مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34439 / تحميل: 5510
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

الخطاب، عن موسى بن بشار العطار(١) ، عن المسعودي، عن عبدالله بن الزبير، عن أبان بن تغلب والربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم، قالوا: أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الاجفر(٢) إذا نحن برجل يصلي، ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا(٣) في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعو عليه، حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول: هذا من شباب أهل المدينة، فلما أتيناه إذا هو أبوعبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام، فنزلنا فصلينا معه، وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه، فقلنا: جعلنا فداك، هذه الساعة تصلي؟ فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت(٤) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) كذا في النسخ: وفي الكافي ٢: ٤٦٦/٣ كتاب العشرة، باب ٣، روى موسى بن يسار القطان عن المسعودي، فالظاهر إتحاده مع ما هنا ووقوع التحريف في أحد الموضعين.

(٢) الاجفر: موضع بين فيد والخزيمية، بينه وبين فيد ستة وثلاثون فرسخا نحو مكة.«معجم البلدان ١: ١٠٢».

(٣) وجد: غضب.

(٤) بحار الانوار ٨٣: ٥٩/١٨.

١٤١

[ ١٩ ]

المجلس التاسع عشر

وهو يوم الجمعة

الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٤/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن محمّد بن عيسى وأبي إسحاق النهاوندي، عن عبدالله بن حماد، قال: حدّثنا عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقالوا: يا رسول الله: إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت، قال: فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أم أيمن فجاءته، فقال لها: يا أم أيمن، لا أبكى الله عينيك، إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك، ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكى الليل أجمع. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فقصيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم علي أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما ترى، فقصيها على رسول الله.

قالت: رأيت في ليلتي هذه، كأن بعض أعضائك ملقى في بيتي. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: نامت عينك يا أم أيمن، تلد فاطمة الحسين، فتربينه وتلينه، فيكون بعض أعضائي في بيتك.

١٤٢

فلما ولدت فاطمة الحسين عليهما السلام، فكان يوم السابع، أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحلق رأسه وتصدق بوزن شعره فضة وعق عنه، ثم هيأته أم أيمن ولفته في برد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثم أقبلت به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: مرحبا بالحامل والمحمول، يا أم أيمن، هذا تأويل رؤياك(١) .

١٤٥/٢ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إبراهيم بن رجاء الجحدري، عن عليّ بن جابر، قال: حدثني عثمان بن داود الهاشمي، عن محمّد بن مسلم، عن حمران بن أعين، عن أبي محمّد شيخ لاهل الكوفة، قال: لما قتل الحسين بن عليّ عليهما السلام أسر من معسكره غلامان صغيران، فأتي بهما عبيد الله بن زياد، فدعا سجانا له، فقال: خذ هذين الغلامين إليك، فمن طيب الطعام فلا تطعمهما، ومن البارد فلا تسقهما، وضيق عليهما سجنهما، وكان الغلامان يصومان النهار، فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح(٢) .

فلما طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة، قال أحدهما لصاحبه: يا أخي، قد طال بنا مكثنا، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا، وتقرب إليه بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم لعله يوسع علينا في طعامنا، ويزيد في شرابنا.

فلما جنهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح، فقال له الغلام الصغير: يا شيخ، أتعرف محمّدا؟ قال: فكيف لا أعرف محمّدا وهو نبيي! قال: أفتعرف جعفر بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف جعفرا، وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء! قال: أفتعرف عليّ بن أبي طالب؟ قال: وكيف لا أعرف عليا، وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي! قال له: يا شيخ، فنحن من عترة

______________

(١) بحار الانوار ٤٣: ٢٤٢/١٥.

(٢) القراح من كل شئ: الخالص.

١٤٣

نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب، بيدك أسارى، نسألك من طيب الطعام فلا تطعمنا، ومن بارد الشراب فلا تسقينا، وقد ضيقت علينا سجننا، فانكب الشيخ على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، هذا باب السجن بين يديكما مفتوح، فخذا أي طريق شئتما، فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح ووقفهما على الطريق، وقال لهما: سيرا - يا حبيبي - الليل، واكمنا النهار حتى يجعل الله عزّوجلّ لكما من أمركما فرجا ومخرجا. ففعل الغلامان ذلك.

فلما جنهما الليل، انتهيا إلى عجوز على باب، فقالا لها: يا عجوز، إنا غلامان صغيران غريبان حدثان غير خبيرين بالطريق، وهذا الليل قد جننا أضيفينا سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت لهما: فمن أنتما يا حبيبي، فقد شممت الروائح كلها، فما شممت رائحة أطيب من رائحتكما، فقالا لها: يا عجوز، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل.

قالت العجوز: يا حبيبي، إن لي ختنا(١) فاسقا، قد شهد الواقعة مع عبيد الله بن زياد، أتخوف أن يصيبكما هاهنا فيقتلكما. قالا: سواد ليلتنا هذه، فإذا أصبحنا لزمنا الطريق. فقالت: سأتيكما بطعام، ثم أتتهما بطعام فأكلا وشربا.

فلما ولجا الفراش قال الصغير للكبير: يا أخي، إنا نرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه، فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا. ففعل الغلامان ذلك، واعتنقا وناما.

فلما كان في بعض الليل أقبل ختن العجوز الفاسق حتى قرع الباب قرعا خفيفا، فقالت العجوز: من هذا؟ قال: أنا فلان. قالت: ما الذي أطرقك هذه الساعة، وليس هذا لك بوقت؟ قال: ويحك افتحي الباب قبل أن يطير عقلي وتنشق مرارتي في جوفي، جهد البلاء قد نزل بي. قالت: ويحك ما الذي نزل بك؟ قال: هرب غلامان صغيران من

______________

(١) الختن: كل من كان من قبل المرأة كأبيها وأخيها، وكذلك زوج البنت أو زوج الاخت.

١٤٤

عسكر عبيد الله بن زياد، فنادى الامير في معسكره: من جاء برأس واحد منهما فله ألف درهم، ومن جاء برأسيهما فله ألفا درهم، فقد أتعبت وتعبت ولم يصل في يدي شئ.

فقالت العجوز: يا ختني، احذر أن يكون محمّد خصمك في يوم القيامة. قال لها: ويحك إن الدنيا محرص عليها. فقالت: وما تصنع بالدنيا، وليس معها آخرة؟ قال: إني لاراك تحامين عنهما، كأن عندك من طلب الامير شيئا، فقومي فإن الامير يدعوك. قالت: وما يصنع الامير بي، وإنما أنا عجوز في هذه البرية؟ قال: إنما لي طلب، افتحي لي الباب حتى أريح وأستريح، فإذا أصبحت بكرت في أي الطريق آخذ في طلبهما. ففتحت له الباب، وأتته بطعام وشراب فأكل وشرب.

فلما كان في بعض الليل سمع غطيط(١) الغلامين في جوف البيت، فأقبل يهيج كما يهيج البعير الهائج، ويخور كما يخور الثور، ويلمس بكفه جدار البيت حتى وقعت يده على جنب الغلام الصغير، فقال له: من هذا؟ قال: أما أنا فصاحب المنزل، فمن أنتما؟ فأقبل الصغير يحرك الكبير ويقول: قم يا حبيبي، فقد والله وقعنا فيما كنا نحاذره.

قال لهما: من أنتما؟ قالا له: يا شيخ، إن نحن صدقناك فلنا الامان؟ قال: نعم. قالا: أمان الله وأمان رسوله، وذمة الله وذمة رسوله؟ قال: نعم. قالا: ومحمّد بن عبدالله على ذلك من الشاهدين؟ قال: نعم. قالا: والله على ما نقول وكيل وشهيد؟ قال: نعم. قالا له: يا شيخ، فنحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل. فقال لهما: من الموت هربتما، وإلى الموت وقعتما، الحمد لله الذي أظفرني بكما. فقام إلى الغلامين فشد أكتافهما، فبات الغلامان ليلتهما مكتفين.

فلما انفجر عمود الصبح، دعا غلاما له أسود، يقال له: فليح، فقال: خذ هذين الغلامين، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، واضرب عنقيهما، وائتني برأسيهما لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

______________

(١) الغطيط: الصوت الذي يخرج مع نفس النائم.

١٤٥

فحمل الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا أسود، ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم! قال: إن مولاي قد أمرني بقتلكما، فمن أنتما؟ قالا له: يا أسود، نحن من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، هربنا من سجن عبيد الله بن زياد من القتل: أضافتنا عجوزكم هذه، ويريد مولاك قتلنا. فانكب الاسود على أقدامهما يقبلهما ويقول: نفسي لنفسكما الفداء، ووجهي لوجهكما الوقاء، يا عترة نبي الله المصطفى، والله لا يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمي في القيامة. ثم عدا فرمى بالسيف من يده ناحية، وطرح نفسه في الفرات، وعبر إلى الجانب الآخر، فصاح به مولاه: يا غلام عصيتني! فقال: يا مولاي، إنما أطعتك ما دمت لا تعصي الله، فإذا عصيت الله فأنا منك برئ في الدنيا والآخرة.

فدعا ابنه، فقال: يا بني، إنما أجمع الدنيا حلالها وحرامها لك، والدنيا محرص عليها، فخذ هذين الغلامين إليك، فانطلق بهما إلى شاطئ الفرات، فاضرب عنقيهما وائتني برأسيهما، لانطلق بهما إلى عبيد الله بن زياد وآخذ جائزة ألفي درهم.

فأخذ الغلام السيف، ومشى أمام الغلامين، فما مضى إلا غير بعيد حتى قال أحد الغلامين: يا شاب، ما أخوفني على شبابك هذا من نار جهنم! فقال: يا حبيبي، فمن أنتما؟ قالا: من عترة نبيك محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، يريد والدك قتلنا. فانكب الغلام على أقدامهما يقبلهما، وهو يقول لهما مقالة الاسود، ورمى بالسيف ناحية وطرح نفسه في الفرات وعبر، فصاح به أبوه: يا بني عصيتني! قال: لان أطيع الله وأعصيك أحب إلى من أن أعصي الله وأطيعك.

قال الشيخ: لا يلي قتلكما أحد غيري، وأخذ السيف ومشى أمامهما، فلما صار إلى شاطئ الفرات سل السيف من جفنه، فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما، وقالا له: يا شيخ، انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا، ولا ترد أن يكون محمّد خصمك في القيامة غدا. فقال: لا، ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم. فقالا له: يا شيخ، أما تحفظ قرابتنا من

١٤٦

رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال: ما لكما من رسول الله قرابة. قالا له: يا شيخ، فائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: ما إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قالا له: يا شيخ، أما ترحم صغر سننا؟ قال: ما جعل الله لكما في قلبي من الرحمة شيئا. قالا: يا شيخ إن كان ولا بد، فدعنا نصلي ركعات. قال: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة. فصلى الغلامان أربع ركعات، ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حليم(١) يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

فقام إلى الاكبر فضرب عنقه، وأخذ برأسه ووضعه في المخلاة، وأقبل الغلام الصغير يتمرغ في دم أخيه، وهو يقول: حتى ألقى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا مختضب بدم أخي. فقال: لا عليك سوف ألحقك بأخيك، ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه، وأخذ رأسه ووضعه في المخلاة، ورمى ببدنيهما في الماء، وهما يقطران دما.

ومر حتى أتى بهما عبيد الله بن زياد وهو قاعد على كرسي له، وبيده قضيب خيزران، فوضع الرأسين بين يديه، فلما نظر إليهما قام ثم قعد ثم قام ثم قعد ثلاثا، ثم قال: الويل لك، أين ظفرت بهما؟ قال: أضافتهما عجوز لنا. قال: فما عرفت لهما حق الضيافة؟ قال: لا.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: يا شيخ، اذهب بنا إلى السوق فبعنا وانتفع بأثماننا فلا ترد أن يكون محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم خصمك في القيامة. قال: فأي شئ قلت لهما؟ قال: قلت: لا، ولكن أقتلكما وأنطلق برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد، وآخذ جائزة ألفي درهم.

قال: فأي شئ قالا لك؟ قال: قالا: ائت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره. قال: فأي شئ قلت؟ قال: قلت: ليس إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما. قال: أفلا جئتني بهما حيين، فكنت أضعف لك الجائزة، وأجعلها أربعة آلاف درهم؟

______________

(١) في نسخة: يا حكيم. وكذا في الموضع الآتي.

١٤٧

قال: ما رأيت إلى ذلك سبيلا إلا التقرب إليك بدمهما.

قال: فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قال لي: يا شيخ، احفظ قرابتنا من رسول الله. قال: فأي شئ قلت لهما. قال: قلت: ما لكما من رسول الله قرابة.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: يا شيخ، ارحم صغر سننا. قال: فما رحمتهما؟ قال: قلت: ما جعل الله لكما من الرحمة في قلبي شيئا.

قال: ويلك، فأي شئ قالا لك أيضا؟ قال: قالا: دعنا نصلي ركعات. فقلت: فصليا ما شئتما إن نفعتكما الصلاة، فصلى الغلامان أربع ركعات. قال: فأي شئ قالا في آخر صلاتهما؟ قال: رفعا طرفيهما إلى السماء، وقالا: يا حي يا حليم، يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.

قال عبيد الله بن زياد: فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم، من للفاسق؟ قال: فانتدب له رجل من أهل الشام، فقال: أنا له. قال: فانطلق به إلى الموضع الذي قتل فيه الغلامين، فاضرب عنقه، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه، ففعل الرجل ذلك، وجاء برأسه فنصبه على قناة، فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم يقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) بحار الانوار ٤٥: ١٠٠/١.

١٤٨

[ ٢٠ ]

المجلس العشرون

مجلس يوم الثلاثاء

لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٤٦/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رحمه الله، قال: حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا عبدالله بن الحسن المؤدب، قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الاصبهاني، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: حدّثنا جعفر بن الحسن، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن محمّد بن عليّ السلمي، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل، عن جابر بن عبدالله الانصاري، أنه قال: لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول في علي خصالا، لو كانت واحدة منها في جميع الناس لاكتفوا بها فضلا:

قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كهارون من موسى.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني وأنا منه.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مني كنفسي، طاعته طاعتي، ومعصيته معصيتي.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي حجة الله وخليفته على عباده.

١٤٩

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: علي قسيم الجنة والنار.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من فارق عليا فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عزّوجلّ.

وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة(١) .

١٤٧/٢ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: حدّثنا أبوجعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي في داره بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عليّ بن يزيد الصدائي، عن أبي شيبة الجوهري، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: تقبلوا لي بست أتقبل لكم بالجنة: إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وكفوا أيديكم وألسنتكم(٢) .

١٤٨/٣ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدّثنا القاسم بن محمّد البرمكي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: لما جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كأنه قد ألقم حجرا، قام إليه عليّ بن محمّد بن الجهم، فقال له: يا بن رسول الله، أتقول بعصمة الانبياء؟ قال: بلى. قال: فما تعمل في قول الله عزّوجلّ:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (٣) ، وقوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ

______________

(١) الخصال: ٤٩٦/٥، بشارة المصطفى: ١٩، بحار الانوار ٣٨: ٩٥/١١.

(٢) الخصال: ٣٢١/٥، بحار الانوار ٦٩: ٣٧٢/١٦، و ٧٧: ١١٣/٥.

(٣) طه ٢٠: ١٢١.

١٥٠

مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (١) ، وقوله في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) (٢) ، وقوله عزّوجلّ في داود:( وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ ) (٣) وقوله في نبيه محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) (٤) . فقال مولانا الرضا عليه السلام: ويحك - يا علي - اتق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأول كتاب الله عزّوجلّ برأيك، فإن الله عزّوجلّ يقول:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (٥) . أما قوله عزّوجلّ في آدم عليه السلام:( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) فإن الله عزّوجلّ خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض تتم مقادير أمر الله عزّوجلّ، فلما أهبط إلى الارض وجعل حجة وخليفة، عصم بقوله عزّوجلّ:( إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (٦) . وأما قوله عزّوجلّ:( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنما ظن أن الله عزّوجلّ لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ:( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (٧) أي ضيق عليه، ولو ظن أن الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر. وأما قوله عزّوجلّ في يوسف:( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) فإنها همت بالمعصية، وهم يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما داخله، فصرف الله عنه قتلها

______________

(١) الانبياء ٢١: ٨٧.

(٢) يوسف ١٢: ٢٤.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٤.

(٤) الاحزاب ٣٣: ٣٧.

(٥) آل عمران ٣: ٧.

(٦) آل عمران ٣: ٣٣.

(٧) الفجر ٨٩: ١٦.

١٥١

والفاحشة، وهو قوله:( كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ) يعني القتل( وَالْفَحْشَاءَ ) (١) يعني الزنا.

وأما داود، فما يقول من قبلكم فيه؟ فقال عليّ بن الجهم: يقولون: إن داود كان في محرابه يصلي، إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور، فقطع صلاته وقام ليأخذ الطير، فخرج الطير إلى الدار، فخرج في أثره، فطار الطير إلى السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان(٢) ، فاطلع داود في أثر الطير، فإذا بامرأة أوريا تغتسل، فلما نظر إليها هواها، وكان أوريا قد أخرجه في بعض غزواته، فكتب إلى صاحبه: أن قدم أوريا أمام الحرب، فقدم فظفر أوريا بالمشركين، فصعب ذلك على داود، فكتب إليه ثانية: أن قدمه أمام التابوت، فقتل أوريا رحمه الله، وتزوج داود بامرأته.

قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته، حتى خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل!

فقال: يا بن رسول الله، فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك، إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عزّوجلّ خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عزّوجلّ إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا:( خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ ، إِنَّ هَـٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه، فقال:( لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ) (٣) ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة حكمه، لا ما ذهبتم

______________

(١) يوسف ١٢: ٢٤.

(٢) في نسخة: حيان، وفي اخرى: جنان.

(٣) سورة ص ٣٨: ٢٢ - ٢٤.

١٥٢

إليه، ألا تسمع قول الله عزّوجلّ يقول:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ) (١) إلى آخر الآية؟

فقلت: يا بن رسول الله، فما قصته مع أوريا؟ فقال الرضا عليه السلام: إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا، وأول من أباح الله عزّوجلّ له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فذلك الذي شق على (الناس من قبل)(٢) أوريا.

وأمّا محمّد نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم وقول الله عزّوجلّ له:( وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّـهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) فإن الله عزّوجلّ عرف نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء أزواجه في دار الدنيا، وأسماء أزواجه في الآخرة، وأنهن أمهات المؤمنين، وأحد من سمى له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى صلّى الله عليه وآله وسلّم اسمها في نفسه ولم يبده(٣) ، لكيلا يقول أحد من المنافقين: إنه قال في امرأة في بيت رجل إنها أحد أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي قول المنافقين، قال الله عزّوجلّ:( وَاللَّـهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ) في نفسك، وإن الله عزّوجلّ ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم، وزينب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: وفاطمة من علي عليهما السلام.

قال: فبكى عليّ بن الجهم، وقال: يا بن رسول الله، أنا تائب إلى الله عزّوجلّ أن أنطق في أنبياء الله عزّوجلّ بعد يومي هذا إلا بما ذكرته(٤) .

١٤٩/٤ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم رحمه الله، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر محمّد بن علي، عن أبيه زين العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيد

______________

(١) سورة ص ٣٨: ٢٦.

(٢) أثبتناه من العيون.

(٣) زاد في نسخة: له.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ١٩١/١، بحار الانوار ١١: ٧٢/١.

١٥٣

الشهداء الحسين بن علي، عن أبيه سيد الوصيين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خطبنا ذات يوم، فقال: أيها الناس، إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الايام، وليا له أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابة، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.

أيها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين. أيها الناس، من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه.

فقيل: يا رسول الله، وليس كلنا يقدر على ذلك. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء.

أيها الناس، من حسن منكم في هذا الشهر خلقه، كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله

١٥٤

عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.

أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، فاسألوا ربكم أن لا يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله، ما أفضل الاعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّوجلّ، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟

فقال: يا علي، أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك.

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: في سلامة من دينك.

ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: يا علي، من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي، وطينتك من طينتي، إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك، واصطفاني وإياك، فاختارني للنبوة، واختارك للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي.

يا علي، أنت وصيي، وأبو ولدي، وزوج ابنتي، وخليفتي على امتي في حياتي وبعد مماتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية، إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره وخليفته على عباده(١) .

وصلّى الله على رسوله محمّد وآله الطاهرين وسلم كثيرا

______________

(١) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١: ٢٩٥/٥٣، فضائل الاشهر الثلاثة: ٧٧/٦١، بحار الانوار ٩٦: ٣٥٦/٢٥.

١٥٥

[ ٢١ ]

المجلس الحادي والعشرون

مجلس يوم الجمعة

سلخ شهر رمضان سنة سبع وستين وثلاثمائة

١٥٠/١ - حدّثنا الشيخ أبوجعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عمر البغدادي الحافظ، قال: حدّثنا عبدالله بن يزيد، قال: حدّثنا محمّد بن ثواب، قال: حدّثنا إسحاق بن منصور، عن كادح - يعني أبا جعفر البجلي -، عن عبدالله بن لهيعة، عن عبد الرحمن - يعني ابن زياد -، عن سلمة بن يسار، عن جابر بن عبدالله، قال: لما قدم علي عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفتح خيبر، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى للمسيح عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملا إلا أخذوا التراب من تحت رجليك ومن فضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وإنك تبرئ، ذمتي وتقاتل على سنتي، وإنك غدا على الحوض خليفتي، وإنك أول من يرد علي الحوض، وإنك أول من يكسى معي، وإنك أول داخل الجنة من أمتي، وإن شيعتك على منابر من نور، مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم، يكونون غدا في الجنة جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وإن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإن سريرة صدرك كسريرتي، وإن ولدك ولدي، وإنك

١٥٦

تنجز عداتي، وإن الحق معك، وإن الحق على لسانك وقلبك وبين عينيك، الايمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنه لن يرد علي الحوض مبغض لك، ولن يغيب عنه محب لك حتى يرد الحوض معك.

قال: فخر علي عليه السلام ساجدا، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالاسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين، إحسانا منه وفضلا منه علي. قال: فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: لولا أنت لم يعرف المؤمنون بعدي(١) .

١٥١/٢ - حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدّثنا العباس بن الفضل المقرئ، قال: حدّثنا أبوالحسن عليّ بن الفرات الاصبهاني، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد البصري، قال: حدّثنا جندل بن والق، قال: حدّثنا عليّ بن حماد، عن سعيد، عن ابن عباس: أنه مر بمجلس من مجالس قريش وهم يسبون عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال لقائده: ما يقول هؤلاء؟ قال: يسبون عليا. قال: قربني إليهم، فلما أن أوقف عليهم، قال: أيكم الساب الله؟ قالوا: سبحان الله! من يسب الله فقد أشرك بالله. قال: فأيكم الساب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ قالوا: من يسب رسول الله فقد كفر. قال: فأيكم الساب عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: قد كان ذلك. قال: فأشهد بالله وأشهد لله، لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله عزّوجلّ، ثم مضى.

فقال لقائده: فهل قالوا شيئا حين قلت لهم ما قلت؟ قال: ما قالوا شيئا. قال: كيف رأيت وجوههم؟ قال:

نظروا إليك بأعين محمرة

نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال: زدني فداك أبوك. قال:

خزر الحواجب، ناكسو أذقانهم

نظر الذليل إلى العزيز القاهر

قال: زدني فداك أبوك. قال: ما عندي غير هذا. قال: لكن عندي.

______________

(١) إعلام الورى: ١٨٦، بشارة المصطفى: ١٥٥، بحار الانوار ٣٩: ١٨.

١٥٧

أحياؤهم خزي على أمواتهم

والميتون فضيحة للغابر(١)

١٥٢/٣ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: سمعته يقول: من صلى أربع ركعات بمائتي مرة( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) في كل ركعة خمسين مرة، لم ينفتل وبينه وبين الله عزّوجلّ ذنب إلا غفر له(٢) .

١٥٣/٤ - حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن زيد الشحام، عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: ما من عبد يقول كل يوم سبع مرات: أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار، إلا قالت النار: يا رب أعذه مني(٣) .

١٥٤/٥ - حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطار رحمه الله، قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن وهب، عن معاذ ابن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: اصبر على أعداء النعم، فإنك لن تكافئ من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه(٤) .

١٥٥/٦ - حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن أبي عمير، عن جعفر الازدي، عن عمرو بن أبي المقدام، قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: من قرأ آية الكرسي مرة، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا وألف مكروه من مكروه الآخرة،

______________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣: ٢٢١، فرائد السمطين ١: ٣٠٢/٢٤١، كفاية الطالب: ٨٢، كشف الغمة ١: ١٠٩، بحار الانوار ٣٩: ٣١١/١.

(٢) ثواب الاعمال: ٤٠، بحار الانوار ٩١: ١٧١/٢، ٣.

(٣) بحار الانوار ٨٧: ١/١.

(٤) الخصال: ٢٠/٧١، بحار الانوار ٧١: ٤١٦/٣٨.

١٥٨

أيسر مكروه الدنيا الفقر، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر(١) ؟

١٥٦/٧ - حدّثنا عليّ بن الحسين بن شاذويه المؤدب رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن مدرك بن الهزهاز، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا مدرك، رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلينا، فحدثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون(٢) .

١٥٧/٨ - حدّثنا أبي رحمه الله، قال: حدثني عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: إن داود عليه السلام خرج ذات يوم يقرأ الزبور، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر ولا سبع إلا جاوبه، فما زال يمر حتى انتهى إلى جبل، فإذا على ذلك الجبل نبي عابد، يقال له: حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وأصوات السباع والطير، علم أنه داود عليه السلام، فقال داود: يا حزقيل، أتأذن لي فأصعد إليك. قال: لا. فبكى داود عليه السلام، فأوحى الله جل جلاله إليه: يا حزقيل: لا تعير داود، وسلني العافية، فقام حزقيل، فأخذ بيد داود فرفعه إليه، فقال داود: يا حزقيل: هل هممت بخطيئة قط؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عزّوجلّ؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهوتها ولذتها؟ قال: بلى، ربما عرض بقلبي. قال: فماذا تصنع إذا كان ذلك؟ قال: ادخل هذا الشعب فأعتبر بما فيه.

قال: فدخل داود عليه السلام ذلك الشعب، فإذا سرير من حديد، عليه جمجمة بالية وعظام فانية، وإذا لوح من حديد فيه كتابة، فقرأها داود عليه السلام فإذا هي: أنا أروى شلم(٣) ، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وافتضضت ألف بكر، فكان آخر

______________

(١) بحار الانوار ٩٢: ٢٦٢/١.

(٢) الخصال: ٢٥/٨٩، بحار الانوار ٢: ٦٥/٤.

(٣) في نسخة: سلم، وفي اخرى: بن أسلم.

١٥٩

أمري أن صار التراب فراشي، والحجارة وسادتي، والديدان والحيات جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا(١) .

١٥٨/٩ - حدّثنا أحمد بن زياد رضي الله عنه، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، قال: حدّثنا أبوأحمد محمّد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان وغيره، عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح، تقبل الله منه صيامه. فقيل له: يا بن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح: إخراج الفطرة(٢) .

١٥٩/١٠ - حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه الله، قال: أخبرني أحمد ابن محمّد الهمداني، قال: أخبرنا المنذر بن محمّد، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبدالله الكوفي، عن أبيه، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: خطب أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام الناس يوم الفطر، فقال: أيها الناس، إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الاجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة أو النار، واعلموا - عباد الله - أن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: ابشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون(٣) .

١٦٠/١١ - وقال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام لبعض أصحابه: إذا كان ليلة الفطر، فصل المغرب ثلاثا، ثم اسجد وقل في سجودك، يا ذا الطول، يا ذا الحول،

______________

(١) كمال الدين: ٥٢٤/٦، بحار الانوار ١٤: ٢٥/٣.

(٢) التوحيد: ٢٢/١٦، معاني الاخبار: ٣٢٥/١، بحار الانوار ٩٦: ١٠٣/١، و ٣١٣/٨، وتقدم في المجلس (١٣) الحديث (٦).

(٣) بحار الانوار ٩٠: ٣٦٢/١٣.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

...........................................................................

_________________________________________

وفي الحسن عن الحلبي عنهعليه‌السلام قال أتى رجل أبي فقال إني ورثت مالا وقد عرفت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي وقد اعترف أن فيه ربا ، واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت الفقهاء من أهل العراق وأهل الحجاز ، فقالوا لا يحل أكله فقال أبو جعفرعليه‌السلام إن كنت تعلم أن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وإن مختلطا فكل هنيئا فإن المال مالك واجتنب ما كان يصنع صاحبه فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وضع ما مضى من الربا وحرم عليهم ما بقي فمن جهله وسع له جهله حتى يعرف فإذا عرف تحريمه حرم عليه ووجبت فيه العقوبة إذا ارتكبه كما يجب على من يأكل الربا(١) وفي رواية أخرى عن الحلبي مثله.

وكتب الصفار إلى أبي محمدعليه‌السلام رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق أو سرقة هل يحل له ما يدخل عليه من ثمرة هذه الضيعة أو يحل له أن يطأ هذا الفرج الذي اشتراه من سرقة أو قطع الطريق ، فوقععليه‌السلام لا خير في شيء أصله حرام ولا يحل استعماله(٢) .

وحمل على ما إذا اشتراه بعين المال الحرام ، لرواية السكوني عن الصادق عن آبائهعليهما‌السلام قال لو أن رجلا سرق ألف درهم فاشترى بها جارية أو صدقها امرأة فإن الفرج له حلال وعليه تبعة المال(٣) .

وأقول : الأحوط الاجتناب في الشقين ، لصحة الخبر الأول ، وضعف الثاني وقد وردت الأخبار بجواز استيفاء الدين أو الجزية من ثمن الخمر والخنزير ، قالوا أما للمقضي حلال وإما للبائع حرام ، وللأصحاب فيه تفصيل ، وعد بعضهم هذا وأمثاله مما يستحب الاجتناب منه ، وقالوا إنه من الشبهات وقد وردت أخبار صحيحة

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥ من أبواب الربا ح ـ ٣ ـ.

(٢ و ٣) الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢.

٤٠١

...........................................................................

_________________________________________

بجواز شراء الفراء من سوق المسلمين وإن كان ممن يستحل الميتة بالدباغ وعدوا الاجتناب عن هذا النوع من المستحبات وله وجه وقد ورد في أخبار كثيرة النهي عن التفتيش والسؤال فإن الخوارج إنما ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم والدين أوسع من ذلك.

لكن ورد في بعض الأخبار الاجتناب عن بعض هذه الأشياء ، تنزها واستحبابا وعد من الورع ، كالاجتناب عن سؤر الحائض ، وقيل : كل متهم بعدم الاحتراز عن النجاسات ، وروي عن سيد العابدينعليه‌السلام أنه كان يلقى فروة حال الصلاة وكان من فراء العراق فقيل له في ذلك ، فقال إن أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته(١) .

وقد ورد الاحتياط في بعض الأمور كما روي في الصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلا سأل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الحجام فقال لك ناصح فقال نعم فقال اعلفه إياه ولا تأكله(٢) . وقد ورد فيمن له مال لا يفي بنفقة عياله أنه يأخذ الزكاة لعياله ولا يأكل هو منه ، وأما أخذ أموال السلاطين والعمال فهو جائز بلا خلاف ، وإن علمنا أنهم يظلمون بها الناس ويأخذون الزيادة على المقدار المستحق ، سواء أخذوها باسم المقاسمة أو الخراج أو الزكاة أو غير ذلك ، يرضى مالكه به أم لم يرض ، وسواء كان إعطاؤهم على سبيل الجائزة والصلة ونحوهما أو على وجه البيع والشراء وسائر المعاوضات للنصوص الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام بذلك.

وقال بعض المتأخرين : يمكن اختصاص الحكم بسلاطين المخالفين ، لورود الحكم في زمانهم ولأنهم يأخذون من المخالفين النواصب وهم يعتقدون جواز الأخذ والرعية يعتقدون وجوب الإعطاء ، بخلاف سلاطين الشيعة فإنهم يأخذون من الشيعة والفرق المحقة ، ومع اعتقاد الجميع عدم استحقاق الأخذ ووجوب الإعطاء.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦١ من أبواب النجاسات ح ـ ٣ ـ.

(٢) الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢ ـ.

٤٠٢

...........................................................................

_________________________________________

وهو ضعيف لعموم أكثر الأخبار ودلالة بعضها على أن للشيعة حقا في بيت وأرض الخراج يجوز لهم أخذه من الظالم وهذا الفرق الذي ادعوه غير ظاهر ، وإن كان مقتضى الورع الاجتناب عن أخذ ذلك إلا مع ضرورة شديدة ، أو كونه ممن له مدخل تام في إقامة شرائع الدين ومصالح المسلمين كالأئمة وقضاه الحق والمؤذنين غير المبتدعين والجامعين لأخبار أهل البيتعليهم‌السلام والناشرين لها والساعين في رفع البدع وترويج الدين وطلبة العلوم الدينية لله تعالى وأمثالهم.

هذا كله إذا علم أنهم إنما يعطون من مال الخوارج ، وأما إذا لم يعلم ويعطي الجائر شيئا لا يعلم من أين أخذه فلا بأس به ، لما ورد في أخبار كثيرة أنه إذا اشتبه عليك الحلال والحرام فأنت على حل حتى تعرف الحرام بعينه.

وقد روي في الصحيح عن ابن ولادة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان ليس له كسب إلا من أعمالهم ، وأنا أمر به فأنزل عليه يضيفني ويحسن إلى وربما أمر لي بالدراهم والكسوة وقد ضاق صدري من ذلك فقال لي : كل وخذ منه فلك المهنأ وعليه الوزر(١) .

وفي الصحيح عن أبي المعزى قال سأل رجل أبا عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده فقال أصلحك الله أمر بالعامل فيجزئني بالدراهم أخذها قال نعم(٢) .

وفي الحسن كالصحيح عنهعليه‌السلام قال جوائز العمال ليس بها يأس(٣) .

وروي في خبر آخر أنه سرق من رجل مال ووعده عامل المدينة أن يعطيه عوضه فجوز الصادقعليه‌السلام أن يأخذ ذلك منه(١) ، وقد روي في أخبار كثيرة أن

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ١ ـ.

(٢) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٢ ـ.

(٣) الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يكتسب به ح ـ ٥ ـ.

٤٠٣

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال قلت للرضاعليه‌السلام جعلت فداك ادع الله عز وجل أن يرزقني الحلال فقال أتدري ما الحلال قلت الذي عندنا الكسب الطيب فقال كان علي بن الحسينعليه‌السلام

_________________________________________

الحسنينعليهما‌السلام كانا يغمزان معاوية ويقعان فيه ويقبلان جوائزهما ، وكذا سائر الأئمةعليهم‌السلام كانوا يأخذون جوائز الخلفاء والأمراء والعمال في زمانهم ، لكنه كان استنقاذا لبعض حقوقهم التي غصبوها منهم.

وقد روى الشيخ في كتاب الغيبة وغيره بسند حسن بل صحيح عن محمد بن عبد الله ابن جعفر أنه كتب إلى صاحب الزمان عن الرجل من وكلاء الوقف مستحل لما في يده لا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها أو أدخل منزله وقد حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن أكل من طعامه ، أو تصدق بصدقة وكم مقدار الصدقة ، وأن أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل فيدعوني إلى أن أكل منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شيء إن أنا نلت منها ، فوقععليه‌السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل من طعامه واقبل بره وإلا فلا(١) .

وبالجملة هذا باب وسيع والاحتياط والورع فيه مطلوب ما لم ينته إلى حد الوسواس والبدعة كما يفعله بعض المتصوفة والكلام في هذا الباب طويل وليس هذا موضع تحقيقه ، وإنما أشرنا إلى بعض ما يناسب هذا المقام لتعرف الفرق بين الحلال والطيب ، والله الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد ونسأله أن يوفقنا للاحتراز عما يضر بالمعاد.

الحديث التاسع : صحيح.

مضمونه قريب من السابق والحاصل أنقوله « من رزقك » يدل علي أن

__________________

(١) كتاب الغيبة ص ٢٣٥.

٤٠٤

يقول الحلال هو قوت المصطفين ثم قال قل أسألك من رزقك الواسع.

١٠ ـ عنه ، عن بعض أصحابه ، عن مفضل بن مزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال

_________________________________________

المراد به الرزق الذي جوز الله تعالى بظاهر الشرع التصرف فيه ، أو الرزق الذي قدره الله تعالى للعبد بناء على أن المقدر هو الرزق الذي جوز الله تعالى التصرف فيه ، والحرام بظاهر الشريعة ليس من الرزق المقدر ، فإذا تصرف في الحرام نقص من رزقه المقدر بقدر ذلك ، كما دلت عليه الأخبار ، وأما الرزق الذي ضمن الله سبحانه للعباد بقوله( وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها ) (١) وبقوله( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ) (٢) فالمشهور أنه أقل القوت الذي يمسك الرمق فتقييد الرزق المقدر بالحلال يدل على أنه ليس المراد بالحلال ما أحله الله بظاهر الشريعة فإن رزقك يغني عنه ولا الرزق المضمون فإنه لا يحتاج إلى السؤال فالمراد به الرزق الذي لم يشبه حرام لا ظاهرا ولا واقعا ، وهو قوت الأنبياء والمصطفين كما عرفت تفصيله ، وعلة اختصاصه بهم ، قال بعض المحققين : لما كان للحلال مراتب بعضها أعلى من بعض وأطيب جاز الأمر بطلبه تارة والنهي عنه أخرى ويختلف أيضا بحسب مراتب الناس في أهليتهم له ولطلبه ، فلا تنافي بين الأخبار.

الحديث العاشر : مجهول مرسل.

قوله عليه‌السلام « وامدد لي في عمري » زيادة عمر المؤمن عطية يتدارك بها ما فات ويقدم بها على ما هو آت ، ولا ينافي طلبها ما روي أن المؤمن يحب الموت وأن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه لوجوه.

الأول : أنه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار لما سيأتي في كتاب الجنائز أنه قال للصادقعليه‌السلام بعض أصحابنا أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب

__________________

(١) هود : ٦.

(٢) الذاريات : ٢٢.

٤٠٥

قل : « اللهم أوسع علي في رزقي وامدد لي في عمري واجعل لي ممن ينتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري ».

_________________________________________

الله لقاءه ومن أبغض لقاءه ، الله أبغض الله لقاءه ، قال نعم قلت : فو الله إنا لنكره الموت قال : ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيء أحب إليه من أن يتقدم والله تعالى يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء الله والله يبغض لقاءه.

الثاني : أن حب اللقاء مشروط بما إذا أحب الله لقاءه واختار الموت له فيجب أن يرضى بذلك ولا يكره ما اختاره الله له ، وأما إذا اختار له الحياة وهو يتمنى الموت فهو مناف لوجوب الرضا بقضاء الله ، كما روي في المنتهى عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ، وليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.

الثالث : أن كراهة الموت إنما يكره إذا كان ذلك لحب شهوات الدنيا واختيارها على الآخرة ، لا إذا كان لحب تكثير العبادات وتحصيل السعادات الموجبة لرفع الدرجات ولذا قالعليه‌السلام كره لقاء الله أي لقاء ثوابه وحججه ولم يقل كره الموت ، ويؤيده ما ذكره سيد الساجدينعليه‌السلام فإذا كان عمري مرتعا للشيطان فاقبضني إليك قبل أن يسبق مقتك إلى أو يستحكم غضبك على.

« واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري » والانتصار الانتقام أو طلب النصرة ، أي اجعلني ممن تنتقم به من الأعداء لإظهار دينك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد مع القائمعليه‌السلام ولو بالرجعة عند ظهوره ، والمراد بالاستبدال أن يذهب والعياذ بالله بنا لعدم الغناء بنا في الدين ، ويأتي بغيرنا بدلا منا ، والفقرتان إشارتان إلى قوله تعالى( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا

٤٠٦

١١ ـ عنه ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام دعاء في الرزق ـ يا الله يا الله يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم ـ أن تصلي على محمد وآل محمد وأن ترزقني العمل بما علمتني

_________________________________________

يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ ) (١) وإلى قوله تعالى( إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ـ إلى قوله ـإِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ) (٢) ومثلها كثير

وقال الطبرسي (ره) في الآية الأولى وإن تتولوا أي تعرضوا عن طاعة الله وأمر رسوله يستبدل قوما غيركم أمثل وأطوع لله منكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل يكونوا خيرا منكم وأطوع لله منكم وروى أبو هريرة أن ناسا من أصحاب رسول الله قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله في كتابه وكان سلمان إلى جنب رسول الله فضربصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على فخذ سلمان فقال هذا وقومه ، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس. وروى أبو بصير عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن تتولوا يا معشر العرب يستبدل قوما غيركم يعني الموالي ، وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قد والله أبدل بهم خيرا منهم الموالي. وقال (ره) في الآية الثانية قيل : هم أبناء فارس ، وقيل : أهل اليمن ، وقيل : الذين أسلموا بعد نزول الآية ، ويحتمل أن يكون المراد بالاستبدال في الدعاء تغيير الخلق في القيامة لكنه بعيد جدا.

الحديث الحادي عشر : مرسل ، وضميرعنه راجع إلى البرقي.

وقيل كرر الجلالة لأن من شأن المستصرخين تكرير اسم الصريخ للإشعار بشدة النازلة وقوة الحاجة إلى الإعانة والإغاثة« بحق من حقه عليك عظيم » أي النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم كما مر في الباب السابق « بحق محمد وآل محمد عليك » ويدل على أن لهمعليهم‌السلام حقوقا عظيمة على الله ببذل أبدانهم ونفوسهم و

__________________

(١) محمّد (ص) : ٣٨.

(٢) التوبة : ٣٩.

٤٠٧

من معرفة حقك وأن تبسط علي ما حظرت من رزقك.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عبد الحميد العطار ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنا قد استبطأنا الرزق فغضب ثم قال قل اللهم إنك تكفلت برزقي ورزق كل دابة فيا خير من دعي ويا خير من سئل ويا خير من أعطى ويا أفضل مرتجى افعل بي كذا وكذا.

١٣ ـ أبو بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام يدعو بهذا الدعاء ـ اللهم إني أسألك حسن المعيشة معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي

_________________________________________

أعراضهم في طاعة الله ونصرة دينه ، ولا ريب أن حقهم على الله وعلى الخلق أعظم الحقوق وإن كان بسبب جعله تعالى على نفسه ، ويحتمل على بعد أن يكون « عليك » بمعنى ـ عندك ـ أي حقهم على الخلق عندك عظيم ، و « من » في قوله ـ من معرفة ـ للبيان أو للتبعيض وحقه ووجوب طاعته فيما أمر به ونهى عنه ، والحظر هنا بمعنى المنع والحبس وإن أتى بمعنى التحريم أيضا لكنه لا يناسب المقام ، في القاموس حظر الشيء وعليه منعه والمال حبسه في الحظيرة ، والمحظور المحرم( وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) (١) أي مقصورا على طائفة دون أخرى.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور ، ولا يضر ضعف سهل عندي وقد مر في ثاني الباب باختلاف في صدر السند وكان موثقا.

الحديث الثالث عشر : كالسابق ومعطوف عليه.

« وحسن المعيشة » بضم الحاء ، ويمكن أن يقرأ بالتحريك والمعيشة الحسنة هي الكفاف وهو ما يكفي للحوائج الضرورية ولا يزيد عنها زيادة توجب الطغيان والاقتحام على العصيان وبين ذلكبقوله « معيشة أتقوى بها على جميع حوائجي » فقوله معيشة بالنصب عطف بيان لحسن المعيشة ، ويحتمل الجر عطف بيان للمعيشة

__________________

(١) الإسراء : ٨٠.

٤٠٨

وأتوصل بها في الحياة إلى آخرتي من غير أن تترفني فيها فأطغى أو تقتر بها علي فأشقى ـ أوسع علي من حلال رزقك وأفض علي من سيب فضلك نعمة منك سابغة

_________________________________________

والجمع المضاف يفيد العموم ، وذكر الجميع للمبالغة و« أتوصل بها في الحياة » أي في حياة الدنيا« إلى آخرتي » فهو طلب لما زاد عن حوائج الدنيا ليصرفه في وجوه البر تحصيلا لثواب الآخرة.

ثم نفى الزيادة المطغية وأشار إلى الحالة المتوسطة المطلوبةبقوله « من أن تترفني فيها » بصيغة الخطاب على بناء الأفعال ، وفي القاموس ترف كفرح تنعم ، وأترفته النعمة أطغته أو نعمته كترفته تتريفا ، وفلان أصر على البغي والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء ولا يمنع والمتنعم لا يمنع من تنعمه والجبار ، وتترف تنعم ، وقالطغى كرضى طغيا وطغيانا بالضم والكسر جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم والإقتار والتقتير والتضييق في النفقة ، والشقاء بالقصر وقد يمد الشدة والعسر وفعله كرضى والشقاوة ضد السعادة فالمعنى فأتعب ويشتد على وأصير شقيا مرتكبا للحرام أو لا أصبر فأقول أو أظن ما يصير سببا لشقاوتي والأول أظهر.

ولما كانت المعيشة وهي ما يعاش به صادقة على الحرام أيضا احترز عنهبقوله « أوسع علي من حلال رزقك » تخصيصا لها بالفرد الحلال والمراد بالحلال هنا غير المعنى المتقدم وهو كل ما جوزته الشريعة قيل ولا دلالة فيه على أن الحرام من رزق الله لأن الظاهر أن الإضافة بيانية« وأفض علي من سيب فضلك » وفي بعض النسخ ـ وأفضل على ـ وفي القاموس فاض الماء يفيض فيضا وفيضانا كثر حتى سأل كالوادي والشيء كثر أفاض الماء على نفسه أفرغه والإناء ملأه حتى فاض ، وقال السيب العطاء والعرف ومصدر ساب جرى ومشى مسرعا ، وقال الراغب : كل عطية لا تلزم من يعطي يقال له فضل نحو قوله( وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ ) وقوله( ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ

٤٠٩

وعطاء غير ممنون ثم لا تشغلني عن شكر نعمتك بإكثار منها تلهيني بهجته وتفتني

_________________________________________

وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) وأقول : قد مر تحقيق أنواع الفضل ، وقيل : الإضافة في قوله ـ من سيب فضلك ـ من باب جرد قطيفة ، ومن للابتداء أو التعليل ، وتشبيه النعمة بالمطر مكنية والإفاضة تخييلية وسيب الفضل ترشيح يعني أفرغ علي من فضلك الجاري على الخلق نعمة كاملة وافية للدنيا والآخرة.

« وعطاء غير ممنون » أي غير مقطوع أو غير ممنون علي يمن به أحد من خلقك ذكرهما المفسرون في قوله تعالى( لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) وفي القاموس غير محسوب ولا مقطوع ، وفي القاموسالشغل بالضم وبضمتين وبالفتح وبفتحتين ضد الفراغ وشغله كمنعه شغلا ويضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة واشتغل به وشغل كعنيعن شكر نعمتك أي هذه وغيرها ويندرج في الشكر عليها الإتيان بطاعاته والاجتناب عن منهياتهبإكثار منها الباء للسببية وأشار بذلك إلى أن مطلوبه هو الكفاف تأكيدا لما سبق تلهيني بهجة اللهو اللعب والإعجاب وحب الباطل والغفلة عن الحق ، وألهاه بعثه على اللهو وأوقعه فيه ، والبهجة الحسن والنضارة والفرح والسرور والإضافة إلى السبب والضمير للإكثار ، والجملة صفة له ، وفيه إيماء إلى قوله تعالىأَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ .

« وتفتنني » في القاموس الفتنة بالكسر الخبرة وإعجابك بالشيء ، فتنة يفتنه فتنا وفتونا وافتنه والضلال والإثم والكفر ، والفضيحة والعذاب ، وإذابة الذهب والفضة والإضلال والجنون والمحنة والمال والأولاد واختلاف الناس في الآراء وفتنة يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وافتنه فهو مفتن ووقع فيها لازم متعد كافتتن فيهما انتهى.

والمراد هنا الإيقاع في الفتنة والضلال عن الحق والخروج عن الطاعة ، وزهرات زهرته الزهرات بالفتحات جمع الزهرة ، وفي القاموسالزهرة بالفتح و

٤١٠

زهرات زهوته ولا بإقلال علي منها يقصر بعملي كده ويملأ صدري همه أعطني.

_________________________________________

يحرك النبات ونوره أو الأصفر منه والجمع زهر وأزهار وجمع الجمع أزاهير ، ومن الدنيا بهجتها ونضارتها وحسنها وبالضم البياض والحسن انتهى ، والإضافة للمبالغة وفي بعض النسخ زهرته بالواو ، وفي القاموسالزهو المنظر الحسن والنبات الناضر ونور النبت وزهره وإشراقه ، والباطل والكذب والاستخفاف والكبر والتيه والفخر ، وأقول أكثر المعاني مناسبة ، وللإضافة وجوه مختلفة باختلاف المعاني ، وعلى أي حال الضمير للإكثار وكأنه إشارة إلى قوله تعالى( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى ) (١) فتفطن« ولا بإقلال علي منها » عطف على قوله ـ بإكثار ـ ولا زائدة للتأكيد أي لا تشغلني عن شكر نعمتك بإقلال علي منهايقصر بعملي كده ويملأ صدري همه الضمير المجرور في الموضعين عائد إلى الإقلال ويقصر كينصر والباء في بعملي للتعدية وكده فاعل يقصر ، والمراد بالعمل الطاعات ، الكد الشدة والمشقة والإلحاح في الطلب أي يجعل كدي ويسعني في الإقلال أي في طلب الرزق القليل أو الكد في طلب الرزق الناشئ من الإقلال طاعاتي قاصرة عن حد الكمال ويملأ صدري هم الإقلال أي حزنه أو اهتمامي وشغل خاطري في طلبه.

وهذه الفقرات وإن كان فيها شوب التكرار لكنه مطلوب في الدعوات للإلحاح في الطلب ، مع أنهعليه‌السلام طلب أولا حدا متوسطا من المعيشة ، ثم طلب السعة في الرزق الحلال ، ولما كان فيه عرض عريض يشمل ما كان مخلا بالطاعة وشكر النعمة استدرك ذلك لئلا يكون راحته في الدنيا مانعة لرفع درجته في الأخرى وقيل : قد طلب الكفاف من غير زيادة ونقصان في هذا القول وهو ـ لا تشغلني ـ إلى أخره للتحرز عن الحزن وترك حقوق الله ، وفي القول السابق وهو من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق والشدة وترك حقوق الله وفي القول السابق وهو

__________________

(١) طه : ١٣١.

٤١١

من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك وبلاغا أنال به رضوانك وأعوذ بك يا إلهي من شر الدنيا وشر ما فيها لا تجعل الدنيا علي سجنا ولا فراقها علي حزنا أخرجني من فتنتها مرضيا عني مقبولا فيها عملي إلى دار الحيوان ومساكن

_________________________________________

من غير أن تترفني الحر للتحرز عن الضيق والشدة وترك حقوق الناس بالطغيان والتكبر ونحوهما فلا تكرار ، أعني من ذلك يا إلهي غنى عن شرار خلقك قيل من للبدلية وذلك إلى الإقلال أو إلى كل من الإقلال والإكثار ، وقيلذلك إشارة إلى حلال رزقك أو إلى سبب فضلك ، ولكل وجه« والشرار » جمع شرير كفصال جميع فصيل ، وقيل : إنما طلب الغناء عن الشرار لأن الناس يحتاج بعضهم إلى بعض في أمير المبدأ والمعاد والمعاش وليس لأحد منهم غنى عن الآخر بالكلية فغاية المرام طلب الغناء عن اللئام والشرار دون الكرام والأخيار.

« وبلاغا أنال به رضوانك » قيل : نيل الرضوان بالطاعة ، والطاعة بالقدرة والقدرة بالبلاغ ، وهو قدر ما يكفي في التعيش والبقاء من غير زيادة ونقصان ، ولذلك طلبه لتحصيل الغايات المذكورة.قوله « وما فيها » العطف للتفسير ، أو المراد بشر الدنيا شر متاعها وزينتها الخادعة ، أو شر النوازل والنوائب الموجعة وبشر ما فيها شر الفسقة والظلمة« لا تجعل على الدنيا سجنا » بضنك العيش وكثرة المصائب والفتن« ولا فراقها على حزنا » بشدة التعلق بها والحب لها لجمع زخارفها وإنما فصل الفقرتين لكونهما مؤكدتين للسابق من الاستعاذة من شر الدنيا وشر ما فيها ، أو ما طلبه من الكفاف محترزا من الإكثار والإقلال« أخرجني من فتنتها » وهي كلما يشغل القلب عن ذكر الله أو محنة التكاليف وكثرة البلايا اللازمة للدنيا وإنما فصله لأنه تأكيد لما مر في الدعاء الجامع الشبيه بهذا الدعاء في التهذيب أجرني من فتنتها واجعل عملي فيها مقبولا وسعى فيها مشكورا مرضيا ، عنى الظرف نائب مناب الفاعل وهو ما بعده حالان عن مفعول أخرجني« إلى دار الحيوان »

٤١٢

الأخيار وأبدلني بالدنيا الفانية نعيم الدار الباقية اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات شياطينها وسلاطينها ونكالها ومن بغي من بغى علي فيها

_________________________________________

متعلق بأخرجني ، وفي القاموس الحيوان محركة خلاف الموتان والمراد بها الجنة فإن الحياة الحقيقية فيها وفي بعض النسخ إلى دار الخلودومساكن الأخيار أي الجنة أو أعالي درجاتها.

« وأبدلني بالدنيا الفانية » في القاموس بدل الشيء محركة الخلف منه وأبدله منه اتخذه بدلا منه ، وقيل : قوله أبدلني من باب الحذف والإيصال أي أبدل لي ـ والباء ـ بمعنى من ، والحروف الجارة قد تقع بعض منها في موضع آخر والمطلوب هو التوفيق لرفع زوائد الدنيا والعمل بها يوجب نعيم الآخرة انتهى.

وأقول : الباء للعوض وهو مثل قوله تعالى( وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ) (١) وقوله( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً ) (٢) وقوله( لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) (٣) وقال في المصباح : أبدلته بكذا إبدالا نحيت الأول وجعلت الثاني مكانه ، وبدلته تبديلا بمعنى غيرت صورته تغييرا ، وبدل الله السيئات حسنات يتعدى إلى مفعولين بنفسه لأنه بمعنى جعل وصير وقد استعمل أبدل بالألف مكان بدل بالتشديد فعدي بنفسه إلى مفعولين لتقارب معناهما وفي السبعة( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً ) من أفعل وفعل اللهم إني أعوذ بك من أزلها وزلزالها في القاموسالأزل الضيق والشدة ، وبالكسر الكذب والداهية ، وقال :زلزلة زلزلة وزلزالا مثلثة حركة والزلازل البلايا ، وقال :سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال أو قهر بالبطش وقال :نكل به تنكيلا صنع به صنيعا يحذر غيره ، أو نكله نحاه عما قبله ، والنكال ما نكلت به غيرك كائنا ما كان ، وبغى عليه بغيا علا وظلمه وعدل عن الحق

__________________

(١) سبأ : ١٦.

(٢) التحريم : ٥.

(٣) النور : ٥٥.

٤١٣

اللهم من كادني فكده ومن أرادني فأرده وفل عني حد من نصب لي حده وأطف عني نار من شب لي وقوده واكفني مكر المكرة وافقأ عني عيون الكفرة واكفني

_________________________________________

واستطال« من كادني فكده » الكيد المكر والخبث والخديعة والحلية ، والمراد بكيده تعالى الجزاء من باب المشاكلة« ومن أرادني » أي بالسوء« فأرده » بالدفع أو بإيصاله إليه والجزاء له على نحو ما مر ، والفل بالفتح الكسر والثلم وفعله كمد والحد الحدة والسورة وطرف السيف والسكين ومثله وحددت السكين رققت حده وأحددته جعلت له حدا ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية وكذا الفقرة الآتية« وأطف عني نار من شب لي وقوده » قال في المصباح طفأت النار تطفأ بالهمز من باب تعب طفوءا على فعول خمدت وأطفأتها وأطفأت الفتنة إذا سكنتها على الاستعارة وقال شبت تشب توقدت ويتعدى بالحركة فيقال شببتها أشبها من باب قتل إذا أذكيتها ، وقال وقدت النار وقدا من باب وعد ووقودا ، والوقود بالفتح الحطب وأوقدتها إيقادا ومنه على الاستعارة( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) (١) أي كلما دبروا مكيدة وخديعة أبطلها ، وتوقدت النار واتقدت والوقد بفتحتين النار نفسها انتهى. وضمير « وقوده » للموصول ولما عرفت أن شب يأتي لازما ومتعد فيمكن أن يقرأ وقوده بفتح الواو بالنصب وبالرفع فتدبر ، وأستعير النار للصفات الذميمة للعدو من الحقد والحسد والغضب وتدبير السوء« واكفني مكر المكرة » أي ادفع عني مكرهم وكن كافيا لي في ذلك ففيه إظهار للعجز وتفويض للأمر إليه ، وفي المصباح كفى الشيء يكفي كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره ، ومنه( كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) أي أغناهم عن القتال ، وفي القاموسفقأ العين والبثرة ونحوها كمنع كسرها أو قلعها أو نجفها أي كفقاها فانفقأت وتفقأت انتهى وتعديته بعن لتضمين معنى الدفع ، وهو كناية عن صرف عيونهم عنه ، أو إذلالهم أو

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

٤١٤

هم من أدخل علي همه وادفع عني شر الحسدة واعصمني من ذلك بالسكينة

_________________________________________

دفع ضرر عيونهم عنه ، وفي التهذيب عيون الكفرة الظلمة الطغاة الحسدة اللهم صل على محمد وآل محمد وأنزل علي منك سكينة إلى آخره.

« واكفني هم من أدخل على همه » هذه الفقرة يحتمل وجهين.

الأول : أن يكون المراد بالهم الحزن والغم والإضافة إلى الموصول إضافة إلى السبب وإلى الضمير يحتمل أن يكون إضافة إلى السبب أيضا وأن تكون من إضافة المصدر إلى المحل كان يكون رجل مبتلى بالفقر مهتما بذلك ثم أخذ بالظلم مالا من غني فصيره فقيرا مبتلى ببلائه وصار غنيا بماله.

والثاني : أن يكون المراد بالهم القصد وعلى للضرر والمطلوب صرف قصده وإرادته عنه« وادفع عني شر الحسدة » الحاسد يتمنى زوال النعمة عن الغير بالوصول إليه أو مطلقا وهو بتلك الخصلة الذميمة يتفكر في كيفية الإزالة ويتدبر في كل سبب من أسبابها ويتوسل بكل شيء من كل وجه وينبعث من ذلك شرور غير محصورة توجب خراب الديار والأعمار والأعمال من غير أن يكون للمحسود شعور بذلك ، فالالتجاء إليه تعالى لدفع شره من أهم الأمور وأوجبها.

« واعصمني من ذلك بالسكينة » هذا يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المعنى كما سألتك الاستعاذة عن شر الحاسدين لي أسألك أن تعصمني من أن أحسد غيري فإن ذلك أضر والاستعاذة منه أهم وذلك العصمة بأن تلقى في قلبي سكينة وطمأنينة بذكر الله فلا أتعرض لأحوال الخلق ، أو بأن تلقى اليقين في قلبي « حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي » ولا يصير سلب النعمة عن المحسود سببا لزيادة رزقي وجاهي وغير ذلك ولا يصير حسدي سببا لسلب ذلك عنه ، أو بسكون قلبي إلى نعيم الآخرة وإخراج حب الدنيا منه فإن أقوى بواعث الحسد حب الدنيا ، ونزوع النفس إلى شهواتها فإذا عرف خسة لذات الدنيا

٤١٥

وألبسني درعك الحصينة واخبأني في سترك الواقي وأصلح لي حالي وصدق قولي

_________________________________________

وشهواتها ورفعة نعيم الآخرة ودرجاتها لا يبالي من أكل الدنيا.

الثاني : أن يكون تأكيدا للفقرة السابقة أي واعصمني من شر حسد الحاسدين باطمينان قلبي بالتوكل على الله والتفويض إليه وعدم الاعتناء بشأن الحسد فإن غالب تأثير الحسد في العين ، وورد أن علاجه التوكل ، وقد جرب أن من لا يعتني بها لا تضره ومن تزلزلت نفسه بها أثرت فيه ، أو التوسل بذكره تعالى والأدعية والتعويذات تدفعه ، وهو المراد بالسكينة.

الثالث : أن تكون الباء للملابسة أي تكون عصمتي من حسد الغير ، أو الحسد للغير متلبسا بالسكينة إذ يمكن أن تكون العصمة عن الحسد أو شره مع تزلزل الخاطر وعدم طمأنينة النفس.

الرابع : ما قيل أن المعنى اعصمني من ذلك بما يسكن قلبي من شره ، ولعل المقصود بالفقرة الأولى سلب إرادة الحاسد من إيصال المكروه إليه وبالفقرة الثانية إعطاء المحسود ما يسكن قلبه ويأمن من وصول شر الحاسد إليه« وأجنني » على بناء الأفعال بالجيم والنون المشددة ، في المصباح أجنة الليل وجن عليه من باب قتل ستره ، وفي بعض النسخ وأحيني بالحاء المهملة والياء المثناة التحتانية من الحياة وقيل : في الإحياء إشارة إلى أن الشرور قاتلة مهلكة« والستر » بالكسر وهو السائر وبالفتح المصدر والأول أنسب والوقاية من الشرور والمكاره« وأصلح لي في حالي » أي في نفسي « وبيني وبينك وبيني وبين خلقك » وفي هذه العبارة الوجيزة طلب للخيرات الدنيوية والأخروية كلها« وصدق قولي بفعالي » فإن الأعمال شواهد على صدق الأقوال فإن من ادعى الإيمان بالجنة والنار ولم يأت منه ما يقربه من الجنة ويبعده من النار فهذا فعله مكذب لدعواه ومن إياك نعبد وإياك نستعين ، وهو يعبد الشيطان والنفس والهوى ويستعين يغيره سبحانه في كل ما يعرض فهذا

٤١٦

بفعالي وبارك لي في أهلي ومالي.

(باب)

(الدعاء للدين)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن دراج ، عن وليد بن صبيح قال شكوت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام دينا لي على أناس فقال قل : « اللهم لحظة من لحظاتك تيسر على غرمائي بها القضاء وتيسر لي بها الاقتضاء إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ».

٢ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا نبي

_________________________________________

فعله مكذب لقوله ، ومن ادعى حبه تعالى وهو يقدم المال والولد والاعتبارات الفانية على رضا الله فهو كاذب في دعواه ، ومن ادعى أن من شيعة على والأئمة من ولده صلوات الله عليهم وهو يخالفهم في أكثر أقوالهم وأفعالهم فهذا مدع كاذب وكذا جميع العقائد الإيمانية لها لوازم ومصدقات إذا لم يأت بها فهو الكاذب فيما ادعى وكذا من أمر الناس بشيء ولم يأت به ونهى الناس عن شيء وأتى به فهو أيضا في درجة الكاذبين كما قال عز وجل( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ ) (١) وقال( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ ) (٢) « وبارك لي في أهلي ومالي » أي زدهما لي أو زد نفعهما لي في الدارين من البركة وهي النمو والزيادة أو أثبتهما وأدمهما لي ، من برك البعير إذا ناخ في موضعه ولزمه كما مر.

باب الدعاء للدين

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : ضعيف.

__________________

(١) البقرة : ٤٤.

(٢) الصفّ : ٢.

٤١٧

الله الغالب علي الدين ووسوسة الصدر فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قل توكلت «عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحبة ولا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » قال فصبر الرجل ما شاء الله ثم مر على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فهتف به فقال ما صنعت فقال أدمنت ما قلت لي يا رسول الله فقضى الله ديني وأذهب وسوسة صدري.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله قد لقيت شدة من وسوسة الصدر وأنا رجل مدين معيل محوج فقال له كرر هذه الكلمات : « توكلت عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صاحبة ولا وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » فلم يلبث أن جاءه فقال أذهب الله عني وسوسة صدري وقضى عني ديني ووسع علي رزقي.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام كان كتبه لي في قرطاس ـ اللهم اردد إلى جميع خلقك مظالمهم التي قبلي صغيرها وكبيرها في يسر منك وعافية وما لم تبلغه قوتي ولم تسعه ذات يدي ولم يقو عليه بدني ويقيني ونفسي فأده عني من جزيل ما عندك من فضلك ثم لا تخلف علي منه شيئا تقضيه من حسناتي يا أرحم الراحمين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الدين كما شرع وأن الإسلام كما وصف وأن الكتاب كما أنزل وأن القول كما حدث وأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ

_________________________________________

« وكبره تكبيرا » كأنه على سبيل الحكاية تبعا للآية أو بتقدير مقول في حقه فهتف به ، في القاموسهتف به صاح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : ضعيف.

٤١٨

الْمُبِينُ ذكر الله محمدا وأهل بيته بخير وحيا محمدا وأهل بيته بالسلام.

(باب)

(الدعاء للكرب والهم والحزن والخوف)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال قال محمد بن عليعليه‌السلام يا أبا حمزة ما لك إذا أتى بك أمر تخافه أن لا تتوجه إلى بعض زوايا بيتك يعني القبلة فتصلي ركعتين ثم تقول يا أبصر الناظرين ويا أسمع السامعين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين سبعين مرة كلما دعوت بهذه الكلمات مرة سألت حاجة.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن ثابت ، عن أسماء قالت قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصابه هم أو غم أو كرب أو بلاء أو لاواء ـ فليقل الله ربي ولا أشرك به شيئا توكلت « عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ».

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا نزلت برجل نازلة أو شديدة أو كربه أمر فليكشف عن ركبتيه وذراعيه وليلصقهما بالأرض وليلزق جؤجؤه بالأرض ثم ليدع بحاجته وهو ساجد.

_________________________________________

باب الدعاء للكرب والهم والخوف

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : ضعيف.« أو لأواء » في القاموس اللأواء الشدة وضيق المعيشة.

الحديث الثالث : حسن.

« جؤجؤه » في القاموس الجؤجؤ كهدهد الصدر.

٤١٩

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمار الدهان ، عن مسمع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما طرح إخوة يوسف ـ يوسف في الجب أتاه جبرئيلعليه‌السلام فدخل عليه فقال يا غلام ما تصنع هاهنا فقال إن إخوتي ألقوني في الجب قال فتحب أن تخرج منه قال ذاك إلى الله عز وجل إن شاء أخرجني قال فقال له إن الله تعالى يقول لك ادعني بهذا الدعاء حتى أخرجك من الجب فقال له وما الدعاء فقال قل اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل لي مما أنا فيه فرجا ومخرجا قال ثم كان من قصته ما ذكر الله في كتابه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن الذي دعا به ـ أبو عبد اللهعليه‌السلام على داود بن علي حين قتل المعلى بن خنيس وأخذ مال أبي عبد اللهعليه‌السلام ـ اللهم إني أسألك بنورك الذي لا يطفى وبعزائمك التي لا تخفى وبعزك الذي لا ينقضي وبنعمتك التي لا تحصى وبسلطانك الذي كففت به ـ فرعون عن موسىعليه‌السلام .

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الهم قال تغتسل وتصلي ركعتين وتقول يا فارج الهم ويا كاشف الغم يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما فرج همي واكشف غمي

_________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

الحديث الخامس : صحيح.

« وبعزائمك التي » أي حقوقك اللازمة على الخلق ، أو المراد الأسماء التي إذا أقسم بها عليك لم تردها من عزمت عليك بمعنى أقسمت عليك ، والله يعلم وفي القاموس عزائم الله فرائضه التي أوجبها.

الحديث السادس : مرسل.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594