مرآة العقول الجزء ١٧

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27538 / تحميل: 5068
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

بعرفة ورمي الجمار والحج الأصغر العمرة.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » قال هما مفروضان.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الحج

وقال الطبرسي (ره) في تفسير قوله تعالى : «يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ »(١) فيه ثلاثة أقوال.

أحدهما : أنه يوم عرفة وروي ذلك عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال عطاء : الحج الأكبر الذي فيه الوقوف ، والحج الأصغر الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة.

وثانيها : أنه يوم النحر عن عليعليه‌السلام ، وابن عباس وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال الحسن : وسمي الحج الأكبر لأنه حج فيه المسلمون والمشركون ولم يحج بعدها مشرك.

وثالثها : أنه جميع أيام الحج كما يقال : يوم الجمل ويوم صفين أراد به الحين والزمان انتهى(٢) .

وغرضهعليه‌السلام من ذكر وقوف عرفة ، ورمي الجمار أن المراد به الحج المقابل للعمرة فإن كل حج يشتمل عليهما.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « هما مفروضان » أي المراد بالآية الأمر بالإتيان بهما تأمين فيدل على كونهما مفروضين كما مر تحقيقه.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

__________________

(١) سورة التوبة : ٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ـ ٦ ـ ص ٥.

١٤١

على الغني والفقير فقال الحج على الناس جميعا كبارهم وصغارهم فمن كان له عذر عذره الله.

٤ ـ ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لأن الله تعالى يقول : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ » وإنما نزلت العمرة بالمدينة قال قلت له «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ » أيجزئ ذلك عنه قال نعم.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم البجلي ومحمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي جميعا ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىعليه‌السلام قال إن الله

قوله عليه‌السلام : « على الناس جميعا » يمكن حمله على من كان مستطيعا وإن لم يكن غنيا عرفا ، والأظهر حمله على الأعم من الوجوب والاستحباب المؤكد.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح. ويدل على الاكتفاء بالعمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة ولا خلاف فيه بين الأصحاب.

الحديث الخامس : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « على أهل الجدة » الجدة الغناء ، ويظهر من الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع أنه قال : بظواهر تلك الأخبار كما هو ظاهر الكليني.

وقال الشيخ (ره) في التهذيب : معنى هذه الأخبار أنه يجب على أهل الجدة في كل عام على طريق البذل لأن من وجب عليه الحج في السنة الأولة فلم يفعل وجب عليه في الثانية ، وهكذا ولم يعنواعليهم‌السلام وجوب ذلك عليهم في كل عام على طريق الجمع انتهى(١) .

ويمكن حمل الفرض على الاستحباب المؤكد ، أو على أنه يجب عليهم كفاية أن لا يخلو البيت ممن يحجه فإن لم يكن مستطيعا لم يحج ، يجب على من حج

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٤٠٥.

١٤٢

عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله عز وجل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » قال قلت فمن لم يحج منا فقد كفر قال لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام

أن يعيد لئلا يخلو البيت من طائف كما أومأنا إليه سابقا.

قوله تعالى «وَمَنْ كَفَرَ »(١) ظاهره أنه وقع مقام من لم يأت بالحج كما هو قول : أكثر المفسرين فيدل على أن ترك الحج كفر ، وقد مر تحقيق معاني الكفر في كتاب الإيمان والكفر ، وتبين هناك أنه يطلق الكفر بأحد معانيه في الآيات والأخبار على ترك الفرائض ومرتكب الكبائر فهذا الكفر بهذا المعنى ، ويدل عليه روايات كثيرة لخصوص تلك الآية.

وقيل : المراد بالكفر هنا : كفران النعمة.

وقيل أطلق الكفر هنا تغليظا وتأكيدا علي سبيل المبالغة :

وقيل : المراد من « كفر » من أنكر الحج ووجوبه ، لا من تركه بدون استحلال وأيد ذلك بما روي أنه لما نزل«لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ »(٢) جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أرباب الملل وخطبهم وقال : إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون ، وكفرت به خمس ملل فنزل ومن كفر.

وروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا : أي من جحد فرض الحج وهذا الخبر يدل على هذا المعنى كما لا يخفى.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

(٢) سورة آل عمران : ٩٧.

١٤٣

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي جرير القمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الحج فرض على أهل الجدة في كل عام.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل فرض الحج على أهل الجدة في كل عام.

(باب)

(استطاعة الحج)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » قال ما السبيل قال أن يكون له ما يحج به قال قلت من

الحديث السابع : ضعيف على المشهور. ويدل على عدم وجوب الحج والعمرة على المملوك وإن أذن له مولاه ، وادعى في المعتبر عليه إجماع العلماء.

الحديث الثامن : صحيح.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

باب استطاعة الحج

الحديث الأول : حسن.

قوله تعالى : «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(١) هو بدل عن قوله الناس وضمير

__________________

(١) سورة آل عمران : ٩٧.

١٤٤

عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك أهو ممن يستطيع إليه سبيلا قال نعم ما

« إليه » راجع إلى الحج أو البيت ، والظاهر أن المراد من تيسر له السفر وتمكن من طي الطريق والوصول إليه من غير عسر ومشقة كما يناسب الشريعة السمحة السهلة ، فلا يبعد اعتبار الزاد والراحلة بظاهر الآية أيضا كما هو إجماع أصحابنا وبه الأخبار المستفيضة عن الأئمةعليهم‌السلام فلا بأس بتفصيل الاستطاعة بوجدان الزاد والراحلة زائدا على نفقة العيال الواجب نفقتهم إلى أن يرجع مع تخلية السرب من الموانع وخلوه في نفسه كذلك من مرض ونحوه كما هو المشهور عندنا كذا ذكره بعض المحققين.

وقال العلامة في المنتهى : اتفق علماؤنا على أن الزاد والراحلة شرطان في الوجوب لمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته ولم يجب عليه الحج وإن تمكن من المشي ثم قال : وإنما يشترط الزاد والراحلة في حق المحتاج إليهما لبعد مسافته أما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته ، والمكي لا يعتبر الراحلة في حقه ويكفيه التمكن من المشي ونحوه.

قال في التذكرة : وصرح بأن القريب إلى مكة لا يعتبر في حقه وجود الراحلة.

وقال في المدارك : هو جيد لكن في تحديد القرب خفاء ، ومقتضى روايتي محمد ابن مسلم(١) والحلبي(٢) وجوب الحج على من يتمكن من المشي بعض الطريق بل ورد في كثير من الروايات الوجوب على القادر على المشي ، والمسألة قوية الإشكال.

قوله عليه‌السلام « نعم » لا خلاف بين الأصحاب في وجوب الحج لو بذل للإنسان زاد وراحلة ونفقة له ولعياله ، وإطلاق هذه الرواية وغيرها يقتضي عدم الفرق في البذل بين الواجب وغيره ، ولا في الباذل بين أن يكون موثوقا به أو لا.

__________________

(١) الوسائل : ج ٨ ص ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٨ ص ٢٢ ح ٣.

١٤٥

شأنه أن يستحيي ولو يحج على حمار أجدع أبتر فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن يحيى الخثعمي قال سأل حفص الكناسي أبا عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عز وجل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » ما يعني بذلك قال من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن كان له مال فقال له حفص الكناسي فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج قال نعم.

ونقل عن ابن إدريس : أنه اعتبر تمليك المبذول ، وهو تقييد النص من غير دليل.

واعتبر في التذكرة : وجوب البذل بنذر وشبهه حذرا من استلزام تعليق الواجب بغير الواجب وهو ضعيف.

نعم لا يبعد اعتبار الوثوق بالباذل لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق من التعرض للخطر ، ثم إطلاق النص وكلام الأكثر يقتضي عدم الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وأثمانهما ، وبه صرح في التذكرة ، واعتبر الشهيد الثانيرحمه‌الله في المسالك بذل عين الزاد والراحلة قال : فلو بذل أثمانها لم يجب القبول وأيضا لا فرق بين بذل الزاد والراحلة وهبتهما.

وقال في الدروس : لا يجب قبول هبتهما ولا يشترط فيه عدم الدين ، وقال الجوهري :الجدع قطع الأنف وقطع الأذن أيضا وقطع اليد والشفة تقول : منه جدعته فهو أجدع ، والأنثى جدعاء ، وحمار مجدع أي مقطوع الأذن.

وقال :الأبتر المقطوع الذنب.

الحديث الثاني : حسن موثق. وقال الجوهري« السرب » الطريق وفلان أمن في سربه بالكسر أي في نفسه وفلان واسع السرب أي رخي البال.

١٤٦

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن خالد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » فقال ما يقول الناس قال فقيل له الزاد والراحلة قال فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام قد سئل أبو جعفرعليه‌السلام عن هذا فقال هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم إياه

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « هلك الناس إذا » اعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا يشترط في الاستطاعة الرجوع إلى كفاية من صناعة أو مال أو حرفة.

وقال الشيخان ، وأبو الصلاح ، وابن البراج ، وابن حمزة باشتراطه مستدلين بهذا الخبر.

وأجيب عنه : أولا بالطعن في السند بجهالة الراوي.

وثانيا بالقول : بالموجب فإنا نعتبر زيادة على الزاد والراحلة بقاء النفقة لعياله مدة ذهابه وعوده ، وحكى العلامة في المختلف عن المفيد في المقنعة : أنه أورد رواية أبي ربيع بزيادة مرجحة لما ذهب إليه وقد قيل : لأبي جعفرعليه‌السلام ذلك فقال : هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما ، ومقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج ثم يرجع فيسأل الناس بكفه فقد هلك إذن ، فقيل له فما السبيل عندك قال : السعة في المال وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله(١) .

وقال بعض المحققين : هذه الرواية مع هذه الزيادة لا تدل على اعتبار الرجوع إلى كفاية بالمعنى الذي ذكروه ، فإن أقصى ما يدل عليه.

قولهعليه‌السلام : « ثم يرجع فيسأل الناس بكفه » اعتبار بقاء شيء من المال وكذا قوله « ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله » ويمكن أن يكون المراد منه قوت

__________________

(١) الوسائل : ج ٨ ص ٢٤ ح ١ و ٢.

١٤٧

لقد هلكوا فقيل له فما السبيل قال فقال السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني شيعت أصحابي إلى القادسية فقالوا لي انطلق معنا ونقيم عليك ثلاثا فرجعت وليس عندي نفقة فيسر الله ولحقتهم قال إنه من كتب عليه في الوفد لم يستطع أن لا يحج وإن كان فقيرا ومن لم يكتب لم يستطع أن يحج وإن كان غنيا صحيحا.

٥ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سأله رجل من أهل القدر فقال يا ابن رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » أليس قد جعل الله لهم الاستطاعة فقال ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن فقال الرجل أفليس إذا كان الزاد والراحلة فهو مستطيع للحج فقال ويحك ليس كما تظن قد ترى الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد والراحلة

السنة له ولعياله لأن ذلك كاف في عدم السؤال بعد الرجوع ولأن به يتحقق الغناء شرعا.

أقول : الحق أن هذه الرواية خصوصا مع تلك الزيادة ظاهرة في اعتبار ما ذهبوا إليه لكن تخصيص الآية والأخبار المستفيضة بها مع جهالة سندها وعدم صراحة متنها لا يخلو من إشكال.

الحديث الرابع : حسن. وقد مر الكلام في مثله في كتاب التوحيد.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور. ويدل كسابقه على أن بتوفيق الله تعالى وألطافه مدخلا في العمل كما مر في تحقيق الأمر بين الأمرين.

والمرادبأهل القدر هنا المفوضة الذين يقولون لا مدخل لتقدير الله تعالى في

١٤٨

فهو لا يحج حتى يأذن الله تعالى في ذلك.

(باب)

(من سوف الحج وهو مستطيع)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت ـ يهوديا أو نصرانيا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً » فقال ذلك الذي يسوف

أعمال العباد أصلا ، وقد يطلق على الجبرية أيضا كما عرفت سابقا.

باب من سوف الحج وهو مستطيع

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « تجحف به » بتقديم الجيم على الحاء المهملة.

قال الفيروزآبادي : أجحف به ذهب به ، وبه الفاقة أفقرته الحاجة ، وأجحف به أيضا قادر به ودنى منه ، والمجحفة الداهية وتأويل هذا الخبر قريب مما تقدم في الآية ، فمنهم من حمل على المبالغة ومنهم من حمل على الاستحلال.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله تعالى : «مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى »(١) قال الطبرسي قدس الله روحه ذكر في معناه أقوال.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٢.

١٤٩

نفسه الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن أبي جميلة ، عن زيد الشحام قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام التاجر يسوف نفسه الحج قال ليس له عذر وإن مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام.

أحدها : إن هذه إشارة إلى ما تقدم ذكره من النعم ومعناه أن من كان في هذه النعم وعنها أعمى فهو عما غيب عنه من أمر الآخرة أعمى عن ابن عباس.

وثانيها : أن هذه إشارة إلى الدنيا ومعناه من كان في هذه الدنيا أعمى عن آيات الله ضالا عن الحق(١) فهو في الآخرة أشد تحيرا وذهابا عن طريق الجنة ، أو عن الحجة إذا سئل(٢) فالأول اسم والثاني فعل من العمى عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة.

وثالثها : أن معناها من كان في الدنيا أعمى القلب فإنه في الآخرة أعمى العين يحشر كذلك عقوبة له على ضلالته في الدنيا عن أبي مسلم قال(٣) : ويجوز أن يكون أعمى عبارة عما يلحقه من الغم المفرط فإنه إذا لم ير إلا ما يسوؤه فكأنه أعمى.

ورابعها : أن معناه من كان في الدنيا ضالا فهو في الآخرة أضل لأنه لا تقبل توبته انتهى(٤) .

ويحتمل : أن يكون ما ذكر في الخبر بيانا لبعض أفراد الضلالة ، والعمى في الدنيا أو نزلت فيه وإن كانت تشمل غيره ،« والتسويف » التأخير يقال : « سوفته » أي مطلته فكان الإنسان في تأخير الحج يماطل نفسه فيما ينفعه.

الحديث الثالث : ضعيف.

__________________

(١) وفي المجمع : ضالاّ عن الحق ذاهبا عن الدين فهو في

(٢) وفي المجمع : إذا سئل فان من ضلّ عن معرفة الله في الدنيا يكون يوم القيامة منقطع الحجة فالأوّل

(٣) هكذا في الأصل ، ولكن الظاهر أنّ هنا سقط « وهذا كقوله وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » فراجع المجمع.

(٤) مجمع البيان : ج

(٥ ـ ٦) ص ٤٣٠.

١٥٠

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوف الحج كل عام وليس يشغله عنه إلا التجارة أو الدين فقال لا عذر له يسوف الحج إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان بن عثمان ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من مات ولم يحج حجة الإسلام لم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت ـ يهوديا أو نصرانيا.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله عز وجل : «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » قال قلت :

الحديث الرابع : مجهول وسنده الثاني حسن.

الحديث الخامس : موثق :الحديث السادس : موثق.

قوله تعالى : «وَنَحْشُرُهُ »(١) أقول قبلها قوله تعالى : «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً »(٢) الإعراض عن الذكر : يشمل ترك جميع الطاعات وارتكاب جميع المناهي وعدم قبول كلما يذكر الله من المواعظ والأحكام ، فيحتمل أن يكون ذكر الحج لبيان فرد من أفراده أو لبيان مورد نزول الآية.

وقال الطبرسي (ره) «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى »(٣) أي أعمى البصر عن

__________________

(١ و ٢ و ٣) سورة طه : ١٢٤.

١٥١

سبحان الله أعمى قال نعم إن الله عز وجل أعماه عن طريق الحق.

(باب)

(من يخرج من مكة لا يريد العود إليها)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن حسين بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن حماد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان علي

ابن عباس.

وقيل : أعمى عن الحجة عن مجاهد ، يعني أنه لا حجة له يهتدى إليها ، والأول : هو الوجه لأنه الظاهر ولا مانع منه ، ويدل عليه قوله «قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً »(١) قال الفراء : يقال : أنه يخرج من قبره بصيرا فيعمى في حشره.

ثم روى نحوا من هذا الحديث عن معاوية بن عمار عنهعليه‌السلام ثم قال : فهذا يطابق قول من قال إن المعنى في الآية أعمى عن جهات الخير لا يهتدى بشيء منها.(٢)

باب من يخرج من مكة لا يريد العود إليها

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : مرسل.

الحديث الثالث : صحيح.

__________________

(١) سورة : طه : ١٢٤.

(٢) مجمع البيان : ج

(٧ ـ ٨) ص ٣٤.

١٥٢

صلوات الله عليه يقول لولده يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا.

(باب)

(أنه ليس في ترك الحج خيرة وأن من حبس عنه فبذنب)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن يونس بن عمران بن ميثم ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي ما لك لا تحج في العام فقلت معاملة كانت بيني وبين قوم وأشغال وعسى أن يكون ذلك خيرة فقال لا والله ما فعل الله لك في ذلك من خيرة ثم قال ما حبس عبد عن هذا البيت إلا بذنب وما يعفو أكثر.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد رفعه قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ليس في ترك الحج خيرة.

قوله عليه‌السلام : « فلا تناظروا » أي لا تمهلوا ، قال في المنتقى : المراد بالمناظرة هاهنا الإنظار فمعنى لا تناظروا : لا تمهلوا ، وأيده بما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه عن حنان قال ذكرت لأبي جعفرعليه‌السلام البيت فقال : لو عطلوه سنة واحدة لم يناظروا ، وفي خبر آخر لنزل(١) عليهم العذاب(٢) انتهى كلام الصدوق قدس روحه ، إذ لا يستفاد من ذلك أن الغرض من المناظرة نزول العذاب.

باب إنه ليس في ترك الحج خيرة وإن من حبس عنه فبذنب

الحديث الأول : مجهول.

الحديث الثاني : ضعيف.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الفقيه « لينزل ».

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ٢٥٩ ب ١٤٥.

١٥٣

(باب)

(أنه لو ترك الناس الحج لجاءهم العذاب)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب أو قال أنزل عليهم العذاب.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال ذكرت لأبي جعفرعليه‌السلام البيت فقال لو عطلوه سنة واحدة لم يناظروا.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن حماد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان علي صلوات الله عليه يقول لولده يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلون منكم فلا تناظروا.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة

باب أنه لو ترك الناس الحج لجاءهم العذاب

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : حسن موثق.

الحديث الثالث : صحيح. وقد مضى الخبر بعينه سندا ومتنا في الباب السابق.

الحديث الرابع : صحيح.

١٥٤

(باب نادر)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن رجلا استشارني في الحج وكان ضعيف الحال فأشرت إليه أن لا يحج فقال ما أخلقك أن تمرض سنة قال فمرضت سنة.

(باب)

(الإجبار على الحج)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حفص بن البختري وهشام بن سالم ومعاوية بن عمار وغيرهم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ولو تركوا زيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين.

باب نادر

الحديث الأول : حسن وقال الفيروزآبادي :خلق ككرم « صار خليقا » أي جديرا.

باب الإجبار على الحج

الحديث الأول : حسن الفضلاء. ويدل على كون عمارة البيت وعمارة روضة النبي وزيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتعاهدها من الواجبات الكفائية. فإن الإجبار لا يتصور في الأمر المستحب. وربما يقال : إنما يجبر لأن ترك الناس كلهم ذلك يتضمن الاستخفاف والتحقير وعدم الاعتناء بشأن تلك الأماكن ومشرفيها وذلك إن لم يكن كفرا يكون فسقا.

والجواب : أن ذلك مما يؤيد الوجوب الكفائي ولا ينافيه.

١٥٥

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاءوا وإن أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج.

(باب)

(أن من لم يطق الحج ببدنه جهز غيره)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام أن عليا صلوات الله عليه قال لرجل كبير لم يحج قط إن شئت أن تجهز رجلا ثم ابعثه أن يحج عنك.

الحديث الثاني : صحيح. ويدل أيضا على الوجوب الكفائي ، ولا ينافي الوجوب العيني على الأغنياء الذين لم يحجوا كما أومأنا إليه سابقا.

باب أن من لم يطق الحج ببدنه جهز غيره

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ثم ابعثه » أجمع الأصحاب على أنه إذا وجب الحج على كل مكلف ولم يحج حتى استقر في ذمته ثم عرض له مانع من الحج لا يرجى زواله عادة من مرض أو كبر أو خوف أو نحو ذلك يجب عليه الاستنابة ، واختلف فيما إذا عرض له مانع قبل استقرار الوجوب ، وذهب الشيخ ، وأبو الصلاح ، وابن الجنيد ، وابن البراج إلى وجوب الاستنابة وقال ابن إدريس : لا يجب واستقر به في المختلف وإنما يجب الاستنابة مع اليأس من البرء فلو رجي البرء لم تجب عليه الاستنابة إجماعا قاله في المعتبر ، وربما كأنه لاح من كلام الشهيد في الدروس : وجوب استنابة مع عدم اليأس من البرء على التراخي وهو ضعيف. نعم قال في المنتهى : باستحباب الاستنابة مع عدم اليأس من البرء ، والحال : هذه ، ولو حصل له اليأس بعد

١٥٦

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن أمير المؤمنين سلام الله عليه أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا أن يحج عنه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة قال سألته عن رجل مسلم حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله فيه فقال عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن القاسم بن بريد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي صلوات الله عليه يقول لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه.

الاستنابة وجب عليه الإعادة ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه.

ثم اعلم : أن هذا الخبر ظاهره عدم وجوب البعث وهو يؤيد القول بعدم الوجوب مع عدم الاستقلال بأن يحمل الخبر عليه.

ثم اعلم : أن في صورة وجوب الاستنابة لو استمر المانع فلا قضاء عليه اتفاقا وإن زال المانع وتمكن وجب عليه ببدنه كما ذكره المحقق في المعتبر ، والشيخ في النهاية والمبسوط ، وظاهر العلامة في التذكرة أنه لا خلاف فيه بين علمائنا واحتمل بعض الأصحاب : عدم الوجوب وقواه بعض المحققين من المتأخرين ، والأول أظهر وأحوط فلو أخل عليه شيء ومات بعد الاستقرار قضي عنه.

الحديث الثاني : حسن. ويدل على الوجوب كما عرفت.

الحديث الثالث : ضعيف. ويدل على الوجوب مطلقا سواء استقر قبل عروض المانع في ذمته أم لا وسواء كان المانع مرضا أو غيره من ضعف أصلي أو هرم أو عدو أو غيرها ، وظاهره كون الحج الممنوع منه حجة الإسلام.

الحديث الرابع : صحيح.

١٥٧

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله قال إن كان رجل موسر حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله عز وجل فيه فإن عليه أن يحج عنه صرورة لا مال له.

(باب)

(ما يجزئ من حجة الإسلام وما لا يجزئ)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة فإن أيسر بعد كان عليه الحج وكذلك

قوله عليه‌السلام : « فليجهز رجلا » قال الفاضل التستري : (ره) لا دلالة فيه على حكم حجة الإسلام إذ ربما كانت الواقعة في المندوبة.

الحديث الخامس : حسن. وهو في الدلالة كالخبر الثالث ، وقد روي في غير هذا الكتاب بالسند الصحيح أيضا.

باب ما يجزى من حجة الإسلام وما لا يجزى

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام « كانت له حجة » أي كان له ثواب الحج الواجب ويجزى عنه إلى أن يستطيع ، وينبغي حمله على أنه استأجره رجل للحج فلا يجزيه عن حجه بعد اليسار ولو كان أعطاه مالا ليحج لنفسه كان يجزيه كما سيأتي.

قوله عليه‌السلام « وكذلك الناصب » المشهور بين الأصحاب أن المخالف إذا استبصر لا يعيد الحج إلا أن يخل بركن.

منه ونقل عن ابن الجنيد ، وابن البراج : أنهما. أوجب الإعادة على المخالف وإن لم يخل بشيء وربما كان مستندهما مضافا إلى ما دل على بطلان عبادة المخالف

١٥٨

الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن عدة من أصحابنا ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام قال نعم فإذا أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج قلت وهل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله قال نعم يقضى عنه حجة الإسلام وتكون تامة وليست بناقصة وإن أيسر فليحج

هذه الرواية.

وأجيب أولا بالطعن في السند.

وثانيا : بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة.

أقول : يمكن القول بالفرق بين الناصب والمخالف فإن الناصب كافر لا يجري عليه شيء من أحكام الإسلام.

ثم اعلم : أنه اعتبر الشيخ وأكثر الأصحاب في عدم إعادة الحج أن لا يكون المخالف قد أخل بركن منه والنصوص خالية من هذا القيد ، ونص المحقق في المعتبر ، والعلامة في المنتهى ، والشهيد في الدروس على أن المراد بالركن ما يعتقده أهل الحق ركنا مع أنهم صرحوا في قضاء الصلاة بأن المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاة صحيحا عنده وإن كان فاسدا عندنا ، وفي الجمع بين الحكمين إشكال ولو فسر الركن بما كان ركنا عندهم كان أقرب إلى الصواب كما ذكره بعض المحققين.

الحديث الثاني : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « وإن أيسر فليحج » المشهور بين الأصحاب أنه لا يجب على المبذول له إعادة الحج بعد اليسار.

وقال الشيخ في الاستبصار : تجب عليه الإعادة محتجا بهذه الرواية.

وقال في التهذيب بعد إيراد هذا الخبر.

قوله عليه‌السلام : « إن أيسر فليحج » محمول على الاستحباب ، يدل على ذلك«قوله

١٥٩

قال وسئل عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحج وهو كري تغني عنه حجته أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع أتكون حجته تامة أو ناقصة أو لا تكون حتى يذهب به إلى الحج ولا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا أيقضي ذلك حجته قال نعم حجته تامة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ـ عن رجل حج عن غيره أيجزئه ذلك من حجة الإسلام قال نعم قلت حجة الجمال تامة أو ناقصة قال تامة قلت حجة الأجير تامة أم ناقصة قال تامة.

قد قضى حجة الإسلام» وتكون تامة وليست بناقصة انتهى وهو أقوى.

قوله عليه‌السلام : « فيصيب عليها » أي لأجلها مالا.

قوله عليه‌السلام : « تغني عنه » أي تجزي عنه حجته.

قوله عليه‌السلام : « أو يضع » أي يخسر ولا يربح.

قوله عليه‌السلام : « أو لا تكون » أي ليس معه تجارة بل إنما يكري إبله ليذهب بالرجل إلى الحج ولا ينوي شيئا غير ذلك أو ينويهما معا ، أي إذهاب الغير إلى الحج والتجارة معا أيقضي ذلك حجته؟ أي هل يكون ذلك الرجل قاضيا ومؤديا لحجة الإسلام؟ فالظاهر أنقوله « يكون له الإبل يكريها » مجملا وما يذكره بعده تفاصيل ذلك المجمل ، ويحتمل أن يكونقوله « أو لا يكون حتى يذهب به » إعادة للأول وفيه احتمالات آخر.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام : « نعم » حمل على أنه يجزيه إلى وقت اليسار كما مر.

قوله عليه‌السلام : « حجة الجمال تامة » حمل على ما إذا كانا مستطيعين أو صارا مستطيعين بوجه الكراية ، أو الإجارة أن حمل التمام على الإجزاء عن حجة الإسلام كما هو الظاهر.

١٦٠

والإيمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما ـ فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجا من الإيمان ساقطا عنه اسم

______________________________________________________

« وهو دار » أي الإيمان دار ، قيل : إنما شبه الإيمان والإسلام والكفر بالدار لأن كلا منها بمنزلة حصن لصاحبه يدخل فيها ويخرج منها كما أن الدار حصن لصاحبهوقوله : وهو يشارك الإيمان قيل : معناه أنه كلما يتحقق الإيمان فهو يشاركه في التحقق ، وأما ما مضى في الأخبار أنه لا يشارك الإيمان فمعناه أنه ليس كلما تحقق تحقق الإيمان ، فلا منافاة ، ويحتمل أن يكون سقط من الكلام شيء ، وكان هكذا : وهو يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان فيكون على وتيرة ما سبق ، انتهى.

وأقول : الظاهر هنا المشاركة في الأحكام الظاهرة وفيما سبق نفي المشاركة في جميع الأحكام ، وقيل وسر ذلك أن الإقرار بالتوحيد والرسالة مقدم على الإقرار بالولاية والعمل ، والمؤمن والمسلم بسبب الأول يخرجان من دار الكفر ويدخلان في دار الإسلام ثم المسلم بسبب الاكتفاء يستقر في هذه الدار والمؤمن بسبب الثاني يترقى وينزل في دار الإيمان ، ومنه لاح أن الإسلام قبل الإيمان وأنه يشارك الإيمان فيما هو سبب للخروج من دار الكفر لا فيما هو سبب للدخول في دار الإيمان ، وبهذا التقرير تندفع المنافاة بين قولهعليه‌السلام هيهنا : وهو يشارك الإيمان ، وقوله سابقا : والإسلام لا يشارك الإيمان.

قوله : فإذا أتى العبد كبيرة « إلخ » يدل على أن الصغيرة أيضا مخرجة من الإيمان مع أنها مكفرة مع اجتناب الكبائر ، ويمكن حمله على الإصرار كما يومئ إليه ما بعده ، أو على أن المراد بهما الكبيرة لكن بعضها صغيرة بالإضافة إلى بعضها التي هي أكبر الكبائر ، فالمراد بقولهعليه‌السلام : نهى الله عنها نهيه عنها في القرآن وإيعاده عليها النار ، ويدل على أن جحود المعاصي واستحلالها موجبان للارتداد ، وينبغي حمله على

١٦١

الإيمان وثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال أن يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الإسلام والإيمان داخلا في الكفر وكان بمنزلة

______________________________________________________

ما إذا كان من ضروريات الدين ، فيؤيد التأويل الثاني فإن أكثر ما نهى عنه في القرآن كذلك ، أو على ما إذا جحد واستحل بعد العلم بالتحريم ، ويدل على أن المرتد مستحق للقتل وإن كان يفعل ما يؤذن بالاستخفاف بالدين ، ويومئ إلى عدم قبول توبته للمقابلة ، فيحمل على الفطري ، وعلى أنه مستحق للنار وإن تاب.

وجملة القول فيه أن المرتد على ما ذكره الشهيدقدس‌سره في الدروس هو من قطع الإسلام بالإقرار على نفسه بالخروج منه أو ببعض أنواع الكفر سواء كان مما يقر أهله عليه أم لا ، أو بإنكار ما علم ثبوته من الدين ضرورة أو بإثبات ما علم نفيه كذلك ، أو بفعل دال عليه صريحا كالسجود للشمس والصنم ، وإلقاء المصحف في القذر قصدا وإلقاء النجاسة على الكعبة أو هدمها أو إظهار الاستخفاف بها.

وأما حكمه فالمشهور بين الأصحاب أن الارتداد على قسمين فطري وملي ، فالأول ارتداد من ولد على الإسلام بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع إليه ويتحتم قتله ، وتبين عنه امرأته وتعتد منه عدة الوفاة ، وتقسم أمواله بين ورثته وهذا الحكم بحسب الظاهر لا إشكال فيه بمعنى تعين قتله ، وأما فيما بينه وبين الله فاختلفوا في قبول توبته فأكثر المحققين ذهبوا إلى القبول حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالإجماع وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله فتاب قبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى وصحت عباداته ومعاملاته ، ولكن لا تعود ماله وزوجته إليه بذلك ، ويجوز له تجديد العقد عليها بعد العدة أو فيها على احتمال كما يجوز للزوج العقد على المعتدة بائنا حيث لا تكون محرمة مؤبدا كالمطلقة بائنا ولا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائما وإن كانت مولودة على الفطرة وتضرب أوقات الصلوات.

١٦٢

من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال سألته عن الإيمان والإسلام قلت له أفرق بين الإسلام والإيمان قال فأضرب لك مثله قال قلت أورد ذلك قال مثل الإيمان والإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم وقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما قال قلت فيخرج من الإيمان شيء قال نعم قلت فيصيره إلى ما ذا قال إلى الإسلام أو الكفر وقال لو أن رجلا دخل الكعبة فأفلت منه بوله أخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.

______________________________________________________

والثاني أن يكون مولودا على الكفر فأسلم ثم ارتد فهذا يستتاب على المشهور فإن امتنع قتل ، واختلف في مدة الاستتابة فقيل ثلاثة أيام لرواية مسمع ، وقيل : القدر الذي يمكن معه الرجوع ، ويظهر من ابن الجنيد أن الارتداد قسم واحد وأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل وهو مذهب العامة لكن لا يخلو من قوة.

الحديث الثاني : موثق.

« فخرج من الإيمان شيء؟ قال : نعم » ما يخرجه عن الإيمان فقط أما المعاصي وترك الطاعات بناء على دخول الأعمال في الأيمان ، أو إنكار الإمامة ولوازمها ، وما يخرجه عن الإيمان والإسلام معا الارتداد وما ينافي دين الإسلام قولا أو فعلا والترديد في قوله إلى الإسلام أو الكفر لذلك ، وفي القاموس :كان الأمر فلتة أي فجأة من غير تردد وتدبر ، وأفلتني الشيء وتفلت مني انفلت ، وأفلته غيره وأفلت على بناء المفعول مات فجأة ، وبأمر كذا فوجئ به قبل أن يستعد له ، وفي المصباح أفلت الطائر وغيره إفلاتا تخلص ، وأفلته إذا أطلقته وخلصته يستعمل لازما ومتعديا.

١٦٣

باب

١ ـ علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن سالم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول : «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ

______________________________________________________

باب

إنما لم يعنون الباب لأنه قريب من البابين السابقين في أنه مشتمل على معاني الإسلام والإيمان ، لكن لما كان فيه زيادة تفصيل وتوضيح وفوائد كبيرة جعله بابا آخر.

الحديث الأول : مجهول.

قوله : وذلك أن ، تعليل لتكلمهم فيه بغير علم لأنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم ، والمحكم في اللغة المتقن ، وفي العرف يطلق على ما له معنى لا يحتمل غيره ، وعلى ما اتضحت دلالته وعلى ما كان محفوظا من النسخ والتخصيص أو منهما جميعا ، وعلى ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا والمتشابه يقابله بكل من هذه المعاني.

وقال الراغب : المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى ، والمتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره ، إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى.

وقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه ، فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب ، متشابه من جهة اللفظ

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فقط ومتشابه من جهة المعنى فقط ومتشابه من جهتهما ، فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان : أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك إما من جهة غرابته نحو الأب ويزفون ، وإما من مشاركة في اللفظ كاليد والعين ، والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب ضرب لاختصار الكلام نحو «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ »(١) وضرب لبسط الكلام نحو «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ »(٢) لأنه لو قيل ليس مثل مثله شيء كان أظهر للسامع ، وضرب لنظم الكلام نحو «أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً »(٣) تقديره الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذا كان لا تحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.

والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعا خمسة أضرب.

الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو : «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ »(٤) .

والثاني من جهة الكيفية كالوجوب والندب نحو «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ »(٥) .

والثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو «اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ »(٦) .

والرابع من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها »(٧) وقوله عز وجل : «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ »(٨) فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية.

الخامس من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط الصلاة والنكاح.

__________________

(١ و ٥) سورة النساء : ٣.

(٢) سورة الشورى : ١١.

(٣) سورة الكهف : ١.

(٤) سورة التوبة : ٥.

(٦) سورة آل عمران : ١٠٢.

(٧) سورة البقرة : ١٨٩.

(٨) سورة التوبة : ٣٧.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرين في تفسير المتشابه لا يخرج عن التقاسيم نحو قول من قال : المتشابه «الم » وقول قتادة المحكم الناسخ والمتشابه والمنسوخ ، وقول الأصم : المحكم ما أجمع على تأويله والمتشابه ما اختلف فيه ، ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج دابة الأرض وكيفية الدابة ونحو ذلك ، وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة ، وضرب متردد بين الأمرين يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم وهو الضرب المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليعليه‌السلام : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل.

وإذا عرفت هذه الجملة علم أن الوقوف على قوله : إلا الله ، ووصله بقوله : والراسخون في العلم جائزان ، وأن لكل واحد منهما وجها حسب ما يدل عليه التفصيل المتقدم ، انتهى.

قوله تعالى : «مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ » قيل : أي أحكمت عباراتها بأن حفظت عن الإجمال «هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ » أي أصله يرد إليها غيرها «وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ » قيل : أي محتملات لا يتضح مقصودها إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها وردها إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله وتوحيده.

وأقول : بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن واحتياجهم في تفسيره إلى الإمام المنصوب من قبل الله وهم الراسخون في العلم.

وروى العياشي عن الصادقعليه‌السلام أنه سئل عن المحكم والمتشابه؟ فقال : المحكم ما يعمل به ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله ، وفي رواية أخرى : والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا ، وفي رواية أخرى فأما المحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به ، وأما المتشابه فتؤمن به ولا تعمل به «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ » أي ميل عن الحق كالمبتدعة

١٦٦

فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ

______________________________________________________

«فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ » فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل «ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ » أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه.

وفي مجمع البيان عن الصادقعليه‌السلام أن الفتنة هنا الكفر «وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ » أي وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه «وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ » الذي يجب أن يحمل عليه «إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ » الذين تثبتوا وتمكثوا فيه.

وأقول : قد مر الكلام منا في تأويل هذه الآية في كتاب الحجة في باب أن الراسخين في العلم هم الأئمةعليهم‌السلام قوله عليه‌السلام : فالمنسوخات من المتشابهات كان هذا الكلام تمهيد لما سيأتي من اختلاف الإيمان المأمور به في مكة قبل الهجرة وفي المدينة بعدها واختلاف التكاليف فيهما كما وكيفا ، ردا على من استدل ببعض الآيات على أن الإيمان نفس الاعتقاد بالتوحيد والنبوة فقط بلا مدخلية للأعمال أو الولاية فيه ، بأن تلك الآيات أكثرها نزلت في مكة وكان الإيمان فيها نفس الاعتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد وجوب الواجبات وتحريم المحرمات ونصب الوالي والأمر بولايته.

ويحتمل أن لا يكون ذلك من قبيل النسخ ويكون ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني الآيات وخطائهم في الاستدلال بها

كما أنهم لا يعرفون الناسخ من المنسوخ ويستدلون بالآيات المنسوخة على الأحكام مع عدم علمهم بنسخها وعد المنسوخات التي لا يعلم بنسخها من المتشابهات فالمنسوخة أخص مطلقا من المتشابه.

ولما كان المحكم غير المتشابه والناسخ غير المنسوخ ونقيض الأخص أعم من نقيض الأعم غير الأسلوب في الفقرة الثانية فقال :والمحكمات من الناسخات للإشارة إلى ذلك وتسميته غير المنسوخ مطلقا ناسخا إما على التوسع وإطلاق لفظ الجزء على الكل أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة أو للإباحة الأصلية التي كانوا متمسكين بها قبلها.

ويمكن حمل الناسخ على معناه وحمل الكلام على الغالب بأن يكون الناسخ

١٦٧

اللهُ »(١) الآية فالمنسوخات من المتشابهات والمحكمات من الناسخات إن الله عز وجل

______________________________________________________

أيضا أخص من المحكم ولا فساد فيه لعدم انحصار الآيات حينئذ في الناسخة والمنسوخة وقيل : لما كان بعض المحكمات مقصور الحكم على الأزمنة السابقة منسوخا بآيات أخر ونسخها خافيا على أكثر الناس فيزعمون بقاء حكمها صارت متشابهة من هذه الجهة ولهذا قالعليه‌السلام : فالمنسوخات من المتشابهات.

وفي بعض النسخ من المتشابهات ، وإنما غير الأسلوب في أختها لأن المحكم أخص من الناسخ من وجه ، بخلاف المتشابه فإنه أعم من المنسوخ مطلقا ، انتهى.

وفيه أن كون المتشابه أعم من مطلق المنسوخ مطلقا لا وجه له إلا أن يخص بمنسوخ لم يعلم نسخه كما أومأنا إليه ، وقيل : الظاهر أن الفاء للتفسير لزيادة تفظيع حالهم بأنهم يتبعون المنسوخات والمتشابهات دون المحكمات والناسخات ، لأن المنسوخات من باب المتشابهات في التشابه إذ يشتبه عليهم ثباتها وبقاءها والمحكمات من قبيل الناسخات في الثبات والبقاء ، فإذا اتبعوا المتشابهات اتبعوا المنسوخات لأنهما من باب واحد ، وإذا اتبعوا المنسوخات لم يتبعوا الناسخات ، وإذا لم يتبعوا الناسخات لم يتبعوا المحكمات لأنهما أيضا من باب واحد.

قوله : إن الله عز وجل بعث نوحا ، هذا شروع في المقصود ، وحاصله أن الإيمان في بداية بعثه كل رسول كان مجرد التصديق بالتوحيد والرسالة ومن مات عليه حينئذ كان مؤمنا ووجبت له الجنة ، فلما استجابوا لهم ذلك وكثرت أتباعهم وضعوا أعمالا وشرائع وأوجبوا عليهم وأوعدوا على تركها النار فصارت تلك الأعمال أجزاء للإيمان فأول أولي العزم من الأنبياء كان نوحاعليه‌السلام فحين بعثه أمرهم أولا بالتوحيد والإقرار بنبوته فقط ، وكان ذلك الإيمان حيث قال في سورة نوح «إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ » أي مخلصا من غير شرك «وَاتَّقُوهُ » أي اتقوا عذابه الذي

__________________

(١) سورة آل عمران : ٧.

١٦٨

بعث نوحا إلى قومه «أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ »(١) ثم دعاهم إلى الله وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم بعث الأنبياءعليهم‌السلام على ذلك إلى أن بلغوا محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى

______________________________________________________

قرره على الشرك «وَأَطِيعُونِ » فيما أمركم به وأذعنوا لنبوتي فلم يذكر فيما أنذرهم به إلا هذين الأمرين.

« ثم دعاهم » أي ثم بعد ذلك استمر على هذه الدعوة زمانا طويلا فكانت دعوته منحصرة في التوحيد ونفي الشريك ، وكان قبولهم ذلك منه مستلزما للإذعان بنبوته« ثم بعث الأنبياء » أي ثم بعث سائر أولي العزم في أول بعثتهم على هذا الأمر فقط ، إلى أن انتهت سلسلة أولي العزم وسائر الأنبياء إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول بعثته بمكة يدعوهم إلى التوحيد وما يتبعه من الإقرار بالنبوة بل المعاد أيضا فإنه أيضا من الأمور التي نزلت الآيات المشتملة على التهديدات العظيمة فيها قبل الهجرة ، فالمراد جميع أصول الدين سوى الإمامة ، وذكر التوحيد على المثال ، أو على أن الإقرار به مستلزم للإقرار بسائر الأصول ، ويؤيده قولهعليه‌السلام بعد ذلك :والإقرار بما جاء به من عند الله.

قوله عليه‌السلام : وقال ، أي في سورة الشورى وهي مكية ، على ما ذكره المفسرون إلى قوله : «وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ » إلى قوله : «لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » عن الحسن ، وعلى قول ابن عباس وقتادة إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » إلى قوله : «لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ » وعلى التقادير الآيات المذكورة مكية.

والاستشهاد بالآية لأن الدين المشترك بين جميع الأنبياء هي الأصول الدينية التي لا تختلف باختلاف الشرائع ، مع أن قوله سبحانه : «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » يشعر بأن عمدة الدين في ذلك الوقت كانت التوحيد ونفي الشرك مع

__________________

(١) سورة نوح : ٣.

١٦٩

بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ »(١) فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء [ به ] من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك وذلك «أَنَّ اللهَ

______________________________________________________

الإقرار بالنبوة لقوله تعالى : «اللهُ يَجْتَبِي ».

قال الطبرسيرحمه‌الله : «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً »، أي بين لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة من الشرك ما وصى به نوحا" «وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ »" أي وهو الذي أوحينا إليك يا محمد وهو ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، ثم بين ذلكبقوله : «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ » وإقامة الدين التمسك به والعمل بموجبه والدوام عليه والدعاء إليه «وَلا تَتَفَرَّقُوا » أي لا تختلفوا «فِيهِ » وائتلفوا فيه واتفقوا وكونوا عباد الله إخوانا" «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ »" من توحيد الله والإخلاص له ، ورفض الأوثان وترك دين الآباء لأنهم قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا ، وقيل : معناه ثقل عليهم وعظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه وتخصيصك بالوحي والنبوة دونهم «اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ » أي ليس لهم الاختيار لأن الله يصطفي لرسالته من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه باعتبار الرسالة وقيل : معناه : الله يصطفي من عباده لدينه من يشاء «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ » أي ويرشد إلى دينه من يقبل إلى طاعته أو يهدي إلى جنته وثوابه من يرجع إليه بالنية والإخلاص.

قوله عليه‌السلام : فمن آمن مخلصا ، أي بقلبه ولسانه دون لسانه فقط ولم يخلطه بشرك« وذلك أن الله » كأنه إشارة إلى إدخاله الجنة بمجرد الشهادة والإقرار وإن لم يعمل من الطاعات شيئا ولم يترك سائر المحرمات لأنه كان بذلك مؤمنا في ذلك الزمان ، وإدخال المؤمن النار ظلم « وذلك أن الله » المشار إليه بذلك إما عدم تعذيب

__________________

(١) سورة الشورى : ١٣.

١٧٠

لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم «شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » والشرعة والمنهاج سبيل

______________________________________________________

من ترك العمل بالنار ، أو أنه إن لم يدخل الجنة وأدخل النار كان ظالما ، وهذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون المعاصي التي نهى عنها في مكة من المكروهات ويكون النهي عنها نهي تنزيه ، والطاعات التي أمر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر لأن التعذيب على ترك المستحبات أو فعل المكروهات في الآخرة ظلم ، وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم والأمر بالطاعات أمر وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطاعات النار ولم يغلظ فيهما ، وإنما أوعد النار على المشرك والإخلال بالعقائد وإنكار النبوة والمعاد فهي كانت بمنزلة الفرائض لسعة كرمه ورحمته أن لا يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر ، والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر وسائر الواجبات ، وقد أوجب الله تعالى على نفسه فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث الإخلال بما أوجب على نفسه من العفو عنهم أو يقال : التعذيب بالنار مع ترك الإيعاد بها ظلم أو يقال التعذيب بالنار العظيم الأليم أبدا أو مدة طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ لا سيما ممن كملت قدرته ووسعت رحمته ظلم ، أو يقال : اللطف على الله تعالى واجب وأعظم الألطاف التهديد والوعيد بالنار فتركه ظلم ، أو يقال : أطلق الظلم على خلاف الأولى مجازا والكل مبني على أن الأعمال والتروك التي هي أجزاء الإيمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار ، وفي مكة سوى العقائد لم تكن كذلك ولما شرع في المدينة شرائع وجعل فيها فرائض وكبائر يستحق بترك الأولى ، وفعل الثانية دخول النار جعلتاه من أجزاء الإيمان.

« جعل لكل نبي » إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنية : «لِكُلٍ

١٧١

وسنة وقال الله لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ »(١) ـ وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة وكان من السنة والسبيل التي أمر

______________________________________________________

جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » قال البيضاوي :شرعة شريعة وهي الطريقة إلى الماء ، شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية وقرأ بفتح الشين «وَمِنْهاجاً » وطريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا وضح ، واستدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة ، انتهى.

وقال الراغب : الشرع نهج الطريق الواضح ، يقال : شرعت له طريقا والشرع مصدر ، ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له شرع وشرعة وشريعة وأستعير ذلك للطريقة الإلهية من الدين قال تعالى : «لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » فذلك إشارة إلى أمرين أحدهما : ما سخر تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح عباده وعمارة بلاده وذلك المشار إليه بقوله : «وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ».

الثاني : ما قيض له من الدين وأمره به ليتحراه اختيارا مما يختلف فيه الشرائع ويعترضه النسخ ، ودل عليه قوله : «ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها »(٢) قال ابن عباس : الشرعة ما ورد به القرآن والمنهاج ما ورد به السنة وقوله : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، الآية ، فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل ولا يصح عليها النسخ كمعرفة الله ونحو ذلك من نحو ما دل عليه قوله : ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

قال بعضهم : سميت الشريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث أن من شرع فيها على الحقيقة روي وتطهر قال : وأعني بالري ما قال بعض الحكماء : كنت أشرب فلا أروى ، فلما عرفت الله رويت بلا شرب ، وبالتطهير ما قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ

__________________

(١) سورة النساء : ١٦٣.

(٢) سورة الجاثية : ١٨.

١٧٢

الله عز وجل بها موسىعليه‌السلام أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم

______________________________________________________

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » انتهى.

والشرعة والمنهاج متقاربان في المعنى كما أن اللفظين الذين فسرهماعليه‌السلام بهما أيضا متقاربان ، فيحتمل أن يكونا تفسيرين لكل منهما أو يكون على اللف والنشر.

فعلى الأول أطلق على أعمال الدين وأحكامه الشرعة لإيصالها العامل بها إلى الحياة الأبدية والتطهر من الأدناس الرديئة ، والمنهاج لأنها كالطريق الواضح الموصل إلى المقصود من الجنة الباقية والدرجات العالية.

وعلى الثاني المراد بالأول الواجبات وبالثاني المستحبات ، ولذا عبرعليه‌السلام عن الثاني بالسنة ، أو بالأول العبادات وبالثاني سائر الأحكام ، والوجه الأول أوفق بقوله : وكان من السبيل ، وإن أمكن أن يكون المراد من مجموعهما وإن كان من أحدهما.

قال الطبرسي (ره) الشرعة والشريعة واحدة وهي الطريقة الظاهرة ، والشريعة هي الطريقة التي يوصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة فقيل : الشريعة في الدين الطريق الذي يوصل منه إلى الحياة في النعيم وهي الأمور التي يعبد الله بها من جهة السمع ، والأصل فيه الظهور ، والمنهاج الطريق المستمر يقال : طريق نهج ومنهج أي بين ، وقال المبرد : الشرعة : ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستقيم قال : وهذه الألفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة فيه وقد جاء أيضا بمعنى واحد كقول الشاعر : أقوى وأقفر ، وهما بمعنى ، انتهى.

قوله : أن جعل عليهم السبت ، قال الراغب : أصل السبت قطع العمل ومنه سبت السير أي قطعه ، وسبت شعره حلقه ، وقيل : سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله تعالى يوم السبت فسمي بذلك ، وسبت فلان صار في السبت.

١٧٣

يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله أدخله الله الجنة ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من العمل الذي نهاه الله عنه فيه أدخله الله عز وجل النار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكونوا

______________________________________________________

وقوله عز وجل : «يَوْمَ سَبْتِهِمْ »(١) قيل : يوم قطعهم للعمل «وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ » قيل : معناه لا يقطعون العمل ، وقيل : يوم لا يكونون في السبت وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة وقوله : إنما جعل السبت أي ترك العمل فيه ، انتهى.

قوله عليه‌السلام : ولم يستحل ، الظاهر أن المراد بالاستحلال هنا الجرأة على الله وانتهاك ما حرم الله فكأنه عده حلالا لقوله بعد ذلك ولا شكوا في شيء مما جاء به موسى.

وما قيل : دل على أن مخالفة الأحكام كفر يوجب دخول النار مع الاستحلال والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأمة ، وما ذلك إلا لأن الإقرار بها والعمل بها داخلان في الإيمان ، وإذا كان كذلك كان تاركها وإن لم يستحل كافرا يعذب بالنار أيضا. فلا يخفى وهنه« حيث استحلوا الحيتان » أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضا ، وقوله : يوم السبت ظرف لكل من احتبسوها وأكلوها أو لاستحلوا أيضا أي استحلوا أو لأحبسها يوم السبت ثم استحلوا صيدها وأكلها فيه.

وقيل : يوم السبت ظرفلاحتبسوها لا لأكلوها أي احتبسوها يوم السبت في مضيق بسد الطريق عليها ثم اصطادوها يوم الأحد وأكلوها ، فعلوا ذلك حيلة ولم تنفعهم لأن احتباسها فيه هتك لحرمته ، فخرجوا بذلك من الإيمان إلى الكفر ، ولذلك غضب الله عليهم من غير أن يشركوا بالرحمن وأن يشكوا في رسالة موسىعليه‌السلام وما جاء به ، ولذلك لم يصطادوا يوم السبت ، فعلم أن الإيمان ليس مجرد التصديق بل هو مع العمل لأن المؤمن لا يغضب ولا يدخل النار.

وفيه شيء لأن استحلالهم الحيتان ينافي ظاهرا عدم شكهم بما جاء به موسى.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦٣.

١٧٤

أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شيء مما جاء به موسىعليه‌السلام قال الله عز وجل : «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ »(١) ثم بعث

______________________________________________________

ويمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم الحيتان يوم السبت وهم استحلوها يوم الأحد ولحق بهم ما لحق بسبب احتباسهم يوم السبت ، انتهى.

وأقول : قد عرفت معنى الاستحلال وهو معنى شائع في المحاورات ، فلا يرد ما أورده ، وأما الجواب الذي ذكره فهو أيضا لا يسمن ولا يغني من جوع ، لأن الاحتباس إذا لم يكن منهيا عنه فكيف عذبوا عليه ، وإن كان داخلا فيما نهوا عنه عاد الإشكال مع أن ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد والأكل يوم السبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا ، وبقيت طائفة بينهم فمسخوا أيضا لتركهم النهي عن المنكر ، وإن اختلف المفسرون في ذلك.

قال في مجمع البيان : اختلفت في أنهم كيف اصطادوا فقيل : إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد ، وهذا تسبب محظور ، وفي رواية ابن عباس : اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد.

وقيل : إنهم اصطادوها وتناولوها باليد يوم السبت عن الحسن.

«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ » قال البيضاوي : السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت وأصله القطع ، أمروا أن يجردوه للعبادة فاعتدى فيه ناس منهم في زمن داودعليه‌السلام واشتغلوا بالصيد وذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها أبلة ، وإذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حضر هناك وأخرج خرطومه وإذا مضى تفرقت فحضروا حياضا وشرعوا إليها الجداول ، وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد «فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ »

__________________

(١) سورة البقرة : ٦٢.

١٧٥

الله عيسىعليه‌السلام بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من عند الله وجعل لهم «شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » فهدمت السبت الذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا ثم بعث الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن

______________________________________________________

جامعين بين صورة القردة ، والخسوء وهو الصغار والطرد ، قال مجاهد : ما مسخت صورهم ولكن قلوبهم فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله : «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً »(١) وقوله : كونوا ، ليس بأمر إذ لا قدرة لهم عليه وإنما المراد به سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراد بهم ، انتهى.

قوله : فهدمت ، أي الشرعة والمنهاج أيضا لكونه بمعنى الطريق يجوز فيه التأنيث ، ويمكن أن يقرأ على بناء المجهول بإضمار السنة في السبت ، وقوله : أن يعظموه بدل اشتمال للضمير ، وعامة عطف على السبت« سبيل عيسى » أي شرائعه المختصة به.

قوله عليه‌السلام : وإن كان الذي جاء به النبيون أي هدمت شريعة عيسى عامة ما كانوا عليه وإن كان الذي جاء به النبيون من التوحيد وسائر الأصول باقيا لم يتغير ، أو المعنى أدخله الله النار وإن كان منه الإقرار بما جاء به النبيون وهو التوحيد ، ونفي الشرك ،وقوله : أن لا يشركوا ، عطف بيان أو بدل للموصول ، وعلى الوجهين يحتمل كون كان تامة وناقصة ، وقيل : الموصول اسم كان وأن لا يشركوا خبره وله أيضا وجه وإن كان بعيدا.

قوله عليه‌السلام : عشر سنين ، أقول : هذا مخالف لما مر في تاريخ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما هو المشهور من أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بعد البعثة بمكة ثلاث عشرة سنة ، فقيل : هو مبني على إسقاط الكسور بين العددين وهو بعيد في مثل هذا الكسر ، والذي سنح لي أنه مبني على ما يظهر من الأخبار أنه لما نزل : «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ » وكان أول

__________________

(١) سورة الجمعة : ٥.

١٧٦

محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق

______________________________________________________

بعثه دعا بني عبد المطلب وأظهر لهم رسالته ودعاهم إلى بيعته والإيمان به ، فلم يؤمن به إلا عليعليه‌السلام ثم خديجة رضي الله عنها ، ثم جعفررضي‌الله‌عنه ، وكان على ذلك ثلاث سنين حتى نزل : «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ »(١) فدعا الناس إلى الإسلام فلذا لم يعدعليه‌السلام تلك الثلاث سنين من أيام البعثة ، وأنها لم تكن بعثة عامة مؤكدة.

قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » إلخ ، أنها نزلت بمكة بعد أن نبي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بثلاث سنين وذلك أن النبوة نزلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الاثنين وأسلم علي عليه يوم الثلاثاء ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم دخل أبو طالب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصلي وعلي بجنبه وكان مع أبي طالب جعفر فقال له أبو طالب : صل جناح ابن عمك فوقف جعفر على يسار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبدر رسول الله من بينهما فكان يصلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة ، فلما أتى لذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ».

وفي إعلام الورى بعد ذلك فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقام على الحجر وقال : يا معشر قريش ويا معشر العرب أدعوكم إلى عبادة الله وخلع الأنداد والأصنام وأدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فأجيبوني تملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ، وتكون ملوكا في الجنة ، إلى آخر ما ذكر.

ويحتمل أن يكون مبنيا على إسقاط سني الهجرة إلى شعب أبي طالب ، أو إسقاط الثلاث سنين بعد وفاة أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، لعدم تمكنه في هاتين المدتين

__________________

(١) سورة الحجر : ٩٤.

١٧٧

ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة «وَقَضى رَبُّكَ

______________________________________________________

من التبليغ كما ينبغي لكنهما بعيدان ، والأظهر ما ذكرنا أولا.

قوله عليه‌السلام : يشهد أن لا إله إلا الله ، الظاهر أن المراد به الشهادة القلبية بالتوحيد والرسالة وما يلزمهما فقط أو مع الإقرار باللسان أو عدم الإنكار الظاهري لا مجرد الإقرار باللسان بقرينةقوله : وهو إيمان التصديق ، وقد عرفت أن الإيمان الظاهري فقط لا ينفع في الآخرة وإن احتمل التعميم ، ويكونقوله : إلا من أشرك بالرحمن ، أي قلبا استثناء منه فيرجع إلى ما ذكرنا أولا وعلى الأول يكون استثناء منقطعا.

وعلى التقديرين يكون المراد بقوله : وهو إيمان التصديق أنه الإيمان بمعنى التصديق فقط ، ولا يدخل فيه الأعمال لا شرطا ولا شطرا وإن كانت سببا لكماله بخلاف الإيمان بعد الهجرة فإن الأعمال قد دخلت فيه على أحد الوجهين وذلك لأنهم لم يكلفوا بعد إلا بالشهادتين فحسب ، وإنما نهوا عن أشياء نهي أدب وعظة وتخفيف ، ثم نسخ ذلك بالتغليظ في الكبائر والتواعد عليها ، ولم يكن التغليظ والتواعد يومئذ إلا في الشرك خاصة ، فلما جاء التغليظ والإيعاد بالنار في الكبائر ثبت الكفر والعذاب بالمخالفة فيها.

« وتصديق ذلك » أي دليل ما ذكرنا من التفاوت في التكاليف ومعنى الإيمان قبل الهجرة وبعدها.

وقال الفاضل الأسترآبادي : بيان لأول الواجبات على المكلفين وأن تكاليف الله تعالى ينزل على التدريج ، وفي كتاب الأطعمة من تهذيب الأحكام أحاديث صريحة في التدريج في التكاليف ، انتهى.

ولنذكر تفسير الآيات التي أسقطت اختصارا إما من الإمامعليه‌السلام أو من الراوي قال تعالى قبل تلك الآيات : «لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً » ثم قال : «وَقَضى رَبُّكَ » قيل : أي أمر أمرا مقطوعا به : «أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ » لأن

١٧٨

أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » إلى قوله تعالى «إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً » أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهى

______________________________________________________

غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة ونهاية الإنعام «وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً » بأن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والتعيش «إِمَّا يَبْلُغَنَ » إما إن الشرطية زيدت عليها ما للتأكيد «عِنْدَكَ الْكِبَرَ » في كنفك وكفالتك «أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ » إن أضجراك «وَلا تَنْهَرْهُما » أي فلا تزجرهما إن ضرباك «وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً » أي حسنا جميلا «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ » أي تذلل لهما وتواضع «مِنَ الرَّحْمَةِ » أي من فرط رحمتك عليهما «وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً » جزاء لرحمتهما على وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً ».

عن الصادقعليه‌السلام الأوابون التوابون المتعبدون «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً » وهو صرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ » أي أمثالهم «وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً » أي مبالغا في الكفر.

«وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ، وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً » أي فتصير ملوما عند الله وعند الناس بالإسراف وسوء التدبير «مَحْسُوراً » أي نادما أو منقطعا بك لا شيء عندك «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ » أي يوسعه ويضيقه بمشيته التابعة للحكمة «إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً » يعلم سرهم وعلانيتهم.

قوله عليه‌السلام : أدب وعظة ، أي كلما ذكر في تلك الآيات سوى صدر الأولى وهو قوله : «وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ » تأديب وموعظة ، وهذا مبني على أن قوله وبالوالدين بتقدير وأحسنوا عطفا على جملة : قضى ربك ، لأن فيها تأكيدا وتهديدا في الجملة.

١٧٩

عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ

______________________________________________________

ويحتمل أن يكون المراد جميعها لكن وقع التهديد على الشرك فيما مر وفيما سيأتي من الآيات كقوله «وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ ».

فإن قيل : قوله «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » ، إلى قوله : «كَفُوراً » فيه وعيد وتهديد؟ قلنا : ليس محض كونهم إخوان الشياطين تهديدا ووعيدا صريحا بالنار ، بل قيل قوله كانوا ، يدل على أن في أواخر شرائع سائر أولي العزم كانت كذلك ، فلا يدل صريحا على أن في تلك الشريعة أيضا كذلك ، والاجتراح الاكتساب.

«وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » قيل : أي مخافة الفاقة وقتلهم أولادهم وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم الله عنه ، وضمن لهم أرزاقهم فقال : «نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً » أي ذنبا كبيرا مما فيه من قطع التناسل وانقطاع النوع.

والخطأ الإثم ، يقال : خطىء خطأ كأثم إثما ، وقرأ ابن عامر خطأ بالتحريك وهو اسم من أخطأ يضاد الصواب ، وقيل : لغة فيه كمثل ومثل وحذر وحذر ، وقرأ ابن كثير خطاءا بالمد والكسر ، وهو إما لغة أو مصدر خاطئا ، وقرى خطاءا بالفتح والمد ، وخطأ بحذف الهمزة مفتوحا ومكسورا وعلى التقادير ليس فيه تصريح بكونه ذنبا ، ولا ترتب العقوبة عليه.

«وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى » بالقصد وإتيان المقدمات فضلا أن تباشروه «إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً » فعلة ظاهرة القبح زايدته «وَساءَ سَبِيلاً » أي وبئس طريقا طريقه ، وهو الغصب على الإبضاع المؤدي إلى قطع الأنساب وهيج الفتن.

«وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِ » قيل : أي إلا بإحدى ثلاث خصال : كفر بعد إيمان ، وزنى بعد إحصان ، وقتل مؤمن معصوم عمدا «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً » غير

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417