مرآة العقول الجزء ٢٠

مرآة العقول12%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 465

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 465 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 34560 / تحميل: 4494
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

حازم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت قال ينتظر بذلك انقضاء عدتها وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي الحسنعليه‌السلام في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها قال قد انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدة عليها منه.

٥ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سأله رجل عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب يتزوج كل واحد منهما امرأة وأمهرها خمرا وخنازير ثم أسلما فقال النكاح جائز حلال لا يحرم من قبل الخمر ولا من قبل الخنازير قلت فإن أسلما قبل أن يدفع إليها الخمر والخنازير فقال إذا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منه ، ولا فرق بين ذلك بين أن يكون كتابيا أو وثنيا ، ففي الوثني موضع وفاق وفي الكتابي هو أصح القولين.

وقال الشيخ في النهاية : وكتابي الأحبار إن كان الزوج عمل بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا غير أنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها ، استنادا إلى رواية جميل ، والعجب أنه في الخلاف وافق الجماعة على انفساخ النكاح لخروجها من العدة محتجا بإجماع الفرقة. واعلم أنه على قول الشيخ لا فرق بين قبل الدخول وبعده لتناول الأدلة للحالتين ، وربما يفهم من عبارة بعض الاختصاص بما بعد الدخول.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : ضعيف كالموثق.

إذا عقد الذميان على ما لا يملك في شرعنا كالخمر والخنزير صح ، فإن أسلما أو أحدهما قبل التقابض لم يجز دفع المعقود عليه لخروجه عن ملك المسلم ، والمشهور أنه يجب القيمة عند مستحيلة وقيل بوجوب مهر المثل ، وهذا الخبر

٢٠١

أسلما عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك ولكن يعطيها صداقها.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام لزوجها أسلم فأبى زوجها أن يسلم فقضى لها عليه نصف الصداق وقال لم يزدها الإسلام إلا عزا.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبد الله بن هلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في مجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه كيف يصنع قال يمسك أربعا ويطلق ثلاثا.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس قال الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم امرأته قال هي امرأته يكون عندها بالنهار ولا يكون عندها بالليل قال فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن رومي بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الأخير أظهر ويمكن حمله على الأول جميعا.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

ولعله محمول على التقية بقرينة الراوي ، ومنهم من حمله على الاستحباب وفيه ما فيه ، والمشهور عدم المهر مطلقا إذا كان قبل الدخول.

الحديث السابع : مجهول.

والمشهور بل المتفق عليه أن الكافر إذا أسلم عن أكثر من أربع يختار أربعا وينفسخ عقد البواقي ، ويمكن أن يقرأ يطلق من باب الأفعال أو يحمل على التطليق اللغوي.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

الحديث التاسع : ضعيف.

وقال الفيروزآبادي :الدن : الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر.

٢٠٢

دنا من خمر وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها قال ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنازير فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها وهما على نكاحهما الأول.

( باب الرضاع )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن الرضاع فقال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبان بن عثمان عمن حدثه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام عرضت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب الرضاع

الحديث الأول : حسن.

ومضمونه متواتر مقطوع به بين الخاصة والعامة ، وإنما يدل على تحريم ما كان شبيها بالنسب من الرضاع لا بالمصاهرة كما توهم جمع من المتأخرين ،والرضاع بكسر الراء ويفتح.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « عرضت » على بناء المجهول ، ويحتمل صيغة المتكلم من المعلوم ويؤيد الأول ما رواه مسلم بإسناده عن حميد بن عبد الرحمن قال : سمعت أم سلمة

٢٠٣

ابنة حمزة فقال أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاع.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في ابنة الأخ من الرضاع لا آمر به أحدا ولا أنهى عنه وإنما أنهى عنه نفسي وولدي وقال عرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوج ابنة حمزة فأبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال هي ابنة أخي من الرضاع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تقول : أين أنت يا رسول الله عن ابنة حمزة أو لا تخطب ابنة حمزة بن عبد المطلب ، قال : إن حمزة أخي من الرضاعة.

ويؤيد الثاني ما رواه أيضا مسلم بإسناده عن ابن عبد الرحمن عن عليعليه‌السلام « قال : قلت : يا رسول الله ما لك تنوق في قريش وتدعنا؟ قال : وعندكم شيء؟

قلت : نعم ابنة حمزة فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنها ابنة أخي من الرضاعة ، قال عياض تنوق بفتح النون وشد الواو معناه تختار ، والتنوق المبالغة في اختيار الشيء فحذفت إحدى التائين قال عياض : عرض على ذلك يحتمل أنه لم يعلم أن اللبن لفحل واحد أو أنه أخوه من الرضاعة ، وقال القرطبي : والأول بعيد. انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون نزل حكم تحريم الرضاع في ذلك الوقت ، ولم يطلععليه‌السلام بعد عليه ، أو إنما سأل ذلك ليظهر للناس سبب إعراضهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحديث الخامس : حسن.

ولعله محمول على التقية كما يشعر سياق الخبر أو على ما إذا لم يتحقق شرائط التحريم.

٢٠٤

( باب )

( حد الرضاع الذي يحرم )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن علي بن يعقوب ، عن محمد بن مسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب حد الرضاع الذي يحرم

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

واختلف الأصحاب في حد الرضاع المحرم ، لإطلاق الآية واختلاف الروايات. فذهب المفيد وسلار وابن البراج وابن حمزة والعلامة في المختلف والأكثر أن عشر رضعات تحرم ، وذهب الشيخ والمحقق وجماعة إلى خمس عشرة رضعة ، وذهب ابن الجنيد إلى الاكتفاء برضعة كاملة ، ولا خلاف في نشر التحريم بما أنبت اللحم وشد العظم ، وقال الأكثر : المرجع في ذلك إلى قول أهل الخبرة ، ويشكل بأن الرضعة الواحدة أيضا تنبت العظم واللحم ، ولذا قيل : إن المرجع في ذلك إلى العرف ، وهو أيضا غير مضبوط ، والأظهر أن الغرض عدم تحقق التحريم بالرضعات القليلة ردا على العامة القائلين بتحقق التحريم بمسمى الرضاع لظاهر الآية ، ثم بينوا ذلك في الأخبار الأخر بخمس عشرة وأشباهه ، وقد ورد في روايات المخالفين أيضا ما يوافق رواياتنا ، ففي صحيح مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله « أنه قال : لا تحرم الرضعة والرضعتان أو المصة والمصتان » ، ورووا أيضا أن الرضاع المحرم ما نشر اللحم بالراء المهملة أي ما شده وأبقاه ، من نشر الله الميت إذا أحياه ، والمشهور عندنا التحريم بإرضاع يوم وليلة أيضا.

الحديث الثاني : مجهول.

٢٠٥

عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه قال ما أنبت اللحم أو الدم ثم قال ترى واحدة تنبته فقلت أسألك أصلحك الله [ اثنتان ] قال لا فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات.

٣ ـ وعنه ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرضاع أدنى ما يحرم منه قال ما أنبت اللحم والدم ثم قال ترى واحدة تنبته فقلت أسألك أصلحك الله اثنتان فقال لا ولم أزل أعد عليه حتى بلغ عشر رضعات.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن صباح بن سيابة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بالرضعة والرضعتين والثلاث.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زياد القندي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة فقال لا إلا ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم.

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن صفوان بن يحيى قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الرضاع ما يحرم منه؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : « حتى بلغت » يحتمل أن يكونعليه‌السلام سكت بعد العشر تعينه أو قال : نعم كذلك أو قال : لا ، ولم يعد السائل ، ويشكل الاستدلال بهذا الخبر لتلك الاحتمالات وإن كان الأوسط أظهر.

الحديث الثالث : موثق.

الحديث الرابع : مجهول.

الحديث الخامس : حسن أو موثق على الظاهر.

الحديث السادس : [ حسن على الظاهر وسقط شرحه عن المصنف ].

الحديث السابع : صحيح.

٢٠٦

فقال سأل رجل أبيعليه‌السلام عنه فقال واحدة ليس بها بأس وثنتان حتى بلغ خمس رضعات قلت متواليات أو مصة بعد مصة فقال هكذا قال له وسأله آخر عنه فانتهى به إلى تسع وقال ما أكثر ما أسأل عن الرضاع فقلت جعلت فداك أخبرني عن قولك أنت في هذا عندك فيه حد أكثر من هذا فقال قد أخبرتك بالذي أجاب فيه أبي قلت قد علمت الذي أجاب أبوك فيه ولكني قلت لعله يكون فيه حد لم يخبر به فتخبرني به أنت فقال هكذا قال أبي قلت فأرضعت أمي جارية بلبني فقال هي أختك من الرضاعة قلت فتحل لأخ لي من أمي لم ترضعها أمي بلبنه قال فالفحل واحد قلت نعم هو أخي لأبي وأمي قال اللبن للفحل صار أبوك أباها وأمك أمها.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبد الله بن سنان ، عن عمر بن يزيد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الغلام يرضع الرضعة والرضعتين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « حتى بلغ خمس رضعات » لعلهعليه‌السلام توقف عن الحكم في الخمس وما زاد لأنه ذهب الشافعي وجماعة من العامة إلى أن خمس رضعات يحرمن ، وبالجملة التقية في هذا الخبر ظاهرة.

قوله : « لم يرضعها أمي بلبنه » أي كان من بطن آخر ، ويدل على تحريم أولاد صاحب اللبن على المرتضع وهو اتفاقي.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

ويدل على تحقق التحريم بعشرة رضعات متواليات لاشتراط التوالي في ما روي « في الرضعات القرآن عشرة رضعات محرمات(١) ثم نسخ بخمس معلومة ، ثم توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهي مما يقرأ من القرآن » وقال بعضهم : المذهب أن المصة الواحدة تحرم لقوله تعالى : «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ » ثم إنه لا خلاف في اشتراط التوالي

__________________

(١) في العبارة سقط ، ويمكن أن يكون نظره إلى ما روى المسلم والنسائي وغيرهما عن عائشة أنه قالت : كان في القرآن عشر رضاعات محرمات فنسخت تلاوته ، وفي رواية قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخ بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يقرأ من القرآن ».

٢٠٧

فقال لا يحرم فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال إذا كانت متفرقة [ فلا ].

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنا أهل بيت كبير فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجال والنساء فربما استحيت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه الرضاع وربما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك فما الذي يحرم من الرضاع فقال ما أنبت اللحم والدم فقلت وما الذي ينبت اللحم والدم فقال كان يقال عشر رضعات قلت فهل يحرم عشر رضعات فقال دع ذا وقال ما يحرم من النسب فهو ما يحرم من الرضاع.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم وأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى يبلغ عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس.

( باب )

( صفة لبن الفحل )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن لبن الفحل قال هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين من قال بتعدد الرضعات هنا.

الحديث التاسع : صحيح.

وظاهره أن أخبار العشرة محمولة على التقية.

الحديث العاشر : ضعيف. وقد تقدم القول فيه.

باب صفة لبن الفحل

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « عن لبن الفحل » لعل سؤاله كان عن معنى الفحل فأجابعليه‌السلام

٢٠٨

أخرى فهو حرام.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية قال لا لأنها أرضعت بلبن الشيخ.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن لبن الفحل قال ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام ـ عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي أرضعت فقال اللبن للفحل.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا ثم إنها أرضعت من لبنها غلاما أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة فقال ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأن الفحل من حصل اللبن من وطيه ومن ولده ، فلو تزوج رجل امرأة مرضعة حصل لبنها من زوج آخر لا يكون الزوج الثاني فحلا.

الحديث الثاني : موثق.

وعرض الناس بالفتح : أوساطهم وعامتهم.

الحديث الثالث : حسن.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « اللبن للفحل » يعني لا يحل.

الحديث الخامس : صحيح.

٢٠٩

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أم ولد رجل أرضعت صبيا وله ابنة من غيرها أيحل لذلك الصبي هذه الابنة فقال ما أحب أن تتزوج ابنة رجل قد رضعت من لبن ولده.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن عبيدة الهمداني قال قال الرضاعليه‌السلام ما يقول أصحابك في الرضاع قال قلت كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فرجعوا إلى قولك قال فقال وذلك لأن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي اشرح لي اللبن للفحل وأنا أكره الكلام فقال لي كما أنت حتى أسألك عنها ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا أليس كل شيء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرما على ذلك الغلام قال قلت بلى قال فقال أبو الحسنعليه‌السلام فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات وإنما الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضا يحرم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويدل على أن اتحاد الفحل يكفي في التحريم وإن تعددت المرضعة وعليه الأصحاب.

الحديث السادس : حسن.

وحمل على التحريم وإن كان ظاهره الكراهة.

الحديث السابع : مجهول.

وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل رواية محمد بن عبيدة : فهذا الخبر محمول على أن الرضاع من قبل الأم يحرم من ينسب إليها من جهة الولادة ، وإنما لم يحرم من نسب إليها بالرضاع للأخبار التي قدمناها ، ولو خلينا وظاهرقوله عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » لكنا نحرم ذلك أيضا إلا أنا قد خصصنا ذلك لما قدمنا ذكره من الأخبار وما عداه باق إلى عمومه.

قوله عليه‌السلام : « فما بال الرضاع » لعل فيه تقية.

٢١٠

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مهزيار قال سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثانيعليه‌السلام أن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها فقال لي ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا هو لبن الفحل لا غيره فقلت له [ إن ] الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها فقال لو كن عشرا متفرقات ما حل لك منهن شيء وكن في موضع بناتك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث الثامن : صحيح.

والمشهور بين الأصحاب أنه يحرم أولاد صاحب اللبن على أب المرتضع ولادة ورضاعا ، وذهب الشيخ في المبسوط وجماعة إلى عدم التحريم ، وهذا الخبر حجة المشهور ، وكذا ذهب من قال بحرمة أولاد صاحب اللبن إلى حرمة أولاد المرضعة ولادة ، وأما أولادها رضاعا فالمشهور عدم التحريم ، وذهب الطبرسي (ره) إلى التحريم هنا أيضا لعدم اشتراط اتحاد الفحل عنده.

قوله عليه‌السلام : « من هيهنا يؤتى أن يقول الناس » أي من هيهنا يأتون الناس هذا القول ويقولون به وهو أنهم قد يحكمون على الرجل بأن حرمت عليه امرأته كما إذا أرضعت أم مرأة الرجل من لبن أبيها ولده ، وزوجة أب المرأة ولده ، فإن المرأة حينئذ من أولاد صاحب اللبن فتحرم على زوجها ، لأنه أب المرتضع ، أو المعنى من هيهنا يؤتى ، أي يصاب ويأتي الجهل والغلط على الناس ، ثم فسر ذلك بقولهعليه‌السلام « أن يقول الناس » ثم فسر ذلك« حرمت عليه امرأته » يعني يقولون في تفسير لبن الفحل : إنه هو الذي يصير سببا لتحريم امرأة الفحل عليه ، ثم أضرب عن ذلك كأنه قال : ليس الأمر كما يقولون ، بل هذا الذي ذكرت أنت من إرضاع المرأة لصبي الرجل ونشرة الحرمة إلى امرأة زوجها على ذلك الرجل هو لبن الفحل لا ما يقولون.

٢١١

٩ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن بريد العجلي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً » فقال إن الله تعالى خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه فجرى بذلك الضلع سبب ونسب ثم زوجها إياه فجرى بسبب ذلك بينهما صهر وذلك قوله عز وجل «نَسَباً وَصِهْراً » فالنسب يا أخا بني عجل ما كان بسبب الرجال والصهر ما كان بسبب النساء قال فقلت له أرأيت قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك فقال كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحديث التاسع : صحيح.

واعلم أن لاتحاد الفحل معنيين ، أحدهما أنه لو أرضعته امرأة واحدة الرضاع المعتبر من لبن فحلين بأن أرضعته من لبن فحل واحد بعض الرضعات ثم فارقها الزوج وتزوجت بغيره وأكملت العدد بلبنه فإن ذلك لا ينشر الحرمة بين الولد والمرضعة ، ويتصور فرضه بأن يستقل الولد بالمأكول في المدة المتخللة بين الرضاعين بحيث لا يفصل بينهما رضاع أجنبية ، وادعى العلامة في التذكرة الإجماع على هذا الحكم.

الثاني ـ أنه يشترط اتحاد الفحل في التحريم بين رضيعين فصاعدا ، بمعنى أنه لا بد في تحريم أحد الرضيعين على الآخر كون صاحب اللبن الذي رضعا منه واحدة ، فلو ارتضع أحد الصغيرين من امرأة من لبن فحل ، والآخر منها من لبن فحل آخر لم يثبت التحريم بينهما ، ولو كان الفحل واحدا يحرم بعض على بعض وإن تعددت المرضعات ، وادعى جمع من الأصحاب على هذا الشرط الإجماع ، وذهب الشيخ الطبرسي إلى عدم اشتراطه ، بل يكفي عنده اتحاد المرضعة ، لأنه يكون

٢١٢

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وإنما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم.

١٠ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن عمار الساباطي قال سألت أبا عبد الله ـ عن غلام رضع من امرأة أيحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع قال فقال لا فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة قال فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة قال فقال لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام فاختلف الفحلان فلا بأس.

١١ ـ ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة فقال إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل فإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بينهم إخوة الأم ، والأخبار الكثيرة تدفعه ، وخبر بريد يدل ظاهرا على اشتراطه بالمعنى الأول ، ويدل على أن النسب في الآية إشارة إلى آدمعليه‌السلام والصهر إلى حواء ، فكل ما كان من جهة الرجال فهو نسب ،فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » إشارة إلى ذلك ، فما كان فيه اتحاد الأم دون الفحل فليس من جهة النسب ، بل من جهة الصهر ، وبالجملة فهم الخبر لا يخلو من صعوبة والله يعلم وحججهعليهم‌السلام .

الحديث العاشر : موثق.

ويدل على المشهور ويرد مذهب الطبرسي.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

٢١٣

( باب )

( أنه لا رضاع بعد فطام )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا رضاع بعد فطام.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

باب أنه لا رضاع بعد فطام

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « لا رضاع بعد فطام » حمله بعض الأصحاب على أن المراد بعد المدة التي يجوز ترك الفطام بينها ، أي الحولين فيكون ردا على بعض العامة ، حيث ذهب إلى أن الرضاع بعد الحولين ، بل في الكبير البالغ ينشر الحرمة ، لما رواه عائشة « قالت : جاءت سهل بنت سهيل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله والله إني لأرى في وجه أبي حذيفة ـ وهو زوجها ـ عن دخول سالم مولى أبي حذيفة شيئا قالت : فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أرضعيه فقالت : إنه ذو لحية فقال : أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة ». قال عياض : المعتبر في الرضاع وصول اللبن إلى الجوف ولو بصبه في الحلق ، ولعل رضاع سالم كان هكذا إذ لا يجوز للأجنبي رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء ، وأكثر العامة لم يعملوا بهذا الخبر وطرحوه وبعض آخر حملوه على قضية مخصوصة بسالم.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « قبل أن يفطم » فهم بعض الأصحاب من كلام ابن عقيل اشتراط وقال في المسالك : إذا حلل له ما دون الوطء أو الخدمة كان الوطء

٢١٤

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا رضاع بعد فطام قال قلت جعلت فداك وما الفطام قال الحولان اللذان قال الله عز وجل.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس قال سألته عن امرأة حلبت من لبنها فأسقت زوجها لتحرم عليه قال أمسكها وأوجع ظهرها.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا رضاع بعد فطام ولا وصال في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم الفطام وإن كان في الحولين ، وكلامه وهذا الخبر الذي يمكن أن يستدل به على مذهبه على أن المراد الفطام الشرعي أي قبل أن يستحق الفطام ولا يخفى بعده.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « قال الله » (١) أي في قرآنه «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ »

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

ويمكن أن يستدل به على اشتراط كون الارتضاع من الثدي ، وأمكن كون الحكم بعدم التحريم لعدم تحقق النصاب ، والمشهور اعتبار ذلك ، وذهب ابن الجنيد إلى اشتراط الامتصاص من الثدي ، والكليني حمل الخبر على أن الحكم بعدم التحريم لعدم كون المرتضع ولدا ولذا أورده في هذا الباب ، والصواب أنه لا يمكن الاستدلال به على شيء منهما لقيام الاحتمال الآخر.

الحديث الخامس : حسن أو موثق.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٣٣.

٢١٥

صيام ولا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل ولا تعرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح ولا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل ملك ولا يمين للولد مع والده ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ولا نذر في معصية ولا يمين في قطيعة فمعنى قوله لا رضاع بعد فطام أن الولد إذا شرب من لبن المرأة بعد ما تفطمه لا يحرم ذلك الرضاع التناكح.

( باب )

( نوادر في الرضاع )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي الحسن الماضيعليه‌السلام قال قلت له إني تزوجت امرأة فوجدت امرأة قد أرضعتني وأرضعت أختها قال فقال كم قال قلت شيئا يسيرا قال بارك الله لك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ولا هجرة » يدل على نفي وجوب الهجرة بعد فتح مكة كما هو مختار جماعة من الأصحاب ، ويمكن حمله على نفي الهجرة الكاملة وسائر الفقرات مفسرة في محالها.

قوله : « فمعنى قوله » الظاهر أنه كلام الكليني ومقصوده غير واضح وإن كان ظاهره مختار ابن أبي عقيل ، ويمكن أن يكون المراد اشتراط الحولين في المرتضع أو ولد المرضعة.

باب نوادر في الرضاع

الحديث الأول : حسن.

وسؤالهعليه‌السلام واستفصاله يشعر بأنه إذا كان عدد الرضعات كثيرة يوجب تحريم أخت أحد المرضعتين على الآخر ، وهذا من فروع المسألة التي اختلف فيها ، وهي أن إخوة المرتضع هل يحرمون على أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا؟ وكذا أولاد المرضعة؟ فإن زوج المرأة من أولاد صاحب اللبن رضاعا مع اتحاد الفحل كما هو الظاهر ، ومن أولاد المرضعة رضاعا لو كان به قائل ، لأنه يلزم زيادة الفرع

٢١٦

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاعة فقال ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن العبد الصالحعليه‌السلام قال قلت له أرضعت أمي جارية بلبني قال هي أختك من الرضاع قال فقلت فتحل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على الأصل.

الحديث الثاني : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « ما أحب ». محمول على الحرمة ، للإجماع على تحريم أولاد الفحل والمرضعة على المرتضع إلا أن يحمل على أن قوله من الرضاعة متعلق بكل من الأجنبية والأخوة مع اختلاف الفحل كما إذا أرضعت الرجل امرأة بلبن فحل وأرضعت رجلا آخر بلبن ذلك الفحل ، ثم إن امرأة أخرى بلبن فحل أرضعت الرجل الثاني وامرأة بلبن فحل واحد وفيه خلاف ، ورجح العلامة في القواعد عدم التحريم ، لاختلاف الفحل وفيه إشكال.

أقول : ويحتمل وجهين آخرين :

أحدهما ـ أن يكونقوله « من الرضاعة » قيدا للأخ فقط كما ذكرنا أولا لكن لا تكون المرضعة أم هذا الأخ بل امرأة أجنبية أرضعتهما فيكون مفروض الخبر السابق بعينه.

الثاني ـ أن يكون من الرضاعة قيدا للأخ بأن يكون المعنى لا أحب أن أتزوج بنت امرأة أرضعت أخي من النسب ، وعلى التقديرين يرجع إلى المسألة الخلافية التي مر ذكرها ويكون مؤيدا للقول بعدم التحريم.

الحديث الثالث : مجهول كالصحيح.

٢١٧

لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر قال والفحل واحد قلت نعم هي أختي لأبي وأمي قال اللبن للفحل صار أبوك أباها وأمك أمها.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه قال وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده من غيرها قال لا قلت فنزلت بمنزلة الأخت من الرضاعة قال نعم من قبل الأب.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين إن امرأتي حلبت من لبنها في مكوك فأسقته جاريتي فقال أوجع امرأتك وعليك بجاريتك وهو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله : « أختي » الظاهر هو أخي ، وقد مر في باب حد الرضاع في آخر حديث أبي علي الأشعري هكذا.

الحديث الرابع : حسن.

وقال السيد ـرحمه‌الله ـ : إذا كان للرجل زوجتان أحدهما كبيرة والأخرى صغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاحهما ، لامتناع الجمع في النكاح بين الأم والبنت ، ويدل على التحريم في الجملة حسنة الحلبي وعبد الله بن سنان ، ثم إن كان الرضاع بلبن الزوج حرمتا مؤبدا لصيرورة الصغيرة بنتا له والكبيرة أما لزوجته ، وإن كان الرضاع بلبن غيره ، فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا أيضا ، وإن لم يكن دخل بالكبيرة لم تحرم الصغيرة مؤبدا لأنها ربيبة لم يدخل بأمها فيجدد نكاحها إن شاء.

الحديث الخامس : حسن.

وقال الفيروزآبادي :مكوك كتنور : طاس يشرب به.

قوله عليه‌السلام : « أوجع امرأتك » إما لعدم تحقق الارتضاع من الثدي ، أو لعدم

٢١٨

هكذا في قضاء عليعليه‌السلام .

٦ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي وعبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده قال تحرم عليه.

٧ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتملى ويتضلع وينتهي نفسه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن أبي يحيى الحناط قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن ابني وابنة أخي في حجري وأردت أن أزوجها إياه فقال بعض أهلي إنا قد أرضعناهما قال فقال كم قلت ما أدري قال فأدراني على أن أوقت قال فقلت ما أدري قال فقال زوجه.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كون المرتضع في الحولين أو لعدم تحقق العدد أو للجميع كما مر.

الحديث السادس : حسن.

الحديث السابع : حسن.

ويدل على اشتراط كون كل رضعة كاملة ، فلا يعتبر في العدد الرضعة الناقصة.

قال الشيخ في الاستبصار : تفسير لكل رضعة ، لأنه المعتبر في هذا الباب دون أن يكون المراد بالرضعات المصات ، وقال في المصباح المنير : تضلع من الطعام : امتلأ منه وكأنه ملأ أضلاعه.

الحديث الثامن : مجهول.

ويدل على أنه مع عدم العلم بحصول الرضعات المحرمة يجوز التزويج كما هو مقتضى فتوى الأصحاب.

الحديث التاسع : حسن.

٢١٩

عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن امرأة تزعم أنها أرضعت المرأة والغلام ثم تنكر قال تصدق إذا أنكرت قلت فإنها قالت وادعت بعد بأني قد أرضعتهما قال لا تصدق ولا تنعم.

١٠ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله عليه‌السلام : « ولا تنعم » قال في المغرب : نعم الرجل تنعيما قال : نعم. ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا في قبول شهادة النساء في الرضاع ، فذهب الشيخ في الخلاف وجماعة إلى عدم قبول شهادتهن أصلا لا منضمات ولا منفردات ، وذهب المفيد وسلار وأكثر الأصحاب إلى قبول شهادتهن فيه منضمات ومنفردات ، ثم اختلفوا في العدد المعتبر على أقوال :

الأول ـ أنه لا بد من الأربع على أي حال وهو الأشهر.

والثاني ـ قول المفيد ، وهو شهادة امرأتين مأمونتين في غير الضرورة ، وإن تعذر التعدد فواحدة مأمونة.

الثالث ـ قبول الواحدة مطلقا ذهب إليه ابن أبي عقيل.

الرابع ـ قول ابن الجنيد باعتبار الأربع ، والحكم بشهادة ما نقص عنها بالحساب كما في الوصية ، فإذا عرفت هذا فيمكن أن يستدل للقولين الأوسطين بمفهوم الشرط الواقع في الخبر ، ويمكن حمله على أنها إذا تنكر فهي معتبرة محسوبة في الشهادات لا أنه يمكن الاكتفاء بها.

الحديث العاشر : حسن.

وظاهره الكراهة ، وحمل على الحرمة ، والعم أخو الفحل أو عمه وهكذا أو من ارتضع مع ابنه أو جده وهكذا وكذا الخال على الوجهين.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

١ ـ أسباب ضة الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مبررات النهضة

٣ ـ متى يجب القيام؟

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام

٦ ـ معالم النهضة المقدّسة

٧ ـ أهداف ضة الحسينعليه‌السلام

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

ـ فلسفة الابتلاء.

٢٦١

نهضة الإمام الحسين (ع)

قال الامام الحسين (ع) في وصيته لاخيه محمد بن الحنفية :

إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وانما خرجت أطلب الاصلاح في أمة جدي محمد (ص).

أريد أن آمر بالمعروف وانهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمد (ص) وسيرة أبي علي بن أبي طالب (ع).

وقال الشاعر على لسان الامام الحسين (ع) :

إن كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي ، يا سيوف خذيني

٢٦٢

الفصل السابع

فلسفة النهضة الحسينيّة وأهدافها

* تعريف بالفصل :

قبل الدخول في النهضة الحسينية وأحداثها المختلفة ، لا بدّ لنا من معرفة أسبابها وأهدافها ونتائجها. وهو ما سنعالجه في هذا الفصل.

نبدأ الفصل بالتفريق بين معنى (النهضة) ومعنى الثورة ، ثم نبيّن أسباب النهضة التي واكبت موت معاوية ومجيء يزيد ، وقد تغيرت الأوضاع ومستوى الانحراف عما كانت عليه في عهد الإمام الحسنعليه‌السلام ، وأصبح الإسلام على عتبة الزوال والاضمحلال. فكان لا بدّ لقائد الأمة وهو الحسينعليه‌السلام من القيام بمسؤوليته في التصحيح والأمر بالمعروف. لقد كان تصميم بني أمية من خلال معاوية على تقويض الإسلام ، وفق المستوى النظري والعملي ، فحاولوا الإبقاء على المظهر الخارجي للإسلام كغطاء ، للإجهاض على معانيه وجوهره الداخلي. ومن أهم مظاهر ذلك التغيير إحباط نظام الشورى ، وجبر المسلمين على نظام الملكية الوراثية ، الّذي يحاربه الإسلام ولا يرضى به. فاستلم معاوية الحكم قهرا عن المسلمين ، بالخديعة والمكر والنزاع والخروج على إمام زمانه ، وهو يعلم أنه من الطلقاء الذين ناهضوا هم وآباؤهم الدعوة الإسلامية منذ بزوغها ، والذين لا تجوز لهم الخلافة قطعا ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، الطلقاء وأبناء الطّلقاء».

وقد استخدم معاوية وبنو أمية في حربهم للإسلام ، ولنشر المبادئ المعاكسة للإسلام ، كلّ وسيلة من وسائل الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق للتسلط على المسلمين. وبما أن المسلمين كانوا قد وصلوا إلى وضع معنوي مائع مهلهل ، فقد عملت أساليب بني أمية فعلها فيهم ، واستعبدتهم لأنهم كانوا عبيدا للدنيا ، وكان الدين لعقا على ألسنتهم ، يحوطونه ما درّت معايشهم. لكن أهداف هذه الردّة

٢٦٣

الجديدة ضد الإسلام ، بعد ردّة مسيلمة الكذاب ، لم تدم كثيرا بفضل نهضة الحسينعليه‌السلام وإيقاظه ضمائر المسلمين للدفاع عن دينهم وشريعتهم ، ونبذ أعداء الإسلام المتبرقعين بلباسه ورسمه. فكانت ثورة كربلاء نقطة الانطلاق إلى ثورات مستمرة لم تسكن حتّى قوّضت عرش الأمويين عام ١٣٢ ه‍. وكما يقول الفيلسوف الألماني (ماربين) : «إن الحسين قد أدى الغاية الأساسية من نهضته بأسلوبه الفذّ العبقري ، حتّى أن استشهاده قد قصم عمر تلك الدولة العنصرية إلى أقل من مائة عام ، بينما كان يتوقع لها أن تعيش أضعاف تلك المدة».

وبعد مناقشة أسباب النهضة ومراميها ، نردّ على من زعم أن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في خروجه على يزيد ، وأنه بخروجه شقّ عصا المسلمين ، وهؤلاء نفسهم لم ينسبوا إلى معاوية هذا الحكم حين شقّ عصا الطاعة فعلا وخرج على إمام زمانه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام وحاربه ، وسبّب بذلك تشتت المسلمين وتنازعهم ، وبالتالي أضعف الإسلام والمسلمين إلى يوم الدين.

ثم نردّ على من ادّعى أن الحسينعليه‌السلام قد ألقى بنفسه إلى التهلكة ، إذ لم يكترث بالنصائح العديدة التي وجّهت إليه. كما نردّ على الذين أنكروا عليه حمله نساءه وأطفاله معه إلى كربلاء.

وكما قال بعضهم : لو قدّر هؤلاء الناصحون الأخطار المحيطة بالإسلام في ذلك المنعطف التاريخي الحاسم ، كما قدّرها الحسينعليه‌السلام ، لكان الأولى بهم نصرته بالسيف والسنان ، عن تقديم النصيحة له بالقول واللسان.

وننهي الفصل بلمحة عن «فلسفة الابتلاء». وكيف أن الله يبتلي المؤمنين أكثر من الفاسقين والكافرين ، ليعلي من منزلتهم ويجعلهم قدوة ومنارا للآخرين.

ـ الفرق بين الثورة والنهضة :

المقصود من كلمة (النهضة) في هذا الفصل ، تلك الحركة المدروسة المخططة التي قام بها الإمام الحسينعليه‌السلام ، والتي كان عارفا بمقاصدها ومصمما على خوضها ، مهما كلفّه ذلك من إيثار وبذل وتضحيات.

ولم تكن تلك الحركة وليدة الصدفة والاتفاقات ، ولا نتيجة ردود فعل ولا أحقاد ، بل كانت خطة مقررة ، تسير على خط مرسوم ، من أول حركتها إلى آخر أحداثها ، تنهج على مبدأ راسخ ورسالة ثابتة. خطة رسمها الإمام العظيم ، ذو العقل

٢٦٤

الكبير والقلب الجريء ، لا يبغي من ورائها النتائج الوقتية الآنيّة ، بقدر ما يرمي إلى نتائجها الجسيمة البعيدة المدى.

وبحق لقد كانت شهادة الحسينعليه‌السلام في كربلاء يوم عاشوراء ، المشعل الّذي ألهب الثورة في قلوب المسلمين للحفاظ على عقيدتهم والدفاع عن شريعتهم ، بعد ما أظهرعليه‌السلام حقيقة منتحلي الإسلام ، من الأعوان والحكام. فما لبثت الثورات أن تعاقبت تباعا بعد استشهاد الحسينعليه‌السلام ، حتّى تقوّض عرش بني أمية في قرن من الزمن ، وقد كان مقدّرا له أن يدوم عدة قرون.

١ ـ أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

لم تكن معركة الحق مع الباطل سهلة بسيطة ، بل كانت متشابكة المعالم. وحين استلم عثمان الخلافة طأطأ بنو أمية فرحا ، وعلموا أن الأمر قد توطّد لهم. وفعلا فإن عثمان ـ وهو من وجوه بني أمية ـ قد فعل ما حذّره منه سلفه عمر بن الخطاب ، فعزل الولاة الأكفاء ، واستبدل بهم ولاة من بني أمية ، حتّى صار مروان بن الحكم طريد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمين سرّ الخليفة ، يسرح ويمرح.

ولما تولى الخلافة الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام أصيب بنو أمية بنكسة عارمة ، وخافوا أن يفلت الأمر من أيديهم إلى الأبد ، فقاموا بقيادة زعيمهم معاوية ، الّذي تمركز في الشام ، قاموا بإعلان الحرب على الإمام وخلع الطاعة عن خليفة الإسلام. وبما أنه ليس لهم أي سهم وقدم في الإسلام أمام عليعليه‌السلام . فحاولوا إيهام الرأي العام بأن علياعليه‌السلام له ضلع في مقتل عثمان ، أو أنه متواطئ مع قتلته لأنه لم يقبض عليهم ويحاكمهم.

وفي الواقع إن الّذي قتل عثمان هو معاوية ، لأنه منّاه بالمساعدة العسكرية سرّا ، حتّى إذا أحيط به أسلمه وتخلّى عنه. أما قتلة عثمان ، فإن الأمر لما صار بيد معاوية لم يحاكمهم ولم يقبض عليهم ، فما عدا مما بدا!.

وتنفس بنو أمية الصعداء حين اغتيل عليعليه‌السلام ، فتنادوا لحرب الإمام الحسنعليه‌السلام ، بعد أن فتنوا أصحابه بالأموال ، وأفسدوا ضمائرهم بالآمال.

٢٦٥

فكانت حكمة الحسنعليه‌السلام أن يلوذ بالصلح حقنا للدماء. لكن الحسينعليه‌السلام وإن رضي بالصلح طاعة لأخيه الحسنعليه‌السلام ، إلا أنه كان كمن يجدع أنفه بالمقراض ويضرب بالسياط. وظل محترما لعهد الصلح الّذي أمضاه أخوه رغم تخلّي معاوية عنه ، فلم يجد بعد وفاة أخيه أية مصلحة في التحرك ، مادام معاوية حيا.

لكن ما أن هلك معاوية سنة ٦٠ ه‍ حتّى صمم الحسينعليه‌السلام على إعلان النهضة المقدسة ، لتوفّر ظروفها وأسبابها. ومن هذه الظروف تكشير يزيد عن أنيابه للإجهاز على آخر رمق من الإسلام ، ثم تنادي العراقيين لعقد رايتهم تحت لواء الحسينعليه‌السلام . وقد صرّح الحسينعليه‌السلام بأنه لم يبايع معاوية ولن يبايع يزيد ، وأنه يرفض كل حلّ سلمي أو وسط. وحتى لو كان بعض أهل العراق قد شبّ على الشقاق والنفاق والغدر والخيانة ، فكان لا بدّ له كمسؤول عن الدين والإسلام ، من متابعة المسيرة معهم إلى آخر الطريق. لأن من واجبه إقامة الحجة عليهم ، واستيعابهم وعدم التخلي عنهم.

ولم يكن من رأيهعليه‌السلام البقاء في الحجاز ، لأن أهلها لم يكونوا من المتعاطفين معه ، ولا أن يسير إلى اليمن لأنهم لم يثبتوا صلابتهم سابقا. فكان العراق ملجأه الوحيد.

وحتى مع علم الحسينعليه‌السلام بغدر أهل العراق وسرعة تقلّبهم ، وبأن مصيره القتل المعلوم ، إلا أن ذلك لا يسوّغ له شرعا إلا أن يعاملهم على الظاهر ، وينهد إليهم عند الطلب. فكان هو كبش الفداء ، الّذي قدّم نفسه عامدا متعمدا ، قربانا لإحياء دين جده ، إن لم يكن ذلك عاجلا فآجلا.

وكان كلما نصحه أحد من أصحابه ، كأخيه محمّد بن الحنفية أو ابن عمه عبد الله بن عباس أو ابن عمه عبد الله بن جعفر أو غيرهم ، بالبقاء أو المسير إلى جهة أخرى ، كان يشكرهم على نصيحتهم ، ويعتذر لهم بأن ما قضى الله فهو كائن ، وأن مسيره إلى مصرعه ليس بأمره.

وحين قال له ابن الحنفية : فما سبب حملك هذه النسوة معك؟ أجابعليه‌السلام :«قد شاء الله تعالى أن يراهنّ سبايا».

٢٦٨ ـ الدوافع إلى النهضة :

(وقعة كربلاء للشيخ الركابي ص ٧٤)

إن جملة من العوامل دفعت الإمام الحسينعليه‌السلام إلى إعلان نهضته إثر حكم

٢٦٦

يزيد ، منها نقض معاوية لبنود الصلح بتولية يزيد ، ومنها مكاتبة أهل العراق للحسينعليه‌السلام يطلبون منه النهوض.

والسؤال الّذي يطرح نفسه بإلحاح ، هو مدى تأثير دعوة أهل الكوفة للإمامعليه‌السلام للثورة ، وهل إن هذا العامل يعتبر سرّ التحرك الحسيني؟. وما هي الدوافع الحقيقية من تحرك الإمامعليه‌السلام ؟. أهي للشهادة كما صوّرها البعض ، باعتبار أنه يعلم مصيره المحتوم؟ أم لإقامة حكومة إسلامية؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول : إن حركة الإمام الحسينعليه‌السلام هي حركة روحية ، وحاجة نفسية ، كحاجة الإنسان إلى الماء والغذاء. فلو أن الحسينعليه‌السلام لم يكن عالما بمصيره ، لم يكن تحرّكه المندفع من الشعور الذاتي ليتغير عما فعل.

٢٦٩ ـ الأسباب المباشرة وغير المباشرة لنهضة الحسينعليه‌السلام وما هو تكليفه الواقعي والظاهري :

(مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرّم ص ١٩٧)

قال السيد عبد الرزاق المقرّم بعد عرضه لنصائح الأصحاب :

هذه غاية ما وصل إليه إدراك من رغب في تريّثهعليه‌السلام عن السفر إلى العراق.وأبو عبد الله الحسينعليه‌السلام لم تخف عليه نفسيات الكوفيين وما شيبت من الغدر والنفاق ، ولكن ماذا يصنع بعد إظهارهم الولاء والانقياد له والطاعة لأمره ، وهل يعذر أمام الأمة في ترك ما يطلبونه من الإرشاد والانقاذ من مخالب الضلال ، وتوجيههم إلى الأصلح الّذي يرضي الله رب العالمين ، مع أنه لم يظهر منهم الشقاق والخلاف. واعتذارهعليه‌السلام عن المصير إليهم بما جبلوا عليه من الخيانة كما فعلوا مع أبيه وأخيه ، يسبب إثارة اللوم من كل من يبصر ظواهر الأشياء. والإمام المقيّض لهداية البشر أجلّ من أن يعمل عملا يكون للأمة الحجة عليه. والبلاد التي أشاربها ابن عباس وغيره لا منعة فيها ، وما أجرى بسر بن أرطاة مع أهل اليمن يؤكد وهنهم في المقاومة والضعف عن ردّ الباغي.

وبهذا يصرّح الشيخ التستري أعلى الله مقامه ، فإنه يقول : كان للحسينعليه‌السلام تكليفان : واقعي وظاهري.

أما [التكليف الواقعي] الّذي دعاه للإقدام على الموت وتعريض عياله للأسر وأطفاله للذبح مع علمه بذلك ، فالوجه فيه أن عتاة بني أمية قد اعتقدوا أنهم على

٢٦٧

الحق ، وأن عليا وأولاده وشيعتهم على الباطل ، حتّى جعلوا سبّه من أجزاء صلاة الجمعة ، وبلغ الحال ببعضهم أنه نسي اللعن في خطبة الجمعة ، فذكره وهو في السفر فقضاه. وبنوا مسجدا سمّوه (مسجد الذكر) فلو بايع الحسين يزيد وسلّم الأمر إليه لم يبق من الحق أثر ، فإن كثيرا من الناس يعتقد بأن المحالفة لبني أمية دليل استصواب رأيهم وحسن سيرتهم. وأما بعد محاربة الحسين لهم وتعريض نفسه المقدسة وعياله وأطفاله للفوادح التي جرت عليهم ، فقد تبيّن لأهل زمانه والأجيال المتعاقبة أحقيته بالأمر وضلال من بغى عليه.

وأما [التكليف الظاهري] فلأنهعليه‌السلام سعى في حفظ نفسه وعياله بكل وجه ، فلم يتيسّر له وقد ضيّقوا عليه الأقطار ، حتّى كتب يزيد إلى عامله على المدينة أن يقتله فيها ، فخرج منها خائفا يترقّب ، فلاذ بحرم الله الّذي هو أمن الخائف وكهف المستجير ، فجدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلة ولو وجد متعلقا بأستار الكعبة ، فالتزم بأن يجعل إحرامه عمرة مفردة وترك التمتع بالحج ، فتوجه إلى الكوفة لأنهم كاتبوه وبايعوه وأكدوا المصير إليهم لإنقاذهم من شرور الأمويين ، فألزمه التكليف بحسب ظاهر الحال إلى موافقتهم إتماما للحجة عليهم ، لئلا يعتذروا يوم الحساب بأنهم لجؤوا إليه واستغاثوا به من ظلم الجائرين ، فاتّهمهم بالشقاق ولم يغثهم. مع أنه لو لم يرجع إليهم ، إلى أين يتوجه وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟!. وهو معنى قولهعليه‌السلام لعبد الله بن جعفر :

«لو كنت في حجر هامّة من هذه الهوام ، لاستخرجوني حتّى يقتلوني».

٢٧٠ ـ من أسباب نهضة الحسينعليه‌السلام لأحد علماء الأزهر :

(الحسين في طريقه إلى الشهادة للسيد علي بن الحسين الهاشمي ص ١٢)

قال الأستاذ محمّد عبد الباقي سرور ، أحد علماء الأزهر ، في كتابه (الثائر الأول في الإسلام) ص ٧٩ ط مصر :

فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحطّ بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ، ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الوضع ، لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين. وكان سكوته هذا أيضا على

٢٦٨

هذا رضى ، والرضى عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الاسلامية. والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في الجزيرة العربية بل في البلاد الاسلامية كافة ، عن حماية التراث الإسلامي ، لمكانته في المسلمين ولقرابته من رسول رب العالمين ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أعظم المسلمين في ذلك الوقت علما وزهدا وحسبا ومكانة.فعلى هذا الوضع أحسّ بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما أن الّذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

هذا أولا ، وثانيا : إنهعليه‌السلام جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة ، يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد (يزيد بن معاوية). وألحّوا في تكرار هذه الخطابات ، حتّى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي : يا حسين سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلبّ طلبنا وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينيه ، كيف لا يقوم بتلبية النداء!. وعلى هذا الوضع لبّىعليه‌السلام النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنحا نحو العراق.

(أقول) : ولقد فات الأستاذ سرور أن يكمل كلامه المنصف فيقول : وبالحق لو لم يقم الحسينعليه‌السلام بثورته هذه ، لما كانت تقوم للإسلام قائمة من بعده ، لطغيان الباطل وانطفاء شعلة الإسلام.

٢ ـ مبررات النهضة

* مدخل :

يتساءل الكثيرون : لماذا قام الحسينعليه‌السلام بنهضته المباركة ، في حين لزم الحسينعليه‌السلام جانب الصمت؟. والواقع أن الظروف التي صارت في عصر يزيد تختلف كثيرا عن الظروف التي كانت في عهد معاوية. فحين صالح الإمام الحسنعليه‌السلام مكرها ، ثم داس معاوية على وثيقة الصلح ، انكشفت حقيقته لأتباع الحسنعليه‌السلام وقد كانوا مغرورين به ، فأصبحوا مهيئين للثورة ضده أكثر من ذي قبل.

٢٦٩

هذا من ناحية المحكومين ، أما من ناحية الحاكم ، فإن يزيد كان معلنا بالفسق ، بينما معاوية فقد كان متسترا به ، وإن موت معاوية جعل الحسينعليه‌السلام في حلّ من عقد الصلح كل هذا دفع الحسينعليه‌السلام إلى إعلان النهضة المقدسة في وجه الباطل.

يقول أحدهم في هذا المعنى : (مجموعة نفيسة ، ص ٤٤٨ ط إيران)

لما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسينعليه‌السلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، وأبان عن حقه للجاهلين به ، حالا بعد حال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار. فدعا إلى الجهاد وشمّر للقتال ، وتوجّه بولده وأهل بيته من حرم الله وحرم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو العراق ، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.

وقد اقتطعت هذه الفقرات من كتاب (الأئمة الاثنا عشر ـ دراسة تحليلية) للأستاذ عادل الأديب ، من ص ١٠٥ ـ ١٢٣ :

٢٧١ ـ تغير الأوضاع بين عصر الحسنعليه‌السلام وعصر الحسينعليه‌السلام :

إن دور الإمام الحسنعليه‌السلام يختلف عن دور الإمام الحسينعليه‌السلام . ففي مرحلة الإمام الحسينعليه‌السلام ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها ، وأصبح المسلمون في هذه المرحلة يعيشون تجربة الإمام عليعليه‌السلام كمثل أعلى للحكم الإسلامي العادل. وأدركوا أن انتصار بني أمية هو انتصار للإرستقراطية الجاهلية التي ناصبت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه العداء ، والتي جاهدها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قضى عليها ، وأقاموا على أنقاضها دعائم الإسلام.

ولا ندهش إذا كره المسلمون بني أمية وغطرستهم وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ونزوعهم للروح الجاهلية ، والأمويون لم يعتنقوا الإسلام إلا سعيا وراء مصالحهم الشخصية(١) . وهم أول من ابتدع وبشكل سافر في التاريخ الإسلامي نظما وتقاليد بعيدة عن الإسلام ، محاولة منهم التشبّه بملوك الفرس والبيزنطيين ، وحوّلوا الخلافة إلى ملك كسروي وعصب قيصري(٢) .

__________________

(١) تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم ، ج ١ ص ٢٧٨.

(٢) رسالة في معاوية والأمويين للجاحظ ، تحقيق عزة العطار ، ص ١٦.

٢٧٠

٢٧٢ ـ الإسلام على شفا جرف هار :(المصدر السابق ص ١٠٦)

أما بالنسبة لواقع المجتمع الإسلامي ووعيه لقضية الإسلام ، فقد تلخصت نظرة الحسينعليه‌السلام له بالحقيقة التالية : وذلك أن الأمة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن تملك وعيا عقائديا ، وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة رسالية ، أخذت تتضاءل بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة ، التي مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية ، هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يحسّ بكل واحد منها على حدة ، ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ، والواقع الفاسد يتحول إلى فتنة(١) ، كما حدث للحسينعليه‌السلام في زمن يزيد.

٢٧٣ ـ الحسينعليه‌السلام أمام مسؤولية الثورة :(المصدر السابق)

هذه الحقائق هي التي دفعت بالحسينعليه‌السلام لأن يخوض غمار معركة يائسة ، حتّى ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري الآني. فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العاجل ، ولكنه استهدف بعمله هذا أن يهزّ ضمير الأمة ، وأن يعيد للإنسان المسلم همّه الرسالي الكبير ، بعد أن غرق حتّى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة. فرأى الحسينعليه‌السلام أن يشقّ طريقه في وسط الأمة ، وأن يبذل وجوده ، ووجود أصحابه وأهله وذويه ، بعمل فدائي لاهب ، وأن لا يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، إن من دماء الأمة وآلامها ، وإن من قلبه ودمه.

إلا أن الحسينعليه‌السلام بكل ما حفل به من صفات وظروف مواتية ، أدرك أن تحريك الأمة وهزّها ، لا يمكن أن تجدي له الكلمات والخطب الحماسية ، بل لا بدّ من تحريك إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم ، مبرهنا على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل ، بتضحيته الفريدة.

٢٧٤ ـ بين فقدان الثقة وفقدان الإرادة :(المصدر السابق ، ص ١٠٨)

لقد أسرع الحسينعليه‌السلام بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك بأن المجتمع في ظرفه الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني للأفكار المضللة التي روّج لها بنو أمية ، وخوفه من القمع المادي ، وخضوعه الطويل للحكام المستبدين ؛ لا يمكن أن تنبعث فيه مفاهيم الرسالة ، بطريق الحوار الفكري والإقناع ، فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ، ج ٣ ص ٢٦٤.

٢٧١

فيه. ولأن الأمة كما ذكرنا في عصر الإمام الحسنعليه‌السلام قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة ، فكان الصلح أسلوبا تسترجع معه الثقة ؛ أما الأمة في عصر الحسينعليه‌السلام فقد ابتليت بفقدان الإرادة ، وتميّعت فيها إرادة النضال ، وأصبح المسلمون أذلاء مستضعفين ، فهم يدركون بعد الخليفة الأموي عن الإسلام ، وأن الحسينعليه‌السلام هو القائد الحق ، ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الحسينعليه‌السلام ، وكما قيل : «قلوبهم مع الحسين ، وسيوفهم عليه»(١) .

هذا القول الأخير هو تصوير دقيق ومعبّر للمجتمع الّذي وصل إليه الوضع الأموي ، بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل ، فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم ، لإيجاد مختلف الوسائل والمبررات على القعود والاستكانة(٢) .

فالحسينعليه‌السلام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدّرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ، ولكي تكون سوطا لاهبا يدمي ظهور الحكام ، وموقظا بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ، ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري ، وتفاقم شكّها في القيادة الحكيمة ، وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة ، تأخذ أبعادها بوعي من تحديات الشريعة الإسلامية وموقفها الصارم من الإنحراف.

٢٧٥ ـ الحسينعليه‌السلام لا يعبأ بالنصائح والتحذيرات :

وإزاء إصرار الإمامعليه‌السلام على خطة الثورة ، نشطت محاولات كثيرة تنصح الحسينعليه‌السلام بعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يشعل فتيل المواجهة مع يزيد ، بحجة الفشل المحتم لنتائج المواجهة العسكرية المحتملة ، ولكن الإمامعليه‌السلام كان يعرف هدفه جيدا ببصيرته المعصومة ، بأنه سوف ينتصر باستشهاده الفاجع ، ولا يفكر بنتائج الربح العسكري الآني ، مع علمه بقلة العدد وخذلان الناصر : «ألا وإني زاحف بهذه الأسرة ، على قلة العدد وخذلان الناصر».

ولمن يريد أن يفهم الحسينعليه‌السلام في ثورته ، عليه أن يبحث عن أهدافه ونتائج

__________________

(١) القول للفرزدق الشاعر ، انظر الطبري ، ج ٤ ص ٢٩٠.

(٢) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ٢١.

٢٧٢

ثورته ، في غير النصر الآنيّ الحاسم ، وفي غير الاستيلاء على مقاليد الحكم والسلطان.

فالنصوص المتوفرة لدينا تدلّ بصراحة على أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بالمصير الّذي كان ينتظره. ولقد كان يجيب من ينصحه بالمهادنة والسكوت ، ومن يخوفونه بالموت :

«لقد غسلت يدي من الحياة ، وعزمت على تنفيذ أمر الله»(١) .

٢٧٦ ـ محاولة معاوية حرف مبادئ الإسلام على المستويين النظري والعملي :

(المصدر السابق ، ص ١١٧)

لقد مال الإمام الحسنعليه‌السلام من خلال صلحه مع معاوية إلى إيقاف العمل السياسي والعسكري الظاهر ولو مؤقتا ، لكي يسترجع الإمامعليه‌السلام قيادته ، وثقة الجماهير به ، بعد أن ينكشف معاوية أمام الجماهير ، وتتضح معالم أطروحته الجاهلية لها. فمعاوية في أواخر حياته فقد كل رصيده الروحي ، وكل تلك المبررات التي اصطنعها لنفسه ، محاولا تزييفها في نفوس المسلمين.

وحين سيطر معاوية على الحكم نتيجة للهدنة مع الحسنعليه‌السلام بدأ يعمل بدأب من أجل تهديم الإسلام وحرفه ، ومن أجل تثبيت أطروحته وقيادته الجاهلية ، سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.

٢٧٧ ـ تغيير مفاهيم الإسلام :

(المصدر السابق)

أخذ معاوية يعمل على طمس وتشويه النظرية الإسلامية ومحاولة تزييفها ، ولعل أخطر ما توصل إليه الأمويون من طرق التغلب على الشعور الإسلامي الثائر ، وتحطيم ما لأهل البيتعليهم‌السلام من سلطان روحي على المسلمين ؛ وذلك بتخدير شعورهم الديني ، وإيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة ، برادع داخلي هو الدين نفسه.

وتمثلت أساليبه في طمس النظرية الإسلامية وتزييفها بالخطين التاليين :

١) ـ اختلاق الأحاديث وشراء الأحاديث من بعض الذين كان لهم من

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٢٠.

٢٧٣

الاستعداد في ذم عليعليه‌السلام والبراءة منه ، والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابل عطاء كبير. أما بالنسبة للذين أبوا الانصياع لأوامره في الدس والكذب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد نعتهم بالروافض ، لأنهم رفضوا مسايرته وتنفيذ خططه الجاهلية ، وحاول الضغط عليهم وإرهابهم بشتى الوسائل.

فقد كتب معاوية إلى ولاته بعد «عام الجماعة «أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. فقام الخطباء المنافقون في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه. وكان أشد الناس بلاء على حكمه حينئذ أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة الإمامعليه‌السلام ، فاستعمل عليها زياد بن سمية وضم إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة فيقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق(١) .

وقد عملت أحاديث عمرو بن العاص وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وعمرو ابن الزبير عملها السام ، وأعطت ثمارها الخبيثة ، في صورة تسليم تام وخضوع أعمى للحكم الأموي(٢) .

٢) ـ اختلاق الفرق الدينية ذات الأغراض السياسية باسم الإسلام ، لتبرير حكم بني أمية ، بعد أن توضع لها التفسيرات الدينية المضللة ، وتصاغ بأطر إسلامية مزيفة ، تتّخذ اسم (المرجئة) تارة (والجبرية) أخرى ، هادفين من وراء هذا العمل الدنيء لفت أنظار المسلمين عن الثورة.

فمعاوية أول من قال بالفكرة الجبرية ودافع عنها ، وأوهم الناس أنه طالما كل شيء يجري بقضاء الله ، فإن تولّيه الحكم هو بأمر الله ومشيئته ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء. فاعتلاؤه إلى السلطة هو عطاء إلهي ومشروع.

أما المرجئة فكانوا عونا وسندا لحكم معاوية ، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريرا لخلافته ، وإقناعا للمسلمين بوجوب طاعته. وتتلخص فكرتهم في توقّف الحكم

__________________

(١) ثورة الحسينعليه‌السلام في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين ، ص ١٦٤.

(٢) الحركات السرية في الإسلام للذكتور محمود إسماعيل ، ص ٩٣. والمغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار ، ج ٨ ص ٤.

٢٧٤

على فاعل الكبيرة ، وإرجاء أمره إلى الله ، فهو يحاسبه وليس نحن. ويقولون بأن الإيمان تصديق بالقول وليس بالعمل.

ولا غرو فقد تحول معظم المسلمين إلى «الإرجاء «وعنوا بأمورهم الداخلية ، دون النظر إلى نوعية السلطة الحاكمة ، وخاصة عند حدوث الفتن.

ويستند المرجئة لترويج مذهبهم بحديث ينقلونه عن لسان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«ستكون فتن ، القاعد فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ...».

وفعلا نرى أن ظاهرة التخدير الديني أخذت تتمكن من النفوس وتتجاوب معها ، وأخذ الوعي الإسلامي بالانحسار ، حتّى أصبح الإسلام مهددا في وجوده كرسالة للحياة.

٢٧٨ ـ استخدام أساليب الإرهاب والتجويع والتهجير والتفريق ، للتسلط على المسلمين :

(المصدر السابق ، ص ١٢١)

أما على مستوى الأمة التطبيقي ، فقد مارس معاوية ألوانا كثيرة من الإذلال ، ومحاولات دؤوبة لتمييع شخصية الأمة ، وإثارة الضغائن والأحقاد القومية والإقليمية والطبقية داخل المجتمع الإسلامي.

حتّى أننا نشاهد ذلك الإنسان المسلم الّذي حارب بالأمس طاغوت كسرى ، ووقف أمامه متحديا بكل إباء ، وعاش هموم المظلومين والمحرومين في كل أرجاء الأرض ، ينقلب فجأة إلى فرد لا يهمه إلا عطاؤه وطعامه ومصالحه الشخصية الحقيرة.

فبنو أمية استعانوا بكل وسائل القمع والقهر لتبديد قوة الخصوم ، وسحق الجماعات المعارضة لهم بالأساليب التالية :

١ ـ الإرهاب : وكان الرجل ـ على عكس مبدأ الإسلام ـ يؤخذ بمجرد الشبهة ، ويجرى القصاص مع أهل بيته إذا لم يمكن مسكه. وسيرة زياد بن أبيه لم تنس بعد ، فقد خطب في أهل العراق مهددا بأنه سيأخذ البريء بالمسيء. حتّى إذا ردّه حجر بن عديّ في هذا وذكّره بقوله تعالى :( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) [الأنعام : ١٦٤] صنع معه ما صنع ، حتّى كانت حادثة قتل حجر وأصحابه رضي الله عنهم.

٢٧٥

٢ ـ التجويع : فكانت سياسة معاوية تخفيض جرايات أهل العراق وزيادة جرايات أهل الشام ، مبررا عمله هذا بقوله : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزا لي.

٣ ـ الطرد الجماعي والتهجير : فقد حمل زياد بن أبيه والي العراق في زمن معاوية خمسين ألفا من الكوفيين وأجبرهم على النزوح من الكوفة إلى خراسان ، وبذلك حطّم المعارضة في الكوفة وخراسان معا.

٤ ـ إحياء النزعة القبلية والعنصرية : كان يثيرها معاوية لسببين :

الأول : لضمان ولاء القبائل له.

الثاني : لضرب بعضهم ببعض.

ولقد أثار معاوية العصبية العنصرية عند العرب عموما ضد المسلمين غير العرب.

٢٧٩ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٢٣)

ومن هنا رأى الحسينعليه‌السلام أن كل شيء جاهز ، ليطلق الإسلام صيحته في حسم هذا الركام الّذي يغطّ في نوم عميق ، لعلها تشقّ سمعه ولو بعد حين. وكان الحسينعليه‌السلام أول من شقّ طريقه في وسط الأمة ، ورمى بثقله في إصلاح كيانها من الداخل ، ولم يبخل على مسيرته بما تحتاجه من وقود ، من نفسه ومن دماء أصحابه.

٣ ـ متى يجب القيام؟

* مدخل :

كانت دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول أمرها سرّية ، حتّى اجتمعت له مقوّمات معينة لإعلانها على الملأ. ومن أهم هذه المقوّمات وجود الأنصار الصادقين. ولذلك قال الإمام عليعليه‌السلام : «لو تمكّنت من أربعين رجلا ...». وحين اجتمع له الأنصار بعد عثمان قام بالأمر ، وقال في آخر خطبته الشّقشقيّة : «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة (أي خلق الناس) ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء في أن لا يقارّوا على كظةّ ظالم ولا سغب مظلوم ؛ لألقيت حبلها على غاربها ..». أي لو لا هذه الأشياء لأقلعت عن الخلافة وتركتها.

٢٧٦

من هذه الوثيقة المقدسة ، نتعرّف على أسباب النهضة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :

١ ـ وجود الأنصار الملتزمين ، الذين لا يسلمون رئيسهم عند الوثبة.

٢ ـ أن النهضة تكون أكثر تعيّنا على العلماء وهم قادة الحق والدين ، فالله قد أخذ ميثاقهم على إنكار كل ظلم وحيف ، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في ذلك فائدة تحصل ، آنيّة أو مستقبلية.

ومن هذا المنطلق وجد الحسينعليه‌السلام أن الانحراف عن الدين استشرى ، وأنه قد تسلّط على الخلافة أعتى وجوه القوم. فحين آنس من الأنصار القيام ،

لم يتلكأ ساعة عن إعلان النهضة. إنها المسؤولية الشرعية الكبرى التي تقع على كل مسلم ، وعلى كل عالم ، فكيف على إمام الأمة وممثل الإسلام؟!.

وفي مقابل هذه النهضة المبينة ، بدأ الإعلام الأموي يفعل فعله.

٢٨٠ ـ الإعلام الأموي المضاد للثورة :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ص ٢٨ ـ ٣١)

قال الشيخ محمّد مهدي شمس الدين :

لقد تمثلت جهود الأمويين في سبيل تعطيل فعل الثورة في الأمة باتجاهات ثلاثة :

ـ الاتجاه الأول : رفع مسؤولية يزيد عما حدث ، وإلقاء المسؤولية على ابن زياد.تماما كما فعل في كتابه الصغير الّذي وصفه المؤرخون بأنه (أذن فأرة) وقد أرفقه يزيد مع كتابه الكبير إلى الوليد بن عتبة واليه على المدينة ، بأخذ البيعة من أهلها. وجاء في كتابه الصغير : خذ البيعة من الحسينعليه‌السلام ، فإن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. أراد بهذا الكتاب الصغير أيضا تعمية الأمر على الناس وخداعهم وإضاعة المسؤولية.

ـ الاتجاه الثاني : تشويه الثورة ، ومنه إيهام الناس بأن الحسينعليه‌السلام عرض على يزيد أن يضع يده في يده. وهذا محال ينفيه تصريح عقبة بن سمعان. ثم إيهام الناس أن الثورة هي من صنع الخوارج والحرورية.

٢٧٧

ـ الاتجاه الثالث : نزع صفة الشرعية عن الثورة الحسينية ، وأن الحسينعليه‌السلام كان مخطئا في قيامه على يزيد.

وقد صوّب أكثر علماء السنة قيام الحسينعليه‌السلام على الظلم والفساد ، نعطي أمثلة منهم.

٢٨١ ـ تصويب الخارجين على الظلم :

(شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي ، ص ٦٨)

يقول ابن عماد : والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليعليه‌السلام لمخالفيه ، لأنه الإمام الحق. ونقل الاتفاق أيضا على تحسين خروج الحسينعليه‌السلام على يزيد ، وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية ، وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج. ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ، ومنهم من جوّز الخروج على

كل ظالم.

وعدّ ابن حزم خروم الإسلام أربعة : قتل عثمان ، وقتل الحسينعليه‌السلام ، ويوم الحرّة ، وقتل ابن الزبير.

٢٨٢ ـ قول ابن الجوزي :

(ثورة الحسين في الواقع التاريخي والوجدان الشعبي ، ص ٣٢)

قال ابن الجوزي في (السرّ المصون) :

من الاعتقادات العامية التي غلبت على جماعة من المنتسبين إلى السنة أنهم قالوا : كان يزيد على الصواب ، والحسينعليه‌السلام مخطئ في الخروج عليه وإنما يميل إلى هذا جاهل بالسيرة ، عاميّ المذهب ، يظن أنه يغيظ بذلك الرافضة.

٢٨٣ ـ قول الشوكاني :

(نيل الأوطار للشوكاني ، ج ٧ ص ١٤٧)

وقال الشوكاني : لقد أفرط بعض أهل العلم ، فحكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه ، باغ على الخمّير السّكّير الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله. فياللعجب من مقالات تقشعر منها الجلود ، ويتصدّع من سماعها كل جلمود.

٢٧٨

٢٨٤ ـ تأييد نهضة الحسينعليه‌السلام للشيخ محمّد عبده :

(مقتل الحسين للمقرم ، ص ١٣)

قال الشيخ محمّد عبدهرحمه‌الله : إذا وجدت في الدنيا حكومة عادلة تقيم الشرع ، وحكومة جائرة تعطله ، وجب على كل مسلم نصر الأولى وخذل الثانية.

ثم قال : ومن هذا الباب ، خروج الإمام الحسينعليه‌السلام سبط الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمام الجور والبغي ، الّذي ولي أمر المسلمين بالقوة والمكر يزيد بن معاوية ، خذله الله ، وخذل من انتصر له من الكرامية والنواصب(١) . قال تعالى :( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٩) [الحجرات : ٩].

٢٨٥ ـ من الّذي خرج على إمام زمانه؟ :

(أقول) : ولقد دفع التعصب المقيت بعض المؤرخين حتّى إلى تخطئة الإمام الحسينعليه‌السلام في نهضته ، وقالوا : إنه كان يجب عليه أن لا يخرج على إمام زمانه!. سمعت هذا بأذني من إذاعة دمشق في الخمسينات ، في حديث للأستاذ الشهير علي الطنطاوي قبل ارتحاله إلى السعودية. فلقد قال : إن يزيد هو الإمام الواجب الطاعة ، وإن الحسين مخطئ لأنه خرج على إمام زمانه!.

(أقول) : ومتى كان يزيد إمام زمان الحسينعليه‌السلام ؟. ومن الّذي وضعه إماما عليهم ، سواء من أهل الحل والعقد ، أو من أجلّاء الصحابة والتابعين ، من الأنصار والمهاجرين؟. لا بل إن أبناء الصحابة المشهورين كلهم لم يبايعوا يزيد رغم الإنذار والوعيد ؛ أمثال : عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير.وإذا كان لا يجوز القيام ضدّ الفاجر المتسلط يزيد لأنه إمام زمانهم ، فلما ذا قام أهل المدينة بثورتهم ضد يزيد وأخرجوا عامله منها؟ وكانت لهم معه وقعة الحرّة في المدينة ، التي قتل فيها أجلّاء الصحابة والتابعين!. أفهؤلاء كلهم كانوا على خطأ ، ويزيد هو الوحيد الّذي كان على حق ، يا شيخ علي؟!.

__________________

(١) تفسير المنار ، ج ١ ص ٣٦٧ في تفسير سورة المائدة الآية ٣٦ و ٣٧ ؛ وج ١٢ ص ١٨٣ و ١٨٥.

٢٧٩

٤ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله؟

٢٨٦ ـ ما العذر في خروج الحسينعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله؟ :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٥)

قال السيد المرتضى في كتاب (تنزيه الأنبياء) :

فإن قيل : ما العذر في خروج سيد الشهداءعليه‌السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولي عليها أعداؤه والمتأمّر فيها من قبل يزيد اللعين بتسلط الأمر والنهي ، وقد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيهعليهم‌السلام ، وأنهم غادرون خوّانون؟وكيف خالف ظنّه ظنّ جميع نصحائه في الخروج ، وابن عباس يشير عليه بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودّعه يقول له : أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع ، ويعلم الغرور من القوم ويفطن بالحيلة والمكيدة؟ ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها موادّ لها كثيرة؟ ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهل بيته وشيعته ومواليه ، ولم ألقى بيده إلى التهلكة؟. وبدون هذا الخوفسلّم أخوه الحسنعليه‌السلام الأمر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة؟.

يقول السيد محسن الأمين في (لواعج الأشجان) ص ٢١٩ ط نجف :

وقد أجاب السيد المرتضى عن هذا السؤال بما حاصله : إن الحسينعليه‌السلام غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور ، أنه يصل إلى حقه بالمسير ، فوجب عليه ، وذلك بمكاتبة وجوه الكوفة وأشرافها وقرائها ، مع تقدّم ذلك منهم في أيام الحسنعليه‌السلام وبعد وفاته ، وإعطائهم العهود والمواثيق طائعين مبتدئين مكررين للطلب ، مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت وقوتهم عليه وضعفه عنهم ...ثم يقول السيد المرتضى عليه الرحمة : وأما الجمع بين فعله وفعل أخيه الحسنعليه‌السلام فواضح صحيح ، لأن أخاه سلّم (الأمر) كفّا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا (أي الحسين) لمّا قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه ووثق له ، ورأى من أسباب قوة نصّار الحق وضعف نصّار الباطل ،

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465