القلوب ثلاثة » هذا لا ينافي ما مر أن القلوب أربعة ، فإن قوله وقلب فيه نكتة سوداء يشمل قسمين منها ، وهما قلب فيه نفاق وإيمان ، وقلب المنافق ، وفي القاموس : وعاه يعيه حفظه وجمعه كأوعاه ، وقال : اعتلجوا اتخذوا صراعا وقتالا والأمواج التطمت.

« وقلب مفتوح » وهو الذي يقبل الإيمان والمعارف والأسرار ، وكلها نور ينور القلب في عالم الأبدان والأرواح ، و قوله : لا يطفأ نوره إلى يوم القيامة ، إشارة إلى أن القلب المنور بنور الإيمان والمعارف منور بعد الفراق من البدن في عالم البرزخ وبعده ، فإن هذه الأنوار باقية لا تزول منه أبدا.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

التعريف بكتابه ( روضة الصفا ) وأن مؤلّفه من أهل السنّة

ثم لا يخفى أن كتاب ( روضة الصفا ) من التواريخ المعتمدة عند القوم، ومؤلِّفة من أهل السنّة، ومصادره كتب سنّية معتبرة عندهم.

أمّا ( الدهلوي ) نفسه، فقد اعتمد عليه في بحوثه، وذكره في عداد بعض التواريخ الاُخرى(١) ومن المعلوم أنّ أحداً من المتعصّبين فضلاً عن المنصفين لم يتفوّه بكون هذا الكتاب من التواريخ المعتبرة الشيعيّة، فلابدّ وأنْ يكون من كتب العامة.

وقال كاشف الظنون: « روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا. فارسي، لمير خواند المؤرّخ محمّد بن خاوند شاه بن محمود المتوفى سنة ٩٠٣، ذكر في ديباجته: إن جمعاً من إخوانه التمسوا تأليف كتابٍ منقح محتو على معظم وقائع الأنبياء والملوك والخلفاء، ثم دخل صحبته الوزير مير علي شير، وأشار إليه أيضاً، فباشره مشتملاً على مقدّمة وسبعة أقسام وخاتمة، على أنّ كلّ قسم يستعد أنْ يكون كتاباً مستقلاً، حال كونه ساكناً بخانقاه الخلاصية التي أنشأها الأمير المذكور بهراة على نهر الجبل.

المقدمة في علم التاريخ.

القسم الأول في أوّل المخلوقات وقصص الأنبياء وملوك العجم وأحوال الحكماء اليونانية في ذيل ذكر إسكندر.

والثاني في أحوال سيّد الأنبياء وسيرة وخلفائه الرّاشدين.

__________________

(١). التحفة الاثنا عشرية - باب المطاعن: ٢٦٥.

٣٤١

والثالث في أحوال الأئمة الأثني عشر، وفي أحوال بني اُميّة والعباسية.

والرابع في الملوك المعاصرين لبني العباس.

والخامس في ظهور جنكيز خان وأحواله وأولاده.

والسادس في ظهور تيمور وأحواله وأولاده.

والسابع في أحوال سلطان حسين بايقرا.

والخاتمة في حكايات متفرقة وحالات مخصوصة لموجودات الربع المسكون وعجائبها »(١) .

فالكتاب منقّح محتو على معظم الوقائع كما وصفه مؤلّفه وأقرّه كاشف الظنون، ثم إنّه وصف الخلفاء بـ « الراشدين » والشيعي لا يصفهم بذلك كما هو معلوم.

ومن خطبة الكتاب أيضاً يظهر تسنّن مؤلّفه واعتبار كتابه:

فقد ذكر حبّه لعلم التاريخ واطّلاعه على قضايا الاُمم والملوك وشغفة بمطالعة الكتب التاريخية، ثمّ إنّه وصل إلى خدمة نظام الدين أمير علي شاه ووصفه بمدائح عظيمة ومناقب فخيمة، وأنّه قد أشار عليه بتأليف كتابٍ في التاريخ، مشتمل على حالات الأنبياء والمرسلين والخلفاء والسلاطين وغير ذلك من وقائع وقضايا الأعيان والأكابر في الآفاق.

قال: فنزلت على رغبته بعد الاستخارة، وألّفت هذا الكتاب فذكرت فيه الحقائق دون المجازات، وجعلته خالياً عن وصمة السرقة بعيداً عن عجيب الإبهام والإغلام، وافياً بمطلوب ذاك المؤيّد بالتأييدات السبحانيّة والمقرّب

__________________

(١). كشف الظنون ١ / ٩٢٦ - ٩٢٧.

٣٤٢

للحضرة السلطانيّة وسمّيته بـ ( روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا ) إلى أن قال:

إنّه لا يخفى على ذي الخبرة والذكاء أنّ لعلم التاريخ فوائد كثيرة، لابدّ من الإشارة إلى بعضها بحكم: ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، كي يزداد أصحاب الفهم والدراية رغبةً في مطالعة هذا الفن الشريف.

فإنّه العلم الوحيد الذي يفيد الإطّلاع على ما لا يمكن للإنسان الاطّلاع عليه بالمشاهدة والحسّ والعيان، وليس غيره من العلوم متكفّلاً لهذا الأمر.

وإنّه العلم الذي يزيل الملل والكآبة والسأم عن قلب الإنسان.

وإنّه مع كثرة فوائده سهل التناول، ولا مشقة زائدة في استحصاله.

وإنّه علم يقف الممارس له على الصّدق والحق فيأخذ به، والكذب والباطل فيتركه.

وإنّه علم يزيد الإنسان عقلاً وتجربة وعبرةً وعظمةً في الحياة، فإنّ السعيد من وعظ بغيره.

وإنّه العلم الذي يورث الصّبر والرّضا والإستقامة في مقابل الحوادث الواقعة، ويوجب الأمل بالنجاح والظّفر في الشدائد والمشاق والبلايا.

وإنّه العلم الذي يزيد المؤمن إيماناً بالقدرة الإلهية القاهرة وأنّه سبحانه مالك الملوك ويصدق قوله سبحانه:( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .

فإنْ اعترض الجاهِل بأنّ أكثر التواريخ مفتريات وموضوعات وأساطير وقد اختلط فيها الكذب بالصدق والغث بالسّمين، فلا تؤثر ولا تفيد تلك الفوائد.

٣٤٣

قلنا: ليس الأمر كذلك، فإنّ أئمة السلف وأكابر الخلف في هذا الفن قد وضعوه على أساس الصحة والصدق، إذ من المستحيل أنْ يكون ديدن أولئك الأعلام الأخيار الافتراء والكذب بنقل المفتريات والموضوعات، ولا ريب في صحّة ما وصل إلينا متواتراً عن طريقهم ولو أنّ مفترياً نسب إليهم ما لم يقولوه فإنّ نقدة هذا العلم يردّوه عليه ويرمون كتابه بسهام الطعن والقدح ويشهرون حاله لئلّا يغترّ به أحد.

ثم قال:

ذكر الشرائط التي لابدَّ منها في تدوين هذا العلم، إذْ لا يخفى أنّ التدوين والتأليف أمر خطير جدّاً، لا سيّما في علم التاريخ، فإنّ نسخ هذا الكتاب تصل إلى الأكابر من السلاطين والامراء والعلماء والفضلاء في مختلف الأقطار والأطراف، والمؤلّف - بمقتضى: من صنّف فقد استهدف - يلام على تقصيره فى أقلّ شيء، فلابّد من الالتزام في التأليف فيه بالشروط التي سنذكرها:

منها: أنْ يكون المؤلّف سالم العقيدة، فإنّ بعض المنحرفين كالغلاة من الخوارج والروافض، قد وضعوا قصصاً رديئة ونسبوها إلى الصحابة والتابعين، وأوردوا في كتبهم أباطيل خدعوا بها عوام الناس ومن لم يكن له اطّلاع على واقع حالهم، فظنّ أن رواياتهم من مشكاة النبوة مقتبسة ومن مصباح الرسالة ملتمسة، فوقعوا في التيه والضّلالة.

ومنها: أنْ يكتب حقائق الوقائع والأحوال، فلو أراد الكتابة عن أحدٍ فلا يكتفي بذكر فضائله وأعماله الحسنة، بل عليه أنْ يذكر ما يكون له من الرذائل والقبائح أيضاً، ولو لم يتمكن من ذكر هذه بالصراحة فليذكرها بالإيماء والإشارة، والعاقل يكفيه الإشارة.

٣٤٤

ومنها: أن يتجنب في المدح والذم عن الإفراط والتفريط.

ومنها: أن يحترز من الكلمات الركيكة والألفاظ الدنيئة، ويورد التلويحات الظريفة والتصريحات اللطيفة بعبارات سهلة وأساليب جزلة وهذا لا يختص بعلم التاريخ بل يجب الالتزام به في كلّ علم.

ومنها: أن يكون أميناً في النقل، كي يطمئن إلى ما نقله أصحاب الفضيلة والكمال، ولا يبيع دينه بدنيا غيره، ولا يغيّر ولا يبدّل ولا يحرّف، فيكون كتابه مصوناً عن الكذب والبهتان والإفتراء، ويبقى مورداً للإعتماد حتى آخر الزّمان.

ألا ترى كيف بقيت الكتب التي ألّفها المؤرّخون الأثبات من العرب والعجم في سوالف الأزمان، ولا زالت موضع النقل والإعتماد والإذعان، فمن العرب:

الإمام محمّد بن إسحاق، وهو أوّل من صنّف في المغازي في الإسلام.

والإمام وهب بن منبّه.

والإمام الواقدي، والأصمعي، ومحمّد بن جرير الطبري، وأبو عبدالله بن مسلم بن قتيبة - صاحب جامع المعارف - ومحمّد بن علي بن الأعثم الكوفي صاحب الفتوح، و و و

ومن المؤرخين العجم:

حسن بن محمّد بن علي الفردوسي الطوسي.

أبو الحسن علي بن شمس الإسلام البيهقي.

أبو الحسين محمّد بن سليمان صاحب تاريخ خسرو.

و و و

٣٤٥

عليهم الرحمة والرضوان، وعلى غيرهم من طوائف المؤرخين

وهؤلاء هم المرجوع إليهم، وكلماتهم هي المعوّل عليها

وإنّ كتابنا منتخب من تلك الكتب المعتبرة وأمثالها ».

(٢٥)

فهم بريدة أحبيّة علي من غيره عند الله ورسوله

أخرج أحمد:

« حدّثنا يحيى بن سعيد، ثنا عبدالجليل قال: انتهيت إلى حلقةٍ فيها أبو مجلز وابن بريدة، فقال عبدالله بن بريدة: حدّثني أبي بريدة قال: أبغضت عليّاً بغضاً لم يُبغضه أحد قط، قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبّه إلّاعلى بغضه عليّاً، قال: فبعث ذاك الرجل على خيلٍ فصحبته ما أصحبه إلّاعلى بغضه عليّاً، قال: فأصبنا سبياً، قال: فكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إبعث إلينا من يخمّسه، قال: فبعث إلينا عليّاً - وفي السّبي وصيفة هي من أفضل السّبي - فخمّس وقسّم وخرج ورأسه مغطّى، فقلنا: يا أبا الحسن، ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السّبي، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم صارت في آل علي، ووقعت بها.

قال: وكتب الرجل إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلّم: فقلت: إبعثني، فبعثني مصدّقاً، قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق. قال: فأمسك يدي والكتاب وقال:

أتبغض عليّاً؟

٣٤٦

قال: قلت: نعم.

قال: فلا تبغضه. وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً، فوالذي نفس محمّد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.

قال: فما كان من الناس أحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليَّ من علي.

قال عبدالله: فوالذي لا إله غيره، ما بيني وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذا الحديث غير أبي بريدة »(١) .

ورواه ابن كثير الدمشقي في تاريخه عن أحمد باللفظ المذكور ثم قال: « تفرّد به أحمد.

وقد روى غير واحدٍ هذا الحديث عن أبي الجوّاب، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء بن عازب، نحو رواية بريدة بن الحصيب وهذا غريب.

وقد رواه الترمذي عن عبدالله بن أبي زياد، عن أبي الجوّاب الأحوص ابن جوّاب به وقال: حسن غريب، لا نعرفة إلّامن حديثه »(٢) .

ورواه المحبّ الطبري قال:

« وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه -: إنّه كان يبغض عليّاً، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: أتبغض علياً؟ قال: نعم. قال: لا تبغضه، وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً. قال: فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليَّ من علي. وفي روايةٍ: إنّه قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تقع في علي فإنّه

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٠ - ٣٥١.

(٢). البداية والنهاية ٧ / ٣٤٥.

٣٤٧

منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي.

أخرجه أحمد »(١) .

وقال محمّد بن عبدالرسول البرزنجي(٢) : « وفي رواية ابن معين: يا بريدة، لا تقع في علي، فإنَّ علياً منّي وأنا منه، فرجع بريدة عن ذلك وصار محبّاً لعليرضي‌الله‌عنه .

فقد روى البيهقي في كتاب الإعتقاد عن بريدة: إنّه شكى عليّاً فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: أتبغض عليّاً يا بريدة؟ فقلت: نعم فقال: لا تبغضه وازدد له حبّاً. قال بريدة: فما كان من الناس أحد أحبّ إليَّ من علي بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم »(٣) .

أقول:

في هذا الخبر الذي أخرجه أحمد، وابن معين، والبيهقي، وغيرهم: إنّ بريدة بعد قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له ذلك: « ما كان من الناس أحد أحبّ إليه من علي »، بل كان هوعليه‌السلام أحبّ الناس إليه بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعنى ذلك: كونه أفضل النّاس، قال اللّاهوري في ( شرح تهذيب الكلام ) في أفضليّة أبي بكر:

« وبقوله صلّى الله عليه وسلّم: والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيّين

__________________

(١). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ٦٨.

(٢). المتوفى سنة ١١٠٣، له مؤلّفات في التفسير والحديث والكلام. سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر: ٤ / ٦٥.

(٣). نواقض الروافض - مخطوط. وانظر الاعتقاد للبيهقي: ٢٠٤.

٣٤٨

والمرسلين على أحدٍ أفضل من أبي بكر.

ومثل هذا الكلام لبيان الأفضلية، إذ الغالب من حال كلّ اثنين هو التفاضل دون التّساوي، فإذا نفى أفضليّة أحدهما ثبت أفضليّة الآخر »(١) .

وقال ( الدهلوي ) بترجمة مسلم بن الحجاج من كتابه ( بستان المحدّثين ):

« ولهذا فضّل الحافظ أبو علي النيسابوري صحيحة على سائر التصانيف في هذا العلم، وكان يقول: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم ».

وأخرج الحاكم:

« حدّثنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن الحسن، أنبأ علي بن عبدالعزيز، ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا يحيى بن هاشم بن البريد، ثنا عبدالجبار بن العباس الشامي، عن عون بن أبي جحيفة السّوائي، عن عبدالرحمن بن علقمة الثقفي، عن عبدالرحمن بن ابي عقيل الثقفي قال: قدمت على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فعلقنا طريقاً من طرق المدينة حتى أنخنا بالباب، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه منه، فدخلنا وسلّمنا وبايعنا، فما خرجنا من عنده حتى ما في الناس رجل أحب إلينا من جلٍ خرجنا من عنده »(٢) .

فمن المقطوع به أنّ مراد الرجل من قوله: « ما في الناس رجل أحب إلينا

__________________

(١). لكنّ ما ذكره عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موضوع، فقد نصّ الحافظ الهيثمي على أنّ راويه كذّاب. انظر مجمع الزوائد ٩ / ٤٤.

(٢). المستدرك على الصحيحين ١ / ٦٧ - ٦٨.

٣٤٩

من رجلٍ خرجنا من عنده » هو أحبيّة الرسول صلّى الله عليه وسلّم إليه.

فكذلك في قول بريدة المروي آنفاً.

وثبوت الأحبية للإمامعليه‌السلام مثبت للأفضليّة له كما فصّلناه وأوضحناه في ( حديث الطّير)

والأفضليّة تثبت إمامتهعليه‌السلام وبطلان خلافة من تقدّم عليه.

وإذا كان حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم على بريدة بأنْ يزدد حبّاً للأميرعليه‌السلام دليلاً على أحبيّته، فإنّ لفظ « وليّكم بعدي » - لو فرض عدم دلالته على الإمامة والأمارة - دليل على الأحبيّة بالضرورة، وهو كاف شاف، قامع لاُس شبهات أهل الجزاف.

(٢٦)

تصريح بريدة بأفضليّة علي بعد كلام النبي

وفي بعض ألفاظ الخبر عن بريدة - بعد قول النبي: لا تبغضه - قوله: « فما كان أحد بعد رسول الله أفضل من علي » بدل قوله: « أحب من علي » وهذا نصٌّ فيما استفدناه:

قال النسائي: « أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال: أخبرنا النضر ابن شميل قال: أخبرنا عبدالجليل، بن عطيّة قال: حدّثنا عبدالله بن بريدة قال: حدّثني أبي قال: لم يكن أحد من الناس أبغض إليَّ من علي بن أبي طالب، حتى أحببت رجلاً من قريش، لا اُحبّه إلّاعلى بغض علي، فبعث ذلك الرجل على خيل، فصحبته وما صحبته إلّاعلى بغض علي، فأصاب سبياً، فكتب إلى النبي

٣٥٠

صلّى الله عليه وسلّم أن ابعث إلينا من يخمّسه، فبعث إلينا عليّاً - وفي السّبي وصيفة من أفضل السّبي - فلمـّا خمّسه صارت الوصيفة في الخمس، ثمّ خمّس فصارت في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خمّس فصارت في آل علي، فأتانا ورأسه يقطر، فقلنا: ما هذا؟ فقال: ألم تروا الوصيفة صارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم صارت في آل علي، فوقعت عليها.

فكتب، وبعثني مصدّقاً لكتابه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومصدّقاً لما قال علي، فجعلت أقول عليه ويقول عليه ويقول: صدق؟ وأقول ويقول: صدق.

فأمسك بيدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال:

أتبغض علياً؟

قلت: نعم.

فقال: لا تبغضه، وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.

فما كان أحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحبّ إليّ من عليرضي‌الله‌عنه .

قال عبدالله بن بريدة: والله ما في الحديث بيني وبين النبي صلّى الله عليه وسلّم غير أبي »(١) .

__________________

(١). خصائص أمير المؤمنين: ١١٥.

٣٥١

أقول:

ومن الواضح جدّاً: أنّ الأفضليّة مثبتة للخلافة بلا فصل.

وإذا كان قوله صلّى الله عليه وسلّم: « لا تبغضه وإنْ كنت تحبّه فازدد له حبّاً » دالّاً على الأفضلية، كان لفظ « الولي » في: « إنّه وليّكم بعدي » - لو لم يكن دالّاً على الأولويّة بالتصرّف - دالاً على الأفضليّة، وهي مثبتة للخلافة بلا فصل، فيثبت المطلوب، وتسقط تأويلات المرتابين وتشكيكات الجاحدين، والحمد لله ربّ العالمين.

هذا، ولا يخفى صحّة سند هذا الحديث، وذلك لأن:

ابن راهويه، إمام من كبار أئمة القوم.

والنضر بن شميل، كذلك.

وكذا عبدالجليل.

وقد ترجمنا لهم في الكتاب.

(٢٧)

خطبة النبي بعد نزول: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ )

وروى السيّد شهاب الدين أحمد - بعد ذكر حديث الغدير - خطبةً تدل على المطلوب من جهات عديدة. قال:

« ولصدر هذه القصة خطبة بليغة باعثة على خطبة موالاتهم، فات عنّي إسنادها، وهي هذه الخطبة التي خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين

٣٥٢

نزلت:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) فقال:

الحمد لله على آلائه في نفسي وبلائه في عترتي وأهل بيتي، وأستعينه على نكبات الدنيا وموبقات الآخرة، وأشهد أنّ الله الواحد الأحد الفرد الصمد لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً، ولا شريكاً ولا عمداً، وأني عبد من عبيده، أرسلني برسالته على جميع خلقه، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيَّ عن بيّنة، واصطفاني على الأوّلين من الأوّلين والآخرين، وأعطاني مفاتيح خزائنه ووكّد عليَّ بعزائمه، واستودعني سرّه وأمدّني بنصره، فأنا الفاتح وأنا الخاتم، ولا قوّة إلّابالله.

إتّقوا الله - أيّها الناس - حق تقاته ولا تموتنّ إلّاوأنتم مسلمون، واعلموا أنّ الله بكلّ شيء محيط، وإنه سيكون من بعدي أقوام يكذبون عليَّ فيقبل منهم، ومعاذ الله أنْ أقول إلّا الحق أو أنطق بأمره إلّا الصّدق، وما آمركم إلّاما أمرني به ولا أدعوكم إلّا إليه، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

فقام إليه عبادة بن الصّامت فقال: ومتى ذاك يا رسول الله؟ ومن هؤلاء عرّفناه لنحذرهم؟

قال: أقوام قد استعدّوا لنا من يومهم، وسيظهرون لكم إذا بلغت النفس منّي هيهنا - وأومى صلّى الله عليه وسلّم إلى حلقه -.

فقال عبادة: إذا كان ذلك فإلى من يا رسول الله؟

فقال صلّى الله عليه وسلّم: بالسمع والطّاعة للسّابقين من عترتي والآخذين من نبوّتي، فإنّهم يصدّونكم عن الغي، ويدعونكم إلى الخير، وهم أهل الحق ومعادن الصدق، يحيون فيكم الكتاب والسنّة، ويجنّبونكم الإلحاد

٣٥٣

والبدعة، ويقمعون بالحق أهل الباطل، ولا يميلون مع الجاهل.

أيها الناس! إنّ الله خلقني وخلق أهل بيتي من طينةٍ لم يخلق منها غيرنا، كنّا أوّل من ابتدأ من خلقه، فلمـّا خلقنا نوّر بنورنا كلّ ظلمة، وأحيى بنا كلّ طينة. ثم قال:

هؤلاء أخيار اُمّتي، وحملة علمي، وخزنة سرّي، وسادات أهل الأرض، الدّاعون إلى الحق، المخبرون بالصّدق، غير شاكّين ولا مرتابين ولا ناكصين ولا ناكثين، هؤلاء الهداة المهتدون، والأئمّة الراشدون، المهتدي من جاءني بطاعتهم وولايتهم، والضالُّ من عدل منهم وجاءني بعداوتهم، حبّهم إيمان وبغضهم نفاق، هم الأئمة الهادية، وعرى الأحكام الواثقة، بهم تتم الأعمال الصّالحة، وهم وصيّة الله في الأوّلين والآخرين، والأرحام التي أقسمكم الله بها إذ يقول:( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) (١) ، ثم ندبكم إلى حبّهم فقال:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم من النجس، الصّادقون إذ نطقوا، العالمون إذا سئلوا، الحافظون إذا استودعوا، جمعت فيهم الخلال العشر إذْ لم تجمع إلاّفي عترتي وأهل بيتي:

الحلم، والعلم، والنبوّة، والنبل، والسماحة، والشجاعة، والصدق، والطهارة، والعفاف، والحكم.

فهم كلمة التقوى، وسبل الهدى، والحجّة العظمى، والعروة الوثقى، هم أولياؤكم عن قول بكم، وعن قول ربّي ما أمرتكم.

ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه،

٣٥٤

وانصر من نصره واخذل من خذله.

وأوحى إليَّ ربّي فيه ثلاثاً: إنه سيّد المسلمين وإمام الخيرة المتقين وقائد الغرّ المحجّلين.

وقد بلّغت من ربي ما اُمرت، واستودعتهم الله فيكم، وأستغفر الله »(١) .

(٢٨)

حديث الغدير عن البراء بلفظ: « هذا وليّكم من بعدي »

وعن أبي المظفّر السمعاني أنّه روى في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام من كتابه ( فضائل الصحابة ) حديث الغدير باللّفظ الآتي:

« عن البراء: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نزل بغدير خم، وأمر فكسح بين شجرتين وصيح بالناس فاجتمعوا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فدعا عليّاً فأخذ بعضده ثم قال: هذا وليّكم من بعدي، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. فقام عمر إلى علي فقال: ليهنك يا ابن أبي طالب، أصبحت - أو قال أمسيت - مولى كلّ مؤمن ».

ولمـّا كان حديث الغدير من الأدلّة الظاهرة القاهرة في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام - كما تقدّم في محلّه - فإنّ لفظ « الولي » في هذا الحديث لا بدَّ وأنْ يكون بمعنى « الإمام ». فكأنّه قال: هذا إمامكم من بعدي وعليه فنفس هذا المعنى يكون هو المراد من الحديث باللفظ المروي عن: بريدة، وابن عباس، وعمران بن حصين، وغيرهم.

__________________

(١). توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل - مخطوط.

٣٥٥

وأبو المظفّر السمعاني هو: منصور بن محمّد، المتوفى سنة ٤٩٨، وهو جدّ أبي سعد السمعاني صاحب ( الانساب ) وقد تُرجم له فيه، وتُرجم له أيضاً في:

طبقات الشافعية الكبرى ٥ / ٣٣٥

المنتظم في أخبار الاُمم ٩ / ١٠٢

مرآة الجنان ٣ / ١١٥

النجوم الزاهرة ٥ / ١٦٠

سير أعلام النبلاء ١٩ / ١١٤

طبقات المفسرين ٢ / ٣٣٩

شذرات الذهب ٣ / ٣٩٣

(٢٩)

حديث الغدير بلفظ:

« ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي »

ففي هذا الحديث: قرن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولاية علي من بعده برسالته، وفسّر بالأمرين قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وهذا نصّ الخبر برواية السيّد المحدّث الشيرازي؛ بعد أنْ رواه عن الصّادقعليه‌السلام وفيه شعر حسّان:

« ورواه أبو سعيد الخدري، وفيه الإستشهاد بالشعر المذكور، وفيه من التاريخ وزيادة البيان ما لم يرو عن غيره فقال:

لمـّا نزل النبي صلّى الله عليه وسلّم بغدير خم يوم الخميس ثامن عشر من

٣٥٦

ذي الحجة، دعا الناس إلى علي، فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: الله أكبر، الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي، من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث »(١) .

وهذا كلّه ممّا يدلّ على أن « الولاية » فيه لا يراد بها إلّا « الإمامة » فكذا « الولاية » في حديث بريدة وعمران وغيرهما.

(٣٠)

حديث الغدير عن أبي سعيد الخدري عند أبي نعيم والنطنزي

والحديث المذكور أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في ( ما نزل من القرآن في علي ) وأبو الفتح النطنزي في ( الخصائص العلوية )، فقد حكي عنهما أنهما رويا:

« بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى علي في غدير خم، وأمر [ ما ] تحت الشجرة من الشواك فقم - وذلك يوم الخميس - فدعا عليّاً وأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر [ الناس ] إلى ابطي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآيات:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية

__________________

(١). الأربعين في فضائل أمير المؤمنين الحديث: ١٣.

٣٥٧

لعلي بن أبي طالب من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ».

أقول:

فقد جعل صلّى الله عليه وسلّم الولاية على المؤمنين من بعده لسيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وجعلها قرينةً لرسالته، وحمد الله على رضاه بذلك. وذكر « الولاية » بعد « الرسالة » لا سيّما في هذا المقام - ومع تلك القرائن - فيه دلالة واضحة على أنّ المراد منها ليس إلّا « الإمامة » فهو المراد كذلك منها في « حديث الولاية ».

(٣١)

حديث الغدير بلفظ : « من كنت أولى به من نفسه فعليُّ وليّه »

وبهذا اللّفظ أخرجه الحافظ الطبراني، فقد قال البدخشاني:

« وللطبراني بروايةٍ اُخرى، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليٌ وليّه »(١) .

وقال أيضاً:

« وعند الطبراني - في روايةٍ اُخرى - عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنهما - بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ وليّه، اللّهم والِ من

__________________

(١). مفتاح النجا - مخطوط.

٣٥٨

والاه وعادِ من عاداه »(١) .

وفي ( السيف المسلول ) للقاضي محمّد ثناء الله - الموصوف من قبل ( الدهلوي ) بـ « بيهقي الوقت » كما في كتاب: إتحاف النبلاء -: « وفي بعض الروايات: من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ وليّه ».

ومن الواضح جدّاً أنّ المراد هو « ولي الأمر » و« الإمام ».

وقال شهاب الدين أحمد: « وسمعت بعض أهل العلم يقول: معناه: من كنت سيّده فعلي سيّده مضي قوله. وتصدير القول بقوله صلّى الله عليه وسلّم: ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين، يؤيّد هذا القول. والله سبحانه أعلم.

وقال الشيخ الإمام جلال الدين أحمد الخجندي -قدس‌سره -: المولى يطلق على معانٍ منها: الناصر. ومنها: الجار بمعنى المجير لا المجار. ومنها: السيّدالمطاع. ومنها: الأولى في( مَوْلاكُمْ ) أي: أولى بكم. وباقي المعاني لا يصلح اعتبارها فيما نحن بصدده. فعلى المعنيين الأوّليين يتضمّن الأمر لعلي -رضي‌الله‌عنه - بالرعاية لمن له من النبي العناية. وعلى المعنيين الأخيرين يكون الأمر بإطاعته واحترامه واتّباعه.

وقد خرّج أبو الفجر الأصفهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين(٢) قال: أخذ النبي صلّى الله عليه وسلّم وبارك وسلّم يد علي كرّم الله وجهه وقال: من كنت وليّه وأولى من نفسه فعلي وليّه »(٣) .

__________________

(١). نزل الأبرار: ٢١.

(٢). هو: يحيى بن محمود بن سعيد الثقفي المتوفى سنة ٥٨٣ أو ٥٨٤، ترجم له الذهبي ووصفه بالشيخ المسند الجليل العالم سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٣٤.

(٣). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.

٣٥٩

وجلال الدين الخجندي إمامٌ كبير معتمد، وقد كان في زمنه شيخ الحرم الشريف النبوي، وقد وصف بهذه الأوصاف في مواضع عديدة من كتاب ( توضيح الدلائل ). ومن تصانيفه ( شرح البردة ) ذكره كاشف الظنون في شروحها.

(٣٢)

تحقيق سبط ابن الجوزي في معنى حديث الغدير

وقال سبط ابن الجوزي بشرح حديث الغدير وذكر معاني ( المولى ):

« والعاشر: بمعنى الأولى. قال الله تعالى:( فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي: أولى بكم » إلى أن قال بعد التصريح بعدم جواز إرادة غير ( الأولى ) من المعاني:

« والمراد من الحديث: الطاعة المحضة المخصوصة، فتعيّن الوجه العاشر وهو الأولى. ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به.

وقد صرّح بهذا المعنى: الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمّى بـ ( مرج البحرين ). فإنّه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد عليعليه‌السلام وقال: من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليّه.

فعلم أنّ جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر، ودلّ عليه أيضاً قولهعليه‌السلام : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهذا نص صريح في إثبات

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407