مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22447 / تحميل: 7460
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١١

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

جالسا ذات يوم وعنده علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، إذ دخل الحسينعليه‌السلام فأخذه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله في حجره ، وقبّل بين عينيه ، وقبّل شفتيه ، وكان للحسينعليه‌السلام ست سنين. فقال عليعليه‌السلام : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتحبّ ولدي الحسين؟.قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف لا أحبه وهو عضو من أعضائي؟!. فقال : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك ، أنا أم الحسين؟. فقال الحسين : يا أبت ، من كان أعلى شرفا ، كان أحبّ إلى رسول الله وأقرب إليه منزلة. قال عليعليه‌السلام : أتفاخرني يا حسين؟.قال : نعم إن شئت يا أبتاه. فقالعليه‌السلام : أنا أمير المؤمنين ، أنا لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى حتّى عدّ من مناقبه نيّفا وسبعين منقبة ، ثم سكت. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام : أسمعت يا أبا عبد الله ، وهو عشر ما قاله من فضائله ، ومن ألف ألف فضيلة ، وهو فوق ذلك وأعلى. فقال الحسينعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على كثير من عباده المؤمنين ، وعلى جميع المخلوقين. ثم قال : أمّا ما ذكرت يا أمير المؤمنين ، فأنت فيه صادق أمين. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أذكر أنت فضائلك يا ولدي. فقال الحسينعليه‌السلام : أنا الحسين ابن علي بن أبي طالب ، وأمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وجدي محمّد المصطفى سيد بني آدم أجمعين ، لا ريب فيه. يا أبت أمي أفضل من أمك عند الله وعند الناس أجمعين ، وجدي خير من جدك وأفضل عند الله وعند الناس أجمعين ، وأبي خير من أبيك عند الله وعند الناس أجمعين ، وأنا في المهد ناغاني جبرائيل وتلقّاني إسرافيل. يا أبت أنت عند الله أفضل مني ، وأنا أفخر منك بالآباء والأمهات والأجداد. ثم اعتنق أباه فقبّله ، وعليّعليه‌السلام أيضا يقبّله ، ويقول : زادك الله شرفا وتعظيما وفخرا وعلما وحلما ، ولعن الله قاتليك يا أبا عبد الله.

١٤٤ ـ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوا الحسنين يتمتعان بي وأتمتّع بهما :

روي أنه لما ثقل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه ، والبيت غاصّ بمن فيه ، قال :ادعوا إليّ الحسن والحسينعليه‌السلام . قال : فجعل يلثمهما حتّى أغمي عليه. قال :فجعل عليعليه‌السلام يرفعهما عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ففتح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه وقال : دعهما يتمتّعان مني وأتمتّع منهما ، فإنهما سيصيبهما بعدي أثرة».

١٤٥ ـ جبرائيل يخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(بحار الأنوار ، ج ٤٤ ص ٢٣٨ ط ٣)

في (كامل الزيارة) ص ٦٧ ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : بينا رسول

١٨١

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزل فاطمةعليها‌السلام ، والحسينعليه‌السلام في حجره ، إذ بكى وخرّ ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمّد ، إن العليّ الأعلى تراءى لي في بيتك هذا ، ساعتي هذه ، في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمّد ، أتحبّ الحسينعليه‌السلام ؟. فقلت : نعم ، قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عينيّ. فقال لي : يا محمّد ـ ووضع يده على رأس الحسين ـ بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله ، وناصبه وناواه ونازعه. أما إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، وسيد شباب أهل الجنّة من الخلق أجمعين. وأبوه أفضل منه وخير ، فأقرئه السلام وبشّره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي ، وحفيظي وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السموات وأهل الأرضين ، والثقلين :الجن والإنس.

١٤٦ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٥٢)

في (البحار) سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أي أهل بيتك أحب إليك؟. قال : الحسن والحسين ، من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أحبه الله أدخله الجنّة. ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله ، ومن أبغضه الله خلّده النار.

أيها الناس ، من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في درجتي في الجنّة يوم القيامة».

ولنعم ما قال القائل :

أخذ النبي يد الحسين وصنوه

يوما ، وقال وصحبه في مجمع

من ودّني يا قوم أو هذين أو

أبويهما ، فالخلد مسكنه معي

وعن أسامة بن زيد ، قال : أتيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء ، ما أدري ما هو!. فلما فرغت من حاجتي ، قلت : ما هذا الّذي أنت مشتمل عليه؟. فكشف ، فإذا هو الحسن والحسينعليهما‌السلام على وركيه. فقال : هذان ابناي ، وابنا ابني. الله م إني أحبهما فأحبّهما ، وأحبّ من يحبّهما ، ألا فمن أحبّهما كان معي».

١٨٢

وفي (البحار) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخذا بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ، فقال : إن ابنيّ هذين ، ربّيتهما صغيرين ودعوت لهما كبيرين ، وسألت الله أن يجعلهما طاهرين مطهّرين زكيين ، فأجابني إلى ذلك.

وسألت أن يقيهما وشيعتهما من النار ، فأعطاني ذلك. وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما ، فقال : يا محمّد ، إني قضيت قضاء وقدّرت قدرا ، وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس ، وسيخفرون ذمتك في ولدك. وإني أوجبت على نفسي لمن فعل ذلك أن لا أحلّه محل كرامتي ولا أسكنه جنّتي ، ولا أنظر إليه بعين رحمتي إلى يوم القيامة.

١٤٧ ـ السيدة عائشة تستغرب :(البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٢٦٠)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : كان الحسين بن عليعليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يلاعبه ويضاحكه. فقالت عائشة : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أشدّ إعجابك بهذا الصبي؟!. فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به ، وهو ثمرة فؤادي وقرّة عيني؟. أما إن أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي».

١٤٨ ـ خبر فداء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام بابنه إبراهيمعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٤ ط نجف)

عن تفسير النقاس بإسناده عن سفيان الثوري ، عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كنت عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من رب العالمين. فلما سرّي عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمّد إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول : لست أجمعهما ، فافد أحدهما بصاحبه. فنظر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى إبراهيم فبكى ، وقال : إن إبراهيم أمّه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا أؤثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل اقبض إبراهيم فديته بالحسين.

قال : فقبض بعد ثلاث. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا قبّله وضمّه إلى صدره ورشف ثناياه ، وقال : فديت من فديته با بني إبراهيم.

١٨٣

* وسوف ترد قصة حبات اللؤلؤ السبع ، وهي التي حكاها رسول ملك الروم ليزيد ، في آخر الجزء الثاني من الموسوعة ، ضمن الحوادث التي حدثت في مجلس يزيد.

١٤٩ ـ مجلس الحسينعليه‌السلام :(ريحانة الرسول لأحمد فهمي محمّد ، ص ٣٩)

قال أحمد فهمي محمّد يصف مجلس الحسينعليه‌السلام : وكان مجلس الحسينعليه‌السلام مجلس وقار وعلم ، والناس من حوله يتحلقون ، يأخذون عنه ما يلقيه عليهم ، وهم في خشوع كأن على رؤوسهم الطير.

١٥٠ ـ خطابة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ٤٠)

وقد آتاه الله أعنّة الخطابة ، فكانعليه‌السلام طليق اللسان ، مشرق ديباجة البيان ، نديّ الصوت ، خلّاب المنطق. تتفجّر ينابيع الحكمة على لسانه ، وتتدفق سيول الموعظة حول بيانه. لا يتلكأ في منطقه ولا يتلجلج. إذا ما عنّ له أمر تدفّق تدفق اليعسوب ، وملأ الأسماع والقلوب.

١٥١ ـ عبادتهعليه‌السلام :(المجالس السنيّة للسيد الأمين ، ج ١ ص ٢٤)

روى ابن عساكر في (التاريخ الكبير) عن مصعب بن عبد الله ، قال : حج الحسينعليه‌السلام خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وإنّ نجائبه تقاد معه.

وفي (تذكرة الخواص) قال علماء السير : أقام الحسينعليه‌السلام بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام يحج في كل عام من المدينة إلى مكة ماشيا [المسافة نحو ٥٠٠ كم] إلى أن توفي معاوية وقام يزيد سنة ستين.

وروى ابن عبد ربه في (العقد الفريد) أنه قيل لعلي بن الحسينعليه‌السلام : ما كان أقلّ ولد أبيك؟!. قال : العجب كيف ولدت أنا له ، ولقد كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء؟.

وكانعليه‌السلام إذا توضأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله ، فقيل له في ذلك ، فقال : حقّ لمن وقف بين يدي الجبار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله.

وحسبهعليه‌السلام وقوفه للصلاة في يوم عاشوراء ، والسهام تخطر بين يديه ، وقد وقف أمامه سعيد بن عبد الله الحنفي وزهير بن القين البجلي يقيانه من النبل.

١٥٢ ـ كرم الحسينعليه‌السلام وحسن معاملته :

(الحسين إمام الشاهدين للدكتور علي شلق ، ص ٥٢)

قال الدكتور علي شلق : جاءت جارية تحمل في يدها زهيرات نضرات ، طفح

١٨٤

منها اللون الأخضر ، والعطر الأزهر. فقدّمتها إلى الحسينعليه‌السلام بعد أن سلّمت بخفر وحياء. فتناولهاعليه‌السلام بيده الكريمة ، وقال لها : أنت حرّة لوجه الله تعالى.

عند ذلك تحرك أنس بن مالك ، وكان في مجلسه قائلا : ألهذا الحدّ يابن الأكرمين؟. تعتق جارية على طاقة ريحان؟!. فأجاب الحسينعليه‌السلام : كذا أدّبنا ربّنا ، ألم تسمع قوله تعالى :( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) [النساء :٨٦] وكان أحسن منها عتقها.

وفي (نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٨ : قيل كان بين الحسينعليه‌السلام وبين أخيه الحسنعليه‌السلام كلام ووقفة ، فقيل له : اذهب إلى أخيك الحسن واسترضه وطيّب خاطره ، فإنه أكبر منك. فقالعليه‌السلام : سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أيّما اثنين بينهما كلام فطلب أحدهما رضا الآخر ، كان السابق سابقه إلى الجنّة ، وأكره أن أسبق أخي الأكبر إلى الجنّة. فبلغ قوله الحسنعليه‌السلام فأتاه وترضّاه.

١٥٣ ـ سخاؤه وتواضعهعليه‌السلام :

مرّ الحسينعليه‌السلام بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء ، فسلّم عليهم. فدعوه إلى طعامهم ، فجلس معهم ، وقال : لو لا أنه صدقة لأكلت معكم. ثم قال : قوموا إلى منزلي ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

١٥٤ ـ رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم :

ولقد وجد على ظهر الحسينعليه‌السلام يوم الطف أثر ، فسئل زين العابدينعليه‌السلام عن ذلك ، فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.

١٥٥ ـ إباء الحسينعليه‌السلام للضيم :(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١١٢)

أما إباؤهعليه‌السلام للضيم ومقاومته للظلم ، واستهانته القتل في سبيل الحق والعزّ ، فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان.

فأول ذلك ما قاله الحسينعليه‌السلام حين دعاه والي المدينة إلى البيعة ليزيد ، وكان مروان بن الحكم حاضرا ، قال :

«إنا أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

١٨٥

فقد أبىعليه‌السلام أن يبايع يزيد بن معاوية ، السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطنابير ، واللاعب بالقرود والفهود ، والمجاهر بالكفر والإلحاد ، والاستهانة بالدين. بل قال لمروان : وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.

وحين دعا مروان الوالي إلى قتل الحسين ، قالعليه‌السلام : ويلي عليك يابن الزرقاء ، أتأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك.

ولما أحاط القوم بالحسينعليه‌السلام في كربلاء ، وقيل له : انزل على حكم بني عمك. قال : لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد.

وقالعليه‌السلام : ألا وإن الدّعيّ ابن الدعي [يقصد عبيد الله بن زياد] قد ركز بين اثنتين : السّلّة (أي استلال السيوف) أو الذلةّ ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك لنا ، ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

١٥٦ ـ شجاعتهعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١١٥)

أما شجاعة الحسينعليه‌السلام فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأقران وفروسية الفرسان ، من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة. فهو الّذي دعا الناس إلى المبارزة يوم كربلاء ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه ، حتّى قتل مقتلة عظيمة.

وما أصدق وصف أحد الرواة للحسينعليه‌السلام يوم كربلاء ، حيث قال : والله ما رأيت مكثورا قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشا ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما منه. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه ، فيشدّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وعن شماله ، انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمّلوا ثلاثين ألفا ، فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر.

١٥٧ ـ شجاعة موروثة :(معالي السبطين ، ج ١ ص ٦٦)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لله درّ أبي طالب ، لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا». وقد ورث الحسينعليه‌السلام الشجاعة من أبيه عليعليه‌السلام وجده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجده أبو طالبعليه‌السلام . وعليعليه‌السلام هو القائل : وأنا من رسول الله كالصّنو من الصنو ، والذراع من العضد. والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها ، ولو

١٨٦

أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وهو القائل : جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم.

وقد ظهرت شجاعة الحسينعليه‌السلام يوم عاشوراء في أهل الكوفة ، بحيث ذكّرتهم بشجاعة أبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام في غزواته وجولاته.

وما عسى أن يقول القائل فيمن جده محمّد المصطفى ، وأبوه علي المرتضى ، وأمه فاطمة الزهرا ، وجدته خديجة الكبرى ، وأخوه الحسن المجتبى ، مع ماله في نفسه من الفضائل التي لا تحصى!.

٦ ـ الذريّة والإمامة

إن من أكبر فضائل الإمام عليعليه‌السلام أن الله جعل ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلبه من فاطمة الزهراءعليها‌السلام كما جاء في عدة أحاديث سوف نذكرها. وإن من أكبر الفضائل التي حباها الله تعالى للحسينعليه‌السلام أن جعل الأئمة من ذريته ، أولهم زين العابدين وآخرهم المهديعليه‌السلام .

قال النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة ، وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ».

١٥٨ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عصبة الحسن والحسينعليهما‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥١)

أخرج الحاكم عن جابر (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبة ، إلا ولدي فاطمةعليهم‌السلام [أي الحسن والحسين] فأنا وليهما وعصبتهما».

وفي رواية الخوارزمي في مقتله ، ج ١ ص ٥ : «كل بني أمّ ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

ثم يقول الخوارزمي : والأخبار في أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسمّي الحسن والحسينعليهما‌السلام ابنيه ، كالحصى لا تعدّ ولا تحصى.

وأخرج الطبراني عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام قالت : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه ، إلا ولد فاطمة ، فأنا وليهم وأنا عصبتهم».

وفي (إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ، بهامش نور الأبصار للشبلنجي) ص ١٣٣ : وفي رواية صحيحة قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة ، فإني أنا أبوهم وعصبتهم».

١٨٧

تعليق : هذه الخصوصية هي لأولاد مولاتنا فاطمة بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط ، دون أولاد بقية بناته ، فلا يطلق عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أب لهم ، وأنهم بنوه ، بل يطلق عليهم أنهم من ذريته ونسله وعقبه. وقد خصّ أولاد فاطمةعليهم‌السلام بهذا الفضل دون غيرها من بقية بناته لسببين : لأنها أفضلهن ، ولأنها هي الوحيدة التي أعقبت ذكرا ، فانحصرت فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمةعليهم‌السلام .

١٥٩ ـ الإمامة في الحسينعليه‌السلام وفي صلبه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٦ ط نجف)

روى الأعرج عن أبي هريرة ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله تعالى :( وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) [الزخرف : ٢٨]. قال : جعل الإمامة في عقب الحسينعليه‌السلام يخرج من صلبه تسعة من الأئمة ، منهم مهديّ هذه الأمة.

* الاحتجاج على الحجّاج :

وقد وردت في الكتب قصة مع الحجّاج فيها استدلال على أن الحسن والحسينعليهما‌السلام أبناء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وليس كما حاول الأمويون نفيه ، ومن بعدهم العباسيون ، وقالوا : إن أبناء البنت ليسوا من ذرية الرجل.

ولهذه القصة روايتان ؛ إحداهما تذكر أن الاستدلال كان من الشعبي وقد مرّت سابقا في الفقرة رقم ٣٤ ، والثانية أن الاستدلال كان من يحيى بن يعمر بحضور الشعبي ، وإليك الرواية الثانية بصيغتين.

يقول الخوارزمي في مقدمة مقتله :

ومن خذلان مبغضيهم المستحكم القواعد ، وإدبارهم المستحصف المقاعد ، وغوايتهم التي حشرتهم إلى دار البوار ، وشقاوتهم التي كبّتهم على مناخرهم في دركات النار ، أن حملهم بغض أحبّاء الله وأحباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن أنكروا أولاد عليعليهم‌السلام من فاطمةعليهم‌السلام أنهم أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فمن أولئك الحجّاج المحجوج ، الحقود اللجوج. ثم ساق هذه القصة.

١٦٠ ـ قصة يحيى بن يعمر مع الحجّاج :

(مقتل الخوارزمي ، ج ١ ص ٥)

قال الخوارزمي : أخبرنا عاصم بن بهدلة عن يحيى بن يعمر العامري ، قال : بعث

١٨٨

إليّ الحجّاج ، فقال : يا يحيى أنت الّذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قلت له : إن أمّنتني تكلمت. قال : فأنت آمن. قلت : أقرأ عليك كتاب اللهعزوجل ، إن الله يقول :( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣)وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٣ ـ ٨٥].

وعيسىعليه‌السلام كلمة الله وروحه ألقاها إلى البتول العذراء ، وقد نسبه الله تعالى إلى إبراهيمعليه‌السلام .

قال الحجاج : ما دعاك إلى نشر هذا وذكره؟. قال : ما أوجب الله تعالى على أهل العلم في علمهم( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ) [آل عمران : ١٨٧]. قال : صدقت ، ولا تعودنّ لذكر هذا ولا نشره.

ثم قال الخوارزمي : وقد ابتلي المكابر الحجّاج ، بالمحجاج يحيى بن يعمر ، المؤيّد من الله بالجواب الصواب ، الّذي أوتي عند سؤاله فصل الخطاب لعن الله الحجّاج وكل ملعون من نسله ، وكل من انضوى إلى حفله ، واحتطب في حبله ، من مبغضي أهل البيتعليهم‌السلام ، ولعن الله من لم يلعن مبغضيهم ، وقاتليهم وسافكي دمائهم ، والذين أعانوا على قتلهم ، وأشاروا إليه ودلّوا عليه. انتهى كلامه.

١٦١ ـ رواية أخرى للقصة :

(آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، ص ٤٢١)

يروى أن الحجاج أحضر يحيى بن يعمر ، وقال : أنت الّذي تقول : الحسين ابن علي من ذرية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال : نعم. قال : فوالله لتأتينّ بالمخرج عما قلت ، أو لأضربنّ عنقك!. فقال يحيى : إن جئت بالمخرج فأنا آمن؟. قال : نعم.قال : اقرأ( وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ ) [الأنعام : ٨٣] إلى قوله :( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ ) [الأنعام : ٨٤] إلى قوله( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥]. فمن يعدّ عيسىعليه‌السلام من ذرية إبراهيم لا يعدّ الحسينعليه‌السلام من ذرية محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

فقال الحجاج : والله كأني ما قرأت هذه الآية قط!. فولاه قضاء المدينة ، وكان قاضيها إلى أن مات.

١٨٩

١٦٢ ـ رواية أشمل وأوسع للقصة :

(المنتخب للطريحي ج ٢ ص ٤٩١)

حكي عن الشّعبي الحافظ لكتاب الله تعالى ، أنه قال : استدعاني الحجاج ابن يوسف [الثقفي] في يوم عيد الضحيّة ، فقال لي : أيها الشيخ أي يوم هذا؟. فقلت : هذا يوم الضّحيّة. قال : بم يتقرّب الناس في مثل هذا اليوم؟. فقلت : بالأضحية والصدقة وأفعال البرّ والتقوى. فقال : اعلم أني قد عزمت أن أضحي برجل حسيني.

قال الشعبي : فبينما هو يخاطبني إذ سمعت خلفي صوت سلسلة وحديد ، فخشيت أن ألتفت فيستخفّني. وإذا قد مثل بين يديه رجل علوي ، وفي عنقه سلسلة وفي رجليه قيد من حديد.

فقال له الحجاج : ألست فلان بن فلان العلوي؟. قال : نعم ، أنا ذلك الرجل.فقال له : أنت القائل : إن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟. قال : ما قلت ولا أقول ، ولكني أقول : إن الحسن والحسينعليه‌السلام ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنهما دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، على رغم أنفك يا حجّاج!.

قال : وكان الحجاج متكئا على مسنده ، فاستوى جالسا ، وقد اشتدّ غيظه وغضبه ، وانتفخت أوداجه ، حتّى تقطّعت أزرار بردته ، فدعا ببردة غيرها فلبسها.

ثم قال للرجل : يا ويلك إن تأتيني بدليل من القرآن يدلّ أن الحسن والحسين ولدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلا في ظهره وخرجا من صلبه ، وإلا قتلتك في هذا الحين أشرّ قتلة. وإن أتيتني بما يدل على ذلك أعطيتك هذه البردة التي بيدي وخلّيت سبيلك!.

قال الشعبي : وكنت حافظا كتاب الله تعالى كله ، وأعرف وعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ، فلم تخطر على بالي آية تدل على ذلك. فحزنت وقلت في نفسي : يعزّ والله عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي. قال : فابتدأ الرجل يقرأ الآية ، فقال( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) (١) [الفاتحة : ١] ، فقطع عليه الحجاج قراءته وقال : لعلك تريد أن تحتجّ عليّ بآية المباهلة ، وهي قوله تعالى :( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) [آل عمران : ٦١]؟. فقال العلوي : هي والله حجّة مؤكدة معتمدة ، ولكني آتيك بغيرها. ثم ابتدأ يقرأ :( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (٨٥) [الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥] وسكت. فقال له الحجاج : فلم لا قلت( وَعِيسى ) [الأنعام : ٨٥] أنسيت عيسى؟. فقال : نعم صدقت يا حجاج. فبأي شيء دخل

١٩٠

عيسىعليه‌السلام في صلب نوحعليه‌السلام وليس له أب؟. فقال له الحجاج : إنه دخل في صلب نوح من حيث أمه مريم. فقال العلوي : وكذلك الحسن والحسينعليه‌السلام دخلا في صلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمهما فاطمة الزهراءعليه‌السلام .

قال : فبقي الحجاج كأنما ألقم حجرا. فقال له الحجاج : ما الدليل على أن الحسن والحسين إمامان؟. فقال العلوي : يا حجاج لقد ثبتت لهما الإمامة بشهادة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقهما ، لأنه قال في حقهما : «ولداي هذان إمامان فاضلان ، إن قاما وإن قعدا ، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دمهما ويسبون حرمهما». ولقد شهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما بالإمامة أيضا حيث قال : «ابني هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أبو أئمة تسعة».

فقال الحجاج : يا علوي والله لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن وبصحة إمامتهما ، لأخذت الّذي فيه عيناك ، ولقد نجّاك الله تعالى مما عزمت عليه من قتلك ، ولكن خذ هذه البردة لا بارك الله لك فيها. فأخذها العلوي وهو يقول : هذا من عطاء الله وفضله ، لا من عطائك يا حجّاج!.

وقد عمدنا في هذه الموسوعة على إدراج ترجمة لمن يرد ذكرهم من الأشخاص المشهورين ، نبدأ منهم بترجمة الحجّاج.

ترجمة الحجّاج

(سير أعلام النبلاء للذهبي ، ج ٤ ص ٣٤٣)

قال الذهبي : أهلك الله الحجاج في شهر رمضان سنة ٩٥ ه‍ كهلا. وكان ظلوما جارا ناصبيا خبيثا سفّاكا للدماء. وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء ، وفصاحة وبلاغة ، وتعظيم للقرآن.

قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير ، وحصاره لابن الزبير بالكعبة ، ورميه إياها بالمنجنيق ، وإذلاله لأهل الحرمين. ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة ، وحرب ابن الأشعث له ، وتأخيره للصلوات ، إلى أن استأصله الله. فنسبّه ولا نحبّه ، بل نبغضه في الله ، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان.

وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه ، وأمره إلى الله.

وفي (مروج الذهب) ج ٣ ص ١٧٥ ، قال المسعودي :

ومات الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ وهو ابن ٥٤ سنة بواسط العراق ، وكان

١٩١

تأمّره على الناس عشرين سنة. وأحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهن ستة عشر ألفا مجرّدة. وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء.

* ملاحظة عامة : تسالمنا على وضع إطار حول ترجمة الأشخاص ، يختلف حسب نوع الشخص ؛ فإن كان عدوا للحسينعليه‌السلام يكون الإطار متصلا ، وإن كان حياديا يكون الإطار منقطّا ، وإن كان من أنصار الحسينعليه‌السلام يكون الإطار مرقطّا (نقطة شحطة).

* قصيدة حاقدة ومعارضتها :

والآن نستعرض قصيدة صفي الدين الحلي الشاعر الشيعي المعروف ، في الردّ على المتعصب اللدود عبد الله بن المعتز ، الّذي أنكر في قصيدته أن يكون نسل الإمام عليعليه‌السلام من فاطمة هم ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وادعى أن العباسيين أقرب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من العلويين. ولم يعد هذا الشاعر في تعصبه جده المتوكل العباسي الّذي حاول حرث قبر مولانا الحسينعليه‌السلام .

١٦٣ ـ قصيدة عبد الله بن المعتز بن المتوكل العباسي :

قال صاحب (روضات الجنات) : وكان عبد الله بن المعتز ذا نصب وعداوة شديدة لأهل البيتعليه‌السلام . ومن شعره قصيدته التي يهجو بها الطالبيين ويتحامل على العلويين ، منها :

ألا من لعين وتسكابها

تشكّى القذا وبكاها بها

ترامت بنا حادثات الزمان

ترامي القسيّ بنشّابها

ويا ربّ ألسنة كالسيوف

تقطّع أرقاب أصحابها

ويقول فيها :

ونحن ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها

لكم رحم يا بني بنته

ولكن بنو العمّ أولى بها

إلى أن يقول :

١٩٢

قتلنا أميّة في دارها

ونحن أحقّ بأسلابها

إذا ما دنوتم تلقّيتم

زبونا(١) أقرّت بجلّابها

١٦٤ ـ قصيدة صفي الدين الحلي في الردّ عليها :

فردّ الشاعر الشيعي صفي الدين الحلي (٦٧٧ ـ ٧٥٢ ه‍) عليه بهذه القصيدة ، وهي من غرر الشعر ، يقول :

[القصيدة]

ألا قل لشرّ عبيد الإله

وطاغي قريش وكذّابها

وباغي العباد وباغي العناد

وهاجي الكرام ومغتابها

أأنت تفاخر آل النّبيّ

وتجحدها فضل أحسابها؟

بكم باهل المصطفى أم بهم

فردّ العداة بأوصابها؟

أعنكم نفي الرجس أم عنهم

لطهر النفوس وألبابها؟

أما الرجس والخمر من دأبكم

وفرط العبادة من دأبها؟

* * *

وقلت : ورثنا ثياب النّبيّ

فكم تجذبون بأهدابها؟

وعندك لا يورث الأنبياء

فكيف حظيتم بأثوابها؟

فكذّبت نفسك في الحالتين

ولم تعلم الشّهد من صابها(٢)

أجدّك(٣) يرضى بما قلته؟

وما كان يوما بمرتابها

وكان بصفين من حزبهم

لحرب الطغاة وأحزابها

وقد شمرّ الموت عن ساقه

وكشّرت الحرب عن نابها

فأقبل يدعو إلى «حيدر»

بإرغابها وبإرهابها

وآثر أن ترتضيه الأنام

من الحكمين لأسبابها

ليعطي الخلافة أهلا لها

فلم يرتضوه لإيجابها

وصليمع الناس طول الحياة

وحيدر في صدر محرابها

فهلا تقمّصها جدّكم

إذا كان إذ ذاك أحرى بها؟

إذا جعل الأمر شورى لهم

فهل كان من بعض أربابها؟

__________________

(١) الزّبون : الناقة التي تدفع ولدها عن ضرعها.

(٢) الصاب : شجر له عصارة بيضاء بالغة المرارة.

(٣) يقصد بجدهم : عبد الله بن عباس.

١٩٣

أخامسهم كان أم سادسا؟

وقد جلّيت بين خطّابها

وقولك : أنتم بنو بنته

ولكن بنو العم أولى بها

بنو البنت أيضا بنو عمّه

وذلك أدنى لأنسابها

فدع في الخلافة فصل الخلاف

فليست ذلولا لركّابها

وما أنت والفحص عن شأنها

وما قمصّوك بأثوابها

وما ساورتك سوى ساعة

فما كنت أهلا لأسبابها

وكيف يخصّوك يوما بها؟

ولم تتأدّب بآدابها

* * *

وقلت : بأنكم القاتلون

أسود أميّة في غابها

كذبت وأسرفت فيما ادّعيت

ولم تنه نفسك عن عابها

فكم حاولتها سراة لكم

فردّت على نكص أعقابها

ولو لا سيوف أبي مسلم(١)

لعزّت على جهد طلّابها

وذلك عبد لهم لا لكم

رعى فيكم قرب أنسابها

وكنتم أسارى ببطن الحبوس

وقد شفّكم لثم أعتابها

فأخرجكم وحباكم بها

وألبسكم فضل جلبابها

فجازيتموه بشرّ الجزاء

لطغوى النفوس وإعجابها

* * *

فدع ذكر قوم رضوا بالكفاف

وجاؤوا الخلافة من بابها

هم الزاهدون هم العابدون

هم الساجدون بمحرابها

هم الصائمون هم القائمون

هم العالمون بآدابها

هم قطب ملّة دين الإله

ودور الرحى حول أقطابها

عليك بلهوك بالغانيات

وخلّ المعالي لأصحابها

ووصف العذارى وذات الخمار

ونعت العقار(٢) بألقابها

وشعرك في مدح ترك الصلاة

وسعي السّقاة بأكوابها

فذلك شأنك لا شأنهم

وجري الجياد بأحسابها

(أدب الطف للسيد جواد شبّر ، ص ٣١٧)

__________________

(١) هو أبو مسلم الخراساني الّذي قاد الثورة ضد الأمويين.

(٢) العقار : الخمر.

١٩٤

الفصل الخامس

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

التوراة ـ الإنجيل ـ كتاب إرميا

ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

ـ تشابه محنة يحيىعليه‌السلام مع محنة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيتهعليه‌السلام من بعده

ـ علم أهل البيتعليه‌السلام بالمغيبات :

ـ علوم الجفر الخاصة بأهل البيتعليه‌السلام

ـ الوصية الإلهية التي نزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستشهاد الحسينعليه‌السلام

ـ روايات الإمام عليعليه‌السلام

ـ روايات أم سلمة وعائشة

ـ روايات الحسينعليه‌السلام والأئمةعليه‌السلام

ـ روايات ابن عباس

١٩٥

ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام

ـ إخبار الحسنينعليه‌السلام

ـ إخبار سلمان الفارسي

ـ إخبار أبي ذر الغفاري

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

١٩٦

الفصل الخامس :

أنباء باستشهاد الحسينعليه‌السلام قبل وقوعه

تعريف بالفصل :

قبل وقوع حادثة كربلاء واستشهاد الحسينعليه‌السلام وأصحابه (رض) ، تواترت الأنباء باستشهاد الإمام الحسينعليه‌السلام . منها ما كان على لسان جبرائيلعليه‌السلام أو على لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وهذه الأخبار جاءت بروايات مختلفة ، بعضها عن الإمام علي أو الأئمةعليه‌السلام ومنها على لسان أم سلمة وابن عباس (رض) ، ومنها على لسان الصحابة (رض).

وكانت متعددة في الأمكنة ومختلفة في الأزمنة. فبعضها في بيت فاطمة أو أم سلمة أو عائشة ، وبعضها في المسجد وقد قام النبي خطيبا في أصحابه ، وبعضها في الإسراء. ومرة قبل ولادة الحسينعليه‌السلام ، ومرة عند ولادته ، وعند بلوغه السنة ثم السنتين وهكذا. وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل مرة منها يرى حزينا مغموما ويبكي عليه.

وفي بعض هذه الروايات إخبار مجمل بشهادتهعليه‌السلام ، وفي بعضها الآخر تفصيل لكيفية شهادته ، ومن الذي يتولى قتله ، من يزيد الشنار ، أو عمر بن سعد صاحب الخزي والعار. وفي بعضها الآخر تعيين لمكان استشهادهعليه‌السلام في كربلاء أو عمورا أو على شط الفرات.

وثمة روايات معينة صدرت عن الإمام عليعليه‌السلام حين وروده كربلاء في طريقه إلى صفين ، كما صدرت عن عدد كبير من الأنبياء حين مروا بكربلاء ، وحدثت معهم حوادث غريبة ملفتة للنظر.

وسوف نبدأ الفصل بأنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة ، وإخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار القرآن في مطلع سورة مريم (كهيعص) عن استشهاد الحسينعليه‌السلام كما استشهد يحيى بن زكرياعليه‌السلام من قبله ، وإجراء مقارنة بينهما.

١٩٧

ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يجري على أهل بيته من بعده ، وأن ذلك كله مكتوب في الجفر ، الذي توارثه الأئمةعليهم‌السلام فكانوا يعلمون بما سيجزي عليهم. ثم إخبار الله تعالى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشهادة الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه باستشهاد الحسينعليه‌السلام . ثم إخبار الإمام عليعليه‌السلام وأم سلمة والأئمةعليهم‌السلام بذلك. ثم إخبار بقية الصحابة كسلمان المحمدي وأبي ذر الغفاري وغيرهم.

وينتهي الفصل بالأخبار التي حددت اسم قاتل الحسينعليه‌السلام .

١ ـ أنباء شهادة الحسينعليه‌السلام في الكتب السماوية السابقة :

١٦٥ ـ التوراة تخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام ومنزلة أصحابه :

(أمالي الصدوق مجلس ٢٩ رقم ٤ ص ٢٢٤)

عن سالم بن أبي جعدة ، قال : سمعت كعب الأحبار (وكان يهوديا) يقول : إن في كتابنا أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل ، ولا يجفّ عرق دواب أصحابه حتى يدخل الجنة ، فيعانقوا الحور العين.

فمر بنا الحسنعليه‌السلام فقلنا : هو هذا؟ قال : لا. فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فقلنا :هو هذا؟ قال : نعم.

١٦٦ ـ في الإنجيل خبر مقتل الحسينعليه‌السلام :

(الكامل في التاريخ لابن الأثير ، ج ٣ ص ٤٠٦)

قال رأس الجالوت (وهو من النصارى) ذلك الزمان : ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي ، حتى أخلف المكان ، لأنا كنا نتحدث أن ولد نبي يقتل بذلك المكان ، فكنت أخاف.

فلما قتل الحسينعليه‌السلام أمنت ، فكنت أسير ولا أركض.

١٦٧ ـ كتاب إرميا يخبر بمقتل الحسينعليه‌السلام :

(الخصائص الحسينية لجعفر التستري ، ص ١٣٧)

جاء في كتاب إرميا في (باسوق) من السيمان السادس والأربعين قوله : (كي ذبح لدوناي الوهيم صوا ووث بارض صافون ال نهر پرات). ويعني : يذبح ويضحى لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطىء الفرات.

١٩٨

١٦٨ ـ ما وجد منقوشا على بعض الأحجار :

(تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ، ص ٢٨٣ ط ٢ نجف)

وقال ابن سيرين : وجد حجر قبل مبعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسمائة سنة مكتوب عليه بالسريانية ، فنقلوه إلى العربية ، فإذا هو :

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب

وقال سليمان بن يسار : وجد حجر مكتوب عليه :

لا بد أن ترد القيامة فاطم

وقميصها بدم الحسين ملطخ

ويل لمن شفعاؤه خصماؤه

والصور في يوم القيامة ينفخ

وسيرد شبيه هذا في الجزء الثاني من الموسوعة ، أول مسير السبايا والرؤوس من الكوفة إلى الشام.

١٦٩ ـ ما وجد مكتوبا على جدار إحدى كنائس الروم :

(مثير الأحزان لابن نما ، ص ٧٦ ط نجف)

عن مشايخ بني سليم أنهم غزوا الروم ، فدخلوا بعض كنائسهم فإذا مكتوب هذا البيت :

أترجوا أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

قالوا : فسألنا منذ كم هذا مكتوب في كنيستكم؟ قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاثمائة عام.

وحدث عبد الرحمن بن مسلم عن أبيه ، أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من قسطنطينة ، وعليها شيء مكتوب. فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت.

وفي رواية أخرى أن الروم كانوا يحفرون في بلادهم فوجدوا حجرا ، فقرؤوا عليه البيت السابق. (راجع مقتل العوالم ص ١١٠).

١٧٠ ـ لوح من ذهب يشهد بقتل الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للفاضل الدربندي ص ٩٣)

أخرج الحاكم عن أنس ، أن رجلا من أهل نجران ، حفر حفيرة فوجد لوحا من ذهب مكتوب فيه :

١٩٩

أترجو أمة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب!

كتب إبراهيم خليل الله.

فجاء باللوح إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأه ثم بكى ، وقال : من آذاني وعترتي لم تنله شفاعتي.

١٧١ ـ القرآن يصف قتل الحسينعليه‌السلام بالفساد الكبير :

حتى إذا كان في أيام عمر بن الخطاب وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة ، جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.

فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا ، وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في كتابكم في قوله (ظهر الفساد في البر والبحر) وإنما فتح بقتل هابيل ويختم بقتل الحسين بن عليعليه‌السلام .

* * *

إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام

١٧٣ ـ إخبار الله تعالى أنبياءه بشهادة الحسينعليه‌السلام حين مرّوا بكربلاء :

(مقتل العوالم للشيخ عبد الله البحراني ج ١٧ ص ١٠١)

جاء في الأخبار أن جملة من الأنبياءعليهم‌السلام من آدم إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد مروا بأرض كربلاء ، وكانت تحدث لهم متاعب ومصاعب ، فيناجون الله ، فيخبرهم بأن سبب ذلك أن في هذه الأرض سيقتل سبط محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن عليعليه‌السلام ويأمرهم بلعن قاتليه.

حصل ذلك لآدمعليه‌السلام وهو يبحث عن حواء فمر بكربلاء ، وكذلك حدث لنوحعليه‌السلام حين مرت سفينته فوق كربلاء ، وكذلك لابراهيم حين عثر به فرسه في كربلاء ، وكذلك لإسماعيل حين كان يرعى أغنامه بشط الفرات فحين وصلت إلى كربلاء امتنعت عن شرب الماء ، وكذلك لموسىعليه‌السلام حين انقطع شسع نعله هناك ، وكذلك لعيسىعليه‌السلام حين كان سائحا مع الحواريين فمروا بكربلاء حين رأوا أسدا كاسرا قابعا هناك.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وإنما هي ساعتك التي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله.

٥ ـ عنه ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام احمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك.

٦ ـ عنه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لرجل إنك قد جعلت طبيب نفسك وبين لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء فانظر كيف قيامك على نفسك.

أم لا ، ومع الوصول لا تعلم حالك فيه « وإنما هي » أي الدنيا التي يلزمك الصبر فيها.

الحديث الخامس : مرفوع.

وضمير عنه هنا وفيما بعده راجع إلى أحمد بن محمد « احمل نفسك » أي عن مواضع المذلة والهوان في الدنيا والآخرة لنفسك للوصول إلى الجنة والدرجات العالية على مركوب الطاعات ، والأعمال الصالحة ، والوجهان متقاربان ، وما يعمله الغير إن كان بالوصية فهو من أعماله وإن لم يكن بالوصية فلا ينفع كثيرا ولا يعتمد على وقوعه.

الحديث السادس : كالسابق ، و الداء الأخلاق الذميمة والذنوب المهلكة ، وآية الصحة العلامات التي بينها الله وبين رسوله والعترة الهادية صلوات الله عليه وعليهم كقوله تعالى : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » ، «الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » إلى آخر الآيات ، وسائر ما ورد في صفات المؤمنين والموقنين والمتقين والمفلحين ، وقد مر كثير منها في باب صفات المؤمن وغيره ، و الدواء التوبة والاستغفار ومجالسة الأخيار ، ومجانبة الأشرار والزهد في الدنيا ، والتضرع إلى الله والتوسل به والتوكل عليه ، وتتبع علل النفس وعيوبها وأمراضها ، ومعالجة كل منها بضدها.

وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى ذلك بقوله :

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

٣٦١

٧ ـ عنه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لرجل اجعل قلبك قرينا برا أو ولدا واصلا واجعل عملك والدا تتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهدها واجعل مالك عارية تردها.

وتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمر

فلا حاجة لك في خارج

يخبر عنك بما سطروا

فانظر كيف قيامك على نفسك في معالجة أدوائها وإن قصرت في ذلك فقد قتلت نفسك ، ومن قتل نفسه فجزاؤه جهنم خالدا.

الحديث السابع : كالسابق.

والقرين : البار المصاحب الصالح المشفق الذي يهديك إلى ما ينفعك ويمنعك عما يضرك ، و الولد الواصل هو الذي ينفعك ويعينك في دنياك وآخرتك ، فشبه القلب أي العقل المتعلق بهما للمشاركة بينه وبينهما في هذا المعنى.

« واجعل عملك » في بعض النسخ بتقديم الميم على اللام وفي بعضها بالعكس ولعله أنسب ، وعلى الأول المراد به العمل الصالح ، والمراد بالنفس النفس الأمارة بالسوء كما روي أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ، وقد مر تحقيقها ، وشبه المال بالعارية في مشقة ضبطها ، وعدم الانتفاع بها غالبا ، والانتقال بغيره بعد الموت ، أي ينبغي أن لا يتعلق قلبك به كما لا يتعلق القلب بالعارية.

وقال في المصباح : تعاوروا الشيء واعتوروه تداولوه ، و العارية من ذلك والأصل فعلية بفتح العين وهو اسم من الإعارة وعارة مثل أطعته إطاعة وطاعة ، وأجبته إجابة وجابة.

وقال الليث : سميت العارية لأنها عار على طالبها ، وقال الجوهري مثله ، وبعضهم يقول مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب من صاحبه لخروجها وهما غلط ، لأن العارية من الواو لأن العرب تقول هم يتعاورون العواري ويتعورونها بالواو وإذا

٣٦٢

٨ ـ وعنه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فإن نفسك رهينة بعملك.

٩ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كم من طالب للدنيا لم يدركها ومدرك لها قد فارقها فلا يشغلنك طلبها عن عملك والتمسها من معطيها ومالكها فكم من حريص على الدنيا قد صرعته واشتغل بما أدرك منها

أعار بعضهم بعضا ، والعار وعار الفرس من الياء فالصحيح ما قال الأزهري ، والعارية بتشديد الياء وقد تخفف في الشعر.

الحديث الثامن : كالسابق أيضا.

« أقصر » على بناء الأفعال « من قبل أن تفارقك » أي النفس ، فإن الخطاب ظاهرا إلى البدن أي قبل الموت الذي يسلب الاختيار عنك واسع في فكاكها عن العذاب والارتهان به ، وقال الراغب : الرهن ما يوضع وثيقة للدين والرهان مثله وأصلهما مصدر ، يقال : رهنت الشيء وأرهنته رهانا فهو رهين ومرهون ، وقيل في قوله : «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ »(١) أنه فعيل بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة ، وقيل : بمعنى مفعول أي كل نفس مقامة في جزاء ما قدم من عمله ولما كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك للمحتبس أي شيء كان قال : كل نفس بما كسبت رهينة.

الحديث التاسع : كالسابق.

« كم من طالب » كم خبرية للتكثير ، ومرفوعة محلا بالابتداء و قوله : لم يدركها خبره ، وحاصله أن طالب الدنيا مردد بين أمرين إما أن لا يدركها فيضل سعيه ويبطل عمله ، وإما أن يدركها ويتعلق قلبه بها ثم يفارقها فتبقى عليه حسرتها فينتفع به غيره ، والحساب والعقاب عليه « قد صرعته » أي قتلته وألقته على الأرض أو ألقته من أوج العز على حضيض المذلة والهوان ، يقال : صارعته فصرعته والصريع القتيل ، والمسجون الحقيقي في سجن الأبد من حبسته دنياه عن طلب آخرته فهو

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٣٨.

٣٦٣

عن طلب آخرته حتى فني عمره وأدركه أجله.

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام المسجون من سجنته دنياه عن آخرته.

١٠ ـ وعنه رفعه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له خذ حذرك فإنك غير معذور وليس ابن الأربعين بأحق بالحذر من ابن العشرين فإن الذي يطلبهما واحد وليس براقد فاعمل لما أمامك من الهول

مسجون عن القيام بمصالح نفسه أبدا.

الحديث العاشر : كالسابق أيضا.

« قيل له » أي بلسان الحال أو يناديه ملك ، وتظهر الفائدة بعد أخبار الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام « خذ حذرك » في القاموس : الحذر بالكسر ويحرك الاحتراز ، وقال الراغب : الحذر احتراز عن مخيف ، يقال : حذر حذرا وحذرته قال عز وجل : «يَحْذَرُ الْآخِرَةَ »(١) «وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ »(٢) وقال : «خُذُوا حِذْرَكُمْ »(٣) أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره.

« فإنك غير معذور » أي لا يقبل عذرك بغلبة الشهوة ، فإنها تنكسر بعد الأربعين ، ولا بقلة التجربة وضعف العقل فإنهما يكملان في الأربعين ، في المصباح : عذرته فيما صنع عذرا من باب ضرب دفعت عنه اللؤم فهو معذور ، أي غير ملوم.

ثم أشارعليه‌السلام إلى عدم المعذورية قبل ذلك وقلة التفاوت في الإنسان لئلا يجترئ الإنسان قبل الأربعين في المعاصي بقوله : وليس ابن الأربعين بأحق بالحذر من ابن العشرين ، أي مثلا وذلك لأن الأحقية إما باعتبار أن طالبهما متعدد ، فيمكن أن يتفاوت الطلب ويتفاوت بتفاوته الحذر بالشدة والضعف ، أو باعتبار أن طالبهما واحد لكنه صالح للرقاد والغفلة فيغفل عن الثاني دون الأول ، أو باعتبار أن طلب الموت لأحدهما أقرب من طلبه للآخر ، وليس شيء من هذه الاعتبارات هنا فانتفت الأحقية كثيرا ، فظهر أن هذا من ألطافه سبحانه حيث يوسع الأمر

__________________

(١) سورة الزمر : ٩.

(٢) سورة آل عمران : ٢٨.

(٣) سورة النساء : ٧١.

٣٦٤

ودع عنك فضول القول.

١١ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن حسان ، عن زيد الشحام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام خذ لنفسك من نفسك خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات.

١٢ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيرا أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإني لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي وإذا جاء الليل قال مثل ذلك.

١٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن شعيب بن عبد الله

قليلا قبل الأربعين ، فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بذلك.

والمراد بترك فضول القول عدم التكلم وعدم استماعه ، لأن ذلك مفسد للسان والسمع والقلب ، ومانع عن إدراك الحق وعن ذكر الله ، وكأنه من باب التشبيه بالأدنى على الأعلى أي فكيف الاشتغال بالمحرمات بهما وبسائر الجوارح ، ويمكن أن يراد به الاغترار والتسويف في العمل بأن يقول : الله كريم يغفر الذنوب أو سأفعل بعد ذلك عند المشيب ، وأمثال ذلك مما يوجب ترك العمل.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

ولما كان كل من السقم والضعف بكبر السن والموت مانعا من الأعمال الحسنة وكانت القدرة في أضدادها أمرعليه‌السلام بالمبادرة إلى تلك الأعمال في حال الاقتدار عليها ، فإن الفرصة غنيمة.

الحديث الثاني عشر : مرسل.

والقول إما بلسان الحال وهو قول الملك الموكل باليوم ، وقد يقال أن للأيام والساعات والشهور والسنين شعورا لكنه بعيد من طور العقل.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

٣٦٥

عن بعض أصحابه رفعه قال جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أوصني بوجه من وجوه البر أنجو به قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أيها السائل استمع ثم استفهم ثم استيقن ثم استعمل واعلم أن الناس ثلاثة زاهد وصابر وراغب فأما الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه فلا يفرح بشيء من الدنيا ولا يأسى على شيء منها فاته فهو مستريح وأما الصابر فإنه يتمناها بقلبه فإذا

« استمع » أي ما يلقى عليك من الكتاب والسنة أو ما ألقيه عليك في هذا الوقت والأمور الأربعة مترتبة فإن العمل موقوف على اليقين ، واليقين موقوف على الفهم ، والفهم موقوف على الاستماع من أهل العلم.

« واعلم أن الناس ثلاثة » وجه الحصر أن الإنسان إما أن يخرج حب الدنيا من قلبه أو لا ، والثاني إما أن يمنع نفسه عن تحصيلها أو لا ، فالأول زاهد والثاني صابر ، والثالث راغب.

فقد خرجت الأفراح والأحزان ، أي الدنيوية من قلبه و الأسي بالفتح والقصر الحزن ، أسي يأسى من باب علم أسي فهو آس وهو إشارة إلى ما مر عن علي بن الحسينعليه‌السلام حيث قال : ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عز وجل : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) .

والحاصل أن قلب الزاهد متعلق بالله ويأمر الآخرة لا بالدنيا ، فلا يفرح بشيء منها يأتيه ولا يحزن على شيء منها فاته ، لأن الفرح بحصول محبوب والحزن بفواته ، وشيء من الدنيا ليس بمحبوب عند الزاهد.

« فهو مستريح » أي في الدنيا والآخرة أما الدنيا فلفراغه من مشاق الكسب وشدائد الصبر على فواته ، وأما الآخرة فلنجاته من الحساب والعقاب ، و الشناءة كالشناعة : البغض ، والمراد هنا قباحتها في نظر عقله وإن مال طبعه إليها ، و الحزم الأخذ بالثقة ، والنظر في العاقبة وقال الفيروزآبادي : العرض بالكسر النفس ، وجانب الرجل يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب أو سواء كان في نفسه أو

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٣٦٦

نال منها ألجم نفسه عنها لسوء عاقبتها وشنآنها لو اطلعت على قلبه عجبت من عفته وتواضعه وحزمه وأما الراغب فلا يبالي من أين جاءته الدنيا من حلها أو من حرامها ولا يبالي ما دنس فيها عرضه وأهلك نفسه وأذهب مروءته فهم في غمرة يضطربون.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن محمد بن حكيم عمن حدثه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لا يصغر ما ينفع يوم القيامة ولا يصغر ما يضر يوم القيامة فكونوا فيما أخبركم الله عز وجل كمن عاين.

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد الله يقول إن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك ألا يثني عليك الناس وما عليك أن تكون

سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم منه أو ما يفتخر به من حسب وشرف.

« وأهلك » عطف على دنس أو لا يبالي ، والمروة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، والغمرة الرحمة والشدة والانهماك في الباطل ، ومعظم البحر ، وكأنهعليه‌السلام شبهه بمن غرق في البحر يضطرب ولا يمكنه الخروج منه.

الحديث الرابع عشر : ضعيف على المشهور.

وصغر ككرم وفرح صار صغيرا ويمكن أن يقرأ على المجهول من بناء التفعيل أي لا يعد صغيرا كمن عاين هو مرتبة عين اليقين كما مر.

الحديث الخامس عشر : (١)

« إن قدرت إن لا تعرف فافعل » هذا مما يدل على أن العزلة أفضل من

__________________

(١) كذا في جميع النسخ التي عندنا.

٣٦٧

مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله ثم قال قال أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام :

المعاشرة ، واختلف العلماء في ذلك ، والآيات والأخبار أيضا متعارضة فمن قال العزلة أحسن نظر إلى آفات المعاشرة من الحسد والعداوة والبغضاء والغيبة والنميمة والرياء وحب الدنيا وعدم فراغ القلب للذكر والفكر وتضييع العمر ، وعدم الانتفاع بمعاشرة أكثر الخلق وأشباه ذلك ، ومن قال المعاشرة أفضل نظر إلى فوائد المعاشرة من التعليم والتعلم والاهتداء بسيرة العلماء وأخلاقهم ، وتحصيل المثوبات العظيمة من زيارة الإخوان وعيادتهم وتشييع جنائزهم والسعي في قضاء حوائجهم وهداية الخلق وإحياء مراسم الدين والحضور في الجماعات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك ، وكل ذلك يفوت بالعزلة.

فالحق القول بالتفصيل في الأشغال والأحوال والأزمان والأشخاص فالعزلة المطلوبة عن شرار الخلق إذا يئس عن هدايتهم كما قال إبراهيمعليه‌السلام عند اليأس عن هدايتهم : «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ »(١) لا العزلة التامة بحيث يترك الأمور الواجبة كالتعليم والتعلم وحضور الجمعات والجماعات وسائر ما أشرنا إليه سابقا ، والمعاشرة إنما تكون مطلوبة إذا كانت متضمنة لمنفعة دينية خالية عن المفاسد المذكورة وغيرها.

وأيضا ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فالعلماء والفقهاء إذا اعتزلوا صار سببا لضلالة الخلق وحيرتهم واستيلاء شياطين الجن والإنس عليهم ، وكثير من سائر الخلق لا ضرورة في معاشرتهم.

وأيضا الأزمنة مختلفة ، فقد ورد في الخبر : سيأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا النومة كما أن سيد الساجدين صلوات الله عليه اعتزل الخلق لفساد الزمان واستيلاء بني أمية على الخلق والباقر والصادقعليهما‌السلام عملا بخلاف ذلك لتمكنهم من

__________________

(١) سورة مريم : ٤٨.

٣٦٨

لاخير في العيش إلا لرجلين رجل يزداد كل يوم خيرا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلا بولايتنا أهل البيت ألا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا ورضي بقوته نصف مد في كل يوم وما ستر عورته وما أكن رأسه وهم والله في ذلك خائفون وجلون

هداية الخلق.

وبالجملة ينبغي أن يكون الإنسان طبيب نفسه ، فإنه أعرف بأدوائها وعارفا بزمانه وأهله ، فإذا عرف أن صلاحه في العزلة اعتزل اعتزالا لا يضر بحاله ، وإذا علم أن صلاحه في المعاشرة اختارها على وجه لا يضر بنياته وأعماله وينبغي أن ينظر في أحوال أهل زمانه فيختار للأخوة والمصاحبة من كان مصلحا لأحواله ولا يكون مضيعا لعمره كما سيأتي تحقيقه في كتاب العشرة إن شاء الله ، وقد بسطنا الكلام في ذلك بعض البسط في كتاب عين الحياة والله الموفق.

وأما هذا الخبر فالظاهر أن الراوي وهو حفص بن غياث لما كان عاميا قاضيا من قبل هارون طالبا للشهرة عند الولاة وخلفاء الجور ، ولذا عدل عن الحق واتبع أهل الضلال ، وكان المناسب بحاله ترك الشهرة والاعتزال أمرهعليه‌السلام بذلك.

« لا خير في العيش » أي عيش الدنيا ويحتمل الأعم من عيش الدنيا والآخرة والمراد بالرجل الأول من لم يذنب أصلا أو إلا نادرا وبالثاني من يبتلي بالمعاصي ثم يتوب وهو المفتن التواب كما مر.

ثم بينعليه‌السلام إن قبول التوبة مشروط بحسن الاعتقاد لئلا يغتر السامع بذلك فإنه كان من أهل الضلال ، وألا بالتخفيف حرف تنبيه « ورجا الثواب » كان خبر الموصول مقدر وقيل : استفهام للتقليل « ونصف » مجرور بالبدلية « لقوته » أو منصوب بالحالية أو تميز مثل قولهم : رضيت بالله ربا ، و « في كل يوم » صفة نصف مد ، « وما ستر » عطف على قوته والواو في قوله وهم للحالية ، وقيل : للاستئناف ، والضمير في قوله : وهم راجع إلى أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين لم يرتدوا بعده وهو بعيد ،

٣٦٩

ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل فقال : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ »(١) ثم قال ما الذي آتوا آتوا والله مع الطاعة المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن الحكم بن سالم قال دخل قوم فوعظهم ثم قال ما منكم من أحد إلا وقد عاين الجنة وما فيها وعاين النار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب.

والجمع بين الخوف والوجل للإشارة إلى الآيات الواردة في ذلك.

« ودوا أنه حظهم » أي هم راضون بما قدر لهم من الدنيا لا يريدون أكثر من ذلك لئلا يطغوا «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا » قال في مجمع البيان : أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة وقيل : أعمال البر كلها «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » أي خائفة عن قتادة ، وقال الحسن : المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وأمتا ، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : معناه خائفة أن لا يقبل منهم ، وفي رواية أخرى يؤتى ما آتى وهو خائف راج ، وقيل : إن في الكلام حذفا وإضمارا ، وتأويله وجلة أن لا يقبل منهم لعلمهم أنهم إلى ربهم راجعون ، أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم ، وإنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط.

الحديث السادس عشر : مجهول بالحكم وهو غير مذكور في كتب الرجال وإبراهيم الراوي عنه من أصحاب الصادقعليه‌السلام والكاظمعليه‌السلام فالمروي عنه في الخبر يحتمل الصادق والباقرعليهما‌السلام واحتمال الكاظمعليه‌السلام بعيد ، والمعنى أن في القرآن المجيد أحوال الجنة ودرجاتها وما فيها وأوصاف النار ودركاتها وما فيها ، والله سبحانه أصدق الصادقين ، فمن صدق بالكتاب كان كمن عاينهما وما فيهما ومن عاينهما ترك المعصية قطعا فمن ادعى التصديق بالكتاب وعصى ربه فهو كاذب في دعواه ، وتصديقه ليس في درجة اليقين.

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٦٢.

٣٧٠

١٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا تستكثروا كثير الخير وتستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة الله واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة فإنما ذلك لكم ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم فإنما ذلك عليكم.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات.

الحديث السابع عشر : موثق.

وقد مضى صدره في باب استصغار الذنب « لا تستكثروا كثير الخير » فإنه يوجب العجب والفخر والإدلال والاعتقاد لخروج النفس عن حد التقصير ، وكل ذلك مهلك كما مر « وخافوا الله في السر » إنما خص السر بالذكر لأن الناس يتسامحون في السر ما لا يتسامحون في العلانية ، وأيضا هو يستلزم الخوف في العلانية بدون العكس ، وهو أشد على النفس أيضا « حتى تعطوا من أنفسكم النصف » أي الإنصاف بأنكم خفتم الله أو تنصفوا من أنفسكم ولم تحتاجوا إلى حاكم يحكم بينكم.

« فإنما ذلك لكم » كان المراد لا ينفعكم إلا ذلك ، وكذا قوله عليكم ، أو للإشعار بأنهم لما لم يعلموا بهذا العلم فكأنهم لا يعلمونه ، وقيل : هذا وإن كان بينا لكن ذكره للتنبيه عن الغفلة.

الحديث الثامن عشر : حسن كالصحيح.

« وما أحسن الحسنات » إلى آخره ، قيل : هذا كلام موجز يندرج فيه التوبة بعد المعصية ، والمعصية بعد التوبة ، وكل خير بعد شر ، وكل شر بعد خير سواء كانا ضدين كالإحسان والإساءة أم لا كالصلاة والزنا.

٣٧١

١٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضال عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة والموت يأتي بغتة من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة ولكل زارع ما زرع ولا يسبق البطيء منكم حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له من أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه.

الحديث التاسع عشر : مرسل.

« في آجال » أي أعمار « مقبوضة » أي يقبض منها آنا فآنا وساعة فساعة ، وهي في النقص دائما أو لقلتها وسرعة نفادها كأنها قبضت والأول أظهر ، « وأيام معدودة » أي عدت وقدرت لا تزيد ولا تنقص « والموت يأتي بغتة » أي لا يعلم وقت نزوله وتتسبب أسبابه من غير علم منكم بها ، أو قد يأتي فجأة ، والبغتة بالفتح والتحريك الفجأة ، والغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة ، وأن يتمنى غيره حاله ، وفي الكلام تمثيل أو استعارة تبعية ، والحصاد ترشيح ، والتنكير في غبطة وندامة للتعظيم « ولكل زارع ما زرع » أي لا يحصل له إلا ما زرعه إشارة إلى قوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى »(١) .

« لا يسبق البطيء منكم حظه » الفعل على بناء الفاعل ، وحظه مرفوع بالفاعلية والبطيء منصوب بالمفعولية أي لا يصير بطوءه سببا لأن يفوته حظه ، أي ما قدر له من الرزق.

وأقول : يمكن أن يقرأ على بناء المفعول ، فالبطيء مرفوع وحظه منصوب بنزع الخافض ، أي لا يسبقه غيره إلى حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، وما يتوهم أنه زاد بسعيه باطل ، إذ لعله مع عدم هذا السعي أيضا يصل إليه ، أو يقال : أن السعي إنما ينفع في الزيادة إذا كانت مقدرة فلا يترك التوسل إلى الله والتوكل عليه ، ولا يعتمد على سعيه فإنا نرى من يسعى أكثر من سعيه ، ولا يحصل له شيء.

__________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

٣٧٢

٢٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن واصل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى أبي ذر فقال يا أبا ذر ما لنا نكره الموت فقال لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب فقال له فكيف ترى قدومنا على الله فقال أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه قال فكيف ترى حالنا عند الله قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب إن الله يقول ـ «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ »(١) قال فقال الرجل فأين رحمة الله قال رحمة الله «قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وكتب رجل إلى أبي ذررضي‌الله‌عنه يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم فكتب إليه أن العلم كثير ولكن إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل قال فقال له الرجل وهل رأيت أحدا يسيء إلى من يحبه فقال له نعم نفسك أحب الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.

والحاصل أنه ليس مستقلا في التحصيل ، بل هو داخل تحت قضاء الرب الجليل ، ولذا قال بعده : من أعطى خيرا فالله أعطاه ، وقيل : لا ينافيه وجدان الحريص زيادة ، لأن تلك الزيادة ليست من قوته المفتقرة هو إليه في البقاء بل هو لغيره والحساب عليه وما ذكرنا أظهر.

الحديث العشرون : ضعيف سندا ومتنه يدل على صحته.

« عمرتم الدنيا » من باب قتل أو التفعيل أي سعيتم في عمارتها وهو ضد أخربتم والعمران بضم العين المعمور.

« يرد » بالتخفيف على بناء المعلوم من الورود ، أو بالتشديد على بناء المجهول من الرد وهو أنسب « رحمة الله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » أي لا بد في الرحمة من استحقاقها ولو بصحة المذهب وحسن العقيدة ، وفي المصباح : الطرفة ما يستطرف أي يستملح

__________________

(١) سورة الإنفطار : ١٤.

٣٧٣

٢١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول اصبروا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله فإنما الدنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سرورا ولاحزنا

والجمع طرف مثل غرفة وغرف ، وأطرف إطرافا جاء بطرفة وقال الجوهري : الطارف والطريف من المال المستحدث والاسم الطرفة وأطرف فلان إذا جاء بطرفة.

الحديث الحادي والعشرون : موثق.

« اصبروا على طاعة الله » لما كانت اللذة في فعل المعصية أكثر منها في ترك الطاعة كان الصبر على المعصية أشق على النفس من الصبر على فعل الطاعة ، فلذا قال في الطاعة اصبروا في المعصية تصبروا وهو تكلف الصبر وحمل النفس عليه كما هو مقتضى البابين وإن لم يفرق اللغويون بينهما ، قال الفيروزآبادي : الصبر نقيض الجزع صبر يصبر فهو صابر وتصبر واصطبروا صبر.

وقال الراغب : الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عما يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير ، ويضاده الجزع وإن كان في محاربة سمي شجاعا ويضاده الجبن وإن كان في نائبه مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده التضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا.

وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرا ونبه عليه بقوله : «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(١) وساق الكلام إلى قوله : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا » أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم وقوله : عز وجل «وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ »(٢) أي تحمل الصبر بجهدك ، وقوله تعالى : «أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا »(٣) أي تحملوه من الصبر

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٣.

(٢) سورة مريم : ٦٥.

(٣) سورة الفرقان : ٧٥.

٣٧٤

ومالم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.

٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الخضر لموسىعليه‌السلام يا موسى إن أصلح يوميك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول وخذ موعظتك

في الوصول إلى مرضات الله ، انتهى.

« فليس تعرفه » أي لا تعرف حالك فيه تبلغ إليه أم لا ، ومع البلوغ لا تعلم أنك فيه على حزن أو سرور ، على طاعة أو معصية « فكأنك قد اغتبطت » على بناء المعلوم أي عن قريب تصير بعد الموت في حالة حسنة يغبطك الناس لها ويتمنون حالك ولا تبقى عليك مرارة صبرك ، في القاموس : الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط ، والحسد ، وتمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها.

وأقول : لا يبعد أن يكون بالعين المهملة على بناء المفعول أي اغتنم الفرصة ولا تعتمد على العمر فكأنك قدمت فجأة على غفلة بلا عمل ولا توبة ، قال في النهاية : كل من مات بغير عمله فقد اغتبط ، ومات فلان غبطة أي شابا صحيحا ، وفي بالي إني وجدت في بعض نسخ الحديث هكذا.

الحديث الثاني والعشرون : مرسل.

« أن أصلح يوميك » المراد باليوم ما مر أنه مقدار من الزمان اختص بواقعة والمراد هنا يوم الدنيا ويوم الآخرة ، واليوم الذي أمامه الآخرة ، وكونه أصلح المراد به أنه أحرى وأولى بأن يراعى ويسعى في إصلاحه ، ويتوقع النفع منه ، فإنه أبدي والدنيا فان ، ومنافع الأول ولذاته أشد وأخلص وأقوى من لذات الآخر.

« فانظر أي يوم هو » أي يوم راحة أو يوم تعب ومشقة ، أو المراد باليوم الثاني يوم القيامة ، وبقوله : فانظر أي يوم هو ، أي تذكر أحوال هذا اليوم وأهواله

٣٧٥

من الدهر فإن الدهر طويل قصير فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الآخرة فإن ما هو آت من الدنيا كما هو قد ولى منها.

وصعوبته والسؤال والحساب فيه ، فأعد له الجواب وحاسب نفسك قبل ذلك ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله بالتفكر في فنائها وسرعة انقضائها ، وكون لذاتها فانية مشوبة بالآلام الكثيرة ، والنظر في عواقب السعداء والأشقياء.

« فإن الدهر طويل قصير » هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأول : أن دهر الموعظة طويل لأنه يمكنه أن يعتبر ويتفكر في أحوال السعداء والأشقياء من أول الدهر إلى زمانه فكأنه قد عاش معهم جميعا كما قال أمير المؤمنين في وصية للحسنعليهما‌السلام : ودهر العمل واللذات التي فيها قصير.

الثاني : أن الدهر من جهة الموعظة طويل يمكنه الاتعاظ بأقل زمان لأن الدهر دائما في الانقلاب ، ومن جهة العمل قصير ينبغي اغتنام الفرصة فيه.

الثالث : أنه للمحسنين طويل لأنه يمكنهم اكتساب السعادات العظيمة في أقل زمان ، فهم في أعمارهم القليلة يعملون أعمالا كثيرة ، وتبقى منهم آثار جليلة ، وللمسيئين قصير لأنه تفني لذاتهم وتبقى عليهم تبعاتهم ولا ينتفعون بشيء من أعمارهم.

الرابع : أن المعنى أن تمام العمر وإن كان طويلا لكن ما بيده منها قصير ، وهو الساعة التي هو فيها لأن ما مضى قد خرج من يده ، وما يأتي لا يعلم حاله فيه كما مر مرارا ، وقيل : المعنى أنه وإن كان طويلا لكن نظرا إلى انقطاعه قصير.

وأقول : هذه الفقرات سيأتي أمثالها في مناجاة الله تعالى لموسىعليه‌السلام في الروضة حيث قال : يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله ، وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو ، فأعد له الجواب فإنك موقوف به ومسئول ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل

٣٧٦

وكل شيء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ، لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة ، فإن ما بقي من الدنيا كما ولي منها ، وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك يا بن عمران.

فالظاهر منه أن طويله قصير لفنائه وسرعة انقضائه ، وقصيره طويل لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه ، وإن احتمل بعض الوجوه الأخر.

« فاعمل كأنك ترى ثواب عملك » أي إذا أخذت موعظتك من الدهر ، وعرفت فناءها وسرعة انقضائها ينبغي أن تقبل على عملك الموجب لتحصيل المثوبات الأخروية لك مع اليقين بترتب الثواب كأنك تراه فإن من كان كذلك يكون قلبه فارغا عن حب الدنيا ، والميل إلى شهواتها ، فيكون عمله مع حضور القلب ورعاية آدابها فيكون أطمع له في الأجر ، واللام للتعدية.

والحاصل أنه يكون عمله في درجة الكمال ومظنة القبول ، وإن كان الأولى بالنسبة إليه أن يعد نفسه مقصرا ، ولا يعتمد على عمله ، أو المعنى أنك إذا كنت في اليقين بحيث كأنك ترى بعينك ثواب عملك تكون تلك الحالة ادعى لك على العمل الذي هو موجب لحصول الأجر ، فأشار إلى الحرص على العمل بذكر لازمه ، وهو الطمع في الأجر ، وعلى التقادير يدل على أن قصد الثواب لا ينافي الإخلاص ، بل كماله ، فإن ما هو آت من الدنيا كما قد ولى منها أي في سرعة الانقضاء وعدم الاعتماد عليه في البقاء ، فهو تعليل لأخذ الموعظة أو له ولما يترتب عليه من العمل الخالص والحرص عليه ، أو لرؤية ثواب الآخرة وقرب حصوله فإن بقية العمر في عدم الوثوق عليه كالماضي ، فالآخرة قريبة منك كأنك تراه وتسعى إليه ، أو للأمر بالعمل الخالص في الحال لمرور الماضي بالتقصير وعدم الوثوق على الآتي كما مر ، وقيل : أي لا تكن في تدبير ما يأتي من العمر بتحصيل المال كما أنك لا تتفكر فيما مضى.

٣٧٧

٢٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام عظنا وأوجز فقال الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب وأنى لكم بالروح ولما تأسوا بسنة نبيكم

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

« حلالها حساب » الحمل على المبالغة ، وظاهره أنه تعالى يحاسب العبد بما كسب من الحلال ، وصرف فيه.

وينافيه بعض الأخبار كما سيأتي في كتاب الأطعمة عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ثلاثة أشياء لا يحاسب عليهن المؤمن طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه ، وعن أبي حمزة عنهعليه‌السلام قال : الله أكرم وأجل من أن يطعمكم طعاما فيسوغكموه ثم يسألكم عنه ، ولكن يسألكم عما أنعم عليكم بمحمد وآل محمد ، وروى العياشي بإسناده في حديث طويل قال سأل أبو حنيفة أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله تعالى : «ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ »(١) فقال له : ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام ، والماء البارد ، فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها ، أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه؟ قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : نحن أهل البيت الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد ما كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم ، فجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام وهو النعمة التي لا تنقطع ، والله مسائلهم عن حق النعيم الذي أنعم به عليهم ، وهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترتهعليهم‌السلام .

واختلفت العامة في ذلك فقال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ، وقال أكثرهم : يسأل الكل عن كل نعيم ، وقيل : النعيم المسؤول عنه الصحة والفراغ وقيل : الأمن والصحة ، روي ذلك عن ابن مسعود ومجاهد ، وروي ذلك في أخبارنا

__________________

(١) سورة التكاثر : ٨.

٣٧٨

تطلبون ما يطغيكم ولا ترضون ما يكفيكم.

أيضا ، وقيل : يسأل عن كل نعيم إلا ما خصه الحديث وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة لا يسأل عنها العبد ، خرقة يواري بها عورته ، أو كسرة يسد بها جوعته ، أو بيت يكنه من الحر والبرد.

وأقول : يمكن الجمع بين الأخبار بحمل أخبار عدم الحساب على المؤمنين ، وأخبار الحساب على غيرهم وهو الظاهر من أكثر الأخبار ، أو الأولى على ما يصرف في الأمور الضرورية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمنكح ، والأخرى على ما زاد على الضرورة كجمع الأموال زائدا على ما يحتاج إليه ، أو صرفها فيما لا يدعوه إليه ضرورة ، ولا يستحسن شرعا ، كما يومئ إليه بعض الأخبار.

ويمكن حمل أخبار الحساب على التقية والأولى الأيمان بالحساب مجملا ، فإنه من ضروريات الدين ، والسكوت عما لا يعلم من التفاصيل.

والمراد بالروح الراحة والخلاص من أهوال القيامة وبسنة النبي طريقته في ترك الدنيا والزهد فيها ، وترك طلب الفضول ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ارزق محمدا وآل محمد العفاف والكفاف ، أو الأعم منها فإن من صرف عمره في طلب فضول الدنيا لا يمكنه الإتيان بها.

« تطلبون ما يطغيكم » إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى »(١) .

__________________

(١) سورة العلق : ٧.

٣٧٩

باب

من يعيب الناس

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقوبة البغي وكفى

باب من يعيب الناس

يرجع حاصل أخبار هذا الباب إلى المنع من تتبع عيوب الناس وتعييرهم وذمهم.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والظاهر أن المراد بالبر الإحسان إلى الغير ، وقد يطلق على مطلق أعمال الخير ، و بالبغي الظلم والتطاول على الناس ، وقد يطلق على الزنا ، والظاهر هنا الأول ، ويحتمل أن يكون المراد الخروج على الإمام ، وسرعة الثواب والعقاب فيهما باعتبار أن نفع الأول وضرر الثاني يلحقهم في الدنيا ، وعيبا تميز وتعدية العمى بعن كأنه لتضمين معنى التغافل والإعراض ، والتعدية بعلى كما في سائر الأخبار أظهر وأشهر كقوله تعالى : «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ »(١) وعلى ما هنا المستتر في يعمى راجع إلى المرء ، والبارز في عنه إلى الموصول ، وعلى ما في سائر الروايات بالعكس ، وكان نسبة العمى إلى الأمر والنبإ من قبيل المجاز في الإسناد.

وقال الجوهري : العمى ذهاب البصر ، وقد عمي فهو أعمى ، وتعامي الرجل أرى من نفسه ذلك ، وعمي عليه الأمر إذا التبس ، ومنه قوله : «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ » ورجل عمي القلب أي جاهل ، انتهى.

__________________

(١) سورة القصص : ٦٦.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407