مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34397 / تحميل: 5501
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فإنّ يد الله على الجماعة وإيّاكم والفرقة، فإنّ الشاذّ من النّاس للشّيطان، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب ألا من دعا إلى هذا الشّعار فاقتلوه، ولو كان تحت عمامتي هذه »(١) .

وقالعليه‌السلام في حديث آخر: « من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى الله عزّ وجلّ أجذم »(٢) .

وقال الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام : « من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه »(٣) .

إلى غير ذلك من النصوص الإسلاميّة الداعية إلى رصّ الصفوف، وتعميق الوحدة، وجمع الكلمة، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يمكن أن يتحقّق إلّا بوجود دولة وجهاز يؤلّف بين الآراء ويجمع الكلمة، ويوفّق بين المصالح، ويحافظ على العلاقات، ويعيد الشاذّ إلى رشده والخارج إلى صفّه، إذ لولا ذلك الجهاز( الدولة ) لذهب كلُّ فريق مذهباً، واتّخذت كلُّ جماعة طريقاً، وتمزّق المجتمع أشتاتاً، وعادت الوحدة اختلافاً وتفرقة.

وصفوة القول: أنّ الدولة عامل الوحدة ورمز التآلف، بقدر ما هي طاردة للفرقة، وما نعة عن التخالف.

الثانية: أنّ ملاحظة ذات القوانين الإسلاميّة في مختلف المجالات الحقوقيّة والاجتماعيّة والماليّة تفيد أنّ طبيعتها تقتضي وجود الدولة.

فالإسلام الذي دعا إلى الجهاد والدفاع، ودعا إلى إجراء الحدود والعقوبات على العصاة والمجرمين ودعا إلى انصاف المظلوم، وردع الظالم، وسنّ نظاماً خاصاً وواسعاً للمال.

إنّ الدعوة إلى كلّ هذه الأحكام تدلُّ ـ بدلالة التزاميّة ـ على أنّ الله قد فرض وجود دولةً قويةً تقوم بإجرائها في المجتمع.

إنّ الإسلام ليس مجرد أدعية خاوية أو طقوس ومراسيم فرديّة يقوم بها كلُّ فرد في

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة ١٢٣ طبعة عبده.

(٢) الكافي ١: ٤٠٥ كتاب الحجة.

(٣) الكافي ١: ٤٠٥ كتاب الحجة.

٢١

بيته ومعبده، بل هو نظام سياسيّ وماليّ وحقوقيّ واجتماعيّ واقتصاديّ واسع وشامل، وما ورد في هذه المجالات من قوانين وأحكام تدلُّ بصميم ذاتها على أنّ مشرّعها افترض وجود حاكم يقوم بتنفيذها ورعايتها. لأنّه ليس من المعقول سنُّ مثل هذه القوانين دون وجود قوة مجرية وسلطة تنفيذيّة تتعهد إجراءها وتتولّى تطبيقها، مع العلم بأنّ سنّ القوانين وحده لا يكفي في تنظيم المجتمعات.

ولقد استدلّ السيد المرتضى على لزوم الحكومة ببيان لطيف هذا حاصله: « إنّ بقاء الخلق يتوقّف على اُمور منها الأمر والنهي. قال الله تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ( الأنفال: ٢٤ )، وفسّر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولقوله سبحانه:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ) ( البقرة: ١٧٩ )، فصار الأمر بالمعروف هنا المتمثّل في الاقتصاص من القاتل مبدءاً للحياة.

فإذا كان الأمر والنهي كما توحي هذه الآيات مبدءاً للحياة، وجب أن يكون للناس إمام يقوم بأمرهم ونهيهم، ويقيم فيهم الحدود، ويجاهد فيهم العدو، ويقسّم الغنائم، ويفرض الفرائض ـ أبواب ما فيه صلاحهم ـ ويحذّرهم عمّا فيه مضارّهم ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب بقاء الخلق فوجبا وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع أحد، ولفسد التدبير، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد »(١) .

هذا هو ما تفيده النظرة إلى الأحكام والتشريعات الإسلاميّة التي لم تنزّل إلّا للتنفيذ، ولم تشرّع إلّا للتطبيق.

أمّا النصوص الإسلاميّة المصرّحة بضرورة قيام الدولة ووجودها فهي أكثر من أن تحصى، وقد مرّ في الجزء الأوّل قسم منها ونشير هنا إلى ما لم نشر إليه هناك :

قال الإمام عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام في حديث طويل حول ضرورة وجود

__________________

(١) المحكم والمتشابه للسيد المرتضى: ٥٠.

٢٢

الحكومة في الحياة البشريّة: « إنّا لا نجد فرقةً من الفرق ولا ملّةً من الملل بقوا وعاشوا إلّا بقيّم ورئيس لما لا بدّ لهم منه في أمر الدّين والدُّنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق لما يعلم أنّه لابدّ لهم منه، ولاقوام لهم إلّا به فيقاتلون به عدوّهم ويقسّمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم »(١) .

وقد بلغت أهمية الدولة والحكومة في نظر الإسلام حداً جعلت هي السبب الأساسيُّ في صلاح أو فساد الاُمّة، حيث قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « صنفان من أمّتي إذا صلحا صلحت أمّتي، وإذا فسدا فسدت امّتي ».

قيل: يا رسول الله ومن هم ؟

قال: « الفقهاء والامراء »(٢) .

إنّ ضرورة وجود الدولة والحكومة في الحياة البشريّة الاجتماعيّة بديهيّة جداً عقلاً وشرعاً وتاريخيّاً بحيث لا تحتاج إلى سرد المزيد من الأدلة والاستشهادات ولذلك نكتفي بهذا القدر.

* * *

ولأجل هذه الأهمية التي تحظى بها الحكومة الإسلاميّة يتعيّن على علماء الإسلام أن يبذلوا غاية الجهد في توضيح معالمها ومناهجها وخطوطها وخصائصها في جميع العصور والعهود.

وسوف نذكر أنّ هذه الناحية الحسّاسة من حياتنا الاجتماعيّة قد أهملت في أكثر القرون كتابةً وتحقيقاً ودراسةً.

نماذج من الوظائف الحكوميّة في الأحاديث

لم يكن وجود( الحكومة ) ووظائفها في النظام الإسلاميّ بدعاً يمكن أن يدّعيه

__________________

(١) علل الشرائع: ٢٥٣، الحديث مفصّل وجدير بالمطالعة.

(٢) تحف العقول: ٤٢.

٢٣

أحد بدون دليل في القرآن أو السُّنّة.

فمن يطالع الأحاديث والأخبار الواردة عن النبيّ والأئمّة الطاهرين يجد سلسلةً من الوظائف المخوّلة إلى ( الإمام ) وهو يدلُّ بالدلالة الإلتزاميّة على وجود الحكومة في النظام الإسلاميّ، وأنّ الأئمّة كانوا يعتبرون وجود الإمام والحاكم أمراً مفروضاً ولذلك كانوا يعتبرون هذه الاُمور من وظائف الحاكم.

وبالتالي، أنّ ما يمكن أن يستظهر من خلال الروايات الكثيرة لزوم وجود ( دولة ) تقوم بالأعمال الاجتماعيّة الكثيرة التي لم يكلّف بها في الإسلام مسؤول خاص من عامّة الناس، بل جعل أمر إجرائها والقيام بها على عاتق الإمام ( أو الحاكم ).

وذلك يدل على لزوم وجود جهاز تنفيذيّ يقوم بهذه المسؤوليات والأعمال الاجتماعيّة الحيويّة، ويدلُّ على أنّ الحكومة قد كانت مفروضة الوجود في نظرهم.

واليك نماذج من الأحاديث التي توكل بعض الأعمال إلى ( الإمام ) والحاكم اللّذين يعدّان رمزاً للحكومة. وما ذكرناه في هذه الصحائف قليل من كثير، ولم نأت بالجميع ابتغاءً للإختصار، ويمكن للقارئ الكريم أن يجد أكثر ما ذكرناه إذا تصفّح المجاميع الحديثيّة لا سيّما الأجزاء العشرة الأخيرة من وسائل الشيعة :

* * *

١. يقول الإمام الصادق في الأنفال: « وما أخذ بالسّيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذّي يرى كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر »(١) .

٢. وفي الزكاة لـمّا سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عمّا يعطى المصّدّق ( أي الذي يجبي الصّدقات ) قال: « ما يرى الإمام ولا يقدّر له شيء »(٢) .

٣. وفي تقسيم الزكاة قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « والغارمين يجب على الإمام أن يقضي عنهم ويفكّهم من مال الصدّقات ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦: ١٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ٦: ١٤٤.

٢٤

« وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجّهاد ليس عندهم ما يتقوُّون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجُّون به أو في جميع سبل الخير فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصّدقات حتّى يقووا على الحجّ والجهاد، وابن السبيل أبناء الطريق يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصّدقات »(١) .

٤. وفي احياء الأراضي الميّتة قال الإمام أمير المؤمنين: « من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه »(٢) .

٥. سئل الباقرعليه‌السلام عن المفطر في رمضان بلا عذر مستحلاًّ، فقالعليه‌السلام : « يسأل هل عليك من افطارك إثم ؟ فإن قال: لا، فإنّ على الإمام أن يقتله، وإن قال: نعم فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً »(٣) .

٦. وفي رؤية الهلال قال الإمام الباقرعليه‌السلام : « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشّمس، وإن شهدا بعد زوال الشّمس، أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة ( أي صلاة العيد ) إلى الغد فصلّى بهم »(٤) .

٧. وفي أمر إقامة الحجّ قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لو عطّل النّاس الحجّ لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحجّ إن شاؤوا وإن أبوا فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحجّ »(٥) .

٨. وفي ادارة اُمور الحجّ روي أنّه لـمّا حجّ إسماعيل بن عليّ بالنّاس سنة أربعين ومائة ( أي كان أمير الحجّ ) فسقط أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام عن بغلته فوقف عليه إسماعيل ( أي توقّف ) فقال له الصادقعليه‌السلام : « سر فإنّ الإمام لا يقف »(٦) .

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة ٦: ١٤٥ ـ ٣٨٢.

(٣ و ٤) وسائل الشيعة ٧: ١٧٨ ـ ١٩٩.

(٥ و ٦) وسائل الشيعة ٨: ٨٥ ـ ٢٩٠.

٢٥

٩. ومثله ما روي عن علي بن يقطين قال: رأيت أبا عبد الله ( الصادق )عليه‌السلام وقد حجّ فوقف الموقف فلمّا دفع الناس منصرفين سقط أبو عبد اللهعليه‌السلام عن بغلة كان عليها فعرفه الوالي الذي وقف بالناس تلك السّنة وهي سنة أربعين ومائة فوقف على أبي عبد اللهعليه‌السلام [ أي توقّف لأجله ] فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « لا تقف فإنّ الإمام إذا دفع بالنّاس لم يكن له أن يقف »(١) .

وكان الذي وقف بالناس في تلك السنة اسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس.

١٠. قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في أداء دين الغريم: « ما من غريم ذهب إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلّا برء هذا المعسر من دينه وصار دينه على والي المسلمين فيما يديه من أموال المسلمين »(٢) .

١١. قال الإمام الصادقعليه‌السلام في ذلك أيضاً: « إنّ الإمام يقضي عن المؤمنين الدّيون ما خلا مهور النّساء »(٣) .

١٢. قال الإمام الكاظمعليه‌السلام في ذلك أيضاً: « من طلب هذا الرّزق من حلّه ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فإن غلب عليه فليستدن على الله ورسوله ما يقوت به عياله، فإن مات ولم يقض كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقض كان عليه وزره. إنّ الله تبارك وتعالى يقول:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ـ إلى قوله ـوَالْغَارِمِينَ ) ( التوبة: ٦٠ ) فهو فقير مسكين مغرم »(٤) .

١٣. قال الإمام الرضاعليه‌السلام في ذلك أيضا: « المغرم إذا تديّن أو استدان في حقّ أجّل سنةً فإن اتّسع، وإلاّ قضى عنه الإمام من بيت المال »(٥) .

١٤. قال الإمام عليّعليه‌السلام في مسؤولية الحاكم اتجاه ثقافة الاُمّة: « على الإمام

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨: ٢٩٠.

(٢) مستدرك الوسائل ٢: ٤٩١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥: ٢٢.

(٤) قرب الإسناد: ١٧٩.

(٥) الكافي ١: ٤٠٧ ونقله العيّاشي في تفسيره ١: ١٥٥.

٢٦

أن يعلّم أهل ولايته حدود الإسلام والإيمان »(١) .

١٥. قال الإمام عليّعليه‌السلام من كتاب له إلى قثم بن العبّاس وهو عامله على مكّة: « واجلس لهم العصرين فافت المستفتي، وعلّم الجاهل وذاكر العالم »(٢) .

١٦. قال الإمام علّيعليه‌السلام في مسؤوليّة الحاكم اتجاه أصحاب الفكر والمهن: « يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء والجهّال من الأطبّاء والمفاليس من الأكرياء »(٣) .

١٧. قال الإمام الباقرعليه‌السلام في مسؤولية الحاكم اتّجاه الاسر والعوائل: « من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها، ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما »(٤) .

١٨. قال الإمام الصادقعليه‌السلام في مسؤوليّة الحاكم في أمر المساجين: « على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السّجن »(٥) .

١٩. قال الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً في مسؤوليات الحكام اتّجاه الفسّاق والمنحرفين خلقيّاً: « الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحدّ ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره، لأنّه أمين الله في خلقه وإذا نظر إلى رجل يسرق أن يزبره وينهاه، ويمضي ويدعه ».

قلت: وكيف ذلك ؟

قال: « لأنّ الحقّ إذا كان لله، فالواجب على الإمام إقامته، وإذا كان للنّاس فهو للنّاس »(٦) .

٢٠. في موقف الإمام اتجاه المحارب، قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إذا كانت

__________________

(١) غرر الحكم: ٢١٥.

(٢) نهج البلاغة قسم الكتب الرقم ٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨: ٢٢١.

(٤) وسائل الشيعة ١٥: ٢٢٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٨: ٢٢١ ـ ٢٤٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٨: ٢٢١ ـ ٢٤٤.

٢٧

الحرب قائمةً ولم تضع أوزارها ولم يثخن أهلها فكلُّ أسير أخذ في تلك الحال فإنّ الإمام فيه بالخيار إن شاء وإن »(١) .

٢١. وفي أمر القصاص قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « إذا اجتمعت العدّة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيُّهم شاؤوا »(٢) .

٢٢. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام : « من قتله القصاص بأمر الإمام فلا ديّة له في قتل ولا جراحة »(٣) .

٢٣. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام في رجل قتل مجنوناً كان يقصد قتل الرجل: « أرى أن لا يقتل به ولا يغرّم ديّته وتكون ديّته على الإمام ولا يبطل دمه »(٤) .

٢٤. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام حول أعمى فقأ عين صحيح: « إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا فيه الديّة في ماله، فإن لم يكن له مال فالدّية على الإمام ولا يبطل حقُّ امرئ مسلم »(٥) .

٢٥. وقال الإمام الباقرعليه‌السلام في رجل جرح رجلاً في أوّل النهار وجرح آخر في آخر النّهار: « هو بينهما ما لم يحكم الوالي في المجروح الأوّل الخ »(٦) .

٢٦. وقال في حكم من قتل وعليه دين وليس له مال: « إن قتل عمداً قتل قاتله وأدّى عنه الإمام الدّين من سهم الغارمين »(٧) .

٢٧. وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في الرجل يقتل وليس له وليّ إلّا الإمام: « إنّه ليس للإمام أن يعفو، له أن يقتل أو يأخذ الديّة »(٨) .

٢٨. وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قتيل في زحام ونحوه لا يدرى من قتله: « إن كان عرف له أولياء يطلبون ديّته أعطوا ديّته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام »(٩) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١: ٥٣.

(٢ ـ ٩) وسائل الشيعة ١٩: ٣١ ـ ٤٧ ـ ٥٢ ـ ٦٥ ـ ٧٧ ـ ٩٢ ـ ٩٣ ـ ١٠٩.

٢٨

٢٩. وقال الإمام عليعليه‌السلام فيمن لم يكن له من يحلف معه ولم يوثق به على ما ذهب من بصره وأبى أن يحلف: « الوالي يستعين في ذلك بالسّؤال والنّظر والتثبُّت في القصاص والحدود والقود »(١) .

٣٠. وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في ميّت قطع رأسه قال: « عليه الديّة »، فقيل فمن يأخذ ديّته ؟ قال: « الإمام هذا لله »(٢) .

٣١. وقالعليه‌السلام في القاتل عمداً إذا هرب: « إن كان له مال أخذت الديّة من ماله وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم ».

وفي رواية اخرى: « ثمّ للوالي بعد أدبه وحبسه »(٣) .

٣٢. وقال الصادقعليه‌السلام في من قتل خطأً إذا مات قبل دفع الديّة وليس له عاقلة: « إن لم يكن له عاقلة ؛ فعلى الوالي من بيت المال »(٤) .

هذا والملحوظ ؛ أنّ بعض الروايات وإن كان ظاهراً في الإمام المعصوم إلّا أنّ كثيراً من هذه الروايات ظاهر في مطلق القائم بالإعمال المذكورة سواء أكان معصوماً أم غير معصوم، وهو يعني مطلق الحاكم الإسلاميّ.

ويدلُّ على ذلك رواية ٨ و ٩ حيث يسمّي فيهما الإمام الصادقعليه‌السلام أمير الحاجّ والوالي بالإمام ممّا يدلّ على أنّ لفظ الإمام الموجود في هذه الرواية وأشباهها يراد به مطلق الحاكم الإسلاميّ ووليّ أمر المسلمين وليس الإمام المعصوم المصطلح في علم الكلام.

ويؤيّد هذا الاتّجاه ما قاله صاحب وسائل الشيعة في تعليقه على إحدى الروايات المشتملة على لفظ الإمام كالروايات المذكورة هنا: « الإمام العدل أعمُّ من المعصوم »(٥) .

وصفوة القول، أنّ الناظر في هذه الروايات يجد أنّ هناك أحكاماً اجتماعيّةً

__________________

(١ ـ ٥) وسائل الشيعة ١٩: ٢٢٠ ـ ٢٤٨ ـ ٣٠٣ ـ ٣٠٤ ـ ٤٠٢.

٢٩

اقتصاديّةً أخلاقيّةً وغيرها، جعلها الإسلام على عاتق الإمام أو الوالي أو من شابههما وذلك يفيد أنّ ماهيّة هذه الأحكام ماهيّة خاصّة يتوقّف تحقيقها في الخارج على وجود سلطة وجهاز يجريها في المجتمع، وقد عبّر في هذه الروايات ـ عن تلك السلطة والجهاز ـ بالإمام والوالي أو السلطان أي صاحب السلطة، وذلك يدلُّ ـ بالدلالة الإلتزاميّة ـ على أنّ هذه أحكام سلطانيّة، وواجبات حكوميّة لا تنفكُّ عن وجود السلطة والدولة وقد فرضها الأئمّة: مسلّمة الوجود في الواقع الخارجي.

وإنمّا أدرجنا لك نموذجاً من هذه الأحاديث لإثبات أمر واحد هو، أنّ الحكومة الإسلاميّة أمر مسلّم الوجود وإيجادها فريضة يتوقّف عليها الكثير من الأحكام الدينيّة، ومع ذلك كيف يسمح البعض لأنفسهم أن يقولوا: إنّ الإسلام يمكن أن يطبّق في المجتمع دون حاجة إلى حكومة قويّة، وسلطة سياسيّة قادرة.

قال الإمام الخميني قائد الثورة الإسلاميّة في محاضراته عن الحكومة الإسلاميّة: « والحقُّ أنّ القوانين والأنظمة الاجتماعيّة بحاجة إلى منفّذ. في كلّ دول العالم لا ينفع التشريع وحده، ولا يضمن سعادة البشر، بل ينبغي أن تعقب سلطة التشريع سلطة التنفيذ فهي وحدها التي تنيل الناس ثمرات التشريع العادل.

لهذا قرّر الإسلام إيجاد سلطة التنفيذ إلى جانب سلطة التشريع فجعل للأمر وليّاً للتنفيذ إلى جانب تصدّيه للتعليم والنشر والبيان »(١) .

وصفوة القول، أنّ ضرورة وجود الحكومة في الحياة الاجتماعيّة ممّا دلّ عليه العقل والكتاب والسُّنّة وسيرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة بما لا يقبل جدلاً، ولذلك نكتفي بما سردناه لك وفيه كفاية.

__________________

(١) الحكومة الإسلاميّة للإمام الخمينيّ: ٢٤.

٣٠

٢

لماذا يرفض البعض وجود الحكومة ؟

« إنّ المنكرين لضرورة وجود الدولة في الحياة الاجتماعيّة على طائفتين :

الاولى: من يقول بعدمها، ويعلّل ذلك بفلسفة ونظرية معتبرة عنده وهم ماركس وأتباعه.

الثانية: من ينكر ذلك لمجرّد عوامل نفسيّة وهم على فرق ثلاث ».

رغم أنّ ضرورة قيام الدولة وايجادها لم تكن موضع ترديد وشكّ ـ كما أثبتت البحوث المتقدّمة ـ لما فيها من ضمان لسعادة الحياة الانسانيّة وتقدم الحضارة وديمومتها واستقامتها، فإنّ هناك شرذمةً قليلةً من الناس تستوحش من قيام الدولة وتتوجّس خيفةً من وجودها وتنفي ضرورتها وربّما يصبُّ بعضهم هذا المذهب الباطل في قالب منطقيّ فيقول: إنّ وجود الحكومة ضرورة ملحّة للبشر لفترة خاصة من الزمان فقط، وليس دائماً.

وينقسم أصحاب هذا الرأي إلى طوائف أربع :

الطائفة الاُولى: هم ماركس ومؤيّدوه، فهم يعتقدون بضرورة وجود الدولة مادام المجتمع البشريّ يعاني من « الصراع الطبقي » ولكنّه بعد استقرار الشيوعيّة وزوال جميع

٣١

الفوارق والمشكلات الاقتصاديّة تنتفي الحاجة إلى الدولة.

وقد مضت الإجابة الكاملة على هذه النظرية الخاطئة في الجزء الأوّل من كتابنا.

فهناك قلنا: بأنّ الدوافع الحقيقية إلى وجود الدولة لا تنحصر في المسائل الماديّة، والمشاكل الاقتصاديّة، ليزول الاختلاف والتصارع بمجرّد محو الفوارق الطبقيّة، وزوال الصراع الطبقي وتنتفي الحاجة إلى الدولة. بل هناك دوافع أخلاقيّة وغرائزيّة إلى جانب المسائل الاقتصاديّة ـ سبق شرحها ـ(١) ولأجلها لامناص للمجتمع ـ كيفما كان ـ من تأسيس الدولة وإقامتها.

الطائفة الثانية: هم أصحاب السوابق السوداء الذين تضمن الأوضاع الفوضويّة وغياب السلطة الحكومية مصالحهم الخاصّة، ويخشون طائلة الحساب والعقاب والملاحقة والمؤاخذة، ولذلك نجدهم يعارضون وجود الدولة ليتسنّى لهم المضيُّ في ما يريدون دون محاسب أو رقيب، ودون شيء يعرّض مصالحهم للخطر، ويسدّ عليهم طريق النهب والسلب !!

الطائفة الثالثة: وهم الذين لم يعهدوا من الحكومات إلّا العنف والجور والاستبداد وخدمة الأقوياء، وسحق المستضعفين وهضم حقوقهم، وامتصاص دمائهم، ونهب خيراتهم وهدر كرامتهم. فهم بمجرد سماع لاسم الدولة يتذكرون فوراً تلك الحكومات الجائرة وسجونها المخيفة، وتعذيبها الوحشيّ الذي كان ينتظر أي معارض أو معترض ولذلك فهم ينفرون من سماعهم اسم الدولة، ويخشون من قيامها أشدّ خشيةً لما يلازمها من صور الاستبداد والعنف والظلم !!

غير أنّ هذا الفريق لو تسنّى له أن يقف على صيغة ( الحكومة الإسلاميّة ) بخصائصها المطلوبة منها، وما تتّسم به من إنسانيّة ورحمة وعدل، لما اتخذ هذا الموقف السلبيّ من الحكومة التي يدعو الإسلام إلى انشائها وايجادها. بل لاستقبلها برحابة صدر، ولسعى إلى إيجادها وإقامتها سعياً.

__________________

(١) راجع الجزء الاول من كتابنا: ٥٧٢.

٣٢

الطائفة الرابعة: هم الذين يبتغون الحرّيات الفرديّة مطلقةً لا تحدُّها حدود، أو يتصورون أنّ قيام الدولة والحريّة الفرديّة أمران متناقضان لا يجتمعان فالدولة تزاحم هذه الحريات وتحدّها على الإطلاق.

والحقُّ أنّ هذا الفريق لم يفرّق بين الحرية اللائقة بالإنسان، اللازمة له، والحريّة السائدة في عالم الغاب.

فالحريّة السائدة في الغاب، تعني عدم التقيّد بأيّة سنّة معقولة، وأي قانون يحفظ الحقوق وأيّ حدود تحفظ الكرامات فهناك تفعل الحيوانات والوحوش ما تشاء، بمجرّد أن تكون ذات قوّة غالبة، وشهوة عارمة ومخالب أشدّ فتكاً وبأساً.

وأمّا الحرية اللائقة بالانسان الجديرة بشأنه ومكانته، فهي التي تكون ضمن قوانين وسنن وحدود وموازين معقولة تضمن نموّ القوى البشريّة، وتكامل المواهب الإنسانيّة وسيرها في الاتجاه الصحيح، وبلوغها إلى كمالها الممكن، ولا يتأتّى ذلك إلا في إطار حريّة معقولة محسوبة.

وبعبارة اخرى: أنّ الحريّة الصحيحة اللائقة بالإنسان إنّما هي توفير الفرص المناسبة لنموّ الاستعدادات والقابليّات الانسانيّة في الفرد والمجتمع، لانتقالها من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعليّة، وبالتالي رشدها وبلوغها إلى درجة الكمال الممكن.

وحيث إنّ هذا النمو والبلوغ لا يمكن أن يتمّ في جو من الفوضى، بل لابدّ من شروط وحدود، تكون القوانين والسنن الصالحة هي تلك الشروط التي تضمن ذلك البلوغ، لا أن تقيّده وتمنع من تحقُّقه كما يتوهّم.

وحول الحريّة المعقولة الصحيحة يقول الإمام الصادقعليه‌السلام لإسماعيل البصريّ: « تقعدون في المكان فتحدّثون وتقولون ما شئتم، وتتبرّؤون ممّن شئتم، وتولّون من شئتم ؟ ».

قال إسماعيل: نعم.

٣٣

قال الإمامعليه‌السلام : « وهل العيش إلا هكذا »(١) .

إنّ الحريّة الصحيحة في نظر الإمامعليه‌السلام هو أن يستطيع الإنسان أن يختار عقيدته وولاءه بنفسه بعد أن يتبيّن له الرشد من الغيّ، ليستطيع في ظلّ الاختيار الإراديّ الصحيح، أن يسير في طريق التكامل الإنسانيّ المطلوب.

إنّ الحكومة النابعة من إرادة الشعب فضلاً عن الحكومة التي يدعو إليها الإسلام، لا تهدف إلّا حراسة مثل هذه « الحريّة المعقولة » التي تساعد المواهب والقابليات على التفتُّح والنموّ والتكامل، فلا مخالفة ولا منع ولا تحديد.

هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم في نظام الحكم الإسلاميّ بما أنّه من جانب الله سبحانه، لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله به أو نهى عنه، وهو تعالى لا ينهي عن شيء ولا يأمر إلّا بما فيه كمال الإنسان وارتقاؤه وتفتُّح مواهبه ونموّها، ودفع قابلياته واستعداداته إلى مرحلة الفعليّة والتحقّق، والنضج.

وإليك شطراً من النصوص الإسلاميّة التي ترسم لنا بعض ملامح الحكومة التي ينشد الإسلام إيجادها وإقامتها، آخذين هذه النصوص من القرآن الكريم والأحاديث الإسلاميّة الصحيحة.

ملامح الحكومة الإسلاميّة حسب النصوص :

إنّ الحاكم الإسلاميّ ـ في منطق القرآن وحسب تشريعه ـ ليس مجرّد من يأخذ بزمام الجماعة كيفما كان، ويأمر وينهى بما تشتهيه نفسه، ويحكم على الناس لمجرّد السلطة وشهوة الحكم، بل هو ذو مسؤوليّة كبيرة وثقيلة أشار إليها القرآن الكريم بقوله :

( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج: ٤١ ).

__________________

(١) الكافي ٨: ٢٢٩.

٣٤

فالمسؤوليّات الملقاة على عاتق الحاكم في الإسلام عبارة عن :

١. إقامة الصلاة، وتوثيق عرى المجتمع الإسلاميّ بربّه الذي فيه كلّ الخير.

٢. إيتاء الزكاة الذي فيه تنظيم اقتصاده ومعاشه.

٣. الأمر بالمعروف، وإشاعة الخير والصلاح في المجتمع.

٤. النهي عن المنكر، ومكافحة كلّ ألوان الفساد والانحراف، والظلم والزور.

ومن المعلوم، أنّ حكومةً كهذه، توفّر للاّئقين والصالحين وذوي القابليات والمواهب فرصاً مناسبةً لإبراز مواهبهم، وتهيّئ الظروف المساعدة لتنمية استعداداتهم العلميّة والفكريّة، في جميع المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وتدفعها في طريق التقدُّم والازدهار.

فإذا كانت هذه الحكومة التي ينشدها الإسلام ويدعو النّاس كافّة إلى إقامتها فأيُّ شيء يبرّر الخوف والاستيحاش منها ؟ ولماذا يخشى البعض من إقامتها وهي أجدر الحكومات بإسعاد الشعوب، وإصلاح أمرها، وضمان مصالحها، وحماية حقوقها وكرامتها على أحسن وجه ؟

وسيوافيك بعض الآيات الاخرى في المباحث الآتية.

وأمّا ما يصور لنا ملامح الحكومة الإسلاميّة من الأخبار والأحاديث، فقول الرسول الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال :

ورع يحجزه عن معاصي الله.

وحلم يملك به غضبه

وحسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرّحيم »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في ردّ من قال: بئس الشّيء الإمارة، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « نعم الشّيء الإمارة لمن أخذها بحلّها وحقّها، وبئس الشّيء الامارة لمن أخذها بغير حقّها وحلّها تكون عليه

__________________

(١) الكافي ١: ٤٠٧.

٣٥

يوم القيامة حسرةً وندامةً »(١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب من سأله عن الإمارة، فقال: « إنّها أمانة وإنّها يوم القيامة حسرةً وندامةً، إلّا من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها »(٢) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعمل الإمام العادل في رعيّته يوماً واحداً أفضل من عبادة العابد في أهله مائة عام »(٣) .

ولمّا دخل « سعد » على « سلمان » عندما كان حاكماً في المدائن، يعوده في مرضه، قال له سعد: « اعهد علينا أبا عبد الله عهداً نأخد به ».

فقال: « اذكر الله عند همّك إذا هممت، وعند يدك إذا قسمت، وعند حكمك إذا حكمت »(٤) .

وهذه صورة عن التربية الإسلامية التي ربّى بها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه وأتباعه. فهو ربّاهم على، أن يذكروا الله عند العزم على كلّ شيء، وعند القسمة، والحكم.

ثمّ هاهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتحدّث عن مسؤولية الحاكم، اتّجاه الاُمّة الإسلاميّة التي يأخذ بزمام حكمها فيقول: « كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته.

فالأمير الذي على النّاس، راع عليهم وهو مسؤول عنهم.

والرّجل، راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم.

وامرأة الرّجل، راعية على بيت زوجها، وولدها وهي مسؤولة عنهم

ألا فكلّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيّته »(٥) .

كما يمكن أن تستجلى ملامح الحكومة الإسلاميّة وصفات الحاكم الإسلاميّ من قول الإمام عليّعليه‌السلام الذي يرسم لنا ما على الحاكم الإسلاميّ، اتّجاه الشعب، وما

__________________

(١) كتاب الأموال للحافظ أبي عبيد سلام بن القاسم المتوفّى عام ٢٢٥ ه‍: ١٠.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الأموال: ١٠ ـ ١٣ ـ ١٣ ـ ١.

٣٦

على الشعب، اتّجاه الحاكم إذ يقول ـ في وضوح كامل ـ :

« وأعظم ما افترض الله من تلك الحقوق، حقُّ الوالي على الرّعيّة وحقُّ الرّعيّة على الوالي، فريضةً فرض الله سبحانه، لكلّ على كلّ، فجعلها نظاماً لالفتهم، وعزاً لدينهم، فليست تصلح الرّعيّة إلا بصلاح الولاة، ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرّعيّة.

فإذا أدّت الرّعيّة إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقّها عزّ الحقُّ بينهم، وقامت مناهج الدّين، واعتدلت معالم العدل وجرت على أذلالها السُّنن، فصلح بذلك الزّمان، وطمع في بقاء الدّولة ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرّعيّة واليها أو أجحف الوالي برعيّته اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدّين، وتركت محاجُّ السُّنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطّل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تذلُّ الأبرار، وتعزُّ الأشرار، وتعظّم تبعات الله عند العباد »(١) .

ثمّ إنّ الإمام عليّاًعليه‌السلام يصرّح في هذه الخطبة ذاتها بالحقوق المشتركة والمسؤوليات المتقابلة إذ يقول: « أمّا بعد، فقد جعل الله لي عليكم حقّاً بولاية أمركم، ولكم عليّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم ».

ثمّ يشير الإمامعليه‌السلام في هذه الخطبة إلى واحدة من أنصع القوانين الإسلاميّة، وهو قانون التسوية بين جميع أفراد الاُمّة الإسلاميّة حكّاماً ومحكومين، رؤوساء ومرؤوسين، وزراء ومستوزرين، وبذلك ينسف فكرة: أنا القانون، أو أنا فوق القانون، فيقولعليه‌السلام : « الحقُّ لا يجري لأحد إلّا جرى عليه، ولا يجري عليه إلّا جرى له ».

وعلى هذا، فلا تمييز ولا تفرقة بين الحاكم والمحكوم بل الجميع أمام القوانين الإسلاميّة المدنيّة والجزائيّة وغيرها سواء، وعلى الحاكم والرئيس أن يؤدّي حقوق الناس كأيّ فرد من أفراد الاُمّة العاديين، وبذلك يدعم الإمام ما روي عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ يقول: « النّاس أمام الحقّ سواء ».

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٢١١، طبعة عبده.

٣٧

وهوعليه‌السلام في موضع آخر يلخّص هدف الحكم الإسلاميّ في كلمتين لا أكثر، يقول ابن عبّاس: دخلت خيمة عليّعليه‌السلام بذي قار، فوجدته يخصف نعله، فقال لي: « ما قيمة هذه النعل » ؟

فقلت: لا قيمة لها.

فقال: « والله لهي أحبُّ إليّ من إمرتكم إلّا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً »(١) .

ثمّ ها هوعليه‌السلام يوصي أحد ولاته بقوله: « وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدّين أو نظير لك في الخلق »(٢) .

فإذن ليست الحكومة في ظلّ الإسلام إلّا الرحمة والمحبّة واللطف التي يجب أن تعمّ كلّ المواطنين، لا السبعيّة والغلظة التي تتّصف بها الحكومات غير الإسلاميّة.

كما يمكن أن نعرف طبيعة الدولة الإسلاميّة من كلام الإمام الشهيد الحسين بن عليّعليه‌السلام إذ يقول: « أللّهمّ، إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك »(٣) .

إنّ المتخوّفين من قيام الدولة مطلقاً أو من قيام الحكومة الإسلاميّة خاصّةً، إمّا أنّهم يجهلون أهداف الحكومة الإسلاميّة، وإمّا أنّهم من ذوي السوابق السوداء والمطامع الرخيصة، فيرعبهم قيام الحكومة الإسلاميّة العادلة خيفةً من الفضيحة، أو خشيةً من العقاب.

إنّ الدولة الإسلامية لا تشمل المواطنين المسلمين فقط، بعدلها ورحمتها ولطفها، بل تشمل من سواهم من أهل الملل الاخرى كاليهود والنصارى وغيرهم، بذلك حتّى

__________________

(١) نهج البلاغة: الخطبة ٣٢.

(٢) نهج البلاغة: الرسالة ٥٣ لمالك الأشتر واليه على مصر.

(٣) تحف العقول: ١٧٢، طبعة بيروت.

٣٨

أنّهم يجدون في ظلّها من كرامة العيش، وشرف الحياة ما لا يجدون نظيره في ظّل الدول المتديّنة بدينهم، والمنتحلة لعقائدهم، والتاريخ الإسلاميّ المدوّن أفضل دليل على ذلك.

ففي التاريخ الإسلاميّ نرى، كيف كان يرجّح النصارى واليهود الحياة في ظلّ الدولة الإسلاميّة ورعايتها على الحياة في ظلّ السلطات والدول التي كانوا يعيشون فيها، وكيف أنّهم كانوا يفتحون صدورهم للفتوحات الإسلاميّة، ويقبلون بسيادة المسلمين لأنّهم كانوا يجدون في كنفهم دفء الرحمة وحرارة الإيمان وبرد الإحسان.

ولأجل ذلك، فإنّ أوّل خطوة خطاها رسول الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد استقراره في يثرب ـ المدينة ـ وبعد تشكيل أوّل حكومة إسلاميّة هو عقد وثيقة تعايش بين المسلمين وغيرهم وقّعها النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمون وأهل المدينة من اليهود وغيرهم، تحدّد العلاقات الإنسانيّة، والحقوق المتقابلة بين المسلمين وغيرهم، وهي بذلك تعتبر قانوناً أساسياً للدولة الإسلاميّة، بل تمثّل وثيقةً عالميّةً خالدةً لحقوق الإنسان.

وإليك مقتطفات مهمّة من هذه الوثيقة: « بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا كتاب من محمّد النبيّ [ رسول الله ] بين المؤمنين والمسلمين من قريش و [ أهل ] يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنّهم أمّة واحدة من دون النّاس ».

ثمّ بعد أن ذكر النبيّ القبائل الإسلاميّة وما يقع عليها من مسؤوليّة حفظ الأمن ومساعدة الضعيف وإجراء العدل والقسط، ذكر اُموراً ترتبط بعامة المسلمين فكتبصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « وأن لايخالف مؤمن مولى مؤمن دونه [ أي لا ينقض عهداً عهده مع غيره ] وإنّ المؤمنين المتّقين أيديهم على كلّ من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم، أو إثماً، أو عدواناً أو فساداً بين المؤمنين، وإنّ أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم

وإنّه من تبعنا من يهود فإنّ له النّصر والاسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.

وإنّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم

٣٩

وأنفسهم، إلّا من ظلم وأثم فإنّه لا يوتغ إلّا نفسه وأهل بيته.

وإنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإنّ بينهم النّصر على من حارب أهل هذه الصّحيفة وإنّ بينهم النُّصح والنّصيحة والبرّ دون الإثم »(١) .

وخلاصة هذا الكتاب ـ الميثاق ـ هي :

١. جعل المسلمين أمّة واحدةً على اختلاف شعوبهم وقبائلهم.

٢. إقرار المهاجرين من قريش على عاداتهم وسننهم في أحكام الديات والدماء، وقد نسخ ذلك فيما بعد بفرض الحدود والديات على أسلوب خاص.

٣. مسؤولية المهاجرين عن فداء أسيرهم وتخليصه من أيدي المشركين.

٤. المسؤوليّة الشاملة لجميع الطوائف والقبائل بأن تفدي أسيرها بالقسط والمعروف.

٥. إقرار القبائل التي وردت أسماؤها في الصحيفة على عاداتهم، وإنّ كلّ طائفة منهم مسؤولة عن فداء عانيها.

٦. قيام المؤمنين بإعانة المثقل منهم بالديون من أجل الفداء.

٧. إنكار البغي والظلم وشجبه في جميع المجالات ومناهضة القائم به وإن كان ولداً لأحدهم فإنّهم مسؤولون عنه جميعاً لو أخلّوا به.

٨. عدم قود المؤمن بالكافر لو قتله، فتؤخذ منه الديّة لا غير.

٩. منح أدنى المسلمين أن يجير أي شخص شاء.

١٠. عدم السماح للمشركين بأن يجيروا مالاً أو دماً للمشركين من قريش.

١١. إنّ القاتل للمؤمن من غير سبب يقاد به إلّا أن يرضي أولياء المقتول بالديّة فتؤخذ منه.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ١: ٥٠١، الأموال: ٥١٧ طبعة مصر، البداية والنهاية ٣: ٢٢٤ ـ ٢٢٦.

٤٠

(باب)

(الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال)

(والاستعاذة والمسألة)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ،

_________________________________________

باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والاستعاذة والمسألة

قال في النهاية : في حديث الدعاء رغبة ورهبة إليك ، يقال : رغب يرغب رغبة إذا حرص على الشيء وطمع فيه ، والرغبة السؤال والطلب ، والرهبة الخوف والفزع أعمل لفظ الرغبة وحدها ولو أعملها معا قال رغبة إليك ورهبة منك ، ولكن لما جمعهما في النظم حمل أحدهما على الآخر ، وقال : التضرع التذلل والمبالغة في السؤال : والرغبة ، يقال : ضرع يضرع بالكسر والفتح وتضرع إذا خضع وذل ، وقال : يقال تبله يبتله تبلا إذا قطعه ، وفيه لا رهبانية ولا تبتل ، التبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح ، وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم ، وبها سميت مريم أم عيسىعليه‌السلام وسميت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا ، وقيل : لانقطاعها إلى الله تعالى.

وقال وفي حديث الدعاء والابتهال أن تمد يديك جميعا وأصله التضرع والمبالغة في الدعاء.

وقال الجوهري : تضرع إلى الله أي ابتهل ، قال الفراء : جاء فلان يتضرع ويتعرض بمعنى إذا جاء يطلب إليك الحاجة ، وقال : التبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله ، وكذلك التبتيل ومنه قوله تعالى :( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) (١) وقال : الابتهال التضرع ويقال في قوله تعالى «ثُمَّ نَبْتَهِلْ » أي نخلص في الدعاء.

الحديث الأول : صحيح على الظاهر إذ الأظهر أنأبا إسحاق هو ثعلبة بن

__________________

(١) المزّمّل : ٨.

٤١

عن سيف بن عميرة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء.

_________________________________________

ميمون.

قوله : « الرغبة » هذا ونظائره يحتمل وجهين : الأول : أن يكون المعنى أنه إذا كان الغالب عليه في حال الدعاء الرغبة والرجاء ينبغي أن يفعل هكذا ، فإنه يظن أن يد الرحمة انبسطت فيبسط يده ليأخذه ، وإذا كان الغالب عليه الخوف وعدم استئهاله للإجابة يجعل ظهر كفيه إلى السماء إشارة إلى أنه لكثرة خطاياه مستحق للحرمان وإن كان مقتضى كرمه وجوده الفضل والإحسان.

الثاني : أن يكون المعنى أنه إذا كان مطلوبه طلب منفعة ينبغي أن يبسط بطن كفيه إلى السماء لما مروان كان مطلوبه دفع ضرر وبلاء يخاف نزوله من السماء يجعل ظهرها إليها كأنه يدفعها بيديه ، ولا يخفى أن فيما عدا الأولين الأول أنسب ، والخبر الخامس يؤيد الثاني.

ويمكن الجمع بين المعنيين بحمل الأولين على الثاني والبقية على الأول ، ويحتمل حمل الأولين على المطالب الدنيوية وما بعدهما على المناجاة ، والمطالب الأخروية والحمل إما بتقدير مضاف أي أدب الرغبة مثلا أو هذه الأسماء صارت في عرف الشرع أسماء لتلك الأفعال أو أطلق عليها مجازا لدلالتها عليها.

وقوله : « وَتَبَتَّلْ » قال الدعاء أي إشارة إليه أو التقدير مدلول قوله ،وقوله : « قال » كلام الراوي اعترض بين المبتدأ والخبر.

وقال الطبرسي (ره) : التبتل الانقطاع إلى عبادة الله وإخلاص العمل له وأصله من بتلت الشيء قطعته ومنه البتولعليها‌السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عز وجل ، ثم قال : والمعنى أخلص له إخلاصا عن ابن عباس وغيره يعني في الدعاء والعبادة وقيل : انقطع إليه انقطاعا وقيل : توكل إليه توكلا ، وقيل : تفرغ لعبادته وروى محمد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام إن التبتل هنا

٤٢

وقوله : « وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً » قال الدعاء بإصبع واحدة تشير بها والتضرع تشير بإصبعيك وتحركهما والابتهال رفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة ثم ادع.

_________________________________________

رفع اليدين في الصلاة ، وفي رواية أبي بصير هو رفع يدك إلى الله وتضرعك إليه ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن هذا أفضل أنواع التبتل الذي ذكره الله عز وجل ، والإشارة يحتمل الرقع والخفض والتحريك يمينا وشمالا ، والخبر الثالث يدل على الأول ، وعلى الأول اليد اليسرى أنسب ، وعلى الثاني اليمنى كما سيأتي.

والمرادبالإصبعين الجمع بينهما ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أنه لا أدري أترفعني أم تضعني وكذا التحريك يمينا وشمالا إشارة إلى أنه لا يدري أنه من أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أن الروح يجرني إليك ، والتعلق الجسماني يجرني إلى السفل ولا يمكنني الانقطاع إليك إلا بجذباتك.

وأقول : يحتمل أن يكون الأول إلحاحا في الطلب كما هو دأب الملحين من السائلين لا سيما إذا كان السائل لا يقدر على النطق ، وفي عدة الداعي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا ، كما يستطعم المسكين ، وفيما أوحى الله إلى موسىعليه‌السلام ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل البعد المستصرخ إلى سيده ، فإذا فعل ذلك رحمته وأنا أكرم القادرين.

والثاني إشارة إلى التحير في أمره ، وذلك عند تعارض آيات الخوف والرجاء ، والنظر إلى بعده عن درجة القبول والكمال ، وشدة كرم مولاه الذي هو منتهى الآمال ، فإذا أقبلت الدمعة واشتد الرجاء فالمناسب له أن يمد يديه إلى القبلة أو إلى السماء لأخذ العطاء ، والمد هنا يحتملها.

٤٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ » فقال الاستكانة هو الخضوع والتضرع هو رفع اليدين والتضرع بهما.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد والحسين بن

_________________________________________

وقوله عليه‌السلام : « ثم ادع » عطف على مقدر أي أفعل ما ذكرت في الأخير أو في جميع المراتب المتقدمة ثم ادع.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

والآية في سورة المؤمنين هكذا : «وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ، وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ » قال في مجمع البيان : معناه إنا أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب وضيق الرزق والقتل بالسيف «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ » أي ما تواضعوا وما انقادوا «وَما يَتَضَرَّعُونَ » أي وما يرغبون إلى الله في الدعاء ، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام الاستكانة في الدعاء والتضرع رفع اليد في الصلاة ، انتهى.

وقيل :استكان من باب الافتعال وأصله افتعل من السكون ، فالمد شاذ حصل بالإشباع ، وقيل : من باب الاستفعال وأصله استغفل من كان فالمد قياس ووجه بأنه يقال استكان إذا ذل وخضع ، أي صار له كون خلاف كونه الأول كما يقال : استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كل حال ، واستكان خاص هو الخضوع ، وتذكير الضمير باعتبار الخير أو لأنه مصدروالتضرع بهما أي بالإشارة بالإصبعين وتحريكما كما مر أو الأعم منها ومن الابتهال.

الحديث الثالث : مرسل.

والضمير فيقال للراوي ، وفي ذكر للإمام ، وهكذاالرهبة أيضا كلام الراوي أو هو كلام الإمام بتقدير القول ، أي قال وهكذا الرهبة ، ويؤيده أن السيد بن

٤٤

سعيد جميعا ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أبي خالد ، عن مروك بياع اللؤلؤ عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا وهكذا التبتل ويرفع أصابعه مرة ويضعها مرة وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة ولا يبتهل حتى تجري الدمعة.

_________________________________________

طاوس روى هذا الخبر مرسلا عن سعيد بن يسار قال قال الصادقعليه‌السلام هكذا الرغبة ، وأبرز راحتيه إلى السماء إلى آخر الخبر مثله ، إلا أنه قال في التبتل يرفع إصبعه مرة.

قوله عليه‌السلام : « ويرفع » كان العدول هنا إلى المضارع لإفادة التكرار ، ولا يبتهل على بناء المجهول أو المعلوم نفيا أو نهيا ، والمرادبالأصابع إما سبابتا اليدين مجازا أو مجموع الأصابع وهو بعيد.

ثم إن الاختلاف الذي يتراءى في هذه الأخبار يمكن رفعه بحمل بعضها على بعض أو القول بتعدد أنواع كل منها ، وأقول : روي في المشكاة نقلا من مسند أبي داود بإسناده عن ابن عباس قال : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار إن تشير بإصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعا وفي رواية قال : والابتهال هكذا ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه ، وعن أحمد بإسناده عن ابن عمر أنه يقول : إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله على هذا يعني إلى الصدر ، وقال الطيبي : المسألة مصدر بمعنى السؤال ، والمضاف محذوف ليصح الحمل أي أدب السؤال ، وطريقه رفع اليدين وأدب الاستغفار الإشارة بالسبابة سبا للنفس الأمارة والشيطان والتعوذ منهما إلى الله تعالى ، ولعل المراد منالابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب فيجعل يديه كالترس ليستره عن المكروه.

وقال بعضهم : العادة فيمن طلب شيئا أن يبسط الكف إلى المدعو متواضعا

٤٥

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول مر بي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري فقال يا أبا عبد الله بيمينك فقلت يا عبد الله إن لله تبارك وتعالى حقا على هذه كحقه على هذه.

وقال الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما والرهبة تبسط يديك وتظهر

_________________________________________

متخاشعا ، وفيمن أراد كف مكروه أن يرفع ظهر كفه إشارة إلى الدافع.

الحديث الرابع : صحيح.

« في صلاتي بيساري » أي برفع يساري مع اليقين أو بدونها ، كما ورد في صلاة الوتر أنه يرفع اليسرى ويعد باليمين أو بالتضرع وتحريك الأصابع بيساري وكان السائل الجاهل نظر إلى أن اليمين أشرف وغفل عن أن لجميع البدن قسطا من العذاب والاستعاذة منه ، ولكلها حاجة إلى الرب في الوجود والبقاء والتربية ، بل الشمال أنسب في هذا المقام ، إذ كاتب السيئات في جهة الشمال والمعاصي كلها تأتي من جهة شمال النفس وهي جهة الميل إلى الشهوات واللذات والأعمال الدنية الخسيسة ترتكب بها وجوابهعليه‌السلام كان بعد الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد بقولهعليه‌السلام « في صلاتي » في تعقيب صلاتي ويؤيده ما سيأتي في باب الدعاء في أدبار الصلوات من قال بعد كل صلاة وهو أخذ بلحيته بيده اليمنى « يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار » ثلاث مرات ويده اليسرى مرفوعة بطنها إلى ما يلي السماء إلى آخر الخبر وكثير من هذه الآداب مذكورة فيه فارجع إليه.

وروى السيد في كتاب الإقبال من أدعية كل يوم من رجب وذكر الدعاء قال : ثم مدعليه‌السلام يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسبابته اليمنى إلى آخر الخبر.

« والرغبة تبسط » أي أن تبسط وفي القاموسالرسل بالكسر الرفق والتؤدة

٤٦

ظهرهما والتضرع تحرك السبابة اليمنى يمينا وشمالا والتبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء والابتهال حين ترى أسباب البكاء.

٥ ـ عنه ، عن أبيه أو غيره ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الدعاء ورفع اليدين فقال على أربعة أوجه أما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك وأما الدعاء في الرزق فتبسط كفيك وتفضي

_________________________________________

كالرسلة والترسل ، وبالفتح السهل من السير انتهى.

فيمكن أن يقرأ هنا بالكسر أي برفق وتأن وبالفتح بأن يكون صفة مصدر محذوف أي رفعا رسلا ،وذراعك بالنصب عطفا على يدك أو بالرفع والجملة حالية وهذا الخبر كالتفسير للأخبار السابقة.

الحديث الخامس : مرسل.

والظاهر أن المرادبالتعوذ التحرز من شر الأعادي ، ويمكن تعميمه بحيث يشمل شر الأعادي الباطنة أيضا من النفس والشيطان ، بل من العقوبات الأخروية والدنيوية وهي حالة غاية الاضطرار فإن من رأى حجرا أو سيفا أو سنانا أو شبهها يتترس بيديه هكذا لدفعها عن كرائم بدنه.

ويحتمل أن ذكر الرزق في الثاني على المثال والتخصيص لكون غالب رغبات عامة الخلق له ، وتقضى بباطنها إلى السماء أي تجعل ، باطنهما نحوها ، في المصباحالفضاء بالمد المكان الواسع ، وأفضى الرجل بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته وأفضيت إلى الشيء وصلت إليه انتهى. ويقال : أفضي إليه بسره أي أظهره له وكأنه هنا أنسب.

قوله عليه‌السلام : « مما يلي وجهك » ظاهره الدفع والخفض وهو مخالف لما مر في الخبر السابق وهو بعينه ما مر في التبتل ، وكأنه لهذا عدها أربعا ، والمراد أنها مترادفان فهذا اصطلاح آخر ، وقيل : المراد تحريك السبابة يمينا وشمالا

٤٧

بباطنهما إلى السماء وأما التبتل فإيماء بإصبعك السبابة وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك ودعاء التضرع أن تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك وهو دعاء الخيفة.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ » قال الاستكانة هي الخضوع والتضرع رفع اليدين والتضرع بهما.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم وزرارة قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى قال تبسط كفيك قلنا كيف الاستعاذة قال تفضي بكفيك والتبتل الإيماء بالإصبع

_________________________________________

قريبا من وجهه ، ولذا لم يعده من أقسام الرفع فأنواع الرفع أربعة والتضرع خارجة منها وله وجه.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله مما يلي وجهه أن يستر وجهه بهما ، وهو يناسب الخيفة ، وفي أكثر نسخ العدة فقال على خمسة أوجه ، وكأنه جعله كذلك ليطابق الأقسام ، ويحتمل أن تكون نسخته هكذا.

الحديث السادس : صحيح وقد مر في الثاني باختلاف في أول السند وكأنه أخذ هذا من كتاب ابن محبوب وما مر من كتاب ابن أبي عمير ، وقال في العدة وفي حديث آخر الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه ، وفي فلاح السائل وفي حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام أن الاستكانة في الدعاء أن يضع يديه على منكبيه حين دعائه.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« تفضي بكفيك » أي تجعل باطنهما نحو الفضاء ، كما يفضي الرجل باطن كفيه إلى الجدار ، والحاصل تجعل باطن كفيك مقابل القبلة كما مر.

٤٨

والتضرع تحريك الإصبع والابتهال أن تمد يديك جميعا.

_________________________________________

فائدة

قال العارف الرباني في العدة هذه الهيئات المذكورة إما تعبد لعلة لا نعلمها أو لعل المراد ببسط كفيه في الرغبة كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله وحسن ظنه بإفضاله ورجائه لنواله ، فالراغب يسأل بالأمان فيبسط كفيه لما يقع فيهما من الإحسان.

والمراد في الرهبة بجعل ظهر الكفين إلى السماء ، كون العبد يقول بلسان الذلة والاحتقار لعالم الخفيات والأسرار آنا ما أقدم على بسط كفى إليك وقد جعلت وجههما إلى الأرض ذلا وخجلا بين يديك ، والمراد في التضرع بتحريك الأصابع يمينا وشمالا أنه تأسى بالثاكل عند المصاب الهائل ، فإنها تقلب يديها وتنوح بهما إقبالا وإدبارا ويمينا وشمالا ، والمراد بالتبتل برفع الأصابع مرة ووضعها أخرى بأن معنى التبتل الانقطاع فكأنه يقول بلسان حاله لمحقق رجائه وآماله : انقطعت إليك وحدك كما أنت أهله من الإلهية فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانية.

والمراد في الابتهال بمد يديه تلقاء وجهه إلى القبلة أو مد يديه وذراعيه إلى السماء ، أو رفع يديه وتجاوزهما رأسه بحسب الروايات أنه نوع من أنواع العبودية والاحتقار والذلة والصغار ، أو كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته والمتعلق بذوائب رأفته التي أنجت الهالكين وأغاثت المكروبين ووسعت العالمين وهذا مقام جليل فلا يدعيه العبد إلا عند العبرة وتزاحم الأنين والزفرة ووقوفه موقف العبد الذليل واشتغاله بخالقه الجليل عن طلب الآمال والتعرض للسؤال.

والمراد في الاستكانة برفع يديه على منكبيه أنه كالعبد الجاني إذا حمل إلى

٤٩

(باب البكاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق

_________________________________________

مولاه وقد أوثقه قيد هواه ، وقد تصفد بالأثقال وناخ بلسان الحال هذه يداي قد عللتها بين يديك بظلمي وجرأتي عليك.

وأقول : أخذه (ره) من كتاب فلاح السائل الجليل قدوة العارفين رضي الدين علي بن طاوس نور الله ضريحه بتغيير يسير في وسطه.

باب البكاء

الحديث الأول : مجهول.

« إلا وله كيل ووزن » لعل المراد أن ثواب العبادات وإن كان كلها يجري على جهة التفضل وزائدا على ما يظن أنه يستحقه لكن يناسبه في ميزان العقل والقياس بحسب كثرة العمل وقلته وسهولته وصعوبته وغير ذلك ، بخلاف البكاء فإن القليل منه يترتب عليه آثار عظيمة ومثوبات جسمية لا يحيط بها ميزان العقل ومكيال القياس ، وقيل : الكيل والوزن إما مصدر أن يقال كال الطعام يكيله كيلا ووزنه يزنه وزنا إذا قاسه بالمكيال والميزان ، أو اسم لما يكال به الطعام.

وللعبارة وجهان : الأول أن كل عبادة يعتبر كيلها ووزنها ويجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلا بكيل ووزنا بوزن وإن وقعت الزيادة فهي تفضل إلا الدمع فإنه وإن كان خفيفا قليلا يستحق صاحبه أجرا جزيلا لا يعلم قدره إلا الله عز وجل.

الثاني : أن الدمع لكونه عظيما لا يحيط به الكيل والوزن ، ولا يمكن

٥٠

وجها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا.

_________________________________________

أن يقدر بهما ، فلذلك يوجب أجرا جزيلا ، وقال في القاموس :اغرورقت عيناه دمعتا كأنها غرقت في دمعها ، انتهى.

والمراد هنا امتلاء العين بالماء قبل أن يجري على الوجه ، وفي القاموس :رهقه كفرح غشيه ولحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه ، وقال الجوهري : رهقه بالكسر يرهقه رهقا أي غشيه من قوله تعالى :( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) (١) وقال :القتر جمع القترة وهي الغبار ومنه قوله تعالى :( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) (٢) وقال الراغب : وقوله تعالى : «تَرْهَقُها قَتَرَةٌ » نحو غبرة وهي شبه دخان يغشى الوجه من الكرب.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ » لا يغشاها قتر غبرة فيها سواد ، ولا ذلة هوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك حزن وسوء حال ، وضمير وجهه راجع إلى صاحب العين كالآية وفي القاموس :فاض الماء يفيض فيضا كثر حتى سأل كالوادي ، وضمير فاضت إما راجع إلى الدموع أو العين بالإسناد المجازي كالفياض ، وضميرحرمة إما راجع إلى الباكي أو إلى الوجه ، وفي بعض النسخ حرمهما فالضمير راجع إلى العين ، وتحريمه يستلزم تحريم الشخص ، بل المبالغة فيه أكثر ، فإن الكناية أبلغ ، ولأنه يدل على أنه لا يرى النار بعينه فيأول بأنه لا يراها رؤية مخوفة.

« في أمة » أي يكون فيهم أو في حقهم فالرحمة تشمل الدارين إن كانوا مؤمنين ، أو في الدنيا إن لم يكونوا مؤمنين.

__________________

(١) يونس : ٢٦.

(٢) عبس : ٤١.

٥١

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عينا بكت من خوف الله وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله عز وجل إلا حرم الله عز وجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه( قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) (١) وما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدمعة فإن الله عز وجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو أن عبدا بكى في أمة لرحم الله عز وجل تلك الأمة ببكاء ذلك العبد.

٣ ـ عنه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن مثنى الحناط ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من قطرة أحب إلى الله عز وجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره.

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ومضمونه قريب من الخبر السابق ، والتفاوت بينهما في شيئين :

أحدهما : التقييد بالخشية من الله في هذا الخبر دون السابق ، وهذا هين.

وثانيهما : ترتب عدم الرهق على الاغريراق والتحريم على الفيضان ، فيدل على أن التحريم أعلى وأكثر نفعا من عدم الرهق ، وهنا بالعكس ، والاختلاف الأول أي التقييد بالخشية لا يؤثر في ذلك ولا ينفع كما توهم إلا أن يقال : لما كان في الأخير مقيدا بخوف الله يترتب الأنفع على الأدنى ، واكتفي في الأعلى بثواب الأدنى اختصارا وتفننا في الكلام ، وظهور أن الأعلى أكثر ثوابا ، ولما كان الراوي واحدا وكذا المروي عنه ، الظاهر أن الاختلاف من وهم بعض الرواة ، وهذا الخبر بحسب ظاهر النظر أوفق بما مر إذ عدم الرهق يستلزم التحريم بدون العكس كما لا يخفى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« لا يراد بها غيره » أي غير الله ، أو غير الاحتراز من عذابه.

__________________

(١) يونس : ٢٦.

٥٢

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ودرست ، عن محمد بن مروان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة منها تطفئ بحارا من النار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا.

_________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

ويمكن أن يعد حسنا موثقا لرواية منصور عن جماعة وإن كانوا مجاهيل« عين » أي أحدها عين غضت على بناء المجهول ، في القاموس :غض طرفه خفضه واحتمل المكروه و« المحارم » جمع المحرم على بناء المفعول من التحريم ، أي ما حرم الله النظر إليه.

« وعين سهرت » كعلمت أي تركت النوم قدرا معتدا به ، زيادة عن العادة في طاعة الله كالصلاة والتلاوة والدعاء ، ومطالعة العلوم الدينية ، وفي طريق الجهاد والحج والزيارات وكل طاعة لله سبحانه ، وجوف الليل وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم فيه ، وقال في النهاية : فيه قيل له : أي الليل أسمع ، قال : جوف الليل الآخر أي ثلثه الآخر ، وهو الجزء الخامس من أسداس الليل ، وهو لا يستلزم السهر الكثير فصح التقابل.

الحديث الخامس : مجهول.

وابن أبي عمير معطوف على السند السابق ، وقد مر في الحديث الأول إلا باختلاف في وسط السند ، حيث ذكر مكان منصور بن يونس جميل بن دراج ، ودرست وهذا من المصنف غريب.

٥٣

٦ ـ ابن أبي عمير ، عن رجل من أصحابه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أوحى الله عز وجل إلى موسىعليه‌السلام أن عبادي لم يتقربوا إلي بشيء أحب إلي من ثلاث خصال قال موسى يا رب وما هن قال يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة وأما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد وأما الورعون عن معاصي فإني أفتش الناس ولا أفتشهم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما

_________________________________________

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والزهد في الدنيا عدم الرغبة في أموال الدنيا ، واعتباراتها وما يشغل عن الله فيها ، وقد مر معناه في أبواب المكارموالرفيع الأعلى هو المكان الرفيع الذي هو أرفع المنازل في الجنة ، وهو مسكن الأنبياء والأولياء من أعلى عليين وهم الرفيق الأعلى « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وفي جامع الأصول : فإنها الرفيع أي السماء وقيل : سماء الدنيا ، والتفتيش الطلب والفحص عن أحوال الناس والمراد بعدم التفتيش إدخالهم الجنة بغير حساب.

الحديث السابع : موثق

ويدل على استحباب حمل النفس على البكاء ولو بذكر من مات من أولاده وأقاربه وأحبائه بل ما فات عنه من أمواله ونزل به من البلايا ، وبإطلاقه يشمل حال الصلاة ، ويمكن حمله على غيرها لكن ورد في بعض الأخبار التصريح بالتعميم بل بالتخصيص بها كما روى الصدوق عن منصور بن يونس أنه سأل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال : قرة عين والله ، وقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده ، وروى الشيخ عن سعيد بياع السابري قال : قلت

٥٤

ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي فهل يجوز ذلك فقال نعم فتذكرهم فإذا رققت فابك وادع ربك تبارك وتعالى.

_________________________________________

لأبي عبد اللهعليه‌السلام أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال : بخ بخ ولو مثل رأس الذباب.

وقال العلامة (ره) في المنتهى البكاء جائز في الصلاة إن كان خوفا من الله تعالى وخشية من النار لا يقطعها عمدا ولا سهوا ، وإن كان لأمور الدنيا لم يجز وأبطل الصلاة سواء غلب عليه أو لا. ويدل على جواز الأول قوله تعالى :( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (١) وروى الجمهور ، عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، ثم ذكر رواية الصدوق المتقدمة وغيرها ثم قال : وأما المنع من الثاني فلأنه ليس من أفعال الصلاة فكان قاطعا كالكلام.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : إن كان بكاء لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة ، وظاهر الأصحاب أنه مجمع عليه ، وتوقف فيه المحقق الأردبيلي وأكثر من تأخر عنه لضعف الرواية وهو في محله.

واعلم أن الأكثر جوزوا التباكي في الصلاة ، وقد سمعت الأخبار في ذلك ، والغالب الشائع من أفراده تذكر المصائب الدنيوية بل صرحوا بذلك فيتراءى التنافي بين الحكمين ، بل بين الروايات.

ويمكن رفع التنافي بين الروايات بوجهين :

الأول : حمل التباكي في الصلاة على ما إذا كان بتذكر الشدائد والعقوبات الأخروية ، وما كان مصرحا بتذكر الأمور الدنيوية على غير الصلاة كهذا الخبر.

__________________

(١) مريم : ٥٨.

٥٥

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة العابد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن لم تكن بك بكاء فتباك.

٩ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار بياع السابري قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني أتباكى في الدعاء وليس لي بكاء قال نعم ولو مثل رأس الذباب.

_________________________________________

الثاني : أن يحمل خبر المنع على ما إذا كان لغير التباكي ، وأما رفع التنافي بين الحكمين فيمكن بالوجه الأخير وإن كان بعيدا من كلامهم ، أو بأن يقال : إذا كان التباكي للبكاء للأمور الأخروية فيكون البكاء حقيقة لها لا للأمور التي تذكرها أو بأن يحمل على أن التذكر لتغيير حالة القلب من القساوة إلى الرقة ، فإذا رق القلب فبكاؤه للأمور الأخروية والفرق بين الوجهين الأخيرين لا يخفى على المتأمل.

الحديث الثامن : صحيح.

وفي بعض النسخ إن لم يكن بك بكاء وهو ظاهر ، وفي بعضها إن لم تك بكاء ، وفي بعضها إن لم تكن بكاء ، وعلى الأخيرين يحتمل وجهين : الأول : أن يكون تك أو تكن بصيغة الخطاب ، وبكاء بفتح الباء وتشديد الكاف للمبالغة ، والمراد به من يقدر على البكاء بسهولة أو كثير البكاء ، فإنه يكون كذلك ويحتمل الغيبة وتخفيف الكاف وفتح الباء ، فكان تامة.

والتباكي حمل النفس على البكاء ، والسعي في تحصيله بما مر ، وقيل : المراد به إظهار البكاء والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضا حسن ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، والأول أظهر ، قال الجوهري تباكى تكلف البكاء.

الحديث التاسع : موثق.

« إن أتباكى » الاستفهام مقدر وقد لا يقدر فيقرأ نعم بكسر النون وسكون العين وفتح الميم ، فعل مدح وهذا مما يشعر بالمعنى الأول فتأمل.

٥٦

١٠ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأبي بصير إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومجده وأثن عليه كما هو أهله وصل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب إن أبيعليه‌السلام كان يقول إن أقرب ما يكون العبد من الرب

_________________________________________

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« إن خفت أمرا يكون » أي خفت وقوع أمر مكروه يحدث بعد ذلك« أو حاجة » منصوب وهو من قبيل ما أضمر عامله على شريطة التفسير ، والتقدير تريد حاجة ، وقيل : التقدير أو خفت فوات حاجة تريدها ، ولا يخفى ما فيه.

والفاء فيقوله « فمجده » للبيان والتمجيد ذكر مجده سبحانه ووصفه بالصفات الحسنة ، وفي النهاية في أسماء الله تعالى المجيد والماجد ، والمجد في كلام العرب الشرف الواسع ، ورجل ماجد مفضال كثير الخير شريف ، والمجيد فعيل منه للمبالغة ، وقيل : هو الكريم الفعال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمي مجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل فكأنه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم ، ومنه حديث قراءة الفاتحة ، مجدني عبدي أي شرفني وعظمني ، انتهى.

« والثناء » المدح والذكر الجميل ، وهما متغايران بحسب المفهوم متقاربان بحسب الصدق ، وقوله : « كما هو أهله » متعلق بالتمجيد والأثناء معا ، والمراد بحسب الطاقة والقدرة لا بحسب الواقع ، فإنه خارج عن طاقة البشر ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد عن الحججعليهم‌السلام في ذلك كما سيأتي و« مثل » منصوب على المفعولية أي ولو أن تبكي مثل وفي بعض النسخ بمثل.

وأقرب اسم إن وما مصدرية ، وإضافة أقرب إلى الكون مع أنه وصف الكائن على المجاز ، ومن متعلق بالقرب وليست تفضيلية ، والواو فيقوله « وهو ساجد » حالية ، والجملة الحالية قائمة مقام خبر إن المحذوف بتقدير في زمان السجود والبكاء ، نظير أخطب ما يكون الأمير قائما.

٥٧

عز وجل وهو ساجد باك.

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل البجلي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ.

_________________________________________

قال الشيخ الرضيرضي‌الله‌عنه في شرحه على الكافية إن كانت الحال جملة اسمية فعند غير الكسائي يجب معها وأو الحال ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد إذ الحال فضلة ، وقد وقعت موقع العمدة فتجب معها علامة الحالية ، لأن كل واقع غير موقعه ينكر ، وجوز الكسائي تجردها عن الواو لوقوعها موقع خبر المبتدأ ، فتقول : ضربي زيدا أبوه قائم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

وقال في النهاية فيه : قال رجل :بخ بخ هي كلمة يقال عند المدح والرضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة ، وهي مبينة على السكون فإن وصلت جررت ونونت فقال بخ بخ ، وربما شددت وبخبخت الرجل إذا قلت له ذلك ، ومعناه التعظيم للأمر وتفخيمه.

وفي القاموس : بخ أي عظم الأمر وفخم يقال وحدها ويكرر بخ بخ ، الأول منون والثاني مسكن ، وقل في الأفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة ، وبخ منونة وبخ منونة مضمومة ، ويقال : بخ بخ مسكنين وبخ بخ منونين ، وبخ بخ مشددين كلمة تقال عند الرضا والإيجاب بالشيء أو الفخر والمدح.

٥٨

(باب)

(الثناء قبل الدعاء)(١)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدح له والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل الله حوائجه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله عز وجل فمجده قلت كيف أمجده؟

_________________________________________

باب

إنما لم يذكر العنوان لمناسبته للأبواب السابقة واشتماله على آداب الدعاء ومكملاته وكونها من أنواع مختلفة.

الحديث الأول : صحيح.

« وإياكم » للتحذير قال في النهاية : قد يكون « أيا » بمعنى التحذير ، ومنه الحديث إياي وكذا ، أي نح عني كذا ونحني عنه ومفعول أراد محذوف ويدل عليه قوله شيئا من حوائج الدنيا وأن يسأل منصوب وهو المحذور منه ، ويحتمل أن يكون أن يسأل مفعول أراد ويكون الحذر منه محذوفا مثله بقرينته والأول أظهر.

« وحتى » للاستثناء ، وقوله : ثم يسأل منصوب معطوف على يبدأ ، وكان الثناء بتعداد النعم والمدح بذكر الصفات الذاتية.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

« والمدحة » بالكسر مصدر وقال في المصباح : مدحته مدحا من باب نفع أثنيت

__________________

(١) ليس هذا العنوان في بعض النسخ ، وفي بعضها [ باب البداية بالثناء ] وفي بعضها [ اذا أراد أحدكم أن يسأل ربّه ].

٥٩

قال تقول ـ يا من هو أقرب إلي مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يا فعالا لِما يُرِيدُ يا من

_________________________________________

عليه بما فيه من الصفات الجميلة ، خلقية كانت أو اختيارية ، ولهذا كان المدح أعم من الحمد ، قال الخطيب التبريزي : المدح من قولهم انمدحت الأرض إذا اتسعت ، فكان معنى مدحته وسعت شكره.

« يا من هو أقرب » مأخوذ من قوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) قال البيضاوي : أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه وحبل الوريد مثل في القرب ، قال : والموت أدنى لي من الوريد ، والحبل العرق وإضافته للبيان ، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه.

وقيل : سميوريدا لأن الروح ترده ، وقال الطبرسي (ره): « نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ » بالعلم « مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » وهو عرق يتفرق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه ، وقيل : هو عرق الحلق عن ابن عباس ومجاهد ، وقيل : هو عرق متعلق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه عن الحسن ، وقيل : معناه نحن أعلم به ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب ، وقيل : معناه نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه ، وقيل : معناه نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا ، انتهى.

وأقول : لعل المعنى الذي قبل المعنى الأخير أقرب المعاني ففي النسبة إلى حبل الوريد إيماء إلى جهة قربه سبحانه فإن الحياة تزول عند قطعه ، فربما يتوهم أنه علة لها فأشار إلى أنه تعالى أقرب من جهة العلية من هذا العرق ، فإن الموجد والمحيي والمبقي هو الله سبحانه ، وهو خلق هذا العرق وجعله من شرائط الحياة فهو سبحانه أقرب من جهة العلية وأقوى منه وهو مسبب الأسباب وعلة العلل.

__________________

(١) ق : ١٦.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594