مرآة العقول الجزء ١٣

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 363

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 363 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41429 / تحميل: 7505
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

كان أقرب إليك فقال السواد فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قل اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل مني اليسير من طاعتك فقاله ثم أغمي عليه فقال يا ملك الموت خفف عنه حتى أسأله فأفاق الرجل فقال ما رأيت قال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا قال فأيهما كان أقرب إليك فقال البياض فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله غفر الله لصاحبكم قال فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام ليقوله.

(باب)

(إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، عن ذريح قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال علي بن الحسينعليه‌السلام إن أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه.

_________________________________________

قال : رأيت أبيضين وأسودين فيمكن أن يكون الأبيضان الملكان ، والأسودان شيطانان يريدان إغواءه ، أو أتاه الملائكة بصور حسنة وقبيحة لأنه إذا صادفوه من السعداء توجه إليه ملائكة الرحمة وإن كان من الأشقياء توجه إليه ملائكة الغضب.

باب إذا عسر على الميت الموت واشتد عليه النزع

الحديث الأول : حسن.

والظاهر أن التغسيل ليس غسل الميت ، بل المراد إما الغسل من النجاسات ، أو غسل استحب لذلك ولم يذكره الأصحاب.

٢٨١

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا عسر على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال إذا اشتدت عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن ليث المرادي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إن أبا سعيد الخدري قد رزقه الله هذا الرأي وإنه قد اشتد نزعه فقال احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث أن هلك.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ، عن سليمان الجعفري قال رأيت أبا الحسن يقول لابنه القاسم قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا » حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا » قضى الفتى فلما سجي

_________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

ويدل على أن التقريب من المصلي أيضا كاف في ذلك. ويمكن حمل هذا على ما إذا خيف تلويث المصلي.

الحديث الثالث : حسن.

قولهعليه‌السلام : « فيه أو عليه » أي المكان الذي يصلي فيه أو الثوب الذي يصلي عليه ، والحمل على ترديد الراوي بعيد.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وينبغي حمل الخبر الأول على هذا ليصح استشهادهعليه‌السلام بقوله « لأنه من الصحابة » وإلا فالاستشهاد بفعل أهله بعيد.

الحديث الخامس : صحيح.

وفي الصحاح : سجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبا.

قولهعليه‌السلام : « إذا نزل به » بالبناء للمفعول أيضا أي إذا حضره الموت ، وفي

٢٨٢

وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت إذا نزل به يقرأ عنده «يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » وصرت تأمرنا بالصافات فقال يا بني لم يقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله راحته.

(باب)

(توجيه الميت إلى القبلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم الشعيري وغير واحد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في توجيه الميت تستقبل بوجهه القبلة وتجعل قدميه مما يلي القبلة.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة.

_________________________________________

بعض النسخ إذا نزل به الموت فهو على البناء للفاعل. ثم اعلم أن تخصيص الصافات لتعجيل الفرج لا ينافي استحباب قراءة يس عند الميت ، وإن كان أكثر الأخبار الواردة في ذلك عامية ، ويؤيده العمومات الواردة في بركة القرآن مطلقا وعند تلك الحالة.

باب توجيه الميت في القبلة

الحديث الأول : حسن.

قولهعليه‌السلام : « وتجعل قدميه » الظاهر أن هذا بيان الاستقبال بالوجه ، ويحتمل أن يكون الاستقبال برفع رأسه حتى يستقبل وجهه القبلة.

الحديث الثاني : موثق.

وظاهر هذا الخبر وما قبله وما بعده التوجيه بعد الموت ، وحمله الأكثر على حال الاحتضار ويمكن تعممه بحيث يشمل الحالتين ، والله يعلم.

٢٨٣

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة.

(باب)

(أن المؤمن لا يكره على قبض روحه)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن أبي محمد الأنصاري قال وكان خيرا قال حدثني أبو اليقظان عمار الأسدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لو أن مؤمنا أقسم على ربه أن لا يميته ما أماته أبدا ولكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعث الله عز وجل إليه ريحين ريحا يقال لها :

_________________________________________

الحديث الثالث : حسن.

قولهعليه‌السلام : « فسبحوه » قال الشيخ البهائي (ره) : كناية عن توجيهه إليها ، يقال : قعدت تجاه زيد أي تلقاءه والظاهر أن المراد بموضع المغتسل الحفرة التي تجتمع فيها ماء الغسل ، والمستقبل بالبناء للمفعول بمعنى الاستقبال ، وقد دل الحديث على وجوب التوجيه إلى القبلة حال الغسل أيضا وكثير من الأصحاب على استحباب ذلك.

باب أن المؤمن لا يكره على قبض روحه

الحديث الأول : مجهول.

قوله « أو إذا حضر » الترديد من الراوي وليس في بعض النسخ كلمة ـ أو ـ فهو بيان لما تقدم. والريحان تحتملان الحقيقة ، ويمكن أن يكونا مجازين عما يعرض له من ألطافه تعالى كتمثل أهله وما له وأولاده له بحيث يعلم أنها

٢٨٤

المنسية وريحا يقال لها المسخية فأما المنسية فإنها تنسيه أهله وماله وأما المسخية فإنها تسخي نفسه عن الدنيا حتى يختار ما عند الله.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن سدير الصيرفي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه قال لا والله إنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك فيقول له ملك الموت يا ولي الله لا تجزع فو الذي بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله لأنا أبر بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك افتح عينك فانظر قال ويمثل له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهمعليهم‌السلام فيقال له هذا رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمةعليهم‌السلام رفقاؤك قال فيفتح عينه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ » إلى محمد وأهل بيته «ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً » بالولاية.

_________________________________________

لا تنفعه فهي المنسية ، ورؤية النبي والأئمة صلوات الله عليهم ومكانه من الجنة فهي المسخية ، وفي الصحاح : سخت نفسي عن الشيء إذا تركته.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وقال في القاموس : السل انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق كالاستلال ، انتهى. والتمثل بالأجساد المثالية لمن مضي منهم صلوات الله عليهم والإمام الحي بجسده المقدس بحيث لا يراه غير الميت كما نقل مثل ذلك في كثير من المعجزات ، والاستشكال بأنه يتفق في وقت واحد موت جماعة كثيرة فلا وجه له ، إذ يمكن أن لا يتفق ذلك في زمان واحد ، وعلى تقدير التسليم زمان الاحتضار ممتد غالبا فيمكن أن يحضروا عندهم جميعا على التعاقب على أنه يمكن أن يروهم في مكانهم أو يحضروا بأجساد مثالية كثيرة في حياتهم أيضا ، وما قيل من أن المراد تمثلهم في الحس المشترك فيظنون أنهم يرونهم كالمبرسم فلا يخفى ما فيه ، والظاهر أن

٢٨٥

«مَرْضِيَّةً » بالثواب «فَادْخُلِي فِي عِبادِي » يعني محمدا وأهل بيته «وَادْخُلِي جَنَّتِي » فما شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي.

(باب)

(ما يعاين المؤمن والكافر)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا عقبة لا يقبل الله من العباد يوم القيامة إلا هذا الأمر الذي أنتم عليه وما بين أحدكم وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن تبلغ نفسه إلى هذه ثم أهوى بيده إلى الوريد ثم اتكأ وكان معي المعلى فغمزني أن أسأله فقلت يا ابن رسول الله فإذا بلغت نفسه هذه أي شيء يرى فقلت له بضع عشرة مرة أي شيء فقال في كلها يرى ولا يزيد عليها ثم جلس في آخرها فقال يا عقبة فقلت : لبيك وسعديك فقال أبيت إلا أن تعلم فقلت نعم يا

_________________________________________

الإيمان الإجمالي بأمثال ذلك أحوط وأولى ، والله يعلم.

قولهعليه‌السلام : « واللحوق بالمنادي » على بناء الفاعل ، ويحتمل بناء المفعول أي المنادي له ، من محمد وأهل بيتهعليهم‌السلام والجنة.

باب ما يعاين المؤمن والكافر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام « ديني مع دينك » لعل المراد أن ديني إنما يستقيم إذا كان تابعا لدينك وموافقا لما تعتقده فإذا ذهب ديني بسبب عدم علمي بما تعتقده كان ذلك أي الخسران والهلاك والعذاب الأبدي ، فذلك إشارة إلى ما هو المعلوم مما يترتب على من فسدت عقيدته ، ثم قال : لا يتيسر لي السؤال عنك كل ساعة ، فالفرصة في تلك الساعة مغتنمة. وفي محاسن البرقي هكذا « إنما ديني مع دمي فإذا ذهب دمي كان ذلك » فالمراد بالدم الحياة مجازا. أي لا أترك طلب الدين ما دمت حيا ،

٢٨٦

ابن رسول الله إنما ديني مع دينك فإذا ذهب ديني كان ذلك كيف لي بك يا ابن رسول الله كل ساعة وبكيت فرق لي فقال يراهما والله فقلت بأبي وأمي من هما قال ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام يا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتى تراهما قلت فإذا نظر إليهما المؤمن أيرجع إلى الدنيا فقال لا يمضي أمامه إذا نظر إليهما مضى أمامه فقلت له يقولان شيئا قال نعم يدخلان جميعا على المؤمن فيجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند رأسه وعليعليه‌السلام عند رجليه فيكب عليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول يا ولي الله أبشر أنا رسول الله إني خير لك مما تركت من الدنيا ثم ينهض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقوم عليعليه‌السلام حتى يكب عليه فيقول يا ولي الله أبشر أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه أما لأنفعنك ثم قال إن هذا في كتاب الله عز وجل قلت أين جعلني الله فداك هذا من كتاب الله قال في يونس قول الله عزوجل هاهنا «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ».

_________________________________________

فإذا ذهب دمي أي مت كان ذلك أي ترك الطلب ، أو المعنى أنه إنما يمكنني تحصيل ما دمت حيا ، فقوله ـ فإذا ذهب دمي ـ استفهام إنكاري أي بعد الموت كيف يمكنني طلب الدين.

قوله تعالى : «لَهُمُ الْبُشْرى » يحتمل أن يكون هذه البشارة من بشرى الدنيا ، وأن يكون من بشرى الآخرة. وبشرى الدنيا المنامات الحسنة وأمثالها ، والأول أظهر ، ولا ينافي ذلك ما ورد من أن بشرى الدنيا المنامات المبشرة ، وما قيل : إنه ما ورد في الكتاب والسنة من البشارات والمثوبات للصالحين والمؤمنين فإن هذا أحد أفراده ، وإثباته لا ينفى ما عداه وكلمات الله مواعيده ، وفسرت في الأخبار بالأئمة الأطهارعليهم‌السلام .

٢٨٧

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن خالد بن عمارة ، عن أبي بصير قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومن شاء الله فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن يمينه والآخر عن يساره فيقول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما ما كنت ترجو فهو ذا أمامك وأما ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول هذا منزلك من الجنة فإن شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضة فيقول لا حاجة لي في الدنيا فعند ذلك يبيض لونه ويرشح جبينه وتقلص شفتاه وتنتشر منخراه وتدمع عينه اليسرى فأي هذه العلامات رأيت فاكتف بها فإذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليه وهي في الجسد فتختار الآخرة فتغسله فيمن يغسله وتقلبه فيمن يقلبه فإذا أدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدما وتلقاه أرواح المؤمنين يسلمون عليه ويبشرونه بما أعد الله له جل ثناؤه من

_________________________________________

الحديث الثاني : مجهول وفي الصحاح رشح رشحا أي عرق.

قولهعليه‌السلام : « إلى الجنة » أي جنة الدنيا ويحتمل الآخرة.

قولهعليه‌السلام : « فاكتف بها » أي في الشروع في الأعمال المتعلقة بالاحتضار ، وإلا فكثير منها يتخلف عنه الموت ، أو في العلم بأنه قد حضره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة ، إن مات بعد ذلك.

قولهعليه‌السلام : « فيعرض عليها » أي على النفس الجسد ، أو الرجوع إلى الدنيا وهو أظهر كما عرض عليه أي على الشخص أو الروح ، والتذكير باعتبار الشخص لعدم مباينته عن البدن بعد. وفي القاموس القدم بضمتين أمام إمام. وفي النهاية نظر قدما أمامه لم يعرج ولم ينثن.

قولهعليه‌السلام : « فيغسله » يحتمل أن يكون كناية عن حضورها واطلاعها ، مع أنه يحتمل الحقيقة ورد الروح إلى وركيه لعدم الاحتياج إلى ردهما إلى قدميه

٢٨٨

النعيم فإذا وضع في قبره رد إليه الروح إلى وركيه ثم يسأل عما يعلم فإذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيدخل عليه من نورها وضوئها وبردها وطيب ريحها.

قال قلت جعلت فداك فأين ضغطة القبر فقال هيهات ما على المؤمنين منها شيء والله إن هذه الأرض لتفتخر على هذه فيقول وطئ على ظهري مؤمن ولم يطأ على ظهرك مؤمن وتقول له الأرض والله لقد كنت أحبك وأنت تمشي على ظهري فأما إذا وليتك فستعلم ما ذا أصنع بك فتفسح له مد بصره.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس بن

_________________________________________

ويكفي هذا لجلوسه والسؤال عنه وجوابه. وربما يقال : إنه كناية عن أن تعلقها تعلق ضعيف وهو تكلف غير محتاج إليه.

قولهعليه‌السلام : « ثم يسأل عما يعلم » على بناء المعلوم أو المجهول أي ما يجب أن يعلم ، والفتح مد بصره إما في الموضع الذي يكون فيه الروح في البرزخ ، ونسب إلى القبر لانتقاله منه إليه ، أو أنه يراه كذلك كما يرى النائم والأول أظهر.

قولهعليه‌السلام : « ما على المؤمنين » لا يخفى أن الجمع بين هذا الخبر وخبر فاطمة بنت أسد لا يخلو من إشكال ، ولا يمكن الجمع بحمل هذا على المؤمن الكامل لأنها كانت من أهل البيت وكانت مرضية كاملة كما يظهر من الأخبار ، إلا أن يقال : أنها كانت في ذلك الزمان فنسخت وارتفعت رحمة على هذه الأمة ، أو يقال : فعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك لها لزيادة الاحتياط والاطمئنان ، وخبر سعد بن معاذ أشكل من خبرها.

قولهعليه‌السلام : « وليتك » أي قربت منك من الولي بمعنى القرب أو توليت أمرك.

الحديث الثالث : موثق. وابنا سابور أحدهما زكريا كما سيأتي ، والأخر

٢٨٩

يعقوب ، عن سعيد بن يسار أنه حضر أحد ابني سابور وكان لهما فضل وورع وإخبات فمرض أحدهما وما أحسبه إلا زكريا بن سابور قال فحضرته عند موته فبسط يده ثم قال ابيضت يدي يا علي قال فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام وعنده محمد بن مسلم قال فلما قمت من عنده ظننت أن محمدا يخبره بخبر الرجل فأتبعني برسول فرجعت إليه فقال أخبرني عن هذا الرجل الذي حضرته عند الموت أي شيء سمعته يقول قال قلت بسط يده ثم قال ابيضت يدي يا علي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام والله رآه والله رآه والله رآه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان قال حدثني من سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول منكم والله يقبل ولكم والله يغفر إنه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه هاهنا وأومأ بيده إلى حلقه ثم قال إنه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام وجبرئيل وملك الموتعليهما‌السلام فيدنو منه عليعليه‌السلام فيقول يا رسول الله إن هذا كان يحبنا أهل البيت فأحبه ويقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا جبرئيل إن هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه ويقول جبرئيل لملك الموت إن

_________________________________________

يحيى كما سيأتي في خبر آخر وسيأتي مدحه في الروضة بسطام أو زياد أو حفص قال النجاشي : بسطام بن سابور أبو الحسين بن سابور الواسطي مولى ثقة ، وإخوته زكريا وزياد وحفص ثقات كلهم رووا عن الصادق ، والكاظمعليهما‌السلام .

قوله فأتبعني الصادقعليه‌السلام بعد قول محمد ، أو بالإعجاز وهو أظهر. وفي القاموس « أخبت » خشع وتواضع.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « إن يغتبط » أي يصير مغبوطا محسودا ، أي يصير بحيث لو علم أحد حاله لأمله ورجاه واغتبطه ، وهو كناية عن حسن حاله. قال في القاموس : الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط.

٢٩٠

هذا كان يحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأحبه وارفق به فيدنو منه ملك الموت فيقول يا عبد الله أخذت فكاك رقبتك أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا قال فيوفقه الله عز وجل فيقول نعم فيقول وما ذلك فيقول ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيقول صدقت أما الذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه وأما الذي كنت ترجوه فقد أدركته أبشر بالسلف الصالح مرافقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمةعليها‌السلام ثم يسل نفسه سلا رفيقا.

ثم ينزل بكفنه من الجنة وحنوطه من الجنة بمسك أذفر فيكفن بذلك الكفن ويحنط بذلك الحنوط ثم يكسى حلة صفراء من حلل الجنة فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنة يدخل عليه من روحها وريحانها ثم يفسح له عن أمامه مسيرة شهر وعن يمينه وعن يساره ثم يقال له نم نومة العروس على فراشها أبشر بروح وريحان وجنة نعيم ورب غير غضبان ثم يزور آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم ويشرب من شرابهم ويتحدث معهم في

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « أخذت » استفهام و « فكاك الرقبة » إشارة إلى قوله تعالى «فَكُّ رَقَبَةٍ » وفسر في أخبار كثيرة بالولاية إذ بها تفك الرقاب من النار « وأمان براءتك » أي ما يصير سببا للأمان والبراءة من النار. وقوله « في الحياة الدنيا » متعلق بالأفعال الثلاثة على التنازع.

قولهعليه‌السلام : « أبشر بالسلف » أي مرافقة السلف الصالح النبي والأئمة فقوله « مرافقة » بدل أو عطف بيان للسلف الصالح ، ويمكن أن يقرأ مرافقة بالتنوين ليكون تميزا ورسول الله مجرورا لكونه بدلا أو عطف بيان للسلف ، وعدم رؤيتنا للكفن والحنوط كعدم رؤية الملائكة والجن لكونهم أجساما لطيفة يراهم بعض ولا يراهم بعض ، وربما يرتكب فيه التجوز و « رضوى » اسم الموضع الذي فيه جنة الدنيا ، وفي القاموس : رضوى كسكرى جبل بالمدينة وموضع.

٢٩١

مجالسهم حتى يقوم قائمنا أهل البيت فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون زمرا زمرا فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون وقليل ما يكونون هلكت المحاضير ونجا المقربون من أجل ذلك قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام قال وإذا احتضر الكافر حضره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام وجبرئيلعليه‌السلام وملك الموتعليه‌السلام فيدنو منه عليعليه‌السلام فيقول يا رسول الله إن هذا كان يبغضنا أهل البيت فأبغضه ويقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا جبرئيل إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه فيقول جبرئيل يا ملك الموت إن هذا كان يبغض الله ورسوله وأهل بيت رسوله فأبغضه واعنف عليه فيدنو منه ملك الموت فيقول يا عبد الله أخذت فكاك رهانك أخذت أمان براءتك تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا فيقول لا فيقول أبشر يا عدو الله بسخط الله عز وجل وعذابه والنار أما الذي كنت تحذره فقد نزل بك ثم

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « يلبون » من التلبية إجابة لهعليه‌السلام أو للرب تعالى ، وفي القاموس الزمرة بالضم الفوج والجماعة ، وقال : رجل مزمر منتهك للحرام ، أو لا يرى للشهر الحرام حرمة ، وقال : الحضر بالضم ارتفاع الفرس في عدوه كالإحضار ، والفرس محضر لا محضارا ولغته وقال في الصحاح فرس محضير أي كثير العدو ، ولعل المراد ذم الاستعجال في طلب الفرج بقيام القائمعليه‌السلام والاعتراض على التأخير ، أي هلك المستعجلون ، وربما يقرأ بالصاد من حصر النفس وضيق الصدر كما قال تعالى «حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ » ونجا المقربون بفتح الراء فإنهم أهل التسليم والانقياد لا يعترضون على الله تعالى فيما يقضي عليهم أو بكسر الراء أي الذين يقولون الفرج قريب ولا يستبطئونه.

قولهعليه‌السلام : « وميعاد » ظاهر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يرجع أيضا في الرجعة ، كما تدل عليه أخبار أخر و « وادي السلام » النجف. ويحتمل أن يكون تلاحق الأرواح

٢٩٢

يسل نفسه سلا عنيفا ثم يوكل بروحه ثلاثمائة شيطان كلهم يبزق في وجهه ويتأذى بروحه فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب النار فيدخل عليه من قيحها ولهبها.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن مسكان ، عن عبد الرحيم قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام حدثني صالح بن ميثم عن عباية الأسدي أنه سمع علياعليه‌السلام يقول والله لا يبغضني عبد أبدا يموت على بغضي إلا رآني عند موته حيث يكره ولا يحبني عبد أبدا فيموت على حبي إلا رآني عند موته حيث يحب فقال أبو جعفرعليه‌السلام نعم ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله باليمين.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن يحيى بن سابور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في الميت تدمع عينه عند الموت فقال ذلك عند معاينة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيرى ما يسره ثم قال أما ترى الرجل يرى ما يسره وما يحب فتدمع عينه لذلك ويضحك.

٧ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن عامر بن عبد الله بن جذاعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن النفس إذا وقعت في الحلق أتاه ملك فقال له يا هذا ـ أو يا فلان ـ أما ما

_________________________________________

هناك بعد مفارقة الأبدان فإنه ورد في الأخبار أن هناك مجتمعهم ، والأول أظهر ، وقال في النهاية : القيح سطوة الحر فورانه ويقال بالواو ، وفي القاموس : اللهب اشتعال النار إذا خلص من الدخان.

الحديث الخامس : مجهول.

الحديث السادس : حسن.

الحديث السابع : مرسل ، مختلف فيه.

٢٩٣

كنت ترجو فأيس منه وهو الرجوع إلى الدنيا وأما ما كنت تخاف فقد أمنت منه.

٨ ـ أبان بن عثمان ، عن عقبة أنه سمع أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الرجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى قلت جعلت فداك وما يرى قال يرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول له رسول الله أنا رسول الله أبشر ثم يرى علي بن أبي طالبعليه‌السلام فيقول أنا علي بن أبي طالب الذي كنت تحبه تحب أن أنفعك اليوم قال قلت له أيكون أحد من الناس يرى هذا ثم يرجع إلى الدنيا قال قال لا إذا رأى هذا أبدا مات وأعظم ذلك قال وذلك في القرآن قول الله عز وجل : «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ. لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ».

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن ابن أبي يعفور قال كان خطاب الجهني خليطا لنا وكان شديد النصب لآل محمدعليهم‌السلام وكان يصحب نجدة الحرورية قال فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية فإذا هو مغمى عليه في حد الموت فسمعته يقول ما لي ولك يا علي

_________________________________________

والمراد بالنفس نفس المؤمن أو مطلقا فالمراد بقوله : « وأما ما تخاف » أي من أمور الدنيا فلا ينافي خوف الكافر من عذاب الآخرة ، فيكون الغرض يأسه من الدنيا بالكلية.(١)

الحديث الثامن : مرسل كالحسن.

قولهعليه‌السلام : « أبدا » أي هذا دائما لازم للموت.

قوله « وأعظم ذلك » يحتمل أن يكون هذا كلامهعليه‌السلام ، والمراد أن الميت يعد ذلك أمرا عظيما ، أو من كلام الراوي والمراد أنهعليه‌السلام أعظم كلامي واستغرب ما قلت له من جواز الرجوع إلى الدنيا بعد رؤية ذلك ، وهو أظهر.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) يونس : ٦٤.

٢٩٤

فأخبرت بذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام رآه ورب الكعبة رآه ورب الكعبة.

١٠ ـ سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الحميد بن عواض قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له أما ما كنت تحذر من هم الدنيا وحزنها فقد أمنت منه ويقال له ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليعليه‌السلام وفاطمةعليها‌السلام أمامك.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن آية المؤمن إذا حضره الموت يبياض وجهه أشد من بياض لونه ويرشح جبينه ويسيل من عينيه كهيئة الدموع فيكون ذلك خروج نفسه وإن الكافر تخرج نفسه سلا من شدقه كزبد البعير أو كما تخرج نفس البعير.

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الصمد بن بشير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت أصلحك الله من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه قال نعم قلت فو الله إنا لنكره الموت فقال ليس ذلك حيث تذهب إنما ذلك عند المعاينة إذا رأى ما يحب فليس شيء أحب إليه من أن يتقدم

_________________________________________

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

قولهعليه‌السلام : « إمامك » أي ستلحق بهم ، أو انظر إليهم.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

وقال في الصحاح ، الشدق جانب الفم ، يقال نفخ في شدقيه ، وقال الزبد زبد الماء والبعير والفضة وغيرها وزبد شدق فلان وتزبد بمعنى.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

٢٩٥

والله تعالى يحب لقاءه وهو يحب لقاء الله حينئذ وإذا رأى ما يكره فليس شيء أبغض إليه من لقاء الله والله يبغض لقاءه.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن أبي المستهل ، عن محمد بن حنظلة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك حديث سمعته من بعض شيعتك ومواليك يرويه عن أبيك قال وما هو قلت زعموا أنه كان يقول أغبط ما يكون امرؤ بما نحن عليه إذا كانت النفس في هذه فقال نعم إذا كان ذلك أتاه نبي الله وأتاه علي وأتاه جبرئيل وأتاه ملك الموتعليهم‌السلام فيقول ذلك الملك لعليعليه‌السلام يا علي إن فلانا كان مواليا لك ولأهل بيتك فيقول نعم كان يتولانا ويتبرأ من عدونا فيقول ذلك نبي الله لجبرئيل فيرفع ذلك جبرئيل إلى الله عزوجل.

١٤ ـ وعنه ، عن صفوان ، عن جارود بن المنذر قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا بلغت نفس أحدكم هذه وأومأ بيده إلى حلقه قرت عينه.

١٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن سليمان بن داود ، عن أبي بصير قال :

_________________________________________

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام « ذلك الملك » أي ملك الموت.

قولهعليه‌السلام : « فيرفع ذلك » أي هذا الكلام أو روح المؤمن.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

الحديث الخامس عشر : موثق.

قوله عزوجل «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ »(١) أي النفس «وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ » حالكم والخطاب لمن حول المحتضر ، والواو للحال «وَنَحْنُ أَقْرَبُ » أي أعلم «إِلَيْهِ » أي المحتضر «مِنْكُمْ » عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى سبب

__________________

(١) الواقعة : ٨٢ ـ ٨٧.

٢٩٦

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قوله عز وجل «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ » إلى قوله «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » فقال إنها إذا بلغت الحلقوم ثم أري منزله من الجنة فيقول ردوني إلى الدنيا حتى أخبر أهلي بما أرى فيقال له ليس إلى ذلك سبيل.

١٦ ـ سهل بن زياد ، عن غير واحد من أصحابنا قال قال إذا رأيت الميت قد شخص ببصره وسالت عينه اليسرى ورشح جبينه وتقلصت شفتاه وانتشرت منخراه فأي شيء رأيت من ذلك فحسبك بها.

وفي رواية أخرى وإذا ضحك أيضا فهو من الدلالة قال وإذا رأيته قد

_________________________________________

الاطلاع «وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ » أي لا تدركون كنه ما يجري عليه «فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ » أي مجزيين يوم القيمة أو مملوكين مقهورين ، من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد «تَرْجِعُونَها » ترجعون النفس إلى مقرها وهو عامل الظرف والمحضض عليه بلولا الأولى ، والثانية تكرير للتوكيد وهي بما في حيزه دليل جواب الشرط والمعنى إن كنتم غير مملوكين مجزيين كما دل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم باياته «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » في تعطيلكم فلو لا ترجعون الأرواح إلى الأبدان بعد بلوغها الحلقوم.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

وقال في النهاية : شخوص البصر ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر وانزعاجه.

قولهعليه‌السلام : « قد خمص » وفي بعض النسخ غمض ، قال في القاموس : خمص الجرح والخمص سكن ورمه ، وخمص البطن مثلثة الميم خلا ، وقال : الغامض المطمئن من الأرض وقد غمض المكان غموضا وككرم ، وعلى التقديرين المراد ظهور الضعف في الوجه وانخسافه ، وفي بعض النسخ حمض بالحاء المهملة والضاد المعجمة ، وحموضة الوجه عبوسه ، ولعله أظهر.

٢٩٧

خمص وجهه وسالت عينه اليمنى فاعلم أنه.

(باب)

(إخراج روح المؤمن والكافر)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إدريس القمي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل يأمر ملك الموت فيرد نفس المؤمن ليهون عليه ويخرجها من أحسن وجهها فيقول الناس لقد شدد على فلان الموت وذلك تهوين من الله عز وجل عليه وقال يصرف عنه إذا كان ممن سخط الله عليه أو ممن أبغض الله أمره أن يجذب الجذبة التي بلغتكم بمثل السفود من الصوف المبلول فيقول الناس لقد هون الله على فلان الموت.

_________________________________________

قولهعليه‌السلام : « فاعلم أنه » أي من أهل النار ، أو أنه مات.

باب إخراج روح المؤمن والكافر

الحديث الأول : حسن.

قولهعليه‌السلام : « يأمر ملك الموت » قيل المراد أنه يأمر بأن يريه منزله من الجنة ثم يرد عليه روحه ليرضي بالموت لذلك زمان نزعه فيزعم الناس أنه شدد عليه. والكافر يصرف عنه أي هذا الرد. وأقول الأظهر أن يقال : المراد أنه يرد عليه روحه مرة بعد أخرى وينزع عنه ليخفف بذلك سيئاته ولا يعلم الناس أنه سبب للتخفيف والكافر بخلاف ذلك ، وما قيل : ـ من أن قوله « يصرف عنه » جملة دعائية من كلام الراوي أن يصرف عنه السوء ـ فلا يخفى ما فيه ، وقيل : يصرف عنه جملة استينافية مؤكدة لقوله « وذلك تهوين من الله » أي يصرف الله السوء عن المؤمن ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يرد الروح إلى جسده بعد قرب النزع مرة بعد أخرى لئلا يشق عليه مفارقة الدنيا دفعة فيهون عليه ، والكافر يصرف عنه ذلك والله يعلم. وقال في الصحاح : السفود بالتشديد الحديدة التي يشوي بها اللحم.

٢٩٨

٢ ـ عنه ، عن يونس ، عن الهيثم بن واقد ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دخل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل من أصحابه وهو يجود بنفسه فقال يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال أبشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق واعلم يا محمد أني أقبض روح ابن آدم فيجزع أهله فأقوم في ناحية من دارهم فأقول ما هذا الجزع فو الله ما تعجلناه قبل أجله وما كان لنا في قبضه من ذنب فإن تحتسبوا وتصبروا تؤجروا وإن تجزعوا تأثموا وتوزروا واعلموا أن لنا فيكم عودة ثم عودة فالحذر الحذر إنه ليس في شرقها ولا في غربها أهل بيت مدر ولا وبر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات ولأنا أعلم بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم ولو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت عليها حتى يأمرني ربي بها فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما يتصفحهم في مواقيت الصلاة فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونحى عنه ملك الموت إبليس.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن المفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال حضر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا من الأنصار وكانت

_________________________________________

الحديث الثاني : مرسل.

قوله « ولا وبر » أي سكان الخيام من الوبر والشعر ، وقال الشيخ البهائي (ره) لعل المراد بتصفح ملك الموت أنه ينظر إلى صفحات وجوههم نظر المترقب لحلول آجالهم ، والمنتظر لأمر الله سبحانه فيهم.

قولهعليه‌السلام : « روح بعوضة » قيل هذا يدل على أن قبض روح الحيوانات أيضا مفوض إليهعليه‌السلام وفيه نظر ، فتأمل.

قولهعليه‌السلام : « لقنه » أي عند الموت.

الحديث الثالث : ضعيف.

٢٩٩

له حالة حسنة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فحضره عند موته فنظر إلى ملك الموت عند رأسه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ارفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال له ملك الموت يا محمد طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق شفيق واعلم يا محمد إني لأحضر ابن آدم عند قبض روحه فإذا قبضته صرخ صارخ من أهله عند ذلك فأتنحى في جانب الدار ومعي روحه فأقول لهم والله ما ظلمناه ولا سبقنا به أجله ولا استعجلنا به قدره وما كان لنا في قبض روحه من ذنب فإن ترضوا بما صنع الله به وتصبروا تؤجروا وتحمدوا وإن تجزعوا وتسخطوا تأثموا وتوزروا وما لكم عندنا من عتبى وإن لنا عندكم أيضا لبقية وعودة فالحذر الحذر فما من أهل بيت مدر ولا شعر في بر ولا بحر إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة حتى لأنا أعلم منهم بأنفسهم ولو أني يا محمد أردت قبض نفس بعوضة ما قدرت على قبضها حتى يكون الله عز وجل هو الآمر بقبضها وإني لملقن المؤمن عند موته شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

_________________________________________

وفي القاموس : عينه تقر بالكسر والفتح قرة ويضم وقرورا بردت وانقطع بكاؤها أو رأت ما كانت متشوقة إليه.

قولهعليه‌السلام : « ومعي روحه » لا يخفى أن كثيرا من هذه الأخبار يدل ظاهرا على تجسم الروح ، وباب التأويل واسع لمن أراد.

قولهعليه‌السلام : « من عتب » وفي بعض النسخ من عتبى ، قال في النهاية : عتبة يعتبه عتبا وعتب عليه يعتب ويعتب معتبا ، الاسم المعتب بالفتح والكسر من الموجدة والغضب واستعتب طلب أن يرضى عنه ، ومنه الحديث « ولا بعد الموت من مستعتب » أي ليس بعد الموت من استرضاء والعتبي الرجوع عن الذنب والإساءة ، انتهى ، ولعل المعنى إذا فعلتم ذلك ومتم عليه فلا ينفعكم الاستعتاب والاسترضاء ، أو ليس لكم علينا من عتاب ، أو ليس لكم أن تطلبوا منا إرجاع ميتكم إلى الدنيا. والثاني إنما هو على النسخة الأولى.

٣٠٠

وعلى هذا يتعلّق بما يكسبه من بعدُ ، أم به وبما في يده من الربح الحاصل ، أم بهما وبرأس المال؟ فيه وجوه ثلاثة أشبهها عندهم : الثالث(١) .

وعلى رأيٍ لبعض الشافعيّة : إذا كان مأذوناً له في الضمان ، تعلّق بكسبه ، وإلّا لم يتعلّق إلّا بالذمّة(٢) .

مسألة ٤٨٩ : إذا قال السيّد لعبده : اضمن واقضه ممّا تكتسبه ، صحّ ضمانه ، وتعلّق المال بكسبه.

وكذا لو قال للمأذون له في التجارة : اضمن واقض من المال الذي في يدك ، قضى منه. وكذا إن عيّن مالاً وأمره بالقضاء منه.

وحيث قلنا : يؤدّي ممّا في يده لو كان عليه ديون ، فإنّ المضمون له يشارك الغرماء ؛ لأنّه دَيْنٌ لزم بإذن المولى ، فأشبه سائر الديون ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.

والثاني لهم : أنّ الضمان لا يتعلّق بما في يده أصلاً ؛ لأنّه كالمرهون بحقوق الغرماء.

والثالث : أنّه يتعلّق بما فضل عن حقوقهم رعايةً للجانبين(٣) .

هذا إذا لم يحجر عليه الحاكم.

ويُحتمل عندي أنّ مال الضمان يُقدَّم على ديون الغرماء ؛ لأنّ مولاه عيّنه فيه.

أمّا لو حجر عليه الحاكم باستدعاء الغرماء ثمّ ضمن بإذن مولاه وجعل الضمان ممّا في يده ، لم يتعلّق الضمان بما في يده ؛ لتعلّق حقوق الغرماء به‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠١

بمقتضى حَجْر الحاكم عليه.

ولو عيّن السيّد مال الضمان من رقبته ، تعيّن ، كما لو ضمن الحُرّ على أن يؤدّي من مالٍ معيّن ، فإنّ مال الضمان يتعلّق بذلك المال المعيّن ، كذا هنا ؛ لأنّ الحقوق تتعلّق بأعيان الأموال كالرهن ، وأمّا تعلّق الضمان بعين ماله دون ذمّته فلا يصحّ ، وصحّ هذا في حقّ العبد ؛ لأنّ له ذمّةً.

ولو أذن للعبد في التجارة وفي الضمان ولم يعيّن المال من أين يؤدّى ، فقد قلنا : إنّ الأقوى تعلّقه بذمّة العبد. ويُحتمل بكسبه وبذمّة المولى.

وقال الشافعي : يتعلّق بما في يده من أموال التجارة ، فيقضيه منها على الوجه الذي يتعلّق بكسبه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه إنّما أذن له في الضمان بالإطلاق ، فهو ينصرف إلى ذمّته أو كسبه أو ذمّة مولاه.

مسألة ٤٩٠ : المدبَّر وأُمّ الولد والمكاتَب المشروط كالقِنّ في الضمان لا يصحّ إلّا بإذن سيّده‌ ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ ، فأشبه نذر الصدقة ، أو نقول : يصحّ ويتبع به بعد العتق على الخلاف الذي سبق كما قلناه في العبد القِنّ.

ولو ضمن بإذن سيّده ، صحّ ، كما لو أذن للعبد ، ولأنّ الحقّ للمكاتب أو للسيّد لا يخرج عنهما ، وقد اتّفقا على الضمان ، فلا مانع.

ويُحتمل أن لا يصحّ ؛ لأنّ فيه تفويتَ الحُرّيّة.

والوجه عندي : الصحّة إن استعقب ضمانه الرجوع ، كما لو أذن له المضمون عنه في الضمان ، ويكون الضمان مصلحةً لا مفسدة فيه ، كما لو كان المضمون عنه معسراً ، فإنّه لا يصحّ ، وكما لو تبرّع ؛ لأنّ للسيّد منعه من‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ٥٠.

٣٠٢

التصرّف بغير الاكتساب.

وأمّا المكاتب المطلق فليس للسيّد منعه من الضمان مطلقاً كيف شاء ؛ لانقطاع تصرّفات المولى عنه.

ولو كان بعض العبد حُرّاً وبعضه رقّاً ولا مهايأة بينه وبين السيّد ، لم يكن له الضمان إلّا بإذنه ؛ لتعلّق حقّ السيّد برقبته وتصرّفه.

وكذا لو كان بينهما مهايأة وضمن في أيّام السيّد.

ولو ضمن في أيّام نفسه ، فالأقرب : الجواز.

قال بعض الشافعيّة : يجوز أن يخرج ضمان الـمُعتَق بعضُه على الخلاف في الاكتسابات النادرة هل يدخل في المهايأة أم لا؟(١) .

وضمان المكاتب - عند الشافعيّة - بغير إذن السيّد كضمان القِنّ ، وبالإذن مبنيّ على الخلاف في تبرّعاته(٢) .

مسألة ٤٩١ : إذا أذن السيّد لعبده في الضمان ، صحّ ، وانتقل المال إلى ذمّة العبد أو ذمّة السيّد أو مال العبد الذي في يده لمولاه على الخلاف.

فإن أدّى مال الضمان حالة الرقّ ، فحقّ الرجوع للسيّد ؛ لأنّ الأداء من مال السيّد ، سواء كان من رقبة العبد أو ممّا في يده أو من كسبه.

وإن أدّاه بعد عتقه ، فحقّ الرجوع للعبد ؛ لأنّه أدّاه من ماله.

ولو قلنا : إنّه إذا ضمن بإذن سيّده ، تعلّق الضمان بذمّة السيّد أو بكسب العبد ، فالأقرب : أنّ حقّ الرجوع للسيّد أيضاً.

وللشافعيّة وجهان فيما إذا أدّى بعد العتق :

أصحّهما : أنّ حقّ الرجوع للعبد.

والثاني : أنّه للسيّد ؛ لأنّ مال الضمان كالمستثنى عن اكتسابه ،

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

٣٠٣

فلا يستحقّها بالعتق(١) .

ولو ضمن العبد لسيّده عن أجنبيّ ، لم يصح ؛ لأنّه يؤدّيه من كسبِه ، وكسبُه لسيّده ، فهو كما لو ضمن المستحقّ لنفسه.

ولو ضمن لأجنبيّ عن سيّده ، فإن لم يأذن السيّد ، فهو كما لو ضمن عن أجنبيّ. وإن ضمن بإذنه ، صحّ.

ثمّ إن أدّى قبل العتق ، فلا رجوع له. وإن أدّى بعده ، ففي رجوعه على السيّد احتمال.

وللشافعيّة فيه وجهان مبنيّان على الوجهين فيما لو آجر(٢) عبده مدّة ثمّ أعتقه في ابتدائها أو(٣) في أثنائها هل يرجع بأُجرة المثل لبقيّة المدّة أو لا؟(٤) .

مسألة ٤٩٢ : يصحّ ضمان المرأة ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، كما يصحّ ضمان الرجل ؛ لأنّ الضمان عقد يقصد به المال ، فيصحّ من المرأة ، كالبيع. ولأنّها حُرّة عاقلة مالكة لأمرها نافذة التصرّف في مالها تصحّ منها الاستدانة وغيرها من التصرّفات ، فيصحّ منها الضمان ، كالرجل.

ولا فرق في صحّة ضمانها بين أن تكون خليّةً من بَعْل أو تكون ذات بعل.

ولا تحتاج إلى إذن الزوج ، كما في سائر تصرّفاتها ، وبه قال أكثر أهل العلم من العامّة والخاصّة.

وقال مالك : إنّه لا بدّ من إذن الزوج(٥) . وليس بمعتمد.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٢) في « ث ، ر » والطبعة الحجريّة : « آجره ».

(٣) كذا قوله : « في ابتدائها أو ». والجملة لم ترد في المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٧.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٧.

٣٠٤

مسألة ٤٩٣ : المريض يصحّ ضمانه ، ولا نعلم فيه خلافاً‌ ، سواء كان مرض الموت أو لا ، لكن إن لم يكن مرض الموت وعُوفي من مرضه ، صحّ ضمانه مطلقاً.

وإن كان مرض الموت ، فإن تبرّع بالضمان ، نفذ من الثلث عند كلّ مَنْ أثبت تبرّعاته من الثلث. ومَنْ جَعَل منجّزاته من الأصل أمضاه هنا من الأصل.

وإن لم يتبرّع بالضمان ، بل ضمن بسؤال المضمون عنه ، كان حكمه حكم ما لو باع نسيئةً.

والوجه : أنّه إن علم تعذّر الرجوع لفقر المديون بحيث يعلم عدم وصول مالٍ إليه ، كان ماضياً من الثلث ، كما لو تبرّع ، وإلّا مضى من الأصل.

وأطلق بعض العامّة احتسابَ ضمان المريض من الثلث ؛ لأنّه تبرّع بالتزام مالٍ لا يلزمه ولم يأخذ عنه عوضاً ، فأشبه الهبة(١) .

ونمنع التبرّع في المتنازع.

النظر الثالث : في المضمون عنه.

مسألة ٤٩٤ : المضمون عنه هو المديون ، وهو الأصيل.

ولا يشترط رضاه في صحّة الضمان بالإجماع ، كما يجوز أداء الدَّيْن عن الغير بغير إذنه ، فالتزامه في الذمّة أولى بالجواز. ولأنّه يصحّ الضمان عن الميّت بالإجماع. ولما تقدّم(٢) من امتناع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من الصلاة على الميّت حتى ضمنه أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام ، ومعلومٌ أنّه لا يتصوّر الرضا من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٧٩ - ٨٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٧ - ٧٨.

(٢) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

٣٠٥

الميّت.

مسألة ٤٩٥ : ولا يشترط حياة المضمون عنه ، بل يجوز الضمان عن الميّت‌ ، سواء خلّف الميّت وفاءً أو لا ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمّد(١) - لما تقدّم(٢) من أحاديث العامّة عن أمير المؤمنينعليه‌السلام و [ أبي ] قتادة لمّا ضمنا الدَّيْن عن الميّت ، وما رواه الخاصّة أيضاً.

ولأنّ كلّ مَنْ يصحّ الضمان عنه إذا كان له ضامن صحّ وإن لم يكن له ضامن كما لو خلّف وفاءً أو كان حيّاً.

وقال أبو حنيفة والثوري : لا يصحّ الضمان عن الميّت إذا لم يخلّف وفاءً بمال أو ضمان ضامن ؛ لأنّ الموت مع عدم الوفاء يُسقط المطالبة بالحقّ والملازمة عليه ، فوجب أن يمنع صحّة الضمان ، كالإبراء(٣) .

وهو باطل ؛ لأنّ الإبراء إسقاط للحقّ ، ولهذا لا يصحّ بعده إبراء ، وهنا بخلافه.

وساعدنا أبو حنيفة فيما إذا ضمن عنه في حياته ثمّ مات معسراً أنّه‌

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٢٩ - ٢٣٠ ، و ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، المهذّب – للشيرازي - ١ : ٣٤٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

(٢) في ص ٢٨١ و ٢٨٢ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، الأُم ٧ : ١١٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٥٤ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، المحلّى ٨ : ١١٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٩٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٢ ، المغني ٥ : ٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٣.

٣٠٦

لا يبطل الضمان(١) .

مسألة ٤٩٦ : ولا تشترط معرفة المضمون عنه ، فلو ضمن الضامن عمّن لا يعرفه ، صحّ ضمانه‌ ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي في أصحّ القولين(٢) - لما تقدّم(٣) من أنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا عمّن لا يعرفانه. ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى معرفة مَنْ يؤدّى عنه ؛ لأنّه لا معاملة بينهما في ذلك. ولأنّه لا يشترط رضاه فلا تشترط معرفته ، وبه قال أحمد(٤) أيضاً.

والثاني للشافعي : أنّه تشترط معرفته ليعرف حاله ، وأنّه هل يستحقّ اصطناع المعروف إليه أو لا؟(٥) .

وليس بشي‌ء.

إذا عرفت هذا ، فهل تشترط معرفة ما يميّزه عن غيره؟ الأقرب : العدم ، بل لو قال : ضمنت لك الدَّيْن الذي(٦) لك على مَنْ كان من الناس ، جاز على إشكالٍ.

نعم ، لا بدّ من معرفة المضمون عنه بوصفٍ يميّزه عند الضامن بما يمكن القصد معه إلى الضمان عنه لو لم يقصد الضمان عن أيّ مَنْ كان.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، وراجع : بدائع الصنائع ٦ : (٦)

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٣ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) في ص ٢٨١ ، ضمن المسألة ٤٧٣.

(٤) المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٥) نفس المصادر في الهامش (٢)

(٦) في « ج ، ر » زيادة : « كان ».

٣٠٧

تذنيب : لو تبرّع الضامن بالضمان ورضي المضمون له بضمانه ، صحّ الضمان وانعقد وبرئت ذمّة المضمون عنه.

ولو أنكر المضمون عنه الضمانَ ، لم يبطل ضمانه ، وبه قال الشافعي(١) .

النظر الرابع : في المضمون له.

مسألة ٤٩٧ : المضمون له هو مستحقّ الدَّيْن.

وهل تشترط معرفته عند الضامن؟ إشكال ينشأ : من عدم التعرّض له والبحث عنه في ضمان(٢) عليّعليه‌السلام وأبي قتادة ، ولأنّ الواجب أداء الحقّ ، فلا حاجة إلى ما سوى ذلك. ومن أنّه لا بدّ وأن يعرفه الضامن ليأمن الغرر ، فإنّ الناس يتفاوتون في المعاملة والاقتضاء والاستيفاء تشديداً وتسهيلاً ، وتختلف الأغراض في ذلك ، فالضمان مع إهماله غرر وضرر من غير ضرورة.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما : الثاني عندهم(٣) .

ولا بأس به ؛ لحصول المعاملة بين الضامن وبينه بالضمان ، فافتقر إلى معرفته للحاجة.

وقال الشيخرحمه‌الله في الخلاف : لا تشترط معرفة الضامن المضمونَ له ولا المضمونَ عنه. واستدلّ بضمان عليّعليه‌السلام وأبي قتادة(٤) .

____________________

(١) لم نعثر على قوله بحدود المصادر المتوفّرة لدينا.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التنبيه : ١٠٦ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ١.

٣٠٨

مسألة ٤٩٨ : يشترط رضا المضمون له في صحّة الضمان‌ ، وهو قول أكثر علمائنا(١) - وبه قال أبو حنيفة ومحمّد والشافعي في أحد القولين(٢) - لأنّه إثبات مالٍ لآدميّ ، وتجدّد سلطنة وولاية لم تكن ، فلا يثبت إلّا برضاه أو مَنْ ينوب عنه ، كالبيع والشراء ، ويبعد أن يتملّك الإنسان بتمليك الغير شيئاً من غير رضاه.

والقول الثاني للشافعي : إنّه لا يشترط رضاه(٣) ، وهو قول الشيخ(٤) رحمه‌الله ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام وأبا قتادة ضمنا الدَّيْن عن الميّت(٥) والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسأل عن رضا المضمون له.

ثمّ قال الشيخرحمه‌الله : ولو قيل : إنّ من شرطه رضا المضمون له ، كان أولى ؛ بدلالة أنّه إثبات حقٍّ في الذمّة ، فلا بدّ من اعتبار رضاه ، كسائر الحقوق.

ثمّ قال : والأوّل أليق بمذهبنا ؛ لأنّ الثاني قياس(٦) .

إذا عرفت هذا ، فقد قال أبو يوسف بالقول الثاني للشافعي أيضاً ؛ لأنّ‌

____________________

(١) منهم : ابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٠٨ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٠١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(٤) الخلاف ٣ : ٣١٣ ، المسألة ٢

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٨١ ، الهامش ( ٥ و ٦ ) و ٢٨٢ ، الهامش (١)

(٦) الخلاف ٣ : ٣١٣ - ٣١٤ المسألة ٢

٣٠٩

الضمان محض التزامٍ ، وليس موضوعاً على قواعد المعاملات(١) .

تذنيب : أبو حنيفة وافقنا على اشتراط رضا المضمون له في الضمان‌ إلّا في مسألة واحدة استثناها ، وهي : أنّ المريض لو التمس من الورثة أن يضمنوا دَيْنه فأجابوا ، صحّ وإن لم يرض المضمون له(٢) .

مسألة ٤٩٩ : نحن وأبو حنيفة والشافعي - في أحد القولين – لـمّا اشترطنا في صحّة الضمان رضا المضمون له تفرّع عندنا فرع‌ ، وهو : أنّه هل يُشترط قبول(٣) المضمون له ، أو لا ، بل يكفي في صحّة الضمان الرضا؟ إشكال ينشأ : من أنّه تملّك في مقابلة تمليك الضامن ، فيعتبر فيه القبول ، كسائر التمليكات والتملّكات. ومن أصالة عدم الاشتراط ، مع قيام الفرق بينه وبين سائر التملّكات ؛ فإنّ الضمان لا يُثبت ملكَ شي‌ء جديد ، وإنّما يتوثّق به الدَّيْن الذي كان مملوكاً.

ويُنتقض بالرهن ؛ فإنّه لا يفيد إلّا التوثيق ، ويُعتبر فيه القبول.

وللشافعيّة قولان - كالاحتمالين - لكنّ الأصحّ عندهم : الثاني(٤) .

والأقرب عندي : الأوّل ؛ لأنّه عقد ، فلا بدّ من القبول.

قال بعض الشافعيّة : يقرب هذا الخلاف من الخلاف في اشتراط القبول في الوكالة ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهم يُجدّد سلطنةً لم تكن ، فإن شرطنا القبول فليكن بينه وبين الضمان من التواصل ما بين الإيجاب والقبول في‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٦ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٩٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٧٧ ، فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) أي القبول لفظاً.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٤ - ٤٣٥ ، الوسيط ٣ : ٢٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، منهاج الطالبين : ١٢٩.

٣١٠

سائر العقود. وإن لم نشترط ، فيجوز أن يتقدّم(١) (٢) .

وقد فرّع الجويني على عدم اشتراط رضا المضمون له ، فقال : إذا ضمن من غير رضاه ، نُظر إن ضمن بغير إذن المضمون عنه ، فالمضمون له بالخيار إن شاء طالَب الضامن ، وإن شاء تركه. وإن كان الضمان بإذنه ، فحيث قلنا : يرجع الضامن على المضمون عنه [ يُجبر ](٣) المضمون له على قبوله ؛ لأنّ ما يؤدّيه في حكم ملك المضمون عنه. وحيث قلنا : لا يرجع ، فهو كما لو قال لغيره : أدِّ دَيْني عنّي ، ولم يشترط الرجوع وقلنا : إنّه لا يرجع(٤) .

وهل يستحقّ المدين والحال هذه أن يمتنع من القبول؟ فيه وجهان بناءً على أنّ المؤدّى يقع فداءً أو موهوباً ممّن عليه الدَّيْن؟ إن قلنا بالثاني ، لم يكن له الامتناع ، وهو الأشهر عندهم(٥) .

وقد ظهر من هذا أنّ للشافعيّة في اشتراط معرفة المضمون له والمضمون عنه ثلاثة أقوال :

قال بعضهم : لا تشترط معرفتهما.

وقال آخَرون : تشترط معرفتهما.

وقال قوم : تشترط معرفة المضمون له دون المضمون عنه ؛ إذ لا معاملة معه(٦) .

____________________

(١) أي : يتقدّم الرضا على الضمان ، كما في المصدر.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « روضة الطالبين ». وبدلها في « العزيز شرح الوجيز » : « يتخيّر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٤٣٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، حلية العلماء ٥ : ٥٢ - =

٣١١

وزاد الجويني قولاً رابعاً ، وهو : اشتراط معرفة المضمون عنه دون المضمون له(١) .

النظر الخامس : في الحقّ المضمون به.

مسألة ٥٠٠ : يشترط في الحقّ المضمون به أمران :

الأوّل : الماليّة ، فلا يصحّ ضمان ما ليس بمال. والضابط فيه أن يكون ممّا يصحّ تملّكه وبيعه ، وكما لا يصحّ بيع المحرَّمات والربويّات وغيرهما ممّا تقدّم ، كذا لا يصحّ ضمانها.

الثاني : الثبوت في الذمّة ، فلو ضمن دَيْناً لم يجب بَعْدُ وسيجب بقرضٍ أو بيعٍ أو شبههما ، لم يصح.

ولو قال لغيره : ما أعطيت فلاناً فهو علَيَّ ، لم يصح أيضاً عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد(٢) - لأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلى ذمّةٍ في التزام الدَّيْن ، فإذا لم يكن على المضمون عنه شي‌ء فلا ضمّ فيه ولا يكون ضماناً. ولأنّ الضمان شُرّع لوثيقة الحقّ ، فلا يسبق وجوب الحقّ كالشهادة.

وللشافعيّة هنا طريقان :

أحدهما : قال ابن سريج : المسألة على قولين :

القديم : أنّه يصحّ ضمان ما لم يثبت في الذمّة ولم يجب ؛ لأنّ الحاجة قد تمسّ إليه ، كما أنّه في القديم جوّز ضمان نفقة المستقبل. وبهذا قال أبو حنيفة ومالك.

والجديد : المنع ، وبه قال أحمد.

____________________

= ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٥ - ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤ ، المغني ٥ : ٧١ - ٧٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٧٩.

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

٣١٢

والثاني : القطع بالمنع ، ويخالف ضمان النفقة ؛ لأنّ النفقة - على القديم - تجب بالعقد ، فضمانها ضمان ما وجب لا ما لا يجب(١) .

مسألة ٥٠١ : لو قال : ضمنت لك ما تبيعه من فلان ، فباع الشي‌ء بعد الشي‌ء ، لم يصح هذا الضمان عندنا‌ ، وهو أحد قولي الشافعي(٢) .

وفي القديم : يصحّ ، ويكون ضامناً للكلّ ؛ لأنّ « ما » من أدوات الشرط فتقتضي التعميم(٣) .

ولو قال : إذا بعت من فلان فأنا ضامن ، فإنّه يضمن الأوّل لا غير ؛ لأنّ « إذا » ليست من أدوات الشرط.

وقال أبو حنيفة : إذا قال لغيره : إذا بعت فلاناً شيئاً فهو عَلَيَّ ، فباعه شيئاً ثمّ باعه شيئاً آخَر ، لزم الضامن المال الأوّل خاصّةً. ولو قال : ما بعته اليوم فهو علَيَّ ، لزمه ما يبيعه اليوم. ولو قال : مَنْ باع فلاناً اليوم فهو عَلَيَّ ، فباعه رجل ، لا يلزم الضامن(٤) .

مسألة ٥٠٢ : إذا شرطنا معرفة المضمون له عند ثبوت الدَّيْن ، فهنا - أي في صورة ضمان ما لم يجب - أولى.

وإن لم نشترط ، فللشافعيّة وجهان(٥) .

وكذا معرفة المضمون عنه.

وإذا ضمن ما لم يجب ، فلا يطالب الضامن ما لم يلزم الدَّيْن على الأصيل ، فيطالب حينئذٍ عند مَنْ جوّزه ، وأمّا عندنا فلا.

قال مجوّزوه : إذا ضمن ما لم يجب ثمّ رجع عن الضمان ، فإن كان‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٤) فتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهنديّة ٣ : ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٤٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

٣١٣

بعد لزوم المال ، لم يكن له الرجوع.

وإن كان قبله ، فعن ابن سريج من الشافعيّة : أنّ له أن يرجع(١) .

وقال غيره من الشافعيّة : لا يرجع ؛ لأنّ وضع الضمان على اللزوم(٢) .

وعلى قولنا ببطلان ضمان ما لم يثبت لو قال : اقرض فلاناً كذا وعلَيَّ ضمانه ، فأقرضه ، قال بعض الشافعيّة : المذهب أنّه لا يجوز(٣) .

وقال ابن سريج : إنّه يجوز ؛ لأنّه ضمانٌ مقرون بالقبض(٤) .

مسألة ٥٠٣ : يصحّ ضمان النفقة الماضية للزوجة‌ ، سواء كانت نفقة الموسرين أو نفقة المعسرين ، وكذا ضمان الإدام ونفقة الخادم وسائر المؤن ؛ لأنّها تثبت في الذمّة واستقرّت بمضيّ الزمان.

وكذا يصحّ ضمان نفقة اليوم الحاضر ؛ لأنّها تجب بطلوع الفجر.

وأمّا النفقة المستقبلة - كنفقة الغد والشهر المستقبل والسنة المستقبلة - فإنّها غير واجبة في الذمّة ، فلا يصحّ ضمانها ؛ لأنّ النفقة عندنا إنّما تجب بالعقد والتمكين ، والتمكين في المستقبل لم يحصل ، فلم تجب النفقة إلّا مع حصوله ، فيكون ضمانها ضمان ما لم يجب ، وهو القول الجديد للشافعي.

وقال في القديم : يصحّ(٥) .

وهو مبنيّ على أنّ النفقة تجب بالعقد خاصّةً ، والأوّل مبنيّ على أنّها تجب بالعقد والتمكين.

وقال الجويني : إن قلنا بالقديم ، صحّ الضمان. وإن قلنا بالثاني ، فالأصحّ : البطلان(٦) .

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٨ - ٤٧٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٤

وفيه قولٌ آخَر مع تفريعنا على أنّ ضمان ما لم يجب باطل ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة ناجز ، وهو النكاح(١) .

وفيه إشكال ؛ لأنّ سبب وجوب النفقة إمّا النكاح أو التمكين في النكاح ، فإن كان الأوّل ، فالنفقة واجبة ، فكيف قال : ولم تجب!؟ وإن كان الثاني ، فالسبب غير موجود.

مسألة ٥٠٤ : قد بيّنّا أنّ ضمان نفقة المدّة المستقبلة للزوجة باطل.

وعلى قول الشافعي بالجواز يُشترط أمران :

أحدهما : أن يقدّر المدّة ، فلو أطلق لم يصح فيما بعد الغد. وفي الغد وجهان أخذاً من الخلاف فيما إذا قال : آجرتك كلّ شهر بدرهم ، ولم يقدّر ، هل يصحّ في الشهر الأوّل؟ قولان.

الثاني : أن يكون المضمون نفقة المعسرين وإن كان المضمون عنه موسراً أو متوسّطاً ؛ لأنّه ربما يعسر ، فالزائد على نفقة المعسر غير ثابتٍ ؛ لأنّه يسقط بالعسر(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يجوز ضمان نفقة الموسرين والمتوسّطين ؛ لأنّ الظاهر استمرار حاله(٣) .

وأمّا نفقة القريب للمدّة المستقبلة فإنّها عندنا أولى بالبطلان ؛ لعدم وجوبها ، وبه قال الشافعي(٤) .

أمّا نفقة اليوم ، فالأقرب : جواز ضمانها ؛ لوجوبها بطلوع الفجر.

وللشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ(٥) .

والفرق بينها وبين نفقة الزوجة : أنّ سبيل هذه النفقة سبيل البرّ والصلة ، لا سبيل الديون ، ولهذا تسقط بمضيّ الزمان وضيافة الغير ، ونفقة الزوجة نفقة معاوضة ، فسبيلها سبيل الديون.

____________________

(١ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٧٩.

٣١٥

مسألة ٥٠٥ : لا يشترط في المال اللزوم‌ ، بل مطلق الثبوت ، سواء كان مستقرّاً لازماً ، كثمن المبيع إذا كان في الذمّة ، أو متزلزلاً ، كضمان الثمن في مدّة الخيار ، فإنّه يصحّ ضمانه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّه ينتهي إلى اللزوم بنفسه ، فيحتاج فيه إلى التوثيق ، وأصل وضع البيع اللزوم.

والثاني : لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه ليس بلازم(٢) .

ويُمنع اشتراط اللزوم.

وهذا الخلاف بين قولي الشافعي إنّما هو فيما إذا كان الخيار للمشتري أو لهما ، أمّا إذا كان الخيار مختصّاً بالبائع ، فإنّه يصحّ ضمانه بلا خلافٍ ؛ لأنّ الدَّيْن لازم في حقّ مَنْ هو عليه(٣) .

وهو ممنوع.

وقال الجويني : تصحيح الضمان في بيع الخيار مبنيّ على أنّ الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع ، أمّا إذا منعه فهو ضمان ما لم يثبت بَعْدُ(٤) .

مسألة ٥٠٦ : الحقوق على أربعة أضرب :

[ الأوّل ] : حقٌّ لازم مستقرّ‌ ، كالثمن بعد قبض المبيع ، والأُجرة بعد انقضاء المدّة ، والمهر بعد الدخول ، وهذا يصحّ ضمانه إجماعاً.

الثاني : لازمٌ غير مستقرّ‌ ، كالثمن قبل القبض ، والمهر قبل الدخول ، والأُجرة قبل انقضاء المدّة ، فهذا يصحّ ضمانه أيضاً ؛ لأنّه لازمٌ في الحال وإن جاز أن يسقط ، كما يسقط المستقرّ بالقضاء والإبراء وبالردّ بالعيب وغير ذلك.

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣.

٣١٦

وكذا(١) السَّلَم يصحّ ضمانه عندنا وعند الشافعي(٢) ؛ لأنّه دَيْنٌ لازمٌ ، فصحّ ضمانه ، كالقرض.

وقال أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين : إنّه لا يصحّ ضمانه ؛ لأنّه يؤدّي إلى استيفاء الـمُسْلَم فيه من غير المُسْلَم إليه ، فلا يجوز ، كالحوالة به(٣) .

والفرق أنّه في الحوالة يطالب ببدل الحقّ ، وفي الضمان يطالب بنفس الحقّ.

الثالث : ما ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم‌ ، كالكتابة عند بعض(٤) علمائنا.

الرابع : ما ليس بلازمٍ ولكن يؤول إلى اللزوم‌ ، كمال الجعالة.

مسألة ٥٠٧ : الأقرب عندي : أنّه يصحّ ضمان مال الكتابة‌ - وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في وجهٍ(٥) ، وخرّجه ابن سريج على ضمان ما لم يجب ووُجد سبب وجوبه(٦) . وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من تجويز ضمان الجُعْل في الجعالة على إحدى الروايتين(٧) - لأنّه دَيْنٌ على المكاتب ، فصحّ ضمانه ، كسائر الديون عليه وعلى غيره.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « كذلك ».

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٩٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٤ ، المغني ٤ : ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٨.

(٣) المغني ٤ : ٣٧٧ ، و ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٧٧ - ٣٧٨ ، و ٥ : ٨٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) الشيخ الطوسيرحمه‌الله في المبسوط ٢ : ٣٢٥.

(٥) المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥.

٣١٧

والمشهور من مذهب الشافعي - وإليه مالَ الشيخ(١) رحمه‌الله وأحمد في الرواية الأُخرى - : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ مال الكتابة ليس بلازمٍ ولا يؤول إلى اللزوم ، فإنّ للمكاتَب أن يُعجّز نفسه ويمتنع من أدائه ، فإذا لم يلزم(٢) الأصيل فالضمين أولى(٣) .

ويُمنع عدم لزومه وأنّ للمكاتب تعجيز نفسه ، بل يجب عليه القيام في المال ؛ لأنّه قد صار دَيْناً عليه.

تذنيب : لو ضمن إنسان عن المكاتَب غير نجوم الكتابة‌ ، فإن كان الدَّيْن لأجنبيّ ، صحّ الضمان ، وإذا أدّى الضامن ، رجع على المكاتَب إن كان قد ضمن بإذنه.

وإن ضمنه لسيّده ، جاز أيضاً.

والشافعي بناه على أنّ ذلك الدَّيْن هل يسقط بعجزه؟ وهو على وجهين ، إن قلنا : نعم ، لم يصح ، كضمان النجوم ، وإلّا جاز(٤) .

مسألة ٥٠٨ : [ في ضمان ](٥) ما ليس بلازمٍ في الحال وله مصير إلى اللزوم ، والأصل في وضعه الجواز ، كمال الجعالة.

فنقول : إن ضمن قبل الشروع في العمل ، لم يصح الضمان ؛ لأنّه‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٣٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لم يلزمه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٦٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، حلية العلماء ٥ : ٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢ ، المغني ٥ : ٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٦ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٢.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه كما استُظهر في هامش الطبعة الحجريّة ، ولم يرد في النسخ الخطّيّة.

٣١٨

ضمان ما لم يجب ؛ إذ العقد غير لازم ، والمال الثابت بالعقد غير ثابت في الذمّة فكيف يلزم فرعه!؟

وإن ضمن بعد فراغ العمل واستحقاقه للمال ، صحّ ضمانه قطعاً ؛ لأنّه ضمان ما قد ثبت وجوبه.

وإن ضمن بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه ، فالأقرب : جواز الضمان ؛ لوجود سبب الوجوب ، ولانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّ الموجِب للجُعْل هو العمل ؛ إذ به يتمّ الموجَب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : يمكن بناء الوجهين على الوجهين في جواز رجوع المالك بعد الشروع في العمل ، فنقول : إن لم نجوّز الرجوع ، فقد لزم الجُعْل من قِبَله. وإن جوّزناه ، لم يصح ضمانه(٢) .

وأمّا مال المسابقة والمناضلة فمبنيّ على أنّ عقدهما جعالة أو إجارة ، فإن كان إجارةً ، صحّ الضمان. وإن كان جعالةً ، فهو كضمان الجُعْل.

وقال الشيخ(٣) رحمه‌الله وأحمد : يصحّ ضمان مال الجعالة والمسابقة ؛ لأنّه يؤول إلى اللزوم. ولقوله تعالى :( وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) (٤) ولأنّه يؤول إلى اللزوم إذا عمل العمل ، وإنّما الذي لا يلزم‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٦ ، و ٤ : ٤٦٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، و ٥ : ١٥٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المسألتان ٧ و ٨ من كتاب الضمان ، المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٢٥.

(٤) يوسف : ٧٢.

٣١٩

العملُ ، والمال يلزم لوجوده ، والضمان للمال دون العمل(١) .

وكلامه يشعر بجواز الضمان قبل الشروع في العمل.

مسألة ٥٠٩ : يصحّ ضمان أرش الجناية ، عند علمائنا‌ ، سواء كان من النقدين أو من الإبل وغيرها(٢) من الحيوانات - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه ثابت مستقرّ في الذمّة ، فصحّ ضمانه ، كغيره من الحقوق الثابتة في الذمم ، وكغير الحيوانات من الأموال.

وقال أصحاب الشافعي : إذا لم نجوّز ضمان المجهول ففي ضمان إبل الدية وجهان ، ويقال قولان :

أحدهما : لا يصحّ ؛ لأنّه مجهول الصفة واللون.

والثاني : أنّه صحيح(٤) .

ونمنع بطلان ضمان المجهول.

سلّمنا ، لكن نمنع الجهالة ؛ فإنّ الإبل الواجبة في الذمّة عن النفس والأعضاء والجراحات معلومة العدد والسنّ ، وجهالة اللون وغيره من الصفات الباقية لا تضرّ ؛ لأنّ الذي يلزمه أدنى لون أو صفة أو غالب إبل البلد ، فتحصل معلومة. ولأنّ جَهْلَ ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع وجوبه بالالتزام. ولأنّ الضمان تلو الإبراء ، والإبراء عنها صحيح فكذا الضمان.

____________________

(١) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « أو من غيرهما » بدل « وغيرها ».

(٣) الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٣٠ ، المغني ٥ : ٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٨٧.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٤٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٢٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ١٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٨٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363