مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول6%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34459 / تحميل: 5516
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي قال أتيت باب علي بن الحسينعليه‌السلام فوافقته حين خرج من الباب فقال بسم الله آمنت بالله وتَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ـ ثم قال يا أبا حمزة إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان فإذا قال بسم الله قال الملكان

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

« فوافقته » في أكثر النسخ بتقديم الفاء على القاف أي صادفته وفاجأت لقاءه ، في القاموس : الوفيق كأمير الرفيق ووفقت أمرك تفق كرشدت صادفته موافقا ، وأوفق القوم لفلان ونوامنه واجتمعت كلمتهم ، وأوفق لزيد لقاؤنا بالضم كان لقاؤنا فجأة ووافقت فلانا صادفته.

وفي بعض النسخ بتقديم القاف على الفاء في القاموس الوقاف والموافقة إن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة وواقفته على كذا سألته الوقوف ، والأول أكثر وأظهر« بسم الله » أي أمشي أو أخرج أو أطلب الحاجة ، مستعينا أو متبركا أو متوسلا بذاته أو باسمه إذ لأسمائه سبحانه تأثيرات وخواص لا تحصى كما يظهر من أخبار أئمة الهدى« آمنت بالله » قيل : إقرار بإيمان ثابت والإقرار به من كمال الإيمان أو جزؤه كما بينا في موضعه ، أو بإيمان حادث بأن الحافظ مطلقا خصوصا في السفر ، وبعد الخروج من المنزل هو الله تعالى « وتوكلت على الله » أي فوضت أموري كلها إليه ، خصوصا الخروج وما يرد بعده.

« عرض له الشيطان » المراد بالشيطان هنا وفيما سيأتي جنس الشياطين بقرينة ما سيأتي« قال الملكان » أي الموكلان به عن اليمين وعن الشمال« كيفيت » على بناء المجهول أي كفى الله ما أهمك واستغنيت به عن غيره« هديت » أي إلى دين الحق وإلى ما ينفعك في الدارين« وقيت » أي من شر الشياطين وغيرهم« فيقول بعضهم » أي بعض الشياطين« لبعضهم » كيف لنا بالتعرض لمن كان كذلك.

٣٢١

كفيت فإذا قال آمنت بالله قالا هديت ـ فإذا قال : تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، قالا وقيت فيتنحى الشيطان فيقول بعضهم لبعض كيف لنا بمن هدي وكفي ووقي قال ثم قال اللهم إن عرضي لك اليوم ـ ثم قال يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك

_________________________________________

« اللهم إن عرض لك اليوم » أي لا أتعرض لمن هتك عرضي لوجهك إما عفوا أو تقية وكلاهما لله رضي ، في النهاية العرض أي بالكسر موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره ، وقيل : هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب ، وقال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير ، ومنه حديث أبي ضمضم اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك أي تصدقت على من ذكرني بما يرجع إلى عيبه ومنه حديث أبي الدرداء ( أقرض من عرضك ليوم فقرك ) أي من عابك وذمك فلا تجاوزه واجعله قرضا في ذمته لتستوفيه منه يوم حاجتك في القيامة انتهى ، وقيل : معنى هذا الحديث إني أبحت للناس عرضي لأجلك ، فإن اغتابوني وذكروني بسوء عفوت عنهم وطلبت بذلك الأجر منك يوم القيامة لأنك أمرت بالعفو والتجاوز ، وقد ورد أن يوم القيامة نودي ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا.

وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس ، معناه إني لا أطلب مظلمة يوم القيامة ولا أخاصم عليها ، لا أن غيبته صارت بذلك حلالا ، وذلك لأنه لا يسقط الحق بإباحة الإنسان عرضه للناس لأنه عفو قبل الوجوب ، إلا أنه وعد ينبغي له أن يفي به ولا سيما إذا جعله لله.

وأقول : في خصوص هذه المادة لا ينفع العفو لأن ذمه وغيبتهعليه‌السلام كفر ولا ينفع عفوهم في رفع عقابهم ، ولا يشفعون في الآخرة أيضا لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، فعفوهم للتقية أو لرفع درجاتهم ولا ينفع المعفو أصلا« إن تركت الناس

٣٢٢

وإن رفضتهم لم يرفضوك قلت فما أصنع قال أعطهم من عرضك ليوم فقرك وفاقتك.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن أبي حمزة قال استأذنت على أبي جعفرعليه‌السلام فخرج إلي وشفتاه تتحركان فقلت له فقال أفطنت لذلك يا ثمالي قلت نعم جعلت فداك قال إني والله تكلمت بكلام ما تكلم به أحد قط إلا كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته قال قلت له أخبرني به قال نعم من قال حين يخرج من منزله : « بسم الله حسبي الله تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، اللهم إني أسألك خير أموري كلها وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب

_________________________________________

لم يتركوك » كان المراد بالترك ترك المحاورة معهم والوقيعة فيهم ، وبالرفض الاعتزال عنهم وعدم المجالسة معهم ، قيل : ليس المقصود من الشرط هنا ثبوت الجزاء عند ثبوته ، وانتفاؤه عند انتفائه ، كيف وترتبه على نقيض الشرط أولى من ترتبه على الشرط بل المقصود أن الجزاء لازم الوجود في جميع الأوقات لأنه إذا ترتب على وجود الشرط وكان ترتبه على نقيضه أولى يفهم منه استمرار وجوده ، سواء وجد الشرط أو لم يوجد فيكون متحققا دائما.

وأقول : صحف بعض الأفاضل فقرأ رفصتم بالصاد المهملة من الرفصة بمعنى النوبة ، وهو رفيصك أي شريبك وترافصوا الماء تناوبوه أي إن عاشرتهم ناويتهم لم يعاشروك ولم يناوبوك ، والظاهر أنه تصحيف.

الحديث الثالث : موثق.

« فقلت له » أي تحريك الشفة وأظهرت له تحريك شفتيه« أفطنت لذلك » بتثليث الطاء وكان الاستفهام ليس على الحقيقة ، بل الغرض إظهار فطانة المخاطب وعدم غفلته ، في القاموس : الفطنة بالكسر الحذف فطن به وإليه وله كفرح ونصر وكرم« ما أهمه » أي اهتم به واعتنى بشأنه« خير أموري كلها » أي من جميع

٣٢٣

الآخرة كفاه الله ما أهمه من أمر دنياه وآخرته.

٤ ـ عنه ، عن علي بن الحكم ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قال حين يخرج من باب داره ـ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه لم تعد من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر الشياطين ـ ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر الجن والإنس ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها أجير نفسي بالله من

_________________________________________

أموري ما هو خير لي.

الحديث الرابع : صحيح.

« بما عاذت به ملائكة الله » أي بأسمائه الحسني ، أو بالنبي وأوصيائه صلوات الله عليهم كما يومئ إليه بعض الأخبار ، وفي الفقيه نقلا عن أبي بصير أيضا أعوذ بالله بما عاذت منه ملائكة الله ، فالموصول عبارة عن المعصية والمخالفة ، فتدل على قدرتهم على المخالفة وإن لم تقع كما في الأنبياءعليهم‌السلام ، ويمكن حملها على التواضع والتذلل ، وأقول : ما في نسخ الكتاب موافقا للمحاسن أظهر ،قوله : « لم يعد » أي اليوم« ومن شر الشياطين » تفسير وتفضيل لقوله ومن شر غيري لأنه مجمل شامل لجميع ما بعده ، وفي الفقيه مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم ومن شر الشياطين.

« ومن شر من نصب لأولياء الله » أي نصب حربا أو عداوة لهم ، ويندرج في الأولياء الشيعة ، وفي القاموس : نصب لفلان عاداه« غفر الله له » أي ذنوبه كلها كما هو الظاهر وهو خبر لمن قالوتاب عليه أي وفقه للتوبة ، وعدم العود إلى الذنوب وكفاه الهم أي غم الدنيا والآخرة ، أوهم ما أراده بخروجه ، وفي الفقيه وبعض نسخ الكتابوكفاه الهم أي ما أهمه من الأمور وكأنه أظهر« وحجزه » في القاموس حجزه ويحجزه حجزا منعه وكفه فانحجز بينهما فصلعن السوء أي

٣٢٤

كل شر غفر الله له وتاب عليه وكفاه الهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا خرجت من منزلك فقل بسم الله « تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ » لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له اللهم أوسع علي من فضلك وأتمم علي نعمتك واستعملني في طاعتك واجعل رغبتي فيما عندك وتوفني على ملتك وملة رسولكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة قال كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا خرج يقول ـ اللهم بك

_________________________________________

بعد الخروج في السفر والحضر ، أو في بقية عمره« وعصمه من الشر » كذلك ، وقيل : لعل المراد بالسوء المكاره الزمانية والنوائب اليومية وبالشرور الحيوانية والزلات النفسانية.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« من فضلك » أو للابتداء أو للتعليل« وأتمم علي نعمتك » قيل : نعمه تعالى على العباد غير محصورة وكل منها دنيوية كانت أو أخروية قابلة للزيادة إلى أن تبلغ حد الكمال ، والله سبحانه يحب أن يسأله العبد إتمامها على وجه التضرع والابتهال« واستعملني في طاعتك » بالتوفيق لها والإعانة عليها« واجعل رغبتي فيما عندك » من السعادة والكرامة والجنة ونعيمها بصرف القلب إلى ما يوجب الوصول إليها« وتوفني على ملتك » بالثبات عليها وحسن العاقبة وهو أمر يخاف من فوته العارفون فضلا عن غيرهم.

الحديث السادس : ضعيف.

« بك خرجت » أي بتوفيقك وحولك وقوتك لا بحولي وقوتي ، أو مستعينا بك في أموريولك أسلمت الظرف متعلق بأسلمت ، والتقديم للحصر أي أنا منقاد لك

٣٢٥

خرجت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت اللهم بارك لي في يومي هذا وارزقني فوزه وفتحه ونصره وطهوره وهداه وبركته واصرف عني شره وشر ما فيه بسم الله وبالله والله أكبر وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ اللهم إني قد خرجت فبارك لي في خروجي وانفعني به قال وإذا دخل في منزله قال ذلك.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن الرضاعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام إذا خرج من منزله قال : « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » خرجت بحول الله وقوته لا بحول مني ولا قوتي بل بحولك وقوتك يا رب متعرضا لرزقك

_________________________________________

حسب لا لغيرك ، أو أسلمت ودخلت في الإسلام مخلصا لك ديني ، أو اللام للتعليل« وبك آمنت » الباء صلة أي آمنت بك لا بغيرك من الآلهة« وعليك توكلت » في أموري كلها لا على غيرك لتكفيني إياها وتصلحها لي« اللهم بارك لي » أي أعطني البركة والخير والزيادة والثبات في كل ما تعطيني في هذا اليوم« وارزقني فوزه » أي الوصول إلى المطالب فيه« وفتحه » أي فتح أبواب الرحمة فيه« ونصره » أي النصرة على الأعادي الظاهرة والباطنة فيه« وطهوره » أي الطهارة عن السيئات فيه« وهداه » أي الهداية إلى الحق فيه« وبركته » أي البركة والزيادة في الرزق وسائر الخيرات فيه« واصرف عني شره » لعل هذا مبني على أن للأيام والشهور والساعات نحوسة وشرا أو المراد بشره البلايا النازلة فيه من قبل الله تعالى« وبشر ما فيه » شر المخلوقاتقوله ـ قال أي أبو خديجة ـوإذا دخل أي أبو عبد اللهعليه‌السلام ـ قال ذلك ـ أي هذا الدعاء بأدنى تغيير بأن يقول بك دخلت إني قد دخلت فبارك لي في دخولي.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور ، صحيح عندي.

قوله عليه‌السلام « بل بحولك » فيه التفاوت من الغيبة إلى الخطاب كما في إياك نعبد ، والنكات مشتركة« فأتني به في عافية » قيل لك أن تجعل الظرفية مجازية

٣٢٦

فأتني به في عافية.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن عطية ، عن عمر بن يزيد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حين يخرج من منزله عشر مرات لم يزل في حفظ الله عز وجل وكلاءته حتى يرجع إلى منزله.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم ، عن صباح الحذاء قال قال أبو الحسنعليه‌السلام إذا أردت السفر فقف على باب دارك واقرأ

_________________________________________

بتشبيه ملابسة رزقه للعافية في الاجتماع معها بملابسة المظروف للظرف فتكون في لفظة ـ في ـ استعارة تبعية ، ولك أن تعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من الرزق والعافية ومصاحبة أحدهما للآخر بالهيئة المنتزعة من المظروف والظرف واصطحابهما فتكون في الكلام استعارة تمثيلية تركب كل من طرفيها لكنه لم يصرح من الألفاظ التي بإزاء المشبه به إلا بكلمة في ، فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تبع له يلاحظ معه في ضمن ألفاظ منوية فلا تكون لفظة ـ في ـ استعارة بل هي على معناها الحقيقي ولك أن تشبه العافية بما يكون محلا وظرفا للشيء على طريقة الاستعارة بالكناية ويكون ذكر كلمة في قرينة وتخييلا.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وفي المصباح :كلأه الله يكلؤه مهموز بفتحتين كلاءة بالكسر والمد حفظه ويجوز التخفيف فيقال كليته أكلاه من باب تعب لغة قريش ولكنهم قالوا مكلو بالواو أكثر من مكلي بالياء.

الحديث التاسع : صحيح.

قوله عليه‌السلام « فقف على باب دارك » أي تلقاء الوجه الذي تتوجه إليه كما في الفقيه حيث روي بسنده الصحيح عن البجلي عن صباح الحذاء قال : سمعت موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول : لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله

٣٢٧

فاتحة الكتاب أمامك وعن يمينك وعن شمالك و «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ » أمامك وعن يمينك وعن شمالك و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ » و «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ » أمامك وعن يمينك وعن شمالك ثم قل اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا ثم قال أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه.

_________________________________________

وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال اللهم احفظني إلى آخر الخبر وسيأتي مخالفا لهما وهذا الاختلاف مع اتحاد الراوي غريب« واقرء فاتحة الكتاب » قيل ليس فيه النفث كما ذكره بعض ، بل الأحوط تركه لتشبهه بالسحر ، كما في قوله تعالى :وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ .

ثم اعلم أن الأحسن والأوفق بلفظ الخبر قراءة كل منها على حدة في الجهات الثلاث ولا يبعد جواز جمع الجميع في كل جهة« اللهم احفظني » أي من الآفات والبليات والمكاره الجسمانية والروحانية« وسلمني » الظاهر أنه تأكيد لما قبله وهو كثير في الأدعية ومناسب للإلحاح في الدعاء ، وقيل : الحفظ من الآفات والسلامة من السيئات والمراد بما في الأخير العبيد والخدم والرفقاء ، وقيل : الحفظ من الآفات الأرضية والتسليم من التقديرات السماوية« وبلغني وبلغ ما معي بلاغا حسنا » أي بلغني وما معي إلى المقصود والمكان المقصود تبليغا حسنا بلا نقص ولا تعب ولا شيء من الآفات ، وقيل : البلاغ إما بالفتح وهو اسم لما يتبلغ ويتوصل به إلى المقصود ، والمراد به هنا التبليغ بإقامة الاسم مقام المصدر كما في قولك أعطيته عطاء ، أو بالكسر للمبالغة في التبليغ من بالغ في الأمر مبالغة وبلاغا إذا اجتهد فيه ولم يقصر انتهى.

وأقول : في القاموس : البلاغ كسحاب الكفاية والاسم من الإبلاغ والتبليغ وهما الإيصال وقوله « أما رأيت » بيان لفائدة ضم الدعاء لما معه مع الدعاء له في الجميع.قوله عليه‌السلام « ويسلم » إلى آخره هذا الفعل وما بعده من الأفعال إما مجرد

٣٢٨

١٠ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه كان إذا خرج من البيت قال بسم الله خرجت وعلى الله توكلت لا حول ولا قوة إلا بالله.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم ، عن صباح الحذاء ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال يا صباح لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله والمعوذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل لحفظه الله وحفظ ما معه وسلمه وسلم ما معه وبلغه وبلغ ما معه أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه.

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل ـ بسم الله

_________________________________________

معلوم أو مزيد مجهول.

الحديث العاشر : مرسل كالموثق.

« إذا خرج » أي أراد الخروج أو أخذ فيه في سفر أو حضر كما صرح بهما في خبر ابن الجهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور واللام في الرجل للعهد الذهني.

وقوله « إذا أراد سفرا ـ إلى قوله ـ الجميل » خبر كان وقام إلى قوله الجميل جزاء إذا ، وقوله « لحفظه الله » إلى قوله « وبلغ ما معه » جزاء لو ، وقد مر مضمونه إلا أنه لم يكن آية الكرسي فيما مضى.

الحديث الثاني عشر : موثق كالصحيح.

« فتلقاه » قيل في الكلام حذف يعني فإن من قال ذلك تلقاه ويحتمل سقوطه

٣٢٩

آمنت بالله تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ما شاءَ اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله فتلقاه الشياطين فتنصرف وتضرب الملائكة وجوهها وتقول ما سبيلكم عليه ـ وقد سمى الله وآمن به وتوكل عليه وقال : ما شاءَ اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله.

(باب)

(الدعاء قبل الصلاة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة ـ اللهم إني أتوجه إليك

_________________________________________

وقيل الفاء للبيان والضمير الغائب منصوب عائد إلى قائل هذا الكلام وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ، إشارة إلى أن الحكم غير مخصوص بالمخاطب وتعرض الشيطان له لإضلاله وإضراره ، وروى الصدوق (ره) هذا الخبر في الفقيه بإسناده الصحيح إلى علي بن أسباط وهو موثق عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام وذكر نحوه إلى قوله فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوها وتقول إلى آخر الخبر وهو أظهر.

باب الدعاء قبل الصلاة

الحديث الأول : مرسل.

من قال هذا القول المشار إليه مجموع الدعائين دعاء الاستفتاح ودعاء الانصراف وإذا لمحض الظرفية وقوله « إذا قام » إلى آخر الحديث بدل تفضيللقوله « قال هذا القول » والمستتر في قام راجع إلى من ، وقيل : من متعلق بقال وإذا قام ظرف له على الظاهر ، أو لكان على احتمال والمراد بالقيام على الأول القيام للصلاة وعلى الثاني القيام للنشور انتهى ، والأول أوجه ، والمراد باستفتاح الصلاة التكبيرات الافتتاحية أي قبل جميعها« إني أتوجه إليك » أي أقبل بظاهري وباطني إليك

٣٣٠

بمحمد وآل محمد وأقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك فاجعلني بهم وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم

_________________________________________

« بمحمد وآل محمد » قيل الباء للسببية أو الاستعانة« وأقدمهم بين يدي صلواتي » قيل : الصلاة هدية وتحفة من العبد إلى الله تعالى ، ولا بد في إيصاله إليه وقبوله لها من توسطهمعليهم‌السلام كما يتوسط مقربو السلطان في إيصال التحف إليه« وأتقرب بهم إليك » أي أتقرب بتوسطهم أو بتصديقهم ومتابعتهم إليك.

وأقول : لما كان الصلاة معراج المؤمن وبها يتقرب إلى حضرة القدس ولا يمكن سلوك هذه الطريقة الأصفى والوصول إلى هذا المقصد الأقصى إلا بدليل يهدى إلى ذلك السبيل ومعين يوصل العائد إلى حضرة الرب الجليل وينجيه من وساوس أهل التضليل ويسقيه بكأس المحبة من العين السلسبيل ، فلذا توسل بمقربي جنابه والعارفين بطرق قربه وأبوابه وتوسل بهم إليه ، واستشفع بهم لديه فقال« فاجعلني بهم » أي بهدايتهم وإرشادهم وتأييدهم وإسعادهم أو بتصديقهم واتباعهم« وجيها » أي ذا جاه ومنزله ، في المصباح : وجه بالضم وجاهة فهو وجيه إذا كان له حظ ورتبة ، وفي القاموس : الوجه سيد القوم كالوجيه ، وقال الراغب فلان وجيه ذو جاه ، فالوجاهة عند الله في الدنيا بالعلم والعمل وسلوك الطريقة القويمة ومتابعة العترة الهادية وكونه من الهادين المخلصين لله الدين ، وفي الآخرة بالدرجات الرفيعة ، وكونه محشورا مع أئمة الدين بل يكون ببركتهم وقربهم من شفعاء المذنبين ويظهر منزلتهم وجاههم عند الله على العالمين ولذا قال« ومن المقربين » أي منك ومن الأئمة الراشدين برغم النواصب والمخالفين كما قال سبحانه( فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ) (١) وقالوا عند ذلك( فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) (٢) .

__________________

(١) الملك : ٢٧.

(٢) الشعراء : ١٠٠.

٣٣١

ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة واختم لي بها فإِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ثم تصلي فإذا انصرفت قلت اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء

_________________________________________

ولما كان هذا الكلام موهما لإظهار فضل وامتنان قال« مننت علي بمعرفتهم » أي هذه أيضا من نعمك الجليلة حيث جعلتني من شيعتهم ورزقتني القول بإمامتهم ولذا تقربت بهم إليك ، فترك العاطف بينهما لكمال الاتصال أو للاستئناف كأنه سبحانه يقول من جعلك بحيث تتوصل بهم إلى فيقول : أنت مننت علي بمعرفتهم فأرجو منك أن تختم لي بطاعتهم في الأقوال والأعمال والعقائد وتديم وتتم لي معرفتهم لأبلغ في جميع ذلك إلى درجة الكمال وأكون مستقرا فيها إلى آخر الأحوال ولا أكون مستودعا أزول عنها بشبه الشياطين وأهل الظلال« فإنها السعادة » التي توجب الخلود في النعم الباقية ، فالضمير راجع إلى الطاعة والمعرفة والولاية الكاملة الدائمة المستقرة ، وتعريف الخبر لإفادة الحصر الدال على أن ما سواها من المعرفة والطاعة الناقصة التي في معرض الزوال ليست بسعادة« اختم لي بها » أي بما ذكر من الأمور الثلاثة أو بالسعادة ومالهما واحد وهذا تأكيد للسابق للمبالغة والاهتمام بها وببقائها وثباتها.

« ثم تصلي » في بعض النسخ بصيغة الخطاب وفي بعضها بصيغة الغيبة وعلى الأول فيه التفات ، وعلى ما اخترناه في أول الخبر هذه الجملة معطوفة على قوله « إذا قام » إلى آخره وهي من تتمة كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام وفي الكلام أيضا التفات لأنه في قوة فإذا انصرف قال اللهم اجعلني طلب ذلك لأن المعرفة التامة والمتابعة الكاملة والمحبة الصادقي تقتضي المشاركة في العافية والبلاء والشدة والرخاء« واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب » المثوى محل الإقامة أو مصدر ميمي من قولهم ثوى بالمكان أقام به ، وكذا المنقلب يحتملهما أي في كل مكان أقاموا فيه وكل محل انقلبوا فيه ، أو في كل إقامة وسكون وكل انقلاب وحركة ، وبالجملة طلب أن تكون حركاته وسكناته موافقة لحركتهم وسكونهم ، ولو لا ذلك

٣٣٢

واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم واجعلني معهم في المواطن كلها ولا تفرق بيني وبينهم ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال تقول قبل دخولك في الصلاة ـ اللهم إني أقدم ـ محمدا نبيكصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك في طلبتي فاجعلني بهم وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة وذنبي بهم مغفورا ودعائي بهم مستجابا يا أرحم الراحمين.

٣ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن صفوان الجمال قال شهدت أبا عبد اللهعليه‌السلام واستقبل القبلة قبل التكبير وقال اللهم لا تؤيسني من روحك

_________________________________________

لدخل النقص في المتابعة ووقع الفراق بين المحب والمحبوب في الجملة.

« اللهم اجعل محياي محياهم ومماتي مماتهم » المحيي والممات مفعل من الحياة والموت ، ويقعان على المصدر والزمان والمكان والأول هنا أظهر ، والمعنى اجعل حياتي مثل حياتهم في التعرض للخيرات والأعمال الصالحات ، وموتي مثل موتهم في استحقاق الغفران والرضوان والدرجات والشفاعات ، أو في الشهادة والقتل في سبيل الله ، وقيل المحيي الخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة والممات الخيرات التي تصل إلى الشخص بعد الموت كالتدبير والوصية وغير ذلك مما ينتفع به بعد الموت.

الحديث الثاني : مرسل.

وفي القاموس :الطلبة بكسر اللام ما طلبته.

الحديث الثالث : ضعيف.

« لا توليني من روحك » في القاموس : أيس منه كسمع أياسا قنط وأيسه وآيسة ، وقال الروح بالفتح الراحة والرحمة ، ونسيم الريح ، وقالقنط كنصر و

٣٣٣

ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك فإنه لا يأمن مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ » قلت : جعلت فداك ما سمعت بهذا من أحد قبلك فقال إن من أكبر الكبائر عند الله اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله.

_________________________________________

ضرب وكرم قنوطا بالضم وكفرح قنطا وقناطه وكمنع وحسب وهاتان على الجمع بين اللغتين يئس انتهى.

وأقول : الفقرتان الأوليان قريبتان معنى ومالهما واحد فيمكن أن تكون الثانية مؤكدة للأولى أو يكون المراد بالأولى اليأس من رحماته تعالى في الدنيا عند الشفاء والبلايا ، أو الأعم من الدنيا والآخرة ، وبالثانية اليأس من الجنة ومثوباته الباقية في الآخرة فيكون على الثاني تخصيصا بعد التعميم لمزيد الاهتمام ، أو يكون المراد بالقنوط الدرجة العليا من اليأس ، كما قال في النهاية قد تكرر ذكر القنوط في الحديث وهو أشد اليأس من الشيء يقال : قنط يقنط وقنط يقنط فهو قانط وقنوط والقنوط بالضم المصدر انتهى ، وقد يقال : الروح دفع المكروه والشر والرحمة إعطاء المحبوب والخير ، وقيل : الروح بالفتح الراحة والنسيم الطيبة والرحمة والأولان أولى بالإرادة هنا تحرزا عن التكرار والمراد بهما نسيم الجنة والراحة فيهما والقنوط منهما ومن الرحمة بسبب المعصية وإن كانت عظيمة بعد الإيمان كفر بالله العظيم كما نطق به القرآن الكريم« ولا تؤمني مكرك » كالاستدراج ونحوه مثل أن يسكن قلبه ولا يخاف عقوبته من المعصية ويعتقد أنه مغفور قطعا فإن ذلك تكذيب للوعيد وليس هذا من حسن الظن بالله فإن حسن الظن به أن يعمل ويستغفر ويظن أنه مقبول وقد مر القول فيه سابقا.

٣٣٤

(باب)

(الدعاء في أدبار الصلوات)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عيسى بن عبد الله القمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول إذا فرغ من الزوال ـ اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك وأتقرب إليك ـ بمحمد عبدك ورسولك وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين

_________________________________________

باب الدعاء في أدبار الصلوات

الحديث الأول : حسن كالصحيح وقد روى الشيخ في مجالسه مدحا عظيما في عيسى.

قوله عليه‌السلام « إذا فرغ من الزوال » أقول : تحتمل القريضة والنافلة لكن الشيخ وغيره ذكروهما في تعقيب نوافل الزوال بأدنى تغيير وإطلاق صلاة الزوال على النافلة في عرف الأخبار أكثر ، والجود والكرم متقاربان وفيه سبحانه الجود العطاء من غير طلب مكافأة وجزاء ، والكرم استجماع أنواع الخير والشرف والفضائل ومنها العطاء بغير حساب ، ولعل المعنى أطلب القرب منك بجودك وكرمك لا بعملي وطاعتي ، وفيه اعتراف بالتقصير وتوسل بأفضل الوسائل للتقرب فإن الجود والكرم على الإطلاق يقتضيان إعطاء السائل كل ما سأله مع المصلحة والاستقالة من المتبايعين أن يندم أحدهما عن البيع فيطلب من الآخر أن يندم ويفسخ ، وإقالة العثرة والزلة أيضا كأنه مأخوذ منه كان الله تعالى أخذ العهد من العبد أن يعذبه إذا أذنب فطلب العبد المغفرة كأنه استقالة عن هذه المعاهدة ، وفسخ لها ، وفي المصباح : أقاله الله عثرته إذا رفعه من سقوطه ومنه الإقالة في البيع لأنه رفع العقد ، وقوله « أقلتني عثرتي » كان المعنى لم تعاجلني بعذابك كما قال« وسترت على ذنوبي » ويحتمل أن يكون نوعا من الاستعطاف والمبالغة في الدعاء أي استغفرت لذنوبي

٣٣٥

وبك اللهم أنت الغني عني وبي الفاقة إليك أنت الغني وأنا الفقير إليك أقلتني عثرتي وسترت علي ذنوبي فاقض لي اليوم حاجتي ولا تعذبني بقبيح ما تعلم مني بل عفوك وجودك يسعني قال ثم يخر ساجدا ويقول يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة يا بر يا رحيم أنت أبر بي من أبي وأمي ومن جميع الخلائق

_________________________________________

وأظن أنك غفرت لي ، وفي القاموسالخر السقوط كالخرور أو من علو إلى سفل يخر ويخر والهجوم من مكان لا يعرف.

وأقول : كان المراد هنا الاستعجال والمبادرة في السقوط أو السقوط الكامل بحيث ينبطح على الأرض ، أو سقوط مع صوت وتسبيح ، قال الراغب : معنى خر سقط سقوطا يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ، وقوله عز وجل( خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح وقوله من بعد( وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) (٢) تنبيه على أن ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد الله لا بشيء آخر.

« يا أهل التقوى » أي أهل لأن يتقى من عقوبته ومخالفته لعظمته وجلاله وقدرته وأهل لأن يغفر ذنوب عباده بفضله ورحمته إشارة إلى قوله تعالى( هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ) (٣) وقال في المجمع أي هو أهل أن يتقى محارمه وأهل أن يغفر الذنوب ، وروي مرفوعا عن أنس قال إن رسول الله تلا هذه الآية فقال قال الله سبحانه : إنا أهل إن أتقى فلا يجعل معي إله فمن اتقى أن يجعل معي إلها فإنا أهل أن اغفر له. وقيل : معناه هو أهل أن يتقى عقابه ، وأهل أن يعمل له بما يؤدي إلى مغفرته انتهى ، وقال البيضاوي : أي حقيق بأن يتقى عقابه انتهى ، وقيل : أهل لأن يتقي الذاكرين عن الفساد أو لأن يتقي من مخالفة الذاكرين كما قرأ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (٤) برفع الجلالة ونصب العلماء أو أهل لأن يوفق المتقين

__________________

(١) يوسف : ١٠٠.

(٢) السجدة : ١٠.

(٣) الملك : ١٢.

(٤) فاطر : ٢٨.

٣٣٦

اقبلني بقضاء حاجتي مجابا دعائي مرحوما صوتي قد كشفت أنواع البلايا عني.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الصباح بن سيابة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال إذا صلى المغرب ثلاث مرات : « الحمد لله الذي يَفْعَلُ ما يَشاءُ ولا يفعل ما يشاء غيره » أعطي خيرا كثيرا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه رفعه قال يقول بعد العشاءين ـ اللهم بيدك مقادير الليل والنهار ومقادير الدنيا والآخرة ومقادير الموت والحياة ومقادير الشمس والقمر ومقادير النصر والخذلان

_________________________________________

للتقوى ويغفر للعاصين والكل بعيد لا سيما الوسط ، وفي النهاية في أسماء الله تعالىالبر هو العطوف على عباده ببره ولطفه والبر والبار بمعنى وإنما جاء في اسم الله تعالى البر دون البار والبر بالكسر الإحسان.

الحديث الثاني : مجهول.

وقد مر شرح الدعاء والخير الكثير شامل لخيرات الدنيا والآخرة ، ولا خير أعظم من الإقرار بمضمون هذا الدعاء فإنه مشتمل على الإقرار بكمال ربوبيته سبحانه وتفرده بالتدبير في ملكه وإنه لا يفعل إلا الأصلح بعباده والأوفق بنظام الكل في بلاده ، ويمكن أن يكون المراد به إجابة كل ما سأل بعده كما سيأتي في الخبر التاسع.

الحديث الثالث : مرفوع مضمر ، والمرفوع إليه غير معلوم.

« تقول بعد العشاءين » أقول : ذكر الأكثر هذا الدعاء من تعقيبات المغرب وكأنه كان عندهم بين العشاءين كما في الفقيه ، والتهذيب ، فالأحوط القراءة في الموضعين« بيدك » اليد كناية عن القدرة والحفظ والتدبير والأمر والمقدار مبلغ الشيء المقدر بتقدير معين يعني تقدير الليل والنهار بمقادير مخصوصة مختلفة وتعاقبهما واختلافهما طولا وقصرا وزيادة ونقصانا وظلمة وضياء كلها منوطة بقدرتك و

٣٣٧

ومقادير الغنى والفقر اللهم بارك لي في ديني ودنياي وفي جسدي وأهلي وولدي اللهم ادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس واجعل منقلبي إلى

_________________________________________

تدبرك وحكمتك أو مقادير ما يحدث فيهما أو تقديرات ما يكون فيهما« ومقادير الدنيا والآخرة » فإن عند زوال الدنيا تقبل الآخرة ، أو مقادير الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كل شخص فإنه ورد في الخبر من مات فقد قامت قيامته ، أو مقادير الأمور الكائنة في الدنيا والأمور الكائنة في الآخرة أو تقديراتهما ، وقيل مقادير الأعمال النافعة في الدنيا والنافعة في الآخرة وقيل بانقطاع الأولى وتغير أحوالها ، ودوام الثانية وثبات درجاتها ودركاتها ومقادير أجورها وعقوباتها« ومقادير الموت والحياة » أي مقدار أزمنة موت كل شخص وحياته إذ بزيادة مقدار كل منهما ينقص مقدار الآخر ، أو عدد من يموت في الدنيا في كل يوم وساعة ولحظة ، وعدد من يتعلق به الروح في الأرحام وغيرها في كل آن وزمان ، أو الأحوال المتعلقة بهما أو تقديراتهما.

« ومقادير الشمس والقمر » أي مقادير حركاتهما وأنوارهما وأحوالهما من الطلوع والغروب والخسوف والكسوف والمقابلة والمقارنة والتربيع والتسديس والأوج والحضيض ، والسعادة والنحوسة ، ونسبة كل منهما إلى الآخر ونسبتهما إلى غيرهما وحجب السحب بهما وغير ذلك من أحوالهما ، وإنما خصهما من بين سائر الكواكب لكونهما أظهرهما وأنفعهما وأدلهما على قدرة الحكيم العليم وحكمته« ومقادير النصر والخذلان » من الله بالنسبة إلى المؤمنين والكافرين ، والصالحين والطالحين ، أو الأعم من أن يكون من الله تعالى ومن غيره« ومقادير الغناء والفقر » في الكمية والكيفية وفيه رد على الملاحدة والدهرية والتفويضية الذين ينسبون إيجاد الأشياء وأحوالها إلى الدهر ، أو الطبائع أو الكواكب والذين ينكرون قضاء الله وقدره ، وقيل : على كل من نسب الإيجاب إليه تعالى إذ الموجب لا يصدر عنه أفعال مختلفة متضادة تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

٣٣٨

خير دائم ونعيم لا يزول.

٤ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال من قال بعد كل صلاة وهو آخذ بلحيته بيده اليمنى ـ يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار ثلاث مرات ويده اليسرى مرفوعة وبطنها إلى ما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب

_________________________________________

« اللهم بارك لي في ديني » أي أعطني بركة وزيادة في ديني بمزيد العلم والعمل أو أدم لي ما أعطيتني في ديني من التشريف والكرامة بمتابعة رسولك وأوليائك والأول أظهر ، في النهاية في حديث الصلاة على النبي وبارك على محمد وآل محمد أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة وهو من برك البعير إذا ناخ في موضع فلزمه ، وتطلق البركة أيضا على الزيادة والأصل الأول انتهى.

وأقول : إنما رجح الأول لأنه توهم أن في حقهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يتصور الزيادة لا سيما وعاء الغير ويرد عليه أن ذلك يرد في الإدامة أيضا وقد أجبنا عن هذه الشبهة في باب الصلاة ، والظاهر أن الترجيح نظرا إلى الاشتقاق ، وفي المصباح البركة الزيادة والنماء يقال بارك الله فيه فهو مبارك ، وفي القاموس البركة محركة النماء والزيادة والسوادة وبارك الله لك وفيك وعليك وباركك« والمنقلب » بضم الميم وفتح اللام اسم مكان أو مصدر والأخير هنا أنسب للتعدية بإلى.

الحديث الرابع : مرفوع أيضا مضمر.

« ومن قال » مبتدأ و« غفر له » خبره وتعدية« ارحمني » بمن لتضمين معنى الإبعاد و« بطنها » مبتدأ« وإلى ما يلي السماء » خبره ، وقيل :« ثم يقول » ونظائره عطف علي قال في من قال ، والعدول إلى المضارع للإشعار بأن فعل الصورة الأولى يستلزم فعل سائر الصور ولا ينبغي الاكتفاء بالأول ، ويحتمل أن يكون الجميع عطفا علىقوله « ويده اليسرى مرفوعة » فتكون أحوالا عن فاعل « قال » ويكون المعنى ويرفع يده اليسرىقوله عليه‌السلام « ويجعل بطونهما » هذا من قبيل استعمال الجمع في الاثنين.

٣٣٩

الأليم [ ثلاث مرات ] ثم يؤخر يده عن لحيته ثم يرفع يده ويجعل بطنها مما يلي السماء ثم يقول يا عزيز يا كريم يا رحمان يا رحيم ويقلب يديه ويجعل بطونهما مما يلي السماء ثم يقول أجرني من العذاب [ الأليم ] ثلاث مرات صل على محمد وآل محمد والملائكة والروح غفر له ورضي عنه ووصل بالاستغفار له حتى يموت جميع الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس وقال :

_________________________________________

وأقول : الأظهر ويجعل ظاهرهما مما يلي السماء كما في مصباح الشيخ ، ومكارم الأخلاق وسائر كتب الدعاء ، وعلى ما في هذا الكتاب يحتمل أن يكون المرادبقوله ويجعل بطنها بطن اليمنى فقط بعد رفعها عن اللحية كما هو ظاهر يده وقيل أي ثم يجعل بعد القلب بطونهما إلى السماء« غفر له » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم أي غفر الله وكذاقوله « ورضي عنه » يحتملهما« وصل » أيضا يحتمل الوجهين والحاصل أنه يصل الله تعالى جميع الخلائقبالاستغفار أي يجعلهم دائما مشغولين به من قولهم وصل الشيء بالشيء أي جعله متصلا به ، أو المعنى يصل بين الخلائق أي يجعل بعضهم متصلا ببعض في الاستغفار كناية عن اشتراكهم في ذلك فإذا قرئ على المعلوم فجميع منصوب وإذا قرئ على المجهول فجميع مرفوع وعلى التقادير ضمير يموت راجع إلى من قال ، وقيل : وصل من الصلة بمعنى ـ الإحسان وفاعله جميع الخلائق ، وقيل : إلا في قوله إلا الثقلين للعطف كما قيل في قوله تعالى( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) وهو تخصيص بعد التعميم للاهتمام ، وقيل : المستتر في وصل عائد إلى الله تعالى والمفعول محذوف وجميع الخلائق فاعل الاستغفار والاستثناء من الخلائق يعني وصل الله تعالى مغفرته لذنوبه الثابتة باستغفار جميع الخلائق له بخصوصه فيما بقي من عمره حتى يموت لإفهامهم بحاله إلا الثقلين لعدم معرفتهما له بخصوصه لغرض يتعلق بنظامه أو بنظام

__________________

(١) البقرة : ١٥٠.

٣٤٠

إذا فرغت من تشهدك فارفع يديك وقل ـ اللهم اغفر لي مغفرة عزما جزما لا تغادر ذنبا ولا أرتكب بعدها محرما أبدا وعافني معافاة لا بلوى بعدها أبدا واهدني هدى لا أضل بعده أبدا وانفعني يا رب بما علمتني واجعله لي ولا تجعله علي وارزقني كفافا ورضني به يا رباه وتب علي يا الله يا الله يا الله يا رحمان يا رحمان

_________________________________________

الكل كالعجب وغيره من المفاسد انتهى ، ولا يخفى ما فيها من البعد والركاكة.

وقال البيضاوي :الثقلان الجن والإنس سميا بذلك لثقلهما على الأرض ، أو لرزانة رأيهم وقدرهم ، أو لأنهما مثقلان بالتكليف ،قوله « إذا فرغت من تشهدك » هذا إما مبني على استحباب التسليم ، أو على جزئية التسليم للتشهد حقيقة أو مجازا وكون الدعاء قبل التسليم بعيد« مغفرة عزما » أي حتما مغروما عليها ، والظاهر أنه صفة وقيل تميز وهو بعيد ، وفي القاموس عزم على الأمر يعزم عزما ويضم أراد فعله وقطع عليه أو جد في الأمر وعزم الأمر نفسه عزم عليه وعلى الرجل أقسم.

وأقول : لعل المغفرة المعزومة عليها هي التي لا تكون معلقة بشرط أو صفة أو وقت أو بنوع من الذنب« لا تغادر » على صيغة الخطاب أي أنت أو الغيبة فالضمير للمغفرة ، والمغادرة الترك« وعافني » أي من الأمراض والأعراض ، الجسمانية والروحانية ، والدنيوية والأخروية« بعدها أبدا » أي في الدنيا والآخرة إن كان تأكيد للمغفرة ، وإذا كان تأكيدا بعدم الارتكاب هو في الدنيا والأخير أظهر ، وأبدا في الثاني شامل للدنيا والآخرة« واهدني هدى » قيل طلب للثبوت على الهداية أو الوصول إلى الهداية الخاصة التي هي للأولياء أو الإيصال إلى المطلوب فإنه الذي لا يتصور الضلالة بعده أبدا« وانفعني يا رب بما علمتني » من الأمور الدينية بالعمل به وتعليم غيري وإرشاده.

« واجعله لي ولا تجعله علي » أي اجعل ما علمتني نافعا لي بأن توفقني للعمل به ، ولا تجعله بحيث يضرني بترك العمل به ، فإن العالم بلا عمل محجوج بعلمه والجاهل أقرب إلى المغفرة من العالم ، وقد ورد أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل

٣٤١

يا رحمان يا رحيم يا رحيم يا رحيم ارحمني من النار ذات السعير وابسط علي من سعة رزقك واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك واعصمني من الشيطان الرجيم وأبلغ محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله عني تحية كثيرة وسلاما واهدني بهداك وأغنني بغناك واجعلني من أوليائك المخلصين وصلى الله على محمد وآل محمد آمين قال من قال هذا ـ بعد كل

_________________________________________

أن يغفر للعالم ذنب واحد ، وقال الجوهري :الكفاف من الرزق القوت وهو ما كف عن الناس أي أغنى ، وفي الحديث اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا« ورضني به » على بناء التفعيل ، وفي بعض النسخ ـ وأرضني به ـ على بناء الأفعال« يا رباه » الألف للاستغاثة ، وإلحاق الهاء لإظهار حرف المد لخفائه خصوصا الألف والهاء ساكنة في الوقف وتسقط في الوصل ، وقد تبقى مكسورة أو مضمومة ، وعند بعض مفتوحة أيضا.

قال الشيخ الرضي (رض) في شرح الكافية : إنما ألحقوا هذه الهاء بيانا لحرف المد ولا سيما الألف لخفائها ، فإذا جئت بعدها بهاء ساكنة تبينت وهذه الهاء تحذف وصلا ، وربما تثبت فيه في الشعر إما مكسورة للساكنين أو مضمومة بعد الألف والواو تشبيها بها للضمير الواقعة بعدهما ، وبعضهم يفتحها بعد الألف قبلها ، وإثباتها في الوصل لإجراء الوصل مجرى الوقف قال ـ يا مرحباه بحمار ناجية ـ والكوفيون يثبتونها وقفا ووصلا في الشعر أو في غيره ،« والسعير » النار أو لهبها كما في القاموس والمراد هنا الثاني والوصف للتوضيح لا للتقييد لأن نار جهنم ذات لهب دائما كما في التنزيل ، والتعدية بمن لتضمين الإجارة ونحوها« من سعة رزقك » أي من رزقك الواسع« واهدني لما اختلف فيه من الحق » من للتبعيض ويحتمل البيان ، أي اهدني إلى الحق الذي اختلف فيه من الأصول والفروع فقبله بعض وأنكره بعض ، وقوله « بإذنك » متعلق بالهداية أو بالاختلاف على احتمال لما مر أنه لا يقع شيء في الأرض ولا في السماء إلا بإذنه تعالى ، وقد قدمنا تفسيره.

« واعصمني من الشيطان » البعيد من رحمة الله المرجوم بالأحجار عند إنزاله

٣٤٢

صلاة رد الله عليه روحه في قبره وكان حيا مرزوقا ناعما مسرورا إلى يوم القيامة.

٥ ـ عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال تقول بعد الفجر ـ اللهم لك الحمد حمدا خالدا مع خلودك ولك الحمد حمدا لا منتهى له دون رضاك ولك الحمد حمدا

_________________________________________

من السماء وباللعن من الله والملائكة والناس أجمعين« واهدني بهداك » أي بهداياتك الخاصة والهدى بضم الهاء وفتح الدال القرآن والبيان والدلالة والإرشاد ، يقال : هداه الله تعالى إذا أرشده وبصره طريق معرفته ومعرفة حججه وأوليائه وعرفه ما لا بد منه في وجوده وبقائه وكماله في النشأتين« وأغنني بغناك » أي بغني من عندك حتى لا احتاج إلى غيرك أو بغني النفس لا بالمال« واجعلني من أوليائك المخلصين » بفتح اللام من أخلصه لله إذا جعله خالصا من الرذائل أو متميزا عن غيرهم في السعادة من خلص إذا تميز ، أو سالما من المكاره الأخروية من خلص إذا سلم ونجا ، أو واصلا إلى قربه تعالى من خلص فلان إلى فلان إذا وصل إليه ، أو بكسرها من أخلص لله إذا طلب بعلمه وجه الله تعالى وترك الرياء والسمعة ، أو أخلص نفسه من المهلكات والخبائث كما أخلصت النار الذهب ، أو غيره من الغش« وكان حيا » أي بالحياة التي تكون في البرزخ بالجسد المثاني ـ أو غيره كالشهداء ، لا بهذا البدن وإن احتمل ذلك على بعد في غير المعصومينعليهم‌السلام .

الحديث الخامس : مرفوع أيضا.

« حمدا خالدا » أي لا يكون له نهاية كما أنه لا نهاية لوجوده واستحقاقه للحمد وقيل : يكون ثوابه خالدا« لا منتهى له دون رضاك » أي لا ينتهي حتى ترضى به عني ، والمنتهى مصدر ميمي أو اسم مكان ، وقيل : رضاه عبارة عن الإحسان والإكرام وفيه رجاء لأن يكون ثواب حمده غير متناه لأن عدم نهاية الحمد عند إحسانه وإكرامه بسببه مستلزم لعدم نهايتهما« لا أمد له دون مشيتك » الأمد الغاية وهو يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المعنى دون مشيتك ، أي دون ما تشاء من العباد أن يحمدوك به فهو قريب من الفقرة السابقة.

٣٤٣

لا أمد له دون مشيتك ولك الحمد حمدا لا جزاء لقائله إلا رضاك اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان اللهم لك الحمد كما أنت أهله الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها حتى ينتهي الحمد إلى حيث ما يحب ربي ويرضى وتقول بعد الفجر قبل أن تتكلم ـ الحمد لله ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش وسبحان الله ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش والله أكبر ملء الميزان ومنتهى

_________________________________________

الثاني : أن يكون المعنى دون مشيتك تركه وهو محال فالحمد أبدي.

الثالث : أن يكون المعنى دون مشيتك تركه بارتكاب ما هو أهم منه.

الرابع : ما قيل إن المشية هنا بمعنى التجويز والتكليف ، أي حمدا لا يكون متعلقا بأمر لا يرضى الله بالحمد عليه إلا بقيد كالحمد على الرضا بإمامة أئمة الضلالة.

الخامس : ما قيل فيه طلب لأن يكون الحمد بغير غاية عند تعلق مشيته تعالى بصدوره ، وبالجملة طلب أن يكون تعلق المشية به على هذا الوصف.

السادس : ما قيل أيضا وهو أن يكون المراد عدم الغاية من طرف البداية تفضلا بإرادة المشية الأزلية وإن كان الحمد حادثا كتعلق المشية به.

« لا جزاء لقائله إلا رضاك » قيل طلب لأن يكون الحمد خالصا له عاريا من الرياء والسمعة لأنه الذي يترتب عليه رضاه تعالى ،« اللهم لك الحمد » أي الحمد على الوجه المذكور لك لا لغيرك وفيه إجمال بعد تفصيل وجمع بعد تفريق وهو فن من الصناعات البديعية« وإليك المشتكى » أي الشكاية من الغربة والفرقة ، والوحدة والوحشة ، وغيبة الإمام وغيرها من البلايا الواردة في الدنيا« وأنت المستعان » ، في الأمور والشدائد كلها« كما أنت أهله » قيل فيه إظهار عجز من حمد هو أهله وإنما غاية كمال العبد هي التضرع بأن يجعل حمده شبيها بحمد هو أهله ويثيب به من باب التفضل« الحمد لله بمحامده كلها على نعمائه كلها » حمده إجمالا بجميع ما يحمد به على جميع ما يحمد عليه للإشعار بأن حمده تفصيلا فيهما محال ، وقد قال بعض الأفاضل :

٣٤٤

الرضا وزنة العرش ولا إله إلا الله ملء الميزان ومنتهى الرضا وزنة العرش تعيد ذلك أربع مرات ثم تقول اللهم أسألك مسألة العبد الذليل أن تصلي على

_________________________________________

قد يكون التفصيل في الدعاء في بعض المواضع أبلغ وقعا في النفوس وألذ ، وقد يكون الإجمال والاختصار أبلغ وأنفع فلذلك بين الشرع كلا الطريقين« حتى ينتهي الحمد إلى حيث ما يحب ربي ويرضى » حيث هنا للمقام الأعلى من المحبة والرضا بقرينة المقام« قبل أن تتكلم » أي بغير القرآن والدعاء والذكر أو أحدا من الآدميين والمليء بكسر الميم وسكون اللام مهموز إما يملأ الظرف ونصبه على المفعول المطلق إذ قد يكون غير المصدر نائبا للمصدر نحو ـ كلمته كلاما ـ والعامل الفعل المفهوم من السابق مثل أحمد وأدعو وأسبح وأكبر وأهلل ، ومن طرق العامة ،للميزان كفتان كل كفة طباق السماوات والأرض والحمد لله يملأه فقيل المعنى يملأه لو كانت أجساما ، وقيل المقصود منه تكثير العدة وقيل تكثير أجوره ، وقيل تعظيم شأنه كما مر« ومنتهى الرضا » لكونه في غاية الكمال المترتب عليها نهاية الرضا« وزنة العرش » بكسر الزاي أي ما يوازنه ويعادله تشبيها للمعقول بالمحسوس والظاهر أن المراد بالعرش هنا أعظم الأجسام وإن كانت له معان أخر كما مر وفي بعض النسخ التهليل مقدم على التكبير ، وفي بعضها بالعكس.

« تعيد ذلك » هو من قبيل التأكيد أي تعيد تلك الفقرات مع كل من التحميد والتسبيح والتكبير والتهليل كما قلنا لا أن تكتفي بها مرة واحدة بأن تقول الحمد لله سبحان الله والله أكبر ولا إله إلا الله ملأ الميزان إلخ وليس تأسيسا حتى يفيد إعادة جميع ما ذكر أربع مرات ، ويحتمل ذلك أيضا كما فهمه بعض الأصحاب وبعضهم قالوا يعيدها ثلاث مرات وكأنهم أخذوه من خبر آخر ولعله ما رواه ابن الباقي في اختياره مرسلا عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال من سره أن ينسئ الله تعالى في عمره وينصره على عدوه فليواظب على هذا الدعاء بكرة ثلاثا وعشية ثلاثا وهو هذا الدعاء ( سبحان الله ملء الميزان ومنتهى العلم ومبلغ الرضا وزنة العرش وسعة

٣٤٥

محمد وآل محمد وأن تغفر لنا ذنوبنا وتقضي لنا حوائجنا في الدنيا والآخرة في يسر منك وعافية.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن الفرج قال كتب إلي أبو جعفر ابن الرضاعليه‌السلام بهذا الدعاء وعلمنيه وقال من قال في دبر صلاة الفجر لم يلتمس حاجة إلا تيسرت له وكفاه الله ما أهمه :

_________________________________________

الكرسي ، والحمد لله ملء الميزان إلى آخره وكذلك لا إله إلا الله والله أكبر ، وكذلك وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين ) ولكن بينهما بون بعيد وحوائج الدنيا ما يحتاج إليه في التعيش والبقاء وحوائج الآخرة ما ينفع فيها من الخيرات كلها والإعاذة من النار وعقوباتها ودخول الجنة ورفع درجاتها« في يسر منك وعافية » الظرف متعلق بتقضي أو حال عن ضمير المتكلم ومتك صفة ليسر ويسر مترتب على قضاء حوائج الدنيا وعافية على قضاء حوائج الآخرة أو كل مترتب على كل وهو أفيد فإن حوائج الدنيا قد تحصل بمشقة وقد تكون مقرونا ببلية وسوء عاقبة وكذا حوائج الآخرة ورفع درجاتها قد تكون بعسر ومقاساة بلايا وشدائد في الدنيا وبغير عافية كعذاب البرزخ وشدة سكرات الموت وأهوال القيامة.

الحديث السادس : ضعيف.

« بهذا الدعاء » الباء للتقوية وعلمنيه أي بعد ما لقيته مشافهة علمني معاني الدعاء وكيفية قراءته ،وقال من قال أي من قاله ويحتمل أن يكون التعليم في الكتاب والأول أظهر « وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ » قيل التفويض نوع لطيف من التوكل وهو أن يفعل العبد ما أمره الله به ويكل أموره الدنيوية والأخروية إليه ولا يبالي بما وقع عليه من البلايا ، وفي النهاية في حديث الدعاء فوضت أمري إليك أي رددته يقال فوض إليه الأمر تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه ، إن الله بصير بالعباد عالم بأحوالهم الظاهرة والباطنة ، ومنافعهم ومضارهم فلا يخفى

٣٤٦

بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآله وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

_________________________________________

عليه كرب المكر وبين فيزيله إذا كانت في إزالته مصلحة فوقاه الله سيئات ما مكروا قال في المجمع : أي صرف الله عنه سوء مكرهم فجاء مع موسى حتى عبر البحر معه عن قتادة ، وقيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي وحوله الوحوش صفوفا فخافا ورجعا هاربين انتهى.

وفي الكافي والمحاسن عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنهم سطوا عليه وقتلوه ولكن أتدرون ما وقاه وقاه أن يفتنوه في دينه ، وفي تفسير علي بن إبراهيم عنهعليه‌السلام والله لقد قطعوه إربا إربا ولكن وقاه الله عز وجل أن يفتنوه عن دينه وفي الاحتجاج عنهعليه‌السلام أنه بالتقية رفع شر فرعون عن نفسه ، وقيل الواشين به( لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) فيه إقرار بتوحيده المطلق وتنزيهه عن النقص والعجز واعتراف بالظلم لنفسه المشعر بأن ما لحقه من البلية والغم من أجل عمله وكسبه وهذا الإقرار الدال على كمال العبودية والعجز والانقطاع عن الخلق مقتضى لإزالة البلية والغم كما قال( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ) الضمير الذي النون وغمه ألم التقام الحوت أو غم الخطيئة أي ترك الأولى ، وهي المهاجرة عن قومه بدون إذنه سبحانه وتنجيته بأن أمر الحوت بقذفه إلى الساحل بعد تسع ساعات كما في بعض الروايات أو بعد ثلاثة كما روي عن الباقرعليه‌السلام أو سبعة أيام كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام بسند معتبر وروايات الثلاثة أكثر ، والجمع بينها مشكل ، وكان بعضها محمول على التقية( وكذلك ) أي كما أنجينا يونس (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) المغمومين إذا دعوا الله بهذا الكلام أو مطلقا مخلصين ، والآية في سورة الأنبياء وهي مجربة لدفع الغموم « حَسْبُنَا اللهُ » أي محسبنا وكافينا في قضاء حوائجنا ودفع شر الأعادي عنا « وَنِعْمَ الْوَكِيلُ » لمن وكل إليه أمره والبحث في هذا

٣٤٧

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ما شاءَ اللهُ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ما شاء الله لا ما شاء الناس ما شاء الله وإن كره الناس حسبي الرب من المربوبين حسبي الخالق من المخلوقين حسبي الرازق من المرزوقين حسبي الذي لم يزل حسبي منذ قط حسبي الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُ

_________________________________________

العطف والجواب عنه مشهوران « فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ » أي فرجع المجاهدون عن بدر بعد غزوة أحد متلبسين بنعمة عظيمة ، وعافية وأمن من الأعداء ، وبفضل كثير من الله من التجارة والغنيمة أو الثواب الجزيل « لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ » من الأعداء والآية في سورة آل عمران وهي مأثورة مجربة لدفع شر الأعادي « ما شاءَ اللهُ » أي كان وقد مر« لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » في الأول إقرار بأن كل شيء وجوده وبقاؤه وفناؤه بمشية الله تعالى على المعنى الذي مر في كتاب التوحيد ، وفي الثاني اعتراف بالعجز ، وأن كل ما حصل له من الخيرات أو دفع عنه من المكروهات فهو بحول الله وقوته وأقداره ومعونته وقد ورد في الأخبار أن ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، لكثرة المال والدنيا.

كما روى الصدوق في الخصال عن ابن أبي عمير عن جماعة من مشايخه منهم أبان بن عثمان ، وهشام بن سالم ، ومحمد بن حمران عن الصادقعليه‌السلام قال : عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) (١) وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل( لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٢) فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها ( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وعجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ) (٣)

__________________

(١) آل عمران : ١٧٤.

(٢) الأنبياء : ٨٨.

(٣) غافر : ٤٤.

٣٤٨

الْعَرْشِ الْعَظِيمِ » ـ وقال : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل : « رضيت بالله ربا

_________________________________________

فإني سمعت الله جل وتقدس يقول بعقبها ( فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا ) وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تبارك تعالى( ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ) (١) فإني سمعت الله عز اسمه يقول بعقبها ( إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ ) وعسى موجبة وأقول : ذكر بقية الآيات في هذا الدعاء حسن طلب بمضمونها.

« ما شاء الله » أي كان قطعا لما فيه من المصلحة لا جميع ما شاء الناس إذ قد لا تكون فيه مصلحة« ما شاء الله وإن كره الناس » كالأمراض والبلايا والمصائب والفقر وغيرها وفيه إشارة إلى الرضا بالقضاء ، ودلالة على أن استجابة الدعوات تابعة للمصالح كما حققنا سابقا« من المربوبين » أي عوضهمقوله عليه‌السلام « منذ قط » كان فيه تقدير أي منذ كنت أو خلقت وقط تأكيد أو قط هنا بمعنى الأزل أي من أزل الآزال إلى الآن أو منذ كان الدهر والزمان وقط ، وإن كان غالبا تأكيدا للنفي فقد يأتي لتأكيد الإثبات ، وربما يقرأ بصيغة فعل الماضي أي منذ خلقني وأفرز مودتي عن سائر المواد.

وأقول : على هذا يحتمل أن يكون كناية عن تقدير الأشياء والقطع عليها في الألواح السماوية ، وكان المعنى الثاني أظهر الوجوه.

قال في القاموس : القط القطع وما رأيته ويضم ويخففان ، وقط مشددة مجرورة بمعنى الدهر مخصوص بالماضي أي فيما مضى من الزمان أو فيما انقطع من عمري وإذا كانت بمعنى حسب فقط كعن ، وقط منونا وقطي ، وإذا كان اسم فعل بمعنى يكفي فيزاد نون الوقاية ، ويقال قطني ويقال قطك أي كفاك وقطني أي كفاني ، ومنهم من يقول قط عبد الله درهم فينصبون بها ، وقد تدخل النون فيها وتنصب بها فتقول قطن عبد الله درهم ثم قال وإذا أردت بقط الزمان فمرتفع أبدا غير منون ، وما رأيت مثله قط فإن قللت بقط فاجزمها ما عندك إلا هذا قط ، ثم

__________________

(١) الكهف : ٣٩.

٣٤٩

وبمحمد نبيا وبالإسلام دينا وبالقرآن كتابا وبفلان وفلان أئمة اللهم وليك فلان فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن

_________________________________________

قال : وتختص بالنفي ماضيا والعامة تقول لا أفعله قط لحن ، وفي مواضع من البخاري جاء بعد المثبت منها في الكسوف أطول صلاة صليتها قط ، وفي سنن أبي داود توضأ ثلاثا قط ، وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة قال ، وهي مما خفي على كثير من النحاة وماله إلا عشرة قط يا فتى مخففا مجزوما ومثقلا مجزوما وقال منذ بسيط مبني على الضم ومذ محذوف منه مبني على السكون ويكسر ميمهما ويليهما اسم مجرور أنت هي.

وأقول : يظهر منه أنه يمكن أن يكون هنا قط بالسكون بمعنى حسب ، وقيل المعنىحسبي الله وكفاني عن أول عمري إلى الآن ومنه أتوقع الكفاية فيما بقي انتهى ، وأقول في الفقيه هكذا « حسبي من كان منذ كنت لم يزل حسبي حسبي الله لا إله إلا هو » وفي مفتاح الشيخ : حسبي من كان مذ كنت حسبي فلا تكلف فيهما والأول أوثق وأحسن« رضيت بالله ربا » قولهعليه‌السلام ربا تميز عن النسبة كما حققه الشيخ الرضي (رض) في شرح الكافية في قولهم : كفى زيد رجلا ، قال : تقديره كفى شيء زيد رجلا ، وفي طاب زيد نفسا : طاب شيء زيد نفسا أو علما أو دارا فالذات المقدرة هو شيء المنسوب إليه كفى وطاب فإذا أظهرته صار زيد في كفى زيد رجلا بدلا منه ورجلا تميز لشيء المقدر ، فإن قصدنا أن نرد التميز في هذه الأمثلة كلها إلى أصله حين كان منسوبا إليه الفعل أو شبهه ، ونرد الاسم الذي انتصب عنه التميز إلى مركزه الأصلي ، جعلنا ما انتصب عنه التميز إن كان التميز نفسه بدلا من التميز ، أو عطف بيان له ، فنقول : كفى رجل زيد وطاب أب زيد إلى آخر ما حققه.

واعترض عليه السيد الشريف بأن الظاهر أنك إذا قلت : كفى زيد كان هناك إبهام في أن الكافي في زيد ما هو رجوليته أو علمه أو شهادته ، فإذا قلت : رجلا كان المقصود ، أي كفى رجولية زيد ، وكذا إذا قلت : شهيدا كان المعنى كفى

٣٥٠

تحته وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك وأره ما يحب وما تقر به عينه في نفسه وذريته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوه وأرهم منه

_________________________________________

شهادته وعلى هذا ينبغي أن يضاف هيهنا أيضا شيء إلى زيد فيقال شيء زيد هو رجوليته ، وما ذكره الشارح يدل على أن الإبهام في أن الذات الكافي الذي هو زيد مما ذا فيكون التردد والإبهام في ذات موصوف بالرجولية وذات موصوف بالشهادة إلى غير ذلك فيفسر بذات مع صفة الرجولية أو بذات مع صفة الشهادة ، والحق ما ذكرنا إلى آخر ما قال ، وكذا الكلام في نظائره وفلان وفلان كناية عما مضى من الأئمةعليهم‌السلام وفلان ثالثا كناية عن إمام العصرعليه‌السلام وهو خبر وليك وفي بعض الكتب فلانا فهو عطف بيان ، وقد مر الكلام في ذكر الجهات وسبب تبديل من بعن في الجانبين ، وقيل : عن اسم بتقدير من عن يمينه وحذف من لكراهة اجتماع صورتي حرف الجر ، ولا يخفى ما فيه.

« واجعله القائم » قيل ليس دعاء حقيقة بل خبر في صورة الإنشاء أي رضيت بكونه قائما ، وقيل : المطلب للتأكيد وإظهار انتظار الفرج ، وأقول : في سائر الأئمةعليهم‌السلام يحتمل الدعاء حقيقة أي يسر له أسباب الخروج والغلبة على الأعادي فإنهمعليهم‌السلام لعدم يأس الشيعة وانتظارهم الفرج كانوا يبهمون الأمر عليهم وكانوا يقولون كلنا قائم بأمر الله إذا أمرنا بالخروج « والمنتظر » يحتمل الفتح والكسر « ويقر عينه » على بناء الأفعال وفي بعض النسخ« وتقر به عينه » فيحتمل بناء الأفعال بصيغة الخطاب والمجرد من باب علم وضرب ورفع عينه ، في القاموس قرت عينه تقر بالفتح والكسر قرة وتضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوقة إليه ، وفي النهاية في حديث الاستسقاء لو رآك لقرت عيناه أي تسر بذلك وفرح وحقيقته أبرد الله دمعة عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة وقيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيرك انتهى.

٣٥١

ما يحذرون وأره فيهم ما يحب وتقر به عينه واشف صدورنا وصُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ » قال وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إذا فرغ من صلاته ـ اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وإسرافي على نفسي وما أنت أعلم به مني اللهم

_________________________________________

وأقول ذكر الأطباء أن دمعة السرور باردة لأنها تحصل من انبساط النفس فتنزل ما كانت من الرطوبات في شؤون الرأس فاكتسبت البرودة من الدماغ ، وبكاء الحزن تحصل من بخار حاد يتصاعد من القلب إلى الدماغ فإذا وصلت إلى الدماغ وتأثرت من الدماغ فتنزل قبل أن تكتسب برودة ظاهرة كالتي تتقاطر من سقوف الحمامات ، فهي باقية على حرارتها ، فهذا منشأ تخالف الدمعتين في البرودة والسخونة فما قال الشيخ البهائي (ره) في المفتاح ـ إن العرب تزعم أن دمع الباكي من السرور بارد ودمع الباكي من الحزن حار ـ ليس على ما ينبغي ، والشفاء البرء من المرض وأستعير لشفاء القلوب من الهم والحقد والانتقام من العدوقوله قال « وكان النبي » ظاهره أنه من تتمة رواية محمد بن الفرج ، والقائل الجوادعليه‌السلام وما في الفقيه يحتمل ذلك ، ويحتمل كونه رواية أخرى مرسلة ، ويؤيده أنه روي في مكارم الأخلاق عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من دعا به عقب كل صلاة مكتوبة حفظ في نفسه وداره وماله وولده وهو اللهم اغفر إلى آخر الدعاء.

وأكثر فقرات هذا الدعاء مأثورة في كتب العامة في روايات متفرقة ، روي في المشكاة عن أبي موسى الأشعري عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير ) ثم قال متفق عليه أي مروي في الصحيحين ، ثم روى من صحيح النسائي عن عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمار بن ياسر صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم لقد خففت وأوجزت الصلاة فقال أما على ذلك لقد

٣٥٢

أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت بعلمك الغيب وبقدرتك على الخلق أجمعين ما علمت الحياة خيرا لي فأحيني وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم إني

_________________________________________

دعوت فيها بدعوات سمعتهن من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قام تبعه رجل من القوم هو أبي غير أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغناء وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لا ينقطع وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهديين ).

قوله عليه‌السلام « ما قدمت وما أخرت » يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المعنى ما فعلت قبل ذلك وما أفعله بعد ذلك كما قال تعالى( لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ) (١) .

الثاني : أن يكون المعنى ما فعله في حياته وما يترتب على فعله بعد وفاته كبدعة يعمل بها بعده أو وصية بشر.

الثالث : أن يراد به تقديم ما أخره الله ، أو تأخير ما قدمه الله ، إما زمانا كالصلاة قبل الوقت وفعلها بعد الوقت قضاء أو تركها رأسا ، أو تقديم خلافة ، خلفاء الجور وتأخير خليفة الحق ، أو رتبة كالقول بإمامة المفضول فإنه تقديم لما أخر الله وتأخير لما قدم الله ، أو تقديم البدعة على السنة وعكسه ، وتقديم الجاهل على العالم ، والطالح على الصالح ، والشباب على الشيوخ ، وربما يؤيده قوله أنت المقدم والمؤخر.

__________________

(١) الفتح : ٢.

٣٥٣

أسألك خشيتك في السر والعلانية وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر

_________________________________________

الرابع : أن يكون المراد ما قدم من المعاصي وأخر من الطاعات.

الخامس : أن يكون المراد به التعميم كما هو الشائع في العرف يقال لا أقدم رجل ولا أؤخر إلا عن رضاك وكأنه إشارة إلى قوله تعالى( يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) (١) قال البيضاوي : أي بما قدم من عمل عمله وبما أخر منه لم يعمله ، أو بما قدم من عمل عمله وبما أخر من سنة عمل بها بعده ، أو بما قدم من مال تصدق به وبما أخر فخلفه أو بأول عمله وأخره ، وقال الطبرسي (ره) أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأول عمله وأخره فيجازى به وقيل بما قدم من العمل في حياته وما سنه فعمل به بعد موته من خير أو شر ، وقيل بما قدم من المعاصي وأخر من الطاعات عن ابن عباس ، وقيل بما أخذ وترك ، وقيل بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه ، وقيل ما قدم من ماله لنفسه وما خلفه لورثته بعده انتهى. وقد سبق توجيه نسبة المعصية إلى المعصومينعليهم‌السلام واستغفارهم عنها ، وقيل دعاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك مع علمه أنه مغفور له ومع أنه معصوم من جميع الذنوب على ما هو الحق إشفاق وتعليم للأمة ، وقيل خوف من مكر الله ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، وقيل يحتمل أنه بحسب المقامات يرى مقامه في زمان دون مقامه في زمان آخر فيستغفر من مقامه الأول ، وقيل طلب لأمته إلا أنه نسبها إلى نفسه للإشعار بأن مغفرة ذنوبهم مغفرة له ، أو طلبها لنفسه بناء على أن الكفار كانوا معتقدين أنه مذهب في دعوى الرسالة فجعل رفع ذلك الاعتقاد منهم بمنزلة المغفرة ، أو بناء على أنه عد خلاف الأولى ذنبا« وما أسررت » أي أخفيته عن الخلق وما أضمرته في قلبي أو الأعم منهما« وما أعلنت » مقابلة بكل من المعاني والإسراف التجاوز عن الحد ، وتعديته بعلى لتضمين معنى الجرأة ونحوها أي المبالغة والإصرار على المعاصي ، أو إشارة إلى أن كل خطيئة جرأة عظيمة ومبالغة

__________________

(١) القيامة : ١٣.

٣٥٤

...........................................................................

_________________________________________

في الضرر على النفس.

« اللهم أنت المقدم والمؤخر » على صيغة الفاعل وقد مر في روايات العامة أيضا وقد ذكر فيه وجوه.

الأول : التقديم والتأخير بين المخلوقات في الزمان كآدم إلى خاتم الأنبياء تم إلى خاتم الأوصياء صلوات الله عليهم وكذا في سائر الخلق والمخلوقات.

الثاني : أن يكونا في المكان كالعرش إلى الثرى ترتيب الكواكب والعناصر والمواليد وغيرها.

الثالث : أن يكونا في الرتبة والفضل وقال( وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى ) (١) وقال( أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) (٢) وقال( إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) (٣) وذلك يكون في الدين والدنيا ، وفي الآخرة والأولى ، وفي الأجناس والأنواع ، والأصناف والأشخاص ، كالنبوة والإمامة ، والوصاية والأمة والرعية فهو المقدم للأنبياء على الأوصياء والأمة والأوصياء على سائر الأمة ، فالنبي من قدمه الله وجعله نبيا ، والإمام والوصي من قدمه الله وجعله إماما ووصيا فليس للناس أن يقدموا من أخره الله وجعله رعية أن يجعلوه إماما ووصيا ، كما ليس لهم أن يجعلوه نبيا ، فهو المقدم والمؤخر وليس لهم الخيرة من أمرهم سبحانه وتعالى عما يشركون ، وكذا فضل المؤمن على الكافر ، والعالم على الجاهل ، والصالح على الطالح ، وكذا فضل بعضهم على بعض في الدرجات الدنيوية ، كالغناء والعزة والثروة ، والفقر والذلة ، والملك والرعية والفطنة والبلادة ، والبخل والسخاوة ، كل ذلك بحسب ما يعلم من مصالحهم كما قال تعالى( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ

__________________

(١) طه : ٧٥.

(٢) الأنفال : ٤.

(٣) النساء : ١٤٥.

٣٥٥

...........................................................................

_________________________________________

الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ ) (١) وقال( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ ) (٢) وقال في النبوة والإمامة كما بينا سابقا( وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (٣) ، وقال( اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ) (٤) وقال( وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (٥) وقال( نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) (٦) وقال( فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ) (٧) ومثلها كثير في الآيات ، وكذا في أصناف الإنسان من العرب والعجم ، ولهندي والتركي ، وأهل كل بلدة وغيرها ، وفي أنواع الحيوانات وأصنافها والمعادن والثمار والنباتات فكلا منها فضل بعضا وأخر بعضا بحسب الشرف والمرتبة والمنفعة والخاصية وغيرها.

الرابع : أن يكون المراد بها ما يرجع إلى البداء كتأخير خروج القائمعليه‌السلام ،

__________________

(١) آل عمران : ٢٦.

(٢) الأنعام : ١٦٥.

(٣) الزخرف : ٣١ ـ ٣٣.

(٤) الأنعام : ١٢٤.

(٥) الأحقاف : ١٩.

(٦) الأنعام : ٨٣.

(٧) النساء : ٩٥.

٣٥٦

...........................................................................

_________________________________________

وكتأخير موعد موسىعليه‌السلام : كما قال ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ) وهو أنسب بمقام الدعاء.

والعامة ذكروا فيه وجوها ، قال في النهاية : في أسماء الله تعالى ، المقدم : هو الذي يقدم الأشياء ويضعها في موضعها ، فمن استحق التقديم قدمه ، وقال في أسماء الله تعالى الآخر والمؤخر فالآخر هو الباقي بعد فناء خلقه كل ناطقة وصامتة ، والمؤخر هو الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها وهو ضد المقدم ، وقال الكرماني في شرح البخاري : أنت المقدم ، أي لي في البعث في الآخرة ، والمؤخر أي لي في البعث في الدنيا ، وقال غيره هو أن يوفق بعضا للطاعات ويخذل آخر عن النصرة أو المعز والمذل ، أو الرافع والخافض.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : المقدم المؤخر هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبباتها ، أو بالشرف والقربة كتقديم الأنبياء والصالحين من عباده على من عداهم ، أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية والصاعدات منها على الهابطات ، أو بالزمان كتقديم الأطوار ، والقرون بعضها على بعض.

وقال القرطبي : هذان الاسمان من أسمائه تعالى المزدوجة كالقابض والباسط ، قال العلماء : لا يؤتى بهما إلا كذلك فلا يقال ـ أنت المقدم ـ وحده كما لا يقال ـ أنت القابض ـ وحده. وقال بعضهم : أنت منزل الأشياء منازلها فتقدم من تشاء لطاعتك وتؤخر من تشاء لخذلانك ، وقال بعضهم : أنت المقدم بلا بداية وأنت المؤخر بلا نهاية ، أو أنت المقدم القديم ، وأنت المؤخر الباقي ، أو أنت الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء.

وأقول : كان هؤلاء قرءوا على بناء المفعول وهو خلاف المضبوط في الكتب لا إله إلا أنت فلا مقدم ولا مؤخر غيرك ، فهو تأكيد لما قبله ، أو تفريع عليه

٣٥٧

...........................................................................

_________________________________________

« بعلمك » الباء للقسم أو للسببية والظرف متعلق ـ بأسألك ـ المقدر ، أو بأحيني والغيب مفعول علمك ، وقيل مجرور صفة له وهو بعيد ولا حاجة إلى مفعول ثان كما قيل وما فيقوله « ما علمت » اسمية شرطية زمانية مثل قوله فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم كذا قيل.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : بعلمك الباء للاستعطاف أي أنشدك بحق علمك ، وقوله وأسألك خشيتك عطف على هذا المحذوف واللهم معترضة « خشيتكفي السر والعلانية » قال المحقق الطوسيقدس‌سره في أوصاف الأشراف الخوف والخشية وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلا أن بين خوف الله وخشيته في عرف أرباب القلوب فرقا وهو أن الخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات ، والتقصير في الطاعات ، والخشية تحصل عند الشعور بعظمة الحق وهيبته وخوف الحجب عنه ، والمراد بالخشية في السر والعلانية ، ما أشار إليه الشيخ البهائي (ره) وهو أن يظهر آثارها في الأفعال والصفات ، من كثرة البلاء ودوام التحرق ، وملازمة الطاعات ، وقمع الشهوات حتى يصير جميعها مكروها لديه كما يصير العسل مكروها عند من عرف أن فيه سما قاتلا مثلا ، وإذا احترقت جميع الشهوات بنار الخوف ظهر في القلب الذبول والخشوع والانكسار ، وزال عنه الكبر والحقد والحسد وصار كل همه النظر في خطر العاقبة فلا يتفرغ لغيره ولا يصير له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والاحتراز من تضييع الأنفاس والأوقات ، ومؤاخذة النفس في الخطوات والخطرات ، وأما الخوف الذي لا يترتب عليه شيء من هذه الآثار فلا يستحق أن يطلق عليه اسم الخوف ، وإنما هو حديث نفس ، ولهذا قال بعض العارفين : إذا قيل لك هل تخاف الله ، فاسكت عن الجواب فإنك إذا قلت ـ لا ـ كفرت وإن قلت ـ نعم ـ كذبت« وكلمة الحق في الغضب والرضا » أي لا يصير غضبي على أحد سببا لأن أنكر حقه أو لا أحكم به ولا رضاي عن أحد

٣٥٨

...........................................................................

_________________________________________

سببا لأن أثبت له ما ليس بحق ، وقيل هي من توابع العدل وسلامة النفس من الآفات إذ هما نقيضان مراعاة الحق حال الغضب والرضا وعدم التجاوز عنه إلى الباطل كما هو مقتضى الحمية الجاهلية وقال الطيبي المراد بالخشية في الغيب والشهادة إظهارهما في السر والعلانية ، وكذا معنى الرضا أي في حالة رضا الخلق وغضبهم« والقصد في الفقر والغناء » القصد الاعتدال والمقتصد المعتدل الذي لا يميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط ، والإسراف والتبذير وهو متفاوت في الفقير والغني ، فقصد الفقير تقتير للغني وقصد الغني تبذير للفقير.

قال الراغب : القصد استقامة الطريق ، يقال : قصدت قصده أي نحوت نحوه ومنه الاقتصاد وهو على ضربين.

أحدهما : محمود على الإطلاق ، وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود فإنه بين الإسراف والبخل وكالشجاعة فإنه بين التهور والجبن ونحو ذلك وعلى هذا قوله( وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ) (١) وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ) (٢) .

والثاني : يكنى به عما يتردد بين المحمود والمذموم وهو فيما يقع بين محمود ومذموم كالواقع بين العدل والجور والقريب والبعيد وعلى ذلك قوله( فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ ) (٣) وقوله( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ ) (٤) أي سفرا متوسطا غير متناهي البعد ، وربما فسر بقريب والحقيقة ما ذكرت« وأسألك نعيما لا ينفد » أي الجنة« وقرة عين

__________________

(١) لقمان : ١٩.

(٢) فرقان : ٦٧.

(٣) فاطر : ٣٢.

(٤) التوبة : ٢٢.

٣٥٩

...........................................................................

_________________________________________

لا ينقطع » أي ما يوجب رؤيته سرورا وهو لا ينقطع وهو أيضا في الجنة ، وهما إما من باب التفضل أو التوفيق لما يوجبهما ، ويحتمل أن يكونا في الدنيا أو الأعم بأن يتصل نعيم الآخرة وقرة عين الدنيا بقرة عين الآخرة ، وقال الطيبي : يحتمل أنه طلب نسلا لا ينقطع بعده قال تعالى( هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) (١) أو طلب محافظة الصلوات والإدامة عليها كما ورد وجعل قرة عيني في الصلاة ولا يخفى بعدهما.

« والرضا بالقضاء » فإن قيل : قد تقرر ومر أنه لا يقع شيء خيرا كان أو شرا إلا بقضاء الله تعالى والرضا بقضائه واجب فيلزم منه وجوب الرضا بالكفر والمعاصي وهو قبيح ، وأجاب بعضهم : بأنه إذا عرفت معنى القضاء والرضا به علمت أنه لا نقص فيهما أصلا بل هما عين الحكمة ونفس الكمال وذلك لأنه تعالى إذا علم في الأزل كفر فلان باختياره قضى به ليطابق علمه بالمعلوم فلا نقص فيه ولا في الرضا به بل النقص في عدمهما انتهى.

وأقول : قد مر الكلام فيه في كتابي التوحيد والإيمان والكفر ، وإن للقضاء معان كثيرة ، وكون القضاء بغير معنى العلم أو ما يرجع إليه متعلقا بالكفر والمعصية غير معلوم ، وقد مر في الخبر أن الله تعالى يسأل العبد يوم القيامة عما كلفه ولا يسأله عما قضي عليه ، وقال العلامة (ره) في شرحه على التجريد : القضاء يطلق على الخلق والإتمام قال تعالى( فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) أي خلقهن وأتمهن ، وعلي الحكم والإيجاب كقوله تعالى( وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) (٣) أي أوجبه وألزمه ، وعلى الإعلام والإخبار كقوله( وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ) (٤)

__________________

(١) الفرقان : ٧٤.

(٢) فصّلت : ١٢٢.

(٣) الإسراء : ٢٣.

(٤) الإسراء : ٤.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594