مرآة العقول الجزء ١٧

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27462 / تحميل: 5049
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

القلوب عندها في الجهاد وغيره.

[ مسألة ] وقالوا في قوله( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ ) الخ : إذا كان تعالى زينه فكيف يعاقب العبد على ما زينه له. وجوابنا أنّه تعالى لم يذكر من الذي زين فيحتمل أن يريد من يدعو إلى المعاصي من شياطين الانس والجن ويحتمل أنه تعالى زين لهم بالشهوات وخلق المشتهى لكنه يضم إلى ذلك فيما هو معصية التخويف والوعيد وذلك مما يحسن ولذلك ذكر المال والخيل والأولاد ثمّ قال في آخره( ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) فرغب في الآخرة العاقبة وزهد في العاجلة فلهذا تأولناه على ان المراد ما جبل العباد عليه من الشهوات واللذات ولذلك قال بعده( قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ثمّ وصفها بما ذكره بعده وأضاف إلى ذلك رضوان الله تعالى ثمّ اتبعه بقوله( وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ ) ليتصور المرء في كل ما يأتيه أنه تعالى مطلع عليه وذكر في وصف الجنة( وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ) والمراد بذلك انهن مطهرات مما ينفر في الدنيا من حيض وغيره وقيل من الذنوب والاول أقرب لأن فيهن من لم يكلف، ومن كلف منهن فليست الحال حال تكليف فيذكر ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) كيف يكون العلم وحصوله طريقا للاختلاف المذموم. وجوابنا أنّ من علم فعاند وبغى فذلك يكون عقابه أعظم فيحتمل أن يريد بذلك أهل الكتاب الذين عرفوا فعاندوا، ولذلك خص الله تعالى أهل الكتاب بالذكر، ويحتمل أن يكون المراد بقوله( مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ ) الدلالة وما هو طريق العلم لان من قصر في النظر فيه يعظم عقابه ويوصف بأنه قد بغى في ذلك.

٦١

[ مسألة ] وربما قالوا في قوله( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ) فيقولون كيف يبطل بذلك محاجتهم. وجوابنا أنّ المحاجة إذا كانت بغير الحجاج لا تدفع إلّا بمثل ذلك فاذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم قد بيّن وكرر ذلك البيان ثمّ وقع منهم محاجة صح دفعها بمثل هذا الكلام والواحد منا إذا بيّن لمن خالف الحق حالا بعد حال لصح من بعد ؛ وقد كرر على المخالف أن يقول أنا أتوكل على الله وأستسلم له وأسلمك فيما تأتيه إلى خالقك وربما يكون ذلك أوكد وأرفع لباطله ممن أراد الحجاج عليه حالا بعد حال ولذلك قال تعالى بعده( وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ ) فنبه بذلك على ان الابلاغ قد تقدم منه صلّى الله عليه وسلم حالا بعد حال.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله( قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) فقالوا أضاف تعالى ملك الملوك إلى نفسه وانه يفصل بين الظالم والعادل وقال مع ذلك( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) والطاعة أجمع من الخير فيجب أن تكون من فعله. فجوابنا أنّ الأصل في كل ملك هو العقدة والعقل والتمكين ولا يكون ذلك إلّا منه تعالى وإنّما يختلف حال الملوك فيما عدا ذلك فمنهم من يفعل بعد ذلك أنواعا من أنواع الظلم فيقوى بها. ومنهم من لا يتعدى. فاذا حملنا الملك على ما ذكرناه أولا، وهو الاصل فكل ذلك مضاف إلى الله تعالى، وهو الذي يؤتيه وهو الذي ينزعه فأمّا العز فلا يكون في الحقيقة إلّا من الله تعالى ؛ على كل حال لان من يعز بالمعاصي فهو ذليل، ولذلك لا يعد الكفر عزا وان كان بعضهم يعز بعضا بذلك. وبعد فانه تعالى ذكر أولا انه مالك الملك وان ما يملكه يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء فلا يدخل في ذلك ما لا يضاف إلى ملكه من ظلم الظلمة. فأما قوله تعالى( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) فالمراد انه لا وصول إلى الخير إلّا بالله

٦٢

تعالى وعلى هذا الوجه نقول في الطاعات إنها من الله لـما كان المطيع لا يصل إلى فعلها إلّا بأمور من قبله وقصده بتلك الامور أن يفعل الطاعة فينال الثواب ولذلك قال تعالى بعده( تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) فذكر ما هو كالاصول لمنافع الخلق وسائر ما يصلون به إلى الملك وغيره.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) كيف يصح ذلك ومعلوم من حال كثير أنهم يتخذونهم أولياء. وجوابنا أنّ ذلك بمعنى النهي ولذلك قال بعده( وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ ) فان قيل فما المراد بهذه الولاية. فجوابنا انها الولاية الراجعة إلى الدين دون ما يتصل بأمور الدنيا، لان للمؤمن معاملة الكافر ومعاوضته ومعاشرته في الاكل وغيره وإنّما يحرم عليه ان يتولاه في باب الدين بالمدح وبالذب عنه فيما يتصل بالدين.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) ان المحذّر غير المحذّر منه فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّه تعالى يذكر نفسه على وجه التأكيد وطريقة اللغة تشهد بذلك والمراد بذلك التحذير من عقوبته ليتوق المرء من المعصية لاجل ذلك، وذلك معقول في الشاهد لان الوالد قد يقول لولده وقد نهاه عن العقوق وغيره، وأنا أحذرك نفسي فاتق الله فيما تأتي وتدبر ويعني بذلك المجازاة والتأديب ولذلك قال بعده( وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) لأن من جملة الرأفة هذا التحذير الذي هو طريق الثواب وزوال العقاب.

[ مسألة ] وربما سألوا في قوله تعالى( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ) وذلك يدل على أنه يخصهم بهذا الفضل ؛ وذلك يوجب أن، فضلهم من قبل الله تعالى. وجوابنا أنّ المراد أنه

٦٣

اصطفاهم بالنبوة والرسالة وذلك لا يكون إلّا من قبله تعالى وان كان جل وعز لا يختارهم إلّا لأمور كثيرة كانت من قبلهم وتكون أيضا من قبلهم فيما بعد. وربما أورد ذلك من يقول ان الانبياء أفضل من الملائكة. وجوابنا أنّ المراد بذلك اصطفاهم بالرسالة على عالمي زمانهم، وذلك لا يتأتى في الملائكة لأن الملائكة كلها رسل على ما ذكره الله تعالى. واختلفوا في العالمين فقال بعضهم يدخل فيه كل الخلق وقال بعضهم العقلاء ومن هو من جنسهم، وقال بعضهم الناس دون غيرهم لانهم الذين يظهر فيهم الجمع والتفريق ولذلك يقول القائل جاء في عالم من الناس ولا يقول جاء في عالم من البقر وكل ذلك يزيل هذه الشبهة خصوصا وقد ثبت بآيات كثيرة أن الملائكة أفضل كما ثبت أن نبينا صلّى الله عليه وسلم أفضل فكما لا يمكن في هذه الآية أن يقال ان هؤلاء الانبياء أفضل من رسولنا صلّى الله عليه وسلم فكذلك ما ذكرناه في الملائكة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ ) انه يدل على أنه جعلها صالحة لانها لم تكن نبية. وجوابنا أنّه تعالى خصها بولادة عيسى7 من بين سائر الانبياء وذلك من قبل تعبدها.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ) كيف يصح تحرير ما في البطن. وجوابنا أنّ المراد بذلك أنها نذرت أن يكون ما في بطنها مسلما لله تعالى ذكرا كان أو انثى موفرا على عبادة الله تعالى. وقد كان مثل ذلك من عبادات ذلك الزمان فلذلك قال تعالى( فَتَقَبَّلْ مِنِّي ) ولذلك قال( فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ) وكل ذلك لـما في المعلوم من أمر عيسى7 .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى )

٦٤

ما الفائدة في ذكر ذلك. وجوابنا أنّ التعبد فيما يحرر من الحمل في الذكر يخالف التعبد في الانثى فلذلك قال( وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ) فبين حكم الانثى وبين انه مخالف لحكم الذكر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا ) كيف يجوز ذلك وليست نبية والمعجزات لا تظهر إلّا على الانبياء. فان قلتم ظهر على زكريا فكيف يصح أن يسألها فنقول هو من عند الله وعليه ظهر. وجوابنا أنّ ذلك من معجزات زكريا فانما قال لها أنى لك هذا لا لأنه لم يعلم أن ذلك من معجزاته لكن ليعرف حالها وما تعتقده في ذلك، فلذلك قال تعالى( هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ) لأنه عرف منها اليقين فلما أعجبه ذلك سأل الله أن يرزقه ولدا فبشره الله بيحيى على ما نطق به الكتاب.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) كيف يصح ذلك وقد كان هذا الخبر موجودا عند النصارى وغيرهم. وجوابنا أنّه صلّى الله عليه وسلم لم يخالطهم مخالطة يقف بها على تفصيل هذه الامور وكان كسائر العرب. فبيّن تعالى انه قد خصّه بهذا الغيب ليعرف به صحّة نبوّته ولذلك قال( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ ) فحكى تفصيل ما كان يجري في أمر مريم وذلك من أعظم معجزاته صلّى الله عليه وسلم وربما قيل في قوله( إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ) كيف قالت الملائكة لها وليست بنبيّة. وجوابنا أنها قالت في زمن نبي وهو زكريا وذلك مما يجوز عندنا وعلى هذا الوجه يحمل ما روى أنّ جبريل7 ظهر في صورة دحية الكلبي بحيث يراه الناس.

تنزيه القرآن (٥)

٦٥

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى يبشّرك بكلمة منه وما فائدة تسمية عيسى7 كلمة مع أنّه جسم والكلمة لا تكون إلّا عرضا. وجوابنا أنّ ذلك في وصف عيسى مجاز عندنا والمراد أنه يكون حجة ودلالة كالكلام وان كان في العلماء من يحمله على الحقيقة ويزعم أنه مخلوق من كلمة كن فهو إذا كلمة وربما جعلوه كلمة لا من جنس الكلام والذي قلناه أصوب.

[ مسألة ] ويقال كيف يجوز أن يتكلم في المهد وذلك مخالف للعادة وكيف يقوى لسان الصبي على الكلام ويتكامل عقله. وجوابنا أنّه من حيث خرج عن العادة صار معجزا وإنّما قواه الله على الكلام وأكمل عقله في ذلك الحال وجعل ذلك معجزة لشدة الحاجة في براءة ساحة امه عما كان يذكر عند ولادتها ولو تأخر ذلك لكان مفسدة ومتى ظهر ذلك منه وهو صغير كان أقوى في الباب والبالغ انما يكمل عقله وقوته بعد ذلك، فالله تعالى هو قادر على ذلك في حال الصغر وإنّما لا يفعل في غيره إلّا في حال الكبر للعادة والمصلحة. فان للآباء مصالح في نشوء الاولاد على هذا الترتيب ولو لا ذلك لكان الصغير كالكبير في جواز كمال العقل ولذلك يختلف كمال العقل فهو في واحد اسرع منه في آخر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ ) لا يجوز ان يكون عيسى خالقا. وجوابنا أنّه من حيث اللغة كل من قدر فعله ضربا من التقدير يوصف بذلك وان كان من حيث الشرع لا يطلق فيه بل يقيد كمالا يقال ان فلانا رب دون أن يقيد بذكر داره وعبده ( فان قيل ) أفكان يحيى الموتى كما أضافه الله تعالى إليه ( قيل ) له ليس كذلك لانه تعالى أضاف اليه خلق الطير من الطين ولم يضف اليه الاحياء بل قال وأحيي الموتى باذن الله فأضافه إلى الله لـما كان هو المحيي عند ادعائه النبوة وإنّما أضيف اليه من حيث كان هو السبب في ذلك. وجعل من معجزاته أيضا انه ينبئهم بما يأكلون وما

٦٦

يدخرون في بيوتهم لان مثل ذلك لا يعرفه الغائب إلّا من جهة الله تعالى فلذلك قال( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ ) كيف يصح مع أن الله لم يتوفه بل رفعه الله. وجوابنا أنّ العطف بالواو لا يوجب الترتيب فرفعه الله ثمّ توفاه وذلك جائز أيضا أن يكون توفاه من حيث لم يشعر به ثمّ رفعه فأعاد حياته وربما سألوا في ذلك عن قوله( وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) وما الفائدة في ذلك. وجوابنا أنّ المراد يطهرك من أعمال الكفار ومن أحكامهم ومن الاضلال بهم على وجه يؤثر في حال النبوّة. وربما سئل أيضا عن قوله( وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقيل ما معنى ذلك ومعلوم أن من اتبعه لا شك أنه فوق الكفار. وجوابنا أنّ المراد أنه جعلهم فوقهم في كثير من مصالح الدنيا لان ذلك هو يصح الاشتراك فيه دون ما يتصل بأمر الآخرة مما لا يصح الاشتراك فيه بين المسلم والكافر ولذلك قال( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ) فيقال انهم في الدنيا يتمتعون لا يلحقهم شيء من العذاب فكيف يصح. وجوابنا أنّ ذلك في الكفار المخصوصين في أيام عيسى7 فلا يمنع أن يلحقهم بعض عذاب الدنيا ولو لم يكن إلّا الذم واللعن والحدود لكان ذلك كافيا في عذاب الدنيا، والكفار في أيامنا قد يلحقهم العذاب من القتل والقتال ومن أخذ الجزية إلى ما شاكله واختلفوا فقال بعضهم في أمراضهم أنها تجوز أن تكون عذابا وان كان في العلماء من يمنع ذلك.

٦٧

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) كيف يجوز ان يخلقه ثمّ يقول( كُنْ فَيَكُونُ ) وقد تقدم خلقه له وذلك يتناقض. وجوابنا أنّ المراد خلق آدم من تراب ثمّ قال له كن حيّا وعلى سائر الصفات فالذي كونه من حياته وغيرها هو غير الذي خلقه من قبل. وكذلك القول في عيسى أنه خلق الصورة ثمّ قال له كن على هذا المثال هذا متى حمل قوله كن على الحقيقة فاما إذا أريد بذلك أنه كوّنه حيّا بعد ان خلق الشخص فلا تناقض في ذلك وإنّما بيّن تعالى بأنه مثل آدم أنه مخلوق لا من شيء متقدم يجري مجرى الاصل له كالنطفة والعلقة لتعرف قدرته على ابتدائه وليعلم اصحاب الطبائع بطلان قولهم فقد كان في ذلك الزمان فيهم كثرة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) كيف ترفع محاجة النصارى في عيسى اذ قالوا انه الله وانه ابن الله ومحاجة اليهود إذ كذّبوا بولادته من غير ذكر بالمباهلة التي ذكرها الله. وجوابنا أنّ الحجة في ابطال قولهم إذا ظهرت ولم يقع القبول وعلم الله تعالى ان في المباهلة مصلحة لم يمنع ذلك ومعلوم ان عند المباهلة والملاعنة يخاف المبطل فربما يكون ذلك من اسباب تركه الباطل إما ظاهرا واما باطنا ولذلك قال تعالى بعده( إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ) لان ما ينذر ويخوف يوصف بذلك ثمّ قال( وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ ) دفعا لقول النصارى في باب التثليث ثمّ قال( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ ) ثمّ قال تعالى( قُلْ يا أهل الْكِتابِ تَعالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً ) دفعا لقول النصارى ثمّ قال( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ثمّ بيّن بطلان قولهم ان ابراهيم كان على ملتهم بقوله( لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ

٦٨

وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) وبيّن بقوله( فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) ان المقلد والمبطل في المحاجة مخطئ لانه يحاج فيما لا علم له به وبعث بذلك على النظر في الأدلة لأن هذا الناظر العالم هو الذي إذا حاج غيره يكون محاجا فيما له به علم.

وبيّن ان أولى الناس بابراهيم من اتبعه ونبينا صلّى الله عليه وسلم لأنه على ملته في الحج وغيره وإنّما وصف ابراهيم بأنه كان حنيفا مسلما لأنه كان على هذه الملة وان كان في شريعة نبينا صلّى الله عليه وسلم زيادات وتفصيلات وفي قوله بعد ذلك( وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أهل الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ) دلالة على ان الله تعالى لا يضل عباده ولا يخلق الضلال والكفر فيهم لانه لو كان كذلك لـما نسب الاضلال إلى أهل الكتاب ولما نسب اضلالهم إلى أنفسهم.

[ مسألة ] ويقال كيف قال تعالى( يا أهل الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ) ثمّ قال( وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ) كيف يكونون كفارا بما يشهدون. وجوابنا أنّ المراد انهم يكفرون بالآيات وهم يعرفونها ويشاهدونها فينصرفون عن النظر فيها ويتبعون الشبهة والتقليد ولذلك قال بعده( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ ) ولا يمتنع انه كان فيهم من يعرف الحق في نبوّة نبينا صلّى الله عليه وسلم ويعاند فقد كان فيهم من علم البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم في الكتب وكانوا يلبسون ذلك على العامة ثمّ ذكر بعده( إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ ) يعني الالطاف وانه يخص بذلك من يشاء فمن المعلوم أنه عند ذلك يختار الايمان. ثمّ بين تعالى بقوله( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ان ليهم ألسنتهم بذلك من فعلهم لا من خلق الله فيهم ولو كان من حق من ينسب ذلك اليه هو الله تعالى لوجب أن يقال هو من عند الله ولما صح أن يقول تعالى( وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ) ونزّه تعالى عيسى عن قول النصارى لقوله( وَما كانَ لِبَشَرٍ

٦٩

أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ ) فان أكثر النصارى يقولون بعبادة عيسى صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً ) كيف يصح ذلك وقوله( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ ) يدل على نفي الاسلام عنهم وقوله( وَلَهُ أَسْلَمَ ) يدل على اثبات الاسلام وهذا يتناقض. وجوابنا أنّ المراد بقوله( وَلَهُ أَسْلَمَ ) الاستسلام والانقياد وليس المراد اختيار الدين والاسلام فبين تعالى انه قادر على أن يجعلهم كذلك لكنه لا ينفعهم إلّا إذا اتبعوه اختيارا فلذلك قال طوعا وكرها وأمر نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يقول( قُلْ آمَنَّا بِاللهِ ) إلى قوله( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) فبين انه قد آمن ومع ذلك هو مسلم أي منقاد لله تعالى على وجه الاختيار وان هذا هو الذى ينفع، وبيّن بقوله( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ان الدين كله هو الاسلام والاسلام هو الدين وان ما عدا ذلك ليس من الدين والاسلام وبيّن أن من ليس بمسلم من الخاسرين في الآخرة.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يقول تعالى( كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ) وعندكم أن الله قد هدى الكافرين. وجوابنا أنّه قد هداهم بالأدلة والمراد بهذا الهدى هو الثواب وطريق الثواب ولذلك قال بعده( وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) فخصهم بنفي الهدى عنهم ثمّ بين ما نفاه عنهم بقوله( أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ) فبين انه لم يهدهم إلى الجنة بل عاقبهم بهذه العقوبة.

٧٠

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ) وكيف يجوز أن يتوبوا فلا تقبل توبتهم مع بقاء التكليف. وجوابنا أنّه لم يذكر متى تابوا فيحتمل انهم كفروا ثمّ تابوا وأرادوا الكفر ومن ازداد كفرا فتوبته المتقدمة لا تؤثر لانه قد أفسدها بزيادة الكفر، ولذلك قال بعده( وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ) وهذا خبر عن قوم مخصوصين كان هذا حالهم فلا يمكن أن يقال ان توبة كل كافر لا تقبل ويحتمل أن توبتهم عند المعاقبة لا تقبل وقد روى أيضا أن الآية نزلت في قوم ارتدوا وقالوا ما نقيم أقمنا على ارتداد فاذا حصلنا عند أهلنا أظهرنا التوبة لتقبل ذلك منا فمن يظهر التوبة وباطنه بخلاف ذلك لا تقبل توبته ومعنى قوله ثمّ ازدادوا كفرا انهم جحدوا بنبوّة محمّد صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله تعالى( لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وقد ينفق المرء ما لا يحبه ويعد في البر. وجوابنا أنّ كل ما يخرجه المرء من وجوه البر لا بد من أن يحبه المرء ويريد الانتفاع به ولو لا ذلك لم يستحق الثواب عليه، ويحتمل أن يريد تعالى ترغيب المرء في أن لا يتصدق إلّا بأحب الأموال وأنفسها كما قال تعالى( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) ولذلك قال بعده( وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازي بحسب ذلك.

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ ) والتحريم يكون من قبل الله تعالى لا من قبل الانبياء. وجوابنا أنّه لا يمتنع في شريعته أن يحرم على نفسه الشيء فيحرم، كما ان في شريعتنا أن نوجب على أنفسنا أشياء بالنذر فتجب، فهذا أقرب ما يتأول عليه وذلك لأن سبب التحريم والإيجاب من قبل العبد وان كان الله تعالى أوجب ذلك وهذا كما إذا أحرم المرء لزمه من المناسك ما كان لا يلزمه لو لا احرامه وذلك كثير في العبادات.

٧١

[ مسألة ] وربما قيل ما معنى قوله( إِنَّ أوّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ) ومعلوم ان قبله كانت الدنيا والمنازل. وجوابنا أنّ معنى قوله( وُضِعَ لِلنَّاسِ ) ليعبد الله عنده فهو أوّل بيت وضع لذلك ولذلك قال( وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ) في وصفه ولذلك قال بعده( فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) ولذلك قال بعده( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وهذا من أقوى ما يدل على ان الانسان قادر قبل أن يحج وقبل دخوله في الحج بخلاف قول المجبرة والقدرية.

[ مسألة ] وربما قيل فلما ذا قال( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) وما المراد بذلك وما الفائدة في أنه غني عنهم إذا كفروا وهذه صفتهم لو آمنوا أيضا. وجوابنا أنّ المراد ومن كفر بأن جحد وجوب الحج وقصد هذا البيت وبين بقوله( فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) ان ما لزمهم عند هذا البيت انما أوجبه لمصالحهم لئلا يقدر أنه تعالى يوجب لا لهذا الوجه فلذلك أطلق قوله بأنه غني عن كل العالمين وقد روى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان المسجد الحرام أوّل مسجد وضع ثمّ المسجد الأقصى وروي أن اليهود فضلت بيت المقدس على الكعبة وفضل المسلمون الكعبة فنزلت هذه الآية تصديقا لقول المسلمين.

[ مسألة ] ويقال ما معنى قوله( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) ومعلوم ان هذين الامرين قد كفر بهما الخلق وهما لا يوجبان ايمان المكلفين فما الفائدة في ذلك. فجوابنا أنّ قوله( كَيْفَ تَكْفُرُونَ ) هو على التوبيخ والذم لهم من حيث كفروا مع ظهور آيات الله وظهور أمر الرسول مع ان ذلك يوجب الايمان ايجابا وإنّما يقتضي أن يختار المرء للايمان وقد ظهرا واتضحا ولذلك قال بعده

٧٢

( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) والمراد من يعتصم بكتابه وبرسله فيعمل بما يقتضيان العمل به( فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ومن لم يفعل فقد ضل وكفر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ) انه يدل على لزوم التقوى فوق استطاعته فقد روى عن بعض من لا يحصل انه منسوخ بقوله( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) . وجوابنا أنّ حق تقاته لا يكون إلّا ما يستطيعون لانه تعالى لا يكلف نفسا إلّا وسعها فلا اختلاف بين الآيتين ولذلك قال( وَلا تَمُوتُنَّ ) فان من حق تقاته ان يتمنى المرء حتّى يموت مسلما ولذلك قال بعده( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) فدعا إلى الاجتماع أيضا وعلى التقوى وترك الاختلاف فيه ولذلك قال بعده( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ) فان من أعظم نعم الله زوال التحاسد والتباغض والتنافس عن القوم ولهذا أقوى أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم لـما انقادوا له على عظم محلهم وكان من قبل لا ينقاد بعضهم لبعض وحبل الله هو دينه وشرعه والتمسك بكتابه وسنة رسوله ولذلك قال( وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها ) ولذلك قال( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) والمراد لكي تهتدوا فدل بذلك على انه أراد الاهتداء من جميعهم وقوله تعالى بعده( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ ) يدل على انه أوجب على طائفة ممن يهتدون بالآيات أن يدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وانهم المفلحون وهم العلماء الذين يدعون إلى الله ولذلك قال صلّى الله عليه وسلم، العلماء أمناء الرسول على عباد الله.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) فيقال أفما يدل ذلك على

٧٣

أنْ ليس في المكلفين إلّا كافر ومؤمن بخلاف قولكم ان بينهما فاسقا لا يوصف بأنه مؤمن ولا كافر. فجوابنا أنّ ذلك إنْ دل على ما قلت فيجب أن يدل على أن ليس فيهم إلّا كافر مرتد لقوله( أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ) وقد ثبت خلاف ذلك واذا جاز اثبات كافر أصلي لم يذكره تعالى جاز اثبات فاسق لم يذكره تعالى ومعلوم ان الموحد المصدق بالله ورسوله إذا أقدم على شرب الخمر والسرقة والزنا لا يوصف بأنه مؤمن مطلقا لأن المؤمن هو الذي يمدح ويعظم وهؤلاء يلعنون. ولا يوصف بأنه كافر لأن الكافر هو الذي يختص بأحكام من قبله وغيره وليس في اثبات وصفين دلالة على نفي ثالث واتبعه تعالى بقوله( تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ ) فبين انه لا يريد إلّا الحق ونزّه نفسه عن ارادة الظلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) كيف يصح ذلك وفي جملة أمته الفساق ومن يفسد في الأرض ومن هذا حاله لا يوصف بهذا الوصف. وجوابنا أنّ ذلك اشارة إلى أمة الرسول صلّى الله عليه وسلم في أيامه والمراد ان الخيار فيهم أكثر والتفاضل إذا كان في جميع لا يراد به كل عين فمتى قيل ان أهل بلد أصلح من أهل بلد آخر لا يراد به ذكر كل واحد بل المراد ما يرجع إلى جماعتهم من كثرة خيارهن وبيّن ذلك بقوله( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) وذلك لا يرجع إلى كل واحد. وقد قيل أراد تعالى أهل الصلاح فيهم فلا يدخل من عداهم فيه بدليل قوله من بعد( وَلَوْ آمَنَ أهل الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) فبين في هذه الآية انها خالصة عن الشر بخلاف أهل الكتاب وفي قوله( وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ ) ما يدل على صحة الجواب الأوّل فنبه بأن الاكثر منهم فساق بخلاف هذه الامة التي الاكثر منها أهل الخير ويقوى من يقول بالوجه الآخر قوله تعالى( لَيْسُوا سَواءً مِنْ أهل الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ

٧٤

يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) فدل ذلك على ان المراد بالاول من يختص بالخير دون أهل الشر.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) ثمّ قال( مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ ) كيف يصح ذلك والمعلوم من حال الكفار انه ينتفع بما ينفقه في وجوه البر ويكون ذلك تخفيفا في عقابه. وجوابنا أنّ المراد بذلك ان ما ينفقه لا يحصل له ثمرته من الثواب وان كان عقابه أقل من عقاب كافر لم يفعل من البر ما فعله ولذلك قال تعالى بعده( وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) وهذا دلالة على انه تعالى منزه عن الظلم ولو كان هو الذي خلق الكافر وكفره ليدرجه إلى النار لـما صح هذا التنزيه.

[ مسألة ] وربما سألوا عن قوله( لَوْ آمَنَ أهل الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ) والله تعالى قال بعده( مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ) وذلك تناقض.

وجوابنا أن المراد لو آمن من لم يؤمن منهم لانه لا يصح إلّا فيهم وقوله( مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ ) يعني من تقدم ايمانهم فلا تناقض في ذلك.

[ مسألة ] وربما قالوا كيف يقول تعالى( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً ) والاذى هو الضرر فكأنه قال لن يضروكم إلّا ضررا. وجوابنا أنّ المراد انهم لا يتمكنون إلّا من الضرر اليسير بما يكون من كلامهم ولذلك قال بعده( وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ) وقال( ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ) وبين انهم لا يضرون المسلمين الضرر الذي يظنون وإنّما ينالهم من جهتهم التأذي فالكلام متفق.

[ مسألة ] وربما قيل ثمّ وصف جل وعز أهل الكتاب إلى أن قال

٧٥

( وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ) ثمّ قال( لَيْسُوا سَواءً ) فما المراد بذلك وقد وصفهم بالكفر وبهذه الصفات. وجوابنا أنّه لـما قصد وصف الكثير منهم بذلك بين انهم يقاربون في ذلك لئلا يقدر بأن حالتهم واحدة ويحتمل ان بعضهم آمن فلذلك قال( لَيْسُوا سَواءً ) وقوله من بعد( مِنْ أهل الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ ) يقوى الوجه الثاني.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ) إلى قوله( وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ) كيف يجوز أن يحبهم مع نفاقهم وجوابنا أنّ المنافق والكافر يلزمنا ان نحب صلاحه في الدين والدنيا وان كانوا لا يحبون شيئا من مصالحنا وهذا كما يريد تعالى صلاحهما وان يلطف لهم وان كان هم لا يحبون طاعة ربهم وعبادته.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله( إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) كيف يصح أن يكون محيطا بعملنا والإحاطة لا تجوز إلّا على الأجسام وما يجري مجراها وجوابنا أنّ المراد احاطة علمه بما نعمل وذلك مشبه بالجسم المحيط بغيره فكما ان ذلك الغير لا يخرج عن ما أحاط به فكذلك أعمالنا لا تخرج عن أن تكون معلومة لله وذلك من الله تعالى ترغيب في عمل الخير وتحذير من المعاصي.

[ مسألة ] وربما قيل كيف قال تعالى( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) كيف يوصف الفضلاء من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأنهم أذلة وجوابنا أنّه تعالى نبه بقوله( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ) على ان المراد بقوله( وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ) قلة العدد والعدة والآلات والخوف من غلبة الكفار ولم يرد الذل الذي يجري مجرى الذم والنقص ومنه يقال لقليل العدد

٧٦

اذا كان في مقابلتهم الجيش العظيم انهم أذلة ولذلك قال بعده( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ) فبين انه نصرهم بهم وأخرجهم من أن يكونوا أذلة.

[ مسألة ] وربما قيل كيف يجوز ( أن يمدّهم بثلاثة آلاف من الملائكة ) من ان صورة الملائكة بخلاف صورة البشر منا فكيف يصح ذلك وجوابنا أنّه تعالى يغير خلقهم حتّى يكون الظاهر منهم مثل صورة الانس رجالا وركبانا، والله تعالى قادر على ذلك وبهذا القدر لا يخرجون من ان يكونوا ملائكة لان ما لأجله صاروا ملائكة من الصورة ثابت فيهم.

[ مسألة ] وربما سألوا فقالوا كيف يقال للكفار( قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ) فيأمر نبيه بأن يبقوا على الكفر لانهم إن لم يبقوا عليه لم يموتوا بغيظ المؤمنين.

وجوابنا ان ذلك بصورة الامر وهو دعاء بهلاكهم كما يقول الانسان لمن يخالف في الحق مت كمدا وذلك مشهور في اللغة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ ) ان ذلك يدل على ان فعل المجاهد خلقه. وجوابنا أنّ المراد ان مجموع النصر لا يتم إلّا بأمور من قبله وان كان لا بد من سعي المجاهد وهذا كما تقول في فضل الابن وعلمه انهما من جهة الوالد لـما كان ذلك لم يتم إلّا من قبله ولذلك قال بعده( لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أو يَكْبِتَهُمْ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ) انه قد نفى ان يكون له صلّى الله عليه وسلم فعل وصنع وذلك بخلاف قولكم. وجوابنا أنّ المراد أنه ليس له في تدبير مصالح العباد وما يكون صلاحا لهم في الدين شيء لان كل ذلك من قبله تعالى وليس المراد نفي صنعه وفعله وكيف يجوز

٧٧

ذلك وقد نصبه مبشرا ونذيرا وقال( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) وأضاف له الطاعة ومدحه بضروب المدح وقوله تعالى من بعد( أو يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أو يُعَذِّبَهُمْ ) يدل على ان المراد بذلك ما قدمنا لانه بين أن صلاحهم يحصل بالتوبة ولا يحصل بمحبته صلّى الله عليه وسلم.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) كيف يصح أن يصفها بأنها أعدت للكافرين ويقولون فيمن ليس بكافر من الفساق إنه يدخلها وكيف يصح من العباد اتقاء النار وهم يقهرون عليها. وجوابنا أنّ المراد بقوله( وَاتَّقُوا النَّارَ ) اتقاء المعاصي التي توجب استحقاق عقاب النار وذلك ظاهر إذا قيل للمرء اتق ربك واتق السلطان أن المراد اتقاء ما يؤدي إلى تأديبهم فأما قوله( أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) فلا يمنع من كونها معدة لغيرهم لان ذلك الشيء بحكمه لا ينفي ان ما عداه مثله وهذا كقوله تعالى في وصف النار( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) ومعلوم ان من لا يوصف بذلك من الحور والاطفال يجنبون النار أيضا.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَسارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) كيف يصح في الجنة وهي في السماء أن يكون عرضها السموات والارض. وجوابنا أنّه قادر في نفس السماء والارض أن يزيد فيها أضعافا كثيرة وكذلك يقدر على الجنة التي عرضها كعرض السماء والارض وزيادة على ذلك. وقوله تعالى بعده( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) وان كان يدخلها من ليس بمتقي فبطل قولهم انه لـما ذكر( أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ) دل على أنه لا يدخلها سواهم ثمّ بين تعالى صفة المتقين الذين يستحقون الجنة فقال( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أو ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ

٧٨

فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا ) ثمّ قال تعالى بعده( أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ) ثمّ قال تعالى بعده( وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) وكل ذلك ترغيب التمسك بطاعة الله وبالتوبة والانابة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ ) فعم ثمّ قال( وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) لـما ذا فرق بين الأمرين وعندكم انه بيان للكل وهدى وموعظة للكل. وجوابنا أنّه بيان وهدى للكل لكنه تعالى في كونه بيانا عم وفي كونه هدى وموعظة خص المتقين من حيث تمسكوا به فصار كأنه ليس بهدى ولا موعظة إلّا لهم كما ذكرناه في أوّل سورة البقرة في قوله( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) .

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ) كيف يصح أن يقول ذلك في الكافرين وكيف يصح أن يقول( وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) والله تعالى عالم لم يزل قبل أن يمس القوم القرح الذي ذكره. وجوابنا أنّه تعالى قد قوّى الكافر ومكنه بالآيات وغيرها وأمره ونهاه كما فعل ذلك بالمؤمن وانه خص المؤمن بالالطاف وغيرها فصح لذلك أن يقول في تلك الايام( نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ) ولذلك قال بعده( وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ ) وقال( وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ) فجعل تعالى المداولة محنة على الكافرين ونعمة على المؤمنين وأما( وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) فالمراد وقوع المعلوم ونبه بذكر العلم عليه لـما كان معلوم العلم يحب ان يكون على ما تناوله العلم ولذلك قال الله تعالى بعده( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا

٧٩

يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) فنبه بذكر العلم على وقوع الجهاد منهم لان ذلك هو الذي يستحق به الجنة.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) كيف يصح أن يلقى الموت وهو ينظر. وجوابنا أنّ المراد رؤيته أسباب الموت ومقدماته دون نفس الموت لان الميت لا يتمكن من أن يكيف الموت ويراه وهو كقوله تعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) والمراد به المرض الذي يخاف منه وهو كقوله تعالى في قصة ابراهيم7 ( إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) والمراد الاضجاع الذي هو مقدمة الذبح. وربما سألوا في هذه الآية فقالوا أليس تمنيهم الموت هو تمني قتل الكفار لهم وذلك مما يقبح فكيف يصح ذلك. وجوابنا أنّ الموت غير القتل أو يكون من قبل الله تعالى لا من قبل الكفار فيصح أن يتمنوه تخفيفا للتكليف عليهم. فبعث بذلك على الجهاد لكي لا يزهدوا فيه خوف الموت وقد يتمنى ذلك على وجه لا يحصل معه من الثواب ما يحصل بالموت في الجهاد.

[ مسألة ] وربما قيل في قوله تعالى( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) ان ذلك لا تعلق له بما تقدم من الترغيب في الجهاد. وجوابنا أنّ المروي في ذلك انهم قالوا لـما انهزم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قد قتل فنحن نعود إلى ديننا الأوّل فقال الله تعالى( أَفَإِنْ ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) وقال أيضا( وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ ) فلما انهزمتم وقد رغبكم الله في الثواب العظيم ان انتم ضربتم وان أتى القتل عليكم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

٤ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال كتبت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أسأله عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ثم من الله عليه بمعرفته والدينونة به أعليه حجة الإسلام أم قد قضى قال قد قضى فريضة الله والحج أحب إلي وعن رجل هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر أيقضى عنه حجة الإسلام أو عليه أن يحج من قابل قال الحج أحب إلي.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهزيار قال كتب إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني إلى أبي جعفرعليه‌السلام أني حججت وأنا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعا «بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ » قال فكتب إليه أعد حجك.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزئه ذلك من حجة الإسلام قال نعم.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الرجل يخرج في تجارة إلى مكة ـ أو يكون له إبل فيكريها حجته ناقصة أم تامة قال لا بل حجته تامة.

الحديث الرابع : حسن. ويدل على الإجزاء واستحباب الإعادة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « أعد حجك » حمله الشيخ وسائر الأصحاب على الاستحباب ، ويمكن حمله على أنه لما كان عند كونه مخالفا غير معتقد للتمتع وأوقعه فلذا أمره بالإعادة فيكون موافقا لقول من قال : لو أخل بركن عنده تجب عليه الإعادة.

الحديث السادس : حسن. وحمل على الاستطاعة في البلد وظاهر الخبر أعم من ذلك كما قواه بعض المتأخرين.

الحديث السابع : صحيح.

١٦١

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن شهاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أيجزئ عن العبد حجة الإسلام قال نعم قلت فأم ولد أحجها مولاها أيجزئ عنها قال لا قلت أله أجر في حجتها قال نعم قال وسألته عن ابن عشر سنين يحج قال عليه حجة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت.

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن الفضيل قال سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام ـ عن الصبي متى يحرم به قال إذا اثغر.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن ضريس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « نعم » لا خلاف في أن المملوك إذا أدرك الوقوف بالمشعر معتقا فقد أدرك الحج.

وقال بعض المحققين : ينبغي القطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا لا طلاق النص. واعتبر الشهيد في الدروس تقدم الاستطاعة وبقائها مع حكمه بإحالة ملك العبد وهو عجيب.

الحديث التاسع : مجهول.

وقوله عليه‌السلام : « إذا اثغر » قال الفيروزآبادي « اثغر الغلام » ألقى ثغرة ونبت ثغرة ضد كأثغر ولعله محمول على تأكد الاستحباب أو على إحرامهم بأنفسهم دون أن يحرم عنهم.

الحديث العاشر : صحيح. ولا ريب في وجوب القضاء لو مات قبل الإحرام ودخول الحرم ، وقد استقر الحج في ذمته بأن يكون قد وجب قبل تلك السنة

١٦٢

الطريق فقال إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام.

١١ ـ أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق قال إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الإسلام فإن فضل من ذلك شيء فهو للورثة إن لم يكن عليه دين قلت أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل أن يحرم لمن يكون جمله ونفقته وما معه قال يكون جميع ما معه وما ترك للورثة إلا أن يكون عليه دين فيقضى عنه أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن أوصى له ويجعل ذلك من ثلثه.

وتأخر ، وقد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم يكن الحج مستقرا في ذمته بأن كان خروجه في عام الاستطاعة ، وأطلق المفيد في المقنعة ، والشيخ في جملة من كتبه وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم ، ولعلهما نظرا إلى إطلاق الأمر بالقضاء في بعض الروايات.

وأجيب عنها : بالحمل على من استقر الحج في ذمته.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « قبل أن يحرم » ذهب علماؤنا على أنه إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنه ، واختلفوا فيما إذا كان بعد الإحرام. وقبل دخول الحرم ، والأشهر عدم الإجزاء ، وذهب الشيخ في الخلاف ، وابن إدريس إلى الاجتزاء ، واستدل لهما بمفهوم قولهعليه‌السلام « قبل أن يحرم »(١) لكنه معارض بمنطوق قولهعليه‌السلام « وإن كان مات دون الحرم »(٢) .

__________________

(١) الوسائل. ج ٨ ص ٤٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٨ ص ٤٧ ح ١ بدون لفظ « كان » فراجع.

١٦٣

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رفاعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام أيجزئه ذلك عن حجة الإسلام قال نعم قلت وإن حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر أن يحج

الحديث الثاني عشر : حسن. وهو يشتمل على حكمين.

الأول : أنه ينعقد نذر الحج ماشيا وهو المشهور بين الأصحاب.

وقال العلامة في القواعد : لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل. انعقد الوصف وإلا فلا.

وقال ولده في الإيضاح : إذا نذر الحج ماشيا انعقد أصل النذر إجماعا. وهل يلزم القيد مع القدرة فيه قولان مبنيان على أن المشي أفضل من الركوب أو الركوب أفضل ، ولا يخفى أنه يمكن أن يناقش في دلالة الرواية على اللزوم إذ ليس فيها إلا أنه يجزى إذا أتى به عن حجة الإسلام وهو لا يدل على لزوم الوفاء بالنذر ، بل يمكن أن يكون التداخل مبنيا على عدم انعقاد النذر فليتأمل.

الثاني : أن من نذر الحج يجزيه حج النذر عن حجة الإسلام. وفيه ثلاث صور.

الأولى : أن ينذر حجة الإسلام والأصح انعقاده.

الثانية : أن ينذر حجا غير حجة الإسلام ، ولا ريب في عدم التداخل حينئذ.

الثالثة : أن يطلق النذر بأن لا يقصد حجة الإسلام ولا غيرها ، وقد اختلف فيه فذهب الأكثر إلى أن حكمها كالثانية.

وقال الشيخ في النهاية : إن نوى حج النذر أجزأ عن حجة الإسلام ، وإن نوى حجة الإسلام لم تجز عن المنذورة ، ومرجع هذا القول إلى التداخل مطلقا ، وإنما لم يكن الحج المنوي به حج الإسلام خاصة مجزيا عن الحج المنذور لأن الحج إنما ينصرف إلى النذر بالقصد بخلاف حج الإسلام فإنه يكفي فيه الإتيان بالحج ، وهذه الرواية تدل على مذهب الشيخ وأجاب العلامة عنها بالحمل على

١٦٤

ماشيا أيجزئ ذلك عنه قال نعم.

١٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن عامر بن عميرة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام بلغني عنك أنك قلت لو أن رجلا مات ولم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه فقال نعم أشهد بها عن أبي أنه حدثني أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه رجل فقال يا رسول الله إن أبي مات ولم يحج فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حج عنه فإن ذلك يجزئ عنه.

١٤ ـ عنه ، عن صفوان ، عن حكم بن حكيم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة هل يجزئ ذلك ويكون قضاء عنه ويكون الحج لمن حج ويؤجر من أحج عنه فقال إن كان

ما إذا تعلق النذر بحج الإسلام وهو بعيد.

قال سيد المحققين : وبالجملة فالقول بالاجتزاء بحج الإسلام وبحج النيابة لا يخلو من قوة وإن كان التعدد أحوط ، ولو عمم الناذر النذر بأن نذر الإتيان بأي حج اتفق قوي القول بالاجتزاء بحج الإسلام وبحج النيابة أيضا انتهى كلامهرحمه‌الله ولا يخفى متانته.

لكن يمكن أنه يقال : إن المفروض في الرواية تعلق النذر بالمشي إلى بيت الله لا بالحج ماشيا والحج لم يتعلق النذر به فلا مانع من انصرافه إلى حج الإسلام أو حج النيابة والله يعلم.

الحديث الثالث عشر : مجهول. ويدل على أن كل من حج عن الميت تبرأ ذمته كما هو مذهب الأصحاب ، وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في الميت بين أن يخلف ما يحج به عنه وغيره ، ولا في المتبرع بين كونه وليا أو غيره وهذا الحكم مقطوع به في كلامهم.

بل قال في التذكرة : إنه لا يعلم فيه خلافا.

الحديث الرابع عشر : حسن.

١٦٥

الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا وأجر الذي أحجه.

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن رفاعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها أيقضى عنه قال نعم.

١٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن رفاعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل والمرأة يموتان ولم يحجا أيقضى عنهما حجة الإسلام قال نعم.

١٧ ـ محمد بن يحيى رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل عن رجل مات وله ابن لم يدر أحج أبوه أم لا قال يحج عنه فإن كان أبوه قد حج كتب لأبيه نافلة وللابن فريضة وإن كان أبوه لم يحج كتب لأبيه فريضة وللابن نافلة.

قوله عليه‌السلام : « غير صرورة » أي لم يكن الحج واجبا عليه ، ومعنى الإجزاء عنه أنه يجزى عنه حتى يستطيع كما مر.

وقال الفيروزآبادي :أجره يأجره ويأجره جزاه كأجره وأجر في أولاده أي ماتوا فصانوا أجره.

الحديث الخامس عشر : صحيح. ومضمونه مجمع عليه بين الأصحاب.

الحديث السادس عشر : موثق كالصحيح.

الحديث السابع عشر : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « فإن كان أبوه قد حج » لعله محمول على أنه لم يترك سوى ما يحج به وليس للولد مال غيره فلو كان الأب قد حج يكون الابن مستطيعا بهذا المال ولو لم يكن قد حج كان يلزمه صرف هذا المال في حج أبيه فيجب على الولد أن يحج بهذا المال ويردد النية بين والده ونفسه فإن لم يكن أبوه حج كان لأبيه مكان الفريضة وإلا فللابن فلا ينافي هذا وجوب الحج على الابن مع الاستطاعة بمال آخر لتيقن البراءة.

١٦٦

١٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو أن عبدا حج عشر حجج كانت عليه حجة الإسلام أيضا إذا استطاع إلى ذلك سبيلا ولو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام ولو أن مملوكا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه فريضة الإسلام إذا استطاع إليه سبيلا.

(باب)

(من لم يحج بين خمس سنين)

١ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان ، عن ذريح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من مضت له خمس سنين فلم يفد إلى ربه وهو موسر إنه لمحروم.

٢ ـ علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن عبد الله بن حماد ، عن عبد الله بن سنان ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن لله مناديا ينادي أي عبد أحسن الله إليه وأوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله إن ذلك لمحروم.

الحديث الثامن عشر : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لو أن عبدا حج عشر حجج » أي مندوبا بدون الاستطاعة وليس المراد بالعبد المملوك كما سيأتي.

باب من لم يحج بين خمس سنين

الحديث الأول : موثق. ويدل على تأكد استحباب الحج في كل خمس سنين.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « نوافله » أي زوائد رحمة الله وعطاياه.

١٦٧

(باب)

(الرجل يستدين ويحج)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي طالب ، عن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل يحج بدين وقد حج حجة الإسلام قال نعم إن الله سيقضي عنه إن شاء الله.

٢ ـ أحمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال قلت له هل يستقرض الرجل ويحج إذا كان خلف ظهره ما يؤدى عنه إذا حدث به حدث قال نعم.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الملك بن عتبة قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل عليه دين يستقرض ويحج قال إن كان له وجه في مال فلا بأس.

٤ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي همام قال قلت للرضاعليه‌السلام الرجل يكون عليه الدين ويحضره الشيء أيقضي دينه أو يحج قال يقضي ببعض ويحج ببعض قلت فإنه لا يكون إلا بقدر نفقة الحج فقال يقضي سنة ويحج سنة فقلت أعطي المال من ناحية السلطان قال لا بأس عليكم.

باب الرجل يستدين ويحج

الحديث الأول : صحيح ولعله محمول على ما إذا كان له وجه لأداء الدين لما سيأتي.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

١٦٨

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن وهب ، عن غير واحد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام يكون علي الدين فيقع في يدي الدراهم فإن وزعتها بينهم لم يبق شيء أفأحج بها أو أوزعها بين الغرام فقال تحج بها وادع الله أن يقضي عنك دينك.

٦ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ، عن البرقي ، عن جعفر بن بشير ، عن موسى بن بكر الواسطي قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرجل يستقرض ويحج فقال إن كان خلف ظهره مال إن حدث به حدث أدي عنه فلا بأس.

(باب)

(الفضل في نفقة الحج)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لو أن أحدكم إذا ربح الربح أخذ منه الشيء فعزله فقال هذا للحج وإذا ربح أخذ منه وقال هذا للحج جاء إبان الحج وقد اجتمعت له نفقة عزم الله فخرج ولكن أحدكم يربح الربح فينفقه فإذا جاء إبان الحج أراد أن يخرج ذلك من رأس ماله فيشق عليه.

الحديث الخامس : مرسل كالحسن. وقال في النهاية :الغرام» جمع الغريم كالغرماء وهم أصحاب الدين وهو جمع غريب انتهى(١) .

ولعله محمول على عدم مطالبة الغرماء.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

باب القصد في نفقة الحج

أقول : القصد رعاية الوسط بين الإسراف والتقتير.

الحديث الأول : موثق.

قوله عليه‌السلام : « إبان الحج » هو بالكسر والتشديد وقته وقوله « عزم الله »

__________________

(١) النهاية لابن الأثير : ج ٤ ص ٣٦٦.

١٦٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن شيخ رفع الحديث إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال له يا فلان أقلل النفقة في الحج تنشط للحج ولا تكثر النفقة في الحج فتمل الحج.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ربعي بن عبد الله قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كان علي صلوات الله عليه لينقطع ركابه في طريق مكة فيشده بخوصة ليهون الحج على نفسه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الهدية من نفقة الحج.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال هدية الحج من الحج.

إما برفع الجلالة أي عزم الله له ووفقه للحج ، أو بالنصب أي قصد الله والتوجه إلى بيته.

الحديث الثاني : مرفوع. ويدل على استحباب إقلال النفقة في الحج ، ويمكن حمله على ما إذا كان مقلا كما هو ظاهر الخبر أو على القصد وعدم الإكثار بقرينة المقابلة.

الحديث الثالث : موثق. كالصحيح. والخوص ورق النخل ، والواحدة خوصة

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « هدية الحج » لعل المعنى أن ما يهدي إلى أهله وإخوانه بعد الرجوع من الحج له ثواب نفقة الحج ، أو أنه ينبغي أن يحسب أولا عند نفقة الحج الهدية أيضا أو لا يزيد في شراء الهدية على ما معه من النفقة ولعل الكليني حمله على هذا المعنى والأول أظهر.

الحديث الخامس : مجهول.

١٧٠

(باب)

(أنه يستحب للرجل أن يكون متهيئا للحج في كل وقت)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسن زعلان ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن حماد بن طلحة ، عن عيسى بن أبي منصور قال قال لي جعفر بن محمدعليهما‌السلام يا عيسى إني أحب أن يراك الله عز وجل فيما بين الحج إلى الحج وأنت تتهيأ للحج.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عثمان ومحمد بن أبي حمزة وغيرهما ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من اتخذ محملا للحج كان كمن ربط فرسا في سبيل الله عز وجل.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن حمزة بن يعلى ، عن بعض الكوفيين ، عن أحمد بن عائذ ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من رجع من مكة وهو ينوي الحج من قابل زيد في عمره.

(باب)

(الرجل يسلم فيحج قبل أن يختتن)

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إبراهيم بن ميمون ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يسلم فيريد أن يحج وقد حضر الحج أيحج أو

باب أنه يستحب للرجل أن يكون متهيئا للحج في كل وقت

الحديث الأول : مجهول.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

الحديث الثالث : مرسل.

باب الرجل يسلم فيحج من قبل أن يختتن

الحديث الأول : مجهول.

١٧١

يختتن قال لا يحج حتى يختتن.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة فأما الرجل فلا يطوف إلا وهو مختتن.

(باب)

(المرأة يمنعها زوجها من حجة الإسلام)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن امرأة لها زوج أبى أن يأذن لها أن تحج ولم تحج حجة الإسلام فغاب زوجها عنها وقد نهاها أن تحج قال لا طاعة له عليها في حجة الإسلام فلتحج إن شاءت.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المرأة تخرج مع غير ولي قال لا بأس فإن كان لها زوج أو ابن أخ قادرين على أن يخرجا معها وليس لها سعة فلا ينبغي لها أن تقعد ولا ينبغي

قوله عليه‌السلام : « حتى يختتن » اشتراط الاختتان في الرجل مقطوع به في كلام الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس : أنه توقف في هذا الحكم.

وقيل : يسقط مع التعذر ، وربما احتمل اشتراطه مطلقا.

الحديث الثاني : حسن.

باب المرأة يمنعها زوجها من حجة الإسلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور وعليه الأصحاب.

الحديث الثاني : حسن. وقال سيد المحققين بعد هذه الرواية : وأما مقتضى هذه الروايات الاكتفاء في المرأة بوجود الرفقة المأمونة وهي التي يغلب ظنها بالسلامة معها فلو انتفى الظن المذكور بأن خافت على النفس أو البضع أو العرض

١٧٢

لهم أن يمنعوها.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن امرأة لها زوج وهي صرورة لا يأذن لها في الحج قال تحج وإن لم يأذن لها.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج فقال نعم إذا كانت مأمونة.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن معاوية قال سألت أبا عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن المرأة الحرة تحج إلى مكة بغير ولي فقال لا بأس تخرج مع قوم ثقات.

ولم يندفع ذلك إلا بالمحرم اعتبر وجوده قطعا لما بالتكليف بالحج مع الخوف من فوات شيء من ذلك من الحرج والضرر.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « إذا كانت مأمونة » ظاهره أن هذا الشرط لعدم جواز منع أهاليها من حجها فإنهم إذا لم يعتمدوا عليها في ترك ارتكاب المحرمات وما يصير سببا لذهاب عرضهم يجوز لهم أن يمنعوها إذا لم يمكنهم بعث أمين معها ، ويحتمل أن يكون المراد مأمونة عند نفسها أي آمنة من ذهاب عرضها فيوافق الأخبار الآخرة.

الحديث الخامس : حسن.

١٧٣

(باب)

(القول عند الخروج من بيته وفضل الصدقة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، عن آبائهعليهم‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر يقول اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي إلا أعطاه الله ما سأل.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن الحارث بن محمد الأحول ، عن بريد بن معاوية العجلي قال كان أبو جعفرعليه‌السلام إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال اللهم إني أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي الشاهد منا والغائب اللهم احفظنا واحفظ علينا اللهم اجعلنا في جوارك اللهم لا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك.

باب القول عند الخروج من بيته وفضل الصدقة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « وأمانتي » قال في النهاية : فيه « استودع الله دينك وأمانتك » أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم وما(١) الذي تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك انتهى(٢) .

ويحتمل أن يكون المراد ما ائتمنه الناس عليها من ودائعهم وبضائعهم وأشباهها عنده ، وقيل أي ديني الذي ائتمنتني عليها.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « علينا » كان « على » تعليلية أي احفظ لنا ما يهمنا أمره.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في النهاية : ومالك الذي.

(٢) النهاية لابن الأثير : ج ١ ص ٧١.

١٧٤

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أيكره السفر في شيء من الأيام المكروهة الأربعاء وغيره فقال افتتح سفرك بالصدقة واقرأ آية الكرسي إذا بدا لك.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام تصدق واخرج أي يوم شئت.

(باب)

(القول إذا خرج الرجل من بيته)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم قال حدثنا صباح الحذاء قال سمعت موسى بن جعفرعليه‌السلام يقول لو كان الرجل منكم إذا أراد السفر قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن لحفظه الله وحفظ ما معه وسلمه وسلم ما معه وبلغه وبلغ ما معه قال ثم قال يا صباح أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه قلت بلى جعلت فداك.

الحديث الثالث : حسن. ويدل على أن الصدقة وقراءة آية الكرسي تدفعان نحوسة الأيام والساعات المنحوسة.

الحديث الرابع : صحيح.

باب القول إذا خرج الرجل من بيته

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « أما ترى » (١) أي إنما ذكرت ما معه ودعوت له لذلك.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي « اما رأيت ».

١٧٥

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى جميعا ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج وهو ـ لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ثم قل اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد ومن كل شيطان مريد ثم قل بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفي سبيل الله اللهم إني أقدم بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله في سفري هذا ذكرته أو نسيته اللهم أنت المستعان على الأمور كلها وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم هون علينا سفرنا واطو لنا الأرض

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « كن لي جارا » أي مجيرا وحافظا و « الباء » في بسم الله للاستعانة أي أخرج مستعينا بأسماء الله تعالى لا بغيرها أو به تعالى بأن يكون ذكر الاسم للتفخيم.

قوله عليه‌السلام : « إني أقدم » أي أقدم الآن وأذكر ما شاء الله وبسم الله قبل أن أنساهما عند فعل أو أذكرهما وأتركهما لعجلتي في أمر ، والحاصل أنه لما كان قول هذين القولين مطلوبا عند كل فعل فأنا أقولهما في أول سفري تداركا لما عسى أن إنسي أو أترك.

قوله عليه‌السلام : « ما شاء الله » قال البيضاوي : أي الأمر ما شاء الله أو ما شاء الله كائن ، على أن « ما » موصولة أو « أي شيء » شاء الله كائن على أنها شرطية والجواب محذوف.

قوله عليه‌السلام : « واطو لنا » لعله كناية عن تسهيل السير في السفر ويحتمل الحقيقة أيضا.

١٧٦

وسيرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك اللهم أصلح لنا ظهرنا وبارك لنا فيما رزقتنا «وَقِنا عَذابَ النَّارِ » اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد اللهم أنت عضدي وناصري بك أحل وبك أسير اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل بما يرضيك عني اللهم اقطع عني بعده ومشقته واصحبني فيه واخلفني في أهلي بخير ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني عبدك

وقال في المغرب :« الظهر » خلاف البطن ويستعار للدابة أو الراحلة.

وقال الفيروزآبادي :« الوعثاء » المشقة ووعث الطريق كسمع وكرم تعسر سلوكه.

وقال« الكأب والكأبة والكآبة » الغم وسوء الحال وانكسار من حزن.

وقال في النهاية : فيه « أعوذ بك من كابة المنقلب » الكآبة : تغير النفس بالانكسار من شدة الهم والحزن ، والمعنى أن يرجع من سفره بأمر يحزنه إما أصابه في سفره وإما قدم عليه مثل أن يعود غير مقضي(١) المرام أو أصابت ماله آفة أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو قد فقد بعضهم انتهى(٢) .

وقال الفيروزآبادي :« المنظر والمنظرة » ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك انتهى.

وهذه الفقرة كالمؤكدة لسابقتها. أي أعوذ بك من أن أرى بعد عودي في أهلي أو مالي أو ولدي ما يسوؤني.

قوله عليه‌السلام : « هذه (٣) حملانك » أي هذه الدواب أنت رزقتنيها وحملتني عليها ووفقتني ركوبها.

قال في النهاية « الحملان » مصدر حمل يحمل حملانا(٤) .

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في النهاية : مقضى الحاجة. أو.

(٢) النهاية لابن الأثير : ج ٤ ص ١٣٧.

(٣) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي « وهذا حملانك ».

(٤) النهاية لابن الأثير : ج ١ ص ٤٤٣.

١٧٧

وهذا حملانك والوجه وجهك والسفر إليك وقد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي وكن عونا لي عليه واكفني وعثه ومشقته ولقني من القول والعمل رضاك فإنما أنا عبدك وبك ولك فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » بسم الله والله أكبر فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل ـ الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله سبحان الله «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » اللهم أنت الحامل على الظهر والمستعان على الأمر اللهم بلغنا بلاغا يبلغ إلى خير بلاغا يبلغ إلى مغفرتك ورضوانك اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا حافظ غيرك.

وقال في المنتقى : « الحملان » مصدر ثان لحمل يحمل يقال : حمله يحمله حملانا ذكر ذلك جماعة من أهل اللغة.

وفي القاموس : ما يحمل عليه من الدواب في الهيئة خاصة.

والظاهر هنا إرادة المصدر فيكون في معنى قوله بعد ذلك أنت الحامل على الظهر ولا يخفى أن ما ذكرنا أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وجهك » أي جهة أمرت بالتوجه إليها.

قوله عليه‌السلام : « وبك ولك » أي أستعين في جميع أموري بك واجعل أعمالي كلها خالصة لك.

قوله عليه‌السلام : « واستوى » الواو بمعنى أو.

قوله عليه‌السلام : « مقرنين » أي مطيقين.

قوله عليه‌السلام : « أنت الحامل » أي أنت تحملنا على الدابة وبتوفيقك وتيسيرك تركب عليها ، أو أنت الحافظ والحامل حال كوننا على الدابة فاعتمادنا في الحفظ عليك لا عليها.

قوله عليه‌السلام : « لا طيرا لا طيرك » أي لا تأثير للطيرة إلا طيرتك أي ما قدرت لكل

١٧٨

(باب الوصية)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبي يقول ما يعبأ من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال خلق يخالق به من صحبه أو حلم يملك به من غضبه أو ورع يحجزه عن محارم الله.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما يعبأ من يسلك هذا

أحد فأطلق عليه الطيرة على المشاكلة ، أو لا شر يعتد به إلا شر ينشأ منك أي عذابك على سياق الفقرة اللاحقة ، أو ما ينبغي أن يحرز عنه هو ما نهيت عنه ما يتطير به الناس.

وقال الجوهري : الطير اسم من التطير ، ومنه قولهم لا طير إلا طير الله كما يقال لا أمر إلا أمر الله.

باب الوصية

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « ما يعبأ من يؤم » في الفقيه ما يعبأ بمن يؤم وهو أظهر فيكون على بناء المفعول. قال الجوهري : ما عبأت بفلان عبأ أي ما باليت به ، وعلى ما في نسخ الكتاب لعله أيضا على بناء المفعول على الحذف والإيصال ، أو على بناء الفاعل على الاستفهام الإنكاري أي شيء يصلح ويهيئ لنفسه.

قال الجوهري : « عبأت الطيب » هيئاته وصنعته وخلطته ، وعبأت المتاع هيئاته وكذا الكلام في الخبر الثاني« والمخالقة » المعاشرة« والحجر » المنع : والفعل كينصر.

الحديث الثاني : صحيح.

١٧٩

الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الصحبة لمن صحبه.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك وكف لسانك واكظم غيظك وأقل لغوك وتفرش عفوك وتسخو نفسك.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن حفص ، عن أبي الربيع الشامي قال كنا عند أبي عبد اللهعليه‌السلام والبيت غاص بأهله فقال ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه ومخالقة من خالقه.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن آبائهعليهم‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الرفيق ثم السفر وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « لا تصحبن في سفرك من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك ».

الحديث الثالث : حسن. وقال في المنتقى : قال الجوهري :فرشت الشيء أفرشه بسطته ، ويقال : « فرشه » إذا أوسعه إياه ، وكلا المعنيين صالح لأن يراد من قوله تفرش عفوك إلا أن المعنى الثاني يحتاج إلى تقدير.

الحديث الرابع : مجهول. وفي القاموس :منزل غاص بالقوم ممتلئ بهم.

وفي المغرب :« الممالحة » المؤاكلة ومنها قولهم بينهما حرمة الملح والممالحة وهي المراضعة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « من لا يرى » قال الوالد العلامة أي أصحب من يعتقد أنك أفضل منه كما تعتقد أنه أفضل منك ، وهذا من صفات المؤمنين.

أقول : ويحتمل أن يكون الفضل بمعنى التفضل والإحسان وما ذكره (ره) أظهر.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417