مرآة العقول الجزء ٢٤

مرآة العقول15%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 379

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 379 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16739 / تحميل: 2694
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

في علوم الإسلام. فالنحو العربي هو الذي حفظ العربية. لغة القرآن. وهو امر أصولي للغه، كأصول الفقه. وسنرى موقفه المبدع فيها. وكذلك كانت مواقف علي بعد ظهور الإسلام، وفي خلافة سابقيه، تتصدى للأساسيات في الإسلام.

لقد كان أطول الراشدين حياة في الإسلام مما يظهر أثره عميقا، عمق الحوادث والعلوم وأثرها في الإسلام، وطويلا لطول المدة التي حييها في المراكز الأولى منذ ظهور الإسلام.

وربما أجمل القول في مكان علي بين المسلمين قول ابن عباس:

(لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره: هو أول عربي أو أعجمي صلى مع رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو الذي كان لواؤه معه يوم الزحف. وهو الذي صبر معه يوم فر غيره. وهو الذي غسله فأدخله قبره).

أما عن العلم فيقول ابن عباس (إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره) واما عن العدل فيقول ابن مسعود معلم الكوفة وسادس المسلمين «كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي».

من أجل هذا وكثير غيره، صح عند الشيعة أن النبي أفضى إليه بظاهر الشريعة وخافيها. وأنه أفضى بها إلى من خلفه.

وليس يملك أحد أن يفاضل بين الخلفاء الراشدين الأربعة الا باجتهادات تحتمل الخطأ والصواب. لقد بايعهم المسلمون بيعة صحيحة. وبايع علي الثلاثة السابقين عليه. فكانت بيعته شهادة لهم وله. فلهم جميعا مكانة الراشدين التي بوأهم اللّه إياها في الزمن الذي أراده.

ومن الحكمة أن ندرأ أسباب المراء والشحناء، فننتهي عن المفاضلة بين السابقين الأولين إلا لحاجة. وأولى الناس بذلك الصحابة الذين أمرنا بالاستغفار لهم، وألا نجعل في قلوبنا غلا لهم.

ولئن فاضل «الأشعري والغزالي» وبعض المتكلمين، بين الخلفاء الراشدين، فرتبوهم على حسب ترتيب استخلافهم، فربما كان الأرجح أن مجيء علي في آخر الخلفاء الأربعة تنحصر دلالته في أن اللّه تعالى أجاءه إلى حيث كان دوره - لا مرتبته - هو الرابع. وللّه الحكمة البالغة.

٢١

وعلي في كثير من الأمور هو الأوحد: فالنبي هو الذي رباه. وآخاه. وأعده للعظائم فصنعها. وعهد إليه في تبليغ آي القرآن . وهي جميعا «خصوصيات» لا يرقى رقيه فيها أحد. أما ما لم يشركه فيه بشر فهو ما أجمعت عليه كتب الشيعة وشاركها فيه كثيرون من علماء أهل السنة منذ القرون الأولى - كالمسعودي والحاكم والكنجي - حتى القرون الحديثة - كالألوسي، وهو أن عليا ولد بالكعبة.

وإذا كان للصديق مكان (الصديقية) فلعلي قوله عليه الصلاة والسلام (علي مني وأنا منه).

وإذا كانت لعمر مكانة الفاروق، فعمر نفسه كان يتمنى لو كان له واحدة من ثلاثة من خصال علي.

وإذا كان عثمان ذا النورين بإصهاره إلى النبي في زوجتين لعثمان. فعلي - وحده - صاحب النسب، والعقب، الباقي من رسول اللّه.

لقد كان الحسن والحسين يسميان الرسول أباهما. كما كان الرسول يسميهما ابنيه طول حياته. ولم يناديا عليا بأنه أبوهما إلا بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الشيعة:

لعلي - على ما رأينا - من فضل اللّه ما سلمه الجميع له وتؤثره من جرائه الشيعة، منذ القرن الأول، أي جيل الصحابة، ثم تلاحق عليه الجيلان التاليان. وهي الأجيال الثلاثة المفضلة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (خير القرون قرني - جيلي - ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وتوالت على تكريمه به جماعة المسلمين إلا من ظلم. وهو موقعه الخاص من النبي ومن علوم الإسلام: إذ تتفرع عنه فروع النسب من أهل البيت. وتنبع منه بحار شتى للمعرفة تسقى منها المذاهب كافة. وفيها المتصوفة والمعتزلة، وتفيد منها العلوم كافة، ومنها العبادات والمعاملات والحرب والسلم والسياسة والاقتصاد والإدارة. فتطبع بطابعه العلوم الإسلامية عند الشيعة، وتظهر آثاره في علوم أهل السنة.

«والشيعة» كلمة قرآنية (وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم).

٢٢

والتشيع لعلي مكانة للفوز تقررت بالسنة - روى السيوطي عن جابر بن عبد اللّه قال: كنا عند النبي فأقبل علي فقال النبي (والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة).

وعن ابن عباس قال: لما نزلت (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال رسول اللّه لعلي (هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين).

وعن أم سلمة - رضي اللّه عنها - أن النبي قال لعلي (أنت وأصحابك في الجنة)

وفي نهاية ابن الأثير ما نصه في مادة (لواقح) (وفي حديث علي قال له النبي ستقدم على اللّه أنت «وشيعتك» راضين مرضيين ويقدم عليك عدوك غضابا مقمحين).

والزمخشري يروي في ربيع الأبرار حديث النبي عن (شيعة ولدك) وهو يتحدث إلى علي. وفي مسند أحمد بن حنبل وخصائص النسائي كثير في الدلالة على شيعة علي.

ويخصص المسلمون «الشيعة» بأنهم هم التابعون والمقتدون والمتميزون باتباعهم واقتدائهم الكامل بالامام علي والأئمة من بنيه.

وربما كان تعريف ابن حزم للشيعة جامعا مانعا. فهو يقول (من وافق الشيعة في أن عليا «أفضل» الخلق بعد رسول اللّه و «أحقهم» بالإمامة وولده من بعده. فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك فيما اختلف فيه المسلمون. فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا).

٢٣

ظهر تفضيل الشيعة لعلي على جميع الصحابة بمجرد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، إذ دعت إلى ذلك دواع سياسية. فقد اجتمع المهاجرون والأنصار - وعلي مشغول بتجهيز رسول اللّه لقبره - فبايعوا أبا بكر باقتراح عمر. وثقل على بطل الإسلام علي أن يمضي الصحابة الأمور دونه، وثقل على الزهراء(١)

___________________

(١) لم يورث الخليفة الزهراء من أبيها. وقصد إليها مع عمر يذكران لها حديث الرسول في حرمانها من ميراثها. قال الصديق: إني سمعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) ثم قال الصديق: واللّه إن قرابة رسول اللّه أحب الي من قرابتي. وإنك أحب الي من عائشة (بنته).

قالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول اللّه تعرفانه وتعملان به ؟

قالا: نعم.

قالت: ألم تسمعا قول الرسول (رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي).

قالا: سمعنا.

قالت:إني أشهد اللّه أنكما أسخطتماني. وما أرضيتماني. ولئن لقيت رسول اللّه لأشكونكما إليه . وخرجا يبكيان. فلقد كانت تبكي.

ولقد كانت للّه لا للدنيا دموع الزهراء والصديق والفاروق

وأهل السنة ينحون نحوهما في تفسير الحديث النبوي.

والشيعة لا يتسامحون في حرمان الزهراء ميراثها.

ومن الغلاة في الخصومة للشيخين من يقولون إن عمر كان سبب البيعة لأبي بكر يوم السقيفة إذ قال له امدد يدك أبايعك. وإن أبا بكر كان مصدر البيعة لعمر يوم استخلفه ليصرفا الأمر عن علي، مع أن البيعة كانت عامة من الأمة.

وأهل السنة على أن الصحابة اجتهدوا للمسلمين، وأن عليا أيدهم في اجتهادهم إذ بايع، بل تبع رأي عمر فيما بعد لما جعل (عمر) الأمر شورى في الستة. ثم كان أصدق المسلمين في طاعة عثمان.

٢٤

على «شيعة علي» من صحابة الرسول. كما رأى البعض أحقية علي بالخلافة(١) .

ولكن عليا لم يلبث أن كمل اجماع المسلمين بالبيعة للصديق، وجمل خلافة الصديق بالمشاركة والمشورة، وتحمل في خلافة الفاروق أعباء في أخطر شئون الدولة والدين والناس والخليفة.

لقد كان كله شجاعة نفس وسداد رأي يوم الردة. قالت عائشة رضي اللّه عنها (خرج أبى يوم الردة شاهرا سيفه راكبا راحلته. فجاء علي رضي اللّه عنه فأخذ بزمام راحلته وقال: أقول لك ما قال لك رسول اللّه -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - يوم أحد (شم سيفك لا تفجعنا بموتك. فو اللّه إن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبدا).

___________________

(١) ومنذئذ كانت لعلي شيعته. قال أبان بن تغلب « قلت لجعفر بن محمد (الصادق) جعلت فداك. هل كان أحد من أصحاب رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنكر على أبي بكر فعله؟ قال نعم: اثنا عشر رجلا. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وسلمان الفارسي وأبوذر الغفاري، والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي. ومن الأنصار: أبو الهيثم بن التيهان. وسهل وعثمان ابنا حنيف. وخزيمة بن ثابت وأبي بن كعب. وأبو أيوب الأنصاري.

٢٥

ولقد كان كله شجاعة فكر ، وبراعة فقه ، يوم استشاره عمر في غزو الفرس بنفسه و كرر «أخو النبي» نصحه في بلاغة معلمة وأسانيد تترى لكنه لم يذكر (السابقة) لعمر كما صنع مع أبي بكر. فالصديق هو إمام (الاتباع) الذي بلغ به مراتبه. اما عمر فهو «يجتهد» ويتبع. وعند علي من (الاتباع) و (الاجتهاد) ما يروي الشيخين معاً:

قال لعمر بين ما قال: «إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة. وهو دين اللّه الذي أظهره . ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه. فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع. فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب. وأصلهم دونك نار الحرب. إنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع من الفورات أهم إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولون هذا أصل العرب فإن قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك ومطمعهم فيك .»

فلنلاحظ هذه الخطة المتعددة الغايات بالحركة الواحدة: أن يبقى قطبا للرحى، وان يستديرها بالعرب، وأن يجعلهم يحاربون العدو بدلا من الخليفة. وأن يحميهم من تنازعهم ولم يكن قد مضى على توبة بعضهم من الردة الا شهور. ولنلاحظ ذلك الاحتياط في الحرب حتى لا يجد العدو الخليفة غرضا قريبا في متناوله يستميت في إصابته.

ولنلاحظ تشبيه الخليفة بنظام العقد الذي يمسكه أن ينتثر.

ولنلاحظ الوجازة، والنصاعة، والبلاغة «العلوية»، ومستواها في لسان العرب.

ولما قبل الصديق والفاروق نصيحته في الحالين وضعته النصيحتان في موضعه معهما ومن المسلمين - وهو في صدر شبابه - في الصدارة.

ولا ينال من هذه العبقرية في وضع الخطط، ما سيصيبه والمسلمين معه، يوم يستحبون الدعة، بعد ربع قرن عندما آلت إليه المقاليد، وجاء إلى الوجود جيل جديد، فعلت الفتن فيه أفاعيلها. فأتاحت لعلي بدلا من إنفاذ خططه، أن يلقى خطبه الخالدة التي تعتبر مصادر للبلاغة العربية والحكمة السياسة والفلسفية على مر الزمان. فتخص الامام بمقام بين خطباء التاريخ لا يرقى إليه أحد.

٢٦

عهد الصديق لعمر فكان عهده له فتحا من الفتوح على أبي بكر والأمة، منذ كان عمر كأبى بكر مطلوبين للأحداث، ولم يكن لدى المسلمين ساعة ليشتوروا، فأرواح الشهداء تساقط في الميادين، في الشرق والشمال، بالعراق والشام، لقضيء العالم بأنوار الإسلام.

ولا يمكن أن يرد على الذهن أن أبا بكر، في عهده لعمر، فكر لحظة واحدة تفكير بعض قريش في أن تصرف الخلافة عن بني هاشم، مخافة أن تبقى وراثة فيهم، فلا تنال قريش حظوظها من السلطة. فإنما كانت هذه الفئة في فكرها ظالمة لنفسها ولبني هاشم، بمثل ما قد طالما ظلمت الصديق والفاروق معاً.

فلقد عهد الفاروق لعلي بين الستة الذين عهد إليهم أن يختاروا للمسلمين من يبايعونه. وهو القائل عن علي (لو ولوه لحملهم على الجادة). وكان الجميع يعلمون أن الخلافة دائرة بينه وبين عثمان . ولم يشأ عمر أن يحمل مسئولية الاختيار - وهو طعين - وكانت المشورة ممكنة، لا خطرة، كما كانت عند وفاة أبي بكر.

ولما جاء دور علي - وهو طعين - لم يفكر في أن يعهد لواحد من بني هاشم. بل قيل له (إن فقدناك - ولا نفقدك - هل نبايع الحسن ؟) فأجاب (لا آمركم ولا أنهاكم. أنتم أبصر). وترك الأمر شورى للمسلمين.

وكذلك ليس من الدقة أن يستنتج من تقدير عمر لعلي، أو لأهل البيت، أو لأم كلثوم بنت علي - وهي تحت جناح عمر - أن عمر كان يتمنى شيئا خاصا لعلي في صدد الخلافة. فلقد كان عمر ينظر لمصلحة المسلمين أجمعين، يوم عهد إلى الستة أن يختاروا واحدا منهم يبايعه المسلمون .

كان عمر ينظر لمصلحة المسلمين يوم دون الديوان. فدعا الأخ الأكبر لعلي، عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم، وقال لهم: «اكتبوا الناس على قدر منازلهم» فكتبوهم مبتدئين ببني هاشم ثم ببني تيم - قبيلة أبي بكر - ثم بني عدي - قبيلة عمر - فقال (وددت أنه هكذا. ولكن ابدأوا بقرابة النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه اللّه).

٢٧

ويوم فضل بعض الناس في العطاء جزاء ما قدموا للإسلام. فلما ذكر له صنيع أبي بكر يوم رفض التفضيل وقال «إنما أسلموا للّه. ووجب أجرهم عليه. يوفيهم ذلك في الآخرة. وإنما هذه الدنيا بلاغ» أجاب عمر (لا أجعل من قاتل رسول اللّه كمن قاتل معه .)

ويوم فضل أهل بدر على من عداهم. ثم جعل الباقين درجات. ومع ذلك قدم الأذنين من رسول اللّه دون نظر إلى جهاد أو سابقة إسلام. ففرض للعباس - عم النبي - اثنى عشر ألف درهم. ولأخته صفية عمة النبي وعلي - ستة آلاف . ولكل واحدة من زوجات النبي عشرة آلاف. وميز عائشة لمحبة رسول اللّه إياها فجعل لها اثنى عشر ألفا.

ويوم فضل الحسن والحسين إذ فرض لكل واحد شهد بدرا خمسة آلاف، ولأبنائهم ألفين ألفين، الا الحسن والحسين ابنى علي من فاطمة الزهراء ألحقهما بفريضة أبيهما لقرابتهما من رسول اللّه. ففرض لكل منهما خمسة آلاف . حتى أسامة بن زيد بن حارثة - مولى الرسول - فرض له أربعة آلاف. وأجاب ابنه عبد اللّه - فقيه المسلمين ومحدثهم - إذ راجعه قائلا (فرضت لي ثلاثة ولأسامة أربعة. وقد شهدت ما لم يشهد أسامة) فقال لابنه (زدته لأنه كان أحب إلى رسول اللّه منك. ولأن أباه كان أحب إلى رسول اللّه من أبيك).

وعبد اللّه أخ شقيق لحفصة أم المؤمنين.

ولما فرض لعمر بن أم سلمة - أم المؤمنين - أربعة آلاف، وكان من شيعة علي، استعتب البعض الخليفة لحداثته فأجاب (فليأتني الذي استعتب بأم مثل أم سلمة أعتبه).

وأم المؤمنين أم سلمة أعلى الأصوات في الدفاع عن علي.

٢٨

ولقد كان عمر صادقا يوم عدل إلى رأي أبي بكر وقال (لئن بقيت إلى العام المقبل لألحقن آخر الناس بأولهم ولأجعلنهم رجلا واحدا)(١) .

وجرى قضاء اللّه بأن يطعن أبو لؤلؤة المجوسي عمر في المسجد فبعث عمر إلى قوم كانوا يجلسون بين منبر الرسول وقبره من يقول لهم: يقول لكم عمر أنشدكم اللّه. أكان ذلك عن رضا ؟ فتلكأ قوم. فقال علي «وددنا أنا زدنا في عمره من أعمارنا» - هكذا أصاب البعض الحصر. وواتت عليا الإجابة المواسية. وهي يقين عند عمر.

أوصى عمر أن تكون الخلافة لواحد من الستة الذين مات النبي وهو عنهم راض. ثم اختاره اللّه إلى جواره. واجتمع أصحاب الشورى وأدار المداولات عبد الرحمن بن عوف، مذ أعلن أنه لن يكون له في الخلافة أرب. واستجوب الناس حتى استيقن من تحقيقاته أن لكل من علي وعثمان مؤيدين في جماعة المسلمين - فرقى المنبر وجلس مجلس النبي، وأخذ بيد علي وقال هل أنت مبايعي على كتاب اللّه وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر ؟

___________________

(١) ربما أوضح أن المال - بالنسبة للصحابة رضوان اللّه عليهم - لم يكن وسيلة للثراء وإنما كان حقا لهم يجيء من بيت المال، لينفقوه في وجوهه، ومساعدة المحتاجين، أن أم المؤمنين زينب بنت جحش تصدقت بالمال كله. وتمنت أن تموت قبل أن يحول الحول. فاستجاب لها ربها فكانت أسرع زوجات الرسول لحوقا به. وأن أم المؤمنين عائشة لم ترض أن تنماز عن أمهات المؤمنين. وأن أموالهن كانت تجري إلى المسلمين.

وروى الطبراني وأبو نعيم عن خزيمة بن أوس قال: قدمت على النبي يوم تبوك فسمعته يقول هذه الحيرة قد رفعت إلي. وإنكم ستفتحونها. وهذه الشيماء بنت فضيل الأزدي على بغلة سوداء معتجرة بخمار أسود - فقلت يا رسول اللّه. إن نحن دخلنا الحيرة فوجدناها على هذه الصفة فهي لي؟ فقال عليه الصلاة والسلام (هي لك). فأقبلنا مع خالد نريد الحيرة فلما دخلناها كان أول من تلقانا الشيماء على بغلة سوداء معتجرة بخمار أسود فتعلقت بها وقلت: هذه وهبها رسول اللّه لي. فطلب مني خالد البينة. فأتيته بها. فسلمها لي. ونزل إلينا أخوها عبد المسيح فقال لي أتبيعنيها ؟ قلت. نعم. قال احتكم. قلت لا أبيعها بأقل من ألف درهم. فدفعها. فقيللي لو قلت مائة ألف لدفعها قلت: لا أحسب مالا أكثر من ألف درهم.

قال الطبراني: وبلغني أن البينة كانت محمد بن مسلمة وعبد اللّه بن عمر.

٢٩

قال علي: اللهم لا. ولكني أحاول من ذلك جهدي وطاقتي.

فأرسل عبد الرحمن يده وقال: هلم إلي يا عثمان. فأخذ بيده وقال: هل أنت مبايعي على كتاب اللّه وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر. قال عثمان: اللهم نعم .

قال عبد الرحمن: اللهم اشهد . اللهم اشهد . وبايع عبد الرحمن عثمان. وقام الناس فبايعوا . وفيهم علي بن أبي طالب.

وظاهر أن فيصل التفرقة بين الجوابين هو قول علي: أحاول جهدي وطاقتي. وهو جواب رجل طالما حاول جهده وطاقته للنبي. ولأبي بكر وعمر. كما صنع أبو بكر وعمر، وكما سيصنع علي في خلافته وسيصنع عثمان في خلافته. فلا عليه إن أجاب ذلك الجواب الفقهي، الصادق، من كل وجه. لكن السماء لم ترد أن يرضي ذلك الجواب عبد الرحمن، لتكون الخلافة يومئذ لعثمان بن عفان، باختيار من المسلمين، في حدود ما قدرته السماء. وكان في المسلمين يومئذ شبه إجماع على أن الخلافة آيلة إلى علي بحكم سنه.

الفصل الثاني : أبو الشهداء

«هذان ابناي وابنا بنتي»

«اللهم إني أحبهما. فأحبهما. وأحب من أحبهما».

(حديث شريف)

هما ريحانتاي من الدنيا

(حديث شريف)

أبو الشهداء

مضت سنوات ست على عثمان في الخلافة وهو راض مرضي يحدر إلى الثمانين أو منها، أعقبتها ست أخرى. منها أربعة تتناهى إلى سمعه فيها وشوشة الشكوى من كل صوب. ومنها اثنتان يتعالى فيهما تشويش المشوشين ممن لا يصبرون. ومراجعة الذين يتحملون المسؤلية معه: غاضبه عبد الرحمن بن عوف الذي اختاره للمسلمين. وغضب هو على عبد اللّه بن مسعود وعلى أبي ذر - أصدق الناس لهجة - وعلى عمار بن ياسر، الذي واعده الرسول وأباه وأمه على الجنة. وهذان الأخيران، منذ انفجر فجر الإسلام، شيعة علي.

٣٠

أما ابن مسعود فهو القائل يوم اختيار عثمان: بايعنا أفضلنا ولم نأل. وأما عبد الرحمن فقد أوصى لعثمان بين أهل بدر. ولما مات أخذ نصيبه.

ونفى عثمان أبا ذر من المدينة إلى الربذة(١) أو نفى أبوذر نفسه، احتجاجا على ما صار إليه أمر معاوية وعثمان.

في هذه الفترة الأخيرة اجتمع الناس فتذاكروا الأحداث، وكلفوا عليا أن يكلم عثمان كما روى الطبري في أحداث سنة ٣٤. وعلي وعثمان صهران للرسول: الأول في زهراء الرسول والثاني في ابنتي الرسول. والرسول يقول وهو يزوجه (لو كن عشرا لزوجتهن عثمان). ونصح على عثمان أغلى النصيحة، وأجابه عثمان بمبرراته في تعيين الولاة من أهله، ومما قال: «إن معاوية عينه عمر». قال علي: «لكنه كان أخوف له من خادمه يرفأ».

واستمر الناس في ضيقهم بالأمور، حتى إذا كان الموسم حج الولاة فجمعهم عثمان للمشورة فكانوا = معاوية بن أبي سفيان (الشام)

___________________

(١) قرية على مبعدة ثلاثة أيام من المدينة.

٣١

وسعيد بن العاص (الكوفة) وكلاهما ابن عم لعثمان(١) . وعبد اللّه بن سعد ابن أبي سرح (مصر) وهو أخو عثمان من الرضاع. وعبد اللّه بن عامر (البصرة) وهو ابن خال عثمان(٢) . فلما انصرفوا إلى أقاليمهم رد أهل الكوفة سعيد بن العاص، وطلبوا أن يتولى عليهم أبو موسى الأشعري، فولاه عثمان. وأرسل المصريون في سنة ٣٥ وفداً للعمرة يناظرون عثمان في سياسة ولاته. وكان علي ومحمد بن مسلمة رسولي السلام بين الخليفة وبين الناس(٣) .

وانضم بعض أهل المدينة إلى الناقدين في نقدهم. وعنفوا على عثمان بالمسجد. فقنع بالبقاء في داره. وأحاط القوم بالدار.

وأقبل بعض بني أمية يحرسونها، لكن الحراسة الحق كانت حراسة أبناء الصحابة: الحسن بن علي، والحسين بن علي. وعبد اللّه بن عمر ومحمد ابن طلحة وعلى إمرتهم عبد اللّه بن الزبير إذ عينه الخليفة. وأمر الرجال ألا يحاربوا أحدا. ولم يخرج الخليفة للحج وأمر عليه عبد اللّه بن العباس.

___________________

(١) كان أبو سفيان إحدى تبعات معاوية، أرسل معه من دمشق أموالا وأغلالا إلى عمر ليظهره على الأغلال التي كان أسارى المسلمين مقيدين بها في حصون الروم. فلما رجع أبو سفيان إلى المدينة ذهب إلى عمر بالأغلال ولم يذهب بالمال. فسأله عمر: أين المال؟ قال: كان علينا دين ومئونة. ولنا في بيت المال حق. فإذا أخرجت لنا شيئا ؟ قال عمر: اطرحوه في القيود حتى يأتي بالمال . فأرسل أبو سفيان فجاء بالمال.

(٢) عبد شمس أخو هاشم جد النبي. وهما ابنا عبد مناف. ولعبد شمس بنون: منهم حبيب جد عبد اللّه بن عامر.

ومنهم أمية أبو حرب والد أبي سفيان، والد معاوية.

ومنهم أبو العاص وله أبناء منهم عفان أبو عثمان. والحكم أبو مروان. ومروان كاتب عثمان.

ومنهم أبو عمرو وله أبناء منهم أبو معيط جد الوليد بن عقبة الذي حده عثمان للخمر، وهو وال له. ومنهم العاص أبو سعيد أحد ولاة عثمان.

ومنهم أبو العيص جد عتاب بن أسيد عامل النبي على مكة. حيث ولى النبي أعداءه السابقين ولم يول أهله.

(٣) راجع مالك بن أنس إمام دار الهجرة للمؤلف حيث تفصيل أكثر للخلاف بين أهل المدينة وعثمان.

٣٢

ولم يقدم للحج أحد من ولاة عثمان هذا العام، فلم يكن ذلك مفهوما لأحد، الا أن يكون تقصيراً من الولاة . وليس في المدينة جند. فهي كما يقول الرسول (حرم آمن). وإنما الجند في الأقاليم وبخاصة في الشام حيث معاوية.

ولما تلا ابن عباس خطاب الخليفة على الحجيج لم يخفوا لنصرته .

وأصبح عثمان صائما غداة ليلة، وبقي يحدث الحرس ألا يقاتلوا، حتى أقبل الثوار وقتلوه.

اجتمع أصحاب الرسول بعد مقتل عثمان يشتورون، وفيهم طلحة بن عبيد اللّه والزبير بن العوام، فأتوا عليا وقالوا : لابد للناس من إمام فقال لهم والضيق يغلب على نفسه (لا حاجة لي في أمركم. فمن اخترتم رضيت به) قالوا ما نختار غيرك. وألحوا. وهو يرفض ويقول: (لأن أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا). قالوا: واللّه ما نحن منصرفين عنك حتى نبايعك.

ولما رأى إلحاح القوم خرج إلى المسجد وبايعه الناس. فصعد المنبر وقال (أيها الناس. عن ملأ وأذن. إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم. وقد افترقنا أمس على أمر، وكنت كارها لأمركم، فأبيتم إلا أن أكون عليكم. ألا وإنه ليس لي دونكم إلا مفاتيح أموالكم معي. وليس لي أن آخذ درهما دونكم).

وفرق أمير المؤمنين عماله في الأمصار، وتوقف بعض الناس في بعض الأمصار، فجمع رجلي شوراه، طلحة والزبير، فقال (إن الأمر الذي كنت أحذركم قد وقع، وافترق المسلمون وسأمسك الأمر ما استمسك. فإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي. وكتب إلى الأمصار فأجمعت الطاعة إلا معاوية ابن أبي سفيان بالشام، حبس رسول أمير المؤمنين إليه ثلاثة أشهر، ثم بعث برده يصدره بقوله: من معاوية إلى علي. كأنه ند له بل طالبه فيه بدم عثمان. كأنما علي هو الذي قتله وكأنما معاوية صاحب دمه وهو واحد من تاركيه بالمدينة، للثوار، بلا نجدة وعبأ معاوية جيشه لقتال علي.

٣٣

وفيما كان علي يتجهز لقتال معاوية أتاه الخبر أن طلحة والزبير قد نقضا البيعة وأنهما، ومعهما أم المؤمنين عائشة وأهل مكة، خالفوه، وخرجوا عليه، قاصدين إلى البصرة. فهد للحرب. وكانت وقعة الجمل حيث انتصر، وذكر يومذاك الزبير بقول النبي للزبير (لتقاتلنه وأنت ظالم له) فترك الزبير حربه. وندم طلحة قبل أن يستشهد.

ثم رجع أمير المؤمنين يسوي حسابه مع جيش الشام بقيادة معاوية، وتلاقى الجيشان في صفين(١) وفيها استشهد عمار بن ياسر، وهو في التسعين من العمر. وفيه قول الرسول (تقتلك الفئة الباغية). وهو حكم على جيش معاوية.

أما أمير المؤمنين يومئذ ففيه يقول ابن عباس جوابا لرجل سأله أكان علي يباشر القتال في صفين؟ (واللّه ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلفة مثل علي، رضي اللّه تعالى عنه. ولقد كنت أراه يخرج حاسرا عن رأسه بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله).

تراءت بشريات النصر للبطل الذي تعود النصر. فرفع جيش الشام المصاحف على أسنة الرماح طالبين تحكيم كتاب الله بينهم، فأبى علي أن يحارب والمصاحف مرفوعة. وتمت خدعة التحكيم باختيار معاوية عمرو بن العاص حكما يمثله، واختيار أصحاب علي أبا موسى الأشعري، وخديعة عمرو لأبي موسى. إذ راوده على أن يخلع كل منهما صاحبه ويتركا الأمر للمسلمين يختارون من يشاءون. فقبل - ثم قدم عمرو أبا موسى فخلع صاحبه. فلما جاء دور عمرو ثبت صاحبه . .

وخرج من أصحاب علي جماعة لقبوله التحكيم فيما هو حق له. فحاربهم وانتصر عليهم في «النهروان» وأطلق عليهم المسلمون اسم «الخوارج».

وأخذ يعبئ جنده لمنازلة جيش الشام، وبدا على جنده آثار التعب من القتال، وعلى جيش معاوية آثار شرائه للرجال. وانقسم المسلمون فهذا حزب علي. وهذا حزب معاوية والذين عاصروا الإسلام منذ ظهوره، كالذين درسوه والذين صدقوا فيه ، يفهمون المرارة في قول أمير المؤمنين (نزلني الدهر حتى قيل علي ومعاوية).

___________________

(١) شهد صفين مع علي ألفان وثمانمائة من الصحابة . منهم سبعة وثمانون من أهل بدر وتسعمائة من الأنصار ومن بايعوا بيعة الرضوان.

٣٤

رضي اللّه عن أمير المؤمنين و أرضاه فما كان ذلك ليقع إلا في آخر الزمان الذي قدره اللّه للخلفاء الراشدين(١) ، وفي آخر الأيام التي قدرها اللّه لحياته

لقد طعنه عبد الرحمن بن ملجم في السابع عشر من رمضان سنة ٤٠، باتفاق بينه وبين زميلين من «الخوارج» أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمراً. فأصيب معاوية في عجزه. ولم يصب عمرو إذ لم يخرج للصلاة وأناب نائبا عنه فقتل.

___________________

(١) أما أهل السنة فيمثل رأيهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل إذ سئل من الخلفاء؟ وأجاب، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي اللّه عنهم. قال: السائل فمعاوية ؟ قال أحمد (لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمن علي من علي. ورحم اللّه معاوية). ولما ذكر عنده سير عائشة مع طلحة والزبير قال: فكرت في طلحة والزبير، أهما كانا يريدان أعدل من علي بن أبي طالب ؟ رضوان اللّه عليهم أجمعين - وجاءه يوما جماعة فأكثروا القول وأطالوه في خلافة علي فرفع إليهم رأسه وقال: إن الخلافة لم تزين عليا ولكن عليا زينها.

ومثل الشافعي رأي المسلمين عندما قال رجل (ما نفر الناس من علي إلا لأنه كان لا يبالي بأحد) فبهته الشافعي بقوله (كان له أربع خصال لا تكون واحدة منها لإنسان إلا ويحق به ألا يبالي بأحد: أنه كان زاهدا. والزاهد لا يبالي بالدنيا وأهلها. وكان عالما. والعالم لا يبالي بأحد. وكان شجاعا. والشجاع لا يبالي بأحد. وكان شريفا. والشريف لا يبالي بأحد).

وأما الخوارج على جيشه فكانوا ثمانية آلاف دعاهم ليزيل شبهتهم. فأبوا أن يجيئوه إلا أن يقر بالكفر على نفسه ثم يتوب، فحاربهم ونصره اللّه عليهم. ثم حاربوا الأمويين والعباسيين. ومع تكفيرهم الكثيرين من جمهور المسلمين بدعوى التهاون في الدين فالمسلمون لا يكفرونهم لأنهم متأولون. وأمير المؤمنين علي يعلم المسلمين ذلك بقوله عنهم: «إخواننا بغوا علينا».

وفقه علي في معاملة العدو وفي الحرب عنوان على علم الإمام وحلمه. فهما من علم النبي وحلمه.

إذا كانت هند بنت عتبة (أم معاوية) مثلت بجثة أسد الإسلام حمزة يوم أحد، وقال النبي يومذاك (ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا) فلما جاءه يوم فتح مكة « وحشي » قاتل حمزة اكتفى بقوله (ويحك غيب عني وجهك). وقال يومذاك لهند بنت عتبة، آكلة الأكباد، (مرحبا بك). وقال للأعداء (أنتم الطلقاء)، فلقد صنع علي صنيعه «يوم الجمل» عند ما ظفر بابن الزبير فاكتفى بأن قال له (لا أرينك بعد اليوم) وظفر بسعيد بن العاص فأعرض عنه. وظفر بأهل البصرة فصفح الصفح الجميل.

٣٥

أمر معاوية بالرجل فقتل. وأمر عمرو برجله فقتل. لكن أمير المؤمنين أمر باستبقاء قاتله قائلا - وهو الطعين المشرف - إنه إذا عاش فهو ولي دمه. وإذا مات فإنه ينهى عن المثلة. ليعلم الناس الدين، كمثل ما علم العالم جميعه «قوانين الحرب والسلام» في حروبه في «الجمل» سنة ٣٥، و «صفين» سنة ٣٦، و«النهروان» سنة ٣٧. فتداولتها المذاهب الأربعة لتقدمها هدية من فقه الإسلام للقوانين المعاصرة.

ومات أمير المؤمنين بعد يومين عن ٦٥ أو ٦٣ عاما، وأربعة أعوام وتسعة أشهر ويوم واحد في خلافة كلها معارك.

ولما مات لم يوجد بخزائنه إلا ستمائة درهم استبقاها ليشتري بها خادما. بل - وكما لخص حياته سفيان الثوري - (ما بنى لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوته في جراب). الحبوة الخراج.

وكما يقول محمد بن كعب القرظي (سمعت علي بن أبي طالب يقول: لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار)

ولما قال معاوية لضرار من ضمرة: صف لي عليا، قال فيما قال:

كان بعيد المدى، شديد القوى. يقول فصلا. ويحكم عدلا. يتفجر العلم من جوانبه. وتنطق الحكمة من لسانه. يستوحش من الدنيا وزهرتها. ويستأنس بالليل ووحدته. وكان - واللّه - غزير الدمعة، طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن. وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه. ويبتدئنا إذا أتيناه . ونحن - واللّه - مع تقريبه لنا ودنوه هنا لا نكلمه هيبة له. لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله . يبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا إلي تعرضت أم إلي تشوفت. فهيهات، هيهات. غري غيري).

بايع المسلمون الحسن بن علي أميراً للمؤمنين. فخرج بجيش قوامه أربعون ألفا للقاء جيش معاوية. وتخاذل جنده كهيئة تخاذل الجند بين يدي أبيه. وجرت البرد بينه وبين معاوية فأحدث بينه وبين معاوية صلحا بعد خلافة دامت ستة أشهر وخمسة أيام (لعل اللّه أن يصلح به بين فئتين من المسلمين). فذلك قول جده عليه الصلاة والسلام.

٣٦

ودخل المتصالحان الكوفة. فسمى البعض عامهما هذا عام الجماعة. وأسماه الجاحظ (عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة).

حدث الشعبي قال: شهدت خطبة الحسن رضي اللّه عنه حين صالح معاوية وخلع نفسه فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال (أما بعد فإن أكيس الكيس التقي. وإن هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه، إن كان له فهو أحق به مني، وإن كان لي فقد تركته إرادة لإصلاح الأمة وحقن دماء المسلمين. وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).

ورجع الحسن إلى المدينة. وعوتب على صلحه فقال (اخترث ثلاثا على ثلاث. الجماعة على الفرقة وحقن الدماء على سفكها والعار على النار).

وليس بغير هذا يتكلم الحسن. فلقد كان رجل عبادة وسلام للناس. خرج من ماله مرتين. وقاسم اللّه ماله ثلاث مرات. وحج عشرين حجة ماشيا من المدينة إلى مكة.

وفي ربيع الأول سنة ٤٩ هـ شعر بالسم يسرى في جسده لتبدأ به سلسلة أئمة أهل البيت الذين يموتون مسمومين على أيدي بني أمية وبني العباس. فأوصى للحسين. وقال: (إذا مت فادفني مع جدي ما وجدت لذلك سبيلا).

لكن مروان بن الحكم والي معاوية على المدينة منع من تنفيذ الوصية، فدفن الحسن بالبقيع. وسيدفن معه في قبره أئمة أهل البيت الرابع والخامس والسادس. فأكرم به قبرا: فيه أميرالمؤمنين الحسن، وعلي زين العابدين - بن الحسين - وابنه محمد الباقر وابن الباقر: «جعفر الصادق».

لما مات الحسن كبر أهل الشام: فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية. أعلى موت ابن فاطمة تكبر؟ قال: ما كبرت شماتة بموته ولكن استراح قلبي.

وقال له ابن عباس: واللّه يا معاوية لا تسد حفرته حفرتك ولا يزيد عمره في عمرك .

وطلب معاوية البيعة لنفسه من محمد بن مسلمة الفدائي الثاني من أصحاب الرسول -

٣٧

إذ علي الفدائي الأول(١) - فقال له (لعمري يا معاوية

___________________

(١) أول عمل فدائي في الإسلام قام به علي ليلة نام في فراش النبي.

ومحمد بن مسلمة هو الرجل الثاني في هذه المدرسة. سمع الرسول يقول - في المدينة - من لكعب ابن الأشرف فإنه قد آذى اللّه ورسوله - وكان كعب يؤذي المسلمين بهجائه ويحرض قريشا عليهم - فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول اللّه أتحب أن أقتله؟ قال نعم. قال: فأذن لي أن أقول شيئا (مما يتقرب به إلى كعب وهو بحسب الظاهر طعن في الإسلام) قال النبي: قل ما بدا لك - فأتاه محمد بن مسلمة في نفر من الأنصار منهم أبو نائلة أخو كعب من الرضاع.

قال ابن مسلمة: يا كعب إن هذا الرجل (يعني النبي) قد عنانا بالصدقات وإني قد أتيتك استسلفك. قال كعب: واللّه لتملنه. قال ابن مسلمة: إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حتى ننظر ما يكون من شأنه. وقد أردنا أن تسلفنا وسقا أو وسقين. قال: فأرهنوني نساءكم. قال ابن مسلمة: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب. قال: فأرهنوني أبناءكم. قال ابن مسلمة: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين. نرهنك السلاح. فقبل... وتواعدوا على الليل حتى جاءوه فنزل إليهم من حصنه فضربوه بأسيافهم فقتلوه. وكان ابن مسلمة. يسمى « فارس رسول اللّه ». كان على رأس مائة فارس يسبقون المسلمين طلائع لهم يوم الحديبية. واستخلفه الرسول على المدينة عندما سار بجيش العسرة ليرد الروم إلى تخوم شبه الجزيرة بعد فتح مكة. وكان سعد بن أبي وقاص بطل القادسية وفاتح العراق، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومنهم الراشدون الأربعة. والرسول يقول عنه هذا خالي. فليأت كل فتى بخاله وقد دعا له الرسول بالاستجابة لدعائه: فكان الكل يخشى أن يدعو عليه. لكن عمر بلغه أن سعد بن أبي وقاص بنى لنفسه قصرا وجعل عليه حاجبا فبعث إليه محمد بن مسلمة ليحرق عليه القصر وكتب إلى سعد يقول: (بلغني أنك بنيت قصرا اتخذته حصنا ويسمى بيت سعد . وجعلت بينك وبين الناس بابا. فليس بقصرك. ولكنه قصر الخبال) وصنع محمد بن مسلمة - وعاد بسعد وبالشاكين إلى عمر. فضن عمر بسعد عليهم ورفض أن يعيده إلى بلدهم . وقال لعثمان إني لم أعزله عن خيانة. ووضعه بين الستة أصحاب الشورى.

ولما دارت المكاتبات بين عمر وعمرو بن العاص. فاتح مصر - بعث إليه محمد بن مسلمة وكتب إليه يقول (إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن لك حين وليت مصر) وأجاب عمرو إن أرضنا أرض زرع وشجر ونحن نصيب فضلا عما نحتاج لنفقتنا. ورد عمر (إني خبرت من عمال السوء ما كفى وكتابك إلى كتاب من أقلقه الأخذ بالحق. وقد سؤت بك ظنا. ووجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك. فأطلعه طلعك. وأخرج إليه ما يطالبك. وأعفه من الغلظة. فقد برح الخلفاء).

فقاسم محمد عمرا. وعمرو يقول متوجعا (إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة (أم عمر) هذه المعاملة لزمان سوء. لقد كان العاص يلبس الخز بكفاف الديباج) قال محمد (: لولا زمان ابن حنتمة هذا الذي تكره ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك) قال عمرو (أنشدك اللّه لا تخبر عمر بقولي فإن المجالس بالأمانة) قال محمد (لا أذكر شيئا مما جرى وعمر حي).

٣٨

ما طلبت إلا الدنيا ولا اتبعت إلا الهوى. ولئن كنت نصرت عثمان ميتا لقد خذلته حيا. ونحن ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار أولى بالصواب).

ولما دخل سعد بن أبي وقاص على معاوية قال: السلام عليك أيها الملك. قال معاوية: ما كان عليك يا أبا إسحق إن قلت أمير المؤمنين ؟

كتب معاوية إلى عماله بنسخة واحدة (انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه) وأمر من يأتمرون بأمره ألا يرووا أحاديث فضائل علي وشيعته، ثم تمادى، فكلف ولاته أن يلعنوا عليا و من أحبه على المنابر فكتبت إليه أم المؤمنين أم سلمة تقول (إنكم تلعنون اللّه و رسوله على منابركم لأنكم تلعنون عليا و من أحبه وأشهد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحبه).

ولما دانت الدنيا لمعاوية قيل له: قد بلغت ما بلغت. فلو كففت عن الرجل؟ فقال (لا واللّه حتى يربو عليها الصغير ويهرم الكبير) ولو عاش بضع سنين بعد عام موته لشهد انهيار دولته وانتهاء أسرته - أما الذين جاءوا بعده فسيشهدون صعود الشمس في السماء معلنة حق علي، مؤذنة بظهور أهل بيت النبي .

جعل معاوية الخلافة ميراثا لابنه يزيد، بالسيف على رؤوس أبناء الصحابة جهرة، وبالرعب في قلوب المستضعفين، وبالرشى في جيوب الآخرين.

أما الحسين بن علي فلم يستدرج ولم يستضعف وأبى وأن يبايع ليزيد.

وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فقال لمعاوية كلمته الخالدة في خلافته وخلافة ابنه ومن جاءوا بعده : إنهم جعلوها (هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل).

وعبد الرحمن بن أبي بكر هو جد « جعفر الصادق » من ناحية أمه وأمها. أما الحسين فجده من ناحية أبيه.

كان رأى محمد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص أن معاوية، صاحب ملك . ولكن ملك معاوية كان بصلح مشروط. فلما خرج على الشروط، أمسى حقا لكل مجتهد أن يقول فيه باجتهاده، في المرة الأولى والمرة الآخرة.

ولقد قال أمير المؤمنين على قوله فيه. وكشف اللّه لحكمة الإمام وجه الحق فيما صار إليه أمر معاوية وأمور المسلمين. فحسبنا وحسبه قول علي فيه - وقد أسلفناه - بل قول النبي لعمار عن جيش معاوية «تقتلك الفئة الباغية».

٣٩

أما عمرو فلأئمة السنة فيه ما يكفيه. وحسبه قول الشافعي فيه، حول أساطين جامعه، حيث راح الشافعي يروي بعد قرن ونصف قرن في (جامع عمرو) بفسطاط مصر، دخول ابن عباس على عمرو، وهو ابن بضع وثمانين، وقول عمرو: أصبحت وقد ضيعت من ديني كثيرا وأصلحت من دنياي قليلا، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت والذي أفسدت هو الذي أصلحت لقد فزت . فعظني بعظة انتفع بها يا ابن عباس. قال ابن عباس: هيهات . قال عمرو: ابن بضع وثمانين وتقنطني من رحمة اللّه ثم رفع يديه وقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك. فخذ مني حتى ترضى.

قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبد اللّه. تأخذ جديدا وتعطى خلقا.

قال: من لي منك يا ابن عباس. ما أرسل كلمة إلا أرسلت نقيضها والمسلمون يتناقلون قول الشافعي في جامع عمرو عن عمرو: قدم ابن عمامة على عمرو فألفاه صائما وقد أحضر إخوانه طعاما. وصلى صلاة فأتقنها. ثم أتى بمال فأمر بتفريقه. قال ابن عمامة: يا أبا عبد اللّه واتاك مال أنت به أحق من غيرك ففرقته. بم ذاك يا أبا عبد اللّه ؟ قال: ويحك يا ابن عمامة فلو كانت الدنيا مع الدين أخذناها وإياه. ولو كانت تنحاز عن الباطل أخذناها وتركناه. فلما رأينا ذلك كذلك خلطنا عملا صالحا وآخر سيئا عسى أن يرحمنا اللّه.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

المتاع هل يصلح للمشتري ما في الدار من المتاع أي شيء هو فوقععليه‌السلام يصلح له ما أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن حريز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنى فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران فقال إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعا وأقيم الحد على الذي شهدوا عليه إنما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم إلا أن يكونوا معروفين بالفسق.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسين بن سيف ، عن محمد بن سليمان ، عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام قال قلت له كيف صار الزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع «شَهاداتٍ بِاللهِ » وكيف لا يجوز ذلك لغيره وصار إذا قذفها غير الزوج جلد الحد ولو كان ولدا أو أخا فقال قد سئل [ ابو ] جعفرعليه‌السلام عن هذا فقال ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته قيل له وكيف علمت أنها فاعلة فإن قال رأيت ذلك منها بعيني كانت شهادته أربع «شَهاداتٍ بِاللهِ » وذلك أنه قد يجوز للرجل أن يدخل المدخل في الخلوة التي لا تصلح لغيره أن يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار فلذلك صارت شهادته أربع «شَهاداتٍ

قوله عليه‌السلام : « يصلح له » إذا علم المشتري ما في البيت ولم يعلمه الشاهد أو مع جهالته عند المشتري أيضا لكونه آئلا إلى المعلومية مع انضمامه إلى المعلوم والله يعلم.

الحديث الخامس : صحيح.

واختلف الأصحاب في شهادة من عرف إيمانه ولم يعلم منه فسق ولا عدالة ، فذهب الشيخ في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة وابن الجنيد والمفيد إلى أن الأصل فيهم العدالة ، وهذا الخبر يدل على مختارهم ، والأشهر بين المتأخرين عدم الاكتفاء بذلك ، بل يلزم المعاشرة الباطنية أو الشهادة على ذلك ، ومذهب الشيخ لا يخلو من قوة.

الحديث السادس : مجهول. والسند الثاني ضعيف.

٢٦١

بِاللهِ » إذا قال رأيت ذلك بعيني وإذا قال إني لم أعاين صار قاذفا في حد غيره وضرب الحد إلا أن يقيم عليها البينة وإن زعم غير الزوج إذا قذف وادعى أنه رآه بعينه قيل له وكيف رأيت ذلك وما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك أنت متهم في دعواك وإن كنت صادقا فأنت في حد التهمة فلا بد من أدبك بالحد الذي أوجبه الله عليك قال وإنما صارت شهادة الزوج أربع «شَهاداتٍ بِاللهِ » لمكان الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن أسلم ، عن بعض القميين ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام مثله.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن إسماعيل بن أبي حنيفة ، عن أبي حنيفة قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان والزنى لا يجوز فيه إلا أربعة شهود والقتل أشد من الزنى فقال لأن القتل فعل واحد والزنى فعلان فمن ثم لا يجوز إلا أربعة شهود على الرجل شاهدان وعلى المرأة شاهدان.

ورواه بعض أصحابنا عنه قال فقال لي ما عندكم يا أبا حنيفة قال قلت ما عندنا فيه إلا حديث عمر أن الله أخذ في الشهادة كلمتين على العباد قال فقال لي ليس كذلك يا أبا حنيفة ولكن الزنى فيه حدان ولا يجوز إلا أن يشهد كل اثنين على واحد لأن الرجل والمرأة جميعا عليهما الحد والقتل إنما يقام على القاتل ويدفع عن المقتول.

٨ ـ الحسين بن محمد ، عن السياري ، عن محمد بن جمهور عمن حدثه ، عن ابن أبي يعفور قال لزمته شهادة فشهد بها عند أبي يوسف القاضي فقال أبو يوسف ما عسيت أن أقول فيك يا ابن أبي يعفور وأنت جاري ما علمتك إلا صدوقا طويل الليل ولكن تلك الخصلة قال وما هي قال ميلك إلى الترفض فبكى ابن أبي يعفور حتى سالت دموعه ثم قال يا أبا يوسف تنسبني إلى قوم أخاف أن لا أكون منهم قال فأجاز شهادته.

الحديث السابع : ضعيف.

الحديث الثامن : ضعيف.

قوله : « تنسبني » لعله لم يفهم مراده.

٢٦٢

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد له ألف بالبراءة يجيز شهادة الرجلين ويبطل شهادة الألف لأنه دين مكتوم.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتي أمير المؤمنينعليه‌السلام بامرأة بكر زعموا أنها زنت فأمر النساء فنظرن إليها فقلن هي عذراء فقال ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله عز وجل وكان يجيزعليه‌السلام شهادة النساء في مثل هذا.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن سعد الإسكاف قال لا أعلمه إلا قال ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قد كان في بني إسرائيل عابد فأعجب له داودعليه‌السلام فأوحى الله عز وجل إليه لا يعجبك شيء من أمره فإنه مراء قال فمات الرجل فأتي داودعليه‌السلام وقيل له مات الرجل فقال داودعليه‌السلام ادفنوا صاحبكم قال فأنكرت بنو إسرائيل وقالوا كيف لم يحضره قال فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون منه إلا خيرا قال فلما صلوا عليه قام خمسون آخرون فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا فلما دفنوه قام خمسون فشهدوا بالله ما يعلمون

الحديث التاسع : ضعيف.

وحمل على ما إذا لم تتعارض الشهادة بأن وقعا على زمان واحد.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

وحمل على ما إذا لم يصرح الشهود بكونها في الدبر ، ومع الإطلاق إشكال ، وقال في الشرائع : إذا شهد أربعة على امرأة بالزنا قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع نساء فلا حد ، وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية : نعم. وقال في المبسوط لا لاحتمال الشبهة في المشاهدة ، والأول أشبه.

الحديث الحادي عشر : مختلف فيه.

٢٦٣

منه إلا خيرا فأوحى الله عز وجل إلى داودعليه‌السلام ما منعك أن تشهد فلانا فقال داودعليه‌السلام يا رب للذي أطلعتني عليه من أمره قال فأوحى الله عز وجل إليه أن ذلك كذلك ولكنه قد شهد قوم من الأحبار والرهبان ما يعلمون منه إلا خيرا فأجزت شهادتهم عليه وغفرت له علمي فيه.

هذا آخر كتاب الشهادات من الكافي تأليف أبي جعفر محمد بن يعقوب الكلينيرحمه‌الله ويتلوه كتاب القضاء والأحكام إن شاء الله تعالى.

قوله عليه‌السلام : « علمي فيه » أي ما علمت فيه.

تم كتاب الشهادة ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب القضاء والأحكام.

٢٦٤

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب القضاء والأحكام

( باب )

( أن الحكومة إنما هي للإمامعليه‌السلام )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن أبي جميلة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لشريح يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي.

كتاب القضاء والأحكام

باب أن الحكومة إنما هي للإمامعليه‌السلام

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

ولا يخفى أن هذه الأخبار تدل بظواهرها على عدم جواز القضاء لغير المعصوم ، ولا ريب أنهمعليهم‌السلام كان يبعثون القضاة إلى البلاد ، فلا بد من حملها على أن القضاء بالأصالة لهم ، ولا يجوز لغيرهم تصدي ذلك إلا بإذنهم ، وكذا فيقوله عليه‌السلام : « لا يجلسه إلا نبي » أي بالأصالة ، والحاصل أن الحصر إضافي بالنسبة إلى من جلس فيها بغير إذنهم ونصبهمعليهم‌السلام .

الحديث الثاني : ضعيف.

٢٦٥

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لما ولى أمير المؤمنين صلوات الله عليه شريحا القضاء اشترط عليه أن لا ينفذ القضاء حتى يعرضه عليه.

( باب )

( أصناف القضاة )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم فهو في الجنة وقالعليه‌السلام الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون

ويحتمل أن يكون الغرض بيان صعوبة القضاء وأنه لغير المعصوم غالبا يستلزم الشقاء ، أو بيان أنه من زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا الزمان ما جلس فيه إلا هذه الثلاثة الأصناف ويؤيده ما في الفقيه « ما جلسه ».

الحديث الثالث : حسن.

باب أصناف القضاة

الحديث الأول : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « فمن أخطأ » بلا دليل معتبر شرعا لتقصيره أو مع علمه ببطلانه فلا ينافي كون المجتهد المخطئ الغير المقصر مصيبا ، ولا يبعد أن يكون الغرض بيان أن كون الحكم مطابقا للواقع لا ينفع في كونه حقا ، بل لا بد من أخذه من مأخذ شرعي ، فمن لم يأخذ منه فقد حكم بحكم الجاهلية ، وإن كان مطابقا للواقع.

الحديث الثاني : موثق.

٢٦٦

عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية وقد قال الله عز وجل : «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ » واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.

( باب )

( من حكم بغير ما أنزل الله عز وجل )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة ، عن صباح الأزرق ، عن حكم الحناط ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام وحكم ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قالا من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل ممن له سوط أو عصا فهو كافر بما أنزل الله عز وجل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عز وجل فهو كافر بالله العظيم.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن كثير ، عن عبد الله بن مسكان رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حكم في درهمين بحكم جور ثم جبر عليه كان من أهل هذه الآية : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ »(١) فقلت وكيف يجبر عليه فقال يكون له سوط وسجن فيحكم

قوله : « قد قال الله عز وجل » قال الوالدرحمه‌الله كأنه سقط صدر الآية «أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ » فإن الظاهر أن الاستشهاد بالآية يقع بالجزئين لبيان الحصر.

باب من حكم بغير ما أنزل عز وجل

الحديث الأول : مجهول.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : مرفوع.

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ـ ٥٠.

٢٦٧

عليه فإذا رضي بحكومته وإلا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول أي قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن داود بن فرقد قال حدثني رجل ، عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي قال كنت مع ابن أبي ليلى مزامله حتى جئنا إلى المدينة فبينا نحن في مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل جعفر بن محمدعليه‌السلام فقلت لابن أبي ليلى تقوم بنا إليه فقال وما نصنع عنده فقلت نسائله ونحدثه فقال قم فقمنا إليه فساءلني عن نفسي وأهلي ثم قال من هذا معك فقلت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين فقال له أنت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين قال نعم قال تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتقتل وتفرق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك أحدا قال نعم قال فبأي شيء تقضي قال بما بلغني عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن عليعليه‌السلام وعن أبي بكر وعمر قال فبلغك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال إن علياعليه‌السلام أقضاكم قال نعم قال فكيف تقضي بغير قضاء عليعليه‌السلام وقد بلغك هذا فما تقول إذا جيء بأرض من فضة وسماء من فضة ثم أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربك فقال يا رب إن هذا قضى بغير ما قضيت قال فاصفر وجه ابن أبي ليلى حتى عاد مثل الزعفران ثم قال لي التمس لنفسك زميلا والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « سقط » أي من درجة قربه وكماله أو درجاته في الجنة أو يلحقه الضرر الأخروي ، مثل ما يلحق الضرر الدنيوي من سقط من السماء.

الحديث الخامس : مجهول.

قوله : « لا أكلمك » لعله قال ذلك غضبا وغيظا على سعيد ، حيث جاء به إليهعليه‌السلام أو أنه ندم عن الفتوى والحكم ، وقال : لا أفتيك بشيء بعد ذلك ، والأول أظهر.

٢٦٨

( باب )

( أن المفتي ضامن )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال كان أبو عبد اللهعليه‌السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه فلما سكت قال له الأعرابي أهو في عنقك فسكت عنه ربيعة ولم يرد عليه شيئا فأعاد عليه المسألة فأجابه بمثل ذلك فقال له الأعرابي أهو في عنقك فسكت ربيعة فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام هو في عنقه قال أو لم يقل وكل مفت ضامن.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال قال أبو جعفرعليه‌السلام من أفتى الناس «بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً » من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه.

( باب )

( أخذ الأجرة والرشا على الحكم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان قال سئل

باب أن المفتي ضامن

ولا شك في ضمانه في الآخرة ، وأما في الدنيا ففيه إشكال ، إلا أن يكون حاكما ،الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « بغير علم » يمكن أن يكون المراد بالعلم ما يكون للمعصوم ، وبالهدي ما يكون لغيرهم ، ممن يأخذ منهم أو بالعكس أو بالعلم ، القطعي ، وبالهدي ، الظن الشرعي ، ويحتمل أن يكون الترديد لمحض التأكيد.

باب أخذ الأجرة والرشى على الحكم

الحديث الأول : حسن.

٢٦٩

أبو عبد اللهعليه‌السلام عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق فقال ذلك السحت.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الرشا في الحكم هو الكفر بالله.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن يزيد بن فرقد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السحت فقال هو الرشا في الحكم.

وحمل على الأجرة ، والمشهور جواز الارتزاق من بيت المال.

قال في المسالك : إن تعين عليه بتعيين الإمام أو بعدم قيام أحد غيره حرم عليه أخذ الأجرة عليه ، وإن لم يتعين عليه فإن كان له غنى عنه لم يجز أيضا ، وإلا جاز ، وقيل : يجوز مع عدم التعين مطلقا ، وقيل : يجوز مع الحاجة مطلقا ، ومن الأصحاب من جوز أخذ الأجرة عليه مطلقا ، والأصح المنع مطلقا ، إلا من بيت المال على جهة الارتزاق فيقيد بنظر الحاكم.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله : « عن البخس » كذا في نسخ الكتاب ، والبخس النقص والظلم ، ويحتمل أن يكون السؤال عن البخس الذي ذكره الله تعالى في آية المداينة حيث قال : «وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً » فيكون(١) موافقا لما ذهب إليه بعض المفسرين من أن الضمير في قوله : «وَلْيَتَّقِ اللهَ » وفي قوله : «وَلا يَبْخَسْ » راجعان إلى الكاتب فالمعنى لا يأخذ الكاتب الرشوة في الكتابة ، فينقص من المال ما أخذ أو بسببه ، ويحتمل أن يكون تفسيرا لقوله تعالى : «وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ »(٢) والأول أظهر وفي نسخ التهذيب عن السحت ، وهو ظاهر ، والمعنى أنه فرد منه.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ـ ٢٨٢.

(٢) سورة الشعراء الآية ـ ١٨٣.

٢٧٠

( باب )

( من حاف في الحكم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام يد الله فوق رأس الحاكم ترفرف بالرحمة فإذا حاف وكله الله إلى نفسه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كان في بني إسرائيل قاض كان يقضي بالحق فيهم فلما حضره الموت قال لامرأته إذا أنا مت فاغسليني وكفنيني وضعيني على سريري وغطي وجهي فإنك لا ترين سوءا فلما مات فعلت ذلك ثم مكثت بذلك حينا ثم إنها كشفت عن وجهه لتنظر إليه فإذا هي بدودة تقرض منخره ففزعت من ذلك فلما كان الليل أتاها في منامها فقال لها أفزعك ما رأيت قالت أجل لقد فزعت فقال لها أما لئن كنت فزعت ما كان الذي رأيت إلا في أخيك فلان أتاني ومعه خصم له فلما جلسا إلي قلت اللهم اجعل الحق له ووجه القضاء على صاحبه فلما اختصما إلي كان الحق له ورأيت ذلك بينا في القضاء فوجهت القضاء له على صاحبه فأصابني ما رأيت لموضع هواي كان مع موافقة الحق

باب من حاف في الحكم

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وقال في النهاية : فيه« رفرفت الرحمة فوق رأسه » يقال : رفرف الطائر بجناحيه إذا بسطهما عند السقوط على الشيء يحوم عليه ليقع فوقه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

٢٧١

( باب )

( كراهية الجلوس إلى قضاة الجور )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن مسلم قال مر بي أبو جعفر وأبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا جالس عند قاض بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي ما مجلس رأيتك فيه أمس قال قلت له جعلت فداك إن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست إليه فقال لي وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم من في المجلس.

( باب )

( كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أيما مؤمن قدم مؤمنا في خصومة إلى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن يزيد بن إسحاق ، عن هارون بن حمزة الغنوي ، عن حريز ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه

باب كراهية الجلوس إلى قضاة الجور

الحديث الأول : مرسل.

ويدل على تحريم مجالسة حكام الجور لا سيما القضاة كما قيل.

قال في الدروس : حرم الحلبي مجالسة حكام الجور لرواية محمد بن مسلم.

باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : صحيح على الظاهر.

٢٧٢

إلى هؤلاء كان بمنزلة الذين قال الله عز وجل : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا

قوله تعالى : « أَلَمْ تَرَ »(١) روي أنه كان في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين يهودي ومنافق خصومة ، فأراد اليهودي أن يرافعه إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمنافق إلى كعب بن الأشرف وهو من اليهود ، فنزلت الآية.

قال المحقق الأردبيلي (ره) : أي ألم تعلم أو ألم تعجب من صنع هؤلاء الذين يزعمون أنهم مؤمنون بما أنزل إليك من القرآن وبما أنزل من قبلك من الكتب مثل التوراة والإنجيل ومع ذلك يريدون التحاكم إلى الطاغوت وقد أمرناهم أن يكفروا بها ، في قوله تعالى : «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ »(٢) وفي مجمع البيان(٣) روى أصحابنا عن السيدين الباقر والصادقعليهما‌السلام « أن المعنى بالطاغوت كل من يتحاكم إليه ممن يحكم بغير الحق » فالآية دالة على تحريم التحاكم بل كفره ، وكأنه يريد مع اعتقاد الحقية والعلم بتحريمه إلى حكام الجور الذين لا يجوز لهم الحكم ، سواء كان جاهلا أو عالما وفاسقا أو مؤمنا أم لا ، وتدل عليه الأخبار أيضا ولا يبعد كون أخذ الحق أو غيره بمعونة الظالم القادر مثل التحاكم إلى الطاغوت ، ولا يكون مخصوصا بإثبات الحكم لوجود المعنى ، وإن كانت الآية مخصوصة به ، وله مزيد قبح ، فإنه يرى أنه يأخذ بأمر نائب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنه حق والظاهر أن تلك المبالغة مخصوصة به ، وقد استثنى أكثر الأصحاب من ذلك صورة التعذر بأن يكون الحق ثابتا بينه وبين الله ، ولا يمكن أخذه إلا بالتحاكم إلى الطاغوت ، وكأنه للشهرة ، ودليل العقل والرواية ، ولكن الاحتياط في عدم ذلك ، للخلاف وعدم حجية الشهرة ، وعدم استقلال العقل وظهور الرواية ، واحتمال اختصاص ذلك بعدم الحاكم

__________________

(١) سورة النساء الآية ـ ٦٠.

(٢) سورة البقرة الآية ـ ٢٥٦.

(٣) المجمع ج ٣ ص ٦٦.

٢٧٣

بِهِ » الآية.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الله بن بحر ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام قول الله عز وجل في كتابه : «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ » فقال يا أبا بصير إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكاما يجورون أما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام أهل الجور يا أبا محمد إنه لو كان لك على رجل حق فدعوته إلى حكام أهل العدل فأبى عليك إلا أن يرافعك إلى حكام أهل الجور ليقضوا له لكان ممن حاكم إلى الطاغوت وهو قول الله عز وجل : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ».

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبي خديجة قال

بالحق مع إمكان الإثبات لو كان كما يشعر به بعض العبارات ، وأما إذا كان الحاكم موجودا بعيدا أو قريبا ، ولا يمكن الإثبات لعدم البينة ، ونحو ذلك ويكون منكرا فلا ، وإلا انتفى فائدة التحاكم إلى الحق ونصب الحاكم ، فيكون لكل ذي حق أن يأخذ حقه على أي وجه أمكنه بنفسه وبالظالم وهو مشكل إذا كان المال أمرا كليا ، نعم لو كان عينا موجودة يمكن جواز أخذها له إن أمكن بغير مفسدة ، ويتحرى ما هو الأقل مفسدة ، وبالجملة لا يخرج عن ظاهر الآية إلا بمثلها في الحجية.

وقال في القاموس :الطاغوت : اللات والعزى ، والكاهن والشيطان ، وكل رأس ضلال والأصنام ، وكل ما عبد من دون الله.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله : « وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ » أي ولا يأكل بعضكم مال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله. والأدلاء : الإلقاء ، أي ولا تلقوا حكومتها إلى الحكام لتأكلوا بالتحاكم طائفة من أموال الناس بما يوجب إثما ، كشهادة الزور واليمين الكاذبة أو متلبسين بالإثم ، وأنتم تعلمون أنكم مبطلون.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

٢٧٤

قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قلت كيف يصنعان قال انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله قد استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.

( باب )

( أدب الحكم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام

واستدل به على جواز التجزي في الاجتهاد ، وفيه نظر من وجهين :

أحدهما : أن ما سمع الراوي بخصوصه من المعصوم ليس من الاجتهاد في شيء ، ولم يكونوا يحتاجون في تلك الأزمنة إلى الاجتهاد.

وثانيهما : أن من لم يجوز التجزي يقول : لا يحصل العلم المعتبر إلا بالإحاطة بجميع مدارك الأحكام بحسب الطاقة ، ولا يقول بوجوب ترجيح جميع المسائل بالفعل.

الحديث الخامس : موثق.

باب أدب الحكم

الحديث الأول : ضعيف.

٢٧٥

عن أبيه ، عن سلمة بن كهيل قال سمعت عليا صلوات الله عليه يقول لشريح انظر إلى أهل المعك والمطل ودفع حقوق الناس من أهل المقدرة واليسار ممن يدلي بأموال المسلمين إلى الحكام فخذ للناس بحقوقهم منهم وبع فيها العقار والديار فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول مطل المسلم الموسر ظلم للمسلم ومن لم يكن له عقار ولا دار ولا مال فلا سبيل عليه واعلم أنه لا يحمل الناس على الحق إلا من ورعهم عن الباطل ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك ولا ييأس عدوك من عدلك ورد اليمين على المدعي مع بينة فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت في القضاء واعلم أن المسلمين عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد لم يتب منه أو

والمعك والمطل : التسويف بالعدة والدين ،قوله عليه‌السلام : « ورعهم » في بعض النسخ بالزاء المعجمة.

قال في النهاية : « وزعه كفه » ومنعه.قوله عليه‌السلام : « ورد اليمين على المدعي » ربما يحمل هذا على التقية لموافقته لمذاهب بعض العامة ، أو على اختصاص الحكم بشريح ، لعدم استئهاله للقضاء ، أو على ما إذا كان الدعوى على الميت أو مع الشاهد الواحد أو مع دعوى الرد.

قال في المسالك : الأصل في المدعى أن لا يكلف اليمين ، خصوصا إذا أقام البينة ولكن تخلف عنه الحكم بدليل من خارج في صورة رده عليه إجماعا ، ومع نكول المنكر عن اليمين على خلاف.

وبقي الكلام فيما إذا أقام بينه بحقه فإن كانت دعواه على مكلف حاضر فلا يمين عليه إجماعا ، ولكن ورد في الرواية المتضمنة لوصية عليعليه‌السلام لشريحقوله عليه‌السلام : « ورد اليمين على المدعي مع بينة ، فإن ذلك أجلى للعمى وأثبت للقضاء » وهي ضعيفة ، وربما حملت على ما إذا ادعى المشهود عليه الوفاء أو الإبراء والتمس إحلافه على بقاء الاستحقاق ، فإنه يجاب إليه لانقلاب المنكر به مدعيا ، وهذا الحكم لا إشكال فيه إلا أن إطلاق الوصية بعيد عنه ، فإن ظاهرها كون ذلك على وجه الاستظهار ،

٢٧٦

معروف بشهادة زور أو ظنين وإياك والتضجر والتأذي في مجلس القضاء الذي أوجب الله فيه الأجر ويحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق واعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما واجعل لمن ادعى شهودا غيبا أمدا بينهما فإن أحضرهم أخذت له بحقه وإن لم يحضرهم أوجبت عليه القضية فإياك أن تنفذ فيه قضية في قصاص أو حد من حدود الله أو حق من حقوق المسلمين حتى تعرض ذلك علي إن شاء الله ولا تقعدن في مجلس القضاء حتى تطعم

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ابتلي بالقضاء فلا يقضي وهو غضبان.

٣ ـ وبهذا الإسناد قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه من ابتلي بالقضاء

وكيف كان فالاتفاق على ترك العمل بها على الإطلاق.

قوله عليه‌السلام : « واجعل » قال الوالد العلامة (ره) : الظاهر أن هذا فيما إذا أثبت المدعي بالشهود ، ثم ادعى المدعى عليه الأداء أو الإبراء ، وإلا فالمدعي بالخيار في الدعوى إلا أن يقال : بأنه إذا طلب المنكر مكررا ولم يثبت يجعل الحاكم أمدا بينهما ، لئلا يؤدى المنكر بالطلب دائما.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

وقال في الشرائع : ويكره أن يقضي وهو غضبان ، وكذا يكره مع كل وصف يساوي الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغم والفرح والوجع ، ومدافعة الأخبثين وغلبة النعاس.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وقال في المسالك : من وظيفة الحاكم أن يسوي بين الخصمين في السلام عليهما وجوابه ، وإجلاسهما والقيام لهما ، والنظر والاستماع والكلام وطلاقة الوجه ، وسائر أنواع الإكرام ولا يخصص أحدهما بشيء من ذلك ، هذا إذا كانا مسلمين أو كافرين أما لو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا جاز أن يرفع المسلم في المجلس ثم

٢٧٧

فليواس بينهم في الإشارة وفي النظر وفي المجلس.

٤ ـ وبهذا الإسناد أن رجلا نزل بأمير المؤمنينعليه‌السلام فمكث عنده أياما ثم تقدم إليه في خصومة لم يذكرها لأمير المؤمنينعليه‌السلام فقال له أخصم أنت قال نعم قال تحول عنا إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يضاف الخصم إلا ومعه خصمه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لشريح لا تسار أحدا في مجلسك وإن غضبت فقم فلا تقضين فأنت غضبان قال وقال أبو عبد الله صلوات الله عليه لسان القاضي وراء قلبه فإن كان له قال وإن كان عليه أمسك.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن داود بن أبي يزيد عمن سمعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ولمن عن يساره ما ترى ما تقول فعلى ذلك «لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » ألا يقوم من مجلسه وتجلسهم مكانه.

التسوية بينهما في العدل في الحكم واجبة بغير خلاف ، وأما في تلك الأمور هل هي واجبة أم مستحبة الأكثرون على الوجوب ، وقيل : إن ذلك مستحب ، واختاره العلامة في المختلف لضعف المستند وإنما عليه أن يسوي بينهما في الأفعال الظاهرة ، فأما التسوية بينهما بقلبه بحيث لا يميل إلى أحد فغير مؤاخذ به.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وقال في الشرائع : يكره أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه.

الحديث الخامس : مرفوع.

قوله عليه‌السلام : « فإن كان له » أي فإن كان القلب له بأن لا يكون فيه ما يمنعه عن الحكم قضى وتكلم ، وإن كان عليه بأن كان غضبان أو جائعا أو مثله أمسك عن الكلام ، أو المعنى أنه ينبغي له أن يتفكر فيما يتكلم به ، فإن كان له بأن يكون صوابا تكلم وإلا أمسك ولعل الأول أظهر.

الحديث السادس : مرسل وكلمة ألا بالفتح للتحضيض.

٢٧٨

( باب )

( أن القضاء بالبينات والأيمان )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه كيف أقضي في أمور لم أخبر ببيانها قال فقال له ردهم إلي وأضفهم إلى اسمي يحلفون به.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان بن عثمان عمن أخبره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في كتاب علي صلوات الله عليه أن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه القضاء فقال كيف أقضي بما لم تر عيني ولم تسمع أذني فقال اقض بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به وقال إن داودعليه‌السلام

باب أن القضاء بالبينات والأيمان

الحديث الأول : مجهول. على ما في أكثر النسخ من سعد بن هشام ، وفي بعضها وهشام ، وهو أصوب فالخبر حسن كالصحيح.

وقال في النهاية : « فيه إنكم تختصمون إلى وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار »اللحن : الميل عن جهة الاستقامة يقال : لحن فلان في كلامه ، إذا مال عن صحيح المنطق وأراد : أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره.

الحديث الثاني : مرسل.

وقال في القاموس :أضفته إليه : ألجأته.

الحديث الثالث : مرسل.

٢٧٩

قال يا رب أرني الحق كما هو عندك حتى أقضي به فقال إنك لا تطيق ذلك فألح على ربه حتى فعل فجاءه رجل يستعدي على رجل فقال إن هذا أخذ مالي فأوحى الله عز وجل إلى داودعليه‌السلام أن هذا المستعدي قتل أبا هذا وأخذ ماله فأمر داودعليه‌السلام بالمستعدي فقتل وأخذ ماله فدفعه إلى المستعدى عليه قال فعجب الناس وتحدثوا حتى بلغ داودعليه‌السلام ودخل عليه من ذلك ما كره فدعا ربه أن يرفع ذلك ففعل ثم أوحى الله عز وجل إليه أن احكم بينهم بالبينات وأضفهم إلى اسمي يحلفون به.

٤ ـ وعنه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في كتاب عليعليه‌السلام أن نبيا من الأنبياء شكا إلى ربه فقال يا رب كيف أقضي فيما لم أشهد ولم أر قال فأوحى الله عز وجل إليه أن احكم بينهم بكتابي وأضفهم إلى اسمي فحلفهم به وقال هذا لمن لم تقم له بينة.

( باب )

( أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن جميل وهشام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن بكير ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم حكم في أموالكم أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وحكم في دمائكم أن البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لكيلا يبطل دم امرئ مسلم.

الحديث الرابع : صحيح.

باب أن البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه

الحديث الأول : حسن.

الحديث الثاني : موثق.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379