مرآة العقول الجزء ١٣

مرآة العقول15%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 363

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38319 / تحميل: 7076
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

(باب)

(الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن الأحول ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال كنت مع أبي جعفرعليه‌السلام إذ مر على عذرة يابسة فوطئ عليها فأصابت ثوبه فقلت :

_________________________________________

عن أحمد بن الحسين وهو تصحيف.

باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذر

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام « نظيفا » يمكن أن يستدل بظاهره على اشتراط طهارة الأرض لتطهير النعل وإن أمكن أن يكون المراد خلوها من عين النجاسة.

قولهعليه‌السلام « خمسة عشر ذراعا » لعله لزوال عين النجاسة فإنها تزول بها غالبا ، ونقل عن ابن الجنيد أنه اعتبر هذا التحديد ، وقال في مشرق الشمسين : اسم كان يعود بقرينة السياق في ما بين المكانين ، والظاهر أن المراد ما يحصل بالمشي عليه زوال عين النجاسة ، كما يشعر به قولهعليه‌السلام « أو نحو ذلك ».

الحديث الثاني : حسن.

قولهعليه‌السلام « إن الأرض » كان هذا للغبار النجس الذي مس النعل ويحتمل أن يكون لرفع توهم النجاسة الذي حصل للوطء على العذرة اليابسة ، والأول أولى كما لا يخفى ، ثم اعلم أن الحكم بتطهير التراب باطن الخف ، وأسفل القدم ، والنعل مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم الاتفاق عليه ، وربما أشعر كلام المفيد باختصاص الحكم بالخف والنعل ، وصرح ابن الجنيد بالتعميم ، ومقتضى

١٢١

جعلت فداك قد وطئت على عذرة فأصابت ثوبك فقال أليس هي يابسة فقلت بلى فقال لا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضا.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن محمد الحلبي قال نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال أين نزلتم فقلت نزلنا في دار فلان فقال إن بينكم وبين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له إن بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا فقال :

_________________________________________

كلامه الاكتفاء في حصول التطهير بمسحها بغير الأرض من الأعيان الطاهرة ، وربما ظهر من كلام الشيخ في الخلاف عدم طهارة أسفل الخف بمسحه بالأرض ، فإنه استدل فيه بجواز الصلاة فيه بكونه مما لا يتم فيه الصلاة.

ثم ظاهر ابن الجنيد اشتراط طهارة الأرض ويبوستها ، وهو أحوط ، ولا يعتبر المشي بل يكفي المسح إلى أن يذهب العين ، وقال في الحبل المتين : ولعل المراد بالأرض في قولهعليه‌السلام ـ الأرض يطهر بعضها بعضا ما يشتمل نفس الأرض وما عليها من القدم والنعل والخف ، وقال في المعالم : وكان المراد من هذه العبارة بمعونة سياق الكلام الواقعة فيه ، أن النجاسة الحاصلة في أسفل القدم وما هو بمعناه بملاقاة الأرض المتنجسة على الوجه المؤثر يطهر بالمسح في محل آخر من الأرض ، فسمي زوال الأثر الحاصل من الأرض تطهيرا لها ، كما يقول : الماء مطهر للبول ، بمعنى أنه مزيل للأثر الحاصل منه وعلى هذا يكون الحكم المستفاد من الحديث المذكور وما في معناه مختصا بالنجاسة المكتسبة من الأرض النجسة.

الحديث الثالث : مجهول كالموثق.

وفي الصحاح : الزقاق السكة ، ويدل على حرمة تنجيس المسجد أو إدخال النجاسة فيه مطلقا ، ويمكن أن يقال : لعله للصلاة في تلك النعل ، لكنه خلاف الظاهر وقال في المدارك : قولهعليه‌السلام « الأرض يطهر بعضها بعضا » يمكن أن يكون معناه أن الأرض يطهر بعضها ، وهو المماس لا سفل النعل أو الطاهر منها بعض الأشياء

١٢٢

لا بأس الأرض تطهر بعضها بعضا قلت والسرقين الرطب أطأ عليه فقال لا يضرك مثله.

٤ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يطأ في العذرة أو البول أيعيد الوضوء قال لا ولكن يغسل ما أصابه وفي رواية أخرى إذا كان جافا فلا يغسله.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن المعلى بن خنيس قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا فقال أليس وراءه شيء جاف قلت بلى قال فلا بأس إن الأرض تطهر بعضها بعضا.

(باب)

(المذي والودي)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي

_________________________________________

وهو النعل والقدم ، ويحتمل أن يكون المراد أن أسفل القدم والنعل ، إذا تنجس بملاقاة بعض الأرض النجسة يطهره البعض الأخر الطاهر إذا مشى عليه فالمطهر في الحقيقة ما ينجس بالبعض الأخر وعلقه بنفس البعض مجازا.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور ، وآخره مرسل.

الحديث الخامس : مختلف فيه.

ويمكن أن يستدل بهذا على اشتراط الجفاف أيضا إلا أن يقال : الظاهر الجفاف عن هذه الرطوبة التي مر قبيله ، وهو الماء الذي سال عن بدن الخنزير.

باب المذي والودي

الحديث الأول : حسن.

والمياه التي تخرج من الإنسان سوى البول والمني ثلاثة ولا خلاف بين علمائنا

١٢٣

عبد اللهعليه‌السلام قال إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ولا تقطع الصلاة ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقيبك فإنما ذلك بمنزلة النخامة وكل شيء يخرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل أو من البواسير وليس بشيء فلا تغسله من ثوبك إلا أن تقذره.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المذي فقال ما هو والنخامة إلا سواء.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن بريد بن معاوية قال سألت أحدهماعليهما‌السلام عن المذي فقال لا ينقض الوضوء ولا يغسل منه ثوب ولا جسد إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المذي يسيل حتى يصيب الفخذ فقال لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه إنه لم يخرج من مخرج المني إنما هو بمنزلة النخامة.

_________________________________________

في عدم الانتقاض بها إلا ابن الجنيد ، فإنه ذهب إلى الانتقاض بالمذي إذا كان عقيب شهوة وفي القاموس : و المذي بسكون الذال والمذي كغني والمذي ساكنة اللام ما يخرج منك عند الملاعبة والتقبيل ، و الودي بالمهملة ما يخرج عقيب البول ولم نجد بالمعجمة في اللغة ، لكن ذكر الشهيد الثاني (ره) وبالمعجمة ما يخرج عقيب الإنزال وقال في المذي : إنه ماء رقيق لزج يخرج عقيب الشهوة ، وعلى ما عرفت لا يظهر لتقييد ابن الجنيد (ره) وجه وجيه ، وينبغي أن يحمل البواسير على ما إذا كان الخارج منها غير الدم ، أو يكون عدم الغسل لأنه معفو عنه ، لا طاهرا ويكون المراد من قوله « تقذره » تجده قذرا أي نجسا فيدخل الدم فيه ، وفيه بعد ، والأظهر أن المعنى ، إلا أن يستقذره طبعك وتستنكف عنه.

الحديث الثاني : موثق ، ويمكن الاستدلال به على الطهارة.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : حسن.

١٢٤

(باب أنواع الغسل)

١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول الغسل من الجنابة ويوم الجمعة والعيدين وحين تحرم وحين تدخل مكة والمدينة ويوم عرفة ويوم تزور البيت وحين تدخل الكعبة وفي ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين من شهر رمضان ومن غسل ميتا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن غسل الجمعة فقال واجب في السفر والحضر إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء وقال غسل الجنابة واجب وغسل الحائض إذا

_________________________________________

باب أنواع الغسل

الحديث الأول : مجهول كالصحيح.

قولهعليه‌السلام « والعيدين » حدد بعض الأصحاب وقتهما بالزوال ، وبعضهم بالصلاة ، وظاهر هذا الخبر إلى آخر اليوم ، إلا أن يقال المراد بالعيدين صلاتهما ، وبعض الأخبار يؤيد ما ذكرناه من الامتداد إلى آخر اليوم ونسب القول بالوجوب في العيدين إلى الظاهرية.

قولهعليه‌السلام « تزور البيت » الظاهر أن المراد به طواف الحج ، ويحتمل مطلق الطواف أيضا ، وفيه دلالة على أنه يكفي الغسل ذلك اليوم ولا تلزم المقارنة.

قولهعليه‌السلام « ومن غسل ميتا » ظاهره غسل المس لا غسل الميت كما فهمه الشيخرحمه‌الله .

الحديث الثاني : موثق.

قولهعليه‌السلام « في السفر وقلة الماء » ظاهره اجتماعهما ، ويحتمل أن يكون كل منهما علة برأسها وفي التهذيب : لقلة الماء.

١٢٥

طهرت واجب وغسل المستحاضة واجب إذا احتشت بالكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة وغسل النفساء واجب وغسل المولود واجب وغسل الميت واجب وغسل الزيارة واجب وغسل دخول البيت واجب وغسل الاستسقاء واجب وغسل أول ليلة من شهر رمضان يستحب وغسل ليلة إحدى وعشرين وغسل ليلة ثلاث وعشرين سنة لا تتركها فإنه يرجى في إحداهن ليلة القدر وغسل يوم

_________________________________________

قولهعليه‌السلام « وإن لم يجز » شامل للقليلة والمتوسطة إلا أن القليلة خارج بالنصوص فيبقى المتوسطة وهذا مستند المشهور في تثليث أقسام المستحاضة ، ولا يخفى عدم دلالته على كون الغسل لصلاة الغداة.

قولهعليه‌السلام « لكل صلاة » أي واجب ، ويفهم منه وجوب الوضوء مع الغسل ، ويمكن حمله على صلاة لم يقارنها الغسل للأخبار الكثيرة أو يحمل على الاستحباب ، والمشهور أن غسل المولود غسل كسائر الأغسال لا غسل ، وأيضا المشهور استحبابه ، وقال ابن حمزة بوجوبه لهذا الخبر وما يشابهه من الأخبار الأخر ، وحملت على تأكد الاستحباب.

قولهعليه‌السلام وغسل الزيارة واجب الظاهر أن المراد منها طواف الحج ، والأكثر حملوه على مطلق الزيارة ، ولا حاجة لنا في إثباته إلى هذا الخبر ، للأخبار الكثيرة الواردة لاستحباب الغسل لها عموما وخصوصا قولهعليه‌السلام « في إحداهن » كذا في التهذيب أيضا وفي الفقيه إحداهما ، وهو الأظهر ، وعلى الأول إما تجوز في الجمع ، أو بإضافة الليلة الأولى.

قولهعليه‌السلام « وغسل الاستخارة » ذكر الأكثر أنه ليس المراد الغسل لكل استخارة ، بل لصلاة الاستخارة المنقولة ، وقد ورد فيها الغسل في الخبر المخصوص ، ويشكل التخصيص لإطلاق هذا الخبر ، وحمله على العهد بعيد ، بل الظاهر أن لا يقيد بصلاتها أيضا.

١٢٦

الفطر وغسل يوم الأضحى سنة لا أحب تركها وغسل الاستخارة يستحب العمل في غسل الثلاث الليالي من شهر رمضان ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين.

(باب)

(ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة وإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد قال ثم قال وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهماعليهما‌السلام أنه قال إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر

_________________________________________

ثم لا يخفى ما في هذا الخبر من بيان اختلاف مراتب الفضل والاستحباب بالتعبير عن بعضها بالوجوب وبعضها بالسنة وبعضها بالاستحباب فتدبر.

قولهعليه‌السلام « ويستحب العلم » كان في هذه العبارة سهوا ، ويمكن أن يكون المراد أن غسل هذه الليالي لأجل العمل ، وفي التهذيب نقل الخبر إلى قوله وغسل الاستخارة يستحب من غير هذه التتمة.

باب ما يجزي الغسل منه إذا اجتمع

الحديث الأول : حسن.

قولهعليه‌السلام « والجمعة » وفي بعض النسخ مكانها الحجامة ، والمراد لغسل الحجامة ، وتطهيرها ، لا لغسلها وكأنها سهو من النساخ ، ويدل على تداخل الأغسال إذا كان معها واجب ، إما بأن ينوي الجميع ، أو يقصد الجنابة ويجزى عنها.

الحديث الثاني : ضعيف.

١٢٧

أجزأ عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم.

(باب)

(وجوب الغسل يوم الجمعة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن الغسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وأنثى

_________________________________________

وقال في المدارك إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا ، فإما أن يكون كلها واجبة أو مستحبة ، أو يجتمع الأمران.

الأول : أن تكون كلها واجبة والأظهر التداخل مع الاقتصار على نية القربة ، كما ذكره المصنف (ره) وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة مطلقا ، ولو عين أحد الأحداث. فإن كان المعين هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل إنه متفق عليه ، وإن كان غيره ففيه قولان أظهر هما أنه كالأول.

الثاني : أن تكون كلها مستحبة والأظهر التداخل مع تعيين الأسباب ، أو الاقتصار على القربة ، لفحوى الأخبار ، ومع تعيين البعض يتوجه الإشكال السابق ، وإن كان القول بالإجزاء غير بعيد أيضا.

الثالث : أن يكون المراد بعضها واجبا وبعضها مستحبا والأجود الاجتزاء بالغسل الواحد أيضا لما تقدم انتهى ، وما اختاره (ره) قوي كما يظهر من الأخبار.

باب وجوب الغسل يوم الجمعة

الحديث الأول : حسن ، واختلف في غسل الجمعة ، فالمشهور استحبابه ، وذهب الصدوقان إلى الوجوب كما هو ظاهر المصنف ، فمن قال بالاستحباب يحمل الوجوب على تأكده لعدم العلم بكون الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح ، بل الظاهر من الأخبار خلافه ومن قال بالوجوب يحمل السنة على مقابل الفرض أي ما ثبت

١٢٨

عبد أوحر.

٢ ـ علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن محمد بن عبد الله قال سألت الرضاعليه‌السلام عن غسل يوم الجمعة فقال واجب على كل ذكر وأنثى عبد أو حر.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر وعلى الرجال في السفر وليس على النساء في السفر وفي رواية أخرى أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن سيف ، عن أبيه سيف بن عميرة ، عن الحسين بن خالد قال سألت أبا الحسن الأولعليه‌السلام كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا فقال إن الله تبارك وتعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة

_________________________________________

وجوبه بالسنة لا بالقرآن ، وهذا أيضا يظهر من الأخبار.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : صحيح وآخره مرسل ، ويمكن حمله على عدم تأكد الاستحباب لخبر أم أحمد.

الحديث الرابع : حسن على ما قيل بناء على إن الحسين بن خالد ، هو الحسين بن أبي العلاء الخفاف. الممدوح ، والظاهر أنه الصيرفي المجهول لروايته كثيرا عن الرضاعليه‌السلام برواية الصدوق (ره) في كتبه ، وقال الفاضل التستري لا أعرفه على هذا الوجه ، وإن كان هو الحسن بن خالد على ما ينبه عليه بعض أخبار الفقيه حيث يروي عن الحسن بن خالد ، عن أبي الحسن الأول فقد وثق ، وكذا الكلام في نحوه.

قولهعليه‌السلام « وأتم وضوء النافلة » في أبواب الزيادات من التهذيب ، وضوء الفريضة أي الفريضة بدل النافلة وفي الفقيه الوضوء بدونهما ، وقد يستدل به على

١٢٩

و أتم وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة ما كان في ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان أو نقصان.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن صباح المزني ، عن الحارث بن حصيرة ، عن الأصبغ قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول والله لأنت أعجز من التارك الغسل يوم الجمعة وإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن موسى ، عن أمه وأم أحمد بنت موسى قالتا كنا مع أبي الحسنعليه‌السلام بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن الماء بها غدا قليل فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن بعض أصحابنا

_________________________________________

الاستحباب لكون نظيريه مستحبين ، ويشكل الاستدلال بمحض ذلك ، ولعله يصلح للتأييد.

الحديث الخامس : ضعيف.

الحديث السادس : مجهول.

ويدل على جواز التقديم لخوف قلة الماء ، وربما يشترط فيه السفر أيضا ، وهو غير معلوم ، وقد يقال بالجواز لسائر الأعذار بل لغير عذر أيضا لما روي من جواز تقديم أعمال الجمعة يوم الخميس لضيقه ولا يخلو من إشكال.

الحديث السابع : مرسل ، وأخره أيضا مرسل.

وظاهر أكثر الأصحاب عدم الفرق بين كون الفوات عمدا أو نسيانا لعذر وغيره ، وقال الصدوق (ره) ـ ومن نسي الغسل أو فاته لعذر فليغتسل بعد العصر أو يوم السبت فشرط العذر وأكثر الأخبار مطلقة.

١٣٠

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا بد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر فمن نسي فليعد من الغد وروي فيه رخصة للعليل.

(باب)

(صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرجل يغتسل في مكان غير)

(طيب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن غسل الجنابة فقال تبدأ بكفيك فتغسلهما ثم تغسل فرجك ثم تصب الماء على

_________________________________________

ثم اعلم أن ظاهر الأصحاب استحباب القضاء ليلة السبت ، والتقديم ليلة الجمعة والأخبار خالية عنهما ، ويمكن أن يقال يوم السبت يشمل الليل لكونه أحد إطلاقيه ، لكن يشكل الاستدلال به.

باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرجل يغتسل في مكان غير طيب وما يقال عند الغسل وتحويل الخاتم عند الغسل

الحديث الأول : صحيح.

قولهعليه‌السلام « تبدأ بكفيك » يظهر منه استحباب الغسل من الزند.

قولهعليه‌السلام « ثم تغسل فرجك » يمكن أن يستدل بظاهر هذا الخبر على وجوب تقديم رفع الخبث على الحدث ، واشتراط طهارة البدن عند الغسل ، إلا أن يقال هذا محمول على الاستحباب على كل مذهب ، إذ لم يقل أحد ظاهرا بوجوب رفع الخبث على جميع الغسل بل على غسل ذلك العضو.

قولهعليه‌السلام : « ثم تصب على رأسك » يحتمل أن يكون المراد به غسل الرأس ثلاث مرات وأن يكونعليه‌السلام أراد غسله بثلاث أكف من غير دلالة على تثليث

١٣١

رأسك ثلاثا ثم تصب الماء على سائر جسدك مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر.

٢ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يفيض الجنب على رأسه الماء ثلاثا لا يجزئه أقل من ذلك.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة قال قلت كيف يغتسل الجنب فقال إن لم يكن أصاب كفه شيء غمسها في الماء ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد أجزأه.

_________________________________________

الغسل ، وقد حكم جماعة من الأصحاب باستحباب تكرر الغسل ثلاثا في كل عضو ، وقد دل هذا الحديث والحديث الاتي على المرتين فيما عدا الرأس وحكم ابن الجنيد بغسل الرأس ثلاثا واجتزأ بالدهن في البدن ، واستحب للمرتمس ثلاث غوصات ، أقول ويظهر من هذا الخبر وسائر الأخبار عدم وجوب الترتيب بين الجانبين.

قولهعليه‌السلام : « مرتين » يحتمل أن تكون المرتان باعتبار الجانبين لكنه بعيد خصوصا مع التصريح في الخبر الثاني وقولهعليه‌السلام « فما جرى عليه الماء فقد طهر » يحتمل أن يكون المراد منه محض اشتراط الجريان أو مع تبعض الغسل أيضا بمعنى أن كل عضو تحقق غسله فهو بحكم الطاهر في جواز المس به وإدخاله المسجد وغير ذلك من الأحكام.

الحديث الثاني : مجهول كالصحيح.

وظاهره تثليث الصب لا الغسل ، والمعنى أنه لا يجزيه أقل من ذلك من أي من الثلاث الأكف لتحقق الغسل غالبا.

الحديث الثالث : حسن.

قولهعليه‌السلام : « وعلى منكبه الأيسر » لا يخفى أن هذا الخبر لا يدل على

١٣٢

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا قال قال تقول في غسل الجمعة اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق بها ديني وتبطل بها عملي وتقول في غسل الجنابة اللهم طهر قلبي وزك عملي وتقبل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة

_________________________________________

الترتيب بين الجانبين لعدم دلالة الواو عليه ، وعلى تقدير دلالة الترتيب الذكري عليه فإنما يدل على الترتيب في الصب لا الغسل فتأمل.

الحديث الرابع : مرسل.

قولهعليه‌السلام « اللهم طهر قلبي ». أي من العقائد الباطلة والأخلاق الذميمة والنيات الفاسدة ، « وزك عملي » أي اجعله زاكيا ناميا ، أو ثوابه مضاعفا ، أو اجعله طاهرا مما يدنسه من النيات الفاسدة وغيرها ، « واجعل ما عندك خيرا لي » أي تكون آخرتي أحسن لي من الدنيا ، أو أكون إلى الآخرة أرغب مني إلى الدنيا.

الحديث الخامس : حسن.

والظاهر أن الارتماس يتحقق بخروج جزء من الرأس ولا يشترط خروج جميع البدن عن الماء كما قيل ، وقال في الحبل المتين : الاجتزاء في غسل الجنابة بارتماسة واحدة مما لا خلاف فيه بين الأصحاب ، وألحقوا به بقية الأغسال ، ونقل الشيخ في المبسوط ، قولا بأن في الارتماس ترتيبا حكميا ، وهذا القول لا يعرف قائله ، غير أن الشيخ صرح بأنه من علمائنا ، وفسر تارة بقصد الترتيب واعتقاده حالة الارتماس ، وأخرى بأن الغسل يترتب في نفسه وإن لم يلاحظ المغتسل ترتيبه ، وقال المحقق الشيخ علي تبعا للشهيد أن فائدة التفسيرين يظهر فيمن وجد لمعة فيعيد على الأول ويغسلها على الثاني وفي ناذر الغسل مرتبا فيبرأ بالارتماس على

١٣٣

أجزأه ذلك من غسله.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت قال تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه وعن الخاتم الضيق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا كيف يصنع قال إن علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأبو داود جميعا ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أصابته

_________________________________________

الثاني دون الأول انتهى ، وللبحث فيه مجال واسع ، ولا يخفى أن رعاية الترتيب الحكمي بهذين التفسيرين ، ربما يقتضي مقارنة النية الجزء من الرأس.

الحديث السادس : صحيح.

وقال في مشرق الشمسين : السوار بكسر السين والدملج بالدال واللام المضمومتين وأخره جيم شبيه بالسوار تلبسه المرأة في عضدها ويسمى المعضد ولعل علي بن جعفر أطلق الذراع على مجموع اليد تجوزا.

قولهعليه‌السلام « إن علم » ظاهره الفرق بين الوضوء والغسل باشتراط العلم بالعدم في وجوب التخليل في الأول وكفاية عدم العلم في الثاني لكون الأمر في الغسل أشد ، ويمكن حمل ما في الوضوء على الوجوب ، والثاني على الاستحباب أو على أنه لما كان الغالب في الأول لاشتماله على الدملج ، عدم وصول الماء يكفي فيه عدم العلم بخلاف الثاني فإنه بخلافه.

الحديث السابع : مرسل.

وظاهره أنه يجزيه في الارتماس لا للترتيب بأن ينوي كل عضو ويغسله ، وإن احتمله أيضا ، وقد أجرى الشيخ في المبسوط العقود تحت المجرى ، والوقوف

١٣٤

جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده أيجزئه ذلك من الغسل قال نعم.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن علياعليه‌السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ويغسل سائر جسده عند الصلاة.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي

_________________________________________

تحت المطر مجرى الارتماس في سقوط الترتيب ، وإليه ذهب العلامة في جملة من كتبه ، وذهب ابن إدريس إلى اختصاص الحكم بالارتماس.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

واعلم أنه اختلف الأصحاب في وجوب الغسل لنفسه أو لغيره ، فذهب ابن إدريس ، والمحقق وجماعة إلى وجوب غسل الجنابة لغيره ، والراوندي والعلامة ووالده وجماعة إلى الوجوب لنفسه ، ويفهم من كلام الشهيد (ره) في الذكرى وقوع الخلاف في غير غسل الجنابة أيضا من الطهارات ، ولا يتوهم إمكان الاستدلال بهذا الخبر على وجوب الغسل لنفسه لأنه لا خلاف في استحبابه قبل الوقت فإن استدل بأنه يلزم أن يكون بعضه واجبا وبعضه مستحبا عورض بأنه على تقدير الوجوب لنفسه أيضا يلزم كون بعضه واجبا لنفسه وبعضه واجبا لغيره ، والجواب بعدم فساد ذلك مشترك.

ثم اعلم أنهم اختلفوا أيضا فيما إذا تخلل الحدث الأصغر بين الغسل ، فقيل يبطل الغسل ، وقيل يجب إتمامه والوضوء بعده وقيل لا يجب الوضوء أيضا ، وربما يؤيد الأخير هذا الخبر إذ قلما ينفك المكلف في مثل هذه المدة عن حدث فتدبر.

الحديث التاسع : حسن.

ويدل على وجوب الترتيب في الغسل بين الرأس والبدن ، وعلى أنه شرط

١٣٥

عبد اللهعليه‌السلام قال من اغتسل من جنابة فلم يغسل رأسه ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدا من إعادة الغسل.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن حماد ، عن بكر بن كرب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل فقال إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه بعد الغسل فلا عليه أن لا يغسلهما وإن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك أغتسل في الكنيف الذي يبال فيه وعلي نعل سندية فقال إن كان الماء الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك.

_________________________________________

في الغسل يبطل بالإخلال به سهوا أيضا.

الحديث العاشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « أن لا يغسلهما » ظاهره أنه إن كان رجلاه في الطين المانع من وصول الماء إليهما يجب غسلهما ، وإن لم يكن كذلك بل يسيل الماء الذي يجري [ على بدنه ] على رجليه فلا يجب الغسل بعد الغسل أو الغسل ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يشترط في تحقق الغسل عدم كون الرجلين في الماء لعدم كفاية الغسل السابق على النية وعدم تحقق غسل بعده ، والظاهر أنه تكفي الاستدامة مع النية ، أو المراد أنه إن كان يغتسل في الماء الجاري والماء يسيل على قدميه فلا يجب غسله ، وإن كان في الماء الواقف القليل فإنه يصير غسالة ولا يكفي لغسل الرجلين ، ولعله أظهر الوجوه.

الحديث الحادي عشر : حسن.

قولهعليه‌السلام « إن كان الماء » ظاهره أن هذا لتحقق الغسل لا للتطهير ، وإن كان سؤال السائل عنه فإنه يظهر منه جوابه أيضا فتأمل.

١٣٦

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن شاذان بن الخليل ، عن يونس ، عن يحيى بن طلحة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن سليمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الوضوء بعد الغسل بدعة.

١٣ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة

وروي أنه ليس شيء من الغسل فيه وضوء إلا غسل يوم الجمعة فإن قبله وضوءا وروي أي وضوء أطهر من الغسل.

١٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الخاتم إذا اغتسلت قال حوله من مكانه وقال في الوضوء تديره وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن

_________________________________________

الحديث الثاني عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام : « بدعة » ظاهره أن البدعة باعتبار البعدية ، ومنهم من حمل على غسل الجنابة ولا حاجة إليه.

الحديث الثالث عشر : صحيح ، والأخيران مرسلان.

ويظهر من هذا الخبر مع الخبر السابق كون الوضوء مع غسل الجنابة بدعة ، وقال في المدارك أجمع علماؤنا على أن غسل الجنابة يجزى عن الوضوء ، واختلف في غيره من الأغسال فالمشهور أنه لا يكفي بل يجب معه الوضوء للصلاة سواء كان فرضا أو سنة ، وقال المرتضى (ره) لا يجب الوضوء مع الغسل سواء كان فرضا أو نقلا وهو اختيار ابن الجنيد وجماعة من المتأخرين وهو أقوى.

قولهعليه‌السلام « إلا غسل يوم الجمعة » فإنه غير مبيح. وإن أمكن حمله على تأكد الاستحباب أيضا كما يدل عليه المرسلة بعده.

الحديث الرابع عشر : حسن.

ويحتمل أن يكون المراد من التحويل هو الإدارة وظاهره المغايرة لما في

١٣٧

تعيد الصلاة.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اغتسل أبي من الجنابة فقيل له :

_________________________________________

الغسل من المبالغة ، وعلى التقديرين الظاهر الاستحباب لعدم الأمر بالإعادة مع النسيان.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

ويمكن أن يكون المنع لا جل التنبيه على أن المعصوم لا يسهو أو للتعليم بالنظر إلى غيره ، وقال المحقق التستري (ره) : وكان فيه أن من وقع منه حال النسيان ما يحرم لو وقع منه حال التذكر لم يجب نهيه وهو قضية الأصول ، وقال الشيخ البهائي (ره) : فاعل اغتسل في بعض النسخ غير مذكور ، فضمير « قال » يرجع إلى الراوي ويحتمل رجوعه إلى الإمامعليه‌السلام فيكون حكاية عن شخص أنه فعل ذلك فلا يكون حجة ويمكن تأييد هذا الاحتمال بعصمة الإمامعليه‌السلام اللهم إلا أن يقال : لعل غرضهعليه‌السلام التعليم وفيه بعد ، ولا يخفى أن ظاهره يعطي إجزاء المسح عن الغسل.

وقالرحمه‌الله في مشرق الشمسين : اللمعة بضم اللام وهي في اللغة القطعة من الأرض المعشبة إذا يبس عشبها وصارت بيضاء كأنها تلمع بين الخضرة ، وتطلق على القطعة من مطلق الجسم إذا خالفت ما حولها في بعض الصفات ، ويستفاد من هذا الحديث أن من سها عن شيء من واجبات الطهارة لا يجب على غيره تنبيهه عليه والظاهر أنه لا فرق بين الطهارة وغيرها من العبادات.

ولا يخفى ما في ظاهره فإنه ينافي العصمة ولعل ذلك القائل كان مخطئا في ظنه عدم إصابة الماء تلك اللمعة ويكون قول الأمعليه‌السلام ما عليك لو سكت ثم مسحه تلك اللمعة إنما صدر عند للتعليم.

وقال في حبل المتين لعل اللمعة كانت من الجانب الأيسر فلم يفت الترتيب ،

١٣٨

قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء فقال له ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده.

١٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة.

١٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عما تصنع النساء في الشعر والقرون فقال لم تكن هذه المشطة

_________________________________________

والمسح في قول الراوي « ثم مسح تلك اللمعة بيده » الظاهر أن المراد به ما كان معه جريان في الجملة وإطلاق المسح على مثل ذلك مجاز إذ الحق أن المسح والغسل حقيقتان متخالفتان لا يصدق شيء منهما على شيء من أفراد الأخر.

ويمكن أن يستنبط من هذا الحديث أمر آخر وهو أن من أخبره شخص باشتمال عبادته على نقص وجب عليه قبول قوله ويلزمه تلافي ذلك النقصان ، فإن الظاهر أن المراد من قولهعليه‌السلام لمن أخبره بتلك اللمعة ، ما كان عليك لو سكت ، إنك لو لم تخبرني بها لم يلزمني تداركها فإن الناس في سعة لما لا يعلمون فعلى هذا فهل يكفي في وجوب قبول قول المخبر بأمثال ذلك مطلق ظن صدقة أم لا بد من عدالته كل محتمل ولعل الاكتفاء بالأول أولى والله يعلم.

الحديث السادس عشر : مرسل.

ويدل على عدم وجوب غسل الشعر في الغسل ، ويفهم من ظاهر المعتبر ، والذكرى الإجماع على عدم وجوب غسل الشعر ولا يظهر من كلام أحد وجوبه ، إلا ما يفهم من ظاهر عبارة المفيد في المقنعة وقد أولها الشيخ (ره).

الحديث السابع عشر : حسن.

وفي الصحاح القرن الخصلة من الشعر يقال للرجل قرنان أي ضفيرتان.

قوله :عليه‌السلام « هذه المشطة » بالجمع أو المصدر والثاني أظهر ، وقال الوالد

١٣٩

إنما كن يجمعنه ثم وصف أربعة أمكنة ثم قال يبالغن في الغسل.

(باب)

(ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة فقال إذا أدخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل قال سألت الرضاعليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب

_________________________________________

العلامةرحمه‌الله يعني لم يكن في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الضفائر بل كن يفرقن أشعار رؤوسهن في أربعة أمكنه وكان إيصال الماء إلى ما تحت الشعر سهلا ، وأما الان فيلزم أن يبالغن حتى يصل الماء إلى البشرة ، وقال الفاضل التستري كان هذه الأمكنة مواضع الشعر المجموع ولعلها المقدم والمؤخر واليمين واليسار.

باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة

الحديث الأول : صحيح.

والظاهر أن الضمير في قوله « أدخله » راجع إلى الفرج ويشمل الفرجين للمرأة وأما شموله لدبر الغلام ففيه إشكال لذكر المهر والرجم.

قولهعليه‌السلام : « المهر » أي تمام المهر أو يستقر.

الحديث الثاني : صحيح.

وفسر الأصحاب التقاءهما بمحاذاتهما ، لأن الملاقاة حقيقة غير متصورة فإن مدخل الذكر أسفل الفرج ، وهو مخرج الولد والحيض ، وموضع الختان أعلاه ، وبينهما ثقبة البول ، وحصول الجنابة بالتقاء الختانين إجماعي ، والظاهر أنه لا خلاف أيضا في وجوب الغسل عند مواراة الحشفة مطلقا سواء حصل التقاء

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

فردّوه.

وأجيب: بأنه خبر واحد قد خصّ منه البعض، أعني المتواتر والمشهور، فلا يكون قطعياً، فكيف يثبت به مسألة الأصول، على أنه يخالف عموم قوله تعالى:( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) .

وقد طعن المحدّثون بأن في روايته يزيد بن ربيعة وهو مجهول، وترك في إسناده واسطة بين الأشعث وثوبان فيكون منقطعاً.

وذكر يحيى بن معين: إنه حديث وضعته الزّنادقة.

وإيراد البخاري إيّاه في صحيحه لا ينافي الانقطاع أو كون أحد رواته غير معروف بالرواية ...»(١) .

ترجمة التفتازاني

وقد ترجم الحافظ السّيوطي للتّفتازاني بقوله: « مسعود بن عمر بن عبد الله، الشّيخ سعد الدين التّفتازاني، الامام العلاّمة، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرهما، شافعي.

قال ابن حجر: ولد سنة ستّين وسبعمائة وأخذ عن القطب والعضد، وتقدّم في الفنون واشتهر بذلك، وطار صيته وانتفع النّاس بتصانيفه، وله شرح العضد، وشرح التلخيص مطوّل وآخر مختصر، شرح القسم الثاني من المفتاح، وله التلويح على التنقيح في أصول الفقه، شرح العقائد، المقاصد في الكلام، وشرحه الشّمسية في المنطق، شرح تصريف العزّي، الإرشاد في النحو، حاشية الكشاف لم يتمّ، وغير ذلك.

وكان في لسانه لكنة، وانتهت اليه معرفة العلوم بالمشرق، مات بسمرقند سنة إحدى وتسعين وسبعمائة »(٢) .

___________________

(١). التلويح على التنقيح، في أصول الفقه ٢ / ٣٩٧.

(٢). بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٨٥.

٢٠١

وقال محمد بن سليمان الكفوي: « وكان من كبار علماء الشافعية، ومع ذلك له آثار جليلة في أصول الحنفيّة، بلغني من الثقات أنه كتب حول صندوق قبره بسرخس: ألا أيّها والزوار زوروا وسلّموا على روضة الحبر الامام المحقق والحبر المدقق، سلطان المصنفين، وارث علوم الأنبياء والمرسلين، معدّل ميزان المعقول والمنقول، منقّح أغصان الفروع والأصول، ختم المجتهدين أبي سعد الحقّ والدين مسعود القاضي الامام مقتدى الأنام ».

وقال الكفوي في ( كتائبه ): « وكان -رحمه‌الله - من محاسن الزمان، لم تر العيون مثله في الأعيان والأعلام، والمذكور في بطون الأوراق، إشتهرت تصانيفه في الأرض ذات الطول والعرض، حتى أنّ السيد الشّريف في مبادي التأليف وأثناء التصنيف كان يغوص في بحار تحقيقه وتحريره، ويلتقط الدرّ من تدقيقه وتسطيره، ويعترف برفعة شأنه وجلالته ووفور فضله وعلوّ مقامه وإمامته ».

وترجم له جار الله أبو مهدي الثعالبي المالكي في رسالة ( أسانيده ) ترجمة حافلة، حيث نقل كلام السيوطي المذكور، ثمّ ترجمة ابن حجر العسقلاني إياه(١) .

الحديث التاسع

وهو ما أخرجه البخاري قائلاً:

« حدثني محمد بن حاتم بن بزيع، ثنا شاذان، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا في زمن النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثمّ عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - لا نفاضل بينهم.

___________________

(١). وتوجد ترجمة التفتازاني في: الدرر الكامنة ٤ / ٣٥٠، شذرات الذهب ٦ / ٣١٩، البدر الطالع ٢ / ٣٠٣ - ٣٠٥، وغيرها.

٢٠٢

تابعه عبد الله بن صالح بن عبد العزيز »(١) .

الحافظ ابن عبد البر وهذا الحديث

وقد تكلّم الحافظ ابن عبد البر القرطبي على هذا الحديث وغلّطه وأبطله وذلك حيث قال ما نصه: « وأخبرنا محمد بن زكريا ويحيى بن عبد الرحمن [ وعبد الرحمن ] بن يحيى، قالوا: حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم، ثنا أحمد بن خالد، ثنا مروان بن عبد الملك، قال: سمعت هارون بن إسحاق يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: من قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي [ كرّم الله وجهه ] سابقته وفضله فهو صاحب سنة، ومن قال: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعرف لعثمان سابقته فهو صاحب سنة.

فذكرت له هؤلاء الذين يقولون: أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلّم فيهم بكلام غليظ، وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان.

قال أبو بكر: من قال بحديث ابن عمر: كنّا نقول على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت - يعني فلا نفاضل وهو الذي أنكر ابن معين وتكلّم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما أجمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن عليّاً أفضل الناس بعد عثمان. وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنّما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضا في تفضيل علي وأبي بكر.

وفي إجماع الجميع - الذي وصفنا - دليل على أنّ حديث ابن عمر وهم وغلط، وأنه لا يصح معناه وإنْ كان إسناده صحيحاً، ويلزم من قال به أن يقول بحديث جابر وحديث أبي سعيد: كنّا نبيع أمّهات الأولاد على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهم يقولون بذلك، فقد ناقضوا، وبالله التوفيق »(٢) .

___________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ١٨.

(٢). الاستيعاب ٣ / ١١١٥ - ١١١٧.

٢٠٣

ترجمة الحافظ ابن عبد البر

وقد ترجم الحافظ الذهبي الحافظ ابن عبد البر ترجمة ضافية نلخّصها في ما يلي:

« إبن عبد البر، الامام العلّامة، حافظ المغرب، شيخ الإسلام، أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي، صاحب التصانيف الفائقة. مولده في سنة ثمانين وستين وثلاثمائة في شهر ربيع الأول: وقيل: في جمادى الأولى. طلب العلم بعد التسعين والثلاثمائة وأدرك الكبار وطال عمره وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف ووثّق وضعّف وسارت بتصانيفه الركبان وخضع لعلمه علماء الزمان، وفاته السماع من أبيه الامام أبي محمد، وكان تفقّه على التحسين وسمع من أحمد بن مطرف وأبي عمرو بن حزم المؤرّخ.

وصاحب الترجمة، أبو عمرو، سمع من أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، والمعمّر محمد بن عبد الملك بن صفوان، وأبي القاسم عبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر مولى الناصر لدين وأبي عمر أحمد بن محمد بن الحسور وخلف بن القاسم بن سهل الحافظ والحسين بن يعقوب البجارتي، وقرأ على عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الموهراني، وأبي عمر الطلمنكي والحافظ أبي الوليد ابن الفرضي، وسمع من يحيى بن عبد الرحمن ابن وجه الجنة ومحمد بن رشيق المكتّب وأبي المطّرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي وأحمد بن فتح بن الرسان وأبي عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن الباجي وأبي عمر أحمد بن عبد المكودي، وطائفة سواهم.

قال الحميدي: أبو عمرو فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي.

وقال أبو علي الغسّاني: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد

٢٠٤

وأحمد بن خالد الحباب، ثم قال أبو علي: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما ولا متخلّفاً عنهما، وكان من النمر بن قاسط، طلب وتقدم ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي ودأب في طلب الحديث وافتتن به وبرع براعةً فاق بها من تقدّمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه فكان في الغرب مدة ثم تحول إلى شرق الأندلس.

قلت: كان إماماً ديناً ثقة متقناً علامة متبحراً، صاحب سنة واتباع، وكان أولاً أثرياً ظاهرياً فيما قيل، ثمّ تحوّل مالكياً مع ميل بيّن إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمّة المجتهدين، ومن نظر في مصنّفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم وسيلان الذهن.

قال أبو القاسم ابن بشكوال: ابن عبد البر إمام عصره، واحد دهره، قال أبو علي ابن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمرو ابن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب.

مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستّين وأربعمائة، واستكمل خمساً وتسعين سنة وخمسة أيام،رحمه‌الله .

قلت: كان حافظ المغرب في زمانه، وفيها مات حافظ المشرق أبو بكر الخطيب »(١) .

الحديث العاشر

و هو حديث شريك في قصة الأسراء. أخرجه البخاري ومسلم، قال

___________________

(١). سير أعلام النبلاء. وتوجد ترجمته أيضاً في: تاريخ ابن كثير ١٢ / ١٠٤، مرآة الجنان ٣ / ٨٩ وفيات الأعيان ٢ / ٤٥٨، شذرات الذهب ٣ / ٣١٤، تذكرة الحفاظ ٣ / ٣٠٦، طبقات السبكي ٤ / ٨، النجوم الزاهرة ٥ / ٧٧ المنتظم ٨ / ٣٤٢.

٢٠٥

البخاري: « حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني سليمان، عن شريك بن عبد الله، أنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ليلة أسري برسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من مسجد الكعبة: أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيّهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه - وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم - فلم يكلّموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولّاه منهم جبرئيل فشق جبرئيل ما بين نحره إلى لبتّه حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشواً إيماناً وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدّنيا، فضرب باباً من أبوابها فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبرئيل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قالوا: وقد بعث؟ قال: نعم، قالوا: فمرحباً به » (١) .

وأخرجه مسلم حيث قال:

« حدثنا هارون بن سعيد الايلي، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا سليمان - وهو ابن بلال - حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه »(٢) .

كبار الأئمّة وهذا الحديث

وقد طعن في هذا الحديث جماعة من أئمة التحقيق من أهل السنة، فقد قال الحافظ أبو زكريا النووي في شرح حديث مسلم:

___________________

(١). صحيح البخاري ٩ / ١٨٢ - ١٨٣.

(٢). صحيح مسلم ١ / ١٠٢.

٢٠٦

« - وذلك قبل أن يوحى إليه - وهو غلط لم يوافق عليه، فإن الاسراء أقلّ ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بخمسة عشر شهراً. وقال الحربي: كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة. وقال الزهري: كان ذلك بعد مبعثه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بخمس سنين. وقال ابن اسحاق: أسري به -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وقد فشا الاسلام بمكة والقبائل.

وأشبه هذه الأقوال قول الزهري وابن إسحاق، إذ لم يختلفوا أن خديجة - رضي الله عنها - صلّت معه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بعد فرض الصلاة عليه، ولا خلاف [ في ] أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل: بثلاث سنين، وقيل: بخمس.

ومنها: أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء، فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه؟

وأما قوله في رواية شريك: وهو نائم، وفي الرواية الأخرى، بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، فقد يحتجّ به من يجعلها رؤية [ رؤيا ] نوم، ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائماً في القصة كلّها.

هذا كلام القاضي -رحمه‌الله - وهذا الذي قاله في رواية شريك وانّ أهل العلم أنكروها قد قاله غيره.

وقد ذكر البخاري رواية شريك هذه عن أنس، في كتاب التوحيد في [ من ] صحيحه وأتى بالحديث مطوّلاً، قال الحافظ عبد الحق -رحمه‌الله - في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكره هذه الرواية: هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك ابن أبي نمر عن أنس، وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة.

وقد روى حديث الاسراء جماعة من الحفّاظ المتقنين والأئمّة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة - يعني عن أنس - قال: فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث. قال: والأحاديث التي

٢٠٧

تقدّمت قبل هذا هي المعوّل عليها. هذا كلام الحافظ عبد الحق،رحمه‌الله »(١) .

ترجمة الحافظ النووي

وقد أنثى ( الدهلوي ) على الحافظ النووي في ( رسالة أصول الحديث ) ووصفه بـ « الإِمام » وذكر بأنه والبغوي والخطابي علماء معوَّل على كلامهم وتحقيقهم

وترجم له الحافظ الذهبي قائلاً: « والشيخ محي الدين النواوي، شيخ الاسلام أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الشافعي، ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق ليشتغل، فنزل بالرواحية وحفظ التنبيه في سنة خمس، وحج مع أبيه سنة احدى وخمسين، ولزم الاشتغال ليلاً ونهاراً نحو عشر سنين حتى فاق الأقران وتقدم على جميع الطلبة، وحاز قصب السبق في العلم والعمل

وكان مع تبحّره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك ممّا سارت به الركبان رأساً في الزهد، قدوةً في الورع، عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر »(٢) .

وقال جمال الدين الأسنوي بترجمته في طبقاته: « هو محرر المذهب ومهذّبه ومنقّحه ومرتّبه، سار في الآفاق ذكره وعلا في العالم محلّه وقدره، صاحب التصانيف المشهورة المباركة النافعة ...»(٣) .

وقال اليافعي في حوادث سنة ٦٧٦: « وفي السنة المذكورة توفي الفقيه الامام شيخ الاسلام مفتي الأنام، المحدّث المتقن، المدقق النجيب الحبر المفيد، المقرئ المعيد محرّر المذهب، الفاضل الوليّ الكبير الشهير، ذو المحاسن العديدة والسيرة

___________________

(١). المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ٢ / ٦٥ - ٦٦.

(٢). العبر في خبر من غبر، حوادث سنة ٦٧٦.

(٣). طبقات الشافعية ٢ / ٤٧٦.

٢٠٨

الحميدة والتصانيف المفيدة، الذي فاق جميع الأقران وسارت بمحاسنه الركبان، واشتهرت فضائله في سائر البلدان، وشوهدت منه الكرامات، وارتقى في علاء المقامات، ناصر السنة ومعتمد الفتوى، الشيخ محي الدين النّووي يحيى بن شرف ابن مري بن حسن الشافعي، مؤلّف: الروضة، والمنهاج، والمناسكين، وتهذيب الأسماء واللغات، وشرح صحيح مسلم، وشرح المهذب، وكتاب التّبيان، وكتاب الارشاد، وكتاب التّيسير والتقريب، وكتاب رياض الصالحين، وكتاب الأذكار، وكتاب الأربعين، وكتاب طبقات الفقهاء الشافعية

روى عنه جماعة من أئمة الفقهاء والحفاظ، قالوا: وكان الشّيخ محي الدين النووي متبحّراً في العلم، متسعاً في معرفة الحديث والفقه واللغة وغير ذلك

قلت: ورأيت لابن العطار جزء في مناقبه، ذكر فيه أشياء عزيزة »(١) .

وترجم له أبو بكر ابن قاضي شهبة الاسدي في طبقاته ترجمة ضافية وصفه فيها بـ « الفقيه الحافظ الزاهد أحد الأعلام شيخ الاسلام » وقال: « كان محققاً في علمه وفنونه مدققاً في عمله وشئونه، حافظاً لحديث رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - عارفاً بأنواعه من صحيحه وسقيمه وغريب ألفاظه واستنباط فقهه، حافظاً للمذهب وقواعده وأصوله وأقوال الصّحابة والتابعين واختلاف العلماء ...»(٢) .

وذكره جمال الدين ابن تغري بردي في حوادث سنة ٦٧٦ « وفيها توفي شيخ الاسلام النووي الفقيه الشافعي الزاهد، صاحب المصنفات المشهورة قلت: وفضله وعلمه وزهده أشهر من أن يذكر، وقد ذكرنا من أمره نبذة كبيرة في تاريخنا المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي اذ هو كتاب تراجم يحسن الاطناب فيه »(٣) .

___________________

(١). مرآة الجنان، حوادث ٦٧٦.

(٢). طبقات الشافعية ٣ / ٩.

(٣). النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة، حوادث سنة ٦٧٦.

٢٠٩

الامام الكرماني وهذا الحديث

وقال الامام محمد بن يوسف الكرماني بشرح الحديث:

« قال النووي: جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء، من جملتها: أنه قال ذلك قبل أن يوحى وهو غلط لم يوافق عليه. وأيضاً: العلماء أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الاسراء فكيف يكون قبل الوحي؟

أقول: وقول جبرئيل في جواب بوّاب السماء، إذ قال: أبعث؟ نعم. صريح في أنه كان بعده»(١) .

ترجمة الكرماني

وترجم الحافظ السيوطي للكرماني شارح البخاري بقوله: « محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني ثم البغدادي، الشيخ شمس الدين صاحب شرح البخاري، الامام العلّامة في الفقه والتفسير والأصلين والمعاني والعربية.

قال ابنه في ذيل المسالك: ولد يوم الخميس سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة، وقرأ على والده بهاء الدين، ثم انتقل إلى كرمان وأخذ عن العضد وغيره، ومهر وفاق أقرانه وفضل غالب أهل زمانه، ثم دخل دمشق ومصر وقرأ بها البخاري على ناصر الدين الفارقي، وسمع من جماعة وحج ورجع إلى بغداد واستوطنها، وكان تام الخلق، فيه بشاشة وتواضع للفقراء وأهل العلم، غير مكترث بأهل الدّنيا ولا يلتفت اليهم، تأتي إليه السلاطين في بيته ويسألونه الدعاء والنصيحة، وله من التصانيف شرح البخاري، شرح المواقف، شرح مختصر ابن الحاجب سماه السبعة السيارة، شرح الغياثية في المعاني والبيان، شرح الجواهر أنموذج الكشاف، حاشية على تفسير البيضاوي - وصل فيها إلى سورة يوسف -

___________________

(١). الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ٢٥ / ٢٠٤.

٢١٠

رسالة في مسألة الكحل.

مات بكرة يوم الخميس سادس عشر المحرم، سنة ست وثمانين وسبعمائة، بطريق الحج، فنقل إلى بغداد ودفن بقبر أعدّه لنفسه بقرب الشيخ أبي اسحاق الشيرازي »(١) .

وترجم له الحافظ ابن حجر العسقلاني وأثنى عليه(٢) .

وكذلك ( الدهلوي ) في كتاب ( بستان المحدثين ) الذي انتحله من ( مفتاح كنز دراية المجموع من درر المجلد المسموع )(٣) .

العلامة ابن القيم وهذا الحديث

وقال العلامة الشهير ابن قيم الجوزية حول الحديث المذكور، بعد كلام له:

« وقد غلّط الحفّاظ شريكاً في ألفاظ من حديث الاسراء، ومسلم أورد المسند منه، ثم قال: فقدّم وأخّر وزاد ونقص ولم يسرد الحديث وأجاد،رحمه‌الله »(٤) .

الحديث الحادي عشر

وهو ما رواه البخاري بقوله: « حدثنا نعيم بن حماد، نا هشيم، عن حصين عن عمرو بن ميمون، قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت، فرجموها فرجمتها معهم »(٥) .

___________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٢٧٩.

(٢). إنباء الغمر - حوادث ٧٨٦: ٢ / ١٨٢.

(٣). وتوجد ترجمته أيضاً في البدر الطالع للشوكاني ٢ / ٢٩٢.

(٤). زاد المعاد ٢ / ٤٩.

(٥). صحيح البخاري ٥ / ٥٦.

٢١١

الحافظان الحميدي وابن عبد البر وهذا الحديث

وهذا الحديث قد استنكره ابن عبد البر، وقال الحافظ أبو عبد الله الحميدي بأنه: « ليس في نسخ البخاري أصلاً، فلعلّه من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري ». هذا كلامهما حول هذا الحديث. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر حيث قال:

« وقد استنكر ابن عبد البر قصة عمرو بن ميمون هذه وقال: فيها إضافة الزنا إلى غير مكلّف وإقامة الحدّ على البهائم، وهذا منكر عند أهل العلم. قال: فإنَّ كانت الطريق صحيحة، فلعلّ هؤلاء كانوا من الجن، لأنّهم من جملة المكلّفين. وإنّما قال ذلك لأنّه تكلّم على الطريق التي أخرجها الاسماعيلي فحسب.

وأجيب: بأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا والرجم أن يكون ذلك زناء حقيقة ولا حدّا، وانما أطلق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان.

وأغرب الحميدي في الجمع بين الصحيحين، فزعم أن هذا الحديث [ وقع ] في بعض نسخ البخاري وأن أبا مسعود وحده ذكره في الأطراف، قال: وليس في نسخ البخاري أصلاً، فلعلّه من الأحاديث المقحمة في كتاب البخاري.

وما قاله مردود وأما تجويزه أن يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء، من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته اليه، وهذا الذي قاله تخيّل فاسد، يتطرّق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح، لأنه إذا جاز في واحد بعينه، جاز في كل فرد فرد، فلا يبقى لأحد الوثوق بما في الكتاب المذكور »(١) .

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١٢٧.

٢١٢

ثلاثة أحاديث في البخاري

وأخرج البخاري ثلاثة أحاديث عن عطاء، عن ابن عباس اثنان منها في كتاب الطلاق والآخر في كتاب التفسير، فأمّا ما أخرجه في كتاب الطلاق فهذا نصه:

« حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جريج. وقال عطاء عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - والمؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه، وكان اذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فاذا طهرت حل لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردّت اليه، وإنْ هاجر عبد منهم أو أمة فهما حرّان ولهما ما للمهاجرين. ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد، وإنْ هاجر عبد أو أمه للمشركين أهل العهد لم يردّوا وردّت أثمانهم.

وقال عطاء عن ابن عباس: كانت قريبة بنت أبي أمية عند عمر بن الخطّاب فطلّقها، فتزوّجها معاوية بن أبي سفيان. وكانت أم الحكم ابنة أبي سفيان تحت عياض بن غنم الفهري فطلّقها فتزوّجها عبد الله بن عثمان الثقفي »(١) .

وأما حديثه في كتاب التفسير، فهذا نصه:

« حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جريج. وقال عطاء عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ودّ [ ف ] كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبا، وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى

___________________

(١). صحيح البخاري ٧ / ٦٢ - ٦٣.

٢١٣

الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسمّوها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت »(١) .

كبار الأئمّة وهذه الأحاديث

وهذا الأحاديث الثلاثة، أخرجها البخاري من حديث عطاء عن ابن عباس في التفسير، مع العلم بأن أكابر الأساطين والأئمّة من أهل السنة يقدحون في رواية عطاء في التفسير، ويسقطونها عن درجة الاعتبار مطلقاً.

والحافظ ابن حجر - وهو الذي طالما ساعد البخاري وذبّ عن كتابه - يذكر كلمات القدح، ويعترف بأن هذا المقام من المواضع العقيمة عن الجواب السديد، ويقول بأنه: لا بدّ للجواد من كبوة، ومعنى هذا: أن البخاري قد أخطأ في إخراج أحاديث عطاء هذه في كتابه.

وهذا نص كلام الحافظ ابن حجر في هذا الموضوع:

« الحديث الحادي والثمانون - قال أبو علي الغساني، قال: البخاري: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام - هو ابن يوسف -، عن ابن جريج قال قال - عطاء عن ابن عباس: كان المشركون على منزلتين من النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الحديث. وفيه قصة تطليق عمر بن الخطاب قريبة بنت أبي أمية وغير ذلك.

تعقّبه أبو مسعود الدمشقي فقال: ثبت هذا الحديث والذي قبله - يعني بهذا الاسناد سوى الحديث المتقدّم في التفسير - في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان ونظر فيه.

قال أبو علي: وهذا تنبيه بليغ [ بديع ] من أبي مسعود -رحمه‌الله - فقد رويناه عن صالح بن أحمد بن حنبل، عن [ علي ] ابن المديني، قال: سمعت هشام

___________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ١٩٩.

٢١٤

بن يوسف يقول: قال لي ابن جريج: سألت عطاء - يعني ابن أبي رباح - عن التفسير من البقرة وآل عمران، ثم قال: اعفني من هذا، قال هشام: فكان بعد إذا قال: عطاء عن ابن عباس، قال: الخراساني، قال هشام: فكتبنا ما كتبنا ثم مللنا - يعني حسبنا [ كتبنا ] أنه عطاء الخراساني -.

قال علي بن المديني: وإنّما كتبت هذه القصة، لأن محمد بن ثور كان يجعلها عطاء عن ابن عباس، فظنّ الذين حملوها عنه، أنّه عطاء بن أبي رباح قال عليّ: وسألت يحيى القطّان عن حديث ابن جريح عن عطاء الخراساني فقال: ضعيف، فقلت: له: إنه يقول: أخبرنا، قال: لا شيء، كلّه ضعيف، إنما هو كتاب دفعه اليه.

قلت: ففيه نوع اتصال، ولذلك استجاز ابن جريح أن يقول فيه: أخبرنا. لكن البخاري ما أخرجه إلّا على أنّه من رواية عطاء بن أبي رباح، وأمّا الخراساني فليس من شرطه، لأنّه لم يسمع عن ابن عباس.

لكن لقائل أن يقول: هذا ليس بقاطع في أنّ عطاء المذكور هو الخراساني فإنّ ثبوتهما في تفسيره لا يمنع أن يكونا عند عطاء بن أبي رباح أيضاً، فيحتمل أن يكون هذان الحديثان عند عطاء بن أبي رباح وعطاء الخراساني جميعاً، والله أعلم.

فهذا جواب إقناعي، وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السّديد، ولا بدّ للجواد من كبوة، والله المستعان. وما ذكره أبو مسعود من التعقب قد سبقه إليه الاسماعيلي، ذكر ذلك الحميدي في الجمع، عن البرقاني، عنه، قال: وحكاه عن علي بن المديني، يشير إلى القصة التي ساقها الغسّاني، والله الموفّق »(١) .

أقول:

والعجب من الحافظ ابن حجر، فانه أورد هذا الجواب الإقناعي في شرح الحديث في كتاب التفسير، ولم يقل هناك بأنّ هذا عنده « من المواضع العقيمة عن

___________________

(١). هدى الساري - مقدمة فتح الباري: ٢ / ١٣٥ - ١٣٦.

٢١٥

الجواب السديد، ولا بدّ للجواد من كبوة » وهذا نصّ كلامه: « قوله: عن ابن جريج وقال عطاء. كذا فيه وهو معطوف على كلام محذوف، وقد بيّنه الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج، قال في قوله [ تعالى ]:( وَدًّا وَلا سُواعاً ) الآية، قال: أوثان كان قوم نوح يعبدونها [ نهم ]، وقال عطاء: كان ابن عباس إلى آخره.

قوله: عن ابن عباس، قيل: هذا منقطع لأنّ عطاء المذكور هو الخراساني ولم يلق ابن عباس، فقد أخرج عبد الرزاق هذا الحديث في تفسيره عن ابن جريج، فقال: أخبرني عطاء الخراساني، عن ابن عباس.

وقال أبو مسعود: ثبت هذا الحديث في تفسير ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني وإنما أخذه من ابنه عثمان بن عطاء، فنظر فيه.

وذكر صالح بن أحمد بن حنبل في الخلل عن علي بن المديني، قال: سألت يحيى القطّان عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني، فقال: ضعيف فقلت له: إنّه يقول: أخبرنا، قال: لا شيء، إنّما هو كتاب دفعه اليه. إنتهى. وكان ابن جريح يستجيز إطلاق أخبرنا في المناولة والمكاتبة.

وقال الاسماعيلي: أخبرت عن علي بن المديني أنه ذكر في [ عن ] تفسير ابن جريج كلاماً معناه أنه كان يقول: عن عطاء الخراساني، عن ابن عبّاس، فطال على الورّاق أن يكتب الخراساني في كل حديث، فتركه، فرواه من روى على أنه عطاء بن أبي رباح. إنتهى. وأشار بهذا إلى القصة التي ذكرها صالح بن أحمد عن علي بن المديني، ونبّه عليها أبو علي الغسّاني في تقييد المهمل، قال ابن المديني سمعت هشام بن يوسف يقول: قال لي ابن جريج: سألت عطاء عن التفسير من البقرة وآل عمران، ثمّ قال اعفني من هذا، [ قال: ] قال هشام: فكان بعد إذا قال عطاء عن ابن عباس، قال عطاء الخراساني، قال هشام: فكتبنا ثمّ مللنا - يعني حسبنا أنّه [ كتبنا ] الخراساني - قال ابن المديني وإنّما بيّنت هذا لأنّ محمد بن ثور كان يجعلها - يعني في روايته - عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس فيظنّ

٢١٦

أنّه عطاء بن أبي رياح.

وقد أخرج الفاكهي الحديث المذكور، من طريق محمد بن ثور، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، ولم يقل: الخراساني. وأخرجه عبد الرزاق كما تقدّم فقال: الخراساني.

وهذا مما استعظم على البخاري أن يخفى عليه، لكن الذي قوي عندي أن هذا الحديث بخصوصه عند ابن جريج عن عطاء الخراساني وعن عطاء بن أبي رباح جميعاً، ولا يلزم من امتناع عطاء بن أبي رباح من التحديث بالتفسير أن لا يحدث بهذا الحديث في باب آخر من الأبواب، أو في المذاكرة، وإلّا فكيف يخفى على البخاري ذلك مع تشدّده في شرط الاتصال واعتماده غالباً في العلل على علي ابن المديني شيخه، وهو الذي نبّه على هذه القصّة. وممّا يؤيّد ذلك أنه لم يكثر من تخريج هذه النسخة، وإنما ذكر بهذا الاسناد موضعين هذا والآخر في النكاح، ولو كان خفى [ ذلك ] عليه لا ستكثر من إخراجها، لأنّ ظاهرها أنها [ على ] شرطه »(١) .

أقول: وعلى أي حال، فإنّا نريد إثبات تكلّم الحفّاظ والفقهاء في أحاديث الصحيحين، وهذا ما هو الواقع، وأمّا دفاع الحافظ ابن حجر - بعد اعترافه بعدم وجود جواب سديد في هذا المقام - فيرجع الحكم في صحته وسقمه الى جهابذة الفن

الحديث الخامس عشر

و هو ما أخرجه البخاري في كتاب المغازي من كتابه، حيث قال: « حدثنا موسى بن اسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن أبي وائل، قال: حدثني مسروق بن الاجدع، قال: حدّثتني أم رومان - وهي أم عائشة - قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل،

___________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٥٤١.

٢١٧

فقالت أمّ رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني ممّن [ فيمن ] حدّث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا، قالت عائشة: سمع رسول الله - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالت: نعم، قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرّت مغشيّاً عليها، فما أفاقت إلّا وعليها حمّى بنافض، فطرحت عليها ثيابها فغطّيتها، فجاء النبي - صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - فقال: ما شأن هذه؟ قلت: يا رسول الله! أخذتها الحمى بنافض، قالت: فلعلّ في حديث تحدّث [ به ]، قالت: نعم، فقعدت عائشة، فقالت: والله لئن حلفت لا تصدّقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون. قالت: وانصرف ولم يقل [ لي ] شيئاً، فأنزل الله عذرها، قالت: بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك » (١) .

كبار الحفّاظ وهذا الحديث

وصريح هذا الحديث سماع مسروق بن الأجدع من أم رومان أم عائشة، ولقد غلّط كبار الأئمّة الحفّاظ هذا الحديث وقالوا: إن مسروقاً لم يدرك أم رومان، ومن هؤلاء:

الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي.

الحافظ أبو عمرو ابن عبد البر القرطبي.

الحافظ أبو الفضل القاضي عياض اليحصبي.

الحافظ ابراهيم بن يوسف صاحب مطالع الأنوار على صحاح الآثار.

الحافظ أبو القاسم السهيلي شارح السيرة.

الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس الأندلسي.

الحافظ جمال الدين المزّي.

الحافظ شمس الدين الذّهبي.

الحافظ أبو سعيد صلاح الدين العلائي.

___________________

(١). صحيح البخاري ٥ / ١٥٤.

٢١٨

وإليك كلمات القوم الصريحة في ذلك:

قال ابن عبد البر الحافظ ما نصّه: « رواية مسروق عن أم رومان مرسلة، ولعله سمع ذلك من عائشة - رضي الله عنها - »(١) .

وقال الحافظ المزّي بعد أن أورد الحديث المذكور:

« وقال الحافظ أبو بكر الخطيب: هذا حديث غريب من رواية أبي وائل عن مسروق، لا نعلم رواه غير حصين بن عبد الرحمن عنه، وفيه إرسال، لأن مسروقاً لم يدرك أم رومان، وكانت وفاتها على عهد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكان مسروق يرسل رواية هذا الحديث عنها ويقول: سئلت أم رومان، فوهم حصين فيه إذ جعل السائل لها مسروقاً، أللهمَّ إلّا أن يكون بعض النقلة كتب « سألت » بالألف، فإن من الناس من يجعل الهمزة في الخط ألفاً وإنْ كانت مكسورة أو مرفوعة، فتبرأ حينئذٍ حصين من الوهم فيه، على أن بعض الرواة قد رواه عن حصين على الصواب.

قال: وأخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه، لما رأى فيه عن مسروق قال: سألت أم رومان، ولم تظهر له علته.

وقد بيّنا ذلك في كتاب المراسيل وأشبعنا القول بما لا حاجة لنا إلى إعادته »(٢) .

وقال الحافظ السهيلي بترجمة أم رومان:

« وروى البخاري حديثاً عن مسروق فقال فيه:

سألت أم رومان وهي أم عائشة عما قيل فيها، ومسروق ولد بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بلا خلاف، فلم ير أم رومان قط، فقيل: إنّه وهم في الحديث. وقيل: بل الحديث صحيح وهو مقدّم على ما ذكره أهل السيرة من موتها في حياة رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -.

___________________

(١). الاستيعاب ٤ / ١٩٣٧.

(٢). تهذيب الكمال في معرفة الرجال ٣٥ / ٣٦٠.

٢١٩

وقد تكلّم شيخنا أبو بكر ابن العربي -رحمه‌الله - على هذا الحديث واعتنى به لإِشكاله ...»(١) .

وقال ابن سيد الناس.

« وقد وقع في الصحيح رواية مسروق عنها بصيغة العنعنة وغيرها ولم يدركها، وملخص ما أجاب به أبو بكر الخطيب أن مسروقاً يمكن أن يكون قال: سئلت أم رومان، فأثبت الكاتب صورة الهمزة فتصحفت على من بعده بسألت، ثم نقلت إلى صيغة الإخبار بالمعنى في طريق، وبقيت على صورتها في آخر، ومخرجها التصحيف المذكور »(٢) .

وقد ذكر الحافظ ابن حجر كلام الحافظ الخطيب وتصدى للجواب عنه مدافعاً عن البخاري ثم قال: « وقد تلقى كلام الخطيب بالتسليم: صاحب المشارق، والمطالع، والسهيلي، وابن سيد الناس، وتبع المزي الذهبي في مختصراته، والعلائي في المراسيل، وآخرون.

وخالفهم صاحب الهدى »(٣) .

أقول: ( صاحب المشارق ) هو: الحافظ القاضي عياض، وكتابه ( مشارق الأنوار على صحاح الأخبار ) من الكتب المعروفة المعتبرة، ذكر فيه تحريفات وتصحيفات وأخطاء وقعت في الموطأ وكتاب البخاري وكتاب مسلم.

( وصاحب المطالع ) هو: الحافظ إبراهيم بن يوسف، وكتابه ( مطالع الأنوار على صحاح الآثار ) قال الكاتب الجلبي بتعريفه:

« مطالع الأنوار على صحاح الآثار، في فتح ما استغلق من كتب الموطأ ومسلم والبخاري، وإيضاح مبهم لغاتها في غريب الحديث، لابن قراقول ابراهيم ابن يوسف، المتوفى سنة تسع وستين وخمسمائة صنّفه على منوال مشارق الأنوار

___________________

(١). الروض الأنف ٦ / ٤٤٠.

(٢). عيون الأثر ٢ / ١٠١.

(٣). فتح الباري ٧ / ٣٥٣.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363