مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول6%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34157 / تحميل: 5487
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن المسمعي قال لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأدعون

_________________________________________

هنا بمعنى متى للزمان ، لا بمعنى كيف ، ولا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار ، كذا قيل ، والظاهر أن معنى« من حيث شئت » من أي جهة وناحية شئت ، و« أنى شئت » في أي مكان شئت ، فالفرق بينهما ظاهر قال في القاموس حيث كلمة دالة على المكان ، كحين في الزمان ، ويثلث أخره.

وأقول : الجوهري ، وغيره اكتفوا بالضم والفتح ، وقالوا لا يضاف إلا إلى جملة ، وقال الراغب : حيث عبارة من مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله « وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ».

الحديث الخامس : ضعيف عند الأكثر ، وعندي أنه صحيح لأن المسمعي يطلق على ثلاثة ، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وهو ضعيف لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الرضا والجواد ، فروايته عن الصادقعليه‌السلام بعيد ، ومحمد بن عبد الله المسمعي ، وهو أيضا وإن كان مجهولا ، أو ضعيفا ، لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ويطلق على مسمع بن عبد الملك ، وهو ثقة ، يروي عن الصادقعليه‌السلام فالظاهر أنه هو المراد هنا ، فالحديث صحيح ، ومعتب بضم الميم ، وفتح العين ، وتشديد التاء المكسورة.

والمعلى بن خنيس كان مولى الصادقعليه‌السلام ، واختلفوا فيه ، ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، وقال الشيخ الطوسي ره في كتاب الغيبة : إنه كان من قوام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وروى الكشي روايات كثيرة تدل على مدحه ، وأنه من أهل الجنة.

والأقوى عندي أنه كان من خواص أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ومحل إسراره وذمه يرجع إلى أنه كان يروي أخبارا مرتفعة ، لا يدركها عقول أكثر الخلق ، ومعجزات غريبة لا توافق فهم أكثر الناس ، وكان مقصرا في التقية لشدة حبه لهم

١٨١

الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داود بن علي إنك لتهددني بدعائك ؛

_________________________________________

عليهم‌السلام ، ولعل من ورائه الشفاعة ، ويظهر من الأخبار أن القتل كان كفارة له ، وسببا لرفع درجاته.

وروى الكشي ، عن ابن أبي يعفور ، عن حماد الناب ، عن المسمعي قال : لما أخذ داود بن علي ، المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له المعلى : أخرجني إلى الناس ، فإن لي دينا كثيرا ومالا ، حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق ، فلما اجتمع الناس قال : أيها الناس أنا معلى بن خنيس ، فمن عرفني فقد عرفني ، اشهدوا أني ما أترك من مال ، عين أو دين ، أو أمة ، أو عبد ، أو دار ، قليل أو كثير ، فهو لجعفر بن محمد ، قال : فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله ، فقال : فلما بلغ ذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي ، وإسماعيل ابنه خلفه فقال : يا داود قتلت مولاي ، وأخذت مالي فقال : ما أنا قتلته ، ولا أخذت مالك ، فقال : والله لأدعون على من قتل مولاي وأخذ مالي ، قال : ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال : بإذنك ، أو بغير إذنك ، فقال : بغير إذني فقال : يا إسماعيل شانك به ، فخرج إسماعيل والسيف معه ، حتى قتله في مجلسه ، قال : حماد فأخبرني المسمعي ، عن معتب ، قال : فلم يزل أبو عبد اللهعليه‌السلام ليلة ساجدا وقائما قال فسمعته في آخر الليل وهو ساجد يقول : « اللهم إني أسألك بقوتك القوية وبجلالك الشديد. وبعزتك التي جل خلقك لها ذليل ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تأخذه الساعة » قال : فو الله ما رفع رأسه من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا مات داود بن علي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة انشقت مثانته.

وبإسناده عن إسماعيل بن جابر ، أنه قال : لما سمع أبو عبد اللهعليه‌السلام قتل المعلى قال : أما والله لقد دخل الجنة.

وعن الوليد بن صبيح ، قال : قال داود بن علي : لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما أنا قتلته

١٨٢

قال حماد قال المسمعي فحدثني معتب أن أبا عبد اللهعليه‌السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد ـ اللهم إني أسألك بقوتك

_________________________________________

يعني المعلى ، قال : فمن قتله قال السيرافي ، وكان صاحب شرطته قال : أقدنا منه قال : قد أقدتك ، قال : فلما أخذ السيرافي ، وقدم ليقتل جعل يقول يا معشر المسلمين يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يقتلوني ، فقتل السيرافي.

وروى أيضا بإسناده عن حفص التمار قال دخلت على أبي عبد الله أيام طلب المعلى بن خنيس ، فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني ، فابتلي بالحديد ، إني نظرت إليه يوما ، وهو كئيب حزين فقلت : يا معلى كأنك ذكرت أهلك ، وعيالك قال أجل ، قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي ، قال : فتركته حتى تملأ منهم ، واستترت منه حتى نال ما ينال الرجل من أهله ، ثم قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال : أراني معك في المدينة قال فقلت يا معلى إن لنا حديثا من حفظه ، حفظه الله على دينه ، ودنياه ، يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا آمنوا عليكم ، وإن شاءوا قتلوكم ، يا معلى أنه من كتم الصعب من حديثنا ، جعله الله نورا بين عينيه ، وزوده قوة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديث لم يمت حتى يعضه السلاح ، أو يموت بخبل ، يا معلى أنت مقتول فاستعد.

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : وجرى ذكر المعلى بن خنيس ، فقال : يا أبا محمد اكتم على ما أقول لك في المعلى ، قلت : افعل فقال أما إنه لا ينال درجتنا ، إلا مما ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ، قال : يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ، ويصلبه قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ذلك في قابل فلما كان قابل والي المدينة ، فقصد قصد المعلى فدعاه ، وسأله عن شيعة أبي عبد اللهعليه‌السلام وأن يكتبهم له ، فقال : ما أعرف من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام أحدا

١٨٣

القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام رأسه وقال إني دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات.

_________________________________________

وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ، ولا أعرف له صاحبا ، قال : تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك ، فقال له المعلى : بالقتل تهددني ، والله والله ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك وكان كما قال أبو عبد اللهعليه‌السلام (١) يغادر منه قليلا ، ولا كثيرا ، وقد مضت الأخبار في أنهعليه‌السلام نهى المعلى عن الإذاعة في باب الإذاعة ، وغيره ، ومر أيضا بكاؤهعليه‌السلام له ، وترحمه عليه.

قوله « بقوتك القوية » القوة ، والقدرة متقاربتان ، ووصف القوة بالقوية للتأكيد إشارة إلى كمالها ، واستيلائها على جميع الممكنات ، وعدم تطرق العجز إليها« وبجلالك الشديد » أي القوي الغالب المرتفع على كل شيء ، والجلال العظمة ، ومن أسمائه تعالى الجليل ، قال في النهاية : هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي بجميعها ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم إلى كمال الذات ، والصفات ، وقال : المحال بالكسر الكيد ، وقيل : المكر ، وقيل : القوة ، والشدة ، وميمه أصلية ، ورجل محل أي ذو كيد.

وقال الجوهري :« الإرزبة » التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت قلت : المرزبة ، وفي القاموس : الأرزبة والمرزبة مشددتان ، والأولى فقط عصية من حديد ، وفي النهاية : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد ، ومنه حديث الملك وبيده مرزبة ، ويقال لها الأرزبة أيضا بالهمزة والتشديد و« المثانة » العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لم يغادر منه ».

١٨٤

(باب المباهلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم ، عن أبي مسروق ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » فيقولون نزلت في أمراء السرايا فنحتج عليهم بقوله عز وجل : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى آخر الآية فيقولون نزلت في المؤمنين ونحتج عليهم بقول الله عز وجل : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فيقولون نزلت في قربى المسلمين قال فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت وكيف أصنع قال أصلح نفسك ثلاثا وأظنه قال وصم و

_________________________________________

باب المباهلة

الحديث الأول : حسن ، وفي النهاية« السرية » طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك ، لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء ، وهذه ياء ، وأقول : قد مر جهات أجوبة تلك الشبه في كتاب الحجة فلا نعيدها.

وفي النهاية« المباهلة » الملاعنة ، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم منا ، ومنه حديث ابن عباس من شاء باهلته أن الحق معي.

قال : « أصلح نفسك ثلاثا » أي ثلاث ليال بأيامهن ، ولو كان المراد الأيام لقال ثلاثة ، والغالب في التواريخ ، وأمثالها اعتبار الليالي ، والإصلاح بالتوبة ، والاستغفار والدعاء ، والاشتغال بالأعمال الصالحة ، ولخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك ، كما اعتبرت في أقل الاعتكاف ، والكفارات وصوم الحاجة ، والاستسقاء وغيرها

١٨٥

اغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و

_________________________________________

« وأظنه قال : وصم » أي في الأيام الثلاثة« واغتسل » أي في اليوم الثالث قبل الخروج ، والظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم ، فلا يكون داخلا في المظنون وإن كان محتملا ، ومنه يظهر أن ما ورد في عداد الأغسال من غسل المباهلة ، وحمله الأصحاب على غسل يوم مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصارى نجران يحتمل هذا أيضا بل هو أظهر لعدم الحاجة إلى تقدير اليوم إلا أن يكون لهم قرينة من غير هذه الرواية ، والبروز الخروج.

وفي المغرب« الجبانة » المصلى العام في الصحراء ، وفي المصباح : الجبانة مثقل الباء ، وثبوت الهاء أكثر من حذفها هي المصلى في الصحراء ، وربما أطلقت على المقبرة ، لأن المصلي غالبا يكون في المقبرة ، وفي القاموس : الجبان ، والجبانة مشددتين المقبرة ، والصحراء ، والمنبت الكريم ، أو الأرض المسوية في ارتفاع ، وقيل : المراد المكان المرتفع لينظر الناس إليهما ، ويشهدوا بذلك ، وهو بعيد« في أصابعه » أي أصابع يده اليمنى أيضا ، و« التشبيك » إما بإدخال الأصابع في الأصابع ، أو بأخذ الأصابع بالأصابع كالمصافحة ، والأول أظهر« تم أنصفه » بأن يبدأ في اللعن بنفسه ،فقوله وأبدا عطف تفسير له.

« عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » أي يعلم ما لا تشاهده حواس الخلق ، وما تشاهده حواسهم ، ولا يعلمون ، وما يعلمون ، وقال البيضاوي : الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) (١) والعرب تسمى المطمئن من الأرض ، والخمصة التي تلي الكلية ، غيبا أو فيعل فعيل خفف كقيل ، والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحسن ، ولا تقتضيه بديهة العقل ، وهو قسمان قسم لا

__________________

(١) الرعد : ٩.

١٨٦

ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم رد الدعوة عليه فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم قال لي فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه فو الله ما وجدت خلقا

_________________________________________

دليل عليه ، وهو المعنى بقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ » وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته ، واليوم الآخر وأحواله ، وهو المراد به في قوله سبحانه « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » إذا جعلته صلة للإيمان انتهى وقيل : يعلم ما يغيب عنكم ، وما تشهدونه ، وقيل : إنما قدم الغيب على الشهادة ، لأن علمه تعالى بالأشياء قبل خلقها علم بالغيب فقط ، وبعد خلقها علم بالشهادة أيضا.

وقوله « الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ » إن كانا بدلين فهما مبنيان على الضم كالمنادى المنفرد ، وإن كانا نعتين فهما منصوبان ، وإن كانا عطفي بيان فيحتمل الرفع والنصب عند الأخفش ، والنصب متعين عند غيره ، وفي القاموس« الحسبان » بالضم جمع الحساب ، والعذاب ، والبلاء والشر ، والصاعقة وكأنه إشارة إلى قوله تعالى( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (١) أي بعذاب أليم سواه وقال تعالى في قصة صاحب الجنة الكافر( وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ) (٢) قال البيضاوي : أي مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق ، وقيل : هو مصدر بمعنى الحساب ، والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ، وقيل : الحسبان عذاب الاستئصال ، والعذاب الأليم ما لم يكن سببا للاستيصال ، وإن ترى بتقدير حتى أن ترى ويتعلق بالمنفي لا بالنفي.

قوله « فو الله » الظاهر أنه من كلام أبي مسروق بتقدير قال ، ويحتمل أن يكون كلام الإمامعليه‌السلام « يجيبني إليه » أي يرضى بأن يباهلني بمثل هذا لخوفهم

__________________

(١) الأنفال : ٣٢.

(٢) الكهف : ٤٠.

١٨٧

يجيبني إليه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٣ ـ أحمد ، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

_________________________________________

على أنفسهم وعليهم ، أو ظنهم بأني على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك.

الحديث الثاني : ضعيف بسنده الأول مجهول بسنده الثاني.

« يباهل » بالياء على بناء المجهول ، أو بالتاء على بناء المخاطب المعلوم ، وحمل على أن المباهلة فيها أفضل لأنه وقت استجابة الدعاء ، وكان دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل نجران إلى المباهلة كانت في هذه الساعة.

الحديث الثالث : مرسل موقوف.

و « تلاعنه سبعين مرة » والظاهر كون العدد في مجلس واحد ، وقيل : يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى ، لاعنه مرة ثانية وهكذا.

الحديث الرابع : صحيح.

١٨٨

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن تلاعنه قل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما.

(باب)

(ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار

_________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف موقوف.

و « جحد » إما على بناء المجهول ، والضمير المرفوع في أراد ، وفي يلاعنه راجعان إلى الرجل ، أو على بناء المعلوم ، والضميران راجعان إلى القائل بالحق بقرينة المقام ، قال الجوهري : الجحود الإنكار مع العلم يقال : جحده حقه وبحقه جحدا وجحودا.

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

الحديث الأول : مرسل.

« حين تكون الشمس » قيل : أي حين تكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأولى ، وهي الظهر مقدارها حين تكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب ، وهو قريب من ثمن الدور ، ومثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال أول ساعات الليل في الثلث الباقي ، أو أول الثلث الباقي ، ولو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور وهو أكثر من ثلاث ساعات انتهى ، وهو بعيد بل الظاهر أن أول ساعات النهار حين كان ارتفاع الشمس عن الأفق من جانب المشرق بقدر ارتفاعها من الأفق في وقت العصر في جانب المغرب ، وأول ساعات الليل من أول الثلث الثالث من الليلة الشرعية إلى آخرها وهو طلوع الفجر الثاني ، ولا بعد

١٨٩

عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عز وجل ثلاث ساعات في الليل

_________________________________________

في كون الساعات الثلاث في الليل أطول من ساعات النهار ، لكون عبادة الليل وساعاته أشرف كما قال تعالى( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (١) أنا لا تسلم كون تلك الساعات أطول ، لأنها إنما تكون ثلثا بالنسبة إلى الليل الشرعي وهو أقصر من الليل النجومي بقريب من ساعتين فمع انضمامهما إلى الليل الشرعي يصير الثلث ربعا فتفطن.

ثم الظاهر أن قوله « من المشرق » من كلام الراوي وكذا « من المغرب » وأيضا ظاهر أن كلا من الفقرتين تحديد لتمام الثلث بأن يكون الثلث في كل منهما متوالية ، وكونه تحديدا للساعة الأولى فقط كما قيل بعيد جدا ويدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار ، وقد يقال : دلالة فيه على ذلك ، لأنه قال : في الثلث الباقي لأول الثلث الباقي فيمكن أن تكون تلك الساعات بين هذا الثلث ، ولا يخفى بعده.

وتفصيل القول في شرح الخبر : أنه قد يقسم مجموع الليل والنهار ، أربعا وعشرين ساعة متساوية وتسمى بالساعات المسوية ، وقد يقسم كل من الليل والنهار ، اثني عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان ، وتسمى بالساعات المعوجة ، وكأنها المراد هنا ، وقد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار ، اختص بحكم أو حالة ، كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وأن بين العشاءين ساعة ، فليست هي من الساعات المسوية ، ولا المعوجة.

قال في المصباح :الساعة الوقت من ليل ، أو نهار ، والعرب تطلقها ، وتريد بها الوقت ، والحين وإن قل وعليه قوله تعالى «لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(٢) ومنه قولهعليه‌السلام من راح في الساعة الأولى الحديث ، ليس المراد الساعة التي ينقسم عليها النهار القسمة الزمانية ، بل المراد مطلق الوقت ، وهو السبق ، وإلا لاقتضى

__________________

(١) المزّمّل : ٦.

(٢) الأعراف : ٣٤.

١٩٠

وثلاث ساعات في النهار يمجد فيهن نفسه فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني من المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الأولى وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح يقول إني أنا

_________________________________________

أن يستوي من جاء في أول الساعة الفلكية ومن جاء في آخرها لأنهما حضرا في ساعة واحدة وليس كذلك بل من جاء في أولها أفضل ممن جاء في آخرها انتهى.

وإنما خص هذين الوقتين ، لأنهما وقت غفلة أكثر الناس بالنوم ، والاستراحة ، والقيلولة فهم غافلون عن ذكر الله ، فالرب الذي لا يغفل ، ولا يكل ولا ينام ، ولا يموت يمجد نفسه في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، وأنه لا يشبههم في تلك الحالات.

« يمجد فيهن » أي في كل واحدة منهن كما يدل عليه الخبر الآتي« فأول » الفاء للبيان ، ومرفوع بالابتداء و« حين » خبره ، و« هذا الجانب » مفعول فيه لتكون ، و« مقدارها » خبر تكون بتقدير على مقدار ارتفاعها ، وقيل« من » في ثلاثة مواضع بمعنى ـ في ـ وفي الرابعة للتبعيض ، والمرادبالمشرق النصف الأول من قوس النهار ، وبالمغرب النصف الآخر منه ، وقوله « إلى صلاة الأولى » ظرف مستقر ، وهو خبر مبتدإ محذوف يفهم من الكلام السابق لأن معنى أول ساعات النهار حين تكون بمعنى ساعات النهار من حين تكون الحر ، وعلى هذا القياس.

قوله « إلى أن ينفجر » كذا قيل ، ويمكن تقدير فعل أي تنتهي إلى صلاة الأولى أو تمتد إليها ، و « صلاة الأولى » صلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضها الله كما ورد في الأخبار ، وقيل إن كانت الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة كما هو مذهب الكوفيين ، فهو باعتبار أنها أول صلاة وجبت على الأمة لسبق نزول( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) على نزول( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (٢)

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) هود : ١١٤.

١٩١

الله رب العالمين إني أنا الله العلي العظيم إني أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله الغفور الرحيم إني أنا الله الرحمن الرحيم إني أنا الله مالك يوم الدين ،

_________________________________________

وإن كانت بتقدير صلاة الساعة الأولى ، كما هو مذهب البصريين ، فهو باعتبار أن أول خلق العالم كانت الشمس في نصف نهار وسط الدنيا ، كما روي عن الرضاعليه‌السلام .

فإن قيل : هذه الساعات تختلف باختلاف عروض البلاد ، فالمعتبر في ذلك أي عرض ، وأي بلد.

قلت : يحتمل أن يكون المعتبر قبة الأرض ، أو مكة ضاعف الله شرفها ، ولو حمل على أن المراد بالتمجيد ظهور تقدسه ، وجلاله لطريان أضداد تلك الصفات على العباد فلا يبعد كون التمجيد في كل بلد في هذا النوع من الأوقات فتدبر.

« إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » الله ، أشهر أسمائه تعالى ، وأعلاها محلا في الذكر والدعاء ، ولذا ابتدأ به في القرآن المجيد ، وفي فقرات هذا التمجيد ، وهو اسم للذات الواجب بالذات المستحق لجميع المحامد ، والكمالات ، و « الرب » قيل هو مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ كل شيء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا ، والوصف به للمبالغة كزيد عدل ، وقيل : صفة مشبهة من ربه يربه ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ، ويربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال ، و « العالم » هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات ، والجسمانيات ، وفيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء.

« إني أنا الله العلي العظيم » العلي المتنزه عن صفات الممكن ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة ، والقدرة عليهم ، وبمعنى المتعالي عن الأشباه ، والأنداد و « العظيم » ذو العظمة ، وهو راجع إلى كمال الذات ، والصفات و« العزيز » الغالب الذي لا يغلب ، ولا يعادله شيء و« الحكيم » الذي يعلم الأشياء كما هي ، أو يحكم خلقها ويتقنها بلطف التدبير ، وحسن التقدير و« الغفور » كثير المغفرة للسيئات ، وعظيم التجاوز عن العقوبات و« الرحيم » شديد الرحمة بجميع عبادة ،

١٩٢

إني أنا الله لم أزل ولا أزال إني أنا الله خالق الخير والشر إني أنا الله خالق الجنة والنار إني أنا الله بديء كل شيء وإلي يعود إني أنا الله الواحد الصمد إني أنا الله عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إني أنا الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ

_________________________________________

أو بالمؤمنين في الدنيا ، والآخرة و« الرحمن » ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق ، وتيسر الأسباب ، ودفع البليات ، وقضاء الحاجات مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدين الجزاء أي مالك الأمور كلها ، والمتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره ، حذف المفعول به ، وأقيم الظرف مقامه ، وجعل مفعولا به على سبيل الاتساع والتجوز« لم أزل ولا أزال » إذ لا بداية لوجوده ولا نهاية له.

« خالق الخير والشر » أي مقدرهما ، أو خالق النور والظلمة ، أو خالق الحياة ، والموت ، أو خالق الغناء ، والفقر ، والصحة ، والسقم ، وغيرها من الصفات المتضادة« خالق الجنة ، والنار » قيل الظاهر أن الخالق من حيث هو مضاف صفة الله ، لا خبر بعد خبر ، وحينئذ وجب أن يكون بمعنى الماضي لتكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال ، أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة والنار مخلوقتان وهذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد« بدئ كل شيء » البديء كالبديع الأول كالبدء ، والله سبحانه أول كل شيء بالعلية ، وعليه عوده بعد الفناء وبالحاجة في حال البقاء و« الغيب والشهادة » قيل هما الآخرة والدنيا ، وما غاب عن الحس وما حضر ، أو السر ، والعلانية ، أو عالم المجردات ، وعالم الجسمانيات و «الْمَلِكُ » هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين.

وفي النهاية في أسماء الله تعالى : الْقُدُّوسُ ـ هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص ، وفعول من أبنية المبالغة ، وقد تفتح القاف ، وليس بالكثير ، ولم يجيء منه إلا قدوس وسبوح وذروح ، وفي القاموس : هو الطاهر ، أو المبارك.

و « السَّلامُ » في الأصل مصدر ، ووصفه تعالى به للمبالغة ، ومعناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب والفناء ، والحاجة ، والعناء وقيل : للجنة دار السلام

١٩٣

الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، إني أنا الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ، لي الأسماء الحسنى إني

_________________________________________

لأن أهلها سالمون من الآفات ، أو لأنها داره عز وجل ، ومن أسمائه « الْمُؤْمِنُ » لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف ، ومن أسمائه « الْمُهَيْمِنُ » قيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء ، وقيل : هو الشاهد علي الخلق ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وتدبيرهم ، وقيل : أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة ، وهو يفعل من الأمانة ، والْعَزِيزُ المنيع الذي لا يغلب ، أو لا يعادله شيء ، أو لا مثل له ، ولا نظير ، والْجَبَّارُ من أبنية المبالغة ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، وغيرهما من الأمور التي ليس لهم فيها اختيار ، ولا قدرة على تغييرها ، وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وقيل : هو الذي يجبر مفاقر الخلق ، وكسرهم ، ويكفيهم أسباب الرزق ، ويصلح أحوالهم ، والْمُتَكَبِّرُ العظيم من الكبر بالكسر ، وهو العظمة وهي عبارة عن كمال الذات ، والصفات ، وقيل : هو المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه.

« الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ » قال الشيخ البهائي ره : قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد ، وليس كذلك بل هي أمور متخالفة ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول ، والعرض ، وإلى إيجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص ، وإلى تزيين ، ونقش وتصوير فهذه أمور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم ، فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

« لي الأسماء الحسنى » هي التي لا نقص فيها ، ولا في مفهومها ، أو مترتب عليها الآثار الحسنة ، وفي العدة :الكبير السيد يقال لكبير القوم سيدهم ، وفي النهاية : في أسماء الله تعالى المتكبر ، والكبير أي العظيم ذو الكبرياء ، وقيل :المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه ، والتاء فيه للتفرد ،

١٩٤

أنا الله الكبير المتعال قال ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من عنده والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئا من ذلك أكبه الله في النار ثم قال ما من عبد مؤمن يدعو بهن

_________________________________________

والتخصص لا تاء التعاطي والتكلف ، والكبرياء العظمة ، والملك ، وقيل : هي عبارة عن كمال الذات ، وكمال الوجود ، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ، وقد تكرر ذكرهما في الحديث ، وهما من الكبر بالكسر وهو العظمة ، ويقال : كبر بالضم يكبر أي عظم فهو كبير.قوله « من عنده » الضمير راجع إلى الصادقعليه‌السلام أي ليس هذا من تتمة الدعاء ، وقال في النهاية في الحديث : « قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري ،والكبرياء ردائي » ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة ، والكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة ، والكرم ، وغيرهما ، وشبههما بالإزار ، والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره ، وردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد ، ومثله الحديث الآخر « تأزر بالعظمة وتردى بالكبرياء وتسر بل بالعزة ».

قوله عليه‌السلام « أكبه الله » كذا في النسخ ، والمشهور أن كب متعد وأكب لازم على خلاف القياس المطرد ، قال في المصباح : كببت الإناء كبا من باب قتل قلبته على رأسه ، وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه وأكب هو بالألف ، وهو من النوادر التي تعدى ثلاثيها وتقصر رباعيها ، وفي التنزيل «فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي (١) النَّارِ » «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ »(٢) وأكب على كذا بالألف لازمه لكن قال في القاموس كبه قلبه ، وصرعه كأكبه ، وكبكبه فأكب وهو لازم متعد و« قلبه » مرفوع ، وهو فاعل مقبلا ، وقضى على بناء المفعول وشقي يشقي شقاء

__________________

(١) النمل : ٩٠.

(٢) الملك : ٢٢.

١٩٥

مقبلا قلبه إلى الله عز وجل إلا قضى حاجته ولو كان شقيا رجوت أن يحول سعيدا.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبد الله بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول أنت الله لا إله إلا أنت رب العالمين أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز العلي الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين أنت الله لا إله إلا أنت الغفور الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم أنت الله لا إله إلا أنت منك بدأ الخلق وإليك يعود أنت الله الذي لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال أنت الله الذي لا إله إلا أنت خالق الخير والشر أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار أنت الله لا إله إلا أنت أحد صمد «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » أنت الله لا إله إلا أنت الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

_________________________________________

ضد سعد ، والشقوة بالكسر ، والشقاوة بالفتح الاسم منه ، والسعادة حسن العاقبة والشقاوة سوء العاقبة إما في الدنيا أو في الآخرة ، والمراد هنا في الآخرة ، وقد ينسبان إلى العمل ، والحالة كما في الخبر الآتي.

الحديث الثاني : حسن موثق ، وفي ثواب الأعمال ، عن زرارة بن أعين ، وفيه مكان« العزيز الكبير » العلي الكبير ، وفيه « لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد » ، وفي أخره « أنت الله الخالق البارئ المصور ، لك الأسماء الحسنى يسبح لك ما في السماوات ، والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ».

قوله عليه‌السلام : « منك بدأ الخلق » مهموزا على صيغة فعل الماضي أي ابتداء

١٩٦

ـ إلى آخر السورة ـ أنت الله لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء رداءك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله إن الله عز وجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحد.

٢ ـ عنه ، عن الفضيل بن عبد الوهاب ، عن إسحاق بن عبيد الله ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قال لا إله إلا الله

_________________________________________

خلقهم ، أو على صيغة المصدر ، وقد يقرأ غير مهموز أي ظهر الخلق.

باب من قال لا إله إلا الله

الحديث الأول : ضعيف على مشهور.

« إن الله لا يعدله شيء » كأنه تعليل لما مضى فإنه إذا لم يعدل الله شيء ، لا يعدل ما يتعلق بألوهيته ووحدانيته شيء ، وهذا الذكر أعظم ما يتعلق به من الأذكار إذ تدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، وعلى نفي الشريك ، والأنداد عنه ، وعلى احتياج كل موجود سواه إليه ، ولذا صارت من بين جميعها سببا للدخول في الإسلام ، وتوقف عليها صحة سائر العبادات ويحتمل أن يكون بيانا لكيفية التهليل الذي ليس شيء أعظم ثوابا منه بأن يكون المقصود منه هذا المعنى الذي هو التوحيد الكامل ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرءان بالفتح عطف بيان لقوله : « إن لا إله إلا الله » وفي توحيد الصدوق ، وثواب الأعمال لأن الله فهو يؤيد الأول « لا يعدله شيء » أي في كمال الذات ، والصفات« ولا يشركه في الأمور أحد » في صفات الأعمال له الحكم ، والأمر ، وفي ثواب الأعمال في الأمر.

الحديث الثاني : مجهول مرفوع.

١٩٧

غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك فيها أمثال ثدي الأبكار تعلو عن سبعين حلة.

_________________________________________

« من ياقوتة » من ابتدائية وقيل بيانية أي من ياقوتة واحدة« منبتها » وصف لأرض الجنة في طيبها ، وريحها« أحلى من العسل » أي ثمرتها أحلى ، أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها فالإسناد مجازي ، وقد يقرأ منبتها بضم الميم وفتح الباء أي الثمرة التي تنسب منها« أمثال ثدي الأبكار » قد يقرأ ثدي كحلي بضم الثاء ، وكسر الدال ، وتشديد الياء جمع الثدي ، وفي ثواب الأعمال فيها ثمار أمثال أثداء الأبكار وفي القاموس : الثدي ويكسر خاص بالمرأة أو عام ، ويؤنث ، والجمع أثد ، وثدي كحلي« تعلو » أي ترتفع منفصلا ، أو منفتحا أو كاشفا أو علوا ناشياعن سبعين حلة والحاصل أن في جوف هذه الثمرة سبعون حلة يلبسها أهل الجنة وهذا نوع آخر من ثمرها غير ما مر.

وقيل المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجابا تحفظها عن الغبار والكثافة ، ونظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة ، وطراوتها ، وفي نسخ ثواب الأعمال تفلق بالفاء ثم القاف أي تشق ، وهو أظهر ، ولا استبعاد في كون الحلة أيضا من ثمرات الجنة ، ويؤيده ما رواه الصدوق ره في المجالس بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل ، ومن أسفلها خيل بلق مسرجة ملحمة ذوات أجنحة لا تروث ، ولا تبول ، إلى آخر الخبر.

وروى البرقي في المحاسن ، بإسناده عن الباقر ، والصادقعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس محمد بيده أن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون ، والآخرون بمثله يثمر ثمرا كالرمان تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة الخبر ، والتشبيهان متقاربان ، فإن الرمان شبيه بالثدي ، وهو مؤيد لنسخة ثواب الأعمال.

١٩٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير العبادة قول لا إله إلا الله.

وقال خير العبادة الاستغفار وذلك قول الله عز وجل في كتابه : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

_________________________________________

وروى السيد بن طاوس ، في كشف اليقين بإسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلت الجنة رأيت الشجرة تحمل الحلي ، والحلل أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة ، قال : هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة ، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي ، والحلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي مناد هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم ، ومثله كثير ، وفي القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء برداء ، وغيره ، ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وقد مر شرح آخر الخبر في باب الاستغفار.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد ، والاستغفار من حيث المجموع خير العبادة.

لكن فيه شيء ، لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه ، والحكم على المجموع بالخيرية.

ويمكن الجواب : بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق.

ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة ، أما الأول : فلما عرفت ، وأما الثاني : فلأن الاستغفار في نفسه عبادة ، لكونه غاية الخشوع والتذلل ، والرجعة إليه سبحانه ، ومع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة ، والكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس ، وحصول القرب إليه سبحانه لأن المعصية مانعة منه ، وأما غيره من العبادات وإن كان مكفرا للذنوب ، لكن ليس بهذه المثابة.

١٩٩

(باب)

(من قال لا إله إلا الله والله أكبر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه ، عن حريز ، عن يعقوب القمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر

الحديث الأول : مرفوع.

« الله أكبر » أي من كل شيء أو من أن يوصف ، والبائع هو الله سبحانه ، والمشتري هو العبد ، والثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ، ومنها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما ، قال في النهاية : في حديث الأذان الله أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضوع فعيل ، وقيل : معناه الله أكبر من كل شيء ، أي أعظم فحذفت من لوضوح معناها ، وأكبر خبر ، والإخبار لا ينكر حذفها ، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه ، وعظمته ، وإنما قدر له ذلك وأول ، لأن أفعل فعلى يلزمه الألف واللام ، أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم انتهى ، وأقول : قد مر معناه في كتاب التوحيد.

٢٠٠

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال جبرئيلعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لمن قال من أمتك ـ لا إله إلا الله وحده وحده وحده.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده

الحديث الأول : مرسل ، وفي النهاية فيه فطوبى للغرباء ، طوبى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها ، وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الواو ياء وفيه طوبى للشام المراد بها ههنا فعلى من الطيب لا الجنة ، ولا الشجرة ، وقال : يقال جلس وحده ، ورأيته وحده أي منفردا ، وهو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر ، وعند أهل الكوفة على الظرف كأنك قلت أوحدته رؤيتي إيجادا أي لم أر غيره وهو أبدا منصوب انتهى ، والحاصل أن الوحدة مصدر ، ونصبه هنا إما بنيابة الظرف بتقدير مع وحده ، أو بنيابة الحال بتقدير منفردا وحده ، وعلى التقديرين هنا للتأكيد ، والتكرير للمبالغة ، والإشارة إلى الوحدة في الخلق ، واستحقاق العبادة والتفرد في الأمر والحكم ، أو إلى نفي الشرك في الألوهية ، والنبوة ، والإمامة فإن إنكارهما من الشرك كما مر ، أو إلى توحيد الذات ، والصفات والأفعال.

٢٠١

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشراً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عمرو بن عثمان وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ليث المرادي ، عن عبد الكريم بن عتبة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشرا

أقول : في أكثر النسخ في عنوان الباب اختصار وفي بعضها ذكر جميع ما في الخبر.

الحديث الأول : صحيح ، وعتبة بضم العين وسكون التاء ، ورواه البرقي في المحاسن ، عن أبيه ، وعمرو بن عثمان ، وأيوب بن نوح جميعا ، عن ابن المغيرة إلى آخر الخبر ، إلا أنه ليس فيه « ويميت ويحيي ».

وأقول : هذه التهليلات باختلافها متواترة بالمعنى رواها العامة ، والخاصة في مواطن متعددة ، فمما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من قال ـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ـ عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل » قال الآبي : فيه دلالة على أن العرب تسترق.

« له الملك » إشارة إلى قوله تعالى( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) فالملك الحقيقي مختص به ، والملك الظاهري الواقعي من النبوة والإمامة بيده ، والملك الذي يحصل بالتغلب أيضا بتقديره ، وتمكينه ، يعطيه من يشاء برفع الموانع ، وأن يخليه واختياره لا بأن يجبره عليه ، ويصرفه عمن يشاء« وله الحمد » أي الحمد مختص به ، لأن النعمة كلها مخلوقة له ، وهو مسبب الأسباب ، ومولى النعم. وكلها بتقديره ، وتدبيره« يحيي ويميت ويميت ويحيي » كان الإحياء أو لا في الدنيا ،

٢٠٢

وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عمن ذكره ، عن عمر بن محمد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلى الغداة فقال قبل أن ينفض ركبتيه عشر مرات : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

_________________________________________

والإماتة أولا فيها ، والإماتة الثانية في القبر فتدل ضمنا على إحياء أخر ، ولما كانت مدة تلك الحياة قليلة ، لم يذكرها صريحا ، والإحياء ثانيا في الآخرة ، وإنما لم يتعرض للأحياء والأمانة في الرجعة لعدم عمومها وشمولها لكل أحد ، مع أنه يحتمل أن تكون الأمانة الثانية إشارة إليه ، ولا يبعد أن يكون المراد بكل من الفقرتين ، جنسي الإماتة والإحياء ، والتكرير لبيان استمرارهما ، وكثرتهما« بيده الخير » أي كلما يصدر عنه فهو خير ، وإن كان بحسب الظاهر شرا ، كما ورد في الدعاء ، الخير في يديك ، والشر ليس إليك.

« كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم » لعل المراد باليوم اليوم مع ليلته ، فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس ، كفارة لذنوب الليل ، وما قاله قبل غروبها كفارة لذنوب اليوم ، ولو كان المراد اليوم فقط كان ناظرا إلى قبل غروبها ، وأحال الأول على الظهور ، والظاهر أن المراد بالذنوب أعم من الصغيرة والكبيرة ، وقيل : لا يبعد تخصيصها بالصغيرة لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة ، أو فضل الله تعالى ، ويؤيد هذا التخصيص ، قوله في الخبر الآتي ، ولم تحط به كبيرة من الذنوب.

الحديث الثاني : مرسل.

« قبل أن ينقض ركبتيه » النقض الهدم ، وأستعير هنا لتغيير وضع الركبتين عن الحالة التي كانتا عليها في حال التشهد ، والتسليم ، وفي بعض النسخ أن يقبض وهو قريب من الأول ، والمراد قبضهما بإرادة القيام ،قوله « إلا من جاء بمثل عمله »

٢٠٣

وفي المغرب مثلها لم يلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله.

(باب)

(من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن)

(محمداً عبده ورسوله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كتب الله له ألف ألف حسنة.

_________________________________________

إن قيل : الاستثناء يفيد ، أن عمل من جاء بمثل عمله ، أفضل من عمله ، والمثلية تقتضي المساواة فبينهما تناف ، قلت : المراد بالأفضلية هنا المساواة مجازا ، كما يقال : ليس في البلد أفضل من زيد ، والمراد نفي المساواة ، وأنه أفضل ممن عداه ، وهذا شائع فالمعنى لم يلق الله عز وجل عبد بعمل مساو لعمله في الفضيلة والكمال ، إلا من جاء بمثل عمله ، وقيل : المراد في المستثنى بعض ما جاء بمثل عمله ، فإن الاستثناء لا يفيد العموم في المستثنى ، فالأفضل من جاء بمثل عمله ، وزاد عليه ، والأول أظهر والمراد بالملاقاة عند الموت أو في القيامة.

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده إلخ

الحديث الأول : حسن على الظاهر ، إذ الظاهر أن سعيدا هو ابن غزوان لرواية ابن أبي عمير عنه ألف حسنة ، في بعض النسخ ألف ألف حسنة ، ويمكن أن تكون نسبة الكتابة إلى الله على المجاز لأنه الأمر بذلك ، والكاتب هو الملك.

٢٠٤

(باب)

(من قال عشر مرات في كل يوم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

(إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال في كل يوم عشر مرات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً كتب الله له خمسة وأربعين ألف حسنة ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة.

وفي رواية أخرى وكن له حرزا في يومه من السلطان والشيطان ولم تحط

_________________________________________

باب من قال عشر مرات في كل يوم أشهد إلخ

الحديث الأول : ضعيف ورواه الصدوق في التوحيد ، وثواب الأعمال ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران مثله إلا أن في الجميع خمسا وأربعين ألف ألف ، وفي الأخير ورفع له في الجنة ، وفي صدر الخبر من قال في يوم ، وفي بعض النسخ يومه ، وزاد في أخره وكان كمن قرأ القرآن في يومه اثنتي عشرة مرة ، وبنى الله له بيتا في الجنة ، وقيل : لو لم تكن له سيئة ، لا يبعد القول بأنه يعوض عن محو السيئة حسنة ، ولم أر بذلك تصريحا من الأصحاب ، وجزم بذلك الخطابي من علماء العامة ، وقد يقال : المراد بالسيئة الصغيرة ، إذ محو الكبائر عندهم مشروط بالتوبة ، وفيه نظر ، بل الظاهر أنها تشمل الكبيرة أيضا.

قوله عليه‌السلام « ولم تحط به كبيرة » أي لم تستول عليه بحيث يشمل جملة أحواله ناظرا إلى قوله تعالى «مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » والحاصل : أن هذه

٢٠٥

به كبيرة من الذنوب.

(باب)

(من قال يا الله يا الله ـ عشر مرات ـ)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له لبيك ما حاجتك.

_________________________________________

الكلمات تصير سببا لعدم الإصرار على الكبيرة ، وعدم استيلاء الشيطان ، والتضرر من السلطان.

باب من قال يا الله عشر مرات

الحديث الأول : صحيح.

« قيل له لبيك » هذا من تنزلاته بالنسبة إلى عبيده ، ويحتمل أن يكون القائل هو الله تعالى ، أو الملك الموكل من قبله بقضاء حاجة العبد ، وقيل : إن كان القائل هو الله سبحانه ، فهو للاستنطاق ، وإن كان غيره يحتمل الاستفهام أيضا ، وأقول : الظاهر أنه استعارة تمثيلية لبيان استعداده واستئهاله لقبول حاجته ، وفي القاموس ألب ، أقام كلب ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد الباب ، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي ، وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه أي محبة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص.

٢٠٦

(باب)

(من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى الأرميني ، عن أبي عمران الخراط ، عن الأوزاعي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال في كل يوم ـ لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله عبودية ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا أقبل الله عليه بوجهه ولم يصرف وجهه عنه حتى يدخل الجنة.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً

في العنوان اختصار

الحديث الأول : مجهول.

« وحقا » حال مؤكدة من الله ، لأنه في حكم المفعول به ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي حق حقا جيء به لتأكيد مضمون الجملة ، والتكرير للمبالغة في التأكيد ، أو إشارة إلى مدلولي كلمة التوحيد أي لا خالق سواه حقا ولا معبود سواء حقا وقوله « عبودية ورقا » كل منهما مفعول له لفعل محذوف ، أي أقولها لعبوديتي ورقيتي ، ويحتمل أن يكونا نائبين للمفعول المطلق ، أي أقولها قولا ناشئا من جهة العبودية ، والرقية ، وفي القاموس : العبودية ، والعبادة الطاعة ، وقال : الرق بالكسر الملك ، وفي المصباح : الرق بالكسر العبودية ، وهو مصدر رق الشخص يرق من باب ضرب فهو رقيق ، وكذاقوله « إيمانا وصدقا » يحتمل النصب بالعلية والمصدرية ، أي أقولها لأني مؤمن صادق مصدق ، أو آمنت إيمانا ، وصدقت فيه صدقا. وقيل الجمع بينهما للإشعار بالتوافق بين اللسان والقلب ، وإقبال الله تعالى عليه بوجهه ، وعدم صرف وجهه عنه كناية عن توفيقه ، وتأييده ، وتسديده ، وإفاضة رحماته عليه ، وحفظه ، وعصمته عما يوجب دخول النار حتى يدخله الجنة بفضله.

٢٠٧

(باب)

(من قال يا رب يا رب)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال عشر مرات يا رب يا رب قيل له لبيك ما حاجتك.

٢ ـ أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران قال مرض إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام قل يا رب يا رب عشر مرات فإن من قال ذلك نودي لبيك ما حاجتك.

_________________________________________

باب من قال يا رب يا رب

الحديث الأول : صحيح.

« والرب » أقرب الأسماء إلى الاسم الأعظم ، ولذا لم يذكر الله تعالى دعاء من أدعية الأنبياء ، والصالحين إلا افتتحها به كقوله « رَبَّنا ظَلَمْنا » « رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً » « رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا » « رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا » « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا » « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا » « رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ » « رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً » « فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا » ومثله كثير ، وفيه استعطاف لما فيه من الدلالة على تربية كل شيء ، وتكميله ، وحفظه ، وإخراجه من حد النقص إلى الكمال بحسب ما يليق بحاله ، كما عرفت.

الحديث الثاني : مجهول. ويمكن أن يقرأرب بكسر الباء بأن يكون تخفيف يا ربي والكسرة تدل على الياء المحذوفة ، أو بالرفع بأن يكون منادي مفرد.

٢٠٨

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن معاوية ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال يا رب يا الله يا رب يا الله حتى ينقطع نفسه قيل له لبيك ما حاجتك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله مخلصاً)

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي الحسن السواق ، عن أبان بن تغلب

_________________________________________

الحديث الثالث : صحيح ، وفي بعض النسخ يا ربي الله ، وفي بعضها يا ربي يا الله ، وفي أكثرها يا رب يا الله.

باب من قال لا إله إلا الله مخلصاً

الحديث الأول : موثق ، وأبو الحسن هو علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم مولى عمر بن سعد بن أبي وقاص لعنه الله ، وقال النجاشي : كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه.

قوله عليه‌السلام « من شهد فيه » إشارة إلى أن مجرد القول بدون القصد ، والاعتقاد لا يمكن في ترتب الجزاء لأن الشهادة لا تكون الأمن صميم القلب ، وقوله « مخلصا » حال مؤكدة من فاعل شهد ، أي مخلصا لله دينه كما قال تعالى «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » وإخلاص الدين أن لا يشوبه بشيء من الشرك كنفي الرسالة ، والولاية ، وإنكار المعاد ، وسائر ما علم من الدين ضرورة وقد بينعليه‌السلام ذلك في آخر الخبر حيث قال« تسلب لا إله إلا الله عمن ليس على هذا الأمر » وهذا الأمر إشارة إلى دين الحق الذي عمدته الإقرار بجميع الأئمةعليهم‌السلام وبما بينوهعليهم‌السلام من أصول الدين ، وعقائدهم الحقة ، كما روى الصدوق في المجالس ، والعيون بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال لما وافى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع

٢٠٩

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة قال قلت له إنه يأتيني من كل صنف

_________________________________________

إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له يا بن رسول الله ، ترحل عنا ، ولا تحدثنا بحديث فنستفيد منك ، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر ، يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد ، يقول : سمعت أبي محمد بن علي ، يقول : سمعت أبي علي بن الحسين ، يقول : سمعت أبي الحسين بن علي ، يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرئيلعليه‌السلام يقول : سمعت الله عز وجل يقول : لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها.

بل يدل بعض الأخبار على أنه يدخل في الإخلاص بعض الأعمال أيضا كما روى الصدوق في ثواب الأعمال ، بإسناده الصحيح ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله ، وروي أيضا هذا المضمون ، عن زيد بن أرقم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وروى أيضا زر بن حبيش قال : سمعت حذيفة يقول : لا إله إلا الله ترد غضب الرب جل جلاله عن العباد ، ما كانوا لا يبالون ما انتقص من دنياهم إذا سلم دينهم ، فإذا كانوا لا يبالون ما انتقص من دينهم إذا سلمت دنياهم ثم قالوها ردت عليهم ، وقيل كذبتم ولستم بها صادقين. فاستبان أنه ليس المراد بالإخلاص هنا ترك الرياء فقط ، كما فهمه الأكثر ، وقيل : لما دلت ظواهر الآيات والروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة ، واقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض ، فتأوله بعضهم أن ذلك قبل نزول الفرائض ، وأما بعده فالعاصي بالمشية وقال بعضهم : هذا التأويل وإن كان مستبعدا من جهة قوله « إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث » لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة ولا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض ، ومن جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب ، بعد باب

٢١٠

من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث قال نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا الأمر.

_________________________________________

أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقرعليه‌السلام في حديث طويل : ثم بعث الله عز وجل محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشر سنين ، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره ، وهو إيمان التصديق ، ولم يعذب الله أحدا ممن مات ، وهو متبع لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك الأمن أشرك بالرحمن ، وأوله بعضهم بحمله على من مات ولم يعص.

ثم قال : ويؤيده أن لهذا الحكم أعني ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروطا كما أشارعليه‌السلام إلى بعضها ، بقوله « إلا من كان على هذا الأمر » وبعضها الشهادة بالرسالة ، وهي غير مذكورة فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط.

وأوله البخاري بمن مات وهو ثابت ، يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة ، لأنها مكفرة للذنوب التي صدرت قبلها.

وقيل : لا يحتاج الحديث إلى التأويل لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله ، وإن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله ، ثم لا بد له من دخول الجنة ، فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لا بد للقائل بالشهادتين من دخولها ، إما ابتداء أو بعد الجزاء.

قوله عليه‌السلام « فتسلب » المراد بالسلب إما نسيانها أو عدم ترتب أثرها عليها ، أو عدم انطلاق لسانه بها ، كما أنهم في القيامة يريدون أن يسجدوا وهم لا يستطيعون «وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ »(١) .

__________________

(١) القلم : ٤٣.

٢١١

(باب)

(من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا ـ ما شاء

_________________________________________

باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله

الحديث الأول : صحيح.

« بعد ما دعا » كلمة ما مصدرية« ما شاء الله » قال البيضاوي : أي الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله كائن ، على أن « ما » موصولة ، أو أي شيء شاء الله كائن ، على أنها شرطية ، والجواب محذوف.

وقال الطبرسي : رحمه الله تعالى « ما شاءَ اللهُ » يحتمل أن يكون ما رفعا وتقديره ـ الأمر ما شاء الله ـ فيكون موصولا والضمير العائد إليه تكون محذوفا لطول الكلام ، ويجوز أن يكون التقدير ـ ما شاء الله كائن ـ ويحتمل أن تكون « ما » في موضع نصب على معنى الشرط والجزاء ، ويكون الجواب محذوفا وتقديره ـ أي شيء شاء الله كان ـ ومثله في حذف الجواب قوله( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ ) (١) والمعنى ما شاء الله كان وإني إن تبعت في جمعي وعمارتي فليس ذلك إلا بقوة الله وتيسيره ، ولو شاء لحال بيني وبين ذلك ولنزع البركة عنه ، فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله ولا يكون له إلا ما شاء الله ، انتهى.

وأقول : في أكثر النسخ في هذا الخبر « ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » وفي بعضها « لا حول ولا قوة إلا بالله » كالخبر الآتي.

وقال في النهاية : الحول هيهنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك

__________________

(١) الأنعام : ٣٥.

٢١٢

الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل استبسل عبدي واستسلم لأمري اقضوا حاجته.

_________________________________________

المعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشية الله تعالى ، وقيل : الحول الحيلة والأول أشبه ومنه الحديث « اللهم بك أصول وبك أحول » أي أتحرك ، وقيل : احتال ، وقيل : أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر ، وقال فيه : ذكر الحوقلة هي لفظة مبنية من« لا حول ولا قوة إلا بالله » كالبسملة من « بسم الله » والحمد له من « الحمد لله » ، فهكذا ذكره الجوهري بتقديم اللام على القاف ، وغيره يقول « الحوقلة » بتقديم القاف علي اللام ، والمراد بهذه الكلمات إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور وهو حقيقة العبودية ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : معناه لا حول عن معصية الله ، إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله ، إلا بمعونة الله.

وأقول : هذا المعنى الأخير مروي عن الباقر والصادقعليهما‌السلام وقد مر في كتاب التوحيد ، وسئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن هذه الكلمة فقال : إنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا ، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا ، وفي القاموس : الحول والحيل والحولة والحيلة الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف والحولة القوة والتحول والانقلاب ، وقال الراغب : حالت الدار تغيرت ، والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في نفسه وجسمه أو قنياته ، والحول ماله من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ، ومنه قيل « لا حول ولا قوة إلا بالله ».

وفي طرق العامة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن قيس : ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ، قال بلى يا رسول الله قال : « لا حول ولا قوة إلا بالله » قال المازري في ضبط هذه الكلمة خمس لغات فتح الكلمتين بلا تنوين ، ورفعهما منونتين ، و

٢١٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن جميل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله سبعين مرة صرف عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسر ذلك الخنق قلت جعلت فداك وما

_________________________________________

فتح الأول ونصب الثانية ، ورفعها منونة ، والخامس عكس الرابع ، وفي القاموس :أبسله لكذا عرضه ورهنه أو أبسله أسلمه للهلكة ولعمله وبه وكله إليه ، ونفسه للموت وطنها كاستبسل ، واستبسل طرح نفسه للحرب يريد أن يقتل أو يقتل ، وبالجملة هو كناية عن غاية التسليم والانقياد وإظهار العجز في كل ما أراد بدون تقدير رب العباد.

الحديث الثاني : مرسل.

« سبعين مرة » أي في مجلس واحد أو في اليوم بليلته ، كما قيل سبعين نوعا وإن قضيت عليه وأبرمت ، ولكن لم تبلغ الإمضاء ، وفي القاموس :خنقه خنقا ككتف فهو خنق أيضا وخنيق ومخنوق كخنقه فاختنق ، والخناق كغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب انتهى ، ومنشأه غلبة الدم والسوداء.

« قلت جعلت فداك وما الخنق » قيل ـ الواو في الحكاية دون المحكي ، وعطف الإنشاء على الإخبار إذا كان له محل من الإعراب جائز ـ ولا يخفى ما فيه« لا يقتل بالجنون » تفسير لصرف المفهوم من الكلام السابق « فيخنق » على بناء المجهول بالنصب.

وأقول : كان المعنى أن مقصودي من الخنق ، هذا النوع منه وهو الذي يحصل من الجنون كالصرع ، وكلما كان الأيسر أشد كان أبلغ في المبالغة ، ومنهم من قرأ لا« يعتل » بالعين واللام المشددة من الاعتلال ، أو بالفاء واللام المخففة من فتله يفتله لواه كفتله فهو فتيل ومفتول ، والحبون بالحاء المهملة والباء الموحدة جمع الحبن بالكسر كالحمول جمع الحمل ، وهو خراج كالرمل وما يعتري في الجسد

٢١٤

الخنق قال لا يعتل بالجنون فيخنق

(باب)

(من قال أستغفر الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

(ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وأتوب إليه)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الصمد ، عن الحسين بن حماد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه ـ أستغفر الله الذي( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) وأتوب إليه ثلاث

_________________________________________

فيقيح ويرم ، والحبن محركة داء في البطن يعظم منه ويرم كذا في القاموس ، وأقول : لا يخفى ما فيه من التكلف والتصحيف.

باب من قال أستغفر الله الذي إلخ

الحديث الأول : مجهول.

« في دبر صلاة الفريضة » الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ومأول عند غيرهم بصلاة العبادة الفريضة ، فهي من إضافة الجزئي إلى الكلي ، مثل بنو هاشم نجباء قريش ، لأن الفريضة شاملة للزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والتاء للفريضة للنقل عن الوصفية إلى الاسمية مأخوذ من الفرض بمعنى القطع ، لاقتطاعها عن سائر العبادات بنوع تشديد وتأكيد كما قيل.

وقال في النهاية : في حديث الدعاء« من قال عقيب الصلاة وهو ثان رجله » أي عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض ، وفي حديث آخر ، من قال قبل أن يثني رجله ، هذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالته التي هي عليها في التشهد ، انتهى وقال الطيبي : ويثني رجليه من صلاة المغرب ، والصبح أي يعطفهما ويغيرهما عن هيئة التشهد.

وأقول : في بعض النسخ « ذا الجلال » بالنصب وفي بعضها بالرفع ، فعلى الأول

٢١٥

مرات غفر الله عز وجل له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

_________________________________________

الظاهر نصب الحي والقيوم أيضا فالكل أوصاف للجلالة ، وعلى الثاني : فالظاهر رفع الكل أما لكونها أوصافا للضمير على مذهب الكسائي إذ المشهور بين النحاة أن الضمير لا يوصف ، وأجاز الكسائي وصف ضمير الغائب في نحو قوله تعالى «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » وقولك مررت به المسكين ، والجمهور يحملون مثله على البدلية إذ يجوز الإبدال من ضمير الغائب اتفاقا ، ويحتمل نصب الأولين ورفع ذو على المدح ، كما أنه في الأول يحتمل رفع الأولين ونصب ذا على المدح. قال البيضاوي : في قوله تعالى «ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.

وقال الطبرسي (ره) : « ذُو الْجَلالِ » أي ذو العظمة والكبرياء ، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان ، وإنعامه الذي هو أصل كل إنعام ، « وَالْإِكْرامِ » يكرم أنبياءه وأولياءه بألطافه وإفضاله مع عظمته وجلاله ، وقيل : معناه أنه أهل أن يعظم وينزه عما لا يليق بصفاته كما يقول الإنسان لغيره ـ أنا أكرمك عن كذا وأجلك عنه ـ كقوله « أَهْلُ التَّقْوى » أي أهل أن يتقى.

وقال الراغب : الجلالة عظم القدر والجلالة بغير الهاء التناهي في ذلك ، وخص بوصف الله تعالى فقيل : « ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ولم يستعمل في غيره والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بذلك أما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه ، أو لأنه يجل عن الإحاطة به ، أو لأنه يجل عن أن يدرك بالحواس ، وقال : الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو ـ إن ربي غني كريم ـ والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو جعل ما يوصل إليه شريفا كريما وقوله : ذو الجلال والإكرام منطو على المعنيين ، انتهى وقيل : الجلال إشارة إلى الصفات السلبية والإكرام

٢١٦

(باب)

(القول عند الإصباح والإمساء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن غالب بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : «وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة.

_________________________________________

إلى الصفات الكمالية الذاتية الوجودية.

باب القول عند الإصباح والإمساء

الحديث الأول : مجهول.

والآية في سورة الرعد هكذا( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (١) وقال الطبرسي (قدس‌سره ) : « مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » يعني الملائكة وسائر المكلفين « طَوْعاً وَكَرْهاً » اختلف في معناه علي قولين :

أحدهما : أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا ، والكافر يسجد له كرها بالسيف ، عن الحسن ، وقتادة ، وابن زيد.

والثاني : أن المعنى لله يخضع من في السماوات والأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا ، والكافر يسجد له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل به من الآلام والأسقام عن الجبائي « وَظِلالُهُمْ » أي ويسجد ظلالهم لله « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي العشيات ، قيل : المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد معه ظله ، قال الحسن : يسجد ظل الكافر ولا يسجد الكافر ، ومعناه عند أهل التحقيق : أنه يسجد شخصه دون قلبه ، لأنه لا يريد بسجوده عبادة من حيث إنه يسجد للخوف ، وقيل : إن الظلال على ظاهرها والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب ، وانقيادها للتسخير بالطول والقصر.

__________________

(١) الرعد : ١٥.

٢١٧

...........................................................................

_________________________________________

وقال النيسابوري : إن كان السجود بمعنى وضع الجبهة فذلك ظاهر في المؤمنين لأنهم يسجدون له طوعا أي بسهولة ونشاط ، وكرها أي على تعب واصطبار ومجاهدة ، وأما في حق الكافرين فمشكل وتوجيهه أن يقال : المراد حق له أن يسجد لأجله جميع المكلفين من الملائكة والثقلين فعبر عن الوجوب بالوقوع وإن كان بمعنى الانقياد ، والخضوع ، والاعتراف بالإلهية ، وترك الامتناع عن نفوذ مشية فيهم فلا إشكال نظيره قوله : « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » وأما قوله « وَظِلالُهُمْ » فقد قال جمع من المفسرين كمجاهد ، والزجاج ، وابن الأنباري لا بعد في أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها الله وتخضع له كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحة ، وظل المؤمن يسجد لله طوعا ، وهو طائع وظل الكافر يسجد لغير الله كرها ويسجد لله طوعا ، وقال آخرون : المراد بسجود الظلال تقلصها وامتدادها حسب ارتفاع الشمس وانحطاطها ، فهي منقادة مستسلمة لما أتاح الله لها في الأحوال ، وتخصيص الغدو والآصال بالذكر لغاية ظهورها وازديادها في الوقتين ، وقال : في التأويل ولله يسجد من في السماوات والأرض والملائكة بين أرواح الأنبياء والأولياء ، والصلحاء طوعا ، ومن أرواح الكافرين والمنافقين والشياطين كرها بالدليل والتسخير تحت الأحكام والتقدير ، وظلالهم أي نفوسهم ، فإن النفوس ظلال الأرواح وليس السجود من شأنها لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم الرب فإنها تسجد بتبعية الأرواح ( معنى آخر ) ولله يسجد من في سماوات القلوب من صفات القلوب والأرواح والعقول طوعا ، ومن في أرض النفس من صفات النفس والقوي الحيوانية والسبعية والشيطانية كرها ، وظلالهم وهي آثارها ونتائجها. ( آخر ) ولله يسجد الأرواح في الحقيقة وظلالهم وهي أجسادهم بالتبعية وهذا السجود بمعنى وضع الجبهة وخص الوقتان بالذكر لأن آثار القدرة فيهما أكثر ، وإن أريد الانقياد والتسخير احتمل أن يراد بالوقتين وقت الانتباه والنوم ،

٢١٨

...........................................................................

_________________________________________

ففي الأول يطلع شمس الروح من أفق الجسد ، وفي الثاني تغرب فيه ، انتهى.

وقال الراغب : السجود أصله التطأمن والتذلل ، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوانات والجمادات وذلك ضربان ، سجود باختيار وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب ، نحو قوله «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا » أي تذللوا له ، وسجود بتسخير وهو للإنسان والحيوان والنبات وعلى ذلك قوله تعالى «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » وقوله تعالى «يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » فهذا سجود تسخير ، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم ، وقوله تعالى «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » ينطوي على النوعين من السجود التسخير والاختيار ، وقوله تعالى «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » فذلك على سبيل التسخير وقال في الظل قوله تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا » إلخ أي إنشاؤه ، يدل على وحدانية الله تعالى وينبئ عن حكمته ، وقوله عز وجل «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلخ » قال الحسن أما ظلك فيسجد الله ، وأما أنت فتكفر به ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بالظلال عالم المثال ، أو عالم الأرواح سواء قيل بتجردها أم كونها أجساما لطيفة ، كما روي عن الصادقعليه‌السلام أن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قام قائمنا أهل البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ في الولادة ، وروي أيضا أن الله خلق الخلق فخلق من أحب ، وكان ما أحب أن خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال ، فقلت : وأي شيء الظلال ، فقال : ألم تر إلى فلك في الشمس شيء وليس بشيء ، ومثله في الأخبار كثير وقد مر شرحها فالمراد بالظلال أرواحهم أو أجسادهم المثالية ، أو أمثلتهم على القول بعالم المثال ، فكلما يصدر عن أجسادهم من السجود

٢١٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حيث

_________________________________________

وغيرها يصدر عن أمثلتهم فهي تابعة للأجساد في كل ما يصدر عن العباد.

ولنرجع إلى شرح هذا الخبر فنقول : كأنهعليه‌السلام فسر السجود بالخضوع والتذلل والانقياد والدعاء ، أعم من أن يكون بالمقال أو بلسان الحال ، فإنها كلها خاضعة له منقادة لمشيته وإرادته ، لا تقدر على الامتناع مما أراد منها ، وتسأله سبحانه عما تستعد له بلسان إمكانها وافتقارها فتستجاب لها كما قال سبحانه( يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (١) وقال تعالى( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) (٢) قيل أي بلسان استعداداتكم وقابلياتكم ، والمؤمنون يسألونه بلسان المقال أيضا ، وضمير هي راجع إلى كل واحد ، والتأنيث باعتبار الخبر ، وكونهما ساعتا إجابة ، لأنه يقدر ما يقع في كل من اليوم والليل في مفتتحهما « والغدو » بضمتين جمع الغدوة وهي البكرة ، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس « والآصال » جميع الأصيل وهو ما بين صلاة العصر إلى الغروب.

الحديث الثاني : ضعيف.

« واللعائن » جمع لعان بالكسر كشمائل جمع شمال ، وفي القاموس : لعنه كمنعه طرده وأبعده ، فهو لعين وملعون ، والاسم اللعان« يبث جنود الليل » كان فيه حذفا ، أي وجنود النهار بقرينة السياق ، وفي بعض النسخ « جنوده » وهو أظهر ، ويؤيده ما رواه في الفقيه ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن إبليس إنما يبث جنود الليل ، من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبث جنود النهار ، من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس ، وذكر أن نبي الله كان يقول : أكثروا ذكر الله إلى آخر الخبر.

__________________

(١) الرحمن : ٢٩.

(٢) إبراهيم : ٣٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594