مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول9%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26673 / تحميل: 8450
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ، أي بين تجاذب هذين الحزبين وهو الغالب على القلوب أعني التقلب والانتقال من حزب إلى حزب ، أما الثبات على الدوام مع حزب الملائكة أو حزب الشيطان فنادر من الجانبين ، وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن العلم إلى عالم الشهادة بواسطة خزائن القلب ، فإنه من خزائن الملكوت وهي إذا ظهرت كانت علامات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء ، فمن خلق للجنة يسرت له الطاعة وأسبابها ، ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعصية وسلط عليه أقران السوء وألقي في قلبه حكم الشيطان.

فإنه بأنواع الحكم يغره الحمقى كقوله : الله تعالى رحيم فلا تبال ، وإن الناس كلهم ما يخافون الله فلا تخالفهم فإن العمر طويل فاصبر حتى تتوب غدا يعدهم بالتوبة ويمنيهم بالمغفرة فيهلكهم ، وبهذه الحيل وما يجري مجراها يوسع قلبه لقبول الغرور ويضيقه عن قبول الحق ، إلى آخر ما ذكره مما يوافق مذهب الأشاعرة ، ولسنا نقول به والله يحق الحق وهو يهدي إلى السبيل.

وأما ما ذكره من المؤاخذة على حكم القلب إذا كان اختياريا ، وعلى الهم والعزم إذا كان الصارف غير خوف الله تعالى فهما مخالفان للأخبار المعتبرة فإنها تدل على عدم المؤاخذة مع ترك الفعل مطلقا ، وما استدل به على الأخير فهي أخبار عامية لا تعارض الأخبار المعتبرة ، ويمكن حمل الخبر الأول على أن كتابة الحسنة موقوفة على أن يكون الترك لله وأخبارنا إنما تدل على عدم كتابة السيئة وليس فيها كتابة الحسنة فلا تنافي ، والخبر الثاني غير صريح في المقصود ، والتمثيل الذي ذكره في محل المنع ، والخبر الثالث يمكن أن يكون المراد به الإرادة مع سل السيف والتوجه إلى القاتل والحملة عليه ، بل الإعانة على نفسه ، وسيأتي بعض القول في أصل المطلب آنفا إن شاء الله تعالى.

٢٨١

باب

الاعتراف بالذنوب والندم عليها

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي الأحمسي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال والله ما ينجو من الذنب إلا من أقر به.

باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها

الحديث الأول : مجهول.

« ما ينجو من الذنب » أي من أصل الذنب في الدنيا أو من عقوبته في الدارين إلا من أقر بأنه ذنب فإن من أنكر كونه ذنبا وكان مستحلا له فهو كافر لا يتوب ، ولا يستحق العفو ، ولو كان المراد بالإقرار التوبة فيمكن أن يحمل على النجاة الكاملة أو النجاة قطعا واستحقاقا ، لأنه مع عدم التوبة هو في مشية الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ، فلا ينافي الحصر ويمكن حمله على ما دل عليه الخبر الخامس : وكفى بالندم توبة ، ظاهره الاكتفاء بالندم في التوبة ، ولا يشترط فيه العزم على الترك في المستقبل ، وهو خلاف المشهور وسائر الأخبار إلا أن يحمل على الندم الكامل ، وهو مستلزم للعزم المذكور.

وقيل : إن الله تعالى خلق القلب قابلا للمخاطرات الحسنة والمخاطرات القبيحة والأولى من الملك والثانية من الشيطان ، ثم الثانية إذا أثرت في القلب حصل فيه شوق إلى الذنب وهو يوجب العزم والعزم يوجب تحرك القدرة والقوة إليه ، وتحرك القدرة يوجب تحرك الأعضاء إليه فيصدر منه الذنب ، وإذا أخذت بيده العناية الأزلية وأثرت فيه المخاطرات الحسنة وتحرك حصل له علم بأن الذنوب سموم مهلكة حصل له شوق إلى قرب المبدأ والرجوع إليه ، وزال عنه الشوق إلى الذنب ، فتحصل له ندامة عما كان فيه ، وهو المسمى بالتوبة ، فإذا زال الشوق إلى

٢٨٢

قال وقال أبو جعفرعليه‌السلام كفى بالندم توبة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عمن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلا خصلتين أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الرجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة

الذنب وحصلت له الندامة زال العزم عليه ، ومتى زال العزم زال تحرك القوة فيزول تحرك الأعضاء لأن المسببات تزول بزوال أسبابها ، كما يشعر به قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا الباب : أن الندم على الذنب يدعو إلى تركه ، فمعنى قولهعليه‌السلام : كفى بالندم توبة ، أنه إذا حصل الندم حصلت التوبة والرجوع إلى الله تعالى بالإقلاع عن الذنوب والخروج منه لأنه أصل له ، وسبب مؤد إليه ، ولم يرد أن مجرد الندم من دون كف النفس عن الذنوب كاف في الرجوع إليه إذ ليس مجرد ذلك توبة وندامة ، بل هو شبيه بالاستهزاء ، نعم الندامة المفضية إلى ترك الذنوب توبة وإن لم يستغفر منه.

الحديث الثاني : مرسل ، والمراد بالإقرار بالنعم معرفة المنعم وقدر نعمته وأنها منه تفضلا ، وهو شكر والشكر يوجب الزيادة لقوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) وبالإقرار بالذنوب الإقرار بها مجملا ومفصلا ، وهو ندامة منها ، والندامة توبة ، والتوبة توجب غفران الذنوب ، ويمكن أن يكون الحصر حقيقيا إذ يمكن إدخال كلما أراد الله فيهما ، وقوله : لا والله ، رد على المدعين للصلاح المغترين بأعمالهم الذاهلين عن شرائط القبول وأسباب الوصول.

الحديث الثالث : كالسابق سندا ومؤيدا له متنا ، ويدل على أن الذنب

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

٢٨٣

قلت يدخله الله بالذنب الجنة قال نعم إنه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه‌الله فيدخله الجنة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنه والله ما خرج عبد من ذنب بإصرار وما خرج عبد من ذنب إلا بإقرار.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن محمد بن عمران بن الحجاج السبيعي ، عن محمد بن وليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له غفر له وإن لم يستغفر.

الذي يوجب الخضوع والتذلل خير من الطاعة التي توجب العجب والتدلل.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

« من ذنب » أي من أثره واستحقاق العقوبة بسببه « بإصرار » الباء للملابسة والظرف صفة للذنب ، والباء في قوله : بإقرار ، للملابسة أو السببية ، وعلى الأول تقديره إلا ذنب بإقرار ، وعلى الثاني بشيء إلا بإقرار ، والإصرار إما فعلي وهو المواظبة على نوع ذلك الذنب أو مطلقا ، أو حكمي وهو العزم على فعله ثانيا وإن لم يفعل كما صرح به بعض الأصحاب ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله ، وهو محمول على الخروج على سبيل القطع والاستحقاق كما مر.

الحديث الخامس : مجهول.

« فعلم أن الله مطلع عليه » لعل المراد الذي يؤثر في النفس ويثمر العمل ، وإلا فكل مسلم يقر بهذه الأمور ، ومن أنكر شيئا من ذلك فهو كافر ، ومن داوم على مراقبة هذه الأمور وتفكر فيها تفكرا صحيحا لا يصدر منه ذنب إلا نادرا ولو صدر منه يكون بعده نادما خائفا فهو تائب حقيقة وإن لم يستغفر باللسان ، ولو عاد إلى الذنب مكررا لغلبة الشهوة عليه ، ثم يصير خائفا مشفقا لائما نفسه فهو مفتن تواب.

٢٨٤

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم ، عن عنبسة العابد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن الندم على الشر يدعو إلى تركه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسين الدقاق ، عن عبد الله بن محمد ، عن أحمد بن عمر ، عن زيد القتات ، عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنها من عند الله إلا غفر الله له قبل أن يحمده.

الحديث السادس : ضعيف.

« أن يطلب » أي بأن يطلب أو هو بدل اشتمال للعبد ، وتعدية الطلب بإلى لتضمين معنى التوجه ونحوه.

الحديث السابع : ضعيف.

« إن الندم على الشر » أي الندامة بعد الفعل وإن لم يكن مع العزم على الترك يدعو إلى التوبة والعزم على الترك بالكلية.

الحديث الثامن : مجهول.

« إلا غفر الله له قبل أن يحمده » الأنسب بالجزء الثاني إلا زاد الله له أو حكم له بالزيادة له.

٢٨٥

باب ستر الذنوب

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن العباس مولى الرضاعليه‌السلام قال سمعتهعليه‌السلام يقول المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بالسيئة مغفور له.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن صندل ، عن ياسر ، عن اليسع بن حمزة ، عن الرضاعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له.

باب ستر الذنب

الحديث الأول : ضعيف.

« مولى الرضاعليه‌السلام » أي كان من شيعته أو ممن أعتقه ويقال المولى أيضا لمن التحق بقبيلة ولم يكن منهم و « المستتر » على بناء الفاعل ، والباء للتعدية و « يعدل » على بناء المجرد ، وفي الأول تقدير أي فعل المستتر وسيأتي في كتاب الزكاة تعدل سبعين حجة ، وقيل : الباء للمصاحبة مثل «اهْبِطْ بِسَلامٍ »(١) «وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ »(٢) «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » ويعدل على بناء التفعيل أي يسوي ويحصل « والمذيع بالسيئة » لعدم المبالاة بالشرع ولقلة الحياء « مخذول » يسلب عنه التوفيق « والمستتر بها » أي بالسيئة حياءا لا نفاقا « مغفور له » ويدل الخبر على أن إخفاء الطاعات أحسن من إظهارها لبعدها من الرياء والسمعة ، وقيل : إظهارها أفضل وقيل : بالتفصيل بأن في الواجبات الإظهار أفضل لعدم التهمة ، وفي المستحبات الإخفاء أفضل ، وقد يفصل بوجه آخر وهو أنه إن كان مأمونا من الرياء والسمعة ، فالإظهار أفضل لأنه يصير سببا لتأسي الغير به وعدم التهمة ، وإلا فالإخفاء أفضل وقد مر القول فيه.

الحديث الثاني : مجهول.

__________________

(١) سورة هود : ٤٨.

(٢) سورة المائدة : ٦١.

٢٨٦

باب

من يهم بالحسنة أو السيئة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا

باب من يهم بالحسنة أو السيئة

الحديث الأول : ضعيف.

ويدل على أنه لا مؤاخذة على قصد المعاصي إذا لم يعمل بها ، وهو يحتمل وجهين ، الأول : أن تكون سيئة ضعيفة يكفرها تركها ، الثاني : أن لا يكون القصد متصفا بالحسن والقبح أصلا كما ذهب إليه جماعة ، والأول أظهر ، نعم لو كان بمحض الخطور بدون اختياره لا يتعلق به التكليف وقد مر تفصيل ذلك في باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن ، وفي باب الوسوسة.

وقال المحقق الطوسيقدس‌سره في التجريد : إرادة القبيح قبيحة وتفصيله أن ما في النفس ثلاثة أقسام : الأول : الخطرات التي لا تقصد ولا تستقر وقد مر أن لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأمة ظاهرا ، والثاني : الهم وهو حديث النفس اختيارا أن تفعل شيئا أو أن لا تفعل فإن كان ذلك حسنة كتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كتبت له عشر حسنات ، وإن كانت سيئة لم تكتب عليه ، فإن فعلها كتبت عليه سيئة واحدة ، كل ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، وكأنه لا خلاف فيه أيضا بين الأمة إلا أن بعض العامة صرح بأن هذه الكرامة مختصة بهذه الأمة ، وظاهر هذا الخبر أنها كانت في الأمم السابقة أيضا.

الثالث : العزم وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك ، وقد اختلفوا فيه ، فقال أكثر الأصحاب : أنه لا يؤاخذ به لظاهر هذه الأخبار ، وقال أكثر العامة

٢٨٧

ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه سيئة ومن هم بها وعملها كتبت عليه سيئة.

والمتكلمين والمحدثين أنه يؤاخذ به لكن بسيئة العزم لا بسيئة المعزوم عليه ، لأنها لم تفعل فإن فعلت كتبت سيئة ثانية لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ »(١) وقوله : «اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ »(٢) .

ولكثرة الأخبار الدالة على حرمة الحسد واحتقار الناس وإرادة المكروه بهم ، وحملوا الأحاديث الدالة على عدم المؤاخذة على الهم.

والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصصات بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما ، وعن الثالث أن العزم المختلف فيه ماله صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمر ، وأما ما لا صورة له في الخارج كالاعتقاديات وخبائث النفس مثل الحسد وغيره فليس من صور محل الخلاف ، فلا حجة فيه على ما نحن فيه ، وأما احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فإظهارهما حرام يؤاخذه به ولا نزاع فيه ، وبدونه أول المسألة.

ثم الظاهر أنه لا فرق في قوله : ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه بين أن يعملها خوفا من الله أو خوفا من الناس وصونا لعرضه.

ثم إن عشر أمثال الحسنة مضمونة البتة لدلالة نص القرآن عليه ، وإن الله قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ، كما جاء في بعض الأخبار ، وإلى ما لا حساب له كما قال سبحانه : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(٣) .

ثم اعلم أن الظاهر أن عدم المؤاخذة بإرادة المعصية إنما هو للمؤمنين فلا ينافي ما مر مرويا عن الصادقعليه‌السلام أنه إنما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم

__________________

(١) سورة النور : ١٩.

(٢) سورة الحجرات : ١٢.

(٣) سورة الزمر : ١٠.

٢٨٨

كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، ولو سلم العموم فإنما يعفى عنه إذا بقي زمانا عزم على فعله في ذلك الزمان ولم يفعل ، وفي الكافر ليس كذلك لأنه لم يبق الزمان الذي عزم على الفعل فيه.

فإن قيل : لعله كان لو بقي في أزمنة الأبد عاد ولم يفعل؟

قلنا : يعلم الله خلاف ذلك منهم ، لقوله سبحانه : «وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ »(١) وقد يجاب بأنه لا منافاة بينهما ، إذ دل أحدهما على عدم المؤاخذة بنية المعصية إذا لم يفعلها ، ودل الآخر على المؤاخذة بنية المعصية إذا فعلها ، فإن المنوي كالكفر واستمراره مثلا موجود في الخارج ، فهذه النية ليست داخلة في النية بالسيئة التي لم يعملها ، واعترض عليه بأن المعصية ليست سببا للخلود على ما يفهم من الحديث المذكور ، لكونها في زمان منقطع محصور هو مدة العمر ، كذلك نيتها لأنها تنقطع أيضا عند انقطاع العمر لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة فينبغي أن يكون ناويها في النار بقدر كونها في الدنيا لا مخلدا.

فأجيب أولا : بأن هذه النية موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ، وثانيا : بأن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئا يوجب نجاته من النار ، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف ، وثالثا : أن سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيتها من حيث هي بل هو المعصية ونيتها على فرض البقاء أبدا ، ولا ريب في أنها معصية أبدية موجبة للخلود أبدا انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف ، وقد مر بعض القول منا فيه في باب النية ، وقال الشهيد رفع الله درجته في القواعد : لا يؤثر نية المعصية

__________________

(١) سورة الأنعام : ٢٨.

٢٨٩

عقابا ولا ذما ما لم يتلبس بها ، وهو مما ثبت في الأخبار العفو عنه ، ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه معصية ، فظهر خلافها ففي تأثير هذه النية نظر من حيث إنها لم تصادف المعصية فقد صارت كنية مجردة وهي غير مؤاخذ بها ، ومن دلالتها على انتهاكه الحرمة وجرأته على المعاصي ، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه لو شرب المباح مشتبها بشراب المسكر فعل حراما ، ولعله ليس لمجرد النية بل بانضمام فعل الجوارح إليها.

ويتصور محل النظر في صور : منها : ما لو وجد امرأته في منزل غيره فظنها أجنبية فأصابها فتيقن أنها زوجته أو أمته ، ومنها : ما لو وطئ زوجته فظنها حائضا فبان طاهرا ، ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره فأكل منه فتبين ملك الآكل ومنها : لو ذبح شاة فظنها للغير بقصد العدوان فظهرت ملكه ، ومنها : إذا قتل نفسا بظنها معصومة فبانت مهدورة.

وقد قال بعض العامة : يحكم بفسق متعاطي الملك لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقابا متوسطا بين عقاب الكبيرة والصغيرة ، وكل منهما تحكم وتخرص على الغيب ، انتهى.

وقال شيخنا البهائيقدس‌سره في بعض تعليقاته على الكتاب المذكور : قوله لا يؤثر نية المعصية عقابا ولا ذما إلى آخره ، وغرضه طاب ثراه أن نية المعصية وإن كانت معصية إلا أنه لما وردت الأخبار بالعفو عنها لم يترتب على فعلها عقاب ولا ذم وإن ترتب استحقاقهما ، ولم يرد أن قصد المعصية والعزم على فعلها غير محرم كما يتبادر إلى بعض الأوهام ، حتى لو قصد الإفطار مثلا في شهر رمضان ولم يفطر لم يكن آثما ، كيف والمصنف مصرح في كتب الفروع بتأثيمه.

والحاصل أن تحريم العزم على المعصية مما لا ريب فيه عندنا وكذا عند العامة وكتب الفريقين من التفاسير وغيرها مشحونة بذلك ، بل هو من ضروريات الدين

٢٩٠

ولا بأس بنقل شيء من كلام الخاصة والعامة في هذا الباب ليرتفع به جلباب الارتياب : في الجوامع عند تفسير قوله تعالى : «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً »(١) يقال : للإنسان لم سمعت ما لا يحل لك سماعه؟ ولم نظرت إلى ما لا يحل لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لا يحل لك العزم عليه؟ انتهى.

وكلامهرحمه‌الله في مجمع البيان قريب من كلامه هذا.

وقال البيضاوي وغيره من علماء العامة عند تفسير هذه الآية : فيها دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية ، انتهى.

وعبارة الكشاف موافقة لعبارة الطبرسي ، وكذا عبارة التفسير الكبير للفخر وقال السيد المرتضى علم الهدى أنار الله برهانه في كتاب تنزيه الأنبياء عند ذكر قوله تعالى : «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما »(٢) إنما أراد تعالى أن الفشل خطر ببالهم ولو كان الهم في هذا المكان عزما لما كان وليهما ، ثم قال : وإرادة المعصية والعزم عليها معصية ، وقد تجاوز قوم حتى قالوا العزم على الكبيرة كبيرة وعلى الكفر كفرا ، انتهى كلامه نور الله مرقده.

وكلام صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية مطابق لكلامه طاب ثراه ، وكذا كلام البيضاوي وغيره ، وأيضا فقد صرح الفقهاء بأن الإصرار على الصغائر الذي هو معدود من الكبائر إما فعلي وهو المداومة على الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل الصغائر متى تمكن منها ، وبالجملة فتصريحات المفسرين والفقهاء والأصوليين بهذا المطلب أزيد من أن يحصى ، والخوض فيه من قبيل توضيح الواضحات ومن تصفح كتب الخاصة والعامة لا يعتريه ريب فيما تلوناه.

فإن قلت : قد ورد عن أئمتناعليهم‌السلام أخبار كثيرة وتشعر بأن العزم على المعصية

__________________

(١) سورة الإسراء : ٣٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٢٢.

٢٩١

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشر حسنات وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه.

٣ ـ عنه ، عن علي بن حفص العوسي ، عن علي بن السائح ، عن عبد الله بن

ليس معصية ثم ذكر هذا الخبر والذي بعده ثم قال : والأحاديث الواردة في الكافي وغيره بهذا المضمون كثيرة؟

قلت : لا دلالة في تلك الأحاديث على ما ظننت من أن العزم على المعصية ليس معصية ، وإنما دلت على أن من عزم على معصية كشرب الخمر أو الزنا مثلا ولم يعملها لم يكتب عليه تلك المعصية التي عزم عليها وأين هذا عن المعنى الذي ظننته؟

قوله : فهو غير مؤاخذ بها ، أي غير معاقب عليها لأنها معفو عنها ، قوله : منها لو وجد امرأته « إلخ » عد بعضهم من هذه الصور ما لو صلى في ثوب يظن أنه حرير أو مغصوب عالما بالحكم فظهر بعد الصلاة أنه ممزوج أو مباح ، وفرع على ذلك التردد في بطلان صلاته ، والأولى عدم التردد في بطلانها ، نعم يتمشى صحتها عند القائل بعدم دلالة النهي في العبادة على الفساد.

قوله : وكلاهما ، أي الحكم بفسق متعاطي ذلك وبعقابه عقابا متوسطا قول بلا دليل ، وفيه : أن دليل الأول مذكور وسيما على القول بأن العزم على الكبيرة كبيرة فتأمل.

قوله : وتخرص بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، أي كذب وتخمين باطل ، انتهى.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : مجهول.

٢٩٢

موسى بن جعفر ، عن أبيه قال سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة فقال ريح الكنيف وريح الطيب سواء قلت لا قال إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قم فإنه قد هم بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فإنه قد هم بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن فضل بن عثمان المرادي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو

والطيب بفتح الطاء وتشديد الياء أو بكسر الطاء ، وكان هذان ريحان معنويان يجدهما الملائكة لصاحب الشمال « قم » أي أبعد عنه ليس لك شغل به ، أو كناية عن التوقف وعدم الكتابة كما أن في بعض النسخ قف ، وقول صاحب الشمال قف بهذا المعنى ، أو إشارة إلى أن صاحب اليمين يكتب له في كل نفس حسنة ما لم يفعل السيئة أو يهم بها وعدم ذكر كتابة الحسنة مع عدم الفعل على الأول لا يدل على العدم ولا ينافي سائر الأخبار ، ويدل على أن الملك جسم كما اتفق عليه المسلمون.

الحديث الرابع : صحيح.

وأربع مبتدأ والموصول بصلته خبر ، وتأنيث الأربع باعتبار الخصال أو الكلمات ، وقد يكون المبتدأ نكرة إذا كان مفيدا وقيل : في قول الشاعر :

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

ثلاثة خبر وشمس مبتدأ ، ولا يخفى أنه لا يناسب هذا المقام ، وقيل في الشعر : ثلاثة مبتدأ وخبره محذوف أي لنا ثلاثة وشمس بدل ثلاثة ومن اسم موصول

٢٩٣

لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته وإن هو عملها كتب الله له عشرا ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أجل سبع ساعات وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عز وجل يقول «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ »(١) أو الاستغفار فإن هو قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه لم يكتب عليه شيء

مبتدأ فله عائدان الأول ضمير فيه ، والثاني المستتر في لم يهلك ، وهذا المستتر منه لقوله : إلا هالك ، لأن مرجعه من ألفاظ العموم ، وليس إلا هالك استثناء مفرغا والمراد بمن كن فيه أن يكون مؤمنا مستحقا لهذه الخصال ، فإن هذه الخصال ليست في غير المؤمن كما عرفت ، وقيل : معنى كن فيه أن يكون معلوما له ، وما ذكرنا أظهر.

واعلم أن الهلاك في قوله : يهلك بمعنى الخسران واستحقاق العقاب وفي قوله : هالك بمعنى الضلال والشقاوة الجبلية ، وتعديته بكلمة على إما بتضمين معنى الورود ، أي لم يهلك حين وروده على الله ، أو معنى الاجتراء أي مجترئا على الله ، أو معنى العلو والرفعة كان من يعصيه تعالى يترفع عليه ويخاصمه ، ويحتمل أن يكون على بمعنى في ، نحوه في قوله تعالى : «عَلى حِينِ غَفْلَةٍ »(٢) أي في معرفته وأوامره ونواهيه ، أو بمعنى من بتضمين معنى الخبيثة كما في قوله تعالى : «إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ »(٣) أو بمعنى عن بتضمين معنى المجاوزة ، أو بمعنى مع أي حالكونه معه ومع ما هو عليه من اللطف والعناية كما قيل في قوله سبحانه : «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ »(٤) وجملة بهم إلى آخره استيناف بياني.

__________________

(١) سورة هود : ١١٥.

(٢) سورة القصص : ١٥.

(٣) سورة المطفّفين : ٢.

(٤) سورة الدخان : ٣٢.

٢٩٤

وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب على الشقي المحروم.

باب التوبة

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تاب العبد «تَوْبَةً نَصُوحاً »

وقوله : فيعملها بالفاء السببية لتضمن ما قبله معنى الترجي ، وقوله : أن يعملها بدل اشتمال للسيئة ، أو هو بتقدير لأن يعملها وقوله : فإن الله ، كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من تتمة كلام الملك أو الاستغفار مجرور معطوف على قوله حسنة ، وقوله : فإن قال بيان لأفضل أفراد الاستغفار وليس الغرض الانحصار.

باب التوبة

الحديث الأول : صحيح.

وقال في النهاية في حديث أبي : سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التوبة النصوح فقال : هي الخالصة التي لا يعاود بعدها الذنب ، وفعول من أبنية المبالغة يقع على الذكر والأنثى ، فكأن الإنسان بالغ في نصح نفسه بها.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : قد ذكر المفسرون في معنى التوبة النصوح وجوها : منها : أن المراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها لظهور آثارها الجميلة في صاحبها أو تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود إليها أبدا.

ومنها : أن النصوح ما كانت خالصة لوجه الله سبحانه من قولهم عسل نصوح إذا كان خالصا من الشمع بأن يندم على الذنوب لقبحها أو كونها خلاف رضا الله سبحانه لا لخوف النار مثلا ، وقد حكم المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد بأن الندم على الذنوب خوفا من النار ليس توبة.

٢٩٥

أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة فقلت وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ويوحي

ومنها : أن النصوح من النصاحة وهي الخياطة لأنها تنصح من الدين ما مزقته الذنوب أو يجمع بين التائب وبين أولياء الله وأحبائه كما تجمع الخياطة بين قطع الثوب.

ومنها : أن النصوح وصف للتائب وإسناده إلى التوبة من قبيل الإسناد المجازي أي توبة ينصحون بها أنفسهم بأن يأتوا بها على أكمل ما ينبغي أن تكون عليه حتى تكون قالعة لآثار الذنوب من القلوب بالكلية ، وذلك بإذابة النفس بالحسرات ، ومحو ظلمة السيئات بنور الحسنات.

روى الشيخ الطبرسي عند تفسير هذه الآية عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أن التوبة تجمعها ستة أشياء ، على الماضي من الذنوب الندامة ، وللفرائض الإعادة ، ورد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وأن تعزم على أن لا تعود ، وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية ، وأن تذيقها مرارة الطاعات كما أذقتها حلاوة المعاصي.

وأورد السيد الرضيرضي‌الله‌عنه في كتاب نهج البلاغة أن قائلا قال بحضرته : أستغفر الله ، فقال له : ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين ، وهو اسم واقع على ستة معان أولها : الندم على ما مضى ، الثاني : العزم على ترك العود إليه أبدا ، الثالث : أن يؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه أملس ليس عليك تبعة ، الرابع : أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها ، الخامس : أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد باللحم ، وينشأ بينهما لحم جديد ، السادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.

وفي كلام بعض الأكابر أنه لا يكفي في جلاء المرآة قطع الأنفاس والأبخرة المسودة لوجهها ، بل لا بد من تصقيلها وإزالة ما حصل في جرمها من السواد ،

٢٩٦

إلى بقاع الأرض اكتمي ما كان يعمل عليك من الذنوب فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب.

كذلك لا يكفي في جلاء القلب من ظلمات المعاصي وكدوراتها ، مجرد تركها وعدم العود إليها ، بل يجب محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات فإنه كما يرتفع إلى القلب من كل معصية ظلمة وكدورة كذلك يرتفع إليه من كل طاعة نور وضياء ، فالأولى محو ظلمة كل معصية بنور طاعة تضادها بأن ينظر التائب إلى سيئاته مفصلة ، ويطلب لكل سيئة منها حسنة تقابلها ، فيأتي بتلك الحسنة على قدر ما أتى بتلك السيئة.

فيكفر استماع الملاهي مثلا باستماع القرآن والحديث والمسائل الدينية ، ويكفر مس خط المصحف محدثا بإكرامه وكثرة تقبيله وتلاوته ، ويكفر المكث في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه وكثرة التعبد في زواياه وأمثال ذلك.

وأما في حقوق الناس فيخرج من مظالمهم أولا بردها عليهم ، والاستحلال منهم ، ثم يقابل إيذاءه لهم بالإحسان إليهم ، وغصب أموالهم بالتصدق بماله الحلال ، وغيبتهم بالثناء على أصل الدين وإشاعة أوصافهم الحميدة ، وعلى هذا القياس يمحو كل سيئة من حقوق الله أو حقوق الناس بحسنة تقابلها من جنسها ، كما يعالج الطبيب الأمراض بأضدادها ، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لذلك بمنه وكرمه. « ما كتبا عليه » كان النسبة إليهما على التغليب أو لكون كتابة صاحب الشمال بأمر صاحب اليمين كما مر ، وقيل : الوحي إلى الجوارح والبقاع كناية عن محو الآثار التي تدل على المعصية عنهما ، وقيل : المراد بكتمان الجوارح وبقاع الأرض ذنوبه إما نسيانهما كما في الملكين ، أو عدم الشهادة بها ، والأول أظهر ، ويؤيده ما روي من طرق العامة أنه تعالى ينسى أيضا جوارحه وبقاع الأرض ذنوبه ، بل ربما يقال أنه يمحوها عن لوح نفسه أيضا ليكمل استعداده لإفاضة الفيض والرحمة عليه ، ويرتفع عنه الانفعال عند لقاء الرب.

٢٩٧

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام في قول الله عزوجل : «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ »(١) قال الموعظة التوبة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزوجل : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً »(٢) قال يتوب العبد من الذنب

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

«فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ » أي في الربا قال البيضاوي : أي فمن بلغه وعظ من الله وزجر عن الربا «فَانْتَهى » أي فاتعظ وتبع النهي «فَلَهُ ما سَلَفَ » أي تقدم أخذه قبل نزول التحريم ولا يسترد منه ، قال : الموعظة التوبة ، أي ما تدعو إلى التوبة وهي الموعظة المؤثرة التي تترتب عليها التوبة ، أو المراد بالموعظة أثرها ، فالمراد بقوله : فانتهى الاستمرار على التوبة وعدم العود ، ويحتمل أن يكون التوبة تفسيرا للجزءين معا.

الحديث الثالث : ضعيف.

قولهعليه‌السلام : وأحب العباد ، كان المراد أن الله تعالى أمر بالتوبة النصوح ، لكن إذا أذنب ثم تاب يحبه الله أيضا فالأحبية إضافية أو المعنى أنه يتوب من ذنب توبة نصوحا ثم يعود في ذنب آخر أو المراد بعدم العود العزم على عدم العود ، وقيل : لعل المراد بالمفتون التواب من لا يعود إلى الذنب بعد التوبة ، فيكون تأكيدا لما قبله ، وكونه أحب بالنظر إلى من يتوب ثم يعود ثم يتوب وهكذا ، لا بالنظر إلى من لم يذنب أبدا.

ويحتمل أن يراد بها كثير التوبة بأن يتوب ثم يذنب ثم يتوب وهكذا

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٥.

(٢) سورة التحريم : ٨.

٢٩٨

ثم لا يعود فيه.

قال محمد بن الفضيل سألت عنها أبا الحسنعليه‌السلام فقال يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه وأحب العباد إلى الله تعالى المفتنون التوابون.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً » قال هو الذنب الذي لا يعود فيه أبدا قلت وأينا لم يعد فقال يا أبا محمد إن الله يحب من عباده المفتن التواب.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا رفعه قال إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل

وهو أحب ممن يتوب عن الذنوب كلها توبة واحدة ، وممن يذنب ذنوبا ثم يتوب منها ثم يذنب ذنوبا ثم يتوب منها ، وقيل : اللام في العباد للعهد ، والمفضل عليه من مات بلا توبة.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح وهو كالسابق.

قوله : هو الذنب أي التوبة من الذنب ، وقد مر معنى المفتن في باب تنقل أحوال القلب.

الحديث الخامس : مرفوع كالحسن.

« ثلاث خصال » الأولى أنه يحبهم ، والثانية أن الملائكة يستغفرون لهم.

والثالثة أنه عز وجل وعدهم الأمن والرحمة ، وقال تعالى في سورة البقرة : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ » ثم قال : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » فقيل : إن المعنى يحب التوابين عن النجاسات

٢٩٩

السماوات والأرض لنجوا بها قوله عز وجل : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ »(١) فمن أحبه الله لم يعذبه وقوله «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً

الباطنة وهي الذنوب ، ويحب المتطهرين من النجاسات الظاهرة بالماء ، وقيل : يحب التوابين من الذنوب والمتطهرين الذين لم يذنبوا ، وقيل : التوابين من الكبائر والمتطهرين من الصغائر ، وقيل : التائبين من المحرمات والمتطهرين من المكروهات كالوطي بعد الحيض وقيل : الغسل ، وورد في الحديث أنها وردت في المتطهرين بالماء في الاستنجاء.

«الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ » وقال البيضاوي : الكروبيون أعلى طبقات الملائكة وأولهم وجودا وحملهم إياه وحفيفهم حوله مجاز عن حفظهم وتدبيرهم له ، أو كناية عن قربهم من ذي العرش ومكانتهم عنده وتوسيطهم في نفاذ أمره «يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ » يذكرون الله بجوامع الثناء من صفات الجلال والإكرام ، وجعل التسبيح أصلا والحمد حالا ، لأن الحمد مقتضى حالهم دون التسبيح.

«وَيُؤْمِنُونَ بِهِ » أخبر عنهم بالإيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله ، ومساق الآية لذلك كما صرح به بقوله : «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » وإشعارا بأن حملة العرش وسكان الفرش في معرفته سواء ردا على المجسمة واستغفارهم شفاعتهم وحملهم على التوبة ، وإلهامهم بما يوجب المغفرة.

وفيه تنبيه على أن المشاركة في الإيمان توجب النصح والشفقة ، وإن تخالفت الأجناس لأنها أقوى المناسبات كما قال : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ».

«رَبَّنا » أي يقولون ربنا وهو بيان ليستغفرون أو حال «وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً » أي وسعت رحمته وعلمه فأزيل عن أصله للإغراق في وصفه بالرحمة

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٢.

٣٠٠

فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »(١) وقوله عزوجل «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً »(٢) .

والعلم والمبالغة في عمومهما ، وتقديم الرحمة لأنها المقصود بالذات هيهنا «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ » أي للذين علمت منهم التوبة واتباع سبيل الحق «وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ » أي واحفظهم عنه وهو تصريح بعد إشعار للتأكيد ، والدلالة على شدة العذاب «الَّتِي وَعَدْتَهُمْ » أي إياها «وَمَنْ صَلَحَ » عطف على هم الأول ، أي أدخلهم ومعهم هؤلاء ليتم سرورهم أو الثاني لبيان عموم الوعد «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ » الذي لا يمتنع عليه مقدور «الْحَكِيمُ » الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ، ومن ذلك الوفاء بالوعد.

«وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ » وهو تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بمن صلح أو المعاصي في الدنيا لقوله : «وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ » أي ومن تقها في الدنيا فقد رحمته في الآخرة كأنهم سألوا السبب بعد ما سألوا المسبب «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » يعني الرحمة أو الوقاية أو مجموعهما.

«فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » قيل : بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ويثبت مكانهم لواحق طاعاتهم أو يبدل ملكة المعصية في النفس بملكة الطاعة ، وقيل : بأن يوفقه لأضداد ما سلف منه أو بأن يثبت له بدل كل عقاب ثوابا كما ورد في الخبر.

__________________

(١) سورة المؤمن : ٧ ـ ٩.

(٢) سورة الفرقان : ٦٨.

٣٠١

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يا محمد بن مسلم ذنوب المؤمن إذا تاب منها مغفورة له فليعمل المؤمن لما يستأنف بعد التوبة والمغفرة أما والله إنها ليست إلا لأهل الإيمان قلت فإن عاد بعد التوبة والاستغفار من الذنوب وعاد في التوبة فقال يا محمد بن مسلم أترى العبد المؤمن يندم على ذنبه ويستغفر منه ويتوب ثم لا يقبل الله توبته قلت فإنه فعل ذلك مرارا يذنب ثم يتوب ويستغفر الله فقال كلما عاد المؤمن بالاستغفار والتوبة عاد الله عليه بالمغفرة و «إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ » فإياك أن تقنط المؤمنين من رحمة الله.

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن

الحديث السادس : صحيح.

« أترى العبد » الهمزة للإنكار ، وفيه دلالة على أن التوبة مقرونة بالقبول البتة ، ويدل عليه أيضا قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : ما كان الله يفتح على عبد باب التوبة ويغلق عنه باب المغفرة ، ويدل عليه أيضا ظاهر الآيات ، وقال محيي الدين البغوي : التوبة من الكافر مقطوع بقبولها ، واختلف في قبولها من المعاصي فقيل كذلك ، وقيل : لا ينتهي إلى القطع لأن الظواهر التي جاءت بقبولها ليست بنص وإنما هي نصوصات معرضة للتأويل ، وقال عياض : قبولها ليس بواجب على الله تعالى عقلا ، وإنما علمناه بالشرع والإجماع خلافا للمعتزلة في إيجابهم ذلك عقلا على أصلهم في التحسين والتقبيح ، ويدل على تحريم تقنيط المؤمنين من رحمة الله الواسعة ، بل لا بد أن يكون الواعظ متوسطا بين الترغيب والترهيب.

وأما إذا كان الاغترار والرجاء غالبين على المستمعين فينبغي أن يزيد في الترهيب وإذا كان القنوط والخوف غالبين عليهم ينبغي أن يبالغ في الترغيب كما هو مقتضى البلاغة.

الحديث السابع : موثق.

٣٠٢

ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل : «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ »(١) قال هو العبد يهم بالذنب ثم يتذكر فيمسك فذلك قوله «تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ».

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن أبي عبيدة الحذاء قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده من رجل أضل راحلته وزاده في ليلة ظلماء فوجدها فالله أشد فرحا بتوبة

«إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف يطيف كأنها طافت بهم ودارت حولهم ، فلم يقدر أن يؤثر فيهم ، أو من طاف به الخيال يطيف طيفا تذكروا ما أمر الله به ونهى عنه «فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ » بسبب التذكر مواقع الخطإ ومكائد الشيطان فيتحرزون عنها ولا يتبعونه فيها.

وقال في النهاية : طيف من الجن أي عرض منهم ، وأصل الطيف الجنون ثم استعمل في الغضب ومس الشيطان ووسوسته ، ويقال له طائف أيضا وقد قرأ بهما قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا » الآية يقال : طاف يطيف ويطوف طيفا وطوفا فهو طائف ، ثم سمي بالمصدر ، انتهى.

« يهم » بالضم أي يقصد وقيل : بالكسر من الهميم وهو الذهاب في طريق ، فالباء للملابسة أو بناء المجهول من الأفعال والباء للآلة من الإهمام وهو الإزعاج ، ولا يخفى بعدهما.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

« وزاده » وفي بعض النسخ ومزاده والأول أصوب ، في المصباح : زاد المسافر طعامه المتخذ لسفره ، والجمع أزواد والمزادة بكسر الميم وعاء التمر ، والمزادة مفعلة من الزاد لأنه يتزود فيها الماء ، ومثل هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه بطرق متعددة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل في أرض

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠١.

٣٠٣

عبده من ذلك الرجل براحلته حين وجدها.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن عثمان ، عن أبي جميلة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الله يحب العبد المفتن التواب ومن لم يكن ذلك منه كان أفضل.

١٠ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن محمد بن سنان ، عن يوسف بن أبي يعقوب بياع الأرز ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ.

دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ، ثم قال : ارجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه ، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده.

وقال في النهاية : الدو الصحراء التي لا نبات بها ، والدوية منسوبة إليها ، وقد يبدل من إحدى الواوين ألف فيقال : داوية على غير قياس ، نحو طائي في النسب إلى طيئ ، وقال في حديث التوبة : لله أشد فرحا بتوبة عبده ، الفرح هيهنا وفي أمثاله كناية عن الرضا وسرعة القبول وحسن الجزاء ، لتعذر إطلاق ظاهر الفرح على الله تعالى.

الحديث التاسع : ضعيف.

ويدل على أن التارك للذنب أفضل من التواب ، ولعله محمول على ما إذا لم يصر سببا لعجبه أو على ما إذا عرض له بترك المندوبات وفعل المكروهات مثل تلك الحالة كما كان للأنبياءعليهم‌السلام وقد مر تحقيق ذلك.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« كمن لا ذنب له » أي في عدم العقوبة لا التساوي في الدرجة وإن كان غير مستبعد في بعض أفرادهما كما عرفت « كالمستهزء » أي بنفسه أو بشرائع الدين أو برب العالمين أي شبيه به لأنه يظهر الندم وليس بنادم حقيقة إذ الندامة الحقيقية تستتبع الترك كما عرفت ، ويظهر الخوف وليس كذلك ولو كان مستهزئا

٣٠٤

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى داودعليه‌السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فأتاه داودعليه‌السلام فقال يا دانيال إنني رسول الله إليك وهو يقول لك إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك فقال له دانيال قد أبلغت يا نبي الله فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أنني قد عصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي فو عزتك لئن لم تعصمني لأعصينك ثم لأعصينك ثم لأعصينك.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن جده

حقيقة لكان كافرا بالله العظيم ، وقيل : الظاهر أن الذنب أعم من أن يكون من نوع واحد أو من أنواع متعددة ، ففيه دلالة على ما ذهب إليه بعض المحققين من أن التوبة إنما يتحقق بالندم من جميع الذنوب والإقلاع عنها ، وفيه نظر.

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

والعصيان محمول على ترك الأولى ، لأن دانيالعليه‌السلام كان من الأنبياء وهم معصومون من الكبائر والصغائر عندنا كما مر(١) « لئن لم تعصمني لأعصينك » فيه مع الإقرار بالتقصير اعتراف بالعجز عن مقاومة النفس وأهوائها ، وحث على التوسل بذيل الألطاف الربانية والاستعاذة من التسويلات النفسانية والوساوس الشيطانية.

الحديث الثاني عشر : ضعيف ، وقد مر عن معاوية بسند آخر.

__________________

(١) ويمكن أن يقال : إنّ دانيال في هذا الحديث اسم رجل كان من أمّة داودعليه‌السلام وليس المراد منه دانيال النبيّعليه‌السلام وليس في الحديث ما يدلّ على أنّه دانيال النبيّ (ع) حتى نحتاج إلى ما ذكره الشارح من الحمل.

٣٠٥

الحسن بن راشد ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تاب العبد «تَوْبَةً نَصُوحاً » أحبه الله فستر عليه فقلت وكيف يستر عليه قال ينسي ملكيه ما كانا يكتبان عليه ويوحي الله إلى جوارحه وإلى بقاع الأرض أن اكتمي عليه ذنوبه فيلقى الله عز وجل حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها.

باب

الاستغفار من الذنب

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن زرارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد إذا أذنب ذنبا أجل من غدوة إلى الليل فإن استغفر الله لم يكتب عليه.

الحديث الثالث عشر : ضعيف ، وقد مر مضمونه.

باب الاستغفار من الذنوب(١)

الحديث الأول : مجهول.

« من غدوة إلى الليل » أي من مثل ذلك الزمان ، ويمكن أن يكون زمان التأجيل متفاوتا بحسب تفاوت الأشخاص والأحوال والذنوب ، أو يكون المراد بالغدوة قبل الزوال أو بالليل ما قرب منه ، فلا ينافي أخبار السبع ساعات ، وقيل : لم يحسب فيه ساعات النوم ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستغفار التوبة بشرائطها وأن يكون محض طلب المغفرة وهو أظهر ، وقد يقال : الفرق بين التوبة والاستغفار أن التوبة ترفع عقوبة الذنوب ، و الاستغفار طلب الغفر والستر عن الأغيار كيلا يعلمه أحد ولا يكون عليه شاهد.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « من الذنب ».

٣٠٦

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال أستغفر الله الذي «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » ثلاث مرات لم تكتب عليه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا ، عن الحسين بن إسحاق ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله الله سبع ساعات فإن استغفر الله لم يكتب عليه شيء وإن مضت الساعات ولم يستغفر كتبت عليه سيئة وإن المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتى يستغفر ربه فيغفر له وإن الكافر لينساه من ساعته.

٤ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن زيد الشحام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتوب إلى الله عز وجل

الحديث الثاني : صحيح.

والحي إما منصوب صفة للجلالة أو مرفوع ببدلية الضمير أو كونه خبر مبتدإ محذوف ، وكان هذا بيان الفرد الأكمل لإطلاق سائر الأخبار.

الحديث الثالث : مجهول.

« كتبت عليه سيئة » بالرفع « ليذكر » على بناء المفعول من التفعيل ، ويحتمل المعلوم من المجرد لكنه بعيد « لينساه » على بناء المجهول أو المعلوم ، وذكر المؤمن من لطفه سبحانه ونسيان الكافر من سلب لطفه تعالى عنه ليؤاخذه بالكفر والذنب جميعا ، وحمل الكفر على كفر النعمة وكفر المخالفة بناء على أن كفر الجحود لا ينفع معه التوبة عن الذنب والاستغفار إلا عن الكفر بعيد ، لأن الكفر بالمعنيين الأولين يجامع الإيمان أيضا إلا أن يحمل الإيمان على الكامل.

الحديث الرابع : مرسل كالموثق.

٣٠٧

في كل يوم سبعين مرة فقلت أكان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه قال لا ولكن كان يقول أتوب إلى الله قلت إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب

« ولكن كان يقول أتوب إلى الله » أي بدون أستغفر الله أو معه ، وعلى الأول كان المراد أن الاستغفار لم يكن داخلا في هذا العمل وإن كان يستغفر بوجه آخر ، ويؤيد الأخير ما سيأتي في كتاب الدعاء في باب الاستغفار بإسناده عن الحارث ابن المغيرة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر الله عز وجل كل غداة يوم سبعين مرة ، ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة ، قال : قلت : كان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال : كان يقول أستغفر الله أستغفر الله سبعين مرة ، ويقول : أتوب إلى الله أتوب إلى الله سبعين مرة.

ثم اعلم أن استغفارهعليه‌السلام والأئمة لم يكن عن ذنب لاتفاق الإمامية على عصمتهم ، وقد مر الكلام في ذلك.

وقال الإربلي في كشف الغمة وغيره : أن الأنبياء لما كانت قلوبهم مستغرقة بذكر الله ومتعلقة بجلال الله ومتوجهة إلى كمال الله ، وكانت أتم القلوب صفاء وأكثرها ضياء وأغرقها عرفانا وأعرفها إذعانا وأكملها إيقانا ، كانوا إذا انحطوا عن تلك المرتبة العلية ، ونزلوا عن تلك الدرجة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتناكح والصحبة مع بني نوعه ، وغير ذلك من المباحات أسرعت كدورة ما إليها لكمال رقتها وفرط نورانيتها ، فإن الشيء كلما كان أرق وأنضر كان تأثره بالكدورات أبين وأظهر ، فعدوا ذلك ذنبا وخطيئة فتابوا واستغفروا كما روي عنه : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وإليه يشير قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليران على قلبي وأنا أستغفر بالنهار سبعين مرة.

وقيل : أراد به تعليم الناس كيفية التوبة والاستغفار من الذنوب ، وقيل : هو محمول على الاعتراف بالعبودية وأن البشر في مظنة التقصير والعجز ، على أن رفع ذلك عن توبته ظاهر ، لأن التوبة في اللغة الرجوع إلى الحق عز شأنه و

٣٠٨

ونعود فقال «اللهُ الْمُسْتَعانُ ».

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عمل سيئة أجل فيها سبع ساعات من النهار فإن قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات لم تكتب عليه.

٦ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة بياع الأكسية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليذنب الذنب فيذكر بعد عشرين سنة فيستغفر الله منه فيغفر له وإنما يذكره ليغفر له وإن الكافر ليذنب الذنب فينساه من ساعته.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من مؤمن يقارف في يومه وليلته أربعين كبيرة فيقول وهو نادم أستغفر الله الذي «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ * ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » وأسأله أن يصلي على محمد وآل محمد وأن يتوب علي إلا غفرها الله عز وجل له ولا خير فيمن يقارف في يوم أكثر

إن لم تكن من ذنب ، يقال : تاب وآب وأناب إذا رجع إلى الحق.

« كان يتوب ولا يعود » كأنه توهم أن التوبة عن ذنب أو غرضه عدم العود إلى ترك الأولى ، أو المراد بالعود أصل الفعل على المشاكلة ، بناء على تجويز التقديم.

الحديث الخامس : صحيح وقد مر ، وحمل على ما إذا كان مع الندم كما سيأتي.

الحديث السادس : موثق وقد مر مثله.

الحديث السابع : مرسل.

ويشعر بأن الكبائر أكثر من أربعين ، لكن يحتمل تكرار كبيرة واحدة والتقييد بالندم لئلا يشبه استغفار المستهزئين « في يومه » أي مع ليلته بقرينة ما مر.

٣٠٩

من أربعين كبيرة.

٨ ـ عنه ، عن عدة من أصحابنا رفعوه قالوا قال لكل شيء دواء ودواء الذنوب الاستغفار.

٩ ـ أبو علي الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا ، عن الحسين بن إسحاق وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن علي بن مهزيار ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن حفص قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من مؤمن يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار فإن هو تاب لم يكتب عليه شيء وإن هو لم يفعل كتب الله عليه سيئة فأتاه عباد البصري فقال له بلغنا أنك قلت ما من عبد يذنب ذنبا إلا أجله الله عز وجل سبع ساعات من النهار فقال ليس هكذا قلت ولكني قلت ما من مؤمن وكذلك كان قولي.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من قال أستغفر الله مائة مرة في كل

الحديث الثامن : مرفوع.

والظاهر أن ضمير قال للصادق أو الباقرعليهما‌السلام ، شبهعليه‌السلام الذنوب بالمرض المهلك ، وأثبت لها الدواء على سبيل المكنية والتخييلية وحمل الاستغفار على الدواء من باب حمل المشبه على المشبه به للدلالة على الاتحاد والتعريف للحصر.

الحديث التاسع : مجهول.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : عبد الله بن سنان أكثر ما يرويه عن الصادقعليه‌السلام بدون واسطة ، وقد يروي عنه بواسطة كما رواه في كيفية الصلاة وصفتها من التهذيب بتوسط حفص الأعور تارة وبتوسط عمر بن يزيد أخرى ، ويدل على أن التأجيل مخصوص بالمؤمن لا الكافر والمخالف.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

٣١٠

يوم غفر الله عزوجل له سبعمائة ذنب ولا خير في عبد يذنب في كل يوم سبعمائة ذنب.

باب

فيما أعطى الله عز وجل آدمعليه‌السلام وقت التوبة

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد الله أو ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن آدمعليه‌السلام قال يا رب سلطت علي الشيطان وأجريته مني مجرى الدم فاجعل لي شيئا فقال : يا آدم

« غفر الله له سبعمائة ذنب » أي مما فعله في ذلك اليوم ثم قالعليه‌السلام : ولا خير « إلخ » لئلا يغتر العبد بذلك فيذنب كل يوم سبعمائة ذنب ، فإن مثله لا خير فيه ، ولا يوفق للاستغفار والتوبة ، والذنب يشمل الصغيرة والكبيرة والملفق منهما ، وليس كل في بعض النسخ في الموضعين ، فيمكن أن يكون المراد سبعمائة ذنب في عمره ، ويكون قولهعليه‌السلام : الأخير لبيان رفع توهم شموله لهذا الاحتمال.

باب فيما أعطى الله عز وجل آدم وقت التوبة

قيل : ما مصدرية ، ووقت مفعول ثان لأعطى ، أي من سعة زمان التوبة ، والمراد إما أبو البشرعليه‌السلام أو ذريته كما يقال قريش ويراد أولاده ، ويحتمل أن تكون ما موصولة ووقت التوبة ظرفا بأن يكون إعطاء ذلك في وقت توبته والأول أظهر.

الحديث الأول : حسن.

« سلطت على » أي على وعلى أولادي « وأجريته مني » روى العامة أيضا أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وقال بعضهم : ذهب قوم ممن ينتمي

٣١١

جعلت لك أن من هم من ذريتك بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن هم منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة فإن هو عملها كتبت له عشرا قال يا رب زدني قال جعلت لك أن من عمل منهم سيئة ثم استغفر له غفرت له قال يا رب زدني قال جعلت لهم التوبة أو قال بسطت لهم التوبة حتى تبلغ النفس هذه قال يا رب حسبي.

إلى ظاهر العلم إلى أن المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حيا كما لا يفارقه دمه ، وحكي هذا عن الأزهري وقال : هذا طريق ضرب المثل ، والجمهور من علماء الأمة أجروا ذلك على ظاهره وقالوا : إن الشيطان جعل له هذا القدر من التطرق إلى باطن الآدمي بلطافة هيئته ، لمحنة الابتلاء ويجري في العروق التي هي مجاري الدم من الآدمي إلى أن يصل إلى قلبه فيوسوسه على حسب ضعف إيمان العبد وقلة ذكره وكثرة غفلته ، ويبعد عنه ويقل تسلطه وسلوكه إلى باطنه بمقدار قوة إيمانه ويقظته ، ودوام ذكره وإخلاص توحيده.

وما رواه المفسرون عن ابن عباس قال : إن الله جعل الشياطين من بني آدم مجرى الدم ، وصدور بني آدم مساكن لهم مؤيد لما ذهب إليه الجمهور وهم يسمون وسوسته لمة الشيطان ، ومن ألطافه تعالى أنه هيأ ذوات الملائكة على ذلك الوصف من أجل لطافتهم وأعطاهم قوة الحفظ لبني آدم ، وقوة الإلمام في بواطنهم ، وتلقين الخير لهم في مقابلة لمة الشيطان ، كما روي أن للملك لمة بابن آدم ، وللشيطان لمة ، لمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ولمة الشيطان ، إيعاده بالشر وتكذيب بالحق ، فمن وجد من ذلك فليستعذ بالله من الشيطان ، وقالوا : إنما ينكر مثل هذا عقول أسراء العادات الذين استولت عليهم المألوفات ، فما لم يجدوا في مستقر عاداتهم أنكروه كما أنكر الكفار إحياء العظام النخرة وإعادة الأجسام البالية والذي يجب هو التسليم بما نطق به الخبر الصحيح ولا يأباه العقل السليم.

« أو بسطت » الترديد من الراوي « حتى تبلغ النفس » النفس بالتحريك ما يخرج من الحي عند التنفس ، وبالسكون الروح والأخير هنا أظهر ، والمقصود أن

٣١٢

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ثم قال إن السنة لكثيرة من تاب قبل موته بشهر قبل الله توبته ثم قال : إن الشهر لكثير من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته ثم قال إن الجمعة لكثير

باب التوبة مفتوح إلى أن يبلغ النفس الحلقوم وتتحقق الغرغرة ، فإذا بلغت هذه فلا توبة ، لأنه وقت المعاينة ، والتوبة إنما يكون في حال الغيب ، وروي من طريق العامة أن إبليس بعد ما صار ملعونا وأنظر قال : بعزتك لا أخرج عن قلب ابن آدم ما دام الروح في بدنه ، فقال الله تبارك وتعالى : بعزتي لا أسد باب التوبة عليه ما دام الروح في بدنه.

الحديث الثاني : مرسل.

« من تاب قبل موته بسنة » قال الشيخ البهائيقدس‌سره في الأربعين : المراد بقبول التوبة إسقاط العقاب المترتب على الذنب الذي تاب منه ، وسقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما أو هو تفضل بفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده؟

المعتزلة على الأول والأشاعرة على الثاني ، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطوسيقدس‌سره في كتاب الاقتصاد ، والعلامة جمال الملة والدينرحمه‌الله في بعض كتبه الكلامية ، وتوقف المحقق الطوسيرحمه‌الله في التجريد ، ومختار الشيخين هو الظاهر ، ودليل الوجوب مدخول.

وقالرحمه‌الله في قوله : من تاب قبل أن يعاين ، أي يرى ملك الموت ، كما روي عن ابن عباس ، ويمكن أن يراد بالمعاينة علمه بحلول الموت وقطعه الطمع من الحياة وتيقنه ذلك كأنه يعاينه وأن يراد معاينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنينعليه‌السلام كما روي في الأخبار ، انتهى.

واعلم أنه استدل بهذا الخبر على جواز النسخ قبل الفعل ، فإن الأصوليين

٣١٣

من تاب قبل موته بيوم قبل الله توبته ثم قال إن يوما لكثير من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا بلغت النفس هذه وأهوى بيده إلى حلقه لم يكن

اختلفوا فيه ، وفيه نظر لأنه ليس تنافيها إلا بالمفهوم ، فيمكن أن يكون هذا التدريج لبيان اختلاف مراتب التوبة في القبول والكمال ، فإن التوبة الكاملة المشتملة على تدارك ما فات وتطهير النفس عن كدورات السيئات ، وتحليتها بأنوار التضرعات والحسنات لا يتأتى غالبا في أقل من سنة ، فإن لم يتيسر ذلك فلا أقل من شهر لتحصيل بعض تلك الأمور وهكذا.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وقد مر بعينه في باب لزوم الحجة على العالم ، إلا أنه زاد في آخره ثم قرأ «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ».

« لم يكن للعالم توبة » كان المراد بالعالم من شاهد أحوال الآخرة ، وبالجاهل من لم يشاهدها فإن مع بلوغ النفس إلى الحلق أيضا يحتمل عدم المشاهدة ، فالمراد بالعلم العلم اليقيني الحاصل بالمشاهدة ، ويحتمل أن يكون كلاهما محمولين على ما قبل المشاهدة ، ويكون المراد بالعالم والجاهل معناهما المتبادر ، وفيحمل إما على عدم قبول التوبة وكمالها للعالم ، أو عدم توفيقه للتوبة إن صح الإجماع ، وإلا فالخبر موافق لظاهر قوله تعالى : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً ، وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً »(١) .

وقد قيل : في تأويل الآية وجوه : أحدها أن كل معصية يفعلها العبد جهالة

__________________

(١) سورة النساء : ١٧.

٣١٤

للعالم توبة وكانت للجاهل توبة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن معاوية بن وهب قال خرجنا إلى مكة ومعنا شيخ متأله متعبد لا يعرف هذا الأمر يتم الصلاة في الطريق ومعه ابن أخ له مسلم فمرض الشيخ فقلت لابن أخيه لو عرضت هذا الأمر على عمك لعل الله أن يخلصه فقال كلهم دعوا الشيخ حتى يموت على حاله فإنه حسن الهيئة فلم يصبر ابن أخيه حتى قال له يا عم إن الناس ارتدوا بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا نفرا يسيرا وكان لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام من الطاعة ما كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بعد رسول الله الحق والطاعة له قال : فتنفس الشيخ وشهق وقال أنا على هذا وخرجت نفسه فدخلنا على أبي عبد الله

وإن كانت على سبيل العمد لأنه يدعو إليها الجهل وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وثانيها : إن معنى قوله : بجهالة أنهم لا يعلمون كنه ما فيه من العقوبة ، وثالثها : أنهم يجهلون أنها ذنوب ومعاصي ، وضعف الأخير بأنها خلاف الإجماع مفهوما ، وفسروا القريب بما قبل الموت ويمكن تأويل الآية بأن التوبة من الذنب الذي ليس بجهالة لا يجب على الله قبولها ، وإن قبلها بلطفه ووعده.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

والتأله التعبد والتنسك « يتم الصلاة » تأييد لعدم كونه شيعيا لأنه من فعل أهل السنة « مسلم » أي مؤمن أو بتشديد اللام ، أي منقاد للحق « لو عرضت » لو للتمني « فقال كلهم » أي الحاضرون ولعلهم كانوا من المخالفين أو المستضعفين « فإنه حسن الهيئة » الهيئة صورة الشيء وحاله وشكله أي كان متعبدا صالحا لا يضره الموت على تلك الحالة أو كان دينه حقا بناء على كونهم من المخالفين ، وقيل : فإنه ، كلام معاوية وتعليل لقوله : لعل الله أن يخلصه ، وتوسط كلام الغير لا ينافي الاتصال ، ولا يخفى بعده.

و « تنفس » أدخل النفس إلى باطنه وأخرجه و « شهق » كمنع وضرب

٣١٥

عليه‌السلام فعرض علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال هو رجل من أهل الجنة قال له علي بن السري إنه لم يعرف شيئا من هذا غير ساعته تلك قال فتريدون منه ما ذا قد دخل والله الجنة.

باب اللمم

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أرأيت قول الله عز وجل «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ »(١) قال هو الذنب يلم به الرجل فيمكث ما شاء الله ثم يلم به بعد.

وسمع شهيقا تردد البكاء في صدره ، وقيل : ردد نفسه مع سماع صوته من حلقه ، وقيل : فتريدون استفهام وما ذا اسم جنس بمعنى أي شيء كما قال الفارسي في قول الشاعر :

دعي ما ذا علمت سأتقيه

ولكن بالمغيب تنبئيني

باب اللمم

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وفي المصباح : اللمم بفتحتين مقاربة الذنب وقيل : هو الصغائر وقيل : هو فعل الصغيرة ثم لا يعاوده كالقبلة ، واللمم أيضا طرف من جنون يلم به الإنسان من باب قتل ، فهو ملموم وبه لمم ، وألم الرجل بالقوم إلماما أتاهم فنزل بهم ، وألم بالذنب فعله ، وألم الشيء قرب ، انتهى.

وقال سبحانه في سورة النجم : «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » ثم قال تعالى : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ » قال البيضاوي أي ما يكبر عقابه من الذنوب ، وهو ما رتب الوعيد عليه بخصوصه ، أي إلا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر ، والاستثناء منقطع ، وأقول : قد مر

__________________

(١) سورة النجم : ٣٣.

٣١٦

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال الهنة بعد الهنة أي الذنب بعد الذنب يلم به العبد.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من مؤمن إلا وله ذنب يهجره زمانا ثم يلم به وذلك قول الله عز وجل «إِلاَّ اللَّمَمَ » وسألته عن قول الله عز وجل : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ

الكلام في ذلك في باب الكبائر.

الحديث الثاني : صحيح.

وقال الجوهري : « هن » على وزن أخ كلمة كناية ، ومعناه شيء وأصله هنو تقول هذا هنك أي شيئك ، وتقول للمرأة : هنة وهنت ، وتصغيرها هنية وقد تبدل من الياء الثانية هاء ، فيقال : هنيهة ، ويقال : في فلان هنأت أي خصلات شر ، ولا يقال ذلك في الخير ، وفي النهاية فيه : ستكون هناة وهناة ، أي شرور وفساد يقال : في فلان هناة أي خصال شر ولا يقال في الخير ، وواحدها هنت وقد يجمع على هنوات ، وقيل : واحدها هنة تأنيث هن ، وهو كناية عن كل اسم جنس ، ومنه الحديث ، وذكر هنة من جيرانه أي حاجة ويعبر بها عن كل شيء ، وقال في المصباح : الهن خفيفة النون كناية عن كل اسم جنس ، والأنثى هنة ، ولأمها محذوفة وكنى بهذا الاسم عن الفرج ، ويعرب بالحروف ، فيقال : هنوها وهناها وهنيها ، مثل أخوها وأخاها وأخيها ، انتهى.

وعبر هنا عن الذنب بالهنة لقبحه أو لحقارته وقلته كناية عن عدم الإصرار عليه « يلم به العبد » أي ينزل به بعد تركه.

الحديث الثالث : موثق.

« يهجره » كينصر أي يتركه ، وقيل : العموم في هذا الكلام عموم عرفي كناية عن الكثرة ، وقد مر آخر الحديث في باب الكبائر ، وكان السؤال كان

٣١٧

كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال الفواحش الزنى والسرقة واللمم الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه فقال له رجل من القوم جعلت فداك والله إنني لمقيم على ذنب منذ دهر أريد أن أتحول عنه إلى غيره فما أقدر عليه فقال له إن كنت صادقا فإن الله يحبك وما يمنعه أن ينقلك منه إلى

في وقت آخر ، أو كان السؤال لتفسير مجموع الآية.

الحديث الرابع : ضعيف.

« يلتمس الفقه » أي مسائل الدين والقرآن أي ألفاظه « يبدي عورة » العورة القبيح وكل ما يستحيي منه ، والظاهر أن المراد إبداء عورة نفسه من الإقرار بذنب يوجب حدا أو تعزيرا « فنحوه » أي أبعدوه حتى لا يعترف به عندنا بل يتوب بيته وبين الله ، ويحتمل أن يكون المراد عيوب غيره التي لم يشتهر بها ، سواء كان للغيبة أو لإقامة الشهادة فإن إخفاء العيوب أحسن ، لكن الأول أظهر ، وسيأتي ما يؤيده في كتاب الحدود إن شاء الله.

وقيل : قد أمرعليه‌السلام أصحابه الذين من أهل التفرس أن يمنعوا من الدخول عليه من هو من أهل الإذاعة والإبداء ، لأنه أصلح له ولهم ، ويندرج فيه إبداء أحاديثهم لغير أهلها وإذاعة أمرهم إلى أهل الجور وإظهار سرهم الذي ستره الله تعالى وأمر باستتاره حفظا له ولشيعته من أعدائهم لشدة الخوف والتقية منهم.

« إن كنت صادقا فإن الله يحبك » محبة الله لعبده عبارة عن علمه باستحقاق اللطف وإيصال الخير وإرادته ، فإذا علم الله تعالى أن عبدا من عباده لا يغتر بترك الذنوب ويبتلي بالعجب بكثرة الطاعة ، ويخرج نفسه عن حد التقصير والخوف منه يبتليه ببعض الذنوب ، وذلك لطف منه ورحمة على عبده لكي يخافه ويرجع

٣١٨

غيره إلا لكي تخافه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من ذنب إلا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثم يلم به وهو قول الله عز وجل : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » قال اللمام العبد الذي يلم الذنب بعد الذنب ليس من سليقته أي من طبيعته.

إليه ويعترف بتقصيره ، وهذا من أحسن الأحوال للإنسان كما أن العجب أسوأ الحالات له ، ولو لا ذلك لم يذنب مؤمن قط كما مر « إلا لكي تخافه » استثناء من مدلول الكلام السابق ، فإن قوله ما يمنعه أن ينقلك في قوة ما يترك نقلك لشيء.

الحديث الخامس : حسن موثق.

وفي القاموس : الطبع والطبيعة والطباع بالكسر السجية جبل الإنسان عليها أو الطباع ككتاب ما ركب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا تزايلنا و « طبع عليه » كمنع ختم ، والطبع بالتحريك الوسخ الشديد الصداء ، والشين والعيب ، وطبع على الشيء بالضم جبل ، وفلان دنس وشين ، وفلان تطبع إذا لم تكن له نفاذ في مكارم الأمور كما يطبع السيف إذا كثر الصداء عليه ، وهو طبع طمع ككتف ، وفي الخلق لئيمه دنس لا يستحيي من سوءة ، والتطبيع التنجيس وتطبع بطباعه تخلق بأخلاقه ، و السليقة كسفينة الطبيعة. والخبر يحتمل وجوها : الأول : أن يكون المراد بالطبع أولا حصول الشوق له إلى فعله لعارض عرض له ويمكن زواله عنه ، ولذا يهجره زمانا ولو كان ذاته ، وإنما هو بأن يسلب عنه التوفيق فيستولي عليه الشيطان فيدعوه إلى فعله ، ثم تدركه الألطاف الربانية فتصرفه عنه ، وكل ذلك لصلاح حاله ، فليس ممن يقتضي ذاته الشر والفساد ، ولا ممن أعرض الله عنه ، ولم يعلم فيه خيرا ، بل هو ممن يحبه الله ويبتليه بذلك لإصلاح أحواله ، وينتهي إلى العاقبة المحمودة.

٣١٩

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب والبخل والفجور وربما ألم من ذلك شيئا لا يدوم عليه قيل فيزني قال نعم ولكن لا يولد له من تلك النطفة.

الثاني : أن يكون من الطبع بمعنى الدنس والرين ، إما على بناء المجهول أيضا أو على بناء المعلوم كما قيل ، أي ليس ذنب إلا وقد تنجس وتدنس به عبد مؤمن ، فلا ينافي عدم كونه من سليقته.

الثالث : ما قيل : إنه من الطبع بمعنى الختم ، وهو مستلزم لمنع دخول الشيء فيه ، والمعنى أن المؤمن ممنوع من الدخول في الذنب زمانا على سبيل الكناية ، ثم يلم به لمصلحة وهو بعيد والأول أظهر.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والسجية الخلق والطبيعة « ولكن لا يولد له من تلك النطفة » فإن قيل : قد نرى أنه يتولد من زناء المؤمن الولد؟ قلنا : للمؤمن معان كثيرة كما عرفت ، فلعله لا يكون مؤمنا بأحد تلك المعاني ، مع أن الخواتم لا يعلمها إلا الله تعالى ، ويحتمل أن يكون محمولا على الغالب ، وقيل : لعل المراد أن المتولد من تلك النطفة لا يكون ولدا له ولا يلحق به شرعا ، أو أنه لا يولد للمؤمن من تلك النطفة لأنه ليس مؤمن حين يزني فيكون إشارة إلى سلب الإيمان عنه حين الزنا ولا يخفى بعدهما.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407