مرآة العقول الجزء ٢١

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 399

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 399 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 33262 / تحميل: 4325
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

طويلا ثم رفع رأسه فقال له سمه عليا فإنه أطول لعمره فدخلنا مكة فوافانا كتاب من المدائن أنه قد ولد له غلام

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال ما من رجل يحمل له حمل فينوي أن يسميه محمدا إلا كان ذكرا إن شاء الله وقال هاهنا ثلاثة كلهم محمد محمد محمد وقال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام في حديث آخر يأخذ بيدها ويستقبل بها القبلة عند الأربعة الأشهر ويقول اللهم إني سميته محمدا ولد له غلام وإن حول اسمه أخذ منه

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كان له حمل فنوى أن يسميه ـ محمدا أو عليا ولد له غلام

(باب)

( بدء خلق الإنسان وتقلبه في بطن أمه)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان ، عن سلام بن المستنير قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ »(١) فقال المخلقة هم الذر الذين خلقهم الله في صلب

الحديث الثالث : مجهول وآخره مرسل. وربما يؤيد ما أولنا به الخبر الأول.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

باب بدء خلق الإنسان وتقلبه في بطن أمه

الحديث الأول : مجهول.

وقال البيضاوي : «مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » «مُخَلَّقَةٍ » مسواة لا نقص فيها ولا عيب ، «وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » غير مسواة ، أو تامة وساقطة ، أو مصورة وغير مصورة انتهى أقول : على تأويلهعليه‌السلام يمكن أن يكون الخلق بمعنى التقدير أي ما قدر

__________________

(١) سورة الحجّ الآية ـ ٥.

٢١

آدمعليه‌السلام أخذ عليهم الميثاق ثم أجراهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء وهم الذين يخرجون إلى الدنيا حتى يسألوا عن الميثاق وأما قوله «وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ » فهم كل نسمة لم يخلقهم الله في صلب آدمعليه‌السلام حين خلق الذر وأخذ عليهم الميثاق وهم النطف من العزل والسقط قبل أن ينفخ فيه الروح والحياة والبقاء

٢ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز عمن ذكره ، عن أحدهماعليهما‌السلام في قول الله عز وجل : «يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ »(١) قال الغيض كل حمل دون تسعة أشهر وما تزداد كل شيء يزداد على تسعة أشهر فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال قال سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول قال أبو جعفرعليه‌السلام إن النطفة تكون في الرحم أربعين

في الذر أن ينفخ فيه الروح وما لم يقدر.

الحديث الثاني : مرسل.

وقال في مجمع البيان :(٢) «اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى » أي يعلم ما في بطن كل حامل من ذكر أو أنثى تام أو غير تام ، ويعلم لونه وصفاته «وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ » أي يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر «وَما تَزْدادُ » على الأجل ، وذلك أن النساء لا يلدن لأجل واحد ، وقيل : يعني بقوله «ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ » الولد الذي تأتي به المرأة لأقل من ستة أشهر ، وما تزداد الولد الذي تأتي به لأقصى مدة الحمل ، وقيل : معناه ما تنقص الأرحام من دم الحيض ، وهو انقطاع الحيض ، وما تزداد بدم النفاس بعد الوضع.

الحديث الثالث : موثق.

__________________

(١) سورة الرعد الآية ـ ٨.

(٢) المجمع ج ٦ ص ٢٨٠.

٢٢

يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما تخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران فيقولان يا رب شقيا أو سعيدا فيؤمران فيقولان يا رب ما أجله وما رزقه وكل شيء من حاله وعدد من ذلك أشياء ويكتبان الميثاق بين عينيه فإذا أكمل الله له الأجل بعث الله ملكا فزجره زجرة فيخرج وقد نسي الميثاق فقال الحسن بن الجهم فقلت له أفيجوز أن يدعو الله فيحول الأنثى ذكرا والذكر أنثى فقال «إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ».

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل إذا أراد أن يخلق النطفة التي مما أخذ عليها الميثاق في صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يلج فيك

قوله عليه‌السلام : « فإذا كمل أربعة أشهر » المشهور بين الأطباء موافقا لما ظهر من التجارب أن التصوير في الأربعين الثالثة ، ونفخ الروح قد يكون فيها ، وقد يكون بعدها ، وربما يحمل على تحقق ذلك نادرا ، وأما كتابة الميثاق فقيل : كناية عن مفطوريته على خلقة قابلة للتوحيد وسائر المعارف ، ونسيان الميثاق كناية عن دخوله في عالم الأسباب المشتمل على موانع تعقل ما فطر عليه.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « أو ما يبدو له فيه » أي لم يؤخذ عليها الميثاق ، أولا في صلب آدم ، ولكن بدا له ثانيا بعد خروجه من صلبه أن يأخذ عليها الميثاق ، ويحتمل أن المراد به ما فسر غير المخلقة به في الخبر الأول ، فيكون مشاركا للأول في بعض ما سيذكر ، كما أن القسم الأول أيضا قد يسقط قبل كما له ، فلا يجري فيه جميع ما في الخبر ، ويحتمل أيضا أن يراد بالأول من يصل إلى حد التكليف ، ويؤخذ بما أخذ عليه من الميثاق ، وبالثاني من يموت قبل ذلك.

قوله عليه‌السلام : « حرك الرجل » أي بإلقاء الشهوة عليه ، ولعل الإيجاب على

٢٣

خلقي وقضائي النافذ وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان يا رب ما نكتب فيوحي الله إليهما أن ارفعا رءوسكما إلى رأس أمه فيرفعان رءوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه

سبيل الأمر التكويني لا التكليفي ، أي تنفتح بقدرته وإرادته تعالى ، أو كناية عن فطرة إياها على الإطاعة طبعا كما قيل.

قوله عليه‌السلام : « فتردد » بحذف أحد التائين أي تتحول من حال إلى حال.

قوله عليه‌السلام : « فيقتحمان » أي يدخلان من غير استرضاء واختيار لها.

قوله عليه‌السلام : « وفيها روح القديمة » أي الروح المخلوقة في الزمان المتقادم قبل خلق جسده ، وكثيرا ما يطلق القديم في اللغة والعرف على هذا المعنى ، كما لا يخفى على من تتبع كتب اللغة وموارد الاستعمالات ، والمراد بها النفس النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية ، وقيل : في عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية باقية في تلك النشأة وأنها مجردة عن المادة ، وأن النفس النباتية بمجردها لا تبقى.

قوله عليه‌السلام : « ويشقان » الواو لا يدل على الترتيب ، فلا ينافي تأخر النفخ على الخلق الجوارح.

قوله عليه‌السلام : « فيرفعان رؤوسهما » في حل أمثال هذا الخبر مسالك ، فمنهم من آمن بظاهره ووكل علمه إلى من صدر عنه ، وهذا سبيل المتيقن ، ومنهم من يقول : ما يفهم من ظاهره حق واقع ، ولا عبرة باستبعاد الأوهام فيما صدر عن أئمة

٢٤

فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه شقيا أو سعيدا وجميع شأنه قال فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ـ ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك إلا في كل عات أو مارد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله عز وجل إلى الرحم أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فيفتح الرحم باب الولد فيبعث الله إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة

الأنام ، ومنهم من قال : هذا على سبيل التمثيل ، كأنه شبه ما يعلمه تعالى من حاله ومن طينته ، وما يستحقه من الكمالات وما يودع فيه عن مراتب الاستعدادات بمجيء الملكين وكتابتهما على جبهته وغير ذلك.

وقال بعضهم :قرع اللوح جبهة أمه ، كأنه كناية عن ظهور أحوال أمه وصفاتها وأخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها ، كأنه جميعا مكتوبة عليها ، وإنما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية أمها ، ويكتب ذلك على وفق ما ثمة ، للمناسبة التي تكون بينه وبينها ، وذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله إياه ، واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين ، وصفاتهما وأخلاقهما ، لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء من ظهر أبيه فهي حينئذ مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما يناسبهما جميعا بحسب مقتضى ذاته ، وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها ، وأنه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائه بعد ، وفناء صفاته في ربه ، لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والاختيار المجازي ، لكنه لا يشعر بعلمه ، فإن الشعور بالشيء أمر والشعور بالشعور أمر آخر.

٢٥

أخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الخلق قال إن الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق من طين أفاض بها كإفاضة القداح فأخرج المسلم فجعله سعيدا وجعل الكافر شقيا فإذا وقعت النطفة تلقتها الملائكة فصوروها ثم قالوا يا رب أذكرا أو أنثى فيقول الرب جل جلاله أي ذلك شاء فيقولان تبارك «اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ثم توضع في بطنها فتردد تسعة أيام في كل عرق ومفصل ومنها للرحم ثلاثة أقفال قفل في أعلاها مما يلي أعلى الصرة من الجانب

قوله عليه‌السلام : « ورؤيته (١) » أي ما يرى منه ، أو بالتشديد بمعنى التفكر والفهم ،« والعتو » الاستكبار ، ومجاوزة الحد ويقرب فيه المرد.

الحديث الخامس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « كإفاضة القداح » قال الجوهري : القداح : الضرب بها ، والقداح جمع القدح بالكسر ، وهو السهم قبل أن يراش وينصل فإنهم كانوا يخلطونها ويقرعون بها بعد ما يكتبون عليها أسماءهم ، وفي التشبيه إشارة لطيفة إلى اشتباه خير بني آدم بشرهم إلى أن يميز الله الخبيث من الطيب ، كذا ذكره بعض الأفاضل.

أقول : يمكن أن يقرأ القداح بفتح القاف وتشديد الدال ، وهو صانع القدح أفاض وشرع في برئها وتحتها كالقداح فبرأهم مختلفة كالقداح.

قولهعليه‌السلام « فصوروها » لعل العلقة وما بعدها داخلة في التصوير وهذا مجمل لما فصل في الخبر السابق.

قوله عليه‌السلام : « فتردد » لعل ترددها كناية عما يوفيها من مزاج الأم أو يختلط بها من نطفة الخارجة من جميع عروقها ، ثم إنه يحتمل أن يكون نزولها إلى الأوسط والأسفل بعضها لعظم جثتها لا بكلها.

__________________

(١) في الكافي المطبوع « وزينته » لكن المناسب « رويته ».

٢٦

الأيمن والقفل الآخر وسطها والقفل الآخر أسفل من الرحم فيوضع بعد تسعة أيام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع ثم ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر وصرة الصبي فيها مجمع العروق وعروق المرأة كلها منها يدخل طعامه وشرابه من تلك العروق ثم ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر فذلك تسعة أشهر ثم تطلق المرأة فكلما طلقت انقطع عرق من صرة الصبي فأصابها ذلك الوجع ويده على صرته حتى يقع إلى الأرض ويده مبسوطة فيكون رزقه حينئذ من فيه

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل أو غيره قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام جعلت فداك الرجل يدعو للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا قال يدعو ما بينه وبين أربعة أشهر فإنه أربعين ليلة نطفة وأربعين ليلة علقة وأربعين ليلة مضغة فذلك تمام أربعة أشهر ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما نخلق ذكرا أم أنثى شقيا أو سعيدا فيقال ذلك فيقولان يا رب ما رزقه وما أجله وما مدته فيقال ذلك وميثاقه بين عينيه ينظر إليه ولا يزال منتصبا في بطن أمه حتى إذا دنا خروجه بعث الله عز وجل إليه ملكا فزجره زجرة فيخرج وينسى الميثاق

قوله عليه‌السلام : « أسفل من الرحم » أي أسفل موضع منها ، والتهوع تكلف إلهي ، وقال الفيروزآبادي :الطلق : وجع الولادة ، وقد طلقت المرأة طلقا على ما لم يسم فاعله ، والضمير فييده راجع إلى الصبي.

الحديث السادس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ثم يبعث الله » قيل هذا معطوف على قوله « فإنه أربعين ليلة نطفة » فيمكن أن يكون سؤال الملكين في أربعين الثانية ، فإنهما لما شاهدا انتقال النطفة إلى العلقة علما أن الله تعالى أراد أن يخلق منها إنسانا فسألاه عن أحواله والخلق المنسوب إلى الملكين بمعنى التقدير والتصوير والتخطيط كما هو معناه المعروف في اللغة.

٢٧

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة بن أعين قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إذا وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها أربعين يوما وتكون علقة أربعين يوما وتكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقال لهما اخلقا كما يريد الله ذكرا أو أنثى صوراه واكتبا أجله ورزقه ومنيته وشقيا أو سعيدا واكتبا لله الميثاق الذي أخذه عليه في الذر بين عينيه فإذا دنا خروجه من بطن أمه بعث الله إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره فيفزع فزعا فينسى الميثاق ويقع إلى الأرض يبكي من زجرة الملك

(باب)

( أكثر ما تلد المرأة)

١ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن إسماعيل بن عمر ، عن شعيب العقرقوفي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن للرحم أربعة سبل في أي سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد واثنان وثلاثة وأربعة ولا يكون إلى سبيل أكثر من واحد

٢ ـ علي بن محمد رفعه ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل خلق للرحم أربعة أوعية فما كان في الأول فللأب وما كان في الثاني فللأم وما كان

الحديث السابع : صحيح.

باب أكثر ما تلد المرأة

الحديث الأول : مجهول.

الحديث الثاني : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « فللأب » أي لشبهه الولد إذا وقعت فيه ، وكذا البواقي ، فسياق الخبر الثاني لغير ما سيق له الأول من بيان أكثر ما يمكن أن تلد المرأة وإن كان

٢٨

في الثالث فللعمومة وما كان في الرابع فللخئولة

(باب)

( في آداب الولادة)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن السكوني ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام إذا حضرت ولادة المرأة قال أخرجوا من في البيت من النساء لا يكون أول ناظر إلى عورة

يظهر منه ضمنا وتلويحا.

باب في آداب الولادة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « لا تكون » أي المرأة أول ناظر ، بل يكون الرجل أول الناظرين ، أو أن النساء لما كان دأبهن المسارعة إلى النظر إلى العورة لا يكن حاضرات لئلا يكون أول نظر الناظر إلى عورته ، وفي بعض النسخ « لا يكون » بالياء أي لا يكون أول نظر الطفل إلى غير المحرم ، ولا يخفى بعده ، وعلى أي حال محمول على غير من يلزم حضورها من القوابل ، وقد قال الأصحاب : بوجوب استبداد النساء بها على الحال القريب من الولادة.

٢٩

(باب)

( التهنئة بالولد)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن الحسين ، عن مرازم ، عن أخيه قال قال رجل لأبي عبد اللهعليه‌السلام ولد لي غلام فقال رزقك الله شكر الواهب وبارك لك في الموهوب وبلغ أشده ورزقك الله بره

٢ ـ علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ، عن عبد الله بن حماد ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي برزة الأسلمي قال ولد للحسن بن عليعليه‌السلام مولود فأتته قريش فقالوا يهنئك الفارس فقال وما هذا من الكلام قولوا شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ الله به أشده ورزقك بره

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال هنأ رجل رجلا أصاب ابنا فقال يهنئك الفارس فقال له الحسنعليه‌السلام ما علمك يكون فارسا أو راجلا قال جعلت فداك فما أقول قال تقول شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب وبلغ أشده ورزقك بره

باب التهنئة بالولد

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال الجوهري :بلغ أشده أي قوته وجاء على بناء الجمع.

الحديث الثاني : ضعيف.

قولهم : « يهنئك » أصله الهمزة وقد يتخفف بقلبها ياء.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ما علمك » قيل : المعنى من أين علمت أن كونه فارسا أصلح له من كونه راجلا ، أو أنه وإن كان على سبيل التفاؤل يتضمن كذبا والأولى الاحتراز عنه.

٣٠

(باب)

( الأسماء والكنى)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن أبي إسحاق ثعلبة بن ميمون ، عن رجل قد سماه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال حدثني أبي ، عن جدي قال قال

باب الأسماء والكنى

الحديث الأول : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « بالعبودية » أي بالعبودية لله ، لا كعبد النبي وعبد العلي وأشباهها ، وروي مثله من طريق المخالفين « أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن » واعلم أن أصحابنا اختلفوا في أن أسماء العبودية أفضل من أسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام أو بالعكس ، فذهب المحقق في الشرائع إلى الأول ، حيث قال : « ثم يسميه أحد الأسماء المستحسنة ، وأفضلها ما يتضمن العبودية لله تعالى ، ويليها أسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام » وتبعه عليه العلامة في كتبه ، ولم نقف على مستندهما ، ولا دلالة في هذا الخبر عليه ، لأن كون الاسم أصدق من غيره لا يقتضي كونه أفضل منه ، خصوصا مع التصريح بكون أسماء الأنبياء أفضل في متن هذا الخبر ، فإنه يدل على أن الصدق غير الفضيلة ، وبمضمون الخبر عبر الشهيد في اللمعة ، وذهب ابن إدريس إلى أن الأفضل أسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام وأفضلها اسم نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد ذلك العبودية لله تعالى ، وتبعه الشهيد الثاني وهو الأظهر.

الحديث الثاني : ضعيف.

٣١

أمير المؤمنينعليه‌السلام سموا أولادكم قبل أن يولدوا فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى فإن أسقاطكم إذا لقوكم يوم القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه ألا سميتني وقد سمى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله محسنا قبل أن يولد

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال أول ما يبر الرجل ولده أن يسميه باسم حسن فليحسن أحدكم اسم ولده

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابنا عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن ابن مياح ، عن فلان بن حميد أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام وشاوره في اسم ولده فقال سمه بأسماء من

قوله عليه‌السلام : « وقد سمى » يمكن أن يكون من تتمة كلام السقط ، والأظهر أنه كلام الإمامعليه‌السلام ، وربما يستدل به على استحباب التسمية قبل السابع ، ويمكن بأن يقال : بأنه إذا لم يسم قبل الولادة فيستحب تسميته يوم السابع ، « لأنه » منتهى التسمية.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « فليحسن » بأن تسمية بأسماء الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام وأسماء العبودية ، ثم الأسماء الشريفة تعظيما ومدحا نحو سعيد وصادق ، لا ذلا وتحقيرا مثل كلب وغراب ، ولكن القول باستحباب التغيير تغييرها بعد الوقوع أيضا.

الحديث الرابع : مرسل ويدل على جواز التغيير في السابع ، وهو يؤيد الوجه الأوسط من الوجوه السابقة ، وما ورد من النهي عن التغيير إذا كان الاسم محمدا لعله محمول على ما قبل السابع ، ويمكن حمل هذا الخبر أيضا على ما إذا كان التغيير إلى اسم علي.

الحديث الخامس : ضعيف.

٣٢

العبودية فقال أي الأسماء هو فقال عبد الرحمن

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن سليمان بن سماعة ، عن عمه عاصم الكوزي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن عبد الرحمن بن محمد العزرمي قال استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة وأمره أن يفرض لشباب قريش ففرض لهم فقال علي بن الحسينعليه‌السلام فأتيته فقال ما اسمك فقلت علي بن الحسين فقال ما اسم أخيك فقلت علي قال علي وعلي ما يريد أبوك أن يدع أحدا من ولده إلا سماه عليا ثم فرض لي فرجعت إلى أبي فأخبرته فقال ويلي على ابن الزرقاء دباغة الأدم لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمي أحدا منهم إلا عليا

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن سليمان الجعفري قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

والجفاء البعد من الآداب الحسنة ، وربما قيل : في تخصيص الأربعة بالذكر وجه لطيف ، وهو أن الأسماء الأربعة المقدسة محمد وعلي وحسن وحسين ، فإذا سمى ثلاثة بهذه الأسماء الأخيرة انتفى الجفاء.

الحديث السابع : مرسل.

وقال في النهاية(١) : في حديث عدي « أتيت عمر بن الخطاب في أناس من قومي ، فجعل يفرض للرجل من طيئ في ألفين ، ويعرض عني » أي يقطع ويوجب لكل رجل منهم في العطاء ألفين من المال. وقال :الويل : الحزن والهلاك ، والشقة من العذاب.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور ولم يذكره المصنف.

وربما يومئ إلى إسلام طالب كما يدل عليه بعض الأخبار.

__________________

(١) النهاية ج ٣ ص ٤٣٣.

٣٣

الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله ولد لي غلام فما ذا أسميه قال سمه بأحب الأسماء إلي حمزة

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة قم يا فلان بن فلان إلى نورك وقم يا فلان بن فلان لا نور لك

١١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صالح بن السندي ، عن جعفر بن بشير ، عن سعيد بن خثيم ، عن معمر بن خثيم قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام ما تكنى قال قلت ما اكتنيت بعد وما لي من ولد ولا امرأة ولا جارية قال فما يمنعك من ذلك قال قلت حديث

الحديث التاسع : مجهول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بأحب الأسماء » قيل : هذا على سبيل الإضافة ، فلا ينافي ما مر من أن أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية ، وأفضلها أسماء الأنبياء ، وما تقرر عند أهل الحق من أن عليا وحسنا وحسينا أحب الأسماء إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى ما ذكرنا لا يرد ما أورده بعض العامة من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما يفعل الأفضل ، ولم يسم أحدا من أولاده بذلك ، بل قد سمى القاسم ، والطاهر ، والطيب وإبراهيم ، وأجاب بأن ذلك على وجه التشريع ليدل على الجواز ثم قال : فإن قلت : يكفي في التشريع التسمية بواحد منها ، قلت : قصد التوسعة في تشريع التسمية.

الحديث العاشر : مجهول.

والمرادبالاستحسان اختيار ما لا يشعر بنقص ولا ذم ، ولا يبعد تعميم الأسماء بحيث يشمل الكنى والألقاب ، والمرادبالنور الإمام ، أو الدين الحق ، أو جميع العلوم النافعة والأعمال الصالحة.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

٣٤

بلغنا عن عليعليه‌السلام قال وما هو قلت بلغنا عن عليعليه‌السلام أنه قال من اكتنى وليس له أهل فهو أبو جعر فقال أبو جعفرعليه‌السلام شوه ليس هذا من حديث عليعليه‌السلام إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم

١٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن مسلم ، عن الحسين بن نصر ، عن أبيه ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال أراد أبو جعفرعليه‌السلام الركوب إلى بعض شيعته ليعوده فقال يا جابر الحقني فتبعته فلما انتهى إلى باب الدار خرج علينا ابن له صغير فقال له أبو جعفرعليه‌السلام ما اسمك قال محمد قال فبما تكنى قال بعلي فقال له أبو جعفرعليه‌السلام لقد احتظرت من الشيطان احتظارا شديدا إن الشيطان إذا سمع مناديا ينادي يا محمد يا علي ذاب كما يذوب الرصاص حتى إذا سمع مناديا ينادي باسم عدو من أعدائنا اهتز واختال

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان

وقال في النهاية(١) :الجعر ما يبس من الثقل في الدبر ، أو خرج يابسا ، قال :النبز بالتحريك اللقب ، وكأنه يكثر فيما كان ذما.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

وقال في النهاية : «(٢) الحظار الأرض التي فيها الزرع المحاط عليها كالحظيرة. ومنه الحديث « أتته امرأة فقالت : يا نبي الله ادع الله لي فلقد دفنت ثلاثة فقال : لقد احتظرت بحظار شديد من النار « والاحتظار : فعل الحظار ، أراد لقد احتميت بحمى عظيم من النار يقيك حرها ويؤمنك دخولها ».

الحديث الثالث عشر : مرفوع.

ويدل على أن يس من أسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أنه يجوز التسمية بمحمد ، ولا يجوز التسمية بغيره من أسمائهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولعل أحمد أيضا مما يجوز ، لأن التسمية به كثيرة ولم يرد إنكار إلا في هذا الخبر المرفوع ، ويمكن أن يقال : إنما يجوز التسمية

__________________

(١ و ٢) النهاية ج ١ ص ٤٠٤.

٣٥

رفعه إلى أبي جعفر أو أبي عبد اللهعليه‌السلام قال هذا محمد أذن لهم في التسمية به فمن أذن لهم في يس يعني التسمية وهو اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يتسمى بها فقبض ولم يسمها منها الحكم وحكيم وخالد ومالك وذكر أنها ستة أو سبعة مما لا يجوز أن يتسمى بها

بأسمائهم الأصلية لا ما لقبوا به ، وأطلق عليهم على سبيل التعظيم والتكريم كالنبي والرسول ، والبشير والنذير ، وطه ، ويس ، فلا ينافي ما مر من أن خير الأسماء أسماء الأنبياء ، وأما التسمية بأسماء الملائكة كجبرئيل وميكائيل فلم أجد في كلام أصحابنا شيئا لا نفيا ولا إثباتا ، واختلف العامة فمنهم من منعه.

الحديث الرابع عشر : حسن.

قوله : « وذكر » الظاهر أنه قول حماد ، والترديد منه ، لعدم حفظه العدد وبواقي الأسماء ، وفاعل « ذكر » رجع إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ويحتمل أن يكون قول المصنف ، وفاعله علي بن إبراهيم وهو بعيد ، ويحتمل غير ذلك ، ثم المعلوم من حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام « أن أبغض الأسماء إلى الله تعالى حارث ، ومالك ، وخالد » وأن حارثا من أبغض الأسماء الغير المصرحة في هذا الحديث ، وأما الباقيان فغير معلوم لنا من جهة الأخبار ، وعد بعض أصحابنا ضرارا ، والروايات خالية عنه لكنه من الأسماء المنكرة ، وقيل : إنه من أسماء إبليس ، ولا يبعد أن يكون الثلاثة المتروكة أسماء الثلاثة الملعونة عتيقا ، وعمر ، وعثمان ، وترك ذكرهم تقية ، وقال بعض العامة : تقدم رجل للخصومة عند الحارث بن مسكين فناداه رجل باسمه يا إسرافيل ، فقال له الحارث : لما تسميت بذلك وقد قال النبي : لا تسموا بأسماء الملائكة ، فقال له الرجل : لم تسمى مالك بن أنس بمالك؟ والله يقول : ونادوا يا مالك » ثم قال الرجل : لقد تسمى ناس بأسماء الشياطين فما أعيب عليهم ، يعني

٣٦

١٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن أربع كنى عن أبي عيسى وعن أبي الحكم وعن

إن الحارث يقال : إنه اسم إبليس.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عن أبي عيسى » قيل لعل السر في ذلك مراعاة الأصل ، فإن عيسى لم يكن له أب ، والحكم ومالك من أسمائه تعالى ، فنهى عن هذه الكنى رعاية للأصل ، كما أمر بأسماء العبودية ، رعاية لمعنى الاشتقاق ، وعلى هذا ينبغي أن يكون مثل عبد النبي مكروها كما ذهب إليه بعض العامة وفيه تأمل.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وعن أبي القاسم » فيه دلالة على أمور. الأول : التسمية بمحمد بدون هذه التكنية ، ولا خلاف في أفضلية هذه التسمية عندنا وعند أكثر العامة ، ونقل محيي السنة البغوي عن بعضهم المنع من هذه التسمية ، سواء كنى بأبي القاسم أو لا ، وفي ذلك حديثا « تسمون أولادكم بمحمد ثم تلعنونهم » وكتب عمر إلى الكافة ولا تسموا بمحمد ، وأمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمدا حتى ذكر له جماعة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله سماهم بذلك فتركهم ، وقال عياض : لا حجة لهم في شيء من ذلك ، أما الحديث فهو غير معروف ، وعلى تسليمه فالنهي عن لعن من اسمه محمد ، لا عن التسمية بمحمد ، ثم نقل أحاديث كثيرة في الترغيب في التسمية بمحمد كقوله : « ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد ومحمدان » وكقوله : « ما اجتمع قوم على مشورة فيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه فيها إلا أن لم يبارك لهم فيها ، وفي الغنية لمالك وأهل مكة يتحدثون ما من أحد ثبت فيه اسم محمد إلا رأوا خيرا أو رزقوه.

أقول : ومنع عمر إما لجهله بالسنة ، أو لإرادته أن لا يبقى على وجه الأرض اسم محمد.

الثاني التكنية بأبي القاسم بدون التسمية بمحمد ، ولا خلاف فيه عندنا ، وعند

٣٧

أبي مالك وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عبد الله بن هلال ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أبغض الأسماء إلى الله عز وجل ـ حارث ومالك وخالد

١٧ ـ محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن رجلا كان يغشى علي بن الحسينعليه‌السلام وكان يكنى أبا مرة فكان إذا استأذن عليه يقول ـ أبو مرة بالباب فقال له علي بن الحسينعليه‌السلام بالله إذا جئت إلى بابنا فلا تقولن أبو مرة

أكثر العامة ونقل القرطبي عن بعضهم النهي عن هذه التكنية سواء كان الاسم محمدا أو لا ، واحتجوا بما رواه مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، « لا تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي » ورد ذلك بأن المقصود الجمع ، بدليل ما رواه جابر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله « من تسمى باسمي فلا يتكنى بكنيتي ومن يكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي » ، ثم المانعون من هذه التكنية اختلفوا ، فقال مالك وجماعة : النهي مقصور على زمنهصلى‌الله‌عليه‌وآله لئلا يلتبس نداء غيره بندائه ، كما نقل أن رجلا نادى في البقيع يا أبا القسم كلما توجه ، قال : لا أعينك وقال بعضهم : يعم النهي بعد زمنه؟ أيضا.

الثالث الجمع بين محمد وأبي القاسم ، والمشهور بيننا وبينهم المنع منه ، وروي أنه جوزه ذلك لمحمد بن الحنفية ، كما رويناه في كتاب الكبير ، وهل يلحق بمحمد وأبي القاسم سائر أسمائه وكناه ، مثل أحمد وأبي إبراهيم في المنع أم لا؟ الظاهر هو الثاني اقتصارا على مورد النص.

الحديث السادس عشر : مجهول.

الحديث السابع عشر : موثق كالصحيح.

وقال الفيروزآبادي :غشي فلانا كرضى : أتاه ، وقال : أبو مرة كنية لإبليس لعنه الله.

٣٨

(باب)

( تسوية الخلقة)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن سنان عمن حدثه قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام إذا بشر بالولد لم يسأل أذكر هو أم أنثى حتى يقول أسوي فإن كان سويا قال الحمد لله الذي لم يخلق مني شيئا مشوها

(باب)

( ما يستحب أن تطعم الحبلى والنفساء)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن عثمان بن عبد الرحمن ، عن شرحبيل بن مسلم أنه قال في المرأة الحامل تأكل السفرجل فإن الولد يكون أطيب ريحا وأصفى لونا

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن علي بن الحسن التيملي ، عن الحسين بن هاشم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ونظر إلى غلام جميل ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام آكل السفرجل

باب تسوية الخلقة

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

باب ما يستحب أن تطعم الحبلى والنفساء

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « أطيب ريحا » يحتمل أن يكون كناية عن حسن الخلق ، وأن يكون المراد معناه الحقيقي.

الحديث الثاني : موثق.

٣٩

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز بن حسان ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام خير تموركم البرني فأطعموه نساءكم في نفاسهن تخرج أولادكم زكيا حليما

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عدة من أصحابه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم رفعه إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب فإن الله تعالى قال لمريم : «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا » قيل يا رسول الله فإن لم يكن أوان(١) الرطب قال سبع تمرات من تمر المدينة فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم فإن الله عز وجل يقول وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاع مكاني لا تأكل نفساء يوم تلد الرطب فيكون غلاما إلا كان حليما وإن كانت جارية كانت حليمة

٥ ـ عنه ، عن محمد بن علي ، عن أبي سعيد الشامي ، عن صالح بن عقبة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول أطعموا البرني نساءكم في نفاسهن تحلم أولادكم

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن قبيصة ، عن عبد الله النيسابوري ، عن هارون بن مسلم ، عن أبي موسى ، عن أبي العلاء الشامي ، عن سفيان الثوري ، عن أبي

الحديث الثالث : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « في نفاسهن » النفاس في اللغة ولاد المرأة ، فيمكن أن يكون المراد قبل الولادة قريبا منها بقرينة قولهعليه‌السلام يخرج الولد ، ويحتمل أن يكون المراد به بعد الولادة فيكون التأثير إما باعتبار الرضاع أو في الأولاد التي يولدون منها بعد ذلك أو في ذلك الولد مع عدم الإرضاع أيضا لإطاعة أمر الله تعالى.

الحديث الرابع : مرسل.

قوله تعالى : «وَهُزِّي » أي حركي و« جذع النخلة » بالكسر ساقها و« الجني » ما جني من ساعته ، وقال الفيروزآبادي :إبان الشيء بالكسر وقته.

الحديث الخامس : ضعيف.

__________________

(١) وفي بعض النسخ « إبّان » مكان ( أوان ) وهو بمعناه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

وأمثلة هذا تكثر.

وهذا شيخنا الذهبي من هذا القبيل، له علم وديانة، وعنده على أهل السنّة تحامل مفرط، فلا يجوز أنْ يعتمد عليه.

ونقلت من خطّ الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائيرحمه‌الله ما نصّه: الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا شكّ في دينه وورعه وتحرّيه فيما يقوله في الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الإِثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه، حتّى أثّر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً عن أهل التنزيه وميلاً قوياً إلى أهل الإثبات، فإذا ترجم واحداً منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأوّل له ما أمكن، وإذا ذكر أحداً من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزّالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه، ويكثر من قول من طعن فيه، ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده ديناً وهو لا يشعر، ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها. وكذا فعله في أهل عصرنا إذا لم يقدر على أحد منهم بتصريح يقول في ترجمته: والله يصلحه. ونحو ذلك. وسببه المخالفة في العقائد. إنتهى.

والحال في شيخنا الذهبي أزيد ممّا وصف، هو شيخنا ومعلّمنا، غير أنّ الحق أحق أنْ يتّبع. وقد وصل من التعصّب المفرط إلى حدٍّ يسخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم، الذين حملوا لنا الشريعة النّبويّة، فإن غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بأشعري يبقي ولا يذر، والذي أعتقده أنّهم خصماؤه يوم القيامة عند من أدناهم عنده أوجه منه. فالله المسئول أنْ يخفّف عنه، وأن يلهمهم العفو عنه، وأن يشفّعهم فيه.

والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله

فلينظر كلامه من شاء ثمّ يبصر، هل الرّجل متحرٍّ عند غضبه أو غير

١٢١

متحر، وأعني بغضبه وقت ترجمته لواحدٍ من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية، فإنّي أعتقد أن الرجل كان إذا مدّ القلم لترجمة أحدهم غضب غضباً مفرطاً، ثمّ قرطم الكلام ومزّقه وفعل من التعصّب ما لا يخفى على ذي بصيرة.

ثمّ هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي، فربّما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها، ودائماً أتعجب من ذكره الإِمام فخر الدين الرازي في كتاب ( الميزان ) وفي ( الضعفاء ). وكذلك السيف الآمدي وأقول: يا لله العجب، هذان لا رواية لهما، ولا جرحهما أحد، ولا سمع عن أحدٍ أنّه ضعّفهما في ما ينقلانه من علومهما، فأيّ مدخل لهما في هذين الكتابين. ثمّ إنا لم نسمع أحداً سمّى الإِمام فخر الدين بالفخر، بل إمّا الإمام وإمّا ابن الخطيب، وإذا ترجم كان في المحمدين، فجعله في حرف الفاء وسمّاه الفخر، ثمّ حلف في آخر الكتاب أنّه لم يتعمّد فيه هوى نفس، فأيّ هوى نفسٍ أعظم من هذا؟ فإما أنّ يكون ورّى في يمينه، أو استثنى غير الرواة. فيقال له: فَلِم ذكرت غيرهم. وإمّا أنْ يكون اعتقد أنّ هذا ليس هوى نفس، وإذا وصل إلى هذا الحدّ - والعياذ بالله - فهو مطبوع على قلبه »(١) .

وقال السبكي بترجمة أحمد بن صالح:

« قاعدةُ في المؤرخين نافعة جدّاً، فإنّ أهل التاريخ قد وضعوا من اُناسٍ أو رفعوا اُناساً، إمّا لتعصّب، أو لجهلٍ، أو لمجرّد اعتمادٍ على من لا يوثق به، أو غير ذلك من الأسباب. والجهل في المؤرّخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل. وكذلك التعصّب قلّ أن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك.

وأمّا تاريخ شيخنا الذهبي - غفر الله له - فإنّه على جمعه وحسنه، مشحون بالتعصّب المفرط، لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين، أعني

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٢ / ١٢ - ١٥.

١٢٢

الفقراء الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسّمة، هذا وهو الحافظ المدره والإِمام المبجّل، فما ظنّك بعوام المؤرخين »(١) .

وقال السبكي - بترجمة الحسين الكرابيسي، بعد الكلام في مسألة اللفظ -:

« فإذا تأمّلت ما سطرناه ونظرت قول شيخنا في غير موضع من تاريخه: أنّ مسألة اللفظ ممّا ترجع إلى قول جهمٍ، عرفت أن الرجل لا يدري في هذه المضايق ما يقول، وقد أكثر هو وأصحابه من ذكر جهم بن صفوان، وليس قصدهم إلّا جعل الأشاعرة - الذين قدّر الله لقدرهم أن يكون مرفوعاً، وللزومهم للسنّة أنّ يكون مجزوماً به ومقطوعاً - فرقةً جهميّة.

واعلم أنّ جهماً شر من المعتزلة كما يدريه من ينظر الملل والنحل، ويعرف عقائد الفرق، والقائلون بخلق القرآن هم المعتزلة جميعاً، وجهم لا خصوص له بمسألة خلق القرآن، بل هو شر من القائلين بالمشاركة إيّاهم فيما قالوه وزيادته عليهم بطامّات.

فما كفى الذهبي أنْ يشير إلى اعتقاد ما يتبرّأ العقلاء عن قوله من قدم الألفاظ الجارية على لسانه، حتى ينسب هذه العقيدة إلى مثل الإمام أحمد بن حنبل وغيره من السّادات، ويدّعي أنّ المخالف فيها يرجع إلى قول جهم؟

فليته درى ما يقول! والله يغفر لنا وله، ويتجاوز عمّن كان السّبب في خوض مثل الذهبي في مسائل هذا الكلام، وإنّه ليعزّ عليَّ الكلام في ذلك، ولكن كيف يسعنا السكوت، وقد ملأ شيخنا تاريخه بهذه العظائم التي لو وقف عليها العامّي لأضلّته ضلالاً مبيناً.

ولقد يعلم الله منّي كراهيّة الإزراء بشيخنا، فإنّه مفيدنا ومعلّمنا، وهذا

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٢ / ٢٢.

١٢٣

النزر اليسير الحديثي الذي عرفناه منه استفدناه، ولكنْ أرى أنّ التنبيه على ذلك حتم لازم في الدين »(١) .

وقال السبكي:

« زكريا بن يحيى بن السّاجي الحافظ، كان من الثقات الأئمة

روى عنه الشيخ أبو الحسن الأشعري. قال شيخنا الذهبي: وأخذ عنه مذهب أهل الحديث.

قلت : سبحان الله، هنا تجعل الأشعري على مذهب أهل الحديث، وفي مكانٍ آخر - لو لا خشيتك سهام الأشاعرة - لصرّحت بأنّه جهمي، وما أبو الحسن إلّا شيخ السنّة وناصر الحديث وقامع المعتزلة والمجسّمة وغيرهم »(٢) .

وقال السبكي - بترجمة الأشعري -:

« وأنت إذا نظرت بترجمة هذا الشيخ - الذي هو شيخ السنّة وإمام الطائفة - في تاريخ شيخنا الذهبي، ورأيت كيف مزّقها وحار كيف يضع من قدره، ولم يمكنه البوح بالغض منه خوفاً من سيف أهل الحقّ، ولا الصبر عن السكوت لما جبلت عليه طوّيته من نقصه، بحيث اختصر ما شاء الله أن يختصر في مدحه، ثمّ قال في آخر الترجمة: من أراد أن يتبحّر في معرفة الأشعري فعليه بكتاب تبيين كذب المفتري لأبي القاسم ابن عساكر، اللّهم توفّنا على السنّة، وأدخلنا الجنّة، واجعل أنفسنا مطمئنّة، نحبُّ فيك أولياءك ونبغض فيك أعداءك، ونستغفر للعصاة من عبادك، ونعمل بمحكم كتابك، ونؤمن بمتشابه ما وصفت به نفسك. انتهى.

فعند ذلك يقضي العجب من هذا الذهبي، ويعلم إلى ما ذا يشير المسكين، فويحه ثمّ ويحه، وأنا قد قلت غير مرة: إنّ الذهبي استادي، وبه

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٢ / ١١٩ - ١٢٠.

(٢). طبقات الشافعيّة ٣ / ٢٩٩.

١٢٤

تخرّجت في علم الحديث، إلّا أنّ الحقّ أحقّ أنْ يتّبع، ويجب عليّ تبيين الحقّ، فأقول »(١) .

وقال السبكي - بترجمة إمام الحرمين الجويني، بعد كلام عبد الغافر الفارسي -:

« إنتهى كلام عبد الغافر، وقد ساقه بكماله الحافظ ابن عساكر، في كتاب التبيين. وأمّا شيخنا الذهبي - غفر الله له - فإنّه حار كيف يصنع في ترجمة هذا الإمام، الذي هو من محاسن هذه الاُمة المحمّدية، وكيف يمزّقها، فقرطم ما أمكنه، ثمّ قال: وقد ذكره عبد الغافر وأسهب وأطنب فيقال له:

هلّا زيّنت كتابك بها، وطرّزته بمحاسنها، فإنّها أولى من خرافاتٍ تحكيها لأقوامٍ لا يعبأ الله بهم

وقد حكى شيخنا الذهبي كسر المنبر والأقلام والمحابر، وأنهم أقاموا على ذلك حولاً، ثمّ قال: وهذا من فعل الجاهلية والأعاجم، لا من فعل أهل السنّة والاتباع.

قلت: وقد حار هذا الرجل ما الذي يؤذي به هذا الإِمام، وهذا لم يفعله الإِمام، ولا أوصى به بأن يفعل، حتى يكون غضّا منه، وإنّما حكاه الحاكون إظهارا لعظمة الإمام عند أهل عصره، وأنّه حصل لأهل العلم - على كثرتهم، فقد كانوا نحو أربعمائة تلميذ - ما لم يتمالكوا معه الصبر، بل أدّاهم إلى هذا الفعل، ولا يخفى أنّه لو لم تكن المصيبة عندهم بالغةً أقصى الغايات لما وقعوا في ذلك. وفي هذا أوضح دلالة لمن وقّفه الله على حال هذا الإِمام -رضي‌الله‌عنه - وكيف كان شأنه بين أهل العلم في ذلك العصر المشحون بالعلماء والزّهاد »(٢) .

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٥ / ١٨٢.

(٢). طبقات الشافعيّة ٦ / ٢٠٣.

١٢٥

وقال السبكي بترجمة أبي حامد الغزالي:

« ذكر كلام عبد الغافر: وأنا أرى أنْ أسوقه بكماله على نصّه حرفاً حرفاً، فإن عبد الغافر ثقةً عارفُ، وقد تحزّب الحاكون لكلامه حزبين، فمن ناقلٍ لبعض الممادح وتالٍ لجميع ما أورده ممّا عيب على حجة الإِسلام، وذلك صنيع من يتعصّب على حجة الإسلام، وهو شيخنا الذهبي، فإنّه ذكر بعض الممادح نقلاً معجرف اللّفظ محكيّاً بالمعنى، غير مطابق في الأكثر، ولـمـّا انتهى إلى ما ذكره عبد الغافر ممّا عيب عليه استوفاه، ثمّ زاد ووشّح وبسط ورشح، ومن ناقل لكلّ الممادح، ساكت عن ذكر ما عيب به، وهو الحافظ أبو القاسم ابن عساكر »(١) .

وقال السبكي - بترجمة الخبوشاني -:

« وكان ابن الكيزاني - رجل من المشبّهة - مدفوناً عند الشافعي -رضي‌الله‌عنه - فقال الخبوشاني: لا يكون صدّيق وزنديق في موضعٍ واحد، وجعل ينبش ويرمي عظامه وعظام الموتى الذين حوله من أتباعه، وتعصّبت المشبّهة عليه ولم يبال بهم، وما زال حتى بنى القبر والمدرسة، ودرّس بها، ولعلّ الناظر يقف على كلام شيخنا الذهبي في هذا الموضع من ترجمة الخبوشاني فلا يحتفل به وبقوله في ابن الكيزاني أنّه من أهل السنّة، فالذهبي -رحمه‌الله - متعصّب جدّاً، وهو شيخنا، وله علينا حقوق، إلّا أنّ حقّ الله مقدّم على حقّه. والذي نقوله: إنّه لا ينبغي أنْ يسمع كلامه في حنفي ولا شافعي، ولا تؤخذ تراجمهم من كتبه، فإنّه يتعصّب عليهم كثيراً »(٢) .

وقال اليافعي في سنة ٥٩٥:

« قال الذهبي: وفيها كانت فتنة الفخر الرازي صاحب التصانيف، وذلك

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٦ / ٢٠٣.

(٢). طبقات الشافعيّة ٧ / ١٤.

١٢٦

وحميت الفتنة، فأرسل السلطان الجند وسكّنهم، وأمر الرازي بالخروج.

قلت : هكذا ذكر من المؤرخّين من له غرض في الطعن عل، الأئمة وفي طائر جاءت به أُم أيمن شعر بيان لمن بالحقّ يرضى ويقنع.

ثمّ أتبع ذلك بقوله: وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني، وكان أمّاراً بالمعروف، داعياً إلى السنّة، فقامت عليه الأشعريّة، وأفتوا بقتله، فأُخرج من دمشق مطروداً.

انتهى كلامه بحروفه في القصّتين معاً، ومذهب الكراميّة والظاهريّة معروف، والكلام عليهما إلى كتب الاُصول الدّينيّة مصروف، فهنالك يوضح الحق البراهين القواطع، ويظهر الصّواب عند كشف النقاب للمبصر والسامع »(١) .

وقال السيوطي في ( قمع المعارض في نصرة ابن الفارض ):

« وإنْ غرّك دندنة الذهبي، فقد دندن على الإِمام فخر الدين ابن الخطيب ذي الخطوب، وعلى أكبر من الإِمام، وهو أبو طالب المكّي صاحب قوت القلوب، وعلى أكبر من أبي طالب، وهو الشيخ أبو الحسن الأشعري، الذي يجول ذكره في الآفاق ويجوب، وكتبه مشحونة بذلك: الميزان، والتاريخ، وسير النبلاء، فقابل أنت كلامه في هؤلاء، كلاّ والله لا يقابل كلامه فيهم، بل نوصلهم حقّهم ونوفيهم ».

أقول : وإذا كان هذا حال تعصّب الذّهبي بالنسبة إلى من خالفه في العقيدة من أهل السنّة، فما ظنك بحاله بالنسبة إلى من روى منهم شيئاً في مناقب أهل البيت؟ وما ظنّك بحاله بالنسبة إلى علماء الإِماميّة؟ وما ظنّك بحاله بالنسبة إلى الأئمة من العترة الطاهرة؟

من تعصباته ضدّ أهل البيت ومناقبهم

فلقد أورد في كتابه ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) الإِمام جعفراً

____________________

(١). مرآة الجنان - حوادث ٥٩٥.

١٢٧

الصّادق، والإِمام موسى الكاظم، والإِمام علي بن موسى الرضا،عليهم‌السلام ، وعدداً كبيراً من أبناء أئمّة أهل البيت وذريّة العترة الطّاهرة

بل لقد جرح الرّجل من أهل البيت لا لشيءٍ، بل لمجرّد روايته الفضيلة من فضائل جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام فاستمع إلى قوله:

« الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين ابن زين العابدين علي ابن الشهيد الحسين العلوي، ابن أخي أبي طاهر النسّابة، عن إسحاق الدبّري، روى بقلّة حياءٍ عن الديري، عن عبد الرزاق باسنادٍ كالشمس: علي خير البشر.

وعن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن محمّد بن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر مرفوعاً قال: علي وذريّته يختمون الأوصياء إلى يوم القيامة.

فهذان دالاّن على كذبه ورفضه، عفا الله عنه »(١) .

بل الأشنع والأفظع من هذا: ترجمته يزيد بن معاوية، من غير أن يذكر ما ارتكبه بحق سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وريحانته، الإِمام الحسين الشهيد وأهل بيتهعليهم‌السلام ، فقد أعرض عن ذلك وكأنه لم يكن. أو كأنّه من الاُمور السهلة والقضايا الجزئية التي لا تستحق الذّكر إنّه قال في كتابه ( تذهيب التهذيب ) ما نصّه:

« يزيد بن معاوية، أبو شيبة الكوفي، عن عبد الملك بن عمير، وعنه سعيد بن منصور. ذكر للتمييز.

قلت : ويزيد بن معاوية الاُموي، الذي ولي الخلافة وفعل الأفاعيل سامحه الله. وأخباره مستوفاة في تاريخ دمشق، ولا رواية له. مات في نصف ربيع الأول سنة ٦٤ وخلافته أقل من أربع سنين، وعمره ٣٩ سنة. قال نوفل بن

____________________

(١). ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ٥٢١.

١٢٨

أبي الفرات: كنت عند عمر بن عبد العزيز فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال: قال أمير المؤمنين يزيد. قال عمر: تقول أمير المؤمنين يزيد! وأمر فضرب عشرين سوطاً. رواها يحيى بن عبد الملك بن أبي عتبة أحد الثقات عن نوفل. ذكرته للتمييز »(١) .

وأمّا طعنه في الرجال والمحدّثين الكبار من أهل السنّة بسبب رواية مناقب أهل البيتعليهم‌السلام فالشّواهد عليه كثيرة الأمر الذي جعل العلماء منهم إذا حقّق فضيلة من فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام نبّه على أنّه من أهل السنّة، وأكّد براءته من الشيعة والتشيع، لئلّا يرمى بالتشيع ويُتهم بالخروج عن طريقة أهل السنّة ونحن هنا نكتفي بذكر كلام العلّامة الشيخ محمّد معين السندي بعد إثبات عصمة أئمة أهل البيتعليهم‌السلام :

« وممّا يجب أنْ أُنبّه عليه أنّ الكلام في عصمة الأئمة إنّما جرينا فيها على ما جرى الشيخ الأكبر -قدس‌سره - فيها في المهدي رضي الله تعالى عنه، من حيث أن مقصودنا منه أن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه: « يقفو أثري، لا يخطأ » لـمّا دلّ عند الشيخ على عصمته، فحديث الثقلين يدلّ على عصمة الأئمة الطاهرين رضي الله عنهم، كما مرّ تبيانه. وليست عقدة الأنامل على أنّ العصمة الثابتة في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام توجد في غيرهم، وإنّما أعتقد في أهل الولاية قاطبةً العصمة بمعنى الحفظ وعدم صدور الذنب، لا إستحالة صدوره، والأئمة الطاهرون أقدم من الكلّ في ذلك، وبذلك يطلق عليهم الأئمة المعصومون. فمن رماني من هذا المبحث باتّباع مذهب غير السنّة ممّا يعلم الله سبحانه براءتي منه فعليه إثم فريته، والله خصيمه.

وكيف لا أخاف الاتّهام من هذا الكلام، وقد خاف شيخ أرباب السيّر في السيرة الشاميّة من الكلام على طرق حديث ردّ الشمس بدعائه صلّى الله عليه

____________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

١٢٩

وسلّم لصلاة عليرضي‌الله‌عنه ، وتوثيق رجالها، أن يرمى بالتشيع، حيث رأى الحافظ الحسكاني في ذلك سلفاً له، ولننقل ذلك بعين كلامه. قالرحمه ‌الله تعالى لـمّا فرغ من توثيق رجال سنده: ليحذر من يقف على كلامي هذا هنا أن يظنّ بي أني أميل إلى التشيّع، والله تعالى أعلم أنّ الأمر ليس كذلك.

قال: والحامل على هذا الكلام - يعني قوله: وليحذر إلى آخره - أن الذهبي ذكر في ترجمة الحسكاني أنّه كان يميل إلى التشيّع، لأنّه أملى جزءٌ في طرق حديث ردّ الشمس. قال: وهذا الرجل - يعني الحسكاني - ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغافر الفارسي في ذيل تاريخ نيسابور، فلم يصفه بذلك، بل أثنى عليه ثناءً حسناً، وكذلك غيره من المؤرّخين، ونسأل الله تعالى السلامة من الخوض في أعراض الناس بما لا نعلم. والله تعالى أعلم. انتهى.

أقول : وهذا الجرح في الحافظ الحسكاني إنّما نشأ من كمال صعوبة الجارح وانحرافه من مناهج العدل والإِنصاف، وإلّا فالحافظ من خدمة الحديث، بذل جهده في تصحيح الحديث وجمع طرقه وأسناده، وأثبت بذلك معجزةً من أعظم علامات النبوّة وأكملها، ممّا يقرّ بصحّته عين كلّ من يؤمن بالله تعالى ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم. وكيف يتّهم ونسب إلى التشيّع بملابسة القضية لعليرضي‌الله‌عنه ؟ ولو صحح حافظ حديثاً متمحّضاً في فضله لا يتّهم بذلك، ولو كان كذلك لترك أحاديث أهل البيت رأساً.

ومن مثل هذه المؤاخذات الباطلة طعن كثير من المشايخ العظام.

ومولع هذا الفن الشريف إذا صحّ عنده حديث في أدنى شيء من العادات كاد أن يتّخذ لذلك طعاماً فرحاً بصحة قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنده، وأين هذا من ذاك؟ ولـمّا اطّلع هذا الفقير على صحّته كأنّه ازداد سمناً من سرور ذلك ولذّته. أقرّ الله سبحانه وتعالى عيوننا بأمثاله. والحمد لله ربّ العالمين »(١) .

____________________

(١). دراسات اللبيب في الاُسوة الحسنة بالحبيب - مبحث العصمة.

١٣٠

قوله: نقلاً عن الذهبي:

« لقد كنت زمناً طويلاً أظنّ أنّ هذا الحديث لم يحسن الحاكم أنْ يودعه في مستدركه، فلمـّا علقت هذا الكتاب رأيت القول من الموضوعات التي فيه ».

أقول:

أوّلاً :نقول ( للدهلوي ) الجسور: لقد صحّفت لفظ « لم يجسر » بلفظ « لم يحسن » فأسأت الفهم ولم تحسن النقل، وهذا دليل على طول باعك!!

وثانياً :نقول للذهبي: إن قولك: لقد كنت زمناً طويلاً اعتراف منك بأنّك قد تهت زمناً طويلاً في مهامة الجهل، ولم تقف على كتاب المستدرك السائر في البلدان والأمصار، والمتداول بين خدمة الأخبار والآثار، فلِمَ كنت مع جهلك تزعم أن إدخال حديث الطير في المستدرك جسارة، وهل هذا الزعم منك إلّا خسارة وأيّ خسارة؟! ومع ذلك: فكيف تحكم وقت التعليق بالوضع على هذا الحديث الشريف، ولا تأخذ بطرف من التحقيق، ولا تقبل قول الحاكم، ولا تحتفل بأنّه من مروّيات الأساطين وأجلّة المحدّثين؟ كيف رميت الحديث بالوضع من غير دليل، فأرديت أتباعك بالإضلال والتضليل؟ ولكن - لله الحمد - حيث أفقت من سكر التعصّب والشنآن وغلبة البغي والعدوان، فاعترفت في كتاب ( الميزان ) بالحقّ الصريح الواضح البرهان، كما اعترفت في ( تذكرة الحفّاظ ) بأنّ طرق هذا الحديث كثيرة جدّاً حتّى أفردتها بمصنف مجدّاً.

وثالثاً : نقول لأساطين العلم ومراجيح الحلم: أُنظروا بعين الإِنصاف تاركين للإِعتساف، كيف سفر الحق غاية السفور، ووضح نهاية الظهور، وبانت الطريقة الواضحة، واستنارت المحجة اللّائحة، حيث أقرّ مثل هذا الجاحد بتفريطه في أمر هذا الخبر الرفيع الأثير، وظهر صدق قوله تعالى( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ ) .

١٣١

كلامُ ( الدّهلوي ) في الحاشية

وإذْ عرفت بطلان ما قاله ( الدّهلوي ) في متن ( التحفة ) فلنبطل كلامه في الحاشية في هذا الموضع قال في الحاشية:

« قالت النواصب: لقد كذب أنس ثلاثاً في قوله لعلي: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة على ما في كتاب المجالس للشيخ المفيد، فكيف يجوز قبول روايته لهذا الحديث؟ ».

وجوه الجواب عن هذا الكلام

أقول:

قبل كلّ شيء: هل هذه الشبهة التي نقلها عن النواصب صحيحة وواردة عند ( الدهلوي ) أو باطلة مردودة؟ إن قال بصحّتها فقد قلّد النّواصب وألقى بنفسه وأتباعه في دركات أسفل السّافلين، وتلك عاقبة الذين ظلموا آل محمّد ونصبوا لهم العداء إلى أبد الآبدين والمتيقّن هذا الشقّ، لأنّ نقل القول والسكوت عليه دليل التّسليم والقبول كما ذكر ( الدهلوي ) وتلميذه ( الرشيد ) ويشهد بذلك جدّه وجهده في متن ( التحفة ) لأجل ردّ حديث الطير ودعوى وضعه.

وإنْ قال ببطلانها فلما ذا ذكرها ولم يجب عنها؟

ثمّ إنّ الأصل في هذه الشبهة هو « الأعور الواسطي » فإنْ كان مراد ( الدهلوي ) من « النواصب » هو « الأعور » فمرحباً بالإِنصاف وحبّذا الأئتلاف - ولا مانع من إطلاق « النّواصب » بصيغة الجمع عليه، لشدّة عداوة « الأعور » ونصبه -.

١٣٢

وكيف كان فالشبهة - هذه - مندفعة بوجوه:

كذِبُ « أنس » موجود في روايات أهل السنّة

الأوّل : إنَّ كذب « أنس » في قصّة حديث الطير ثلاث مرّات لا اختصاص له بروايات الإِماميّة للقصة، بل موجود في روايات أهل السنّة أيضاً كما عرفت في قسم السند واعترف به ( الدهلوي ) في ( فتواه ) المذكورة سابقاً، وقد روى العيدروس اليمني قائلاً:

« روي عن أنس قال: كنت أحجب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمعته يقول: اللّهم أطعمنا من طعام الجنّة، فأُتي بلحم طير مشوي، فوضع بين يديه فقال: اللّهم ائتنا بمن نحبه ويحبّك ويحبّ نبيّك. قال أنس: فخرجت فإذا علي بالباب، فاستأذنني فلم آذن له، ثمّ عدت فسمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك، فخرجت فإذا علي بالباب، فاستأذنني فلم آذن له - أحسب أنه قال: ثلاثاً - فدخل بغير إذن، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما الذي أبطأ بك يا علي؟ قال: يا رسول الله جئت لأدخل فحجبني أنس. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لِمَ حجبته؟ فقلت: يا رسول الله، لـمّا سمعت الدعوة أحببت أنْ يجئ رجل من قومي فتكون له. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يضرّ الرجل محبّة قومه ما لم يبغض سواهم. أخرجه ابن عساكر »(١) .

استدلال الإِماميّة بروايته من باب الإِلزام

والثاني : إن رواية أنس مقبولة لدى أهل السنّة، واحتجاج الإِماميّة بروايته إلزاماً عليهم وإفحاماً لهم صحيح وتام ولا يضرّ بذلك كونه عندهم فاسقاً كاذباً كما هو واضح

____________________

(١). العقد النبوي والسرّ المصطفوي - مخطوط.

١٣٣

الفضل ما شهدت به الأعداء

والثالث : إنّه لا ريب في عداء أنس لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، والشواهد على ذلك عديدة، منها موقفه منهعليه‌السلام في قصة الطائر - فإذا روى شيئاً في فضله ومنقبته قُبل، لأنّ الفضل ما شهدت به الأعداء ومن الواضح أنّه لو روى هذا الحديث عمر بن الخطاب أو أبو بكر لكان اعتباره أكثر والإِعتماد عليه أشد، وكان أدخل في الإِلزام والإِفحام.

قال الشيخرحمه‌الله السندي في بيان أمارات الحديث الموضوع: « منها إقرار واضعه به، وليس هذا قبولاً لقوله مع فسقه، وإنّما هو مؤاخذة بموجب إقراره، كما يؤخذ بالإِعتراف بالزنّا أو القتل، ولذا جعل إقراره أمارة، لأنا لا نقطع على حديثه بالوضع، لاحتمال كذبه في إقراره بفسقه، نعم إذا انضم إلى إقراره قرائن تقتضي صدقه فيه قطعنا به، سيّما بعد التوبة »(١) .

رواية غير « أنس » من الصّحابة

الرابع : إنّه لم ينفرد أنس برواية هذا الحديث ليقال: كيف تعتمدون على رواية الفاسق الكاذب. بل لقد رواه جمع غيره من الصّحابة، وعلى رأسهم سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام . ومن رواته منهم: ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وسفينة مولى النبيّ، وأبو الطفيل، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وأبو مرازم يعلى بن مرّة إذن، لقد رواه غيره من الصّحابة. بل إن رواية الأمير كافية للإِحتجاج والإِستدلال وقاطعة للسان القيل والقال.

____________________

(١). مختصر تنزيه الشريعة - المقدمة.

١٣٤

كلامٌ آخر له في الحاشية

وذكر ( الدهلوي ) في الحاشية وجهاً آخر لإِبطال حديث الطّير، نتعرّض له ونجيب عنه، لئلّا يبقى شيء من ناحيته لم يتّبين فساده في هذا المقام لقد قال ( الدهلوي ) في الحاشية هنا:

« قال السيد الحميري:

وفي طائر جاءت به أُم أيمن

بيان لمن بالحقّ يرضى ويقنع.

وقال الصاحب ابن عباد:

علي له في الطير ما طار ذكره

وقامت به أعداؤه وهي تشهد

هذه الرواية تكذّبها رواية أبي علي الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن الإِمام أبي عبد اللهعليه‌السلام : إن الطير جاء به جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان جائعاً، ودعا الله أن يشبعه » انتهى.

وجوه الجواب عن هذا الكلام

وهذا الوجه كسابقه - وكسائر كلمات ( الدهلوي ) - مردود وبالرغم من وضوح بطلانه وسقوطه لدى أولي الألباب وأصحاب الأنظار فإنا نفصّل الكلام في ردّه وبيان وهنه في وجوه:

هذا الاعتراض يتوجه إلى روايات أهل السنّة أيضاً

الأوّل : إنّه لـمّا كان أهل السنّة يروون هذا الحديث، وينصّ كبار علمائهم على صحته أو حسنه ويجعلونه حجةً، فإنّ عليهم الجواب عن هذا الاعتراض، لأنّ الإِختلاف الذي أشار إليه ( الدهلوي ) موجود في رواياتهم،

١٣٥

ففي بعضها: أنّ الطير أرسلته أُم سليم، و في آخر: إنّه أرسلته أُم سلمة رضي الله عنها ، و في ثالث: أنّه جاءت به أُم أيمن، و في رابع: أنّه جاء من الجنّة

بل إنّ ( الدهلوي ) لـمّا ذكر الحديث قال: « كان عند النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طائر قد طبخ له أو أُهدي إليه ».

وبالجملة، فإنّ روايات أهل السنّة في كيفية مجيء الطائر إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وحضوره عنده مختلفة وكما أنّ هذا الاختلاف غير قادح في ثبوت الحديث لدى رواته ومصححيه ومثبتيه من أهل السنّة فكذلك الإِماميّة.

مقتضى القاعدة الجمع كما في نظائر المقام

وثانياً : إنّ هذا الإِعتراض من ( الدهلوي ) يكشف عن جهله بفنون الحديث وعلومه وقواعده، هذا الجهل الذي أدّى به إلى الحكم بوضع الحديث بمجرّد اختلاف ألفاظه لكن هذا لا يختص بهذا الحديث أو ببعض الأحاديث الأخرى، فإنّ الاختلاف موجود في مئات الأخبار الحاكية للقضايا والحوادث والخصوصيّات، ولا يقول أحد ببطلان جميع تلك الأحاديث وكذب كلّ تلك الحوادث، بل يجمع بينها مهما أمكن على تعدد الواقعة وأمثال ذلك من طرق الجمع، كما عرفت سابقاً من تصريحات أساطين القوم.

وهذا الجمع المشار إليه ممكن هنا، بأن تكون الواقعة متعدّدة، فمرةً جاء جبرئيلعليه‌السلام بالطائر من الجنّة، ومرةً قدّمته أُم أيمن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

لا منافاة بين مفادي شعر الحميري ورواية الاحتجاج

وثالثاً : لا منافاة بين مجيء أُم أيمن بالطير وقت الأكل، وبين مجيء جبرئيلعليه‌السلام به، إذ من الممكن أن يكون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّمه

١٣٦

إيّاها بعد مجيء جبرئيلعليه‌السلام به، ثمّ جاءت به إليه بعد ذلك. وأمّا ما وقع في رواية المستدرك للحاكم من أن أُم أيمن لـمّا سألها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الطّير قالت: « هذا الطائر أصبته فصنعته لك » فليس بمنافٍ لما ذكرنا، لأن كلامنا مسوق للجمع بين ما ورد في طرق أهل الحقّ، لا للجمع بين ما ورد من طرق أهل الخلاف ولم يقع في روايةٍ من روايات أهل الحق أن الطائر صنعته أُم أيمن. انتهى. قاله السيد محمّد قلي طاب ثراه.

خلط وخطأ للدهلوي في المقام

ورابعاً : إنّه لا دخل لشعر الصاحب ابن عبّاد الذي ذكره بعد شعر السيد الحميري بالإِختلاف، إذ لم يتعرّض الصاحب في هذا البيت إلى كيفية مجئ الطائر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليكون مدلوله مخالفاً لشعر الحميري أو لرواية الطبرسي في الاحتجاج. ومن هنا يظهر اختلاط الأمر على ( الدّهلوي ) مع أنّه قد أدّعى متانة بحوثه في هذا الكتاب في مقابلة أهل الحقّ.

نتيجة البحث: سقوط دعوى الوضع

وقد تحصّل إلى هنا - حيث تعرضنا لِما ذكره ( الدهلوي ) في متن ( التحفة ) وحاشيتها - سقوط دعوى وضع حديث الطّير، وقد عرفت التنصيص من ابن حجر المكّي وغيره على بطلان هذه الدّعوى.

وهذا تمام الكلام مع ( الدهلوي ) في هذا المقام. والحمد لله وحده.

* * *

١٣٧

١٣٨

مع العلماء الآخرين

في أباطيلهم حول حديث الطَّير

١٣٩

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399