مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34241 / تحميل: 5488
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

قيل : لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من كلامه ، وقد جاء : ( لا يُناظر(١) بكلام الله ) وهو أن لا يتكلّم عند الشي‌ء بالقرآن ، كما يقال لمن جاء في وقته :( جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى ) (٢) وما شابهه ؛ لأنّ احترام القرآن ينافي ذلك وقد استعمله في غير ما هو له ، فأشبه استعمال المصحف في التوسّد(٣) .

ويستحب دراسة القرآن والبحث في العلم والمجادلة فيه ودراسته وتعليمه وتعلّمه في الاعتكاف ، بل هو أفضل من الصلاة المندوبة - وبه قال الشافعي(٤) - لما فيه من القربة والطاعة.

وقال أحمد : لا يستحب له إقراء القرآن ولا دراسة العلم ، بل التشاغل بذكر الله والتسبيح والصلاة أفضل ؛ لأنّ الاعتكاف عبادة شُرّع لها المسجد ، فلا يستحب فيها إقراء القرآن وتدريس العلم ، كالصلاة والطواف(٥) .

والفرق : أنّ الصلاة شرّع [ لها ](٦) أذكار مخصوصة وخشوع ، واشتغاله بالعلم يقطعه عنها ، والطواف لا يكره فيه إقراء القرآن ولا تدريس العلم.

ولأنّ العلم أفضل العبادات ، ونفعه متعدٍّ(٧) ، فكان أولى من الصلاة.

مسألة ١٨٤ : وفي تحريم شم الطيب لعلمائنا قولان : أحدهما : التحريم ، وهو الأقوى ؛ لقول الباقرعليه‌السلام :

____________________

(١) في المصدر : لا تناظروا.

(٢) طه : ٤٠.

(٣) القائل هو ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٤٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٤) المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، المغني ٣ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٥) المغني ٣ : ١٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦١.

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) في « ط » : متعدّد.

٢٦١

« المعتكف لا يشمّ الطيب ولا يتلذّذ بالريحان »(١) .

ولأنّ الاعتكاف عبادة تختص مكاناً ، فكان ترك الطيب فيها مشروعاً ، كالحجّ.

والثاني : الكراهة - وبه قال أحمد(٢) - عملاً بأصالة الإِباحة.

والشافعي(٣) نفى الكراهة والتحريم معاً ؛ للأصل.

وليس بجيّد ؛ لأنّ الاعتماد على الرواية.

مسألة ١٨٥ : كلّ ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف‌ ، وهو ظاهر عندنا ؛ لأنّ الاعتكاف مشروط بالصوم ، فإذا بطل الشرط بطل المشروط.

وكلّ ما ذكرنا أنّه مُحرَّم على المعتكف نهاراً ، فإنّه يحرم ليلاً ، عدا الأكل والشرب ؛ فإنّهما يحرمان نهاراً لا ليلاً.

قال الشيخرحمه‌الله : السكر يفسد الاعتكاف ، والارتداد لا يفسده ، فإذا عاد بنى(٤) .

والوجه : الإِفساد بالارتداد.

وقال الشيخ أيضاً : لا يفسد الاعتكاف سباب ولا جدال ولا خصومة(٥) .

ولا بأس به ؛ لأنّها غير مفسدة للصوم ، فلا تفسد الاعتكاف.

وهل يبطل الاعتكاف بالبيع والشراء؟ قيل : نعم ؛ لأنّه منهي عنهما في‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٧ - ١٧٨ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٢١ / ٥٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٨٨ / ٨٧٢ ، الاستبصار ٢ : ١٢٩ / ٤٢٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، وراجع : المغني ٣ : ١٤٩ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٢ ، والمجموع ٦ : ٥٢٨ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٨٣.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٢٠١ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ و ٥٣٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٥.

٢٦٢

هذه العبادة(١) .

وقيل : يأثم ولا يبطل الاعتكاف بهما(٢) .

مسألة ١٨٦ : قال بعض علمائنا : يحرم على المعتكف ما يحرم على المحرم(٣) .

وليس المراد بذلك العموم ؛ لأنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً ، ولا إزالة الشعر ، ولا أكل الصيد ، ولا عقد النكاح ، فله أن يتزوّج في المسجد ويشهد على العقد ؛ لأنّ النكاح طاعة ، وحضوره مندوب ، ومدّته لا تتطاول ، فيتشاغل به عن الاعتكاف ، فلم يكن مكروهاً ، كتسميت العاطس وردّ السلام. ويجوز له قصّ الشارب وحلق الرأس والأخذ من الأظفار ، ولا نعلم فيه خلافاً.

مسألة ١٨٧ : يجوز للمعتكف أن يتزيّن برفيع الثياب‌ - وبه قال الشافعي(٤) - عملاً بالأصل.

ولقوله تعالى( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ) (٥) .

وقال أحمد : يستحب ترك التزيّن برفيع الثياب(٦) . وليس بجيّد.

ويجوز له أن يأمر بإصلاح معاشه وبتعهّد متاعه ، وأن يخيط ويكتب وما أشبه ذلك إذا اضطرّ إليه.

أمّا إذا لم يضطرّ فإنّه لا يجوز ، خلافاً للشافعية(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٠.

(٣) كما في المعتبر : ٣٢٥ نقلاً عن الشيخرحمه‌الله .

(٤) المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٥) الأعراف : ٣٢.

(٦) المغني ٣ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٢ ، المجموع ٦ : ٥٢٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ حلية العلماء ٣ : ٢٢٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ ، المجموع ٦ : ٥٢٩ ، المغني ٣ : ١٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٥٩.

٢٦٣

وقال مالك : إذا قعد في المسجد واشتغل بحرفته ، بطل اعتكافه(١) . وهو كما قلناه.

ونُقل عن الشافعي في القديم مثله في الاعتكاف المنذور(٢) . ورواه بعضهم في مطلق الاعتكاف(٣) .

والمشهور عند الشافعية : الجواز مطلقاً ؛ لأنّ ما لا يبطل قليله الاعتكاف لا يبطل كثيره ، كسائر الأفعال(٤) . وهو ممنوع.

مسألة ١٨٨ : يجوز له الأكل في المسجد‌ ؛ للحاجة إليه ، وللأصل ، ولأنّه مأمور باللبث فيه، والأكل بدون الاعتكاف جائز في المسجد ، فمعه أولى ، لكن ينبغي أن يبسط سفرة وشبهها؛ لأنّه أبلغ في تنظيف المسجد.

وله غسل يده فيه ، لكن ينبغي أن يكون ماء الغسالة في طست وشبهه ؛ حذراً من ابتلال المسجد فيمنع غيره من الصلاة فيه والجلوس.

ولأنّه قد يستقذر ، فينبغي صيانة المسجد عنه.

وله أن يرشّ المسجد بالماء المطلق لا المستعمل إذا استقذرته النفس وإن كان طاهراً ؛ لأنّ النفس قد تَعافُهُ(٥) .

وكذا يجوز الفصد والحجامة في المسجد إذا لم يتلوّث ، والأولى الاحتراز عنه.

ولا يجوز أن يبول في المسجد في آنية - خلافاً للشافعية في بعض أقوالهم(٦) - لما فيه من القبح والاستهانة بالمسجد ، واللائق تعظيم المساجد وتنزيهها ، بخلاف الفصد والحجامة ، ولهذا لا يمنع من استقبال القبلة واستدبارها حالة الفصد والحجامة ، ويمنع منه حالة البول.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٨٤ ، التفريع ١ : ٣١٤.

(٢ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٤٨٣ و ٤٨٤.

(٥) عاف الشي‌ء يَعافُهُ : كرهه. لسان العرب ٩ : ٢٦٠.

(٦) حلية العلماء ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٣٣.

٢٦٤

ولأنّ المساجد لم تُبْنَ لهذا ، وهو ممّا يستخفى(١) به ، فوجب صيانة المسجد عنه ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

وقال بعض الحنابلة : يُمنع من الفصد والحجامة فيه ؛ لأنّه إراقة نجاسة في المسجد ، فلم يجز ، كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.

ولو دعت الحاجة الشديدة إليه ، خرج من المسجد وفَعَله ، وإن استغنى عنه ، لم يكن له الخروج الذي يمكن احتماله(٢) .

والوجه : جوازه ؛ لأنّ المستحاضة يجوز لها الاعتكاف ، ويكون تحتها شي‌ء يقع فيه الدم.

قالت عائشة : اعتكفَتْ مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، امرأة من أزواجه مستحاضة ، فكانت ترى الحمرة والصفرة ، وربما وَضَعْنا الطست تحتها وهي تصلّي(٣) .

مسألة ١٨٩ : السكر والردّة إن قارنا ابتداء الاعتكاف ، منعا صحّته‌ ؛ إذ لانيّة لهما. وكذا الإِغماء والجنون.

ولو ارتدّ في أثناء الاعتكاف ، فالوجه عندي بطلان الاعتكاف ؛ خلافاً للشيخ(٤) .

وقال الشافعي في الاُمّ : إنّه لا يبطل اعتكافه ، بل يبني إذا عاد إلى الإِسلام(٥) .

____________________

(١) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : يستخف.

(٢) المغني ٣ : ١٥٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٦٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٦٤ - ٦٥ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٣٤ / ٢٤٧٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٣.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٩٤.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ٢٠٠ ، المجموع ٦ : ٥١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٤ ، وفي الجميع نقلاً عن الاُم.

٢٦٥

وقال : لو سكر في اعتكافه ثم أفاق ، استأنف(١) . وهذا حكم ببطلان الاعتكاف.

ولأصحابه طريقان :

أحدهما : تقرير القولين.

والفرق : أنّ السكران ممنوع من المسجد ؛ لقوله تعالى( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ) (٢) أي موضع الصلاة ، فإذا شرب المسكر وسكر ، فقد أخرج نفسه عن أهلية اللبث في المسجد ، فينزّل ذلك منزلة خروجه منه ، والمرتدّ غير ممنوع من المسجد ، بل يجوز استدامته(٣) فيه ، وتمكينه من الدخول لاستماع القرآن ونحوه ، فلم يجعل الارتداد متضمّناً بطلان الاعتكاف.

والثاني : التسوية بين الردّة والسكر ، وفي كيفيتها طريقان :

أحدهما : أنّهما على قولين :

أحدهما : أنّهما لا يبطلان الاعتكاف.

أمّا الردّة : فلما سبق.

وأمّا السكر : فلأنّه ليس فيه إلّا تناول محرّم ، وذلك لا ينافي الاعتكاف.

والثاني : أنّهما يبطلان.

أمّا السكر : فلما سبق.

وأمّا الردّة : فلخروج المرتدّ عن أهلية العبادة.

والأصحّ عندهم : الجزم في الصورتين ، وفي كيفيته طُرق :

أحدها : أنّه لا يبطل الاعتكاف بواحد منهما. وكلام الشافعي في‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ١٠٦ ، والمجموع ٦ : ٥١٨ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٩٤.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) في المصدر : استتابته.

٢٦٦

السكر محمول على ما إذا خرج من المسجد أو اُخرج لإِقامة الحدّ عليه.

وثانيها : أنّ السكر يبطله ؛ لامتداد زمانه ، والردّة كذلك إن طال زمانها.

وثالثها : أنّ الردّة تُبطل ؛ لأنّها تفوّت شرط العبادة ، والسكر لا يُبطله ، كالنوم والإِغماء.

ورابعها : أنّهما جميعاً مُبطلان ؛ فإنّ كلّ واحد منهما أشدّ من الخروج من المسجد ، فإذا كان ذلك مُبطلاً للاعتكاف ففيهما أولى.

وقوله(١) في الردّة مفروض فيما إذا لم يكن اعتكافه متتابعاً ، فإذا عاد إلى الإِسلام بنى على ما مضى ؛ لأنّ الردّة لا تُحبط العبادات السابقة.

وقوله(٢) في السكر مفروض في الاعتكاف المتتابع(٣) .

وهذا كلّه عندنا باطل ؛ لأنّ المرتدّ لا يمكّن من الدخول إلى المسجد ، وأنه مُنافٍ للعبادة ، وكذا السكر.

إذا عرفت هذا ، فالمفهوم من كلام الشافعي أنّ زمان الردّة والسكر لا اعتكاف فيه ؛ فإنّ الكلام في أنه يبني أو يستأنف إنّما ينتظم عند حصول الاختلال في الحال(٤) . والمشهور عند أصحابنا(٥) أنّ زمان الردّة غير محسوب من الاعتكاف ؛ إذ ليس للمرتدّ أهلية العبادة ، وأمّا زمان السكر ففي احتسابه لهم وجهان(٦) .

مسألة ١٩٠ : إذا عرض الجنون أو الإِغماء في أثناء الاعتكاف ، بطل اعتكافه‌ ؛ لفساد الشرط ، وخروجه عن أهلية العبادة ، سواء اُخرجا من‌

____________________

(١ و ٢) أي : قول الشافعي.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٩٤ - ٤٩٧ ، المجموع ٦ : ٥١٨ - ٥١٩.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٩٧ - ٤٩٨.

(٥) كذا ، والظاهر أنّ الصحيح : أصحابه. أي : أصحاب الشافعي.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٩٨ ، المجموع ٦ : ٥١٩.

٢٦٧

المسجد أو لا.

وقال الشافعي : إن لم يخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه ؛ لأنّه معذور فيما عرض ، وإن اُخرج نظر ، فإن لم يمكن حفظه في المسجد ، فكذلك ؛ لأنّه لم يحصل الخروج باختياره ، فأشبه ما لو حُمل العاقل واُخرج مُكرَهاً ، وإن أمكن ذلك ، ففيه خلاف مخرَّج ممّا لو أغمي على الصائم(١) .

ولا تُحسب أيّام الجنون من الاعتكاف ؛ لأنّ العبادات البدنية لا تصحّ من المجنون.

وفي زمان الإِغماء للشافعية خلاف(٢) . وعندنا أنّه لا يحسب.

مسألة ١٩١ : الجنابة والحيض مانعان من الاعتكاف ابتداءً‌ - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّهما ممنوعان من اللبث في المساجد. قال الله تعالى :( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ ) (٤) وإذا مُنعا من اللبث مُنعا من الاعتكاف ؛ لأنّه أخصّ منه.

وإذا طرأ الحيض على المعتكفة ، وجب عليها الخروج من المسجد ، فإن لبثت فيه لم يُحسب من الاعتكاف ؛ لأنّه منهي عنه ، والنهي في العبادات يدلّ على الفساد.

ولأنّ الصوم شرط في الاعتكاف عندنا والحيض لا يجامعه ، ومنافي الشرط منافٍ للمشروط.

ولو طرأت الجنابة ، فإن كان ممّا يُبطل الاعتكاف أو الصوم ، بطل الاعتكاف قطعاً ، وإن طرأت بما لا يُبطله ، كالاحتلام والجماع ناسياً ، وجب عليه أن يبادر إلى الغسل ؛ لئلّا يبطل اعتكافه ، فإن لم يمكنه الغسل ، فهو‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٩٨ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٩٩ ، المجموع ٦ : ٥١٧.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٩٢ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، المجموع ٦ : ٤٧٦.

(٤) النساء : ٤٣.

٢٦٨

مضطر إلى الخروج ، وإن أمكنه ، عُذر في الخروج أيضاً ، ولا يكلّف الغسل في المسجد ؛ لأنّ الخروج أولى ، لما فيه من صيانة حرمة المسجد.

واعلم أنّ الجنابة الطارئة إذا لم تقتض بطلان الاعتكاف ، وبادَرَ إلى الاغتسال ، احتسب زمانها من الاعتكاف ، كما في وقت الخروج لقضاء الحاجة ، وإن أهمل ، بطل الاعتكاف من حين الإِهمال ، وقبله يُحسب من زمان الاعتكاف.

وللشافعية في احتساب زمان الجنابة من الاعتكاف مطلقاً وجهان(١) .

المطلب الرابع : في نذر الاعتكاف‌

مسألة ١٩٢ : قد بيّنّا أنّ الاعتكاف عبادة مستحبة في أصلها‌ غير واجبة وإنّما يجب بالنذر أو شبهه ، كاليمين والعهد ، فإذا نذر الاعتكاف ، وجب عليه.

ثمّ إمّا أن يُطلق أو يُعيّن ، والتعيين إمّا أن يحصل بوصف الفعل أو بخارج عنه ، كالمكان أو الزمان.

فإن أطلق ، وجب عليهاعتكاف ثلاثة أيام ، إذ لا يصحّ الاعتكاف أقلّ منها عند علمائنا أجمع ، ويتخيّر في أيّ وقت شاء - ممّا يصحّ صومه - أوقعه فيه.

ويجب أن يكون صائماً هذه الأيام الثلاثة ؛ لأنّ الاعتكاف عندنا لا يصحّ إلّا بالصوم ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به يكون واجباً. ويتخيّر أيضاً في أحد المساجد الأربعة أيّها شاء اعتكف فيه.

مسألة ١٩٣ : قد بيّنّا أنّ الصوم شرط في الاعتكاف‌ ، فلو نذر اعتكاف أيام لا يجب فيها الصوم ، وجب صومها عندنا وإن لم ينذر الصوم.

____________________

(١) المجموع ٦ : ٥٢٦ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٠.

٢٦٩

ولو نذر اعتكاف أيام يجب فيها الصوم ، كرمضان والنذر المعيّن ، أجزأ.

ومَنْ لم يشترط الصوم فيه من العامة إذا نذر الاعتكاف ، لم يجب الصوم.

ولو نذر أن يعتكف أياماً هو فيها صائم ، لزم الاعتكاف في أيام الصوم ، ووجب عليه الصوم إجماعاً ؛ لأنّ الاعتكاف بالصوم أفضل وإن لم يكن مشروطاً به ، فإذا التزمهم بالشرط ، لزم ، كما لو التزم التتابع فيه ، وليس له في هذه الصورة إفراد أحدهما عن الآخر إجماعاً.

ولو اعتكف في رمضان ، أجزأه ؛ لأنّه لم يلتزم بهذا النذر صوماً ، وإنّما نذر الاعتكاف على صفة وقد وُجِدَتْ.

ولو نذر أن يعتكف صائماً أو يعتكف بصوم ، لزمه الاعتكاف والصوم جميعاً بهذا النذر ، ولزمه الجمع بينهما عندنا.

وللشافعية وجهان :

أحدهما : أنّه لا يجب الجمع ؛ لأنّهما عبادتان مختلفتان ، فأشبه ما إذا نذر أن يصلّي صائماً.

وأصحّهما - وهو قول الشافعي في الاُم - : أنّه يجب ؛ لما تقدم من أنّ الاعتكاف بالصوم أفضل(١) .

ولو شرع في الاعتكاف صائماً ثم أفطر ، لزمه استئناف الصوم والاعتكاف عند الشافعية على الوجه الثاني ، ويكفيه استئناف الصوم على الأول(٢) .

____________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٩.

(٢) المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٦.

٢٧٠

ولو نذر اعتكاف أيام وليال متتابعة صائماً وجامع ليلاً ، ففيه للشافعية هذان الوجهان(١) .

ولو اعتكف عن نذره في رمضان ، أجزأه عن الاعتكاف في الوجه الأول ، وعليه الصوم ، وعلى الثاني لا يجوز الاعتكاف أيضاً(٢) .

ولو نذر أن يصوم معتكفاً ، انعقد نذره عندنا ؛ لأنّها عبادة منذورة فلزمته.

وللشافعية طريقان ، أظهرهما : طرد الوجهين. والثاني : القطع بأنّه لا يجب الجمع.

والفرق : أنّ الاعتكاف لا يصلح وصفاً للصوم والصوم يصلح وصفاً للاعتكاف ، فإنّه من مندوباته(٣) .

ولو نذر أن يعتكف مصلّياً أو يصلّي معتكفاً ، لزمه الصلاة والاعتكاف ، ويلزمه الجمع عندنا.

وللشافعية طريقان :

أحدهما : طرد الوجهين في لزوم الجمع.

وأصحّهما عندهم : القطع بأنّه لا يجب.

والفرق : أنّ الصوم والاعتكاف متقاربان ، فإنّ كلّ واحد منهما كفٌّ وإمساك ، والصلاة أفعال مباشرة لا مناسبة بينها وبين الاعتكاف(٤) .

ويُخرَّج على هذين الطريقين : ما لو نذر أن يعتكف مُحْرماً ، فإن لم نوجب الجمع بين الاعتكاف والصلاة ، فالقدر الذي يلزمه من الصلاة هو القدر الذي يلزمه لو أفرد الصلاة بالنذر ، وإن أوجبنا الجمع ، لزمه ذلك القدر في يوم‌

____________________

(١ و ٢) المجموع وفتح العزيز ٦ : ٤٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٦.

(٤) المجموع ٦ : ٤٨٦ ، الوجيز ١ : ١٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٩.

٢٧١

اعتكافه ، ولا يلزمه استيعاب اليوم بالصلاة(١) .

وإن كان نذر اعتكاف أيام مصلّياً ، لزمه ذلك القدر كلّ يوم.

وقال بعضهم : ظاهر اللفظ يقتضي الاستيعاب ، فإنّه جعل كونه مصلّياً صفةً لاعتكافه(٢) .

وهذا هو الوجه عندي ؛ لأنّا لو تركنا هذا الظاهر ولم نعتبر تكرير القدر الواجب من الصلاة في كلّ يوم وليلة ، اكتفي به في جميع المدّة(٣) .

ولو نذر أن يصلّي صلاة يقرأ فيها سورة كذا ، لزم الجمع عندنا.

وللشافعية قولان ، أحدهما : أنّه على الخلاف(٤) .

مسألة ١٩٤ : كما أنّه ليس للعبد ولا للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلّا بإذن السيد والزوج‌ ، كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلّا بإذن المولى والزوج ، فإن نذر أحدهما ، لم ينعقد نذره.

وهل يقع باطلاً أو موقوفاً على الإِذن؟ إشكال ، أقربه : الثاني.

فإن أجازا نذرهما وأذنا في الشروع في الاعتكاف وكان الزمان معيّناً أو غير معيّن لكن شرطا التتابع ، لم يجز لهما الرجوع ، وإن لم يشترطا التتابع ، فالأقرب أنّ لهما الرجوع ، وهو أظهر وجهي الشافعية(٥) .

ولو نذرا بالإِذن ، فإن تعلّق بزمان معيّن ، فلهما الشروع فيه بغير إذن ، وإلّا لم يشرعا فيه إلّا بالإِذن ، وإذا شرعا بالإِذن ، لم يكن لهما المنع من‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٨٧ - ٤٨٨.

(٢) الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٨٨ ، وكما في المجموع ٦ : ٤٨٧.

(٣) ورد في هامش « ط ، ن » : أي لو لم نعتبر التكرار في جميع أيام الاعتكاف ولياليه ، لاكتفي منه بمرّة واحدة في أول يوم منه.

قلت : وأيضاً كان يكتفي بإدخال ماهية الصلاة في العمر مرّة لو نذر اعتكاف عمره مصلّياً.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٤٨٨ ، المجموع ٦ : ٤٨٧.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٧.

٢٧٢

الإِتمام. وهو مبني على أنّ النذر المطلق إذا شرع فيه ، لزم إتمامه.

وفيه إشكال. وللشافعية خلاف(١) .

مسألة ١٩٥ : لو نذر الاعتكاف في المسجد الحرام ، تعيّن بالنذر‌ ، سواء عقد عليهما في نذر واحد أو أطلق نَذْرَ الاعتكاف ثم نذر تعيين المطلق فيه.

ولا خلاف في تعيين المسجد الحرام لو عيّنه بالنذر ؛ لما فيه من زيادة الفضل على غيره ، وتعلّق النُّسُك به.

وإن عيّن مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالمدينة ، أو المسجد الأقصى ، تعيّن أيضاً عندنا - وبه قال أحمد والشافعي في أحد قوليه(٢) - لأنّه نذر في طاعة ، فينعقد ولا يجوز له حلّه.

ولقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا )(٣) فأشبها المسجد الحرام.

والثاني للشافعي : أنّه لا يتعيّن بالنذر ؛ لأنّه لا يتعلّق بهما نُسُك ، فأشبها سائر المساجد(٤) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه لا يلزم من انتفاء تعلّق النُّسُك بهما مساواتهما لغيرهما من المساجد.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٩٣ ، المجموع ٦ : ٤٧٨.

(٢) المغني ٣ : ١٦٠ و ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٣ و ١٣٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٨١ - ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٦ ، صحيح مسلم ٢ : ١٠١٤ / ١٣٩٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٦ / ٢٠٣٣ ، سنن النسائي ٢ : ٣٨ - ٣٩.

(٤) المهذّب للشيرازي ١ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٤٨١ - ٤٨٢ ، الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢١٨ ، المغني ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

٢٧٣

ولو عيّن غير هذه المساجد بالنذر ، تعيّن عندنا ، لاشتماله على عبادة ، فانعقد نذره ، كغيره من العبادات.

وقال أحمد : لا يتعيّن بالنذر غير هذه المساجد الثلاثة ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد )(١) .

ولو تعيّن غيرها بتعيينه ، لزمه المضيّ إليه ، واحتاج إلى شدّ الرحل لقضاء نذره فيه.

ولأنّ الله تعالى ، لم يعيّن لعبادته مكاناً فلم يتعيّن بتعيين غيره ، وإنّما تعيّنت هذه المساجد الثلاثة ؛ للخبر الوارد فيها.

ولأنّ العبادة فيها أفضل ، فإذا عيّن ما فيه فضيلة ، لزمه ، كأنواع العبادة(٢) . وهو أحد قولي الشافعي(٣) أيضاً.

وله قول آخر : إنّه لا يتعيّن المسجد الأقصى ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام )(٤) (٥) .

وهذا يدلّ على التسوية فيما عدا هذين المسجدين ؛ لأنّ المسجد الأقصى لو فُضّلت الصلاة فيه على غيره ، للزم أحد أمرين : إمّا خروجه من عموم هذا الحديث ، وإمّا كون فضيلته بألف مختصّاً بالمسجد الأقصى.

وليس بلازم ؛ فإنّه إذا فُضّل الفاضل بألف فقد فُضّل المفضول بها أيضاً.

وقد بيّنّا أنّ النذر عندنا يتعيّن به ما يعيّنه الناذر من المكان كالزمان ، والتعيين وإن كان بالنذر لكن لمـّا أوجب الله تعالى ، الوفاء بالنذر ، كان التعيين‌

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في الصفحة السابقة الهامش (٣).

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٦٠ - ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٣ - ١٣٤.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ / ١٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٠ / ١٤٠٤.

(٥) المغني ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

٢٧٤

مستنداً إليه تعالى.

مسألة ١٩٦ : إذا نذر الاعتكاف في مسجد ، تعيّن ، وليس له العدول إلى مسجد أدون شرفاً.

وهل له العدول إلى مسجد أشرف؟ إشكال ، أقربه : الجواز.

فلو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، لم يجز له أن يعتكف في غيره ؛ لأنّه أشرفها.

ولو نذر أن يعتكف في مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام ؛ لأنّه أفضل منه ، ولم يجز أن يعتكف في المسجد الأقصى ؛ لأنّ مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفضل منه.

وقال قوم : إنّ مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أفضل من المسجد الحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّما دُفن في خير البقاع ، وقد نقله الله تعالى من مكّة إلى المدينة ، فدلّ على أنّها أفضل(١) .

والمشهور : أنّ المسجد الحرام أفضل ، لقولهعليه‌السلام : ( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام )(٢) .

وفي خبر آخر أنّه قالعليه‌السلام : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)(٣) فيدخل في عمومه مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتكون الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سوى مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى ، جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين ؛ لأنّهما أفضل منه.

وقد روى العامّة أنّ رجلاً جاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم الفتح‌

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ١٦١ - ١٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ١٣٤.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٢ / ١٣٩٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥٠ / ١٤٠٤.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٥١ / ١٤٠٦.

٢٧٥

والنبيعليه‌السلام في مجلس قريباً من المقام ، فسلّم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : يا نبي الله إنّي نذرت لئن فتح الله للنبي والمؤمنين مكّة لاُصلّينّ في بيت المقدس ، وإنّي وجدت رجلاً من أهل الشام ها هنا في قريش مُقبلاً معي ومُدبراً ؛ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ها هنا فصلّ ) فقال الرجل قوله هذا ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ها هنا فصلّ ) ثم قال الرابعة مقالته هذه ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اذهب فصلّ فيه ، فو الذي بعث محمّداً بالحقّ لو صلّيت ها هنا لقضي عنك ذلك كلّ صلاة في بيت المقدس )(١) .

مسألة ١٩٧ : قد بيّنّا أنّ الأقوى أنّ الاعتكاف إنّما يجوز في المسجد الحرام ومسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة‌ ، فلو نذر أن يعتكف في غير هذه الأربعة لم يجز.

وعلى القول الآخر لعلمائنا بجواز الاعتكاف في غيرها لو نذر أن يعتكف في غيرها ، انعقد نذره ، وتعيّن ما عيّنه ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وعلى القول الآخر بعدم التعيين لو شرع في الاعتكاف في مسجد لم يكن له الخروج منه ، ولا الانتقال إلى مسجد آخر ، لكن لو كان ينتقل في خروجه لقضاء الحاجة إلى مسجد آخر على مثل تلك المسافة أو أقرب ، كان له ذلك في أصحّ وجهي الشافعية(٣) .

ولو أوجب على نفسه اعتكافاً في مسجد فانهدم ، اعتكف في موضع منه ، فإن لم يتمكّن ، خرج ، فإذا بُني المسجد ، رجع وبنى على اعتكافه.

ومَنْ لم يوجب التعيين بالنذر ، له أن يخرج إلى أين شاء من المساجد ليعتكف فيه.

____________________

(١) مسند أحمد ٥ : ٣٧٣.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٠٤ - ٥٠٥ ، المجموع ٦ : ٤٨١.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٠٧ ، المجموع ٦ : ٤٨٢.

٢٧٦

مسألة ١٩٨ : لو نذر أن يعتكف في زمان معيّن ، تعيّن عليه‌ حتى أنّه لا يجوز له التقديم عليه ولا التأخير(١) عنه(٢) ، فإن أخّر ، كان قضاءً ، وهو أصحّ وجهي الشافعية(٣) .

والثاني : لا يتعيّن الزمان بالتعيين ، كما لا يتعيّن في نذر الصلاة والصدقة(٤) .

والحكم في الأصل ممنوع.

والوجهان عندهم جاريان فيما إذا عيّن الزمان للصوم(٥) .

والحقّ عندنا أنّه يتعيّن أيضاً.

مسألة ١٩٩ : إذا نذر اعتكافاً مطلقاً‌ ، وجب عليه أن يعتكف ثلاثة أيام ؛ لأنّ الاعتكاف لا يصح في أقلّ من ثلاثة ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّزه لحظةً ، ويبرأ بها من عُهدة النذر عنده ، لكن يستحب أن يعتكف يوماً(٦) .

وإن نذر الاعتكاف مدّةً من الزمان ، فإمّا أن يُطلق تلك المدّة أو يُعيّنها ، فإن أطلق تلك المدّة ، فإمّا أن يشترط فيها التتابع ، كأن يقول : لله عليَّ أن أعتكف ثلاثة أيام متتابعات ؛ أو لا يشترطه.

فإن شرطه ، لزم ؛ لأنه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير ، كما لو شرط التتابع في الصوم.

وإن لم يشترط التتابع ، لم يلزمه إلّا في ثلاثة ثلاثة ، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيام ، وجب عليه اعتكاف شهر بأن يعتكفه متتابعاً أو متفرّقاً ثلاثة ثلاثة ، ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره ، كما في الصوم ، لأنّه معنى يصح‌

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : التأخّر. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) كلمة « عنه » لم ترد في النسخ الخطية.

(٥-٣) المجموع ٦ : ٤٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٠ ، فتح العزيز ٦ : ٤٨٠ - ٤٨١.

٢٧٧

فيه التفريق ، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر ، كالصيام ، وهو أحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد(١) .

والثاني: أنّه يلزمه التتابع - وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الاُخرى - لأنّه معنى يحصل في الليل والنهار ، فإذا أطلقه ، اقتضى التتابع ، كما لو حلف : لا يكلّم زيداً شهراً ، وكمدّة الإِيلاء والعدّة(٢) .

والوجه : الأول ؛ لأصالة براءة الذمة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التتابع وإن لم يلزمه إلّا في كلّ ثلاثة عندنا ، ولا يلزمه مطلقاً عند العامة ، فإنّ الأفضل التتابع ؛ لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة.

ولو لم يتلفّظ بالتتابع في نذره ، لكن نواه في ضميره ، فإن قلنا : النذر ينعقد بالضمير ، لزمه ، وإلّا فلا.

ولو شرط في نذره التفريق ، لم يلزمه ، وخرج عن العهدة بالتتابع ؛ لأنّ الأولى التتابع ، فلا ينعقد نذر خلافه عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو عيّن غير المسجد الحرام ، يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام.

مسألة ٢٠٠ : لو لم يقيّد بالتتابع ، جاز له التفريق عندنا ثلاثة ثلاثة‌.

وهل يجوز التفريق يوماً يوماً ، بأن يعتكف يوماً عن نذره ثم يضمّ إليه يومين مندوباً؟ الأقرب : الجواز ، كما لو نذر أن يعتكف يوماً وسكت عن الزيادة وعدمها ، فإنّه يجب عليه الإِتيان بذلك اليوم ، ويضمّ إليه يومين‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٢٠ ، المغني ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨.

(٢) المجموع ٦ : ٤٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١١١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١١٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣١٧ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٣٤ ، المغني ٣ : ١٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٣٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٣ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨.

٢٧٨

آخرَيْن ، فحينئذٍ إذا نذر أن يعتكف ثلاثة أيام ، فاعتكف يوماً عن النذر ، وضمّ إليه آخرَيْن لا عَنْه ، بل تبرّع بهما ، ثم اعتكف يوماً آخر عن النذر ، وضمّ إليه آخرَيْن ثم اعتكف ثالثاً عن النذر وضمّ إليه آخرَيْن ، جاز ، سواء تابع التسعة أو فرّقها.

ولو نذر اعتكاف يوم ، لم يجز تفريق الساعات على الأيام ؛ لأنّ الاعتكاف يجب فيه الصوم ولا يصح صوم الساعة بمفردها - وهو أصحّ وجهي الشافعية(١) - لأنّ المفهوم من لفظ « اليوم » المتصل.

قال الخليل بن أحمد : إنّ اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس(٢) .

والثاني للشافعية : أنّه يجوز التفريق ؛ تنزيلاً للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر(٣) .

ولو دخل المسجد في أثناء النهار ، وخرج بعد الغروب ثم عاد قبل طلوع الفجر ومكث إلى مثل ذلك الوقت ، فهو على هذين الوجهين(٤) .

ولو لم يخرج بالليل فعند أكثر الشافعية أنّه يجزئه ، سواء جوّزوا التفريق أو منعوه ، لحصول التواصل بالبيتوتة في المسجد.

وقال بعضهم : لا يجزئه ؛ تفريعاً على الوجه الأول ؛ لأنّه لم يأت بيوم متواصل الساعات ، والليلة ليست من اليوم ، فلا فرق بين أن يخرج فيها من المسجد أو لا يخرج(٥) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٠٧ ، فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

(٢) حكاه عنه النووي في المجموع ٦ : ٤٩٤ ، وكما في فتح العزيز للرافعي ٦ : ٥٠٨ ، وراجع : العين ٨ : ٤٣٣.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٥٠٨ - ٥٠٩ ، المجموع ٦ : ٤٩٤.

٢٧٩

ولو قال في أثناء النهار : لله عليَّ أن أعتكف يوماً من هذا الوقت ؛ لم يصحّ عندنا إذا لم يكن صائماً من أوله ، وإن كان فإشكال.

وقالت الشافعية : إنّه يلزمه دخول المعتكف من ذلك الوقت إلى مثله من اليوم الثاني ، ولا يجوز أن يخرج بالليل ؛ ليتحقّق التتابع.

وقال بعضهم : إنّ الناذر التزم يوماً والبعضان يوم(١) ، والليلة المتخلّلة ليست من اليوم ، فلا يمنع التتابع بينهما ، كما أنّه لا يمنع وصف اليومين الكاملين بالتتابع(٢) .

ومَنْ جوّز تفريق الساعات من الشافعية في اليوم اكتفى بساعات أقصر الأيام ؛ لأنّه لو اعتكف أقصر الأيام ، أجزأه. وكذا لو فرّق على ساعات أقصر الأيام في سنين(٣) .

ولو اعتكف في أيام متباينة الطول والقصر ، فينبغي أن ينسب اعتكافه في كلّ يوم بالجزئية إليه إن كان ثُلْثاً فقد خرج عن ثُلْث ما عليه ؛ نظراً إلى اليوم الذي يوقع فيه الاعتكاف ، ولهذا لو اعتكف بقدر ساعات أقصر الأيام من يوم طويل ، لم يكفه.

مسألة ٢٠١ : إذا نذر أن يعتكف مدّة معيّنة مقدّرة‌ ، كما لو نذر أن يعتكف عشرة أيام من الآن ، أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر ، وجب عليه الوفاء به.

فإن أفسد آخره إمّا بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك ، فإمّا أن يقيّد بالتتابع أو لا ، فإنّ قيّد نذره بالتتابع بأن قال : أعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعاً ، وجب عليه الاستئناف ؛ لأنّه لم يأت بما نذره فيجب القضاء ، ويكفّر‌

____________________

(١) أي : بعض هذا اليوم وبعض تاليه يقومان مقام يوم واحد.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٥٠٩ ، المجموع ٦ : ٤٩٥.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٥١٠ ، المجموع ٦ : ٤٩٥.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

احمده ثلاثا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين وتقرأ آية الكرسي والمعوذتين وعشر آيات من أول الصافات وعشرا من آخرها.

٧ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن داود بن فرقد ، عن أخيه أن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد اللهعليه‌السلام وقال :

_________________________________________

وإن وافق القائل كلا من الشطرين في شطر وقس عليه مثال البيع والقتل انتهى كلامه زيد إكرامه.

وأقول : الإجماع المذكور غير ثابت وما ذكروه وجه جمع بين الأخبار ويمكن الجمع بالقول بالتخيير مطلقا أيضا ، وأما قوله (ره) إن رواية ابن عذافر غير صريحة في الترتيب لأن لفظة ثم فيها في كلام الراوي فهو طريف ، لكنه تفطن بوهنه وتداركه فيما علقه على الهامش حيث قال لكن يمكن أن يقال تفسير الراوي بلفظ « ثم » يعطي أنه فهم من الإمامعليه‌السلام تراخي التسبيح عن التحميد وهذا كاف في الترتيب المشهور.

فإن قلت : التراخي لم يقل به أحد من الأصحاب والرواية متروك الظاهر.

قلت : انسلاخ لفظ ثم عن التراخي لا يستلزم انسلاخه عن الترتيب انتهى ، وكان إصلاحه أيضا غير صالح فتفطن.

قوله « وعشر آيات من آخرها » أي من قوله( وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ ) إلى آخر السورة ولا يبعد أن يكون من قوله( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا ) إلى آخر السورة فإن هاتين الآيتين مناسبتان أيضا للمقصود ظاهرا بأن تكون بعض الآيات عندهم أطول وقد يشعر بعض الأخبار بأن من قوله سبحان ربك إلى آخرها آية واحدة فتتم عشر آيات لكنه تكلف.

الحديث السابع : مجهول.

« والمسباح » بالكسر اسم لما يسبح به ويعلم به عدده كالمفتاح لما يفتح به ، والمسبار لما يسبر به الجرح أي يمتحن غوره ، والحاصل أنه موافق للقياس لكن

٣٠١

قل له إن امرأة تفزعني في المنام بالليل فقال قل له اجعل مسباحا وكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة وسبح الله ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمد الله ثلاثا وثلاثين وقل : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي بيده الخير وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ عشر مرات.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه أتاه ابن له ليلة فقال له يا أبه أريد أن أنام فقال يا بني قل ـ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله أعوذ بعظمة

_________________________________________

لم يذكره اللغويون وإنما ذكروا السبحة بالضم. قال في المصباح السبحة خرزات منظومة ، قال الفارابي : وتبعه الجوهري ، والسبحة التي يسبح بها وهو يقتضي كونها عربية. وقال الأزهري : كلمة مولدة وجمعها سبح مثل غرفة وغرف انتهى وصحف بعضهم ، وقرأ سباحا بكسر السين مع أنه أيضا لم يرد في اللغة ومخالف للنسخ المضبوطة« وله اختلاف الليل والنهار » أي تعاقبهما أو اختلاف مقدارهما باعتبار دخول كل منهما في الآخر في وقتين أو في وقت واحد في قطرين.

الحديث الثامن : صحيح.

وقال في المصباح :الهامة ما له سم يقتل كالحية قاله الأزهري ، والجمع الهوام مثل دابة ودواب ، وقد يطلق الهوام على ما لا يقتل كالحشرات ومنه حديث كعب بن عجرة وقد قالعليه‌السلام أيؤذيك هوام رأسك والمراد القمل على الاستعارة بجامع الأذى ، وقالالسأمة من الخشاش ما يسم ولا يبلغ أن يقتل بسمة كالعقرب والزنبور فهي اسم فاعل ، والجمع سوام مثل دابة ودواب ونحو ذلك ، قال في النهاية في الموضعين ثم قال ، وفي حديث ابن المسيب كنا نقول إذا أصبحنا نعوذ بالله من شر السأمة وإلهامه ، السأمة هيهنا خاصة الرجل يقال سم إذ أخص انتهى.

٣٠٢

الله وأعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأعوذ بعفو الله وأعوذ بغفران الله وأعوذ برحمة الله من شر السامة والهامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بليل أو نهار ومن شر فسقة الجن والإنس ومن شر فسقة العرب والعجم ومن شر الصواعق والبرد اللهم صل على محمد عبدك ورسولك قال معاوية فيقول الصبي الطيب عند ذكر النبي المبارك قال نعم يا بني الطيب المبارك.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن مفضل بن عمر قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام إن استطعت أن لا تبيت ليلة حتى تعوذ بأحد عشر حرفا؟

_________________________________________

قوله « فيقول الصبي » أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها.

الأول أن الصبي لما بلغ في متابعة الدعاء الذي يلقيهعليه‌السلام عليه إلى لفظ رسولك أو إلى محمد زاد في وصفه من تلقاء نفسه الطيب المبارك وقرره أبوهعليه‌السلام عليه وكأنهعليه‌السلام كان يريد إلقائهما عليه فبادر الصبي وذكرهما فاستحسنه وقرره عليه فالظرف معترض بين الوصفين كذا سمعنا من مشايخنا قدس الله أرواحهم.

الثاني : أن يكون الطيب صفة للصبي ، مدحه الراوي به والمبارك مقول القول وصفة للنبي فأضافعليه‌السلام الطيب أيضا وقال صفه بهما فقل رسولك الطيب المبارك.

الثالث : أن يكون بعكس السابق فيكون الطيب مفعول القول والمبارك وصفة للنبي وصفه الراوي به وسائر الكلام كما مر ، والأول أحسن الوجوه ثم الثاني.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور :

« إن استطعت » أن شرطية والجزاء محذوف وهو فافعل أو نحوه« أن لا تبيت ليلة » أي لا تنام مجازا على الأشهر أو لا تفعل فعلا في ليلة حتى تتعوذ أولا تمضي عليك ليلة فلو فعله آخر الليل أيضا كان حسنا وقيل أصله دخول الليل قال

٣٠٣

قلت أخبرني بها قال قل أعوذ بعزة الله وأعوذ بقدرة الله وأعوذ بجلال الله وأعوذ بسلطان الله وأعوذ بجمال الله وأعوذ بدفع الله وأعوذ بمنع الله وأعوذ بجمع الله وأعوذ بملك الله وأعوذ بوجه الله وأعوذ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من شر ما خلق وبرأ وذرأ وتعوذ به كلما شئت.

_________________________________________

في القاموس : بات يفعل كذا يبيت ويبات بيتا وبياتا ومبيتا وبيتوتة أي يفعله ليلا وليس من النوم ومن أدركه الليل فقد بات وقد بت. القوم وبهم وعندهم وإباتة الله أحسن بيتة بالكسر أي إباتة وبيت الأمر دبره ليلا والغدو أوقع بهم ليلا وقال في المصباح بات يبيت بيتوتة ومبيتا ومباتا فهو بائت ولذلك معنيان أشهرهما اختصاص ذلك الفعل بالليل كما اختص الفعل في ظل بالنهار ، فإذا قلت بأن يفعل كذا فمعناه فعله بالليل ولا يكون إلا مع سهر الليل ، وعليه قوله تعالى( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً ) (١) .

وقال الأزهري قال الفراء بات الليل إذا سهر الليل كله في طاعة أو معصية ، وقال الليث من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ ، ألا ترى أنك تقول بات يرعى النجوم ومعناه ينظر إليهما وكيف ينام من يراقب النجوم وقال ابن القوطية أيضا ، وتبعه السر قسطي وابن القطاع بات يفعل كذا إذا فعله ليلا ولا يقال بمعنى نام ، والمعنى الثاني يكون بمعنى صار يقال بات بموضع كذا أي صار به سواء كان في ليل أو نهار ، وعلى هذا قول الفقهاء بات عند امرأته ليلة أي صار عندها سواء حصل معه نوم أو لا ، وقال في النهاية : كل من أدركه الليل فقد بات يبيت نام أو لم ينم انتهى ، وقيل حتى هنا للاستثناء.

وأقول :تعوذ يحتمل أن يكون كتقول أو من باب التفعل بحذف إحدى التائين وقيل الباء في« بأحد » للآلة وإطلاق الحرف على الكلمة والكلام شائع« وتعوذ به » يحتمل الأمر والمضارع من التفعل ، والمضارع من باب نصر ، والحاصل

__________________

(١) الفرقان : ٦٤.

٣٠٤

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن خالد بن نجيح قال كان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا أويت إلى فراشك فقل ـ بسم الله وضعت جنبي الأيمن لله على ملة إبراهيم حنيفا لله مسلما وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ».

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن حسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا قام أحدكم من الليل فليقل سبحان رب النبيين وإله المرسلين ورب المستضعفين والحمد لله الذي يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ يقول الله

_________________________________________

أنه ينبغي قراءته في كل حال وفي كل زمان من الليل والنهار وقد مر شرح سائر أجزاء الدعاء.

الحديث العاشر : مجهول.

« بسم الله » أي أبتدئ باسم الله أو أنام مستعينا به« وضعت جنبي الأيمن لله » قد تواترت الروايات معنى من طرق الخاصة والعامة على استحباب النوم على الجنب الأيمن قال عياض : لما في التيامن من البركة وفي اسمه من الخير ، وأيضا في النوم على الأيمن سرعة التيقظ لأن القلب في الجانب الأيسر فإذا نام كذلك يبقى القلب معلقا إلى جهة الأيمن وإذا نام على الأيسر استغرقه النوم ولا ينتبه إلا بعد حين ، وأما الدعاء المذكور فلأنه تجديد عهد إذ قد يموت في نومته تلك كذا قيل« على ملة إبراهيم » أي كائنا على ملته« والحنيف » المسلم المائل إلى الدين المستقيم والحنف محركة ، الاستقامة ومنه قوله دين محمد حنيف أي مستقيم لا عوج فيه ، وفي الخبر في قوله تعالى( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) (١) قال أمره أن يقيم وجهه إلى القبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان خالصا مخلصا.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

« ورب المستضعفين » على بناء المفعول أي الأئمة الطاهرين الذين استضعفهم

__________________

(١) الروم : ٣٠.

٣٠٥

عز وجل صدق عبدي وشكر.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا قمت بالليل من منامك فقل الحمد لله الذي رد علي روحي لأحمده وأعبده فإذا سمعت صوت الديك فقل ـ سبوح قدوس رب الملائكة

_________________________________________

المخالفون في الأرض إشارة إلى قوله تعالى( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ) (١) وقد مرت الأخبار في أنها نزلت فيهمعليهم‌السلام ، ويحتمل التعميم ليشمل غيرهم من شيعتهم.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وكان المراد بردالروح كمال تصرفه في البدن واشتغال المشاعر الظاهرة بأعمالها وقد مر الكلام في السبوح والقدوس ، والروح ، والاشتغال بالدعاء والذكر في هذا الوقت لما ورد في الأخبار الكثيرة من طرق الخاصة والعامة ، إن لله ديكا عرفه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرضين السابعة السفلى إذا كان في الثلث الأخير من الليل سبح الله تعالى ذكره بصوت يسمعه كل شيء ما خلا الثقلين الجن والإنس ، فتصيح عند ذلك ديكة الدنيا ، وفي بعض الأخبار أن الديك رأسه عند العرش وهو ملك من ملائكة الله تعالى ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى مضى مصعدا حتى انتهى قرنه إلى العرش وهو يقول سبحانك ربي ، ولذلك الديك جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في آخر الليل نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح وهو يقول سبحان الله الملك القدوس الكبير المتعال القدوس لا إله إلا هو الحي القيوم فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في المساء سكنت الديكة في الأرض فإذا كان في بعض السحر نشر جناحيه تجاوز المغرب والمشرق

__________________

(١) القصص : ٥.

٣٠٦

والروح سبقت رحمتك غضبك لا إله إلا أنت وحدك عملت سوءا وظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فإذا قمت فانظر في آفاق السماء وقل اللهم لا يواري منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ولا أرض ذات مهاد ولا ظُلُماتٌ

_________________________________________

وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ( سبحان الله العظيم سبحان الله العزيز القهار سبحان الله ذي العرش المجيد سبحان الله رب العرش الرفيع ) فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض فإذا هاج هاجت الديكة في الأرض تجاوبه بالتسبيح والتقديس لله تعالى ولذلك الديك ريش أبيض كأشد بياض رأيته قط ، وله زغب أخضر تحت ريشه الأبيض كأشد خضرة رأيتها قط ، وروى الصدوق في التوحيد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (١) مثل ذلك وأن المراد بالطير الديكة والأخبار في ذلك كثيرة فظهر أن التسبيح عند سماع أصواتها موافقة لها في التسبيح.

ومن طريق العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال إذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا قال عياض إنما أمرنا بالدعاء حينئذ لتؤمن الملائكة وتستغفر وتشهد للداعي بالتضرع والإخلاص ، وقال القرطبي : ولرجاء القبول وقيل الفاء فيقوله « فاغفر » للتفريع على الإقرار بالوحدانية والاعتراف بالذنوب والفاء فيقوله « فإنه » للبيان والضمير للشأن.

« إلى أفاق السماء » أي ما ظهر من نواحيها ، في المصباح الأفق بضمتين الناحية من الأرض ومن السماء والجمع آفاق انتهى ، والنظر إليها للعبرة والتفكر في آثار عظمته وقدرته سبحانه وقيل لملاحظة الوقت« لا يواري عنك » أي لا يستر عنك من المواراة وهي الستر« ليل داج » بالتخفيف من المعتل اللام من دجى الليل دجوا إذا أظلم وتمت ظلمته وربما يقرأ بالتشديد قال في القاموس دج أرخى الستر والدجج بضمتين شدة الظلمة كالدجة وليلة ديجوج ودجداجة انتهى ،

__________________

(١) النور : ٤١.

٣٠٧

...........................................................................

_________________________________________

والأول أظهر وفي بعض كتب الدعاء والحديث ساج بالسين وهو إما بالتخفيف كما صححه الشيخ البهائيقدس‌سره في مفتاح الفلاح قال ساج بالسين المهملة وأخره جيم اسم فاعل من سجي بمعنى ركد واستقر ، والمراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته انتهى.

وأقول : يؤيد هذه النسخة قوله تعالى( وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ) قال البيضاوي أي سكن أهله أو ركد ظلامه من سجي البحر سجوا إذا سكنت أمواجه وأما بالتشديد من السبح بمعنى التغطية وهو بعيد« والأبراج » الأظهر عندي أنه جمع برج بالتحريك أي ذات كواكب نيرة حسنة المنظر قال في القاموس : البرج محركة المجيد الحسن الوجه أو المضيء البين المعلوم والجمع أبراج ، وقال البرج بالضم الركن والحصن وواحد بروج السماء انتهى ، وزعم الأكثر أنه جمع برج لقوله تعالى( وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ ) وهو بعيد إذ هو يجمع في الغالب على بروج ، وإن قيل أنه يجمع على أبراج ، قال في مصباح اللغة برج الحمام مأواه والبرج في السماء قيل منزل القمر وقيل الكوكب العظيم وقيل باب السماء والجمع فيهما بروج وأبراج « ولا أرض ذات مهاد » أي أمكنة مستوية ممهدة للقرار قال في القاموسالمهاد الموضع مهيأ للصبي ويوطأ والأرض والفراش ( وأَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي بساطا ممكنا للسلوك فيه ولبئس المهاد أي ما مهد لنفسه في معاده انتهى.

ويحتمل أن يكون المعنى صاحبة هذا الاسم أو هذه الصفة والحالة فيكون شبيها بالتجريد ، وقيل : الظاهر أن مهادا هنا جمع مهد أو مهدة بالضم فيهما وهما ما ارتفع من الأرض أو ما انخفض منها في سهولة واستواء والمعنى لا يستر عنك أرض ذات أتلال عالية ، وجبال رأسيه أو ذات أقطاع مستقيمة ممهدة وأمكنة مستوية منبسطة انتهى.

٣٠٨

...........................................................................

_________________________________________

وقيل : هو جمع مهد وهو الموضع المستوي ، هو إشارة إلى أن الأرض لما كانت مستوية احتاجت إلى الجبال لرفع تزلزلها كما قال تعالى( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً وَالْجِبالَ أَوْتاداً ) فالمراد أن الجبال التي حصلت سبب استواء الأرض لا تواري عنك ما وراءها ، ولا يخفى ما فيه.

وقال الشيخ البهائي (ره) في المفتاح ذات مهاد بكسر أوله جمع ممهود أي ذات أمكنة مستوية ممهدة واعترض عليه بأن ما ذكرهقدس‌سره من كون مهاد جمع ممهود لا يعرف مأخذه ولا وجه صحته ، بل هو مخالف للسماع والقياس.

أما الأول : فلان المذكور في التفاسير أن مهادا مفرد قال في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي وطأ وقرارا ومهيأ للتصرف فيه من غير إذنه ، وقيل : مهادا أي بساطا وقال صاحب الكشاف مهادا أي فراشا وقال في القاموس : المهاد ككتاب الفراش جمعه أمهدة ومهد و( أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً ) أي بساطا ممكنا للسلوك( وَلَبِئْسَ الْمِهادُ ) أي ما مهد لنفسه في معاده وذكر فيه أن المهاد جاء بمعنى المهد وهو الموضع الذي يهيئ للصبي ويوطأ له.

وأما الثاني : أعني مخالفة القياس فلان قياس الصفة مثل اسم الفاعل والمفعول مطلقا أن يجمع جمع الصحيح ، فإن كانت صفة لمذكر يعقل فيه الواو والنون ، نحو منصورون وإن كانت صفة لمذكر لا يعقل أو المؤنث مطلقا فبالألف والتاء كمرفوعات ومنصورات ، وأما جمع التكسير فغير قياس إلا ما كان على فاعل بل قليل موقوف على السماع كميامين ومشاييم فقياس ممهود أن يجمع على ممهودات ولو جمع جمع تكسير لا على الشذوذ يجب أن يقال مماهيد ، وأما جمعه على مهاد فبعيد غاية البعد ، ولو قلنا بجمعية مهاد فالأولى أن يقال : أنه جمع مهد لأن فعلا يجمع على فعال كجبل وجبال ، ونعل ونعال ، ورحل ورحال انتهى.

٣٠٩

بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ولا بحر لجي تدلج بين يدي المدلج من خلقك تعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ

_________________________________________

قوله عليه‌السلام « ولا بحر لجي » قال في المفتاح بضم اللام وقد يكسر وتشديد الجيم المكسورة المشددة أي عظيم انتهى ، وفي القاموس : لجة البحر معظمه ومنه بحر لجي ، وأقول : هذه الفقرة والتي قبلها إشارة إلى قوله تعالى في سورة النور( أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ) قال البيضاوي : أي عميق منسوب إلى اللجج وهو معظم الماء ، ( يَغْشاهُ ) يغشى البحر ( مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) أي أمواج مترادفة متراكمة ( مِنْ فَوْقِهِ ) من فوق الموج الثاني ( سَحابٌ ) غطى النجوم وحجب أنوارها والجملة صفة أخرى للبحر ( كَظُلُماتٍ ) أي هذا ظلمات ( بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ) لم يقرب أن يراها فضلا أن يراها.

قوله عليه‌السلام « تدلج بين يدي المدلج من خلقك » قال في القاموس : الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح السير من أول الليل ، وقد أدلجوا فإن ساروا في آخر الليل فأدلجوا بالتشديد ، وفي المصباح أدلج إدلاجا مثل أكرم إكراما مسار الليل كله فهو مدلج ، وبه سمي ومنه أبو قبيلة من كنانة ، ومنهم القافة فإن خرج آخر الليل فقد أدلج بالتشديد انتهى.

وأقول : المضبوط في الدعاء التخفيف والتشديد أنسب ، والكفعمي (ره) في البلد الأمين عكس ونسب التخفيف إلى آخر الليل ولعله من سهو قلمه وقال في المفتاح : الإدلاج السير بالليل وربما يختص بالسير في أوله ، وربما يطلق الإدلاج على العبادة في الليل مجازا لأن العبادة سير إلى الله تعالى وقد فسر بذلك قول النبي فيه من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ومعنى تدلج بين يدي المدلج أن رحمتك وتوفيقك وأعانتك لمن توجه إليك وعبدك صادرة عنك قبل توجهه إليك وعبادته لك إذ لو لا رحمتك وتوفيقك وإيقاعك ذلك في قلبه لم يخطر ذلك بباله فكأنك سريت إليه قبل أن يسري هو إليك وقال (ره) في الهامش وبعض

٣١٠

وَما تُخْفِي الصُّدُورُ غارت النجوم ، ونامت العيون وأنت الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأخذك

_________________________________________

المحدثين فسر الإدلاج في هذا الحديث بالطاعات والعبادات في أيام الشباب فإن سواد الشعر يناسب الليل فالعبادة فيه كأنها إدلاج انتهى.

وأقول : علقها على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خاف أدلج لما روي عن محمد بن الحنفية في تفسير هذا الخبر أن مرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خاف الله واليوم الآخر اجتهد في العبادة أيام شبابه وقوته وسواد شعره فقد كنى عن العمل في الشباب بالدلج وهو السير بالليل كما يكنى عن الشيب بالصبح وأقول في الدعاء ، ويحتمل أن يكون المعنى أن ألطافك ورحماتك تزيد على عبادته لك كما ورد في الحديث القدسي ، من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا.

وقال والدي (ره) في أكثر نسخ التهذيب يدلج بالياء على صيغة الغائب فيحتمل أن يكون صفة للبحر إذ السائر في البحر يظن أن البحر متوجه إليه يتحرك نحوه ويمكن أن يكون التفاتا فيرجع إلى المعنى الأول« تعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ » الخائنة أما اسم فاعل أي النظرة الخائنة الصادرة عن الأعين ، أو الخائنة مصدر كالعافية أي خيانة الأعين وهي النظر إلى ما لا يجوز والغمز بها « وَما تُخْفِي الصُّدُورُ » خطوراتها ومضمراتها« غارت النجوم » أي تسفلت وأخذت في الهبوط والانخفاض بعد ما كانت أخذه في الصعود والارتفاع واللام للعهد ، ويجوز أن يكون بمعنى غابت بأن يكون المراد بها النجوم التي كانت في أول الليل في وسط السماء« ونامت العيون » أي هذا وقت اليأس عن المخلوقين والتوسل برب العالمين وقيل : كأنه تأسف على الغفلة عن مشاهدة هذا الصنع الغريب والتدبير العجيب« وأنت الحي القيوم » أي الفعال المدرك للأشياء كما هي ، والقائم على كل شيء برعايته وحفظه وإصلاحه وتدبيره.

وأقول : حاصل هذه الفقرات ، التنبيه على التوسل بقاضي الحاجات ، وقطع

٣١١

سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ سبحان ربي رب العالمين وإله المرسلين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا قام آخر الليل يرفع صوته حتى يسمع أهل الدار ويقول اللهم

_________________________________________

الرجاء عن غيره ، فإن الناس قد يتوسلون بالكواكب والنظرات والساعات فنبه بهبوطها وغيبتها على عجزها وضعفها ، وكونها مسخرة لرب قاهر كما قال الخليلعليه‌السلام ( لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) وقد يلجأون إلى الأقوياء من المخلوقين لزعمهم أنهم قادرون على كل ما يريدون فيه على عجزهم وضعفهم بقوله ـ ونامت العيون ـ فإنهم لطريان النوم يغفلون عمن يتوسل بهم ، والموت الذي هو أخوه محتمل فيه مع قطع النظر عن سائر الموانع والقواطع عن الأفعال والإرادات ، ولذا عقبهابقوله « وأنت الحي القيوم » أي القادر العالم بذاته الذي لا يعتريه موت لا فناء ، والقائم بذاته الذي يقوم به كل شيء ، ولا يعجز عن شيء ، ويحتاج إليه كل شيء.

ثم قال :« لا تأخذك سنة ولا نوم » فتصير غافلا أو عاجزا عن قضاء حوائج المخلوقين ، فإذا تفكر العاقل في هذه الفقرات وتنبه بها انبعث منه شوق إلى التوجه بحوائجه إلى رب الأرباب ، والتضرع إليه في كل باب ويأس تام عن المخلوقين ، وانقطاع إلى قاضي حوائج السائلين « والسنة » بالكسر مبادئ النوم وقيل فتور يتقدم النوم ، وقال الشيخ البهائي (ره) تقديمها عليه مع أن القياس في النفي الترقي من الأعلى إلى الأسفل بعكس الإثبات لتقدمها عليه طبعا ، أو المراد نفي هذه الحالة المركبة التي تعتري الحيوان.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

« حتى يسمع » على بناء الأفعال أو المجرد وكان الإسماع ليستيقظ من أراد

٣١٢

أعني على هول المطلع ووسع علي ضيق المضجع وارزقني خير ما قبل الموت وارزقني خير ما بعد الموت.

_________________________________________

الاستيقاظ ويقوم من أراد القيام وفيه إيماء إلى جواز إيقاظ الغير للعبادة إذا كان راضيا بل مع عدم الرضا أيضا ، وفيه إشكال بل ربما يمنع مع الرضا أيضا لأنه إبراء ما لم يجب ، ولا يخفى ضعفه ، إذ يلزم منه عدم جواز الفصد ، والحجامة وأمثالهما« اللهم أعني » أي على تحمله بتسهيله علي أو رفعه عني. وفي المصباحهالني الشيء هولا من باب قال أفزعني فهو هائل ، ولا يقال مهول إلا في المفعول وموضع مهيل بفتح الميم ومهال أيضا أي مخوف ذو هول« والمطلع » بالتشديد وفتح اللام إما مصدر ميمي أو اسم مكان ، وقد يقرأ بكسر اللام وهو الرب تعالى قال في القاموس : وبكسر اللام القوي العالي القاهر انتهى ، وهو تصحيف.

وقال في النهاية : فيه في ذكر القرآن لكل حرف حد ولكل حد مطلع أي لكل مصعد يصعد إليه من معرفة علمه ، والمطلع مكان الاطلاع من موضع عال يقال مطلع هذا الجبل من مكان كذا أي مأتاه ومصعدة ، ومنه حديث عمر لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال انتهى.

وقال الكفعمي (ره) في حواشي البلد الأمين بعد ذكر ما مر ورأيت بخط الشهيد (ره) أن هول المطلع هو الاطلاع على الملائكة الذين يقبضون الأرواح والمطلع مصدر.

وأقول : الظاهر أن المراد به أهوال القبر لما ورد ، لا تفجأ بالميت القبر ، فإن للقبر أهوالا ، والمرادبالمضجع القبر أو عالم البرزخ ، في القاموس : ضجع كمنع ضجعا وضجوعا وضع جنبه بالأرض كانضجع واضطجع والمضجع كمقعد

٣١٣

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه رفعه قال تقول إذا أردت النوم ـ اللهم إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي أسامة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة حين يأخذ مضجعه غفر له ما عمل قبل ذلك خمسين عاما وقال يحيى فسألت سماعة عن ذلك فقال حدثني

_________________________________________

موضعه كالمضطجع ، وفي الفقيه ووسع على المضجع ومناسبة الدعاء لهذا الوقت وإذا استيقظ في ظلمة الليل وانفرد عن الناس ينبغي أن يذكر ظلمة القبر ووحدته فيه ، وانفراده عن الناس ، ولما كان النوم والانتباه شبيهين بالموت والبعث ينبغي أن يذكرهما ويستعيذ من شرهما.

الحديث الرابع عشر : صحيح ، وإن كان فيه شوب إرسال لأن الإرسال بعد ابن أبي عمير.

قوله عليه‌السلام : « إن أمسكت بنفسي » أي لم ترسلها إلى بدني ووصلت نومي بالموت« فارحمها » واغفر لها ولا تؤاخذها بسيئات أعمالها ،« وإن أرسلتها » إلى بدنها« فاحفظها » من الذنوب والآفات ، وتكرار هذا المضمون في الأدعية وذكرها في الآية الكريمة للتنبيه على أنه لا اعتماد على الحياة ، واحتمال عدم الانتباه من هذا المنام فينبغي أن يتوب عند كل نوم ويجدد وصيته ولا يغتر بظن الحياة لحبها وعدم احتمال الموت لكراهتها.

الحديث الخامس عشر : صحيح وأخره موثق بسماعه ، وفاعلقال أبو عبد اللهعليه‌السلام ، وأبو محمد كنية أخرى لليث بن البختري ، وليحيى بن القاسم أيضا ، وإنما كني بأبي بصير لكونهما بصيرين مكفوفي البصر تكنية بالضد أو لبصيرة قلبهما ، أو كناية عن أنهما ليسا ببصيرين ، وإنما ولدا بصيرين ، فإن البصير خلاف

٣١٤

أبو بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ذلك وقال يا أبا محمد أما إنك إن جربته وجدته سديدا.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد جميعا ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا

_________________________________________

الضرير ، ويمكن أن يكون تكنية الليث بعد صيرورته بصيرا بإعجاز الباقر والصادقعليه‌السلام كما هو المشهور ، والمذكور في الأخبار ، وبالجملة تكنيته بأبي محمد في الأخبار وكتب الرجال أشهر من أن يخفى على الناقد البصير ، ومن الغرائب أنه قال بعض الشراح : فاعل قال أبو بصير وأبو محمد كنية لسماعة لأنه قال النجاشي : يكنى أبا تاشرة ، وقيل أبا محمد.

وأماقوله عليه‌السلام « أما إنك إن جربته وجدته سديدا » فيحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المراد به أنه يظهر لك في الآخرة صدق ما قلته لك ، أو في المنام.

الثاني : أن يكون المراد ظهور آثاره من إنارة قلبه فإنه علامة المغفرة كما قيل ، أو من التوفيق والهداية وتيسير أمور الدنيا والآخرة.

الثالث : ما قيل يفهم منه أن لقارئها على العدد المذكور إذا واظب عليها أن تحصل له حالات غريبة ، وكمالات عجيبة يجدها الذوق ويدركها الشوق ولا يبعد إجراء مثل هذا الحكم في غيرها من الأدعية المأثورة عن أهل العصمةعليهم‌السلام .

الرابع : ما قيل التجربة بأن لا يصيبه بعد الخمسين بلية إذ البلايا لتكفير السيئات ولا يخفى بعده بل بعد أكثر ما مر.

الحديث السادس عشر : مجهول ، وقيل ضعيف.

والحياة والموت في هذا الخبر أعم من الحياة والانتباه والموت والنوم ، وقيل : معناه بك يكون ذلك فالاسم هو المسمى وقيل إنه من أسمائه تعالى المحيي

٣١٥

أوى إلى فراشه قال ـ اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت فإذا قام من نومه قال : « الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » وقال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

والمميت ومعنى كل اسم واجب له فهو سبحانه يحيي ويميت لا يتصف غيره بذلك فكأنه قال باسمك المحيي أحيا وباسمك الميت أموت« الحمد لله الذي أحياني » حمده بالإحياء لأن الإحياء نعمة يستحق به الحمد « وَإِلَيْهِ النُّشُورُ » السابق دليل عليه لأن الإحياء بعد موت النوم نشور صغير يمكن الاستدلال به على النشور الأكبر ، فلذلك ذكره بعده وإليه خبر النشور قدم عليه للحصرقوله عليه‌السلام : « آية الكرسي » أي إلى ـ العظيم ـ أو إلى ـ خالدون ـ كما مر « شَهِدَ اللهُ » أي بنصب الآثار الدالة على توحيده فإن كل ذرة من ذرات العالم شاهدة عليه ، أو بإنزال الآيات الدالة عليه ، أو بقوله في القرآن المجيد( أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا ) وأمثاله( وَالْمَلائِكَةُ ) بالإقرار( وَأُولُوا الْعِلْمِ ) بالإيمان بها والاحتجاج عليها شبه ذلك في البيان والكشف بشهادة الشاهد « قائِماً بِالْقِسْطِ » أي مقيما للعدل في قسمه وحكمه وانتصابه على الحال من الله أو عن هو «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ » كرره للتأكيد ومزيد الاعتناء بمعرفة أدلة التوحيد والحكم به بعد إقامة الحجة وليبني عليه «الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » فيعلم أنه الموصوف بهما ، وقدم العزيز لتقدم العلم بقدرته على العلم بحكمته ، ورفعهما على البدل من الضمير أو الصفة لفاعل شهد ، وهذا آخر الآية.

وقد يضاف إليه( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) مع أنه خارج عن الآية ، وكأنه على قراءة أن الدين بفتح الهمزة بدلا من أنه لا إله إلا هو ، أو من القسط ، فيكون من تتمة الآية معنى وإن لم تكن لفظا.

ويؤيده ما رواه الطبرسي عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش ، فكنت أختلف إليه ، فلما كنت ذات ليلة أردت أن أنحدر إلى

٣١٦

من قرأ عند منامه آية الكرسي ثلاث مرات والآية التي في آل عمران : «شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ » وآية السخرة وآية السجدة وكل به شيطانان يحفظانه من مردة الشياطين شاءوا أو أبوا ومعهما من الله ثلاثون ملكا يحمدون

_________________________________________

البصرة قام من الليل فتهجد فمر بهذه الآية( شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ) الآية ، ثم قال الأعمش وأنا أشهد بما شهد الله به ، وأستودع الله هذه الشهادة ، وهي لي عند الله وديعة ،( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) قالها مرارا ، قلت لقد سمع فيها شيئا فصليت معه وودعته ، ثم قلت : آية سمعتك ترددها ، قال : لا والله لا أحدثك بها إلى سنة فكتبت على بابه ذلك اليوم وأقمت سنة ، فلما مضت السنة ، قلت : يا أبا محمد قد مضت السنة ، فقال : حدثني أبو وائل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله إن لعبدي هذا عهدا عندي وأنا أحق من وفي بالعهد ، أدخلوا عبدي هذا الجنة ـ ففيه إيماء إلى قراءة هذه التتمة ، وقد يقرأ إلى ـ سريع الحساب.

وقال الطبرسي أيضا روى أنس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من قرأ( شَهِدَ اللهُ ) الآية عند منامه ، خلق الله له منها سبعين ألف خلق يستغفرون له إلى يوم القيامة وآية السخرة في الأعراف( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ ـ إلى قوله ـرَبُّ الْعالَمِينَ ) وقيل : إلى( قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) كما ذكره الشيخ البهائي (ره) فالمراد بالآية الجنس ، وسميت سخرة لدلالتها على تسخير الله تعالى للأشياء وتذليله لها والمشهور أن المرادبآية السجدة آيتان في آخر حم السجدة( سَنُرِيهِمْ آياتِنا ) إلى آخر السورة ، وقيل : المراد بها الآية المتصلة بآخر آية السجدة في الم السجدة ، وهي( تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) لأنها أنسب بهذا المقام وكان الأحوط الجمع بينهما« يحفظانه » فيه غاية اللطف حيث جعل عدو وليه حافظا له« شاءوا أو أبوا » قيل جملة شرطية عند بعض

٣١٧

الله عز وجل ويسبحونه ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له إلى أن ينتبه ذلك العبد من نومه وثواب ذلك له.

١٧ ـ أحمد بن محمد الكوفي ، عن حمدان القلانسي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان ، عن عامر بن عبد الله بن جذاعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من أحد يقرأ آخر الكهف عند النوم إلا تيقظ في الساعة التي يريد.

١٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أراد شيئا من قيام الليل وأخذ مضجعه فليقل ـ بسم الله اللهم لا تؤمني مكرك ولا تنسني ذكرك ولا تجعلني من الغافلين

_________________________________________

النحاة بتقدير ـ إن شاءوا ـ أو أبوا وحالية عند بعضهم ، وهم الذين لا يشترطون في الماضي إذا كان حالا [ حالة ] لفظة ـ قد ـ لا لفظا ولا تقديرا ، والضميران إما راجعان إلى الملكين مجازا أو إلى مردة الشياطين أي لا يمكنهم الغلبة عليهما ، لأنهما يفعلان ذلك بأمره تعالى ، وثواب ذلك له ، لأنه الباعث لذلك ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ) لأن ذلك من آثار سعيه كما أن الخيرات الصادرة عن المؤمنين له من آثار إيمانه وسعيه.

الحديث السابع عشر : مجهول.

وآخر الكهف ( قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ ) إلى آخر السورة« إلا تيقظ » بصيغة الماضي من باب التفعل وربما يقرأ باليائين وفتح الأولى وضم القاف أو فتحها وهو مخالف للمضبوط في النسخ ولا حاجة إليه.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على مشهور.

« لا تؤمني مكرك » أصل المكر الخداع وهو على الله محال ، وإذا نسب إليه تعالى يراد به الاستدراج ، أو الجزاء بالغفلات والإيقاع بالبليات ، والعقوبة بالسيئات« ولا تنسني ذكرك » قيل : نسيان العبد ذكره تعالى لازم لسلب اللطف والتوفيق والإعانة والنصرة عنه فقصد بنفي اللازم نفي الملزوم من باب الكناية

٣١٨

أقوم ساعة كذا وكذا إلا وكل الله عز وجل به ملكا ينبهه تلك الساعة.

(باب)

(الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي حمزة قال رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام يحرك شفتيه حين أراد أن يخرج وهو قائم على الباب فقلت إني رأيتك تحرك شفتيك حين خرجت فهل قلت شيئا قال نعم إن الإنسان إذا خرج من منزله قال حين يريد أن يخرج الله أكبر الله أكبر ثلاثا ـ بالله أخرج وبالله أدخل وعلى الله أتوكل ثلاث مرات اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير وقني شر كل دابة

_________________________________________

« ولا تجعلني من الغافلين » عن ذكرك وطاعتك بالإمداد والتوفيق لها« أقوم » أي أريد« إلا وكل » المستثنى منه مقدر أي ما قاله إلا وكل.

باب الدعاء إذا خرج الإنسان من منزله

الحديث الأول : حسن كالصحيح ، وسنده الثاني صحيح.

« قال حين يريد » قيل جملة حالية من فاعل خرج بتقدير قد ، نحو قوله تعالى( جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ) « ثلاثا » أي قال الله أكبر ثلاث مرات« بالله أخرج » أي أخرج مستعينا بذاته أو متبركا باسمه« وعلى الله أتوكل » أي في الخروج والدخول ، وفي جميع الأمور« ثلاث مرات » أي قال الكلمات الثلاث المذكورة ، ثلاث مرات« اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير واختم لي بخير » كأنه أراد أن يكون خير الابتداء متصلا بخير الانتهاء أو طلب الخير في الذهاب والخير في العود.

« وقنى شر كل دابة أنت أخذ بناصيتها » إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن

٣١٩

أنت آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » لم يزل في ضمان الله عز وجل حتى يرده الله إلى المكان الذي كان فيه.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن أبي حمزة مثله.

_________________________________________

هودعليه‌السلام ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ) (١) قال البيضاوي : أي إلا وهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها ، والأخذ بالنواصي تمثيل لذلك « إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » أي أنه على الحق والعدل لا يضيع عنده معتصم ولا يفوته ظالم انتهى.

وأقول : لما كان الآخذ بناصية حيوان قادرا على صرفه كيف شاء ، ويدل المأخوذ له غاية التذلل ، مثل به في الكتاب والسنة والعرف العام ، قال تعالى( فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ ) (٢) وفي الدعاء خذ إلى الخير بناصيتي » أي اصرف قلبي إلى عمل الخيرات ، ووجهني إلى القيام بوظائف الطاعات ، كالذي يجذب بشعر مقدم رأسه إلى العمل ، ففي الكلام استعارة ، والناصية قصاص الشعر فوق الجبهة والجمع النواصي ، وفي الدعاء والنواصي كلها بيدك ، وهو أيضا من باب التمثيل ، أي كل شيء في قبضتك وملكك وتحت قدرتك ، وقولهعليه‌السلام هنا « أنت أخذ » أما وصف للدابة للتوضيح والتعميم والإشارة إلى الترقب بحصول الوقاية ، بل إلى تحققها ، ويحتمل أن يكون استئنافا بيانيا ، كأنه قيل كيف أقي قال أنت أخذ بناصيتها ، وقيل وفي ذكر قيامه على الحق وهو الصراط المستقيم توقع لنصرته على طاعته وتوفيقه له ، وأقول :قوله « لم يزل » جزاء الشرط في إذا خرج.

__________________

(١) هود : ٥٦.

(٢) الرحمن : ٤١.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594