مرآة العقول الجزء ٢٣

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 446

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32459 / تحميل: 3639
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

على القطع بأنَّ الدين لم يصل إلى أعماق قلوبهم، ولم يفهموا الإسلام كما يريد الإسلام.قال أبو جعفر نقيب البصرة: (إنَّ الإسلام ماحلا عندهم، ولا ثبت في قلوبهم إلاّ بعد موته (يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين فُتحت عليهم الفتوح وجاءتهم الغنائم والأموال، وكثرت عليهم المكاسب، وذاقوا طعم الحياة، وعرفوا لذَّة الدنيا، ولبسوا الناعم، فاستدلُّوا بما فتح الله عليهم وأتاحه لهم على صحة الدعوى وصدق الرسالة.وكانصلى‌الله‌عليه‌وآله وعدهم بأن سيفتح عليهم كنوز كسرى وقيصر، فلمَّا وجدوا الأمر قد وقع بموجب ما قاله، عظَّموه وبجَّلوه وانقلبت تلك الشكوك وذلك النفاق وذلك الاستهزاء إيماناً ويقيناً وإخلاصاً، وتمسَّكوا بالدين ؛ لأنَّه زادهم طريقاً إلى نيل الدنيا).

وما مقدار هذا التأثُّر ؟ سؤال لم يجب عنه صاحب الكتاب غير أنَّه يصح منَّا أن نقول: لم يتركه هملاً ؛ فإنَّ الجواب يستفاد من عدة مواضع من الباب الثالث وما بعده، ويصح أن نلخِّصه بالجمل التالية: (ونزعات دينية جديدة ظهر أثرها فيما بعد، وأظهرها في الإسلام التشيُّع والصوفية) هذا هو الجواب

فيما نرى.ولعل صاحب الكتاب يرى أنَّ التشيُّع ظهر في الإسلام متأخِّراً، ولعله يرى أنَّ الذي أظهره النزاع بين الهاشميين والأُمويين، أو لعلّه يذهب مذهب المخرِّفة الإفرنسية الباحثة عن الفردوس القائلة: (إنَّ التشيُّع ظهر في فارس منذ التجأت إلى الفرس فاطمة أرملة علي)!! والذي نعتمده أنَّه يرى أنَّ النزعات تكوَّنت بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنَّ سببها مسألة الخلافة التي اشتد فيها الخلاف بين المسلمين.

وعلى كل حال، يظهر لنا بوضوح من مجموع كلامه أنَّ نزعة التشيُّع كانت نقمة على الإسلام، وأنَّها ظهرت في فارس، وفيها نمت بذرتها وأورق غصنها.فكأنَّه يزعم أنَّه يستحيل على العربي الذي فهم دين الإسلام أن يفهم التشيُّع.فهو ينقم على الفرس لأنَّهم فرس ؛ أي ليسوا عرباً! وهذا غير قابل للتعليل، وغير قابل للزوال ؛ لأنَّ الفارسي يستحيل أن يكون عربياً.وينقم عليهم لأنَّهم شيعة ؛ أي لأنَّهم يحبُّون عليَّاًعليه‌السلام وأولاده، إذ ليس التشيُّع أمراً وراء ذلك.

وأمَّا أنَّ التشيُّع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام، ولكن بمعنى ساذج (كما ذكره ص٣٣١) فإنَّا نرجئ الكلام فيه وفي زمان تكوُّن الشيعة إلى الفصل الذي عقده للكلام على

____________________

على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ) الحديث.وهو صريح بما ذكرناه ،على أن المحدِّثين حيث يذكرون القصة ولا يذكرون عمر، فإنَّهم يذكرون لفظة: (إنَّ النبيَّ يهجر)، فراجع: البخاري، ج ٢، ص ١١٨، ومسند أحمد، ج ١، ص ٢٢٢، ومسلم في آخر كتاب الوصية من صحيحه، تجد تلك الوصية.

٢١

الشيعة ومذاهبهم، ولكن يصح أن نقول إجمالاً: إنَّ آراء الأُستاذ لا تخرج عن أنَّها تكهُّنات لا مبرِّر لها في التاريخ، ولا شاهد لها سوى العاطفة والجهل بتاريخ مبدأ التشيُّع ؛ فإنَّ التشيُّع لعليعليه‌السلام بدأ من يوم غدير خم، ذلك اليوم الذي حضره تسعون ألفاً من المسلمين أو يزيدون، وابن الجوزي في تذكرته ذكر أنَّه ١٢٠ ألفا.

يبقى نقطة واحدة في كلام صاحب الكتاب حاول غير مرة أن يجعلها حقيقة ذات قيمة تاريخية، هي: أنَّ نزعة التشيُّع دخلت مقارنة للفتح في بلاد فارس، وهذه مهزلة من التاريخ يمليها الأُستاذ على العالم وفي الجامعة المصرية، يحسب أنَّها ذات قيمة في سوق الحقائق، وليس هي إلاّ هفوات تاريخية قيمتها تحت الصفر.

يعلم كل من ألمَّ بالتاريخ أنَّ التشيُّع ظهر في بلاد فارس في آخر الدولة الأُموية، ولم يكن له ذلك الانتشار الذي يتذمَّر منه الأُستاذ ومَن لفَّ لفَّه، بل كان المتديِّنون به قليلين جداً، وإنَّما الذي كان رائجاً في أسواق فارس، التسَنُّن لا غير، ويصح أن نقول :إنَّ التسَنُّن حلَّ محل المجوسية في بلاد فارس، وكانت الكثرة المطلقة في بلاد فارس مشبَّعة بالنصب والمغالاة في بغض عليعليه‌السلام ، وهذا لا يخفى على مَن رجع الى تاريخ إيران بعد الفتح.قال في روضات الجنَّات نقلاً عن بعض أعلام عصره: إنَّ أهل أصفهان استمهلوا ولاة عمر بن عبد العزيز بجعلٍ كثير حتى يُتِمَّ أربعينهم في سبِّ أمير المؤمنينعليه‌السلام بعدما أُخبروا برفع ذلك.

أبو ذر الغفاري ينقاد لرأي مزدك الفارسي

أُمثولة من صفحات التاريخ السوداء التي رسمتها يد العصبية الأثيمة يوقِّع على نغماتها اليوم، في عصر تمحيص الحقائق عصر النور، أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام ؛ فيرتاح لقول الطبري بأنَّ ابن السوداء أفسد أبا ذر على معاوية، وينشرح صدره حيث وقف على وجه الشبه بين رأي أبي ذر ومزدك من الناحية المالية فقط (ص ١٣١).

كنَّا نظنُّ أنَّ العصبية تصرَّمت أيَّامها وتقلَّصت روحها الخبيثة، بيد أنَّا نرى أنفسنا في معترك جديد وثورة براكين من العصبية تتقاذف منها قنابل جديدة (من عيار خمسين)، ولقد كانت العصبية في القرون الخالية تقف عند حد ربَّما لا تتجاوزه إلاّ نادراً، ولكن سِفر حياتنا المضطرب يحمل لنا على صفحاته أشكالاً من الهياكل المجسَّمة يصح لنا أن نسمِّيها العصبية، بيدها اليمنى سيف التبشير مسلولاً وباليسرى المعول لهدم الدين من أساسه، وتتجلَّى هذه الروح

٢٢

في كتاب الأدب الجاهلي ؛ حيث يرى مرة أن الإسلام تأثَّر باليهودية وثانياً بالنصرانية وثالثاً أنَّ القرآن تأثَّر بشعر أميَّة بن الصلت، ولو فتحنا كتاب فجر الإسلام لرأينا تلك الروح لها تلك النغمة من بعض الجهات ؛ فإنَّه يحدِّثنا أنَّ أبا ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه - ذلك العالم الكبير الصحابي - تأثَّرت عقليَّته بالمذهب المزدكي من الناحية المالية فقط، ولم يقتنع أبو ذر بذلك التأثر الروحي واعتناق هذا المذهب الجديد فحسب، بل حملته نفسه (بزعم الأستاذ أحمد أمين) على جعله مذهبا لمسلمي الشام حين إذ ذاك، فرفع عقيرته قائلاً: (يا معشر الأغنياء، وأسوا الفقراء) ويتلو:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ ِلأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ) .

هذه هي الشريعة الجديدة التي سيطرت على عقلية أبي ذر وقادته إلى حمل الناس عيها ولم يستطع العيش بدونها، هذه مزعمة هذا الفيلسوف الجديد الذي أخذ على عاتقه مسؤولية البحث في الحياة العقلية في صدر الإسلام، فخبط في مواضع من كتابه وخلط، وقد وقفت على شيء منها وستقف في غضون الفصول الآتية على الكثير.

وما أغرب الدهشة التي تستولي علينا عندما نقوم بتحليل هذه العبارات التي أضاع الأستاذ الوقت في رقمها، ولو استعملنا الصراحة في التعبير لقادنا ذلك إلى القول بأنَّ الأستاذ يرى أنَّ الإسلام تأثَّر بمذهب مزدك لا أنَّ أبا ذر المتأثِّر.. ولا نقول ذلك على سبيل التكهُّن أو الظن في الاستنتاج، فإنَّ تلاوة أبي ذر للآية الكريمة لأكبر دليل على ذلك ؛ وبتعبير أصح: إنَّ وجود آية في الكتاب العزيز تؤيِّد نظرية أبي ذر الجديدة كافٍ في الدلالة على أنَّ القرآن الشريف تأثَّر بمذهب مزدك، وأنَّ أبا ذر تأثَّرت نفسيته بالقرآن لا غير...

ومهما اطمأنت نفوسنا إلى الشك واتخذناه مذهباً في البحث، فلا أراني شاكاً في هذه النتيجة، وأفسح مجالاً للقارئ المتكهرب قلبه بأسلاك الشكوك فلينظر إلى هذه النتيجة فهل يمكن التخلُّص منها؟ وكيف يمكن الفرار عنها؟ عبثاً يحاول المحاولون غير هذا ؛ فإنَّهم إنْ أطلُّوا على الماضي ووضعوا نفسية أبي ذر الشريفة في بوتقة التحليل، فلا يخالجهم شك بأنَّها نفسية يستحيل عليها بأن تتأثَّر بغير القرآن الشريف وقول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا تدين بغير الحقائق التي لا يدخلها أي شك. هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يملي علينا شيئاً من نفسية هذا الصحابي الكبير فيقول - كما في رواية أبي عثمان سعيد بن نصر بسنده عن أبي الدرداء: (ما أظلَّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء أصدق لهجة

٢٣

من أبي ذر)(١) .

ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أبو ذر في أمتي شبيه عيسى بن مريم في زهده)، وفي رواية بعضهم: (مَن سرَّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر) وأمير المؤمنين عليعليه‌السلام يكشف لنا الستار عن حياته العلمية فيقول حينما سئل عنه: (ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم وكأ عليه ولم يُخرج منه شيئاً)(٢) .

هذه نفسية أبي ذررضي‌الله‌عنه تنكشف أمامنا طيبة طاهرة زكية لا تعدو الحق الصراح وتشبه أن تكون نفس ملك مقرَّب.إذاً كيف انقادت لرأي مزدك؟ أيُّ مالٍ هذا الذي كان به أبو ذر مزدكياً اشتراكياً؟ وهل في سائر الأحوال كان كذلك؟

نستعرض صفحات التاريخ لنسمع حديثها، وها هي تلك الصفحات التي يسميها الناس تاريخاً ويعتمدون عليها تحدِّثنا - والحديث ذو شجون - أنَّه كان في سائر الأحوال اشتراكياً، يقول ابن الأثير والطبري - واللفظ للأول - : (وكان أبو ذر يذهب إلى أنَّ المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته، أو شيء ينفقه في سبيل الله أو يعدَّه لكريم... يقول: فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء وشكا الأغنياء ما يلقون منه(٣) وهذا اليسير من الكلام يملي علينا درساً كاملاً من حياة الصحابي الاشتراكية المزدكية، فكانت حياة كاملة في الاشتراكية.

ويظهر أنَّ أداة السياسة الطائفية أعملت صناعة في هذا التاريخ لا تكاد تخفى(٤) ، ولو أنعمنا

____________________

(١) هذه رواية الاستيعاب في باب جندب، وفي ابن أبي الحديد، ج ١، ص ٢٤١ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : (ما أظلَّت الخضراء وأقلَّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر)، ورواه ورقاء وغيره مسنداً إلى أبي هريرة فراجع: الاستيعاب، ج ١، ص ٤٨ وفيه روى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: أين تركتَ أبا ذر؟ قال: بالربذة، فقال أبو الدرداء: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لو أنَّ أبا ذر قطع مني عضواً ما هجته ؛ لِمَا سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه.مشيراً إلى الحديث، فتأمل.

(٢) قال في الاستيعاب في باب جندب: وكان من أوعية العلم المبرَّزين في الزهد والورع والقول بالحق، ثم ذكر الحديث.

(٣) ابن الأثير، ج ٣، ص ٤٢.

(٤) هذه الصناعة يعلمها كل مَن راجع التاريخ ؛ فابن الأثير يقول: (وقد ذكر في سبب ذلك أمور كثيرة ؛ من سبِّ معاوية إيَّاه وتهديده بالقتل، وحمله من المدينة إلى الشام بغير وطاء، ونفيه من المدينة على الوجه الشنيع لا يصح النقل به، ولو صحَّ لكان ينبغي أن يعتذر عن عثمان ؛ فإنَّ للإمام أن يؤدِّب رعيَّته) ج ٣، ص ٤٢، ومثله غيره.من هنا نستطيع أن نعرف تلك اليد الأثيمة التي كانت تعبث بالحقائق وتعلم قيمة هذا التاريخ الكاذب.

٢٤

النظر مليَّاً، لعلمنا حق العلم بأنَّ هذه الأسطورة التاريخية ما هي إلاّ تشويه لحياة هذا الصحابي الجليل الزاهد الورع الذي لم يخالط قوله غير الحق، والذي أطبق أهل القبلة على علو منزلته وسامي مقامه وقبول روايته، فشوهةً وبوهةً لهذا التاريخ أو المخاتلة والمراوغة في إظهار الحقائق، وبُعداً لهذه العصبية التي تتجلَّى بين سطور التاريخ وفي منعرجات حروفه، وكم للمؤرِّخين من أمثال هذه المراوغة!؟

كل أحد يعلم أنَّ أبا ذررضي‌الله‌عنه لم يكن سريع الانفعال والتأثُّر، ولا خاضعاً للعوامل السيئة التي تحدث غالباً من اختلاف المجتمع والتشاغب الحاصل من سوء التصرف في مجريات الأحوال.كل ذلك لم تنطبع عليه نفسية أبي ذر، فإنَّها كانت مطمئنة هادئة... ونحن نعلم أنَّ لأبي ذر ثورتين جاهر فيهما بمبدئه السامي الذي جعله نموذج حياته الشريفة منذ اطمأنت نفسه بالإسلام: إحداها بالمدينة أعقبها نفيه للشام، والثانية في الشام أعقبها إرجاعه على أخشن مركب للمدينة ونفيه للربذة.ولم يحدِّثنا أحد عن ثورة له من ذي قبل ؛ أي على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، ومهما تخرَّصنا في نفسية أبي ذررضي‌الله‌عنه وجعلنا مجالاً للشك، فلا أخال أنَّ المنصفين يفسحون لنا المجال للقول بأنَّ هذا الصحابي الجليل كان ينقاد في أعماله وثوراته لهوى النفس، أو أنّ الشيطان استزله فثار تلك الثورة التي سلبته الراحة والاستقرار حتى النفس الأخير من حياته الذي لفظه بالربذة... ولابد أن نعلم السبب الذي بعث أبا ذر وحرَّك عاطفته للثورة في ذلك الزمن العصيب وما هو؟

يستحيل علينا إذا أردنا حلَّ هذه المعضلة التاريخية أن نتمكَّن من ذلك ما دمنا نستعمل المغالطة وكتم الحقائق.إذاً لابد لنا ونحن نريد حلها من المصارحة في القول ليتضح لنا أنَّ أبا ذر لم يكن مزدكياً، ولم يأخذ هذه التعاليم عن ابن السوداء عبد الله بن سبا، وإنَّما هي تعاليم منقذ العالم من الجهالة والضلالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويستحيل أيضاً علينا حلَّها وأخذ نتيجة ما، ما لم نحدِّد الحياة بشروط تلتئم مع روح الإسلام في بدئه ومع بيئة الحجاز القاحل، وبتعبير أصح من هذا: هناك عقبة كؤود تقف سدَّاً حائلاً دون أن تأخذ شكلاً من النتيجة الصالحة، إذا لم نضرب مثلاً يكون هو النموذج لحياة عاهل المسلمين في ذلك العصر، ولا أراني أتخطى حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنَّها المثل الأعلى، ولا أراك كيفما أدرت نظرك نحو تلك الحياة الشريفة إلاّ أنَّك تقف على حياة هادئة مطمئنة بسيطة خالية عن كل مظهر من

٢٥

المظاهر ؛ فنراهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعدل بين الرعية ويقسِّم بالسوية، لا تذهب به العاطفة إلى حيث زلة القدم، فلا يرى لقرابةٍ حقاً ما لم يكن أمر من الله عزَّ وجل، وهناك مظهر آخر ما أدقه لو تأمله خصماء أبي ذررضي‌الله‌عنه ، ذلك أنَّه طالما يطوي اليوم واليومين جوعاً، بلوالثلاثة، وهذه سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحدِّثنا أنَّه كان يشدُّ حجر المجاعة على بطنه الشريف، ونعيد الكرة فنقول: لا حرج إنْ قلنا إنَّه يلزم على راعي المسلمين أن يسلك هذه الطريق الواضحة، وكتب السِّير تحدِّثنا عن نحو من التشابه بين حياة أبي بكر وعمر وحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكن هلمَّ أيُّها القارئ لنسمع الحديث عن سيرة عثمان ونتفهَّمها جيداً لنرى هل تتَّفق مع سيرة مَن تقدَّمه؟ أو هل لها شبه ما بسيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ونحرص كل الحرص على أن نعتمد على المصادر التي يؤمن بها أحمد أمين ومَن يضرب على وتيرته.

يحدِّثنا ابن أبي الحديد(١) أنَّه عندما انقضى أمر الشورى واستقر الأمر لعثمان وبايعه الناس أوطأ بني أُميَّة رقاب الناس(٢) وأقطعهم الإقطاعات ؛ فوهب مروان بن الحكم خُمس غنائم أفريقيا، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن الحنبل جنيد الجمحي:

أحلف بالله ربِّ الأنام

ما ترك الله شيئاً سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلي بك أو نبتلى

فإنَّ الأمينين قد بيَّنا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهماً غيلة

ولا جعلا درهماً في هوى

وأعطيتَ مروان خمس البلاد

فهيهات سعيك ممَّن سعى

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ٦٦ و ٦٧.

(٢) وبذلك صدق عمر في تكهُّنه فيه ؛ قال ابن عباس - كما في شرح ابن أبي الحديد، مجلَّد ٣، ص ١٠٦ - : كنت عند عمر فتنفس نفساً ظننت أنَّ أضلاعه قد انفرجت، فقلت: ما أخرج هذا النفس منك يا أمير المؤمنين إلاّ هم شديد؟ قال: إي والله يابن عباس، إنِّي فكَّرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي.ثم قال: لعلك ترى صاحبك لها أهلا؟ قلت له: وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه ؟! قال: صدقت، ولكنَّه امرؤ فيه دعابة، قلت: فأين أنت من طلحة ؟ قال: هوذو البأو بإصبعه المقطوعة.قلت: فعبد الرحمن ؟ قال: رجل ضعيف، لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته.قلت: فالزبير؟ قال شكس لقس، ويلاطم في البقيع في صاع من بُر.قلت: فسعد بن أبي وقَّاص ؟ صاحب مقنب وسلاح، قلت: فعثمان؟ قال : أُوَّه أُوَّه، مراراً.ثم قال: والله لئن وليها ليحملنَّ بني أبى معيط على رقاب الناس، ثم لتنهضنَّ إليه العرب فتقتله) أقول: وكأنَّها حاجة في نفس عمررضي‌الله‌عنه أن جعلها شورى في ستة وحرص على أن تكون في الصفة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فقضاها.

٢٦

وأقطعه فدكاً، وما أدراك ما فدك؟! ذلك الذي مُنعت عنه وديعة محمد في أمته فاطمة الزهراء سيد نساء العالمين وبضعة سيد النبيين والمرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرواية رواها المانع، وأعطى عثمانُ عمَّه الحكم بن العاص، طريد رسول الله، مئة ألف درهم، وأعطى الحرث بن الحكم بن العاص ثلثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مئة ألف درهم، وأعطى عبد الله بن أبي سرح ما أفاءه الله تعالى على المسلمين من فتح أفريقيا، وأعطى أبا سفيان بن حرب مئتي ألف درهم، وقسَّم الأموال التي جاء بها أبو موسى من العراق على بني أميَّة(١) ، وأعطى عبد الله بن خالد بن أُسيد صلة كانت أربعمئة ألف، انتهى ملخَّصاً.وقال أبو الفداء: (وأعطى مروان خُمس أفريقية وهو خمسمئة ألف دينار، ربع مليون ليرة، وفي ذلك يقول عبد الرحمن الكندي (وذكر الأبيات) وأقطع مروان بن الحكم فدكاً ؛ وهي صدقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي طلبتها فاطمة ميراثاً، فروى أبو بكر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث)، ولم تزل فدك في يد مروان إلى أن تولَّى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله وردَّها صدقة) انتهى(٢) وابن جرير الطبري يحدِّثنا فيقول: (كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلاثمئة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم.قلت: أو لمروان؟ قال: لا أدري)(٣) أقول: هنا نقف هنيهة ؛ إذ يستوقف نظرنا حادث غريب لا نعرف كيف يتفق مع هذا السخاء المفرط، ذلك أنَّ عثمان لمَّا أرسل عبد الله بن سعد، وكان أخاه من الرضاع، لغزو أفريقية قال له: إن فتح الله عليك أفريقية فلك ممَّا أفاء الله على المسلمين خُمس الخُمس، ويقول ابن جرير الطبري: وقسَّم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند وأخذ خُمس الخُمس، وبعث بأربعة أخماس إلى عثمان مع ابن وثيمة النظري، وضرب فسطاطاً في موضع القيروان وأوفد وفداً فشكوا عبد الله فيما أخذ، فقال لهم: إنَّا نفلته، وكذلك كان يصنع، وقد أمرت له بذلك وذاك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: فإنَّا نسخط، قال: فهو رد، وكتب إلى عبد الله بذلك(٤)

____________________

(١) إنَّا لنجهل حقيقة هذا التقسيم ويجهله كل أحد، ولعل عثمان لا يرى أحداً من الأنصار والمهاجرين مسلماً صحيح الإسلام إلاّ بني أبي معيط، إنَّ هذا لشيء عجاب.

(٢) ج ١، ص ١٨٧.

(٣) ج ٥، ص ٥٠.

(٤) عبد الله بن سعد هو عبد الله بن أبي سرح المذكور في كلام أبي الحديد كما عرفت، أسلم قبل الفتح وكان يكتب الوحي، ثم ارتد مشركاً وصار إلى قريش في مكة فقال لهم: إنِّي كنت أصرف محمداً حيث أريد، كان يملي علي َّعزيز حكيم، فأقول: حكيم عليم، فيقول: (نعم، صواب) ولمَّا كان يوم الفتح هدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه وأمر بقتله ولو وجد تحت أستار الكعبة، ففرَّ إلى عثمان، فغيَّبه مدة، ثم أتى به إلى النبي وطلب أمانه، فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثم قال: (نعم)، وبعد أن خرج عثمان وعبد الله قال رسول الله لمَن حوله: (ما صمتُّ إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه) انتهى ملخَّصاً عن الاستيعاب، ج ١، حرف العين، باب عبد الله.

٢٧

فإنَّا كلَّما حاولنا تعليلاً صحيحاً لهذا الحادث الغريب في بابه، وكلَّما قلبنا الأمر ظهراً لبطن، لم يصل الفكر إلى حلٍّ صحيح يصح لنا أن نسميه

تعليلاً.إذن ،ونحن نريد الوصول إلى الحقيقة نرجعه إلى المدرِّس بكلية الآداب بالجامعة المصرية الأستاذ أحمد أمين.وينحصر السؤال بأمرين: لماذا توقَّف من إعطاء خُمس الخُمس - وقد نفله إيَّاه - وأناط الأمر بسخط الوفد وعدمه؟ لماذا لم يستشر المسلمين بإعطاء الخمس كله لمروان؟ ولا حرج علينا إن قلنا للأستاذ أنَّ كلمة (اجتهد) مرادفة لكلمة أخطأ أو اشتبه، على أنَّ الحادثتين من واد واحد وموضوعهما واحد وملاكهما واحد، فكيف يعقل اختلاف نظر المجتهد فيهما؟

وابن الأثير يحدِّثنا بحديث إن صح، وإن شاء الله لا يكون صحيحاً، يدلُّنا على الفوضى التي كانت تعمل في بيت المال في ذلك الوقت ؛ فإنَّها كانت تجرف ما في بيت المال إلى خزائن بني أميَّة، يقول: وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمئة ألف دينار، فوضعها عثمان

عنه، وكان هذا ممَّا أخذ عليه، وهذا أحسن ممَّا قيل في خمس أفريقية ؛ فإنَّ بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد، وبعضهم يقول: أعطاه مروان بن الحكم.وظهر بهذا أنَّه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتح فيها جميع أفريقية(١) .

وتتجلَّى بوضوح هذه الفوضى الجارفة التي نشبت مخالبها في بيت المال، والتي لا تتَّفق مع عقلية أي عصر من العصور، إذا سمعنا المسعودي يقول في حديثه: (وكان عثمان في نهاية الجود والكرم والسماحة والبذل في القريب والبعيد، فسلك عماله وكثير من أهل عصره طريقته، وبنى داره في المدينة وشيَّدها بالحجر والكلس وجعل أبوابها من الساج والعرعر(٢) واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة... وذكر عبد الله بن عيينة أنَّ عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون ومئة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مئة ألف دينار، وخلف خيلاً كثيرة وإبلاً، وقد ذكر سعيد بن المسيَّب أنَّ زيد بن ثابت حين مات خلف من الذهب والفضة ما يكسَّر بالفؤوس(٣) غير ما خلف من الضياع بقيمة مئة

____________________

(١) ج ٣، ص ٣٥.

(٢) العرعر كمرمر، قال في القاموس: شجر السرو فارسية، الواحدة سروة، وقيل: الساسم وهو شجر أسود، وقيل: إنَّه الأبنوس، وقيل:

الشيزي، وقيل: شجر يعمل منه القسي.

(٣) الفؤس والأفؤس جمع فأس ؛ وهي آلة ذات هراوة قصيرة يقطع بها الخشب وغيره، مؤنَّثة، وقد يترك همزها يقال: فاس الخشبة؛ أي شقَّها بالفاس.

٢٨

ألف دينار... ومات يعلى بن أميَّة وخلّف خمس مئة ألف دينار وديوناً على الناس وعقارات وغير ذلك ما قيمته مئة ألف دينار... إلى أن قال: وهذا باب يتَّسع ذكره ويكثر وصفه فيمن تملَّك من الأموال في أيَّامه، ولم يكن مثل ذلك في عصر عمر بن الخطاب، بل كانت جادَّته واضحة وطريقته بيِّنة، انتهى.

وكأنَّ المسعودي أراد المقايسة بين عمر وعثمان فقال: حج عمر فأنفق في ذهابه ومجيئه إلى المدينة ستة عشر ديناراً، وقال لولده عبد الله: لقد أسرفنا في نفقاتنا في سفرنا، انتهى(١) .

ونحن نترك المقايسة بين حياة هذين الخليفتين للقارئ الكريم، وله نترك الحكم والتحليل الفني ليستطيع أن يعلم أنَّ أبا ذررضي‌الله‌عنه لم يكن مزدكياً ولا اشتراكياً وإن كان ولا بد أن تصفه بشيء من ذلك، فلابد أن تحمل هذه الألقاب على الخليفتين، بل وعلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونعوذ بالله من ذلك.

شاهد أبو ذر بأمِّ عينه ما سمعناه بعد ألف وثلاثمئة ونيف وعشرين سنة، إذن يحق له أن يستغرب تلك الفوضى في بيت المال التي لم يكن رآها من قبل، ويصح - وأيم الله - أن تكون سبباً لتهيُّجه وثورته بالمدينة وأن يتلو قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) الآية.

لا يشك أحد في أنَّ أبا ذر لمَّا رأى هذا العطاء بسخاء مفرط وسرف في مال المسلمين من غير مبالاة، رفع عقيرته يقول مرة:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) ، وثانية يقول: (وبشِّر الكافرين بعذاب أليم) ولم يكن في رأيه هذا منقاداً لمزدك وإنما للتعاليم الإسلامية التي كان عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده، وقد تفهَّمناها فهماً حقيقياً من سيرة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام (٢) .

____________________

(١) مروج الذهب، ص ١٥٠ من هامش الجزء الخامس من تاريخ ابن الأثير.

(٢) فإنَّه كان يأتدم بإدام واحد بخل أو ملح، وكان يلبس الكرباس، ويجمع كل هذا أنَّه كان أخشن الناس مأكلاً وملبساً. قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد فقدِّم إليه جراب مختوم، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً، فقُدِّم فأكل، فقلت: يا أمير المؤمنين، فكيف تختمه؟ قال: (خفتُ هذين الولدين أن يليِّناه بسمن أو زيت) وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة وبليف أخرى) وهو القائل - بأبي هو وأمي - في كتابه لعثمان بن حنيف: (ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه) وقال فيه: (فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفرا، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا... ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفَّى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيُّر الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة مَن لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع )إلى آخر الكتاب.أقول: هكذا يجب أن تكون حياة خليفة المسلمين.

٢٩

وبأيسر نظرة في التاريخ يعلم الباحث أن أبا ذر لم ينفرد بالإنكار على عثمان، بل شاركه غيره من الصحابة في الاحتجاج على أعماله.يقول ابن أبي الحديد: (ولمَّا تكاثرت أحداثه وتكاثر طمع الناس فيه، كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى مَن بالآفاق: إنَّكم إن كنتم تريدون الجهاد فهلمُّوا إلينا ؛ فإنَّ دين محمد قد أفسده خليفتكم فاخلعوه، فاختلفت عليه القلوب)(١) وفي الحق أنَّ أبا ذر لم يكن أشد إنكاراً على عثمان ولا أشد احتجاجاً من غيره من الصحابة، فإنَّ هناك مصادر كثيرة تبعث في النفس اليقين أنَّ لهجة الاحتجاج عليه من الصحابة شديدة جداً ؛ فهذا ابن الأثير وغيره يحدِّثنا عن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أنَّها كانت تقول: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) وفي ذلك يقول ابن أم كلاب

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام

وقلتِ لنا: إنَّه قد كفر(٢)

ويقول العلّامة المعتزلي ابن أبي الحديد: (فجاء زيد بن أرقم - وكان صاحب بيت المال - بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى، فقال: أتبكي لأني وصلت رحمي، قال: لا، ولكن أبكي لأنِّي أظنَّك أنَّك أخذت هذا المال عوضاً عمَّا كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو أعطيت مروان مئة درهم لكان كثيراً، فقال: القِ المفاتيح يا ابن أرقم ؛ فإنَّا سنجد غيرك(٣) .

ولا أحب أن أكثر عليك سرد الاحتجاجات من سائر الصحابة وحسبنا شاهداً تلك القيامة التي قامت وهاتيك الضوضاء التي علت فأدت إلى قتل خليفة المسلمين بمرأىً ومسمع من الصحابة أجمع، ومهما ضعفت مداركنا وأردنا أن نخدع أنفسنا بتلك السطور التاريخية فلا يسعنا أن نقف أمام تلك الحوادث جامدين لا نعلم ماذا نقول ؛ فإنَّه من المستحيل أن نؤمن بأن تلك الحملة العنيفة على خليفة المسلمين كانت عن عبث أو ضلَّ المسلمون والصحابة وأضاعوا رشدهم ونبذوا الدين ظهريا فلا يرون لخليفتهم حرمة، فيهاجمونه لا عن سبب، وعلى أيِّ محمل من المحامل الصحيحة نحمل كلام عائشة أم المؤمنين وهي ممَّن يحتج بكلامها(٤) .

____________________

(١) شرح النهج، ج ١، ص ١٦٥.

(٢) ابن الأثير، ج ٣، ص ٨٠، والطبري، ج ٥، ص ١٧٤.

(٣) شرح النهج، ج ١، ص ٦٧.

(٤) لعلك تقول: إنَّ أم المؤمنين رجعت عن قولها (اقتلوا نعثلاً فقد كفر)، وقالت لابن أم كلاب: (ويلك، قولي الأخير خير من قولي الأول) ذكر ذلك الطبري وغيره، ولكن أقول: إنَّ هذا الكلام منها لا قيمة له ولا وزن بعد أن عرفنا مغزاه والمقصد الذي ترمي إليه، وتستوضح ذلك المقصد من قولها (رضي الله عنها) له: (والله، ليت أن هذه انطبقت على هذه إنْ تمَّ الأمر لصاحبك) فإنَّ هذا الكلام يوضح لنا نفسية أم المؤمنين ؛ ويبيِّن لنا أنَّها لم تأسف على قتل عثمان وإنَّما تألَّمت لأنَّ علياًعليه‌السلام ولي الأمر، ونحن صعب علينا كشف هذا السر الغامض وإن أحب ذلك دعاة التفرقة وأنصار الحرية والتجدُّد.

٣٠

وأمَّا لو عمدنا إلى شرح الأسباب التي حرَّكت عواطف أبي ذر فثار في الشام منتصراً للحق الذي اتخذه مبدأ منذ دخل في الإسلام لطال بنا الكلام، ولكن نقول إجمالاً أنَّ معاوية مثَّل دوراً كاملاً في الفظاعة والخلاعة والتهتُّك، وناهيك أنَّ الأموال كانت تصرف على إماتة السنن وإحياء الباطل ،كانت تصرف على الخمور والفجور وبناء القصور وهتك الحرمات وارتكاب المحرمات، وأنَّ أبا ذر نفسه يقول في حديثه: (والله، حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله وسنة نبيه، وإنَّي لأرى حقَّاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذَّباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه)(١) ، ولا أريد أن أحدِّثك بكل تلك الفظائع التي يندى منها جبين الإنسانية، ولا بكل بوائقه التي تسيخ منها الأرض، ولا أحدِّثك ببعضها ؛ فدونك السير والتواريخ تجد صحائفه سوداء من بوائق معاوية وقبائحه ومخازيه.

إلى هنا يكفينا هذا المقدار فلا نطيل الحديث... ومن هنا تقدر أن تعلم قيمة تلك الفلسفة التي جاء بها أحمد أمين، وغير مغالين إن قلنا: إنَّها لا وزن لها ولا قيمة في سوق الحقائق.

نحن نرى أحمد أمين نفسه (في صفحة ٩٧) يقول: وقد عجزوا (يعني أهل الردة) عن أن ينظروا إلى أنَّ الزكاة كجزء من المال يؤخذ للصرف في الصالح العام، وهو ما يرمي إليه الإسلام، فما باله تعامى عن تلك الأموال التي كانت تجرفها السياسة إلى خزائن بني أميَّة فلم يدلنا في أي صالح من المصالح العامة أنفقت؟ والى أيِّ مسلم عابد أو مربية أيتام أعطيت؟؟ وكأنَّ العصبية أخذت بخناقه دون أن يجاهر بشيء من الحقائق، فلم يرَ ملجأ يأوي إليه إلاّ التحامل على أبي ذر فرماه بالمزدكية (ففي سبيل حرية البحث يحتسب أبو ذر هذه الوصمة).أجل، ونفسح المجال للمعترض بأن يقول: أيُّ دخل لهذه الأموال التي كان ينفقها عثمان بثورة أبي ذر ؛ ذلك أنَّ كلام أبي ذر (كما دلَّتنا عليه سيرته) كان موجَّهاً للأغنياء، حيث كان يمشي بالأسواق حتى شكا منه الأغنياء إلى غير ذلك؟ قلنا: هذا اعتراض يولده ضيق الخناق والمخاتلة في الحق الصراح ؛ ذلك أنَّك عرفت أنَّ أبا ذر كان ثالث المسلمين أو رابعهم، إذن عاش ردحاً من الزمن في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدة خلافة أبي بكر وعمر، والأغنياء وأصحاب الأموال

____________________

(١) ابن أبي الحديد، ج ١، ص ٢٤٠، ولا تضرُّنا دعوى صاحب الكتاب أنَّ ابن أبي الحديد شيعي معتدل ؛ فإنَّ الأستاذ اعتمد عليه في النقل واحتج به في مواضع من كتابه، ومن القبيح أن تكون باؤه تجر وباؤنا لا تجر، على أنَّه سيمرُّ عليك البرهان بأنَّه معتزل حنفي.

٣١

بمرأى منه، ولم يحدِّثنا أحد ولا تاريخ أنَّه انتقد غنياً أو تكلَّم بكلمة تشعر بشيء من ذلك ؛ إذن فما باله ثار تلك الثورة عليهم في مدة خلافة عثمان، كأنَّه حسب أنَّهم ضلُّوا الطريق أو أشركوا بالله، سبحانك اللهم لا شيء من ذلك، فلينصفنا المنصفون وما أقلَّهم.

عقائد الفرس وأثرها في نفوس بعض المسلمين

يستعرض صاحب الكتاب طوراً آخر من أطوار البحث العلمي الدقيق الجميل (بزعمه) ؛ ذلك أنَّه يلقي على مسرح التأليف درساً جديداً في الأدب وفي عقلية الإسلام، فيقول: (ممَّا يتَّصل بعقائد الفرس الدينية وكان له أثر في نفوس بعض المسلمين أنَّهم كانوا ينظرون إلى ملوكهم كأنَّهم كائنات إلهية اصطفاهم الله للحكم بين الناس وخصهم بالسيادة وأيدهم بروح منه فهم ظل الله في أرضه(ص ١٣٢) ولقد فسَّر ذلك البعض من المسلمين بقوله: (فنظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين في الملوك الساسانيين)(ص ١٣٤) وهو حديث طريف من أستاذ الجامعة المصرية التي تدرَّس فيها العصبية العمياء باسم الأدب مرة، واسم عقلية الإسلام ثانية، والأعجب أنَّ الجامعة تحسب أنَّ هذه الأبحاث ذات قيمة، وأنَّها أقيمت على أساس رصين من البرهان المنطقي.ولقد استقى صاحب الكتاب هذا الرأي من منبع أوربي، فإنَّه أخذه (تقليداً) عن دوزي ؛ حيث ذهب إلى أنَّ أساس الشيعة فارسي، وفي أثناء إثبات هذه المحاولة قال: (وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى المَلِك نظرة فيها معنى إلهي فنظر الشيعة هذا النظر نفسه في علي وأبنائه) وأنت ترى أنَّ أحمد أمين يستقي من هذا المنبع.

الشيعة يعتقدون في علي وأبنائهعليهم‌السلام أنَّهم (ظل الله في أرضه)، ولكن هل انحدر إليهم هذا الاعتقاد من الفرس أو كانوا به شذَّاذاً؟ وفي الحق أنَّهم اقتفوا أثر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فإنَّا نراه يقول: (أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَن ركبها ومَن تخلَّف عنها غرق)، وقال: (إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)الحديث(١) والشيعة لا يحاولون معنى من (ظل الله في أرضه) غير هذا المعنى الذي بيّنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث، من أنَّهم أمان أهل الأرض، وأنَّهم في هذه الأمة كباب حطة في بني إسرائيل، وأنَّهم كسفينة نوح، وأنَّهم أعدال كتاب الله، فإن كان هذا الاعتقاد من الشيعة في علي وأبنائه ذنباً فالمسؤول عن

____________________

(١) هذا حديث صحَّ عن ثلاثين صحابياً، وهو متواتر معنى بألفاظ متقاربة.

٣٢

ذلك إنما هو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ إذ هو الذي أمرهم بهذا، وللشيعة به الأسوة الحسنة.

كل مسلم قرأ آية المباهلة يعلم أنَّ علياًعليه‌السلام كنفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكل من قرأ آية التطهير والأحاديث الصحيحة الواردة في نزولها يعلم أنَّ علياً وأبناءه هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيرا، وقد افترض الله مودَّتهم في محكم الكتاب ؛ إذن لا ضير إن اعتقدت الشيعة فيه وفي أبنائهعليهم‌السلام ذلك، ولكن الغريب المدهش، والداهية الدهياء، والنازلة التي تصم المسامع، اعتقاد إخواننا أهل السنة (الذين تسرَّب الإيمان الكامل إلى أعماق قلوبهم في أمرائهم وملوكهم الذين ارتكبوا البوائق والفضائح، وشربوا الخمور وارتكبوا الفجور، وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وو... إلى ما هنالك من منكرات تسيخ منها الأرض ويندى منها جبين الإنسانية ؛ يعتقدون في معاوية ويزيد وأمثالهما من سائر الملوك والأمراء أنَّهم ظل الله في أرضه، وإليك نموذجاً: قال سعد الدين التفتازاني في مقدمة مطوَّله: (كل ذلك بميامن دولة سلطان الإسلام، ظل الله على الأنام، مالك رقاب الأمم، خليفة الله في العالم) وأعاد تلك النغمة في مختصره فقال: (رافع منار الشريعة النبوية، كهف الأنام، ملاذ الخلائق قاطبة، ظل الإله، جلال الحق والدين) .وقال عبد الرحيم السالكوني في حاشيته على شرح الشمسية: (جعلته عراضة لمَن خصَّه الله بالسلطة الأبدية، وأيَّده بالدولة السرمدية، مروِّج الملَّة الحنيفية البيضاء، مؤسِّس قواعد الشريعة الغراء، ظل الله في الأرض، غياث الإسلام والمسلمين) .وقال فيلسوف المؤرِّخين وإمام متجِّددي عصرنا الحاضر ابن خلدون في مقدمته: (مظهر الآيات الربانية، نور الله الواضح، ونعمته العذبة الموارد، ولطفه الكامن بالمراصد للشدائد، ورحمته الكريمة المقالد) .وجاء في نقش خطبة قابيتا على حجر بجبل عرفات ما نصُّه: (مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، حاوي فضيلتي السيف والقلم، ظل الله الممدود على العالم، أبو النصر قابيتا... إلخ) وجاء في وقفية كسوة الكعبة بخط قاضي المعسكر محمد بن قطب الدين ما نصُّه: (... السلطان الأعظم، والخاقان الأكمل، ظل الله في أرضه، السلطان سليمان شاه بن السلطان سليم... إلخ)(١) .

____________________

(١) الحق أنَّ هذا الشيوع من الغلو أفسح مجالاً واسعاً للشعراء وسهَّل لهم طريق المبالغة والعلو إلى ما فوق المعقول ؛ فربَّما يضع الشاعرُ الخليفة أو الأمير موضع الربوبية فيخاطبه بنحو ما يخاطب الله تعالى، ونضرب لك مثلاً قول بعضهم:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار

فاحكم فأنت الواحد القهَّار

وهذا باب واسع يوقف الباحث موقف الإعياء، وقد شاءت هذه التطرُّفات في اللهجات عند الأقدمين، سواء في ذلك الشيعة والسنة، فالذي يريد أن يحلِّل النفسيات يقف موقفاً رهيباً خطراً حينما يقف عند هذا البيت وأمثاله

٣٣

وجاء في مستهل المعاهدة بين تركيا وفرنسا سنة ١٧٤٠ في زمن السلطان محمود خان بن السلطان مصطفى، وهي أول معاهدة بين تركيا وفرنسا: (أنا سلطان السلاطين وملك الملوك، واهب تيجان المُلك، ظل الله على الأرضين باد شاه وسلطان البحر... إلخ)(١) ولقد شاعت هذه المبالغات على ألسنة العلماء.ولو رجعنا إلى مؤلَّفاتهم، خصوصاً بعد القرن الخامس من الهجرة، لرأيناهم إذا ذكروا أحد الملوك أو الأمراء وضعوه قريباً من مقام العزة الإلهية ورفعوه عن مصاف البشر، ومَن يرجع إلى مؤلَّفاتهم يجمع من هذه الألقاب الضخمة مجلَّداً كبيراً، ولا يعطونها جزافاً ؛ فلقد رووا عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إذا مررت ببلد ليس فيه سلطان فلا تدخله؛ إنَّما السلطان ظل الله في أرضه).

ولم يقف إخواننا أهل السنة عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى إطلاق بعض الصفات على بعض أوليائهم كما حدَّثنا بذلك المنفلوطي في نظراته عن إطلاق بعضهم صفات وألقاباً على الشيخ عبد القاهر الجيلاني هي بمقام الإلوهية أشبه منها بمقام النبوة: (سيد السماوات والأرض، والنفَّاع والضرَّار، والمتصرِّف في الأكوان، والمطَّلع على أسرار الخليقة، ومحيي الموتى، ومبرئ الأعمى والأبرص والأكمه، وماحي الذنوب، ودافع البلاء، والرافع والواضع، وصاحب الوجود التام) هذه بعض الألقاب التي أطلقوها على رجل مهما صوَّرته الأيَّام والظروف فلا تصوِّره أكثر من أنَّه كان رجلاً شريفاً صالحاً، على أنَّ ذلك وقع محلَّ شك من بعض العلماء وألَّف في ذلك كتاباً وردَّ عليه بعضهم ردَّاً مفصَّلاً سمَّاه: السيف الرباني في عنق الطاعن في الشيخ الجيلاني، وهذا البريد المصري يحمل في كل يوم أكداساً من المكاتيب من جميع الجهات المصرية إلى الإمام الشافعي وفيها التوسُّلات والشكايات، وفيها يطلبون معونة الشافعي على قضاء حوائجهم، ويستصرخه المظلوم على ظالمه، والرجل على زوجته، والوالد على ولده، والدائن على مدينه، إلى ما هنالك من آلام وأحزان ومصائب، ولربَّما كان هذا أمراً عاديَّاً عند مصر

____________________

لا يرى مناصاً عندما يريد أن يكشف عن معتقده إلاّ أن يقول: أشرك بالله - مثلاً - أو أنَّه حُلولي... إلى غير ذلك من العقائد التي تخرجه عن ربقة الإسلام، وبنظرنا أنَّ هذا ليس بصحيح ؛ لأنَّ شعر الأقدمين والكثير من المتأخرين بني على الغلو، فلا يصح أن يتخذ مقياسا للعقائد ومرآة للأخلاق، كما وأنَّه لا يصح أن يكون مرآة صادقة للوطنية ؛ فكم رأينا من الشعراء مَن يتغنَّى باسم الوطن، ولكن إلى إيِّ حد يتفانى بحب الوطن؟ إلى أن يتسنَّم الكرسي ويمتلئ فوه بالدرهم والدينار، وإذاً فالحق أنَّ لا نأخذ شعر الأقدمين دليلاً على شيء، وكذلك شعر الذين يتغنُّون باسم الوطن ومهوى أفئدتهم الأصفر الرنَّان.

(١) العرفان، مجلَّد ٥، ص ٣٩٩.

٣٤

(الراقية)، وبعض الجرائد تحدِّثنا أنَّه يصل إلى ضريح الشافعي مئات من العرائض والتوسُّلات من أنحاء القطر المصري تقدَّر بثلاثة آلاف عريضة في كل شهر!!(١) هذا ومصر أم المدنية والحضارة العربية والشافعي لا يزيد عن كونه فقيهاً من فقهاء المسلمين.

وهذا الاعتقاد لم يكن راسخاً في نفوس العلماء والعامة الساذجة فحسب، بل السلطان نفسه أو الخليفة (مهما كانت هويته ونفسيَّته) كان يُكذِبُ نفسه فيعتقد أنَّه ظل الله، ولقد رأيتَ ما كتبه السلطان محمود، ويقول المنصور العبَّاسي في خطبته التي خطبها في مكَّة: (أيُّها الناس، إنِّي سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه ؛ فقد جعلني الله عليه قفلاً إن شاء أن يفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم وإن شاء أن يقفلني عليها قفلني)(٢) .

لقد تعالى المنصور على أعواد المنابر ورفع عقيرته بهذه الكلمات، فهل يخالجك شك أو وهم بأنَّ أحداً ممَّن حضر - وهم حجَّاج بيت الله الحرام وفيهم العلماء والقضاة والعباد - أنكر عليه، وهل حدَّثك التاريخ بذلك؟! كلاّ وألف كلاّ.. وكأنَّه لا ينافي أن يكون المنصور سلطان الله في أرضه أو ظل الله ويقترف سائر المنكرات التي حرَّمها الله تعالى في كتابه، فيشرب الخمور ويرتكب الفحشاء والمنكر ويحضر مجالس اللهو والطرب، ولا ينافي أنَّ العلماء يعتقدون أنَّه الحاكم بأمر الله، وأنَّه سلطان الله في أرضه والأمين على خلقه، ولا يعدُّون هذا من عقائد الفرس في شيء، ولكن اعتقاد الشيعة في علي وأبنائهعليهم‌السلام أنَّه ظل الله في أرضه بدعة في الدين وعقيدة سرت إليهم من الفرس بزعم أحمد أمين، ففي ذمَّة البحث ما يلاقيه الشيعة.

لم نستنتج اعتقاد إخواننا أهل السنة في أولئك الخلفاء والأمراء - الذين حدَّثنا عنهم التاريخ - عن تكهُّن وتنبؤ، فإنَّ نظرة بسيطة في معنى الخلافة عندهم توقف الباحث على أنَّ تلك الجمل الضخمة صادرة عن اعتقاد ومن أعماق القلوب، ولقد سمعت من قبل أنَّهم رووا: (إذا مررت ببلد وليس فيه سلطان، فلا تدخله ؛ إنما السلطان ظل الله في أرضه) وفسرَّ ذلك بعضهم برحمة الله ومعونته ؛ فالخلافة عندهم من الأصول التي قرَّرها الإسلام وجعلها فرضا دينياً، قال عبد السلام في حاشيته على الجوهري: (الخلافة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )، وابن خلدون يقول: (وأمَّا تسميته خليفة، فلكونه يخلف النبي في أمته فيقال له:

____________________

(١) الدنيا المصوَّرة، عدد ١٣، سنة ١٩٢٩.

(٢) العقد الفريد، ج ٢، ص ٣٧٠.

٣٥

خليفة بإطلاق)(١) وفي موضع آخر يقول: (فهي بالحقيقة خلافة عن صاحب الشرع)(٢) .والظاهر أنَّه لا ريب في أنَّ الخلافة عندهم من الله تعالى، ويرشدنا إلى ذلك قول ابن أبي الحديد المعتزلي في أوَّل خطبة كتابه شرح نهج البلاغة: (الحمد لله الذي قدَّم المفضول على الفاضل) وقول ابن خلدون: (وعندهم أنَّ الله جلّ شأنه كما اختار محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله لدعوة الحق وإبلاغ شريعته المقدَّسة إلى الخلق فقد اختاره لحفظ الدين وسياسة الدنيا) وعندهم أنَّ الخليفة حمى الله في أرضه، اصطفاه الله للحكم بين الناس ؛ يحق له التصرُّف في أموالهم ورقابهم وهو مقدَّس الحكم والعمل، ونحن نعلم أنَّ الخليفة من زمن معاوية حتى آخر دولة بني عثمان - اللهم إلاّ القليل - كان مظهراً من مظاهر الفساد، وعنواناً من عناوين الرذيلة، يرتكب كل رذيلة، ولا يتناهى عن منكر، ويصرف الوقت بين حانات الخمور، وفي أحضان الغواني والغلمان، وفي ذلك يقول الشاعر:

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا

خليفة الله بين الناي والعود(٣)

وإذن نحن نسأل أحمد أمين وغيره عن النظريتين ؛ أي نظرية الشيعة في علي وأبنائهعليهم‌السلام ونظرية إخواننا أهل السنة في الخلفاء والأمراء، ولا نعلم هل نجد المنصف ليحكم بالحق ويرى أي النظريتين مطابقة لِمَا هو المعقول أو لا نجد؟!

كنت أود أن لا أقف مع إخواننا أهل السنة هذا الموقف الحرج، وكنَّا في فسحة من ذلك، بيد أنَّ صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه من المعجبين بتقاليدهم وآرائهم وفيما يكتبون ويقولون، أوقفونا هذا الموقف ؛ لأنهم لم يبقوا في القوس منزعاً، وتفنَّنوا في اضطهاد الشيعة وأسفّوا بعيداً( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) .

الآن وقد تبين لك بوضوح أنَّ يد العصبية الأثيمة والتحامل الذميم هي التي سجَّلت تلك العبارة: (فنظرة الشيعة...إلخ) وعلمت أنَّ قيمتها قليلة، فلننظر إلى معنى عقدالجمل؛ أي الجملة التي جعلها أحمد أمين خبر عن المبتدأ، وهي قوله: (هي نظرة آبائهم الأولين في الملوك الساسانيين) فإنَّ الشيعة يختلفون قومية، ففيهم العربي والهندي والتركي والروسي والصيني وفيهم الفارسي، فهل يرى أنَّ كل هذه الأصناف فرس وملوكهم ساسانيون؟ أو أنَّه يرى أنَّ كل شيعي هو ينتمي إلى أصل فارسي فلا محالة يكون متأثراً بالعقيدة الفارسية، بالرغم عن البيئة التي يعيش

____________________

(١) مقدمة ابِّن خلدون، ص ٢١٢.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) لبَشَّار بن بُرد.

٣٦

فيها والطقوس والآداب والأخلاق التي قد تناقض آداب وأخلاق أصله الفارسي؟ كل ذلك تركه هملاً، ولا شك أن هذا جناية تاريخية كبرى على الناشئة المصرية (النبيلة) يقترفها صاحب الكتاب ؛ ذلك أنَّها تنشأ وتشب على جهل أمة يزيد عددها على الثمانين مليوناً وفيها العربي الذي تربطه مع مصر الصلة القومية وفيها الهندي والتركي وغيرهما، وأيُّ نقص أكبر من هذا النقص الذي تراه في مدرِّس الآداب في الجامعة المصرية فإنَّه يجهل كل الجهل تاريخ طائفة من المسلمين نسبتها إليهم الثلث تقريباً، ويجهل أو يتجاهل أن التشيع ظهر في العرب قبل ظهوره بفارس وسترى ذلك مفَّصلاً، وفي سوريا - وهي عربية - ظهر التشيُّع في خلافة عثمان بسبب أبي ذر الغفاريرضي‌الله‌عنه الذي كان داعية لعليعليه‌السلام واستجاب له الكثيرون في جبل عامل ؛ ولهذا السبب وحده استغاث معاوية منه بعثمان، وهذا هو معنى إفساد الشام عليه، وهو السبب في حمل أبي ذر على بعير ظالع بلا وطاء، ولهذا شتم معاوية أبا ذر الذي لم يفارق الحق، وسيمرُّ عليك طرف من ذلك. وأمَّا ظهور التشيع في فارس، فقد كان متأخِّراً جداً، وقد رأيت من قبل أنَّه كان في آخر الدولة الأموية.وأمَّا شيوعه فيها، فكان حول القرن الثامن عن يد العلاّمة الحسن بن المطهَّر الحلِّيرضي‌الله‌عنه ، كل ذلك يجهله مدرِّس الآداب، وكل ذلك له الصلة التامة في الأدب، وإذن الذي نظنُّه أنَّ الناشئة المصرية تتلقَّى من درس الأدب الجهل الفاضح.

ولئن قيل: إنَّ كلام صاحب الكتاب يختص بشيعة الفرس ؛ إذ الكلام في مذاهبهم، قلنا: إنَّ الألف واللام الجنسية الداخلة على لفظة (شيعة) ينافي ذلك، على أنَّ الشيعة (الاثني عشرية) لا يختلفون في المذهب ولا في النظريات ؛ فالفارسي والعربي والهندي سواءٌ من حيث الاعتقاد بعلي وأبنائهعليهم‌السلام .

ثنويَّة الفُرس منبع يستقي منه (الرافضة)

وهنا حديث غريب يوقِّعه صاحب الكتاب على وتر النعرة القومية ويقتفي أثر سلفه وينسج على ذلك المنوال ؛ فهو يستسلم للتقاليد قبل كل شيء وفي كل شيء، فكأنَّه لا يعلم بأنَّه سوف يكون مؤاخذاً في كل ما يكتب وفي كل ما يقول فهو يسترسل وراء النفس الطموحة ووراء تلك العاطفة الممقوتة لا يلوي على شيء، فلقد رأيته يرمي الشيعة بأنَّهم تأثَّروا بعقائد الفرس، وتلو هاتيك الجملة القاسية بلا فصل يقول: (وثنويَّة الفُرس كان منبعاً يستقي منه الرافضة (كذا) في الإسلام فحرَّك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة (كذا) وأمثالهم) ولنقف مع أحمد أمين يسيراً للحساب

٣٧

ولنرى ما هي تلك الينابيع التي استقت منها (الرافضة)؟ وما هي تلك الشواذ التي عزَّزها (الرافضة) في الإسلام؟الرجعة ... ويزعم أنَّ الشيعة أخذتها من عبد الله بن سبأ وكان يهودياً،تحريم النار على الشيعة إلاّ قليلاً ... ويزعم أنَّ الشيعة أخذتها عن اليهود،تأليه علي عليه‌السلام ... ويزعم أنَّهم أخذوه عن النصرانية،الصراط والحساب وغيرهما من الأمور التي يعتقد بها سائر المسلمين ... كل ذلك يقرِّره صاحب الكتاب في مواضع من كتابه، وكلَّها ليست من ثنوية الفرس.إذن ما هي تلك الينابيع التي يستقي منها الرافضة ؟ لا ندري ولا صاحب الكتاب يدري.نعم، يبقى هناك شيء آخر هوتناسخ الأرواح وتجسيم الإله ويقرِّر الأستاذ أنَّها عقائد برهمية ومجوسية ظهرت تحت اسم التشيُّع، وهنا محل المثل المشهور: رمتني بدائها وانسلّت ؛ أليس قد أجمع الأشاعرة وغيرهم من فرق أهل السنة خلا المعتزلة أنَّ الله يُرى يوم القيامة؟ ونحن نرجئ الكلام في هذه المسألة إلى محلِّه وسيمر عليك، ولكن يحسن منَّا أن نقول كلمة موجزة هنا هي: إنَّ تجسيم الإله أمر لازم لمقالة أهل السنة الذين أجمعوا أنَّ الله يُرى يوم القيامة، والتستر أنَّه يرى بلا كيفية لا ينفع ؛ لأنَّ ذلك غير معقول.والتجسيم مذهب الحنابلة ولعلماء أهل السنة أقوال مختلفة في التجسيم تنوف على عشرة أقوال حتى قال بعضهم: (اعفوني عن الفرج واللحية وسلوني عمَّا وراء ذلك).

الرافضة تستمدُّ من ابن ديصان

وهناك عبارة ثالثة - والحق أنَّها ثالثة الأثافي - هي قوله: (ومنها استمد الرافضة (كذا) بعض أقوالهم)(ص ١٦٥).

خلاصة ما يرمي الأستاذ به الشيعة: ابن ديصان كان ذا مذهب ديني مزيجاً من الثنوية والنصرانية، وكان ينكر بعث الأجسام ويقول: إنَّ المسيح ليس جسماً حقيقياً، بل صورة شبِّهت للناس، وهناك تعاليم كثيرة لا تنطبق مع الإسلام بقيت بعد ظهور الإسلام ومنها استمد الرافضة.انتهى بتصرُّف منَّا.

أحكام تستوجب الدهشة والاستغراب لم نسمعها من ذي قبل، وهجمات شديدة عنيفة وادعاءات تستوقف الباحث مرتكباً فلا يعلم من أين يلتمس الشاهد والدليل والمثال لتلك الاستمدادات وليس من الممكن الاعتماد على الذوق أو التكهن ؛ إذ لا يؤمن معهما العثرة في البحث... إذن في مثل المقام لابد أن يقف الباحث والمستعلم ليستنزل الوحي أو ينظر (بالمكرسكوب) إلى نفسية أحمد أمين ليعلم ما الذي استمدَّته (الرافضة) من مذهب ابن ديصان؟ وما هي شواهد الاستمداد؟ وما هي الأدلة على هذا الحكم ليكون حقيقة راهنة عند باحث مثقَّف؟

٣٨

والذي نراه على سبيل الظن أنَّ غرض صاحب الكتاب أنَّ (الرافضة) استمدَّت من الديصانية القول بإنكار البعث، وإنْ كان هذا مراده، فما كنَّا نظن أنَّ الهوس يبلغ به إلى هذا الحد ؛ فإنَّ (الرافضة) ترى أن بعث الأجسام من الضروريات الدينية التي نطق بها القرآن، ومنكره كافر بالإجماع والضرورة من مذهبهم، ولا شك بأنَّه ضروري عند سائر الملل التي تنتمي إلى دين من الأديان السماوية، ولم ينكره سوى فرقة الصدوقيين أو الصادوقيين، فإنَّهم أنكروا البعث تمسُّكاً بمبادئ إبيقورس اليوناني.قال العلامة الجليل البحَّاثة الشيخ جواد البلاغي: (فأنكروا خلود النفس وبقاءها بعد الموت كما أنكروا القيامة، بل وأنكروا وجود الأرواح من ملائكة وشياطين، ويقال :إنَّ مبدأ دعوتهم كان نحو المئتين والثمانين سنة قبل المسيح ؛ وقد ساعدهم على هذا الابتداع أنَّ التوراة الرائجة في عهد ابتداعهم... لم تبق فيها النقليات ذكر القيامة)(١) غفرانك اللَّهُم من هذا الافتراء على طائفة لا تبرح تتلو القرآن في آناء الليل وأطراف النهار وقد صدع بالحق بأفصح بيان بثبوت المعاد وبعث الأجسام وأنذر وبشَّر، وأنَّه كائن لا محالة، وكافح الأوهام ودفع الشكوك والخيالات:( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) الشيعة أبرُّ وأتقى من أن تنكر المعاد، وأشد محافظة على أصول الدين وفروعه، وأعلم بمحكم الكتاب ومتشابهه.

ولكي يكون صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه على يقين من رأي (الرافضة) في البعث نضرب له مثلاً خلاصة ما ذكره إمام المفسِّرين المحقِّق الطوسي في تفسيره مجمع البيان - وهو من أجل تفاسير الإمامية - في تفسير قوله تعالى:( وَقَالُواْ ) أي منكرو البعث( أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا ) أي بالية إلى حدٍّ صارت غباراً أو تراباً( أَإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ) بعد تناثر لحومنا وصيرورة عظامنا بالية متحطمة نبعث جديداً!( قُلْ ) يا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم :لا تقتصروا في ضرب المثل على تحطيم العظام، بل( كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ) واجهدوا بأن لا تعودوا، وإن استطعتم أن تكونوا حجارة أو حديداً، فكونوا كذلك ترقِّياً بضرب المَثَل( أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ) أي أعظم من ذلك وأصعب ؛ فإنَّكم لا تفوِّتون الله وسيعيدكم أحياء وتردُّون إلى صوركم التي

____________________

(١) الرحلة المدرسية، ج ٣، ص ١٩٢.

٣٩

كنتم عليها، فإذا قلت لهم ذلك( فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ ) يعيدكم القادر( الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) وخلقكم ابتداء بلا مثال وأنشأكم إنشاء بلا روية

أجالها ولا تجربة استفادها، فإنَّ مَن كانت له القدرة على ابتدائكم لا عن مثال فهو أقدر على إعادتكم وإرجاعكم إلى الهيئة التي كنتم عليها، والذي يبلغ بخلقكم إلى ما ترون هل يعزجه إرجاعكم إلى الصور التي كنتم عليها؟) انتهى ملخَّصاً.ولقد قام الإجماع عند الإمامية (الشيعة) على أنَّ البعث حق

ثابت.ومن هنا يعلم صاحب الكتاب أنَّ البعث الجسماني من الضروريات القطعية عندهم، ويا ليته استند في نسبة ذلك إليهم إلى رجل أو امرأة من (الرافضة) أو إلى مؤلَّف من مؤلَّفاتهم، ولكن لا (ويا للأسف) إنَّ أحكامه ودعاويه كلُّها جزافيَّة، لا يؤيِّدها دليل ولا برهان.

والدعاوى إلاّ يقام عليها

بيِّنات أبناؤها أدعياء

وإذن نحن لا نعرف مدَّعيات صاحب الكتاب، وليس علينا ولا على أحد أن يفهم عنديَّاته، فمرة مزدكية ومرة مانيوية وثالثة ثنوية ورابعة ديصانية وخامسة نصرانية ويهودية، كأنَّ الإسلام لم يعرفه سوى أهل السنة؟! فإلى متى هذه المهاجمات والحملات باسم الحقائق؟ ونحن نراعي الوفاق والوئام ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً فلذلك نقف مع أحمد أمين موقف المدافع، ولو أردنا المهاجمة لسردنا له من الحقائق المؤيِّدة بالبرهان القاطع ما يوقفه حائراً، ولا بأس علينا أن نقول: إنْ دام صاحب الكتاب ومَن لفَّ لفَّه من المهوسين المغرورين يتهجَّمون بالأقوال الكاذبة والآراء الفاسدة الزائفة، سوف يلجئوننا إلى المصارحة والمكاشفة بما لا تُحمد معه العاقبة (إنَّ بني عمِّك فيهم رماح).

شخصية عليٍّ يصعب تصويرها

حقَّاً يصعب على كل كاتب مهما كان بليغاً ويصعب على كل مصوِّر مهما كان فناناً ونقَّاشاً أن يصوِّر شخصية يعسوب الدين نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكاشف الكرب عن وجهه عليعليه‌السلام ، إنَّ نفساً عبقرية كبيرة عظيمة، نفساً قدسية ما تقرَّبت إلى اللاّت والعزَّى ولا عبدت غير الله تعالى يستحيل تصويرها.

يقول صاحب الكتاب: (وشخصية رابعة هي أصعب ما يكون تصويراً)( ص ١٧٨) ولا نعرف السبب الذي أوقفه حائراً ومضطرباً أمام هذه الشخصية فلم يستطع أن يلتمس شيئاً من التاريخ ولا من كتب المناقب والسير والرجال ليتعرَّف قيمتها؟! فكلُّها - فيما يزعم - مضطربة مشوَّشة محرَّفة زاد فيها الوضَّاعون، ولعله من القرآن الشريف لم يتمكَّن أن يلتمس شيئاً، لأنَّ الرافضة أزادوا

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

جعلها الله ما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله ولا تنازعت الأمة في شيء من أمر الله إلا علم ذلك عندنا من كتاب الله فذوقوا وبال ما قدمت أيديكم وما الله «بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه الحمد لله الذي لا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال يا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وجعلتم الولاية والوراثة حيث جعلها الله ما عال ولي الله ولا عال سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله ولا تنازعت الأمة في شيء من أمر الله إلا وعندنا علمه من كتاب الله فذوقوا وبال أمركم وما فرطتم في ما قدمت أيديكم وما الله «بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ».

ولي الله » أي ما مال عن الحق إلى الباطل ، أو ما احتاج إلى العول في الفرائض ، لعلمه من قدم الله ، وعلى هذا كان الأنسب أعال ، وقد جاء عال بمعنى رفع ، وقال في الصحاح :طاش السهم عن الهدف : أي عدل.

الحديث الثاني : موثق.

وقال الشهيد الثاني في الروضة :العول إما مأخوذ من الميل ، ومنه قوله تعالى«ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا »(١) وسميت الفريضة عائلة على أهلها بميلها بالجور عليهم بنقصان سهامهم ، أو من عال الرجل إذا غلب ، لغلبة أهل السهام بالنقص أو من عالت الناقة ذنبها إذا رفعته ، لارتفاع الفرائض على أصلها بزيادة السهام.

__________________

(١) سورة النساء الآية ٣.

١٢١

( باب )

( في إبطال العول )

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الذي يعلم عدد رمل عالج ليعلم أن الفرائض لا تعول على أكثر من ستة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام ربما أعيل السهام حتى يكون على المائة أو أقل أو أكثر فقال ليس تجوز ستة ثم قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول إن الذي أحصى رمل عالج ليعلم أن السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن يحيى ، عن علي بن عبد الله ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي ، عن محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث فقال ابن عباس سبحان الله العظيم أترون أن الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث فقال له زفر بن أوس البصري يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض فقال عمر بن الخطاب لما التفت عنده

باب في إبطال العول

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله : « نصفا ونصفا » مثال ذلك إن ماتت امرأة وتركت زوجا وإخوتها لأمها وأختها لأبيها ، فإن للزوج النصف ثلاثة أسهم ، وللإخوة من الأم الثلث سهمين ، وللأخت من الأب أيضا عندهم النصف ثلاثة أسهم. يصير من ستة تعول إلى الثمانية

١٢٢

الفرائض ودفع بعضها بعضا قال والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص فأدخل على كل ذي حق ما دخل عليه من عول الفريضة وايم الله أن لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة فقال له زفر بن أوس وأيها قدم وأيها أخر فقال كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدم الله وأما ما أخر الله فكل فريضة إذا زالت عن فرضها ولم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله وأما التي قدم فالزوج له النصف فإذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع ولا يزيله عنه شيء والزوجة لها الربع فإذا زالت عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شيء والأم لها الثلث فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شيء فهذه الفرائض التي قدم الله عز وجل وأما التي أخر الله ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ بما قدم الله فأعطي حقه كاملا فإن بقي شيء كان لمن أخر الله فإن لم يبق شيء فلا شيء له فقال له زفر بن أوس ما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر فقال هيبته فقال الزهري والله لو لا أنه تقدمه إمام عدل كان أمره على الورع فأمضى أمرا فمضى ما اختلف على ابن عباس في العلم اثنان

ويحتجون بذلك بقوله تعالى : «وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ »(١) وعندنا للأخت من الأب السدس ، وسيأتيقوله : « كل فريضة لم يهبطها الله » هذا لا يجري في كلالة الأم كما لا يخفى.

قوله : « وإن لم يبق شيء » قال في المسالك : مبالغة في تقديم من قدمهم الله عز وجل ، وإلا فهذا الفرض لا يقع ، إذ لا بد أن يفضل لهم شيء.

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ١٧٦.

١٢٣

( باب )

( آخر في إبطال العول وأن السهام لا تزيد على ستة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار وبريد العجلي وزرارة بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال السهام لا تعول ولا تكون أكثر من ستة.

٢ ـ وعنه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عمر بن أذينة مثل ذلك.

٣ ـ وعنه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن موسى بن بكر ، عن علي بن سعيد قال قلت لزرارة إن بكير بن أعين حدثني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أن السهام لا تعول ولا تكون أكثر من ستة فقال هذا ما ليس فيه اختلاف بين أصحابنا عن أبي عبد الله وأبي جعفرعليه‌السلام .

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال السهام لا تعول.

٥ ـ وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال أمر أبو جعفرعليه‌السلام أبا عبد اللهعليه‌السلام فأقرأني صحيفة الفرائض فرأيت جل ما فيها على أربعة أسهم.

باب آخر في إبطال العول وأن السهام لا تزيد على ستة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله « أربعة أسهم » كما إذا اجتمعت البنت مع أحد الأبوين تقسم الفريضة عند الشيعة على أربعة أسهم ، ولا يكون عند العامة فريضة تقسم أربعة أسهم إلا نادرا.

١٢٤

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أن السهام لا تكون أكثر من ستة أسهم.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير قال قرأ علي أبو عبد اللهعليه‌السلام فرائض عليعليه‌السلام فكان أكثرهن من خمسة أو من أربعة وأكثره من ستة أسهم.

٨ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن خزيمة بن يقطين ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أصل الفرائض من ستة أسهم لا تزيد على ذلك ولا تعول عليها ثم المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب.

( باب )

( معرفة إلقاء العول )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة قال قال زرارة إذا أردت أن تلقي العول فإنما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب وأما الزوج والإخوة من الأم فإنهم لا ينقصون مما سمى لهم [ الله ] شيئا.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن عبد الله بن جبلة ، عن أبي المغراء ، عن إبراهيم بن ميمون ، عن سالم الأشل أنه سمع أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن الله عز و

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن : مجهول.

باب معرفة إلقاء العول

الحديث الأول : حسن موقوف.

الحديث الثاني : مجهول.

١٢٥

جل أدخل الوالدين على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من السدس [ شيئا ] وأدخل الزوج والمرأة فلم ينقصهما من الربع والثمن [ شيئا ].

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أربعة لا يدخل عليهم ضرر في الميراث الوالدان والزوج والمرأة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي المغراء ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل أدخل الأبوين على جميع أهل الفرائض فلم ينقصهما من السدس لكل واحد منهما وأدخل الزوج والزوجة على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من الربع والثمن.

( باب )

( أنه لا يرث مع الولد والوالدين إلا زوج أو زوجة )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز وغيره ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا يرث مع الأم ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة إلا الزوج والزوجة وإن الزوج لا ينقص من النصف شيئا إذا لم يكن ولد ولا تنقص الزوجة من الربع شيئا إذا لم يكن ولد فإذا كان معهما ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن

الحديث الثالث : حسن أو موثق.

الحديث الرابع : ضعيف.

باب أنه لا يرث مع الولد والوالدين إلا زوج أو زوجة

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : صحيح.

١٢٦

يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال إذا ترك الرجل أمه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الأربعة فليس بالذي عنى الله عز وجل في كتابه «قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » ولا يرث مع الأم ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة أحد خلقه الله عز وجل غير زوج أو زوجة.

( باب )

( العلة في أن السهام لا تكون أكثر من ستة وهو من كلام يونس )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس قال العلة في وضع السهام على ستة لا أقل ولا أكثر لعلة وجوه أهل الميراث لأن الوجوه التي منها سهام المواريث ستة جهات لكل جهة سهم فأول جهاتها سهم الولد والثاني سهم الأب والثالث سهم الأم والرابع سهم الكلالة كلالة الأب والخامس سهم كلالة الأم والسادس سهم الزوج والزوجة فخمسة أسهم من هذه السهام الستة سهام القرابات والسهم السادس هو سهم الزوج والزوجة من جهة البينة والشهود فهذه علة مجاري السهام وإجرائها من ستة أسهم لا يجوز أن يزاد عليها ولا يجوز أن ينقص منها إلا على جهة الرد لأنه لا حاجة إلى زيادة في السهام لأن السهام قد استغرقها سهام القرابة ولا قرابة غير من جعل الله عز وجل لهم سهما فصارت سهام

باب العلة في أن السهام لا تكون أكثر من ستة وهو من كلام يونس

الحديث الأول : صحيح موقوف.

ولعل المراد بيان نكتة لجعل السهام التي يؤخذ منها فرائض المواريث أولا ستة ، ثم يصير بالرد أقل وبانضمام الزوج أو الزوجة أكثر ، فيمكن تقريره بوجهين.

الأول إن الفرق التي يرثون بنص الكتاب لا بالقرابة ست فرق ، فلذا جعلت السهام ابتداء ستة ، لا لتصح القسمة عليهم ، بل لمحض المناسبة بين العددين ، الثاني أن الفرق ست ، خمس منها يرثون بالقرابة ، والسادسة بالسبب ، والذين يرثون

١٢٧

المواريث مجموعة في ستة أسهم مخرج كل ميراث منها فإذا اجتمعت السهام الستة للذين سمى الله لهم سهما فكان لكل مسمى له سهم على جهة ما سمي له فكان في استغراقه سهمه استغراق لجميع السهام لاجتماع جميع الورثة الذين يستحقون جميع السهام الستة وحضورهم في الوقت الذي فرض الله لهم في مثل ابنتين وأبوين فكان للابنتين أربعة أسهم وكان للأبوين سهمان فاستغرقوا السهام كلها ولم يحتج أن يزاد في السهام ولا ينقص في هذا الموضع إذ لا وارث في هذا الوقت غير هؤلاء مع هؤلاء وكذلك كل ورثة يجتمعون في الميراث فيستغرقونه يتم سهامهم باستغراقهم تمام السهام وإذا تمت سهامهم ومواريثهم لم يجز أن يكون هناك وارث يرث بعد استغراق سهام الورثة كملا التي عليها المواريث فإذا لم يحضر بعض الورثة كان من حضر من الورثة يأخذ سهمه المفروض ثم يرد ما بقي من بقية السهام على سهام الورثة الذين حضروا بقدرهم لأنه لا وارث معهم في هذا الوقت غيرهم.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس قال إنما جعلت المواريث من ستة أسهم على خلقة الإنسان لأن الله عز وجل بحكمته خلق الإنسان من ستة أجزاء فوضع المواريث على ستة أسهم وهو قوله عز وجل «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ » ففي النطفة دية «ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً » ففي العلقة دية «فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً » وفيها دية «فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً » وفيها دية «فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً » وفيه دية أخرى «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ » وفيه دية أخرى فهذا ذكر آخر المخلوق.

بالقرابة هم أولى بالرعاية ، فلذا أخذ أولا عدد يكون مخرجا لسهامهم من غير كسر ، لأن الستة مخرج السدس ، والثلث والنصف والثلاثين ، وهذه سهام أصحاب القرابة ، وأما الربع والثمن فهما لأصحاب السبب ، والوجه الأول كأنه هو المتعين في الخبر الثاني والله يعلم.

الحديث الثاني : مجهول موقوف.

١٢٨

( باب )

( علة كيف صار للذكر سهمان وللأنثى سهم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك كيف صار الرجل إذا مات وولده من القرابة سواء ترث النساء نصف ميراث الرجال وهن أضعف من الرجال وأقل حيلة فقال لأن الله عز وجل فضل الرجال على النساء بدرجة ولأن النساء يرجعن عيالا على الرجال.

٢ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن أبي عبد الله ، عن إسحاق بن محمد النخعي قال سأل الفهفكي أبا محمدعليهم‌السلام ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال أبو محمدعليه‌السلام إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة إنما ذلك على الرجال فقلت في نفسي قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب فأقبل أبو محمدعليه‌السلام علي فقال نعم هذه المسألة مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأولنا و

باب علة كيف صار للذكر سهمان وللأنثى سهم

الحديث الأول : مجهول.

والعلة الأولى محض كون الرجل أشرف من المرأة ، والثانية كون النفقة على الرجل دون المرأة ، وقد تضمنها قوله تعالى : «الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ »(١) وفي الفقيه روي العلة الأخيرة عن الصادقعليه‌السلام وروي علة ثالثة.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ولا عليها معقلة » أي لا تصير عاقلة في دية الخطإ.

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٣٤.

١٢٩

أولنا وآخرنا في العلم سواء ولرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام فضلهما.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن هشام ، عن الأحول قال قال لي ابن أبي العوجاء ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين قال فذكر بعض أصحابنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام فقال إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة وإنما ذلك على الرجال ولذلك جعل للمرأة سهما واحدا وللرجل سهمين.

(باب)

(ما يرث الكبير من الولد دون غيره )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن أبي عبد الله

الحديث الثالث : حسن.

باب ما يرث الكبير من الولد دون غيره

الحديث الأول : حسن.

قوله : « فإن حدث به حدث » أي بالأكبر في حياة الأب فللأكبر منهم أي من بقية الأولاد ويمكن إرجاع الضمير إلى الرجل.

وقال في المسالك : المراد بالحياة اختصاص الولد بما ذكر من بين الوارث ، والكلام هنا يقع في مواضع : الأول : هل هذا التخصيص على الوجوب أو الاستحباب الأكثر على الأول ، وذهب المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح والعلامة في المختلف إلى الثاني.

الثاني : هل هذا التخصيص محاباة أو بالقيمة؟ الأكثر على الأول ، لإطلاق النصوص.

الثالث : ما يقع فيه التخصيص ، والمشهور ثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه ، مع أن هذه لم يوجد بخصوصها في رواية ، والروايات مختلفة ، ففي صحيحة ربعي ذكر سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه ، ولم يذكر الثياب وهم لم يذكروا الدرع.

١٣٠

عليه‌السلام قال إذا هلك الرجل فترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف ـ فإن حدث به حدث فللأكبر منهم.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهماعليهما‌السلام أن الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه وإن كان له بنون فهو لأكبرهم.

وفي صحيحة أخرى لربعي إذا مات الرجل إلى آخره ولم يقل بدخول جملة هذه أحد ، ويظهر من الصدوق العمل بها حيث ذكر الرواية ، وفي بعضها الاقتصار على ذكر السلاح والسيف ، وفي بعضها على ذكر السيف والرحل وثياب الجلد ، وهذا الاختلاف يؤيد الاستحباب.

الرابع : المحبو : هو الولد الذكر وأكبر الذكور إن تعددوا ، ويظهر من بعضهم التأمل فيما إذا كان الذكر واحدا ، ولو تعدد الأكبر اشتركوا ، وقيل : بالسقوط وهو ضعيف ، وفي اشتراط البلوغ قولان : والأصح العدم ، وكذا القول في اشتراط عقله ، وكذا في اشتراط انفصاله حيا ، وهل يشترط قضاء الصلاة والصوم في استحقاق الحبوة المشهور العدم ، والمراد بثياب البدن ما كان يلبسه ، أو أعدها للبس ، والأقوى أن العمامة منها وأن تعددت أو لم يلبس إذا اتخذها ، وكذا السراويل دون الوسط وما في معناه وكذا لا يدخل القلنسوة ، وفي الثوب من اللبد نظر ، والأظهر دخوله ، ولو تعددت هذه الأجناس فما كان منها بلفظ الجمع كالثياب تدخل أجمع ، وما كان بلفظ الوحدة كالسيف والمصحف يتناول واحدا ، وإن تعدد انصرف إلى ما يغلب نسبته إليه وإن تساوت ففي تخيير الوارث أو القرعة وجهان : أجودهما الأول ، ولا يشترط قصور نصيب كل وارث عن قدرها على الأقوى ، ولا عدم زيادتها عن الثلث ، ويشترط خلو الميت عن دين مستغرق للتركة ، وأن يخلف الميت مالا غير ذلك على المشهور.

الحديث الثاني : كالحسن.

١٣١

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور.

( باب )

( ميراث الولد )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ورث عليعليه‌السلام علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وورثت فاطمةعليها‌السلام تركته.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن الحسن بن علي بن عبد الملك ، عن حيدر ، عن حمزة بن حمران قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام من ورث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال فاطمةعليها‌السلام وورثته متاع البيت والخرثي وكل ما كان له.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد

الحديث الثالث : مجهول كالصحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

وفي القاموس :الرحل : مسكنك وما تستصحبه من الأثاث.

باب ميراث الولد

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : مجهول ، وفي النهايةالخرثي أثاث البيت ومتاعه.

الحديث الثالث : مجهول.

١٣٢

عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن سلمة بن محرز قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن رجلا أرمانيا مات وأوصى إلي فقال لي وما الأرماني قلت نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إلي بتركته وترك ابنته قال فقال لي أعطها النصف قال فأخبرت زرارة بذلك فقال لي اتقاك إنما المال لها قال فدخلت عليه بعد فقلت أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال لا والله ما اتقيتك ولكن اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد قلت لا قال فأعطها ما بقي.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن عبد الله بن خداش المنقري أنه سأل أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل مات وترك ابنته وأخاه قال المال للابنة.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في رجل مات وترك ابنته وأخته لأبيه وأمه قال المال للابنة وليس للأخت من الأب والأم شيء.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت له رجل مات وترك ابنته وعمه قال المال للابنة وليس للعم شيء أو قال ليس للعم مع الابنة شيء.

٧ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عبد الله بن بكير ، عن حمزة بن حمران ، عن عبد الحميد الطائي ، عن عبد الله بن محرز بياع القلانس قال أوصى إلي رجل وترك خمسمائة درهم أو ستمائة درهم وترك ابنة وقال لي عصبة

وقال في النهاية :(١) النبط جيل معروف كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين وفي وصف سعد « أعرابي في حبوته ، نبطي في جبوته » أراد أنه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط ، حذقا بها ، ومهارة فيها ، ومنه الحديث « أنباطا من أنباط الشام ».

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : مجهول.

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) النهاية ج ٥ ص ٩.

١٣٣

بالشام فسألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ذلك فقال أعط الابنة النصف والعصبة النصف الآخر فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا بقوله فقالوا اتقاك فأعطيت الابنة النصف الآخر ثم حججت فلقيت أبا عبد اللهعليه‌السلام فأخبرته بما قال أصحابنا وأخبرته أني دفعت النصف الآخر إلى الابنة فقال أحسنت إنما أفتيتك مخافة العصبة عليك.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن عبد الله بن محرز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له رجل ترك ابنته وأخته لأبيه وأمه قال المال كله للابنة وليس للأخت من الأب والأم شيء.

٩ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الله بن محرز قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أوصى إلي وهلك وترك ابنة فقال أعط الابنة النصف واترك للموالي النصف فرجعت فقال أصحابنا لا والله ما للموالي شيء فرجعت إليه من قابل فقلت له إن أصحابنا قالوا ليس للموالي شيء وإنما اتقاك فقال لا والله ما اتقيتك ولكني خفت عليك أن تؤخذ بالنصف فإن كنت لا تخاف فادفع النصف الآخر إلى الابنة فإن الله سيؤدي عنك.

( باب )

( ميراث ولد الولد )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا

الحديث الثامن : مجهول.

الحديث التاسع : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « سيؤدي عنك » أي إن أعطيت النصف للولي فاغرم للابنة ، فإن الله يستعوضك عنه ، أو المعنى يدفع ضررهم عنك ، أو إخبار بأن الله يوفقك لذلك ، أو دعاه له بالتوفيق ، أو إخبار بأن ما فعلت بولد غيرك من أداء حقه إليه سيفعل الله ذلك بولدك.

باب ميراث ولد الولد

الحديث الأول : صحيح.

١٣٤

عن ابن محبوب ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي الحسن الأولعليه‌السلام قال بنات الابنة يقمن مقام البنت إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت بنات أولاد ولا وارث غيرهن.

٢ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن سكين ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ابن الابن يقوم مقام أبيه.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بنات الابنة يرثن إذا لم تكن بنات كن مكان البنات.

٤ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم تكن للميت بنات ولا وارث غيرهن وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن.

قال الفضل وولد الولد أبدا يقومون مقام الولد إذا لم يكن ولد الصلب [ و ] لا يرث معهم إلا الوالدان والزوج والزوجة.

فإن ترك ابن ابن وابنة ابن فالمال بينهما «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ».

واستدل الصدوق(١) (ره) بقولهعليه‌السلام : « ولا وارث غيرهن » على ما ذهب إليه من اشتراط فقد الأبوين في توريث أولاد الأولاد ، ولم يقل به غيره هما الوالدان لا غير ، وقال الشيخ(٢) (ره) المراد بذلك إذا لم يكن للميت الابن الذي يتقرب ابن الابن به ، أو البنت التي يتقرب بنت البنت بها ، ولا وارث له غيره من الأولاد للصلب غيرهما.

أقول : مع أنه يلزم الصدوق أيضا تخصيص الأخبار بالزوج والزوجة ، ويحتمل أن يكون المال بالشرط المذكور.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : مجهول كالصحيح.

قوله : « فالمال بينهما » هذا إذا كانوا من أب واحد ، وإلا فيرث كل منهما

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٩٦. (٢) الإستبصار ج ٤ ص ١٦٧ بعد ح ٥.

١٣٥

فإن ترك ابن ابن وابن ابنة فلابن الابن الثلثان ولابن الابنة الثلث.

وإن ترك ابنة ابن وابن ابنة فلابنة الابن الثلثان نصيب الابن ولابن البنت الثلث نصيب الابنة.

وإن ترك ابنة ابن وابنة ابنة فلابنة الابن الثلثان ولابنة الابنة الثلث فالحكم في ذلك والميراث فيه كالحكم في البنين والبنات من الصلب يكون لولد الابن الثلثان ولولد البنات الثلث.

فإن ترك ثلاث بنين أو بنات ابن بعضهم أسفل من بعض فالمال للأعلى وليس لمن دونه شيء لأنه أقرب ببطن وكذلك لو كانوا كلهم بنات فكان أسفل منهن ببطن غلام فالمال كله لمن هو أعلى وليس لمن سفل شيء لأن من هو أقرب ببطن أحق بالمال من الأبعد مثل ذلك إن ترك ابن الابنة وابن ابنة ابن فالمال كله لابن الابنة لأنه أقرب ببطن.

وكذلك إن ترك ابنة ابنة وابن ابنة ابن فالمال كله لابنة الابنة لأنها أقرب ببطن وكذلك إن ترك ابنة ابن ابنة وابن ابن ابن ابن فالمال كله لابنة ابن الابنة لأنها أقرب ببطن.

وكذلك إن ترك ابن ابنة وبنت ابنة وامرأة وعصبة فللمرأة الثمن وما بقي فبين بنت الابنة وابن الابنة «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » يقسم المال على أربعة وعشرين سهما للمرأة

نصيب أبيه.

وقال في المسالك : المشهور بين الأصحاب أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في الميراث ، فلكل نصيب من يتقرب به ذكرا كان أم أنثى ، فلولد الابن نصيب الابن وإن كان أنثى ، ولولد البنت نصيب البنت وإن كان ذكرا.

وقال المرتضى (ره) : وتبعه جماعة منهم معين الدين المصري وابن إدريس أن أولاد الأولاد يقسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقربوا به.

قوله : « وابن الابنة لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » القسمة بين أولاد البنات للذكر

١٣٦

الثمن ثلاثة أسهم ولابنة الابنة سبعة أسهم ولابن الابنة أربعة عشر سهما.

وإن ترك زوجا وبنت ابنة وابن ابنة فللزوج الربع وما بقي فبين ابنة الابنة وابن الابنة «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » وهي من أربعة أسهم فللزوج سهم ولابن الابنة سهمان ولابنة الابنة سهم.

وإن ترك ابن ابنة وابن ابن وزوجا فللزوج الربع وما بقي فبين ابن الابنة وابن الابن ولابن الابنة نصيب الابنة وهو الثلث ولابن الابن نصيب الابن وهو الثلثان وهي أيضا من أربعة أسهم.

وإن ترك زوجا وابنة ابنة فللزوج الربع وما بقي فلابنة الابنة.

وإن ترك ابنة ابنة وأبوين فللأبوين السدسان ولابنة الابنة النصف وبقي سهم واحد مردود عليهم على قدر سهامهم يقسم المال على خمسة أسهم فللأبوين سهمان ولابنة الابنة ثلاثة أسهم.

وإن ترك ابن ابنة وأبوين فللأبوين السدسان ولابن الابنة النصف كذلك أيضا يقسم المال على خمسة أسهم للأبوين سهمان ولابن الابنة ثلاثة أسهم.

فإن ترك ابنة ابن وأبوين فللأبوين السدسان وما بقي فلابنة الابن وهي من ستة أسهم للأبوين سهمان ولابنة الابن أربعة أسهم.

قال الفضل من الدليل على خطإ القوم في ميراث ولد البنات أنهم جعلوا ولد البنات ولد الرجل من صلبه في جميع الأحكام إلا في الميراث وأجمعوا على ذلك فقالوا لا تحل حليلة ابن الابنة للرجل ولا حليلة ابن ابن الابنة لقول الله عز وجل : «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ » فإذا كان ابن الابنة ابن الرجل لصلبه في هذا الموضع لم لا يكون في الميراث ابنه وكذلك قالوا لو أن رجلا طلق امرأة له قبل أن يدخل بها لم تحل تلك المرأة لابن

مثل حظ الأنثيين هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب ابن البراج وجماعة إلى اقتسامهم بالسوية نظرا إلى تقربهم بأنثى كإخوة الأم.

قوله : « من الدليل » يريد بذلك الرد على العامة حيث ذهبوا إلى سقوط أولاد البنات في أحكام المواريث ، فلا يوجبون بهم كون فريضة الأم السدس ، ولا

١٣٧

ابنة لقول الله عز وجل : «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ » فكيف صار الرجل هاهنا أبا ابن ابنته ولا يصير أباه في الميراث وكذلك قالوا يحرم على الرجل أن يتزوج بامرأة كان تزوجها ابن ابنته وكذلك قالوا لو شهد لأبي أمه بشهادة أو شهد لابن ابنته بشهادة لم تجز شهادته وأشباه هذه في أحكامهم كثيرة فإذا جاءوا إلى باب الميراث قالوا ليس ولد الابنة ولد الرجل ولا هو له بأب اقتداء منهم بالأسلاف والذين أرادوا إبطال الحسن والحسينعليه‌السلام بسبب أمهما «وَاللهُ الْمُسْتَعانُ » هذا مع ما قد نص الله في كتابه بقوله عز وجل «كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ » إلى قوله «وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ » فجعل عيسى من ذرية آدم ومن ذرية نوح وهو ابن بنت لأنه لا أب لعيسى فكيف لا يكون ولد الابنة ولد الرجل بلى لو أرادوا الإنصاف والحق وبالله التوفيق.

( باب )

( ميراث الأبوين )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب وأبي أيوب الخزاز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في رجل مات وترك أبويه قال للأب سهمان وللأم سهم.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن حماد بن عثمان قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل ترك أمه وأخاه قال يا شيخ تريد على الكتاب

كون سهم الزوجين الفريضة السفلى بل لا يورثونهم مع الأبوين.

باب ميراث الأبوين

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « وللأم سهم » أي مع عدم الحاجب.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

١٣٨

قال قلت نعم قال كان عليعليه‌السلام يعطي المال الأقرب فالأقرب قال قلت فالأخ لا يرث شيئا قال قد أخبرتك أن علياعليه‌السلام كان يعطي المال الأقرب فالأقرب.

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن علي بن الحسن بن حماد ، عن ابن مسكين ، عن مشمعل بن سعد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل ترك أبويه قال هي من ثلاثة أسهم للأم سهم وللأب سهمان.

( باب )

( ميراث الأبوين مع الإخوة والأخوات لأب والإخوة )

( والأخوات لأم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن عيسى ، عن يونس جميعا ، عن عمر بن أذينة قال قلت لزرارة إن أناسا حدثوني عنه يعني أبا عبد اللهعليه‌السلام وعن أبيهعليه‌السلام بأشياء في الفرائض فأعرضها عليك فما كان منها باطلا فقل هذا باطل وما كان منها حقا فقل هذا حق ولا تروه واسكت.

وقلت له حدثني رجل عن أحدهماعليهما‌السلام في أبوين وإخوة لأم أنهم يحجبون

الحديث الثالث : مجهول.

باب

ميراث الأبوين مع الأخوة والأخوات لأب والأخوة والأخوات لأم

الحديث الأول : صحيح.

قوله : « ولا تروه » لعل مراده أنه لما كانت الرواية مما قد تقع فيه التقية لا ترو ، بل ما علمت أن لا تقية فيه قل هو حق ، ويمكن أن يكون هذا اتقاه على المعصوم ، أو يكون هذا لما سيأتي في خبر زرارة أن الصادق أخذ عليه العهد أن لا يروي ما رأى في كتاب الفرائض إلا أن يأذن له.

قوله : « يحجبون » لا خلاف بين الأصحاب في حجب الأخوين والأخ مع الأختين

١٣٩

ولا يرثون فقال هذا والله هو الباطل ولكني سأخبرك ولا أروي لك شيئا والذي أقول لك هو والله الحق إن الرجل إذا ترك أبويه فللأم الثلث وللأب الثلثان في كتاب الله عز وجل فإن كان له إخوة يعني للميت يعني إخوة لأب وأم أو إخوة لأب فلأمه السدس وللأب خمسة أسداس وإنما وفر للأب من أجل عياله وأما الإخوة لأم ليسوا لأب فإنهم لا يحجبون الأم عن الثلث ولا يرثون وإن مات رجل وترك أمه وإخوة وأخوات لأم وأب وإخوة وأخوات لأب وإخوة وأخوات لأم وليس الأب حيا فإنهم لا يرثون ولا يحجبونها لأنه لم يورث كلالة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت

وأربع أخوات ، ولا في اشتراط كونهم من أب وأم أو لأب ، ولا في اشتراط عدم كفرهم ولا أرقاء ، ونقل الإجماع على اشتراط عدم كونهم قاتلين أيضا ، لكن خالف فيه الصدوقان وابن أبي عقيل.

قوله : « وليس الأب حيا » قال في المسالك : اشتراط حياة الأب في حجب الأخوة هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب بعض الأصحاب إلى عدم اشتراط ذلك ، وهو الظاهر من كلام الصدوق.

قوله : « لم يورث كلالة » أي من يكون كلا على الأب في نفقته ، أو أنهم لا يرثون ، لأن حكم الكلالة في الآية مختص بما إذا لم يكن وارث أقرب منهم ، ويمكن تلخيصه بأن يقال : هذا نوع استدلال ردا عليهم بأن الكلالة مشتقة عن الكل وهو الثقل ، وهو إما لأنهم كل على الأب فيحجبون الأم عن الزائد عن السدس ولم يتحقق هيهنا لعدم الأب ، أو لأنهم كل على الميت لأنهم يرثون مع عدم كونهم من الأبوين ، والأولاد هيهنا لا حاجة إلى توريثهم لمكان الأم ، أو المراد أنه لم يورث كلالة مع الأم في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

الحديث الثاني : حسن.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446