مرآة العقول الجزء ٢٣

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 446

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28959 / تحميل: 3266
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

يترك فقد بالغ.

قال وقضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل توفي وأوصى بماله كله أو أكثره فقال إن الوصية ترد إلى المعروف غير المنكر فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف فإنها ترد إلى المعروف ويترك لأهل الميراث ميراثهم وقال من أوصى بثلث ماله فلم يترك وقد بلغ المدى ثم قال لأن أوصي بخمس مالي أحب إلي من أن أوصي بالربع.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أوصى بالثلث فقد أضر بالورثة والوصية بالخمس والربع أفضل من الوصية بالثلث ومن أوصى بالثلث فلم يترك.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أوصى بالثلث فلم يترك.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته.

( باب )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن

يختلف الحال باختلاف الورثة ، وقلتهم وكثرتهم وغناهم ولا يقتدر بقدر من المال.

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : حسن.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور وبه أفتى الأصحاب.

باب

الحديث الأول : حسن. والسند الثاني صحيح.

٢١

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل نقضوا الوصية هل لهم أن يردوا ما أقروا به قال ليس لهم ذلك الوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته.

أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

( باب )

( الرجل يوصي بوصية ثم يرجع عنها )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول للموصي أن يرجع في وصيته إن كان في صحة أو مرض.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن بريد العجلي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لصاحب الوصية أن يرجع فيها ويحدث في

وأكثر الأصحاب أن إجازة الوارث مؤثرة متى وقعت بعد الوصية ، سواء كان في حال حياة الموصى أو بعد موته ، وقال المفيد وابن إدريس : لا تصح الإجازة إلا بعد وفاته ، لعدم استحقاق الوارث المال قبله ، فيلغو والأول أقوى.

باب الرجل يوصي بوصية ثم يرجع عنها

الحديث الأول : حسن أو موثق.

قوله عليه‌السلام : « إن كان » أي الوصية ، ويحتمل الرجوع أيضا ، ولا خلاف في جواز رجوع الموصى في وصيته ما دام حيا.

الحديث الثاني : موثق.

٢٢

وصيته ما دام حيا.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام أن المدبر من الثلث وأن للرجل أن ينقض وصيته فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه قال قال علي بن الحسينعليه‌السلام للرجل أن يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه ويملك من كان أمر بعتقه ويعطي من كان حرمه ويحرم من كان أعطاه ما لم يمت.

( باب )

( من أوصى بوصية فمات الموصى له قبل الموصي )

( أو مات قبل أن يقبضها )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قضى أمير المؤمنينعليه‌السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب فتوفي الذي أوصي له قبل الموصي قال الوصية لوارث الذي أوصي له قال ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : مرسل.

باب من أوصى بوصية فمات الموصى له قبل الموصى أو مات قبل أن يقبضها

الحديث الأول : حسن.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، وذهب جماعة إلى بطلان الوصية بموت الموصى له قبل البلوغ ، سواء مات في حياة الموصى أو بعد موته ، وفصل بعض الأصحاب فخص

٢٣

أوصي له إلا أن يرجع في وصيته قبل موته.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن عمران بن موسى ، عن موسى بن جعفر ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن محمد بن عمر الساباطي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام ـ عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا فمات العم فكتبعليه‌السلام أعطه ورثته.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر قال سألته عن رجل أوصي له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا قال اطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه قلت فإن لم أعلم له وليا قال اجهد على أن تقدر له على ولي فإن لم تجده وعلم الله عز وجل منك الجد فتصدق بها.

( باب )

( إنفاذ الوصية على جهتها )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله فقال أعطه لمن أوصى به له

البطلان بما إذا مات الموصى له قبل الموصى.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « أعطه ورثته » الظاهر إرجاع الضمير إلى الموصى له ، ويحتمل إرجاعه إلى الموصى ، ثم اعلم أن الروايات مجملة في كون موت الموصى له بعد القبول أو قبله ، والأصحاب فرضوا المسألة قبل القبول وهو أظهر.

الحديث الثالث : صحيح.

وقال في المسالك : فيه دلالة على جواز التصدق بالمال الذي لا يصل إلى مالكه.

باب إنفاذ الوصية على جهتها

الحديث الأول : حسن.

وقال في الدروس يشترط في الموصى له كونه غير حربي فتبطل الوصية للحربي وإن كان رحما ، إلا أن يكون الموصى من قبيله ، ويظهر من المبسوط والمقنعة

٢٤

وإن كان يهوديا أو نصرانيا إن الله تبارك وتعالى يقول : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ »(١) .

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام في رجل أوصى بماله في سبيل الله قال أعط لمن أوصى له به وإن كان يهوديا أو نصرانيا إن الله تبارك وتعالى يقول : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ».

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مهزيار قال كتب أبو جعفرعليه‌السلام إلى جعفر وموسى وفيما أمرتكما من الإشهاد بكذا وكذا نجاة لكما في آخرتكما وإنفاذ لما أوصى به أبواكما وبر منكما لهما واحذرا أن لا تكونا بدلتما وصيتهما ولا غيرتماها عن حالها لأنهما قد خرجا من ذلك رضي الله عنهما وصار ذلك في رقابكما وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه في الوصية «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ».

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس بن يعقوب أن رجلا كان بهمذان ذكر أن أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر فأوصى بوصية عند الموت و

صحة الوصية له مع كونه رحما ، وأما الذمي فكالوقف ، ومنع القاضي من الوصية للكافر مطلقا ، وفي رواية محمد بن مسلم أعطه وإن كان يهوديا أو نصرانيا ،لقوله تعالى : «فَمَنْ بَدَّلَهُ » الآية وتصح للمرتد عن غير فطرة لا عنها إلا أن نقول بملك الكسب المتجدد.

الحديث الثاني : صحيح.

ولعل السؤال مبني على أن سبيل الله الجهاد ، إما واقعا أو بزعم الموصى ، والمجاهدون في ذلك الزمان كانوا مخالفين ، فيرتبط الجواب بالسؤال ، ولا يبعد كون الحكم صدر على وجه التقية.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ١٨١.

٢٥

أوصى أن يعطى شيء في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد اللهعليه‌السلام كيف يفعل به فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر فقال لو أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما إن الله عز وجل يقول : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ » فانظروا إلى من يخرج إلى هذا الوجه يعني [ بعض ] الثغور فابعثوا به إليه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سليمان ، عن الحسين بن عمر قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن رجلا أوصى إلي بشيء في السبيل فقال لي اصرفه في الحج قال قلت له أوصى إلي في السبيل قال اصرفه في الحج فإني لا أعلم شيئا من سبيله أفضل من الحج.

وفيه دلالة على أن سبيل الله هو الجهاد ، إلا أن يقال : إنه لما كان الموصى مخالفا كانت قرينة حاله ومذهبه دالة على إرادته الجهاد ، وأما التخصيص بالثغور فلأنهم كانوا يدفعون الكفار عن المؤمنين والمسلمين في ذلك اليوم ، فكان أفضل من الجهاد معهم ، ولعله يدل على جواز المرابطة في زمان الغيبة ، وعدم استيلاء الإمام كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا.

الحديث الخامس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « اصرفه في الحج » يدل على أن الحج من سبيل الله ، وأنه أفضل أفراده ، ويمكن أن يكون مختصا بذلك الزمان ، لعدم تحقق الجهاد الشرعي فيه ، واختلف الأصحاب في ذلك ، فذهب الشيخ وجماعة إلى أن السبيل هو الجهاد ، وإن تعذر فأبواب البر كمعونة الفقراء والمساكين وابن السبيل وصلة آل محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذهب أكثر المتأخرين إلى شموله لكل ما فيه أجر ، وكثير من الأخبار يدل على كون الحج منه ، فمع تعذر الجهاد الصرف إليه أحوط ، وإن كان التعميم لا يخلو من قوة ، كما يومئ إليه هذا الخبر.

٢٦

( باب آخر منه )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن حجاج الخشاب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن امرأة أوصت إلي بمال أن يجعل في سبيل الله فقيل لها نحج به فقالت اجعله في سبيل الله فقالوا لها فنعطيه آل محمدعليهم‌السلام قالت اجعله في سبيل الله فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام اجعله في سبيل الله كما أمرت قلت مرني كيف أجعله قال اجعله كما أمرتك إن الله تبارك وتعالى يقول : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »أ رأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا قال فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين ثم دخلت عليه فقلت له مثل الذي قلت أول مرة فسكت هنيئة ثم قال هاتها قلت من أعطيها قال عيسى شلقان(١) .

٢ ـ محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن راشد قال سألت العسكريعليه‌السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله فقال سبيل الله شيعتنا.

( باب آخر منه )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت قال كتب الخليل بن

باب آخر منه

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « هاتها » أي ابعثها إلى لأصرفها في مصارفها أو أعطها الفقراء ، ويفهم منه أن ما ورد من الصرف في الجهاد محمول على التقية فتدبر.

الحديث الثاني : صحيح.

باب آخر منه

الحديث الأول : حسن.

ويدل على أنه لو أوصى الكافر للفقراء يصرف إلى فقراء نحلته ، كما ذكره

__________________

(١) قال الفيض (ره) في الوافي : شلقان : لقب عيسى بن أبي منصور كان خيّرا فاضلا.

٢٧

هاشم إلى ذي الرئاستين وهو والي نيسابور أن رجلا من المجوس مات وأوصى للفقراء بشيء من ماله فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين فكتب الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك فسأل المأمون عن ذلك فقال ليس عندي في ذلك شيء فسأل أبا الحسنعليه‌السلام فقال أبو الحسنعليه‌السلام إن المجوسي لم يوص لفقراء المسلمين ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيرد على فقراء المجوس.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب قال أوصت ماردة لقوم نصارى فراشين بوصية فقال أصحابنا اقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك فسألت الرضاعليه‌السلام فقلت إن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين فقال أمض الوصية على ما أوصت به قال الله تبارك وتعالى «فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ».

( باب )

( من أوصى بعتق أو صدقة أو حج )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مملوكه في مرضه فقال إن

الأصحاب.

قوله عليه‌السلام : « من مال الصدقة » أي الزكاة ، وظاهره جواز احتساب الزكاة بعد إعطاء المستحق ، ولا يشترط النية في حال الإعطاء ، ويحتمل أن يكون المراد مال بيت المال ، لأنه من خطإ القاضي ، وهو على بيت المال.

الحديث الثاني : حسن.

قوله : « فراشين » أي لكنائسهم أو للبيت المقدس.

باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حج

الحديث الأول : حسن.

والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق بين العتق وغيره من الوصايا في التوزيع

٢٨

كان أكثر من الثلث رد إلى الثلث وجاز العتق.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن أعتق رجل عند موته خادما له ثم أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصية وأعتق الخادم من ثلثه إلا أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسنعليه‌السلام في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكا له وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث كيف يصنع في وصيته فقال يبدأ بالعتق فينفذه.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكه وأوصى بوصية فكان أكثر من الثلث قال يمضى عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي.

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن علي بن النعمان ، عن سويد القلاء ، عن أيوب بن الحر ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إن علقمة بن محمد أوصاني أن أعتق عنه رقبة فأعتقت عنه امرأةأ فتجزيه أو

مع عدم الترتيب وقصور الثلث ، والابتداء بالسابق مع الترتيب ، وذهب الشيخ وابن الجنيد إلى أنه يقدم العتق ، وإن تأخر على غيره كما يدل عليه هذه الأخبار ، ويمكن حملها على ما إذا كان العتق مقدما لكنه بعيد ، والأولى أن يقال : هذه الأخبار لا تدل على مطلوبهم ، لأنها مفروضة في تنجيز العتق ، والمنجزات مقدمة على الوصايا كما هو المشهور ، وبه يجمع بينها وبين رواية معاوية بن عمار الآتية.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : صحيح.

الحديث الخامس : حسن.

ويدل على أنه لو أوصى بعتق رقبة يجزي عنه الذكر والأنثى كما ذكره

٢٩

أعتق عنه من مالي قال يجزيه ثم قال لي إن فاطمة أم ابني أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الةلبي ، عن أبي عبد الله قال سألني رجل عن امرأة توفيت ولم تحج فأوصت أن ينظر قدر ما يحج به فءئل عنه فإن كان أمثل أن يوضع في فقراء ولد فاطمة وضع فيهم وإن كان الحج ٥ أمثل حج عنها فقلت له إن كانت عليها حجة مفروضة فأن ينفق ما أوصت به في الحج أحب إلي من أن يقسم في غير ذلك.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار في رجل مات وأوصى أن يحج عنه فقال إن كان صرورة يحج عنه من وسط المال وإن كان غير صرورة فمن الثلث.

٨ ـ عنه ، عن معاوية بن عمار في امرأة أوصت بمال؟ في عتق وصدقة وحج فلم يبلغ قال ابدأ بالحج فإنه مفروض فإن بقي شيء فاجعله في الصدقة طائفة وفي ٥ العتق طائفة.

٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة قال

الأصحاب.

الحديث السادس : حسن.

وفيه إيماء إلى أنه يجوز صرفه في غير الحج أيضا وهو مشكل ، إلا أن يقال مع الصرف في غير الحج يخرج الحج من صلب المال ، على أن « أفعل » كثيرا ما يستعمل في غير معنى التفضيل.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

وقال في المسالك لا خلاف في وجوب تحري الوصف مع الإمكان ، فإن لم يجد مؤمنة قال المحقق وقبله الشيخ : أعتق من لا يعرف بنصب من أصناف المخالفين ،

٣٠

سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك قال يشترى من الناس فيعتق.

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة قال سألت عبدا صالحاعليه‌السلام عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين دينارا فلم يوجد له بالذي سمى قال ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمى قلت فإن لم يجدوا قال فليشتروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبا.

١١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبان ، عن محمد بن مروان ، عن الشيخعليه‌السلام أن أبا جعفرعليه‌السلام مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم وأخرجت الثلث.

١٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن محررة أعتقها أخي وقد كانت تخدم مع الجواري وكانت في عياله فأوصاني أن أنفق عليها من الوسط فقال إن كانت مع الجواري وأقامت عليهن فأنفق عليها واتبع وصيته.

١٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن سماعة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم من ثلثه فاشتري نسمة بأقل من خمسمائة درهم وفضلت

والمستند ، رواية علي بن حمزة وفيه ضعف ، والأقوى أنه لا يجزي غير المؤمنة مطلقا.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور. وعليه الفتوى.

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور.

ولعله محمول على ما إذا دلت القرائن على الاشتراط ، وعلى ما إذا وفى الثلث لمجموع الإنفاق.

الحديث الثالث عشر : موثق.

وقال في المسالك : الرواية مع ضعف سندها بسماعة تدل على إجزاء الناقصة

٣١

فضلة فما ترى قال تدفع الفضلة إلى النسمة من قبل أن تعتق ثم تعتق عن الميت.

١٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال أوصت إلي امرأة من أهلي بثلث مالها وأمرت أن يعتق ويحج ويتصدق فلم يبلغ ذلك فسألت أبا حنيفة عنها فقال تجعل أثلاثا ثلثا في العتق وثلثا في الحج وثلثا في الصدقة فدخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقلت إن امرأة من أهلي ماتت وأوصت إلي بثلث مالها وأمرت أن يعتق عنها ويتصدق ويحج عنها فنظرت فيه فلم يبلغ فقال ابدأ بالحج فإنه فريضة من فرائض الله عز وجل ويجعل ما بقي طائفة في العتق وطائفة في الصدقة فأخبرت أبا حنيفة بقول أبي عبد اللهعليه‌السلام فرجع عن قوله وقال بقول أبي عبد اللهعليه‌السلام .

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في رجل أوصى عند موته أعتق فلانا وفلانا وفلانا وفلانا وفلانا فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة التي أمر بعتقهم قال ينظر إلى الذين سماهم ويبدأ بعتقهم فيقومون وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شيء ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس فإن عجز الثلث كان في الذي سمى أخيرا لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك.

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن داود بن أبي يزيد قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن رجل كان في سفر ومعه جارية له وغلامان مملوكان فقال لهما

وإن أمكنت المطابقة ، لأنه لم يستفصل فيها هل كانت المطابقة ممكنة أم لا ، إلا أن الأصحاب نزلوها على تعذر الشراء بالقدر ، ولا بأس بذلك مع اليأس من العمل بمقتضى الوصية ، لوجوب تنفيذها بحسب الإمكان وإعطاء النسمة الزائدة صرف له في وجوه البر.

الحديث الرابع عشر : حسن.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث السادس عشر : موثق.

وبه أفتى الأكثر ، واختلفوا أن المنع من استرقاقهما على الحرمة أو الكراهة

٣٢

أنتما حران لوجه الله واشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه مني فولدت غلاما فلما قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقوهم ثم إن الغلامين أعتقا بعد ذلك فشهدا بعد ما أعتقا أن مولاهما الأول أشهدهما أن ما في بطن جاريته منه قال يجوز شهادتهما للغلام ولا يسترقهما الغلام الذي شهدا له لأنهما أثبتا نسبه.

١٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أحمد بن زياد ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن رجل.

تحضره الوفاة وله مماليك لخاصة نفسه وله مماليك في شركة رجل آخر فيوصي في وصيته مماليكي أحرار ما حال مماليكه الذين في الشركة فقال يقومون عليه إن كان ماله يحتمل ثم هم أحرار.

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب المحاربي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في رجل توفي وترك جارية أعتق ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم

قال في المختلف : قال الشيخ في النهاية : لو أشهد رجل على عبدين على نفسه بالإقرار بوارث فردت ، شهادتهما ، وجاز الميراث غير مقر له ، فأعتقهما بعد ذلك ، ثم شهدا للمقر له قبلت شهادتهما له ، ورجع بالميراث على من كان أخذه ، ورجعا عبدين ، فإن ذكرا أن مولاهما كان أعتقهما في حال ما أشهدهما ، لم يجز للمقر له أن يردهما في الرق ، لأنهما أحييا حقه ، وتبعه ابن البر ، والشيخ استدل على الحكم بصحيحة الحلبي ، وهذا يدل على ما اخترناه من قبول شهادة العبد لسيده ، والمنع من شهادته على سيده ، وإلا لم يكن لعتق العبد فائدة.

الحديث السابع عشر : مجهول.

ويدل على أنه إذا أوصى بعتق مماليكه يدخل فيها المختصة والمشتركة ، ويعتق نصيبه منها ، وأما تقويم حصة الشركاء عليه فقد قال الشيخ به في النهاية ، وتبعه بعض المتأخرين ونصره في المختلف ، وذهب أكثر المتأخرين إلى أنه لا يعتق منها إلا حصة منها ، لضعف الرواية.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

٣٣

شيء من الميراث أنها تقوم وتستسعى هي وزوجها في بقية ثمنها بعد ما يقوم فما أصاب المرأة من عتق أو رق فهو يجري على ولدها.

( باب )

( أن من حاف في الوصية فللوصي أن يردها إلى الحق )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن رجاله قال قال إن الله عز وجل أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم يكن بالمعروف وكان فيها حيف ويردها إلى المعروف لقوله عز وجل : «فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »(١) .

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن سوقة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ »(٢) قال نسختها الآية التي بعدها قوله عز وجل

ولعله محمول على ما إذا لم يخلف سوى الجارية ، فلذا لا يسري العتق فتستسعي في بقية ثمنها ، وتزوج الوصي أما لشبهة الإباحة أو بإذن الورثة ، وعلى التقديرين الولد حر ، ويلزمه على الأول قيمة الأمة والولد وإنما لم يلزمه هيهنا لتعلق الاستسعاء بها سابقا ، وبالجملة تطبيق الخبر على قواعد الأصحاب لا يخلو من إشكال.

باب أن من خاف في الوصية فللوصي أن يردها إلى الحق

الحديث الأول : مرسل.

قوله تعالى : « فَمَنْ خافَ » قيل أي علم «مِنْ مُوصٍ » «جَنَفاً » أي جورا وغير مشروع في الوصية خطأ «أَوْ إِثْماً » يعني يفعل ذلك عمدا «فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ » أي بين الموصى لهم من الوالدين والأقرباء في الوصية المذكورة ، ويحتمل أن يكون المراد من يتوقع ويظن حين وصية الموصى أنه يجوز في الوصية فأصلح.

الحديث الثاني : صحيح.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ١٨١.

(٢) سورة البقرة الآية ـ ١٨٠.

٣٤

«فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ » قال يعني الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصي فيما أوصى به إليه مما لا يرضى الله به من خلاف الحق فلا إثم عليه أي على الموصى إليه أن يبدله إلى الحق وإلى ما يرضى الله به من سبيل الخير.

( باب )

( أن الوصي إذا كانت الوصية في حق فغيرها فهو ضامن )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وحميد بن زياد ، عن عبيد الله بن أحمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن فرقد صاحب السابري قال أوصى إلي رجل بتركته وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا شيء يسير لا يكفي للحج فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة فقالوا تصدق بها عنه فلما حججت لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف فسألته وقلت له إن رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات وأوصى بتركته إلي وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من قبلنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فتصدقت بها فما تقول فقال لي هذا جعفر بن محمد في الحجر فأته وسله قال فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللهعليه‌السلام تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو ثم التفت إلي فرآني فقال ما حاجتك قلت جعلت فداك إني رجل من أهل الكوفة من مواليكم قال فدع ذا عنك حاجتك قلت رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال ما

ولعل المرادبالنسخ معناه اللغوي ، وأريد به التخصيص هنا.

باب أن الوصي إذا كانت الوصية في حق فغيرها فهو ضامن

الحديث الأول : مجهول.

ويدل على أنه مع إطلاق الوصية ينصرف إلى الحج من البلد ، ومع التعذر من الميقات ، ومع القصور عنه أيضا يتصدق وهو أحد القولين وأظهرهما ، وقيل : يرد

٣٥

صنعت قلت تصدقت بها فقال ضمنت إلا أن يكون لا يبلغ أن يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان وإن كان يبلغ به من مكة فأنت ضامن.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي سعيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سئل عن رجل أوصى بحجة فجعلها وصيه في نسمة فقال يغرمها وصيه ويجعلها في حجة كما أوصى به فإن الله تبارك وتعالى يقول : «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ».

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن مارد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة بستمائة درهم من ثلثه فانطلق الوصي فأعطى الستمائة درهم رجلا يحج بها عنه قال فقال أرى أن يغرم الوصي من ماله ستمائة درهم ويجعل الستمائة درهم فيما أوصى به الميت من نسمة.

( باب )

( أن المدبر من الثلث )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال المدبر من الثلث.

٢ ـ عنه ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير

إلى الوارث.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : صحيح.

باب أن المدبر من الثلث

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

٣٦

عن هشام بن الحكم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يدبر مملوكه أله أن يرجع فيه قال نعم هو بمنزلة الوصية.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المدبر من الثلث وقال للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المدبر قال هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها.

( باب )

( أنه يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الكفن من جميع المال.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن معاذ ، عن زرارة قال سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن كفنه فقال يجعل ما ترك في ثمن كفنه إلا أن يتجر عليه بعض الناس

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

باب أنه يبدأ بالكفن ثم بالدين ثم بالوصية

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « إلا أن يتجر » قال الزمخشري في الفائق : فأما ما روي أن رجلا دخل المسجد وقد قضى النبي صلاته « فقال : من يتجر فيقوم فيصلي معه » فوجهه

٣٧

فيكفنه ويقضى ما عليه مما ترك.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أول شيء يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث.

( باب )

( من أوصى وعليه دين )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه إن الدين قبل الوصية ثم الوصية على إثر الدين ثم الميراث بعد الوصية فإن أول القضاء كتاب الله عز وجل.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن أبان بن عثمان

إن صحت الرواية أن يكون من التجارة ، لأنه يشتري بعمله المثوبة بعد ذكره أنه لا يجوز أن لا يكون من الأجرة ، لأن الهمزة لا تدغم في التاء.

وقال ابن الأثير في النهاية(١) : إن الهروي قد أجاز في كتابه ، واستشهد بهذا الحديث.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

باب من أوصى وعليه دين

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « إن أول القضاء » استشهاد لتقديم الوصية والدين على الميراث ، بقوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ »

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وحمله الأصحاب على ما إذا فرط في إيصاله إلى الغرماء.

ويؤيده ما رواه الشيخ(٢) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله" أنه قال في رجل

__________________

(١) النهاية ج ١ ص ٢٥.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ١٦٨ ح ٣١.

٣٨

عن رجل قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل أوصى إلى رجل وعليه دين فقال يقضي الرجل ما عليه من دينه ويقسم ما بقي بين الورثة قلت فسرق ما كان أوصى به من الدين ممن يؤخذ الدين أمن الورثة قال لا يؤخذ من الورثة ولكن الوصي ضامن لها.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زكريا بن يحيى الشعيري ، عن الحكم بن عتيبة قال كنا على باب أبي جعفرعليه‌السلام ونحن جماعة ننتظر أن يخرج إذ جاءت امرأة فقالت أيكم أبو جعفر فقال لها القوم ما تريدين منه قالت أريد أن أسأله عن مسألة فقالوا لها هذا فقيه أهل العراق فسليه فقالت إن زوجي مات وترك ألف درهم وكان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم فأخذت صداقي وأخذت ميراثي ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له قال الحكم فبينا أنا أحسب إذ خرج أبو جعفرعليه‌السلام فقال ما هذا الذي أراك تحرك به أصابعك يا حكم فقلت إن هذه المرأة ذكرت أن زوجها مات وترك ألف درهم وكان لها عليه من صداقها خمسمائة درهم فأخذت صداقها وأخذت ميراثها ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له فقال الحكم فو الله ما أتممت الكلام حتى قال أقرت بثلث ما في يديها ولا ميراث لها قال الحكم فما رأيت والله أفهم

توفي فأوصى إلى رجل وعلى الرجل المتوفى دين فعمد الذي أوصى إليه فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته وقسم الذي بقي بين الورثة ، فيسرق الذي للغرماء من الليل ممن يؤخذ ، قال : هو ضامن حين عزله في بيته يؤدي من ماله ، وفي الفقيه(١) في رواية أبان « فيفرق الوصي ما كان أوصى به » فلا يحتاج إلى تكلف ، لكنه تصحيف.

الحديث الثالث : ضعيف.

ويجيء في كتاب المواريث في باب إقرار بعض الورثة بدين عن زكريا بن يحيى عن الشعيري.قوله عليه‌السلام « أقرت بثلث ما في يديها » يمكن أن يكون المراد بثلث ما في يديها ثلث صداقها ، إذ بإقرارها ينقص ثلث الخمسمائة ، ويمكن أن

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٦٧ ح ٣.

٣٩

من أبي جعفرعليه‌السلام قط.

قال ابن أبي عمير وتفسير ذلك أنه لا ميراث لها حتى تقضي الدين وإنما ترك ألف درهم وعليه من الدين ألف وخمسمائة درهم لها وللرجل فلها ثلث الألف وللرجل ثلثاها.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن بعض أصحابنا

يكون « أقرت » بصيغة المجهول ، ويكون حاصل المعنى أعطيت ثلاث الألف ، وفي الفقيه بثلثي ما في يديها ، وسيأتي في كتاب المواريث ، وقال في الدروس : من الوقائع ما رواه الحكم بن عتيبة من علماء العامة قال : كنا بباب أبي جعفرعليه‌السلام ، وساق الخبر إلى قوله فقال : « أقرت بثلثي ما في يديها » ثم قال : قلت : هذا مبني على أن الإقرار يبني على الإشاعة ، وأن إقراره لا ينفذ في حق الغير ، والثاني لا نزاع فيه ، وأما الأول فظاهر الأصحاب أن الإقرار إنما يمضي في قدر ما زاد عن حق المقر بزعمه ، كما لو أقر ممن هو مساو له ، فإنه يعطيه ما فضل عن نصيبه ، ولا يقاسمه فحينئذ تكون قد أقرت بثلث ما في يدها أعني خمسمائة ، لأن لها بزعمها وزعمه ثلاث الألف الذي هو ثلثا خمسمائة ، فيستقر ملكها عليه ، ويفضل معها ثلث خمسمائة وإذا كانت أخذت شيئا بالإرث فهو بأسره مردود على المقر له ، لأنه بزعمها ملك له ، والذي في التهذيب نقلا عن الفضل فقد « أقرت بثلث ما في يدها » رأيته بخط مصنفه وكذا في الاستبصار ، وهذا موافق لما قلناه ، وذكره الشيخ أيضا بسند آخر غير الفضل وغير الحكم متصل بالفضيل بن يسار عنهعليه‌السلام « أقرت بذهاب ثلث مالها ولا ميراث لها » تأخذ المرأة ثلثي خمسمائة ، وترد عليه ما بقي.

الحديث الرابع : مرسل.

والمشهور أن غرماء الميت سواء في التركة ، إلا أن يترك مثل ما عليه من الدين فصاعدا ، فيجوز لصاحب العين أخذها ، وخالف فيه ابن الجنيد ، وحكم بالاختصاص مطلقا ، وإن لم يكن وفت التركة بالدين كما هو المشهور في الحي

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فقام اسيد بن حضير ـ وهو ابن عم سعد بن معاذ ـ وقال : كذبت والله لنقتلنّه وأنفك راغم. فانك منافق تجادل عن المنافقين ، والله لو نعلم ما يهوى رسول الله من ذلك في رهطي الأدنين ما رام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانه حتى آتيك برأسه ، ولكني لا أدري ما يهوى رسول الله.

ثم تغالظوا ، وقام آل الخزرج من جانب ، وآل الأوس من جانب آخر ، وكادوا أن يشتبكوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فأشار رسول الله إلى الحيّين جميعا أن اسكتوا ، ونزل عن المنبر فهدّأهم وخفضهم حتى انصرفوا ...

هذا القسم من القصة المذكورة في رواية البخاري غير صحيح ، ولا يتلاءم مع التاريخ الثابت الصحيح لأن « سعد بن معاذ » كان قد مات بعد إصدار حكمه في بني قريظة متأثرا بجرح أصابه في معركة « الاحزاب » ، وقد وقعت حادثة « الإفك » بعد واقعة بني قريظة ، وقد صرّح البخاري نفسه بهذا في صحيحه ( ج ٥ ص ١١٣ ) في باب « معركة الاحزاب وبني قريظة » ، فكيف يمكن والحال هذه أن يحضر مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجادل سعد بن عبادة في قصة الإفك التي وقعت بعد واقعة بني قريظة بعدة شهور؟!(١)

لقد ذهب المؤرخون الى أن معركة الخندق ثم واقعة بني قريظة وقعتا في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة ، فتكون النتيجة ان قضية بني قريظة انتهت في التاسع عشر من شهر ذي الحجة ، وقد توفي سعد بن معاذ في أعقاب هذه الحادثة مباشرة لمّا انفجر به جرحه(٢) في حين وقعت غزوة بني المصطلق في شهر شوال

__________________

القبيلتين منافسة قديمة ، وكان « عبد الله بن أبي » خزرجيا ، فاعتبر « سعد بن عبادة » كلام « سعد بن معاذ » تعريضا بالخزرج وحطا من شأنهم.

(١) نفس المصدر السابق ، والجدير بالذكر أن ابن هشام لم يذكر في سيرته « سعد بن معاذ » ، ولكنه روى جدال اسيد مع سعد بن عبادة راجع السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٠ ، وهكذا فعل ابن الاثير في الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٤ ، ولكن المغازي ذكر القصة كاملة ، واتى باسم سعد بن معاذ راجع : ج ٢ ص ٤٣١.

(٢) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٥٠.

٣٢١

من السنة السادسة(١) .

أجل إنّ ما هو مهمّ في المقام هو أن نعرف أنّ حزب النفاق حاول أن يزلزل النفوس ، ويبلبلها ببهت امرأة صالحة ذات مكانة في المجتمع الاسلامي يومذاك.

وقد فسر قوله : « الّذي تولى كبره » أي الذي تحمل القسط الاكبر من هذه العملية الخبيثة بعبد الله بن ابي ، فهو الذي قاد هذه العملية الرخيصة والخطرة كما صرحت بذلك عائشة نفسها أيضا.

الرواية الاخرى في سبب النزول :

وتقول هذه الرواية أن الآيات الحاضرة نزلت في « مارية القبطيّة » زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووالدة إبراهيم.

فان هذه الرواية تقول : لما مات إبراهيم بن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزن عليه حزنا شديدا ، فقالت عائشة : ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلاّ ابن جريح ، فبعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا صلوات الله عليه وأمره بقتله ، فذهب علي صلوات الله عليه ومعه السيف ، وكان جريح القبطي في حائط ( أي بستان ) ، فضرب « علي » باب البستان ، فأقبل جريح له ليفتح الباب ، فلما رأى عليّا صلوات الله عليه ، عرف في وجهه الغضب ، فأدبر راجعا ولم يفتح باب البستان ، فوثب عليعليه‌السلام على الحائط ونزل إلى البستان ، وأتبعه ، وولّى جريح مدبرا ، فلما خشي أن يرهقه ( أي يدركه ) صعد في نخلة وصعد « علي » في أثره ، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة ، فبدت عورته ، فاذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، فانصرف عليّعليه‌السلام إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٢٩٧ ، ولعلّه فطن ابن هشام لهذه الناحية فترك ذكر سعد بن معاذ ، بينما غفل عنها البخاري في صحيحه ، راجع شروح البخاري منها : فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر : ج ٨ ص ٤٧١ و ٤٧٢ للوقوف على اضطراب الشرّاح في معالجة هذا التناقض.

٣٢٢

فقال له : يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمى في الوبر أم أتثبّت؟

قال : لا بل تثبت.

قال : والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال وما له ما للنساء.

فقال : الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت.

وهذه الرواية التي نقلها « المحدث البحراني » في « تفسير البرهان » ج ٢ ص ١٢٦ ـ ١٢٧ و « الحويزي » في تفسير « نور الثقلين » ج ٣ ص ٥٨١ ـ ٥٨٢ ضعيفة وغير مستقيمة من حيث المفاد ، وهو ضعف ظاهر لا يحتاج الى البيان ولذلك.

ومن هنا لا يمكن القبول بها في شأن نزول هذه الآيات.

فالمهم هو وقوع أصل هذه الحادثة ، كان من كان المتّهم في هذه الحادثة.

٣٢٣

٤٢

رحلة سياسيّة دينيّة

كانت السنة الهجرية السادسة بكل حوادثها المرة والحلوة تقترب من نهايتها عند ما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام أنه دخل البيت ( الكعبة ) وحلق رأسه ، وأخذ مفتاح البيت ، وعرّف مع المعرفين ، فقصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الرؤيا على أصحابه وتفاءل به خيرا(١) .

ولم يلبث أن أمر أصحابه بالتهيّؤ للعمرة ، ودعا القبائل المجاورة التي كانت لا تزال على شركها وكفرها الى مرافقة المسلمين في هذه السفرة ، ولهذا شاع في جميع أنحاء الجزيرة العربية أن المسلمين سيتجهون في شهر ذي القعدة صوب مكة يريدون العمرة.

ولقد كانت هذه السفرة الروحانية تنطوي ـ مضافا إلى العطاء الروحاني والمعنوي ـ على مصالح اجتماعية وأهداف سياسية ، فقد عززت مكانة المسلمين في شبه الجزيرة العربية ، وتسببت في انتشار دين التوحيد في أوساط المجتمع العربي آنذاك ، وذلك :

أولا : لأنّ القبائل العربية المشركة كانت تتصوّر أن النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالف كل عقائد العرب ، وتقاليدهم الشعبية ، والدينية حتى فريضة الحج ، والعمرة التي كانت تعد من ذكريات الاسلاف ومواريثهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ص ١٢٦.

٣٢٤

من هنا كانوا يخافون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتوجسون خيفة من دينه ، وعقيدته ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استطاع في هذه المناسبة ـ باشتراكه ، واشتراك أصحابه في مراسيم العمرة أن يخفف هذا الخوف لدى القبائل المشركة إلى حدّ كبير ، وأن يوضح بعمله أنّ رسول الإسلام لا يعارض زيارة بيت الله الحرام ، والفريضة المذكورة التي تعد من طقوسهم الدينية ، وتقاليدهم المذهبية ، بل يعتبرها فريضة مقدسة ، فهو مثل والد العرب الاكبر « إسماعيل بن إبراهيم الخليل »عليهما‌السلام يعمل على المحافظة على هذه التقاليد الدينية ، وبهذا استطاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يستقطب قلوب من كان يتوهم أن رسالة « محمّد » ودعوته ، ودينه يعارض جميع شئونهم وتقاليدهم وأعرافهم الدينية ، والشعبية ، ويخالفها مخالفة مطلقة ، ويقلّل من خوفهم ، واستيحاشهم.

ثانيا : إذا استطاع المسلمون أن يحرزوا في هذا السبيل نجاحا ، ويؤدوا مناسك العمرة في المسجد الحرام بحرية ، أمام أعين الآلاف من المشركين ، فان عملهم هذا بنفسه سيكون تبليغا ناجحا للإسلام ، لأن أخبار المسلمين ستنتشر بواسطة المشركين الذين قدموا مكة من جميع المناطق لاداء مناسك العمرة ، فسيحملون أنباء ما رأوه وشاهدوه من أفعال المسلمين الرشيدة ، وأخلاقهم الفاضلة ، إلى أوطانهم لدى عودتهم من مكة إلى بلادهم ، وبهذا ينتشر نداء الإسلام في تلكم المناطق التي لم يستطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يبعث إليها الدعاة والمبلغين حتى ذلك الحين ، ويترك هذا الأمر أثره المطلوب.

ثالثا : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكّر الناس في المدينة بحرمة الأشهر الحرم وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمر المسلمين بأن لا يحملوا معهم من الاسلحة شيئا إلاّ السيف الذي يحمله كل مسافر معه.

ولقد جلب هذا الامر عواطف كثير من الغرباء عن الإسلام نحو هذا الدين ، وغيّر من نظرتهم السلبية تجاه دعوة الإسلام ، لأنهم شاهدوا بام أعينهم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرّم القتال في هذه الاشهر ، ويدافع بنفسه عن

٣٢٥

هذه السنّة الدينية القديمة ويدعو إلى رعايتها خلافا لكل الدعايات التي كانت تبثها قريش عن أن الاسلام لا يحترم هذه الأشهر ، ويجيز الاقتتال وسفك الدماء فيها.

لقد فكر القائد الاسلاميّ مع نفسه بانه لو أصاب المسلمون في هذا السبيل أيّ نجاح ، فانهم يكونون قد حققوا أملا قديما من آمالهم التي طالما تشوقوا إلى تحقيقها.

كما أنه سوف يستطيع المهاجرون الذي طال بعدهم عن وطنهم ، وأهليهم ، أن يزوروا ذويهم وأقربائهم. هذا إذا سمحت قريش لهم بدخول مكة.

وأمّا إذا منعتهم قريش عن الدّخول في الحرم فان مكانة قريش ستتعرض ـ حينئذ ـ لخطر السقوط في العالم العربي ، وسيلومهم العرب على ذلك ، لأن جميع ممثلي القبائل العربية المحايدة سترى كيف عاملت قريش جماعة مسالمة أرادت دخول مكة لأداء مراسيم العمرة ، وزيارة الكعبة المعظمة ، ولا تحمل معها أيّ سلاح إلاّ ما يحمله المسافر في سفره عادة ، في حين يرتبط المسجد الحرام بالعرب كافة ، وانما تقوم قريش بمجرّد سدانته ، وادارة شئونه.

وهنا تتجلى حقانية المسلمين بشكل واضح ، ويتضح عدوان قريش وينكشف للجميع بطلان مواقفها ، فلا تستطيع قريش بعد ذلك أن تواصل تأليبها للقبائل العربية ضدّ الإسلام ، وعقد تحالفات عسكرية واتحاد نظاميّ مع قواها المحاربة المسلمين لانها قد منعت الزوّار المسلمين أمام أعين الآلاف من الحجيج والزائرين من حقهم المشروع.

لقد لا حظ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ هذه الجوانب وغيرها فامر المسلمين بالتوجّه نحو مكة ، وأحرم الف واربعمائه(١) أو الف وستمائة(٢) أو الف وثمانمائة(٣) في « ذي الحليفة » وقلّد سبعين بدنة ( بعيرا ) وبهذا أعلن عن هدفه من تلك الرحلة.

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢٨٨.

(٣) روضة الكافي : ص ٣٢٢.

٣٢٦

ولقد أرسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينا له ليخبره عن قريش إذا وجدهم في أثناء الطريق.

ولما كان رسول الله بعسفان ( وهي منطقة بين الجحفة ومكة ) أتاه رجل خزاعيّ كان يتقصى الاخبار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فعاهدوا الله أن لا تدخلها أبدا وهذا « خالد بن الوليد » في خيلهم ( وكانوا مائتين ) قد قدّموها الى كراع الغميم. ( وهي موضع بين مكة والمدينة أمام عسفان بثمانية أميال ).

فلما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعزم قريش على منعه ومنع اصحابه من العمرة قال :

« يا ويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب ، فان هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظنّ قريش ، فو الله لا أزال اجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله به ، أو تنفرد هذه السالفة(١) ( أي أقتل أو أموت ).

ثم طلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يدلّه على طريق آخر غير الطريق الذي هم بها لكي يتجنب مواجهة طليعة قريش بقيادة « خالد بن الوليد ».

فتعهّد رجل من بني أسلم بذلك فسلك برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه طريقا وعرا كثيرة الحجارة بين شعاب حتى انتهوا إلى منطقة سهلة تدعى بالحديبية ، فبركت هناك ناقة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما هذا لها عادة ، ولكن حبسها حابس الفيل بمكة »(٢) .

ثم أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس أن ينزلوا في ذلك المكان فنزلوا.

__________________

(١) السالفة : صفحة العنق ، وكنى بهذه الجملة عن الموت لأنّها لا تنفرد عمّا يليها الاّ بالموت.

(٢) بحار الانوار : ج ٢٠ ص ٣٢٩ وغيره. وقد أشار بهذا الكلام إلى واقعة الفيل.

٣٢٧

ولما علمت طليعة قريش بمسير رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لحقت به ، حتى اقتربت منه وحاصرت موكبه ورجاله فكان على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذا أراد أن يواصل سيره باتجاه مكة ان يخترق صفوف رجال قريش ، فيسفك دماءهم ، ويعبر على أجسادهم ، وحينئذ كان الجميع يرى أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يهدف العمرة والزيارة بل يريد الحرب والقتال ، فكان مثل هذا العمل يسيء إلى سمعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويضر بهدفه السلميّ.

ثم إن قتل هؤلاء النفر من طليعة قريش لا يزيل جميع الموانع من طريقه ، لأن قريشا كانت تبعث بإمدادات مستمرة ، ولم يكن لينته إلى هذا الحدّ.

هذا مضافا إلى أن المسلمين ما كانوا يحملون معهم حينذاك ـ إلاّ ما يحمله المسافر العاديّ من السلاح ، ومع هذه الحال لم يكن القتال أمرا صحيحا ، وحكيما بل كان يجب ان تحلّ المشكلة عن طريق التفاوض.

ولهذا عند ما نزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك المنطقة قال :

« لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألونني فيها صلة الرحم إلاّ أعطيتهم إياها »(١) .

ولقد بلغ كلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا مسامع الناس ، وكان من الطبيعي أن يسمع به العدو أيضا ، ولهذا بعثوا برجال من شخصيّاتهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على هدفه الاصلي من هذا السفر.

مندوبو قريش عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

بعثت قريش بعدة مندوبين إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتعرفوا على مقصده وهدفه في هذا السفر.

وكان أول أولئك المبعوثين هو : « بديل بن ورقاء الخزاعي » الذي أتى

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٧٢.

٣٢٨

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رجال من خزاعة فكلّموه نيابة عن قريش وسألوه : ما الذي جاء به؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّا لم نجيء لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ».

فرجعوا إلى قريش وأخبروهم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يات لقتال وإنما جاء معتمرا زائرا لبيت الله ، ولكن قريشا لم يصدقوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالا فو الله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ، ولا تحدّث بذلك عنّا العرب.

ثم بعثوا « مكرز بن حفص » فسمع من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما سمعه سابقه ، فعاد وصدّق ما أخبر بديل قريشا به ، ولكن قريشا لم تصدق مكرزا أيضا كما لم تصدّق سابقه.

فبعثت في المرة الثالثة الحليس بن علقمة(١) وكبير رماة العرب ، لحسم الموقف ، فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقبلا قال :

« إن هذا من قوم يتألّهون ( أي يعظمون أمر الله ) فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ».

فلما رأى الحليس ، الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محلّه ، رجع إلى قريش ، ولم يصل إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال لهم : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا الّذي عاقدناكم ، أيصدّ عن بيت الله من جاء معظما له وقد ساق الهدي معكوفا إلى محلّه؟! ، والذي نفس الحليس بيده لتخلّنّ بين محمّد وما جاء له ، أو لأنفّرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، وهكذا امتنع الحليس من مواجهة رسول الله بالقوة واستخدام العنف معه لصده ، وقد لاحظ بأم عينيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين لا يريدون إلاّ العمرة والزيارة لا القتال

__________________

(١) لقد جاء الحليس إلى النبي بعد عروة الثقفي حسب رواية الطبري في تاريخه : ج ٢ ص ٢٧٦.

٣٢٩

والحرب ، بل عاد يهدد قريشا اذا هي أرادت صدّه عن ذلك.

فشق هذا الكلام وهذا التهديد على قريش وخافوا من مخالفته ، فقالوا : مه ، كفّ عنا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.

ثمّ بعثوا أخيرا « عروة بن مسعود الثقفي » وكان رجلا لبيبا تطمئن قريش إلى درايته وحكمته وخيره وكان لا يحبّ أن يمثّل قريشا في هذه المفاوضات لما رآه من معاملتهم مع الممثلين السابقين ، ولكن قريشا تعهدت له بان تقبل بما تقول ، وأعلنت له عن ثقتها الكاملة به ، وبما سيخبر به ، وبأنه غير متّهم عندهم.

فخرج من عندهم حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجلس بين يديه ثم قال : يا محمّد جمعت أو شاب الناس ( أي أخلاطهم ) ثم جئت بهم إلى أهلك وقبيلتك ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا ، وأيم الله لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا ، ( أو قال : أن يفرّوا عنك ويدعوك ).

وعند ما بلغ ابن مسعود في كلامه إلى هذا قال له أبو بكر وكان جالسا خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنحن ننكشف عنه ، وندعه؟

لقد كان « عروة » كأيّ دبلوماسيّ ماكر ، يحاول إضعاف معنويات أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلامه ، وروغانه.

وأخيرا انتهت المباحثات دون جدوى. وهنا جعل « عروة » يتناول لحية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ازدراء بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمغيرة بن شعبة ـ وكان واقفا على رأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقرع يده إذا تناول لحية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل أن لا تصل إليك.

فسأل عروة : يا محمّد من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ( ويبدو أن جميع من كان حول النبي آنذاك أو بعضهم كانوا مقنعين رعاية للظروف الأمنية ).

٣٣٠

فغضب عروة وقال : « أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلاّ بالأمس » وكان المغيرة قد قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف فودى عروة المقتولين وأصلح الأمر.

فقطع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلام على عروة وقال له مثل ما قال لبديل ورفيقيه ، وأنه لم يات يريد حربا ، بل جاء يريد العمرة ، ولاجل أن يرى عروة مكانته بين أصحابه وأتباعه ، قامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوضأ أمامه ، فرأى عروة بام عينيه كيف أنه لا يتوضّأ إلاّ وتسابق أصحابه على التقاط القطرات المتناثرة من وضوئه ، فرجع إلى قريش وقال لهم : يا معشر قريش إنّي قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشيّ في ملكه ، وإنّي والله ما رأيت ملكا في قوم قطّ مثل محمّد في أصحابه ، ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء قط فروا رأيكم(١) .

رسول الله يبعث مندوبا الى قريش :

لم تثمر الاتصالات التي جرت بين مبعوثي قريش ، وبين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان من الطبيعي أن يتصور رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ مبعوثي قريش لم يستطيعوا نقل هدفه إلى قريش ، وإسماعهم الحقيقة ، وأن اتهامهم لهم بالجبن والكذب منعهم من قبول ما قد أخبروا به ، ولهذا قرّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبعث هو مندوبا عنه إلى رءوس الشرك ليوضّح لهم هدف رسول الاسلام من هذا السفر ، وأنه ليس إلاّ زيارة بيت الله وأداء مناسك العمرة لا غير.

فاختار رجلا لبيبا حازما من بني خزاعة يدعى « خراش بن اميّة » فبعثه إلى قريش بمكّة وحمله على بعير يقال له « الثعلب ». ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له من

__________________

(١) المغازي : ج ٢ ص ٥٩٨ ، امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٨٧.

٣٣١

الزيارة والعمرة ، فدخل مكة ، وبلّغ سادة قريش رسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن قريشا ـ خلافا لكل الأعراف الدولية والاجتماعية قديما وحديثا. والقاضية بحصانة السفراء وضرورة احترام كل مما يمت إليهم بصلة من ممتلكاتهم عمدت الى جمل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي امتطاه سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مكة فعقروه عدوانا ، وكادوا أن يقتلوا سفير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ، ولكن وساطة جماعة من قادة العرب ادت إلى أن تخلّي قريش سبيله حتى أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إن هذا العمل الدنيء أثبت ـ بوضوح ـ أن قريشا لم تكن تريد السلام بل كانت دائما في صدد اشعال قتيل الحرب.

ولم تلبث قريش أن كلّفت خمسين رجلا من فتيانها بالطواف بعسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغية أخذ شيء من أمواله ، أو أسر بعض أصحابه لو أتيح لهم ذلك ، ارعابا للمسلمين وتخويفا لهم. ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا ، فان هؤلاء لم يصيبوا شيئا بل أسرهم المسلمون جميعا وأتى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم مع أنهم كانوا قد رموا في عسكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجارة والنبل.

وبهذا ثبت رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة اخرى أنه يحب السلام ويسعى إليه ، وانه جاء معتمرا لا معتديا ولا محاربا(١) .

النبي يبعث سفيرا آخر الى قريش :

رغم كل هذه الامور ورغم كلّ التصلّب والتعصّب الذي أبدته القيادة القرشية المشركة ضدّ الاسلام والمسلمين وضد محاولات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلميّة لم ييأس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تحقيق السلام

__________________

(١) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٧٨.

٣٣٢

فقد كان يريد ـ واقعا ـ أن يعالج المشكلة من طريق المفاوضات ، ومن طريق تغيير التصورات التي كان يحملها اشراف قريش وسادتها المتعنتين المتصلبين عن رسول الله ودعوته.

ومن هنا كان يجب هذه المرّة أن يختارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا لم تخض يده في دماء قريش ، ولهذا لم يصلح « علي بن أبي طالب » ولا « الزبير » ولا غير هم من فرسان الاسلام وشجعانه الذين جالدوا صناديد قريش في ميادين القتال وأردوا فريقا منهم صرعى ، لمثل هذه السفارة ، وهذه المهمة.

ولهذا تقرر ـ بعد التأمل. انتداب « عمر بن الخطاب » لهذه المهمة ، أي الذهاب الى مكة ، والتحدث الى سادة قريش ، ورؤسائها ، لأنه لم يكن قد أراق من المشركين حتى ذلك اليوم ولا قطرة دم ، ولكن « عمر » اعتذر عن تحمل هذه المسئولية ، والقيام بهذه المهمة المحفوفة بالمخاطر قائلا : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إني أخاف قريشا على نفسي ، وليس بمكة من بني عديّ ( وهم عشيرته ) من يمنعني ، ولكني ادلّك على رجل أعزّ بها مني ، « عثمان بن عفان ». ( لكونه أمويا بينه وبين أبي سفيان زعيم قريش قرابة )(١) .

فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « عثمان بن عفان » فبعثه إلى « أبي سفيان » وأشراف قريش ، ليخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وأنه انما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته.

فخرج عثمان الى مكة ، فلقيه « أبان بن سعيد بن العاص » حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فانطلق « عثمان » حتى أتى أبا سفيان وأشراف قريش فبلغهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أرسله به ، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ،

__________________

(١) السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣١٥.

٣٣٣

فامتنع عثمان عن الطواف احتراما لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثم إن قريشا احتبست عثمان عندها ، ولعلّهم فعلوا ذلك ريثما يتوصلوا إلى حلّ ثم يطلقوه ليبلّغ الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأيهم.

بيعة الرضوان :

إلاّ أن إبطاء مبعوث النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن العودة من مكة أوجد قلقا شديدا في نفوس المسلمين ، خاصّة وأنه شاع أن عثمان قد قتل ، فثارت ثائرة المسلمين ، واستعدّوا للانتقام من قريش وعمد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا إلى مخاطبتهم قائلا :

« لا نبرح حتى نناجز القوم ».

وذلك تقوية لارادة المسلمين ، وتحريكا لمشاعرهم الطاهرة.

وفي هذه اللحظات الخطيرة ، وفي ما كان الخطر على الابواب ، وبينما لم يكن المسلمون متهيئين للقتال قرر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجدّد بيعته مع المسلمين.

فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة ، وأخذ أصحابه يبايعونه على الاستقامة والثبات والوفاء واحدا واحدا ، ويحلفون له أن لا يتخلوا عنه أبدا ، وأن يدافعوا عن حياض الإسلام حتى النفس الأخير ، وقد سمّيت هذه البيعة ببيعة « الرضوان » التي جاء ذكرها في قوله تعالى :

«لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً »(١) .

فاتضح موقف المسلمين بعد هذه البيعة ، فإمّا أن تسمح لهم قريش بدخول مكة لزيارة بيت الله المعظّم ، وإمّا أن تتصلّب في موقفها الرافض فيكون بينهم

__________________

(١) الفتح : ١٨.

٣٣٤

القتال والحرب(١) .

وبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الحال اذ طلع عليهم « عثمان بن عفان » ، وكان ذلك بنفسه طليعة سلام كان يريده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فأخبر عثمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يمنع قريشا من السماح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدخول مكة هو اليمين التي الزموا بها انفسهم أن لا يدعوه يدخل مكة هذا العام وانهم سيبعثون إليه من يتفاوض معه بهذا الشأن.

سهيل بن عمرو يفاوض رسول الله :

بعثت قريش ـ في المرة الخامسة ـ « سهيل بن عمرو » الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كلّفته بانهاء المشكلة ضمن شروط خاصّة سنقرؤها في ما يأتي.

فأقبل « سهيل بن عمرو » على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما رآه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.

فلما انتهى « سهيل » إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكلّم في المسألة كما يتكلّم أي دبلوماسيّ بارع ، فقال وهو يحاول إثارة عواطف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاسيسه :

يا أبا القاسم إن مكة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك إنك قد غزوتنا ومتى ما تدخل علينا مكة عنوة تطمع فينا فنتخطّف ، وإنا لنذكّرك الحرم ، فان مكة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.

فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فما تريد »؟

__________________

(١) ولقد كان لهذه البيعة في نفسها أثرا سياسيا مهما في نفس العدو ، يقول الواقدي : فلما رأت عيون قريش سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتدّ رعبهم وخوفهم وأسرعوا إلى القضية ( ج ٢ ص ٦٠٤ ). وراجع امتاع الاسماع : ج ١ ص ٢٩١ أيضا.

٣٣٥

قال : اريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اخلّيها لك في قابل(١) فتدخلها ، ولا تدخلها بخوف ولا فزع ، ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب ، السيف في القراب.

فقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعقد مثل هذا الصلح.

وهكذا أدّت مفاوضات « سهيل » مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عقد صلح شامل وواسع بين قريش وبين المسلمين.

ولقد تشدد « سهيل » في شروط هذا الصلح كثيرا ، حتى كاد أن ينتهي هذا التشدّد إلى قطع المفاوضات أحيانا ، ولكن حيث إن الطرفين كانا يرغبان في الصلح والموادعة ، لهذا كانا يستأنفان التحاور والتفاوض مرة اخرى ، بعد كلّ أزمة تطرأ على المباحثات.

وأخيرا انتهت مفاوضات الجانبين ـ رغم كل ما أبداه مندوب قريش من التصلّب ـ الى عقد وثيقة موادعة وهدنة نظّمت في نسختين ووقع عليها الجانبان.

ويروي كافّة المؤرخين وأرباب السير أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استدعى عليّاعليه‌السلام ، وامره أن يكتب تلك الوثيقة قائلا له : اكتب « بسم الله الرحمن الرحيم » فكتب « عليّ » ذلك فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب : باسمك اللهم!!

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اكتب : باسمك اللهم وامح ما كتبت.

ففعل « علي » ذلك.

ثم قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكتب « هذا ما صالح عليه رسول الله سهيل بن عمرو ».

فقال سهيل ، لو أجبتك في الكتاب إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة فامح هذا الاسم واكتب : محمّد بن عبد الله ( أو قال : لو شهدت انك رسول الله لم اقاتلك.

__________________

(١) أي افرغ لك مكة في العام القادم لتدخلها.

٣٣٦

ولكن أكتب اسمك واسم ابيك ).

ولم يرض بعض من حضر من المسلمين في هذه النقطة بأن يرضخ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمطالب « سهيل » الى هذه الدرجة ، ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كان يلاحظ مصالح عليا غفل عنها ذلك البعض كما سنذكرها فيما بعد رضي بمطلب « سهيل » ، وقال لعليّعليه‌السلام : امحها يا عليّ.

فقال عليّعليه‌السلام بأدب بالغ : يا رسول الله إن يديّ لا تنطلق لمحو اسمك من النبوة.

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضع يدي عليها ، فمحى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده كلمة : رسول الله نزولا عند رغبة « سهيل » مفاوض قريش(١) .

ان التسامح الذي أبداه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تنظيم وثيقة الصلح هذه لا يعرف له نظير في تاريخ العالم كله ، لأنه اظهر بجلاء أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقع فريسة بيد الاهواء والاغراض الشخصية والعواطف والاحاسيس العابرة ، وكان يعلم أن الحقائق لا تتبدّل ولا تتغيّر بالكتابة والمحو ، من هنا تسامح مع مفاوض قريش « سهيل » الذي تصلّب في مطاليبه غير المشروعة كثيرا ، حفاظا على أصل الصلح. وحرصا على السلام.

التاريخ يعيد نفسه :

ولقد ابتلي عليعليه‌السلام تلميذ النبي الأول بمثل هذه التجربة المرّة بعد

__________________

(١) الارشاد : ص ٦٠ ، اعلام الورى : ١٠٦ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٦٨ وقد اخطأ الطبري في هذا المقام اذ قال : في احدى رواياته لهذه الحادثة : قال لعلىعليه‌السلام : امح « رسول الله » ، قال : لا والله لا أمحاك أبدا فأخذه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس يحسن يكتب فكتب مكان « رسول الله » : محمّد.

وهكذا نسب الكتابة إلى شخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نعلم انه أمي لا يحسن الكتابة ، وقد حققنا هذه المسألة في المجلد الثالث من موسوعة مفاهيم القرآن ٣١٩ ـ ٣٧٤.

٣٣٧

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيوم امتنع عليعليه‌السلام عن محو كلمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اسم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا عليّ إنّك أبيت أن تمحو اسمي من النبوّة فو الّذي بعثني بالحق نبيّا لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها وأنت مضيض مضطهد »(١)

ولقد بقيت هذه القضية في ذاكرة عليّعليه‌السلام ، حتى إذا كان يوم « صفين » وخدع أصحاب الامام عليّعليه‌السلام بالاسلوب الماكر الذي اتبعه جيش الشّام الذي قاتل عليّاعليه‌السلام بقيادة معاوية بن أبي سفيان ومساعدة عمرو بن العاص ، وأجبروا الامامعليه‌السلام على عقد الصلح مع معاوية فشكّل الجانبان لجنة لتنظيم وثيقة ذلك الصلح ، كلّف « عبيد الله بن رافع » كاتب الامام من جانب الامام عليّعليه‌السلام بأن يكتب وثيقة الصلح ، فكتب :

« هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي » قال عمرو بن العاص ممثل معاوية في تلك المفاوضات : لو علمنا أنك أمير المؤمنين لم ننازعك!!

وهكذا طالب عمرو بن العاص بحذف عبارة أمير المؤمنين.

وطال الكلام والتشاجر في هذا الموضوع ، ولم يكن الامام علي يريد ان يعطي حجة للبسطاء من أصحابه ، ولهذا لم يرضخ لهذا المطلب ، ولكنه بعد إلحاح من أحد قادة جيشه سمح بأن يمحى لقب « أمير المؤمنين » من اسمه ثم قال : « الله اكبر سنة بسنة ».

وهو بذلك يشير إلى حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم الحديبية(٢) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ : ج ٢ ص ١٣٨ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٣.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ٣ ص ١٦٢ ، راجع المصدر لتقف على القصة بكاملها ولتقف على ما دار بين الامام وابن العاص.

٣٣٨

نصّ صلح الحديبية :

وأخيرا عقدت اتّفاقية صلح وهدنة بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش تضمنت المواد والشروط التالية :

١ ـ تعهّد المسلمون ، وقريش بترك الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس ، ويكف بعضهم عن بعض.

٢ ـ من أتى محمّدا من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم ، ومن جاء قريشا ممّن مع محمّد لم يردّوه عليه.

٣ ـ من أحبّ أن يدخل في عقد محمّد وعهده ( أي يتحالف معه ) دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.

٤ ـ انّ محمّدا يرجع بأصحابه إلى المدينة عامه هذا ولا يدخل مكة ، وانما يدخل مكة في العام القابل في أصحابه فيقيم فيها ثلاثة أيام ، لا يدخل فيها بسلاح إلاّ سلاح المسافر ، السيوف في القرب(١) .

٥ ـ أن لا يستكره أحد على ترك دينه ويعبد المسلمون الله بمكة علانية وبحرية ، وان يكون الاسلام ظاهرا بمكة وان لا يؤذي أحد ولا يعيّر(٢) .

٦ ـ لا إسلال ( سرقة ) ولا إغلال ( خيانة ) بل يحترم الطرفان أموال الطرف الآخر ، فلا يخونه ولا يسرق منه(٣) .

٧ ـ أن لا تعين قريش على محمّد وأصحابه أحدا بنفس ولا سلاح(٤) .

هذا هو نص وثيقة « صلح الحديبية » ، وقد جمعنا بنوده من المصادر المتنوعة

__________________

(١) السيرة الحلبية : ج ٣ ص ٢١.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ص ١١٧ أو : « من قدم مكة من أصحاب محمّد حاجّا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ، ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو الشام فهو آمن على دمه وماله ».

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٢.

٣٣٩

التي أشرنا الى بعضها في الهامش ، وقد كتبت هذه الوثيقة في نسختين ، ثم وقع عليها جماعة من شخصيات قريش ، والمسلمين وشهدوا عليها واعطيت نسخة الى « سهيل بن عمرو » ممثل قريش ، وتركت نسخة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

نشيد الحرية :

لقد كان كل عاقل لبيب يحسن تقدير الامور يسمع نشيد الحريّة من ثنايا هذا الصلح التاريخيّ ، ومع أن كل بنود هذه المعاهدة جديرة بالاهتمام والاكبار ، إلاّ أن النقطة التي تستحق الاهتمام والتقدير أكثر من سواها هي المادّة الثانية في هذا الصلح ، وهي المادّة التي أزعجت بعض الصحابة يوم انعقاد تلك المعاهدة.

فقد انزعج صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا التمييز الصارخ ، وقالوا حول قرار القيادة الحكمية المتمثلة في قائد محنّك كرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان ينبغي أن لا يقولوه ، في حين تعتبر هذه المادة من أعظم بنود الوثيقة إذ تعكس نظرة رسول الاسلام ، وتفكيره حول كيفيّة تبليغ الاسلام ، وإشاعته ونشره ، فانه يظهر منها ـ وبجلاء ـ مدى احترام رسول الاسلام لمبدإ الحرية.

ولقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في معرض الاجابة على من اعترض من صحابته على البند القاضي بتسليم كل مسلم فرّ من قريش إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين إلى قريش ، دون العكس قائلا :

« من جاءهم منّا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الاسلام من قلبه جعل له مخرجا ».

وأراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الذي يهرب من جماعة المسلمين ويلجأ إلى المشركين فلا قيمة لإيمانه وإسلامه ، إذ أن ذلك يدل على أنه لم يؤمن بهذه الدين حق الإيمان فلا داعي لأن يعاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446