مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34460 / تحميل: 5516
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فأعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني فقلت له جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه قال فكن بالله أوثق ـ فإنك على موعد من الله أليس الله عز وجل يقول : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ » وقال : «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ » وقال :

_________________________________________

وقوله : « إن صاحب النعمة » ، إشارة إلى عدم الاهتمام في الدعاء على العدو وقوله إن صاحب النعمة إشارة إلى وجه سابع من وجوه تأخيره الإجابة وإن تعجيلها يصير سببا لزيادة الحرص على الدنيا وصغر النعمة عنده وهما من أسوإ مأثم الأخلاق.

وقوله عليه‌السلام : « إذا كثرت النعم » إشارة إلى وجه ثامن لأن كثرة المال والجاه تصير سببا لوجوب حقوق كثيرة من الله ومن الخلق وهو على خطر عظيم في ترك تلك الحقوق والتقصير ، فيمكن أن يفتتن بحسب الدنيا ويصير مقصرا في أداء الحقوق فيصير قرين قارون.

« وما يخاف » على بناء المجهول أظهر وضمير فيها راجع إلى الحقوق ، وقيل : الواو في قوله : وما يخاف للتقسيم أي هو مردد بين أمرين إما أن لا يؤدي الحقوق فيعاقب بذلك ، أو يؤديها فيبتلى بالعجب ولا يخلو من بعد.

« فإنك على أعلى موعد من الله » أي أنت وأمثالك من الشيعة ، ولذا قال سبحانه « إِذا دَعانِ » فإن المخالفين لم يعرفوا الله فلا يدعون الله ، وقد مر في كتاب التوحيد : إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره ، وقد ورد أيضا في الخبر إنما تدعون من لا تعرفون.

« لا تَقْنَطُوا » في الزمر : «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ

٨١

«وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً » فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم.

٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور الصيقل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب له ثم أخر ذلك إلى حين

_________________________________________

رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً »(١) وقد روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال : أنزل الله هذه الآية في شيعة ولد فاطمة خاصة ، فإذا لم يستجب لهم في الدنيا ينبغي أن لا يقنطوا من رحمة الله في الآخرة لأنه وعدهم غفران الذنوب في الآخرة ، فإذا لم يقض حوائجهم في الدنيا ينبغي أن لا ييأسوا ولا يقنطوا ويرجوا العوض في العقبى ، وقال في سورة البقرة :( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

فإذا عرفت حقارة الدنيا وقد وعدك الله المغفرة والفضل اللذين هما أعظم منها فلا تبال بعدم حصول مقصودك في الدنيا ، واعلم أن عدم قضاء حاجتك في الدنيا لعلمه بأنه ليس صلاحك في قضائها فلا تقنط من رحمة الله ولا تظن به إلا خيرا ولا تشك في أن الله سبحانه ينجز وعده وإن لم يظهر لك في الدنيا أثره.

وفي هذا الخبر فوائد كثيرة وحقائق غزيرة لمن نظر فيها بعين اليقين.

الحديث الثاني : مجهول.

وفي القاموس : صقله جلاء فهو مصقول وصقيل ، والصيقل : شحاذة السيوف وجلاؤها« ربما دعا الرجل » فيه تقدير استفهام وثم للتعجب. وكان المراد بالاستجابة هنا تقديرها ، وذلك إشارة إلى حصولها وظهور أثرها ، وقيل ، إشارة إلى الإجابة المفهومة من الاستجابة ولا يظهر الفرق بينهما في اللغة.

قال الجوهري : الإجابة والاستجابة بمعنى ، يقال : استجاب الله دعاءه ، وقال الكرماني في شرح البخاري : في قوله : من يدعوني فاستجيب ، السين ليست للطلب بل

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) البقرة : ٢٦٨.

٨٢

قال فقال نعم قلت ولم ذاك ليزداد من الدعاء قال نعم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق بن أبي هلال المدائني ، عن حديد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد ليدعو فيقول الله عز وجل للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فإني أحب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته.

٤ ـ ابن أبي عمير ، عن سليمان صاحب السابري ، عن إسحاق بن عمار قال

_________________________________________

بمعنى أجيبليزداد بتقدير الاستفهام والازدياد لازم ،فقوله : من الدعاء في مقام التميز كقولهم : عز من قائل. وقد قال تعالى :( لِيَزْدادُوا إِثْماً ) (١) وقيل : من للسببية ، أي ليزيد قدرهم ومنزلتهم بسبب الدعاء.

الحديث الثالث : كالسابق.

« فيقول الله عز وجل للملكين » أي الكاتبين للأعمال ، أو لملكين آخرين موكلين بذلك ، وقيل هما الملكان اللذان مضى ذكرهما في باب فضل اليقين ، حيث قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لسعيد بن قيس : إنه ليس من عبد إلا وله من الله عز وجل حافظ وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شيء.

وضمير الجمع فياحبسوا وعجلوا إشارة إلى أن في كل يوم وكل ليلة ملكان موكلان غير الموكلين في اليوم السابق والليلة السابقة من زمان الحبس والتعجيل ، والخطاب لكل ملك بلفظ المفرد نظير قوله تعالى :يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ »(١) مع أن الخطاب إلى كل رسول في زمانه بلفظ المفرد.

« احبسوه بحاجته » أي احبسوه في الدعاء بسبب حاجته أو تأخير إجابتها.

الحديث الرابع : كالسابق.

__________________

(١) آل عمران : ١٧٨.

٨٣

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قال يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر قال نعم عشرين سنة.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان بين قول الله عز وجل : «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » وبين أخذ فرعون أربعين عاما.

٦ ـ ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن ليدعو فيؤخر إجابته إلى يوم الجمعة.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد الولي لله يدعو الله عز وجل في الأمر ينوبه فيقول للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فإني أشتهي أن أسمع نداءه وصوته وإن العبد العدو لله ليدعو الله عز وجل في الأمر ينوبه فيقال للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته وعجلها فإني أكره أن أسمع نداءه وصوته.

قال فيقول الناس ما أعطي هذا إلا لكرامته ولا منع هذا إلا لهوانه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن

_________________________________________

ويستجاب بتقدير الاستفهام وعدم ذكر الزائد عن لعشرين لندرته.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : حسن موثق.

« إلى يوم الجمعة » ليخصه بفضل الدعاء يوم الجمعة ويضاعف له فيه.

الحديث السابع : مرسل كالحسن.

وقال الجوهري :نابه أمر وانتابه أي أصابه والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهرقوله : وعجلها أي قد يكون التعجيل لذلك ، فلا يعجب المرء بتعجيل ظهور أثر دعائه ولا يقنط من تأخيره وإلا فكثيرا ما يظهر أثر دعاء الأنبياء والأوصياء والأولياء من غير تأخير لظهور كرامتهم ولكونه معجزا لهم.

الحديث الثامن : صحيح وقد مر مضمونه.

٨٤

سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء قلت له كيف يستعجل قال يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته شوقا إلى صوته ودعائه فإذا كان يوم القيامة

_________________________________________

والحاصل أنه ينبغي أن لا يفتر عن الدعاء لبطء الإجابة فإنه إما أن يكون التأخير لعدم المصلحة في هذا الوقت فسيعطى ذلك في وقت متأخر في الدنيا أو سوف يعطى عوضه في الآخرة ، وعلى التقديرين فهو في خير لأنه مشغول بالدعاء الذي هو أعظم العبادات ويترتب عليه أجزل المثوبات ، ورجاء رحمة في الدنيا والآخرة وهذا أيضا من أشرف الحالات.

الحديث التاسع : مجهول بل حسن ، لأن الشيخ قال فيسعدان له أصل.

و « شوقا » مفعول له لقوله فيقول وضمير« أنه » للشأن أو راجع إلى المؤمن ، ومن فيقوله « مما » للسببية ، وفيقوله : من حسن ، للبيان ، وقيل : الشوق إنما يتعلق بشيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه آخر ، فإن غير المدرك أصلا ، والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه فإن من غاب عنه محبوبة وبقي عنده خياله يشتاق إليه وكذا لو رآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلا أن يراه من وجه دون وجه ، كان يرى وجهه دون شعره ويراه في ظلمة ، فإنه حينئذ يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه ، ففي كل مشتاق جهتان جهة إدراك وجهة جهل فالشوق نقص وهو ممتنع عليه سبحانه. وأجيب بأن الشوق يستلزم المحبة وإذا نسب إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم.

وأقول : المحبة أيضا فيه عز وجل مجاز وحاصله أنه سبحانه يعلم صلاح العبد في تأخير الإجابة وكثرة الدعاء فيؤخرها ليكثر دعاءه ويثيبه على ذلك ، فما

٨٥

قال الله عز وجل عبدي دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا قال فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب.

(باب)

(الصلاة على النبي محمد وأهل بيتهعليهم‌السلام )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن

_________________________________________

ذكره القائل قياس للغائب على الشاهد ، مع أن ما ذكره في الشاهد أيضا ممنوع.

قوله عليه‌السلام : « فيتمنى المؤمن » قيل : إن قلت عدم ظفر المتمني بما تمناه ألم ولا ألم في الجنة. قلت : لا نسلم أن ذلك ألم ولو سلم فقد وقع هذا الألم في يوم القيامة على أنه ألم لمن لم ينل ثواب ذلك ولعله بتمنيه ذلك ينال ثوابه أيضا.

باب الصلاة على محمد وأهل بيته

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وآل النبي عند الإمامية عترته الطاهرة وأصحاب العصمة ولا وجه لتخصيص الشهيد الثاني (ره) ، أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وللعامة فيه اختلاف كثير ، فقيل : آله أمته ، وقيل : عشيرته ، وقيل : من حرم عليه أخذ الزكاة من بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقد بينا معنى الآل فيما سبق ، والسر في حجب الدعاء بدون الصلاة أمور :

الأول : أن العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه وعرض بالمجموع على الله سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدعاء أيضا غير محجوب لأن الله تعالى كريم يستحيي أن يقبل جزء المفروض(١) ويرد الجزء الآخر ، وقد قرر سبحانه هذا بين عباده أيضا فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة وكان بعضها معيبا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع ، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط وكان هذا أحد أسرار الجماعة

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والظاهر « المعروض ».

٨٦

...........................................................................

_________________________________________

في الصلاة والاجتماع في الدعاء.

الثاني : أن من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات أن يهدي تحفا إلى المقربين لديه والمكرمين عليه لكي يشفعوا له عنده بل لو لم يشفعوا أيضا وعلم السلطان ذلك يقضي حاجته ، وبعبارة أخرى من أحبه السلطان وأكرمه ورفع منزلته يجب أن يكرمه الناس ويثنوا عليه فإذا فعل استحق العطاء من السلطان ، وإذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان.

الثالث : أن الصلاة عليه وآله يصير سببا لتكفير السيئات المانعة عن قبول الدعوات.

الرابع : أن حبهم وولاءهم والإقرار بفضلهم من أعظم أركان الإيمان فبالصلاة عليهم والتوسل به يكمل الإيمان ، ولا ريب أن كمال الإيمان يوجب مزيد القرب من الرحمن وتوفير الفضل والإحسان كما أن الثناء على الله سبحانه يقدم على الدعاء لذلك بالجنان واللسان.

الخامس : أن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات والقابل من فيوض الفائضة من بدو الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات ، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى ، إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أفيض عليهم فبتطفلهم يفيض على سائر الموجودات ، فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله سبحانه يصلي عليهم ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض والمحل قابل وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق ، كما إذا جاء أعرابي أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان نافذ حكمه الأنام ، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل وسخافة الرأي بخلاف

٨٧

...........................................................................

_________________________________________

ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها يكون مستحسنا بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر.

السادس : أنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا لعدم ارتباطنا بساحة جبروته وبعدنا عن حريم ملكوته فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية وحالات بشرية يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى يأخذون عنه ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.

ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه وظاهرا من نوع البشر وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون : « إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » لئلا ينفر عنهم أمتهم وليقبلوا منهم ويأنسوا بهم. فكذلك في إفاضة سائر الفيوض والكمالات هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات فكل فيض وجود يبتدأ بهم صلوات الله عليهم ثم ينقسم على سائر الخلق ، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها وللفيوض إلى مقسمها لتنقسم على سائر البرايا بحسب استعداداتها وقابلياتها.

وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة والفرائد الطريفة.

وقال في النهاية : الصلاة أصلها في اللغة الدعاء فسميت العبادة المخصوصة ببعض أجزائها ، وقيل : إن أصلها في اللغة التعظيم ، وسميت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى ، فأما قولنا : اللهم صل على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل : المعنى لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله تعالى وقلنا : اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق

٨٨

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد.

_________________________________________

به ، انتهى.

والمشهور أن الصلاة من الله سبحانه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن العبد الدعاء ، وقال صاحب الوافي : معنى صلاة الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفاضة أنواع الكرامات ولطائف النعم عليه.

وأما صلاتنا عليه وصلاة الملائكة عليه فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرامة ورغبة في إفاضتها عليه ، وأما استدعاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة من أمته فلأمور :

منها : أن الدعاء مؤثر في استدرار فضل الله ونعمته ورحمته وما وعد الرسول من الحوض والشفاعة والوسيلة وغير ذلك من المقامات المحمودة غير محمودة على وجه لا يتصور الزيادة فيها والاستمداد من الأدعية استزادة لتلك الكرامات.

ومنها : ارتياحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به كما قال : إني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.

ومنها : الشفقة على الأمة بتحريصهم على ما هو حسنة في حقهم وقربة لهم وأما مضاعفة الله صلواته على المصلي عليه بسبب صلاته عليه ، فلان الصلاة عليه ليست حسنة واحدة بل هي حسنات متعددة إذ هي تجديد الإيمان بالله أو لا ثم بالرسول ثانيا ثم التعظيم له ثالثا ثم العناية بطلب الكرامات له رابعا ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر وأنواع كراماته خامسا ثم تذكر ذلك سادسا ، ثم تعظيم القرب سابعا ، ثم الابتهال والتضرع في الدعاء ثامنا ، والدعاء مخ العبادة ، ثم الاعتراف بأن الأمر كله لله ، وأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن جل قدره فهو عبد له محتاج إلى فضله ورحمته وإلى مدد أمته ، وأنه ليس له من الأمر شيء تاسعا ، ثم جميع ذلك في شأن أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن ضمهم معه عاشرا.

فهذه عشر حسنات سوى ما ورد به الشرع أن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها.

٨٩

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من دعا ولم يذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع الدعاء.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلا أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي قولا ، وشموله للذكر القلبي بعيد ، وقال الجوهري :رفرف الطائر : إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه انتهى.

وأستعير هنا لانفصال الدعاء عن الداعي وعدم وصوله إلى محل الاستجابة.

الحديث الثالث : صحيح.

« أجعل » بصيغة المتكلم وحده ، واللام للاختصاص أو الملكية ، وهذا الخبر مع قطع النظر عن الخبر الآتي يحتمل وجوها :

الأول : ما سيأتي في الخبر ، فإذا جعل ثلث صلواته له ، معناه أنه يجعل المقصود بالذات في ثلث دعواته الدعاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة عليه ، فكأنه جعل ثلث دعواته له ، فإنه جعل الدعاء له مقدما ثم أتبعه بالدعاء لنفسه فكأنه جعل ثلث صلاته له ، وكذا النصف والكل.

الثاني : أن يكون المعنى أجعل ثلث دعواتي الصلاة عليك أو نصفها أو كلها بمعنى أنه لا يدعو لنفسه وكلما أراد أن يدعو لحاجته يترك ذلك ويصلي بدله على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثالث : ما قيل : أن المراد بالاختصاص هنا الاتصال والمراد بالصلاة الثناء على نفسه بالدعاء واتصال نصف الدعاء بالرسول عبارة عن أن يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعو بعده ثلاث دعوات لنفسه والنصف أن يدعو بعد الصلاة عليه دعائين لنفسه ، والكل أن يدعو بعد كل صلاة إلا دعاء واحدا لنفسه.

٩٠

...........................................................................

_________________________________________

والقرينة على إرادة هذا المعنى أنه قال في الثاني نصف صلواتي ولم يقل ثلثي صلواتي لأنه يحصل الكسر حينئذ أو الاختلاف بأن يدعو بعد صلاة دعاء واحدا وبعد أخرى دعائين.

ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنه يرجع إلى ما ذكرنا أولا ولا تكلف فيه.

ثم اعلم أنه روي في المصباح والمشكاة نقلا عن الترمذي بإسناده عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال : ما شئت ، قلت : الربع؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قلت : النصف؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قلت : فالثلثين ، قال : ما شئت فهو خير لك ، قلت : أجعل لك صلاتي كلها؟ قال : إذا يكفي همك ويكفر لك ذنبك.

وقال الطيبي في شرح المشكاة نقلا عن بعضهم : المعنى كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي ولم يزل يفاوضه ليوقفه على حد من ذلك ولم ير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحد له في ذلك حدا لئلا يلتبس الفضيلة بالفريضة أولا ، ثم لا يغلق عليه باب المزيد ثانيا ، فلم يزل يجعل الأمر فيه إليه مراعيا للترغيب والحث على المزيد حتى قال : إذن أجعل لك صلاتي كلها ، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي ، فقال : إذا يكفي همك أي ما يهمك من أمر دينك ودنياك ، وذلك لأن الصلاة عليه مشتمل على ذكر الله تعالى وتعظيم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه وإيثاره بالدعاء له على نفسه وما أعظمها من خلال جليلة الأخطار وأعمال كريمة الأعصار. وأدى هذا الحديث تابعا في المعنى لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكاية عن ربه عز وجل : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.

ثم قال : وأقول ، قد تقرر أن العبد إذا صلى مرة على النبي صلى الله عز وجل عليه عشرا ، وأنه إذا صلى وفق للموافقة لله تعالى ، ودخل في زمرة الملائكة

٩١

فقال يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني أجعل لك ثلث صلواتي لا بل أجعل لك نصف صلواتي لا بل أجعلها كلها لك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تكفى مئونة الدنيا والآخرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي أسامة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ما معنى أجعل صلواتي كلها لك فقال يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله عز وجل شيئا حتى

_________________________________________

المقربين في قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) (١) فإنه يؤدي هذا دعاءه لنفسه ، انتهى.

وقال بعضهم : « كم أجعل لك من صلاتي » هي هنا الدعاء والورد ، يعني لي زمان أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان في الدعاء لك.قوله : « أجعل لك صلاتي كلها » أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي. وفيه : أن الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الدعاء لنفسه لأن فيه ذكر الله وتعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شغله ذكره عن مسألة أعطي أفضل ويدخل فيه كفاية ما يهمه في الدارين.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا تكفى » إذن جواب وجزاء ، والمؤنة ما يحتاج إليه وفيه صعوبة أي إذا كان الأمر كما ذكرته يكفيك الله مؤنتك في الدنيا والآخرة ، فحذف الفاعل وأقيم المفعول الأول مقامه.

وفي النهاية : كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه ، وقال الجوهري : المؤنة يهمز ولا يهمز وهي فعولة ، وقال الفراء : هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة ، ويقال : مفعلة من الأون وهو الخرج والعدل لأنه ثقل على الإنسان ومانت القوم أمانهم مانة إذا احتملت مؤنتهم ، وقال : كفاه مؤنته كفاية وكفاك الشيء يكفيك ، واكتفيت به واستكفيته الشيء فكفانيه.

الحديث الرابع : صحيح أيضا. وقد عرفت معناه في أول الوجوه التي ذكرناه في الخبر السابق. وكان غرضهعليه‌السلام الرد على العامة فيما فهموه من الرواية التي

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٩٢

يبدأ بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن

_________________________________________

رووه كما عرفت ،« وحتى » للاستثناء ، وقوله : « فيصلي » منصوب وكذا يسأل. وقيل : الجمع في حوائجه كالجمع في يا أيها الرسل كما عرفت.

وأقول : يحتمل أن يكون مرادهعليه‌السلام الابتداء بالصلاة في كل وقت يشرع في الدعاء وإن سأل بعده أكثر من حاجة واحدة وما ذكره أيضا حسن.

قوله : « يقدمه » الضمير راجع إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى الصلاة فما قيل : إن تذكير الضمير هنا باعتبار المعنى وهو الدعاء وتأنيثه سابقا باعتبار اللفظ محل نظر. وكذا ما قيل : لعل المراد ـ بكل الصلاة ـ الصلاة الكاملة في الفضل والأجر وهي الواقعة قبل السؤال وبنصفها ما دونها بهذا القدر في الفضل وهي الواقعة في وسط السؤال ، وبثلثها ما انحط منها بهذه النسبة وهي الواقعة بعد الفراغ من السؤال ، وبالجملة ففيه إشارة إلى تفاوت مراتب الصلاة في الفضل والكمال والأجر ، وستأتي الإشارة إلى جهة تكلفه.

الحديث الخامس : ضعيف.

ورواه العامة أيضا بأسانيد.

قال في النهاية : فيه : لا تجعلونيكقدح الراكب ، أي لا تؤخروني في الذكر. لأن الراكب يعلق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه.

قال حسان : « كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ».

وقال في باب الغين والميم : فيه « لا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا على أول الدعاء وأوسطه وآخره » الغمر ـ بضم الغين وفتح الميم ـ القدح الصغير ، أراد أن الراكب يحمل رحله وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله ثم يعلقه على رحله كالعلاوة فليس عنده بمهم فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الذي

٩٣

ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء اجعلوني في أول الدعاء وفي

_________________________________________

لا يقدم في المهام ويجعل تبعا. انتهى.

وقال في الفائق : أراد لا تؤخروني في الذكر لأن الراكب يؤخر القدح إلى أن يرفع كل شيء بسبب ما فيه من الماء. وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثم يعلقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه.

وأقول : يظهر من هذا الخبر معنى آخر وهو أن وجه الشبه أن الراكب لا يذكر قدحه إلا إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذ يملأه ويشربه ، وأما في سائر الأوقات فهو عنه في غفلة. وقيل « في » في المواضع بمعنى « مع » والمعنى إذا كان لك حوائج فصل قبل كل دعاء ولا تكتف بالصلاة مرة قبل جميع الدعوات ، فوجه الشبه النسيان في أكثر الأوقات ، انتهى.

وأقول : ظاهر الخبر أنه ليس الغرض من التشبيه ما فهمه المخالفون بل المعنى لا تجعلوني كقدح الراكب لا يذكره إلا إذا عطش واضطر إليه ، فيلتفت إليه ويشرب منه ، وأما في سائر الأوقات فهو غافل عنه كما مر ، أو الغرض أن الراكب يملأ القدح أولا ويشربه كلما اضطر إليه فلا تجعلوا الصلاة كذلك بأن تصلوا أولا وتكفوا بذلك في سائر الدعوات ، فقوله : إذا شاء متعلق بيشربه فقط ، أو المعنى ينبغي أن لا يكون غرضكم من الصلاة التوسل بها إلى الإجابة فقط فتذكروها في أول الدعاء ثم تبالغوا في حاجتكم وتهتموا بها ، بل ينبغي أن يكون اهتمامكم بالصلاة أكثر فتكرروها في أول الدعاء ووسطه وآخره ، وتجعلوها مقصودكم الحقيقي كما أومأنا إليه في الخبر الأول.

فشبهعليه‌السلام الصلاة التي جعلها وسيلة الإجابة بالقدح وملئها فإنها وسيلة للشرب عند الحاجة والمقصود الحقيقي هو الشرب ، ويمكن تطبيقه على ما فهمه اللغويون بتكلف بأن يكون قوله : يملأ قدحه ، لبيان علة تأخير تعليق القدح فإنه

٩٤

آخره وفي وسطه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه وحسين بن أبي العلاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من

_________________________________________

مملوء من الماء ويحتمل عنده احتياجه إليه فلذا يؤخر تعليقه ، ولما كان أصل المثل مشهورا لم يذكرهعليه‌السلام .

فقوله : إن شاء متعلق بالشرب ، ويمكن تعلقه بيملأ أيضا ويكون الغرض ما ذكروه أيضا أي إنما يعلقه في آخر رحله لأنه ليس الاحتياج إليه مستمرا بل قد يحتاج أحيانا بأن يعطش فيأخذه ويملأه ويشرب منه ، فلا تجعلوا الصلاة هكذا. والفرق بين الوجوه وتطبيقها على الخبر لا يخفى على المتأمل.

الحديث السادس : ضعيف.

« فأكثروا الصلاة عليه » الإكثار محمول على الاستحباب إجماعا. وصلاته عليه في ألف من الملائكة تحتمل وجوها :

الأول : وهو الظاهر أن يثني ويصلي عليه بكلام يسمعه ألف صف من الملائكة ، فهم أيضا يصلون عليه بصلاته جل جلاله.

الثاني : أنه يأمرهم بالصلاة عليه والنسبة إليه تعالى لأنه آمر.

الثالث : أن المراد بصلاته عليه رحمته وتضعيف أجره بمشهد من الملائكة.

الرابع : ما قيل : إن « في » للسببية أو بمعنى مع.

فعلى الأول المقصود أن صلاته عليه هو توفيقه للعبد بأن يوكل ألف صف من الملائكة بأن يحفظوه من البلايا والمعاصي ووساوس الشياطين وعلى التقادير هو إشارة إلى قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) (١) الآية. والمراد

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٩٥

الملائكة ولم يبق شيء مما خلقه الله إلا صلى على العبد لصلاة الله عليه وصلاة

_________________________________________

بالصلاة عليه ، الصلاة عليه وعلى آله لا الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط. فإنه قد ورد في روايات الخاصة والعامة أن الصلاة عليه بدون الصلاة على الآل غير مقبول ، بل يظهر من أخبارنا أنه محرم وموجب للعقاب ، ولذا ورد في التشهد في طرق العامة والخاصة الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على الآل. وفي آخر هذا الخبر أيضا إيماء إليه.

وروي في المصابيح والمشكاة عن البخاري ومسلم وغيرهما بإسنادهم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقلت : بلى فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك؟ فقال : قولوا : « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ».

ثم قالا : متفق عليه ، إلا أن مسلما لم يذكر « على إبراهيم » في الموضعين ، وقد ورد في الأخبار الصحيحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من صلى على ولم يصل على آلي لم يجد ريح الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام. وروي أيضا في الصحيح عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في حديث طويل : إذا صلى على ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا يقول الله عز وجل : لا لبيك ولا سعديك ، ويا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي.

وحملها على ما إذا تركها استخفافا بشأنهم أو لعدم اعتقادهم إمامتهم وفضلهم تكلف مستغنى عنه ، وقد روت العامة أيضا في صحاحهم وغيرها بطرق عديدة أن الصحابة سألوا عن كيفية الصلاة عليه فأجاب بما نقلناه آنفا ، ولم أر في خبر منها

٩٦

ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته.

_________________________________________

لم يذكر فيه الآل ، بل ذكر بعضهم أنه لم(١) أجاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سؤال الصلاة عليه بذكر الآل أيضا ـ للإشعار بأن الصلاة عليه لا يتم بدون الصلاة على آله ، بل لبيان غاية اختصاصهم صلوات الله عليهم به حتى كأنهم نفسه ـ اكتفى الله بالصلاة عليه عن الصلاة عليهم ، ومع هذا يتركون الصلاة على الآل كفرا وعنادا.

قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكر الأقوال في الصلاة عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن قلت : فما تقول في الصلاة على غيره؟ قلت : القياس يقتضي جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى :( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (٢) وقوله :( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٣) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم صل على آل أبي أوفى(٤) » ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك ، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك : صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيها ، وأما إذا أفرد غيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، فإن ذلك صار شعارا لذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض(٥) انتهى.

ولا يخفى ما فيه من العصبية والعناد كما هو دأبهم في جميع المواد.

قوله : « فهو جاهل » أي بصلاح نفسه وبما يجب عليه ويوجب نجاته من العقاب ،« مغرور » قد غره شياطين الجن وشياطين الإنس من المخالفين الخارجين عن الدين.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لما أجاب ».

(٢) الأحزاب : ٤٣.

(٣) براءة : ١٠٣.

(٤) سنن أبي داود ج ـ ١ ـ ص ٣٦٨.

(٥) تفسير الكشّاف ج ٢ ص ٥٤٩.

٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلى علي صلى الله عليه وملائكته ومن شاء فليقل ومن شاء فليكثر.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن أبي عمران الأزدي ، عن عبد الله بن الحكم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال يا رب صل على محمد وآل محمد مائة مرة قضيت له مائة حاجة ثلاثون للدنيا والباقي للآخرة.

_________________________________________

الحديث السابع : كالسابق.

« فليقل » بتشديد اللام المفتوحة بصيغة الأمر أي إذا عرف ذلك فالأمر مفوض إليه في الإقلال والإكثار ، فإن النفع والضر يصلان إليه أو فمن شاء قلة صلاة الله وملائكته عليه فليقل الصلاة على ، ومن شاء كثرة صلاتهما فليكثر.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وإذهاب النفاق مشروط بالإقرار بفضلهم والاعتراف بإمامتهم ، فتخلف ذلك في المخالفين لعدم تحقق الشرط ، فإن قبول جميع العبادات مشروط بالولاية ، أو لوجود المانع وهو إنكار إمامتهم بل هم لا يفهمون معنى الصلاة عليهم ، فإنه متضمن للإقرار بإمامتهم كما ستعرف ، فهم لا يصلون حقيقة.

الحديث التاسع : ضعيف.

وظاهره أن قضاء الحاجات مترتب على القول المذكور وإن لم يطلبها وأن مائة مرة بيان لعدد تكرار هذا القول ، وقيل : هو جزء للدعاء كما ورد سبحان الله مداد كلماته ، ولا إله إلا الله عدد الليالي والدهور ، وهو بعيد.

٩٨

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم وعبد الرحمن بن أبي نجران جميعا ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل دعاء يدعى الله عز وجل به محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد.

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال حدثني من سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول جاء رجل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أجعل نصف صلواتي لك قال نعم ثم قال أجعل صلواتي كلها لك قال نعم فلما مضى قال ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفي هم الدنيا والآخرة.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن رجلا أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إني جعلت ثلث صلواتي لك فقال له خيرا فقال يا رسول الله إني جعلت نصف صلواتي لك فقال له ذاك أفضل فقال إني جعلت كل صلواتي لك فقال إذا يكفيك الله عز وجل ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك فقال له رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا يسأل الله عز وجل شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣ ـ ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته

_________________________________________

الحديث العاشر : صحيح ، وقد مر مضمونه في الخبر الأول.

الحديث الحادي عشر : مرسل ، وقد مر مضمونه في الثالث.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح ، ومضمونه قريب مما مر.

وقوله : جعلت يحتمل الإنشاء والخبرية ، ويؤيد الأول الخبران السابقان ، وما نقلته من طرق العامة إذ الظاهر اتحاد الواقعة ، والضمير المجرور في له للصادقعليه‌السلام .

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

والمرادبرفع الأصوات إما الاجتماع والاتفاق في الصلاة ، فإن بذلك ترتفع

٩٩

يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ارفعوا أصواتكم بالصلاة علي فإنها تذهب بالنفاق.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يعقوب بن عبد الله ، عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا إسحاق بن فروخ من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته مائة مرة ومن صلى على محمد وآل محمد مائة مرة صلى الله عليه وملائكته ألفا أما تسمع قول الله

_________________________________________

الأصوات ، أو رفع صوت كل منهم ، لإظهار الجد والاهتمام ، والضمير فيقوله : فإنها إما راجع إلى الصلاة أو إلى رفع الأصوات فالتأنيث باعتبار المضاف إليه.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

ومولى آل طلحة لعله كان ممن أعتقوه ، وروي عن الشهيد الثاني (ره) أن المولى إذا أطلق في كتب الرجال فالمراد به غير العربي الصريح ، ومتى وجد منسوبا فبحسب النسبة انتهى. ويحتمل هنا الصديق والتابع والمصاحب ، والظاهر أن المراد بطلحة هنا الملعون المعروف« صلى الله عليه » لقوله تعالى :( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (١) وروى العامة بإسنادهم عن أبي طلحة قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ ولا أطيب نفسا ، قلت : يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا ولا أشد استبشارا منك اليوم؟ فقال : وما يمنعني وقد خرج آنفا جبرئيل من عندي ، قال : قال الله تعالى : من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات ، ومحوت عنه عشر سيئات ، وكتبت له عشر حسنات.

وهذا أقل مراتبه كما قال تعالى : «وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » فلا ينافي ما مر من الألف ، لأن المراد فيه الصلاة الكاملة ، أو هذا بحسب الاستحقاق ، وما مر هو التفضل والأول أظهر ، فالتفاوت بحسب مراتب الصلوات والمصلين ، والاستشهاد بالآية لإثبات أصل صلاة الله وملائكته للمؤمنين رفعا لاستبعاد القاصرين ، لا لبيان العدد

__________________

(١) الأنعام : ١٦٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

أقوى لما يأتي ، والثاني : المنع عملاً بالبراءة.

مسألة ٣٤٥ : لو نسي الجهر والإِخفات حتى فرغ من القراءة مضى في صلاته‌ ولا يستأنف القراءة وإن كان لم يركع لأنه فعل المأمور به وهو القراءة ، والكيفية لا تجب مع النسيان لأنه عذر ، ولقول الباقرعليه‌السلام وقد سأله زرارة عن رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه وأخفى فيما لا ينبغي الإِخفات فيه وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه وقرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه فقال : « إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه »(١) ولأنه لو ترك أصل القراءة ناسياً صحت صلاته فالكيفية أولى.

وهل يسجد له؟ لعلمائنا قولان : أحدهما : الوجوب بناءً على أن كل سهو يلحق الإِنسان يجب فيه السجدتان على ما يأتي.

والثاني : المنع لأن قول الباقرعليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه »(٢) يقتضي نفي السجود.

وبالأول قال مالك(٣) لقولهعليه‌السلام : ( لكل سهو سجدتان )(٤) وبالثاني قال الشافعي ، والأوزاعي(٥) لأن أنساً جهر في العصر فلم يسجد له(٦) ، ولأنها هيئة مسنونة فلم يسجد لتركها كرفع اليدين.

ولا حجة في فعل أنس مع أنها شهادة نفي ، ونمنع الجامع لأنه عندنا‌

____________________

(١و٢) التهذيب ٢ : ١٤٧ - ٥٧٧.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ١٤٠ ، القوانين الفقهية : ٧٧ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨٥ / ١٢١٩ ، مسند أحمد ٥ : ٢٨٠.

(٥) المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٦) المغني ١ : ٧٢٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

٣٢١

واجب ، وعن أحمد روايتان كهذين(١) .

وقال أبو حنيفة : إن كان إماماً سجد(٢) . ونقل عنه إن أسرّ المصلي بما يجهر فلا سجود عليه وإن جهر بما يسرّ فعليه سجود السهو(٣) . ثم اختلفوا في قدره فمنهم من اعتبر أن يجهر بقدر ثلاث آيات ، ومنهم من اعتبر الجهر بآية(٤) ، ونقل أبو إسحاق عن الشافعي أنه يسجد لكل مسنون تركه في الصلاة سواء كان ذِكراً أو عملاً(٥) .

مسألة ٣٤٦ : لو سها عن الذكر في الركوع أو السجود فإن كان بعد لم يرفع رأسه سبّح ، وإن كان قد رفع مضى في صلاته‌ لما تقدم ، ولقول عليعليه‌السلام وقد سئل عن رجل ركع ولم يسبح ناسياً ، قال : « تمت صلاته »(٦) وسئل الكاظمعليه‌السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه وسجوده قال : « لا بأس بذلك »(٧) .

وهل يسجد للسهو؟ لعلمائنا قولان ، وقال الشافعي : لا يسجد فيها للسهو لأنها ليست أركانا مقصودة بل هيئات لها ؛ وبه قال أبو حنيفة أيضا(٨) .

مسألة ٣٤٧ : لو ترك الطمأنينة في الركوع ، أو الرفع منه ، أو في إحدى السجدتين ، أو في الرفع من الاُولى ، أو في إكماله ، أو في الرفع من الركوع ، أو في الجلوس للتشهد ، أو ترك عضواً من السبعة لم يسجد عليه فما زاد‌

____________________

(١) المغني ١ : ٧١٩ - ٧٢٠ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، اللباب ١ : ٩٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٤ ، الميزان ١ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢٠.

(٣) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ٢٢٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥.

(٥) حكاه الرافعي في فتح العزيز ٤ : ١٤٠.

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٣.

(٧) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٤.

(٨) الأم ١ : ١١٥ ، المجموع ٤ : ١٢٦ و ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٣٩ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٦.

٣٢٢

سهوا ، فإن كان في محله أتى به ، وإن انتقل لم يلتفت لأنه عذر في الأفعال فكذا في كيفياتها.

مسألة ٣٤٨ : لا حكم للسهو في السهو‌ لأنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً ، فلا ينفك عن التدارك وهو حرج فيكون منفياً ، ولأنه شرّع لإِزالة حكم السهو فلا يكون سبباً لزيادته ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على السهو سهو ، ولا على الإِعادة إعادة »(١) .

إذا عرفت هذا فاعلم أن الشافعي قال : إن استيقن أنه سها وشك هل سجد للسهو أم لا ، يسجد لأن الأصل أنه لم يسجد ، وكذا إذا سجد وشك هل سجد واحدة أو اثنتين فإنه يأتي بسجدة اُخرى ، والنفل أولى(٢) .

أما لو شك هل سها أم لا فإنه لا يلتفت ولا شي‌ء عليه لأن الأصل عدم السهو سواء كان في الزيادة أو النقصان.

وقال الشافعي : إن كان في الزيادة مثل أن شك هل زاد في الصلاة سهواً أم لا ، أو هل جرى في صلاته ما يقتضي سجوداً أم لا فإنه لا سهو فيه ولا سجود عليه. وإن كان في النقصان فإن كان قد شك في نقصان فعل واجب كسجود وغيره أتى به وسجد للسهو. وإن كان في مسنون يسجد له كالتشهد الأول أو القنوت فإنه يسجد له لأن الأصل عدمه(٣) .

مسألة ٣٤٩ : ولا سهو على من كثر سهوه وتواتر‌ بل يبني على وقوع ما شك فيه ، ولا يسجد للسهو فيه لما في وجوب تداركه من الحرج ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك »(٤) وقول الباقر عليه‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

(٢) الأم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٢٨ ، مختصر المزني : ١٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٦٧ - ١٦٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٣.

٣٢٣

السلام : إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك فإنه يوشك أن يدعك فإنما هو الشيطان »(١) .

إذا عرفت هذا فالمرجع إلى العرف في حدّ الكثرة إذ عادة الشرع ردّ الناس إلى عرفهم فيما لم ينص عليه.

وقال بعض علمائنا : حدُّه أن يسهو في شي‌ء واحد ، أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، أو يسهو في أكثر الصلوات الخمس كالثلاث فيسقط بعد ذلك حكم السهو في الرابعة(٢) .

قال الشيخ في المبسوط : قيل : إنّ حدّ ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية(٣) .

مسألة ٣٥٠ : ولا سهو على المأموم إذا حفظ عليه الإِمام ، وبالعكس‌ عملاً بأصالة البراءة ، ولقولهعليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو )(٤) .

ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام : « الإِمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الافتتاح »(٥) وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على من خلف الإِمام سهو »(٦) .

ولو اختص المأموم بالسهو فإن كان بالزيادة مثل أن يتكلم ناسياً أو يقوم في موضع قعود الإِمام ناسياً أو بالعكس كان وجود سهوه كعدمه ، ولا شي‌ء‌

____________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٤.

(٢) هو ابن إدريس في السرائر : ٥٢.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٢.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٥ ، التهذيب ٢ : ١٤٤ / ٥٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

٣٢٤

عليه عملاً بالأحاديث السابقة - وهو قول الجمهور كافة(١) - لأن معاوية بن الحكم تكلم خلف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يأمره بالسجود(٢) ، إلّا ما نقل عن مكحول : أنه قام مع قعود إمامه فسجد للسهو(٣) . ولا عبرة بخلافه مع انقراضه.

وإن كان بالنقصان فإن كان في محلّه أتى به لأنه مخاطب بفعله ولم يحصل فيبقى في العهدة ، وإن تجاوز المحل فإن كان ركناً بطلت صلاته كما لو سها عن الركوع وذكر بعد سجوده مع الإِمام ، وإن لم يكن ركناً كالسجدة قضاها بعد التسليم.

ولو كان مما لا يقضى كالذكر في السجود ، أو الركوع فلا سجود للسهو فيه عملاً بما تقدم من الأخبار ، ولو قيل : بوجوب السجود في كلّ موضع يسجد للسهو فيه كان وجهاً لقول أحدهماعليهما‌السلام : « ليس على الإِمام ضمان »(٤) .

مسألة ٣٥١ : لو انفرد الإِمام بالسهو لم يجب على المأموم متابعته‌ لأن المقتضي للسجود - وهو السهو - منتف عنه فينتفي معلوله.

وقال الشيخ : يجب على المأموم(٥) - وهو قول الجمهور كافة - لقوله‌

____________________

(١) الاُم ١ : ١٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٤ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، الميزان ١ : ١٦١ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ / ٥٣٧ ، سنن النسائي ٣ : ١٤ - ١٧ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤٤ / ٩٣٠ و ٢٤٥ / ٩٣١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٣ ، سنن البيهقي ٢ : ٢٤٩ ، مسند الطيالسي : ١٥٠ / ١١٠٥.

(٣) المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ / ١٦٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

٣٢٥

عليه‌السلام : ( ليس على من خلف الإِمام سهو ، فإن سها الإِمام فعليه وعلى من خلفه )(١) ولأن صلاة المأموم تابعه لصلاة الإِمام ، وإنما يتم صلاة الإِمام بالسجود للسهو ، ونمنع الحديث ، ونمنع التبعية كما لو انفرد بما يوجب الإِعادة.

أما لو اشترك السهو بين الإِمام والمأموم فإنهما يشتركان في موجبه قطعاً لوجود المقتضي في حق كل منهما.

فروع :

أ - لو اختص الإِمام بالسهو فلم يسجد له لم يسجد له المأموم‌ - وبه قال أبو حنيفة ، وإبراهيم النخعي ، وحماد ، والمزني ، وأحمد في رواية(٢) - لأنه لم يسه ولم يسجد إمامه فيتابعه.

وقال الشافعي : يسجد المأموم - وبه قال مالك ، والأوزاعي ، والليث بن سعد ، وأبو ثور ، وأحمد في رواية(٣) - لأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإِمام كما تكمل بكمالها فإذا لم يجبرها الإِمام جبرها المأموم. ونمنع المقدمة الاُولى.

ب - لو اشترك السهو بينهما فإن سجد الإِمام تبعه المأموم‌ بنية الائتمام أو الانفراد إن شاء ، ولو لم يسجد الإمام سجد المأموم وبالعكس.

ج - لو سها الإِمام لم يجب على المسبوق بعده متابعته في سجود‌

____________________

(١) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٢) الهداية للمرغيناني ١ : ٧٥ ، الكفاية ١ : ٤٤٢ ، شرح العناية ١ : ٤٤٢ ، اللباب ١ : ٩٦ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١ ، المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٥ و ١٤٦ - ١٤٧ ، الوجيز ١ : ٥٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، الشرح الصغير ١ : ١٣٩ ، أقرب المسالك : ٢١ ، المغني ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١.

٣٢٦

السهو لعدم الموجب في حقه سواء قلنا : إنَّ السجود قبل التسليم ، أو بعده بل ينوي المأموم الانفراد ويسلم ، وإن شاء انتظر إمامه ليسلم معه - وبه قال ابن سيرين(١) - لأن هذا ليس موضع سجود السهو في حق المأموم.

وقال الجمهور كافة : يتابعه المأموم(٢) لقولهعليه‌السلام : ( إنما جعل الإِمام إماماً ليؤتم به فإذا سجد فاسجدوا )(٣) ويحمل على سجود الصلاة.

فإن سلم الإِمام ثم سجد لم يتابعه المأموم بل قام فأتم صلاته - وبه قال الشافعي(٤) - خلافاً لأبي حنيفة لأن عنده الإِمام يسجد بعد السلام ويعود إلى حكم صلاته فيتابعه فيه(٥) .

إذا عرفت هذا فإذا قضى المسبوق ما بقي عليه لم يسجد للسهو عندنا لاختصاص الإِمام بموجبه - وهو القديم للشافعي(٦) - لأن سجود الإِمام قد كملت به الصلاة في حق الإِمام والمأموم فلا حاجة به إلى السجود كما لو سها المأموم فإنه لا يسجد لأن كمال صلاة الإمام أغناه عن تكميل صلاته بالسجود.

وفي الجديد : أنه يسجد في آخر صلاته لأنه قد لزمه حكم سهو الإِمام‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٦ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٦ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، بدائع الصنائع ١ : ١٧٥ - ١٧٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٩٧.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٠٦ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ / ٤١١ و ٣٠٩ / ٤١٤ ، سنن أبي داود ١ : ١٦٤ / ٦٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ١٩٤ / ٣٦١ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ / ٨٤٦ و ٣٩٢ / ١٢٣٨ ، سنن الدارمي ١ : ٣٠٠ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٤.

(٤) حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) بدائع الصنائع ١ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٦) المجموع ٤ : ١٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

٣٢٧

فيسجد له موضع السجود ، وما فعله مع الإِمام كان متابعاً له(١) .

إذا ثبت هذا فلو سها هذا المسبوق فيما انفرد به سجد له.

وقال الشافعي : إن كان قد سجد مع إمامه وقلنا : لا يلزمه إعادة السجود سجد لسهوه الذي انفرد به سجدتين ، وإن قلنا : يعيد أو لم يكن سجد مع إمامه سجد سجدتين ، وكفاه عن سهو الإِمام وسهو نفسه. ومن الشافعية من قال : يسجد أربع سجدات لاختلاف السهوين(٢) .

د - لو سها الإِمام فيما سبق به المأموم لم يلزمه حكم سهو الإِمام‌ لأنه لا يلزمه فيما يتابعه فغيره أولى - وهو قول لبعض الشافعية(٣) - لأنه كان ، منفرداً عنه.

وقال الشافعي ، ومالك : يلزمه حكم سهو الإِمام لدخول النقص فيها فيسجد لو سجد إمامه(٤) .

وعلى القول الأول لو سجد إمامه ، قال الشافعي : يتبعه وإذا أتم صلاته لا يعيد ، وكذلك إن لم يسجد إمامه لا يلزمه أن يسجد إذا تمم صلاته(٥) .

ه- لو قام الإِمام إلى الخامسة ساهياً فسبح به المأموم فلم يرجع جاز أن ينوي الانفراد‌ ، والبقاء على الائتمام ، فلا يجوز له متابعة الإِمام في الأفعال لأنها زيادة في الصلاة إلا أن صلاة الإِمام لا تبطل بها لسهوه ، بل ينتظر قاعداً حتى يفرغ من الركعة ويعود إلى التشهد ويتشهد معه.

فإن سجد الإِمام للسهو لم يسجد المأموم ، وقال الشافعي :

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٩.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨ - ٩٩ ، المغني ١ : ٧٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٨.

(٥) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٢٨

يسجد(١) . وإن لم يسجد الإِمام لم يسجد المأموم أيضاً ، وقال الشافعي : يسجد(٢) .

فلو كان المأموم مسبوقاً بركعة وقام الإِمام إلى الخامسة فإن علم المأموم أنها خامسة لم يكن له المتابعة ، وإن لم يعلم وتابعه احتسب له الركعة.

و - لو صلى ركعة فأحرم إمام بالصلاة فنوى الاقتداء به احتمل البطلان والصحة ، والقولان للشافعي(٣) ، وسيأتي ، فإن سوغناه وكان قد سها المأموم فيما انفرد به ثم سها إمامه فيما يتبعه فيه فلما فارق الإِمام وأراد السلام وجب عليه أربع سجدات إن قلنا بالمتابعة وإلّا فسجدتان عما اختص به.

ز - لو ترك الإِمام سجدة وقام سبح به المأموم فإن رجع ، وإلّا فللمأموم متابعته بعد أن يسجد لأن صلاة الإِمام صحيحة.

وقال الشافعي : لا يجوز له متابعته لأن فعل الإِمام بعد ذلك غير معتد به(٤) . وهو ممنوع.

فإن أخرج نفسه عن متابعة الإِمام جاز سواء كان قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه ولا يسجد المأموم.

وقال الشافعي : إن أخرج قبل أن يبلغ الإِمام حد الراكعين أو زاد عليه لزمه أن يسجد للسهو لأنه فارق إمامه بعد استقرار حكم السهو في صلاته(٥) .

____________________

(١و٢) حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٣) المجموع ٤ : ٢٠٨ و ٢٠٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٦٠.

(٤) المجموع ٤ : ٢٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ٣٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٠٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٤٤.

(٥) اُنظر المجموع ٤ : ١٤٦.

٣٢٩

فإن أراد أن ينتظره فإن كان المأموم قد رفع رأسه من السجدة الاُولى فإن أراد أن ينتظره في الجلسة لم يجز لأن الجلسة ركن قصير فلا يجوز تطويلها ، فلو أراد أن يسجد السجدة الثانية وينتظره فيها كره له ذلك لأنه يكره للمأموم أن يسجد قبل إمامه إلَّا أنه لو فعل ذلك لم تبطل صلاته.

ثم إذا سجد الإِمام فيصبر المأموم ساجداً إلى أن يرفع الإِمام رأسه من السجدتين جميعاً إن أراد ، وإن أراد أن يرفع رأسه من السجود بعد ما رفع الإِمام رأسه من السجدة الاُولى جاز لأن المحسوب للإِمام السجدة الاُولى على ظاهر المذهب.

ولو رفع رأسه من السجود قبل أن يسجد الإِمام بطلت صلاته ، لأن الإِمام ما شرع في السجدة الثانية وهو قد فرغ منها ، والمأموم إذا سبق الإِمام بركن كامل بطلت صلاته.

ثم إذا رفع الإِمام رأسه وكان قد ترك السجود من الركعة الأولى فأراد الإِمام أن يجلس للتشهد الأول فالمأموم لا يتابعه في التشهد ولكن ينتظره قائما فإذا صلّى ركعة أخرى فقد تمت للمأموم ركعتان وهو موضع التشهد إلّا أن الإِمام يعتقد ذلك ثالثة فلا يقعد للتشهد ويترك المأموم التشهد أيضاً متابعة له.

فإذا صلّى ركعة اُخرى فاعتقاد الإِمام أن صلاته قد تمت فيقعد للتشهد والمأموم لا يتابعه بعد ذلك ، فإن تابعه بطلت صلاته ، فإن أحسّ بقيامه وبعد لم يرفع رأسه من السجدة الاُولى ، فأراد أن ينتظره فيها جاز ؛ لأن السجود ركن ممتد.

ثم إذا أراد الإِمام أن يسجد فعلى المأموم أن يرفع رأسه ثم يسجد معه لأن الإِمام قد فرغ من سجدة فالمحسوب له السجدة الاُولى ، فلو لم يرفع رأسه حتى زاد الإِمام ولكن سجد معه السجدة الثانية لم يجز لأن الثانية زائدة ولو فعل بطلت صلاته. وهذا كله ساقط عندنا.

ح - لو ظن المأموم أن الإِمام قد سلم فسلم ثم بان له أنه لم يسلم‌ بعد‌

٣٣٠

احتمل خروجه عن الصلاة باستيفاء أفعاله وسلامه ، وخطؤه ليس بمفسد لشي‌ء من أفعاله ، وأن يسلم مع الإِمام فيسجد إن قلنا به فيما ينفرد به وإلّا فلا ، لأنه سهو في حالة الاقتداء ، وبه قال الشافعي(١) .

ولو ذكر في التشهّد أنه ترك الفاتحة لم يلتفت عندنا ، وقال الشافعي : إذا سلّم الإِمام قام إلى ركعة اُخرى ولا يسجد للسهو ، لأن سهوه كان خلف الإِمام وكذا لو ذكر أنه ترك ركوعاً(٢) وعندنا تبطل صلاته لأنه ركن.

ولو سلّم الإمام فسلم المسبوق ناسياً ثم تذكّر بنى على صلاته وسجد للسهو - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ سلامه وقع بعد انفراده ، ولو ظنّ المسبوق أن الإِمام سلم لصوت سمع فقام ليتدارك ما عليه وفعله وجلس ، ثم علم أن الإِمام لم يسلم احتسب ما فعله لأنه بقيامه نوى الانفراد وله ذلك.

وقال الشافعي : لا يحسب ما فعله لأن وقت انقطاع القدوة إما بخروج الإِمام عن الصلاة أو بقطع القدوة حيث يجوز ذلك ولم يوجد واحد منهما ، فلا يسجد للسهو بما أتى به لبقاء حكم الاقتداء(٤) .

ولو تبين له في القيام أن الإِمام لم يسلّم فإن أراد أن يستمر على التدارك وقصد الانفراد فهو مبني على أن المقتدي هل له قطع القدوة؟ فإن منعناه رجع ، وإن جوّزناه فوجهان :

أحدهما : ذلك لأن نهوضه غير معتد به ثم ليقطع القدوة إن شاء.

____________________

(١و٢) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٣ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٣ - ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١.

٣٣١

والثاني : لا يجب لأن الانتهاض ليس متعيناً لعينه ، وإنما المقصود القيام وما بعده فصار كما لو قصد القطع في ابتداء النهوض.

وإن لم يقطع القدوة تخير بين أن يرجع أو ينتظر قائماً سلام الإِمام ، فإذا سلم اشتغل بتدارك ما عليه.

ط - إن قلنا بالتحمل - كما هو قول الشيخ(١) والشافعي(٢) - فإنما يكون لو كانت صلاة الإِمام صحيحة‌ فلو تبيّن كون الإِمام جنباً لم يسجد لسهوه ولا يتحمل هو عن المأموم ، ولو عرف أن الإِمام مخطىء فيما ظنه من السهو فلا يوافقه إذا سجد.

ي - كل موضع يلحقه سهو الإِمام فإنه يوافقه‌ ، فإن ترك عمداً ففي إبطال الصلاة نظر - وجزم به الشافعي(٣) - ولو رأى الإِمام يسجد في آخر صلاته سجدتين فعلى المأموم أن يتابعه حملاً على أنه قد سها ، وإن لم يعرف سهوه.

يا - لو اعتقد الإِمام سبق التسليم على سجدتي السهو فسلم واعتقد المأموم خلافه لم يسلّم‌ بل يسجد ولا ينتظر سجود الإِمام لأنه فارقه بالسلام ، وهو وجه للشافعي ، وله اثنان : أن يسلم معه ويسجد معه ، وأنه لا يسلم ، فإذا سجد سجد معه ثم يجلس معه ، فإذا فرغ من تشهده سلّم معه(٤) .

يب - لو سجد الإمام آخر صلاته عن سهو اختص به بعد اقتداء المسبوق لم يتبعه على الأقوى‌ ، وعلى الآخر : يتبعه - وبه قال الشافعي - لأن عليه متابعته

____________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٤ و ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢١١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٤٤ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٤٦ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨.

٣٣٢

وفيه وجه آخر : أنه لا يسجد معه لأن موضعه آخر الصلاة(١) .

وإذا سجد معه فهل يعيد في آخر صلاته؟ له قولان :

أصحهما : الإِعادة ، لأن المأتي به كان للمتابعة وقد تعدى الخلل إلى صلاته بسهو الإِمام ومحل الجبر بالسجود آخر الصلاة.

والعدم ؛ لأنه لم يسه ، والمأتي به سببه المتابعة وقد ارتفعت بسلام الإِمام(٢) .

يج - لو اشترك الإِمام والمأموم في نسيان التشهّد أو سجدة رجعوا ما لم يركعوا فإن رجع الإِمام بعد ركوعه لم يتبعه المأموم لأنه خطأ ، فلا يتبعه فيه وينوي الانفراد ، ولو ركع المأموم أوّلاً قبل الذكر رجع الإِمام وتبعه المأموم إن نسي سبق ركوعه ، وإن تعمد استمر على ركوعه وقضى السجدة وسجد للسهو.

يد - المسبوق إذا قضى ما فاته مع الإِمام لا يسجد للسهو‌ إذ المقتضي وهو السهو منفي هنا - وبه قال الشافعي(٣) - لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما أدركتم فصلّوا وما فاتكم فأتموا )(٤) ولم يأمر بالسجود.

وحكي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري أنهم قالوا : يسجد للسهو ثم يسلّم لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه(٥) ،

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢١٢ ، السراج الوهاج : ٦١.

(٢) فتح العزيز ٤ : ١٧٨ ، المجموع ٤ : ١٤٨.

(٣) المجموع ٤ : ١٦٣.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٦٣ و ١٦٤ و ٢ : ٩ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٠ و ٤٢١ / ٦٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤٩ / ٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٥٥ / ٧٧٥ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٤ ، مسند أحمد ٢ : ٢٣٧ و ٢٣٩ و ٢٧٠ و ٤٥٢.

(٥) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣٢ ، سنن أبي داود ١ : ٣٩ ذيل الحديث ١٥٢.

٣٣٣

وهو غلط لأن الزيادة إنما تفتقر إلى الجبران لو نقصت صلاته ، وهذه الزيادة واجبة فلا يجبرها إذا فعلها.

مسألة ٣٥٢ : لا حكم للسهو في النافلة‌ فلو شك في عددها بنى على الأقل استحباباً ، وإن بنى على الأكثر جاز ، ولا يجبر سهوه بركعة ، ولا سجود عند علمائنا أجمع لأن النافلة لا تجب بالشروع فيقتصر على ما أراد ، وبه قال ابن سيرين(١) .

وقال الشافعي : يسجد للنافلة كالفريضة لأن السجود لترك ما اقتضاه الإحرام ، أو لفعل شي‌ء يمنع منه الإِحرام وهو موجود في النفل كالفرض(٢) ، ونمنع اقتضاء مطلق الإِحرام بل الواجب.

البحث الثالث : فيما يوجب التلافي.

كلّ ساهٍ أو شاكٍ في شي‌ءٍ وإن كان ركناً وهو في محله فإنه يأتي به على ما تقدم ، وإن تجاوز المحل فمنه ما يجب معه سجدتا السهو إجماعاً منّا ، وهو نسيان السجدة أو السجدتين وتذكر قبل الركوع ، ونسيان التشهد كذلك ، ومنه ما لا يجب على خلاف ، ونحن نذكر ذلك كلّه إن شاء الله تعالى.

مسألة ٣٥٣ : لو ترك سجدة في الاُولى ساهياً ثم ذكر قبل الركوع في الثانية رجع فسجد ثم قام فاستقبل الثانية‌ - وبالرجوع قال العلماء - ولأن القيام ليس ركناً يمنع عن العود إلى السجود ، ولقول الصادقعليه‌السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام ، قال : « فليسجد ما لم يركع »(٣) .

وكذا لو ترك سجدة في الثانية فذكر قبل أن يركع في الثالثة ، أو في الثالثة فذكر قبل أن يركع في الرابعة ، ويجب عليه بعد ذلك سجدتا السهو‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٦١ ، المغني ١ : ٧٣٤.

(٢) الاُم ١ : ١٣٢ ، المجموع ٤ : ١٦١ ، مغني المحتاج ١ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦١.

٣٣٤

لقول الكاظمعليه‌السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : « إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ، ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه »(١) .

وهل تجب جلسة الفصل قبل السجود إن لم يكن قد جلس ، أو كان نيته جلسة الاستراحة؟ إشكال ينشأ من عدم النص ، وقيام القيام مقامه في الفصل ، وأصالة البراءة ، ومن أنها واجبة فيأتي بها.

وكذا لو نسي السجدتين معاً وذكر قبل الركوع فإنه يرجع ويسجدهما ثم يقوم لأن محل السجود قبل الركوع باق وإلّا لما صح الرجوع إلى السجدة الواحدة ، ويسجد أيضاً سجدتي السهو.

أما لو ذكر بعد الركوع أنه نسي سجدة واحدة من السابقة فإنه يتم الصلاة ويقضيها بعد التسليم ، ويسجد سجدتي السهو ، ولا يرجع إلى السجود لما فيه من تغيير هيئة الصلاة ، وزيادة الركن ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « إذا ذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض في صلاته حتى يسلّم ثم يسجدها ، فإنها قضاء »(٢) .

ولو ذكر بعد الركوع ترك سجدتين من السابقة بطلت صلاته لأنّه أخلّ بركن.

وقال الشافعي : إذا ذكر وهو قائم في الثانية أو بعد ركوعها قبل أن يسجد للثانية نسيان سجدة من الاُولى أتى بها كما يذكر.

ثم إن لم يجلس عقيب السجدة المأتي بها فيكفيه أن يسجد عن قيام ، أو يجلس مطمئناً ثم يسجد؟ وجهان :

أحدهما : أن القيام كالجلسة لأن الغرض الفصل بين السجدتين.

____________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٤ / ٦٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢ ، الاستبصار ١ : ٣٥٩ / ١٣٦١.

٣٣٥

وأصحهما عنده : أنه يجلس مطمئناً ثم يسجد ، لأن مقصود الجلسة وإن كان هو الفصل فالواجب الفصل بهيئة الجلوس.

وإن كان قد جلس ، إن جلس على قصد الجلسة بين السجدتين ، فإن اكتفينا في الصورة السابقة بأن يسجد عن قيام فهنا أولى ، وإن قلنا : يجلس ثم يسجد فقد قيل بمثله هنا لينتقل من الجلوس إلى السجود ، والأصح : أنه يكفيه أن يسجد عن قيامه فإنه الذي تركه.

وإن قصد بتلك الجلسة الاستراحة فوجهان : من حيث ان السنة لا تقوم مقام الفرض ، وأن ظن الاستراحة بتلك الجلسة لا يقدح.

وإن ذكر بعد أن سجد للثانية فإن السجدة التي سجدها تقع عن الاُولى ويبطل عمله في الثانية وتحصل له ركعة ملفقة.

وإن ذكر بعد فراغه من الثانية فإن لم يقيّد سجوده في الثانية بنيّة تمت الاُولى بسجود الثانية ولغت أعماله في الثانية ، وإن نوى أنها للثانية فأكثرهم على تمام الاُولى بسجوده لأن نية الصلاة تشتمل على جميع أفعالها وقد فعل السجود حال توجه الخطاب عليه بفعله(١) .

وقال ابن سريج : لا يتم الاُولى بهذه السجدة لأن نية الصلاة يجب استدامتها حكماً وقد وجدت نية حقيقية تخالفها فكانت الحقيقية أغلب.

وقال أبو حنيفة : إن ذكر نسيان السجدة الاُولى قبل ركوعه في الثانية عاد إليها كما قلناه نحن، وإن كان بعد ركوعه أو سجوده في الثانية سجد ثلاث سجدات متواليات فتلتحق سجدة بالأولى واثنتان عن الركعة الثانية وتتم له الركعتان ، وإن ذكر بعد اشتغاله بالتشهد سجد سجدة كما تذكر وتلتحق بالركعة الاُولى(٢) .

____________________

(١) مختصر المزني : ١٧ ، المجموع ٤ : ١١٨ - ١١٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٤٩ - ١٥١ ، مغني المحتاج ١ : ١٧٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١١٣ - ١١٤ ، بدائع الصنائع ١ : ١٦٧ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٠ - ١٥١.

٣٣٦

وقال مالك : إن لم يكن قد ركع عاد إلى السجود - كما قلناه - وإن كان قد ركع لغت الاُولى وصار الحكم للثانية فيتمها بسجدتين(١) .

فروع :

أ - إذا ذكر نسيان سجدة بعد سجدتي الثانية فقد بيّنا أنه يستمر ويقضي المنسية‌ ، وعند الشافعي يلفق فيجعل سجدة منهما للاُولى ويبطل المتخلل بينهما ، وأيّ السجدتين تحتسب له بها؟ أكثر أصحابه على أنها تتم بالاُولى وتلغو السجدة الثانية سواء كان قد جلس أولاً للفصل أو لا(٢) ، وعلى قول أبي إسحاق : يتم ركعته بالسجدة الثانية لأن عليه أن ينتقل إليهما من القعود(٣) .

ب - لو ترك أربع سجدات من أربع ركعات ، فإن ذكر قبل التسليم سجد واحدة عن الركعة الأخيرة‌ لأنّ المحل باق ثم يعيد التشهد ويسلم ويقضي السجدات الثلاث لفوات محلّها ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ سهو ، وإن ذكر بعد التسليم قضى السجدات الأربع ولاءً ، ويسجد السهو أربع مرات لفوات المحل.

وقال الشافعي : يتم الأولى بما في الثانية ، والثانية بما في الثالثة ، والثالثة بما في الرابعة فتصح له ركعتان لأن السجود الأول من الثانية يحسب عن الاُولى ، ويبطل المتخلل بينهما ، والثالثة تحسب ثانية ، وسجود الرابعة يكمل الثالثة ثانية ، هذا إن كان قد جلس للفصل.

____________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ١٣٤ - ١٣٥ ، الشرح الصغير ١ : ١٤١ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٠.

(٢) المجموع ٤ : ١١٩ ، فتح العزيز ٤ : ١٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٣) حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

٣٣٧

وإن ترك الجلسة أيضاً فإن كان جلس للتشهد الاُول صحت له ركعتان إلّا سجدة لأن التشهد الأول قام مقام جلسة الفصل للركعة الاُولى ووقعت السجدة الاُولى في الركعة الثالثة تمامها فصحت له ركعة بالثالثة ، وصحت له الرابعة بسجدة واحدة فيبني على ذلك.

وإن لم يجلس للتشهّد الأول صحّت له ركعة إلا سجدة إن كان جلس في الرابعة فيسجد أخرى ويتم له ركعة ويبني عليها ، ومن اجتزأ بالقيام في الفصل حصل له ركعتان ، وإن ذكر بعد التسليم ولم يطل الفصل فكما لو ذكر قبله ، وإن طال وجب الاستئناف(١) .

وقال مالك : تصح الرابعة إلّا سجدة ويبطل ما قبلها(٢) . وعن أحمد روايتان ، إحداهما : كقول مالك ، والاُخرى : بطلان الصلاة(٣) .

وقال أبو حنيفة : يأتي في آخر صلاته بأربع سجدات ويتم صلاته. وبه قال الثوري ، والأوزاعي ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري(٤) وحكى الطحاوي عن الحسن بن صالح بن حي : أنّه لو نسي ثمان سجدات أتى بهن متواليات لأن الركعة إذا سجد فيها فقد أتى بأكثرها ، والحكم يتعلق بالأكثر في صحة البناء كما إذا أدرك الركوع مع الإِمام ، والسجود متكرر فلا يعتبر فيه الترتيب كأيام رمضان(٥) .

ج - لو صلّى الظهر فنسي سجدة وذكر أنّها من الاُولى أتم صلاته وقضاها بعد التسليم وسجد للسهو ، وقال الشافعي : تمت الاُولى بالثانية‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥١ - ١٥٢ ، الوجيز ١ : ٥٠ ، المغني ١ : ٧٢٧ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٧ و ١٣٩.

(٢) المجموع ٤ : ١٢٢ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، المغني ١ : ٧٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٢ ، المغني ١ : ٧٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٢ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٥.

(٤) المجموع ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٤ ، المغني ١ : ٧٢٧ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٣ ، القوانين الفقهية : ٧٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

(٥) المغني ١ : ٧٢٧ ، حلية العلماء ٢ : ١٣٩.

٣٣٨

وتصير الثالثة ثانية(١) والرابعة ثالثة(٢) ، وتبقى عليه ركعة ، وكذا لو كانت من الثانية أو الثالثة(٣) .

ولو لم يعلم من أي ركعة هي حمل على أحسن الأحوال عنده ، وهو أنه تركها من ركعة قبل الرابعة ، فلا تصح الركعة التي بعدها فيأتي بركعة لتتم الصلاة بيقين.

ولو نسي سجدتين من الرباعية ولا يدري كيف تركهما أخذ بأسوإ الأحوال ويجعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثالثة سجدة فيتم الاُولى بالثانية ، والثالثة بالرابعة وتحصل له ركعتان.

ولو نسي ثلاث سجدات جعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ولم يترك من الثانية شيئاً فتمت الاُولى بالثانية ، وترك من الثالثة سجدة ، ومن الرابعة سجدة فتحصل من مجموعها ركعتان.

ولو نسي أربع سجدات قدر كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثانية لم يترك شيئاً ومن الثالثة ترك سجدة ، وما سجد شيئاً من الرابعة فتحصل له ركعتان إلّا سجدة.

ولو ترك خمس سجدات جعل كأنه ترك من الاُولى سجدة ، ومن الثانية سجدتين ، ومن الثالثة سجدتين ، ولم يترك من الرابعة شيئاً فتمت الاُولى بالرابعة وحصل له ركعة(٤) .

وعلى مذهبنا أنه إذا ترك سجدتين من ركعة واحدة بطلت صلاته على ما تقدم ، وإن لم يعلم أهُما من ركعة أو ركعتين؟ رجحنا جانب الاحتياط ، وأبطلنا الصلاة ، لاحتمال أن يكونا من ركعة فتبطل الصلاة لفوات ركن فيها ، وكذا لو علم أنهما من ركعة ولم يعلم أهما من الرابعة أو مما سبق؟

____________________

(١) في نسخة ( ش ) : ثانيته.

(٢) في نسخة ( ش ) : ثالثته.

(٣) المجموع ٤ : ١٢٠ - ١٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٤) المجموع ٤ : ١٢٠ - ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٣ - ١٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

٣٣٩

د - لو نسي جميع السجود بطلت صلاته عندنا ، وقال الشافعي : صح له القيام ، والقراءة ، والركوع الأول(١) . وقال بعض أصحابه : بل الركوع الأخير.

مسألة ٣٥٤ : لو نسي التشهّد الأول ، ثم ذكر قبل الركوع رجع إليه وتشهد ، ثم قام فاستقبل الثالثة ، وفي سجود السهو قولان ، ولو لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته ، وقضاه بعد التسليم ، وسجد للسهو - وبه قال الحسن البصري(٢) - لقول الصادقعليه‌السلام وقد سأله سليمان بن خالد عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : « إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ويسجد سجدتي السهو »(٣) ولأنه قبل الركوع في محل التشهد كالسجود.

وقال الشافعي : إن ذكر قبل انتصابه عاد إليه ، وإن ذكر بعد انتصابه لم يعد(٤) لقولهعليه‌السلام : ( إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس ، وإذا استتم قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو )(٥) .

وقال مالك : إن فارقت أليتاه الأرض مضى ولا يرجع(٦) . وقال‌

____________________

(١) المجموع ٤ : ١٢١ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧.

(٢) المجموع ٤ : ١٤٠ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، المغني ١ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٨ - ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ - ٣٦٣ - ١٣٧٤.

(٤) المجموع ٤ : ١٢٢ و ١٣٠ و ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٦ و ١٥٨ ، الوجيز ١ : ٥٠ و ٥١ ، المهذب للشيرازي ١ : ٩٧ ، السراج الوهاج : ٥٩ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، رحمة الأمة ١ : ٥٨ ، المغني ١ : ٧١٢ و ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٣٨١ / ١٢٠٨ ، مسند أحمد ٤ : ٢٥٤.

(٦) المنتقى للباجي ١ : ١٧٨ ، الشرح الصغير ١ : ١٤٢ ، المجموع ٤ : ١٤٠ ، فتح العزيز ٤ : ١٥٨ ، الميزان ١ : ١٦٢ ، المغني ١ : ٧١٣ ، الشرح الكبير ١ : ٧٢٤.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594