مرآة العقول الجزء ٢٥

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 385

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 385
المشاهدات: 2858
تحميل: 938


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 385 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 2858 / تحميل: 938
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 25

مؤلف:
العربية

جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ »(١) والله ما أراد بهذا إلا الأئمةعليهم‌السلام وشيعتهم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(٢) فرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار بقوله : «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ »(٣) والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم صرتم

في المعاصي.

قوله تعالى : « لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » بالنسبة إلى الشيعة عدم سلطانه بمعنى أنه لا يمكنه أن يخرجهم من دينهم الحق أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسل به تعالى.

قوله عليه‌السلام : « فتسموا » قال في القاموس : تسمى بكذا : انتسب(٤) أي كونوا من أهل الصلاح وانتسبوا إليهقوله تعالى : « وَقالُوا » أي المخالفون «ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ » أي الشيعة «أَتَّخَذْناهُمْ » صفة أخرى لـ « رجالا » وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم ، وتأنيب لها في الاستسخار منهم ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي «سِخْرِيًّا » بالضم «أَمْ زاغَتْ » أي مالت «عَنْهُمُ الْأَبْصارُ » فلا نراهم « وأم » معادل لـ « ما لنا لا نرى » على أن المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم أي ليسوا هيهنا أم زاغت عنه أبصارنا ، أو لاتخذناهم على القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم ، فإن رفع(٥) الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة ، والمراد الدلالة على أن

__________________

(١) سورة الحجر : ٤٢.

(٢) سورة النساء : ٦٩.

(٣) ص : ٦٢ ـ ٦٣.

(٤) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٣٤٤ « ط مصر ».

(٥) هكذا في النسخ والصحيح « زيغ ».

٨١

عند أهل هذا العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك برآء يا أبا محمد فهل سررتك وفي رواية أخرى فقال حسبي

( حديث أبي عبد اللهعليه‌السلام )

( مع المنصور في موكبه )

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير جميعا ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن حمران قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي يا أبا عبد الله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز

استرذالهم ، والاستسخار منهم كان كزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم كذا ذكره البيضاوي.

قوله عليه‌السلام : « في الجنة تحبرون » قال الجوهري(١) قال تعالى : «فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ » أي ينعمون ويكرمون ويسرون.

قوله عليه‌السلام : « براء » بكسر الباء ككرام ، وفي بعض النسخ « برآء » كفقهاء ، وكلاهما جمع بريء.

حديث أبي عبد اللهعليه‌السلام مع المنصور في موكبه

الحديث السابع : حسن.

قوله عليه‌السلام : « وهو في موكبه » الموكب جماعة الفرسان ،قوله « فتغرينا »

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٢٦٠.

٨٢

ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم قال فقلت ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال لي أتحلف على ما تقول قال فقلت إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي تذكر يوم سألتك هل لنا ملك فقلت نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ الحديث فقلت لعل الله عز وجل أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك يتولى ذلك فسكت عني فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال جعلت فداك والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر

الإغراء : التحريص على الشر ، يقال : أغريت الكلب بالصيد.

قوله عليه‌السلام : « ومن رفع هذا إليك » أي حكاه عني على وجه المرافعة والإضرار.

قوله عليه‌السلام : « إن الناس سحرة » قال الجزري(١) : فيه « إن من البيان لسحرا » أي منه ما يصرف قلوب السامعين ، وإن كان غير حق ، والسحر في كلامهم صرف الشيء عن وجهه.

أقول : وفي بعض النسخ « شجرة بغي » مكان ، سحرة يعني.

قوله عليه‌السلام : « وفسحة » بالضم أي سعة.

قوله عليه‌السلام : « حتى يصيبوا منا » إلخ. لعل المراد دم رجل من السادات ، وأولاد الأئمة سفكوها عند انقضاء دولتهم.

ويحتمل أن يكون مرادهعليه‌السلام هذا الملعون خاصة ودولته ، والمرادبسفك الدم القتل ، ولو بالسم مجازا والبلد الحرام مدينة الرسول ،صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن هذا الملعون سمه على ما روي ولم يبق بعدهعليه‌السلام إلا قليلا.

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٣٤٦.

٨٣

وأنت على حمار وهو على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته فقلت بيني وبين نفسي هذا حجة الله على الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك شك حتى خفت على ديني ونفسي قال فقلت لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال الآن سكن قلبي ثم قال إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم فقلت أليس تعلم أن لكل شيء مدة قال بلى فقلت هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين إنك لو تعلم حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشد ما هم فيهم من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله «وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ »أ لا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غدا في زمرتنا فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الماء ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ورأيت الأرحام قد تقطعت ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ولا يرد عليه قوله ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة ورأيت النساء

قوله عليه‌السلام : « أو متى الراحة » الترديد من الراوي.

قوله عليه‌السلام : « أن هذا الأمر » أي انقضاء دولتهم أو ظهور دولة الحق.

قوله عليه‌السلام :«فلا يستفزنك الشيطان» قال الجوهري(١) :استفزه الخوف أي استخفه.

قوله عليه‌السلام : « في زمرتنا » الزمرة : الجماعة من الناس.

قوله عليه‌السلام : « قد انكفأ » إلخ ، أي انقلب يقال : كفأت الإناء : أي قلبته.

قوله عليه‌السلام : « يعذر أصحابه » على البناء للمجهول ، أي يعدونهم معذورين في ما هم فيه من الشر والفساد.

قوله : « يمتدح بالفسق » أي يفتخر ويطلب المدح ، قال الفيروزآبادي(٢) : امتدح

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٨٨٧. (٢) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٤٨. وفي المصدر : « تمدّح ».

٨٤

يتزوجن النساء ورأيت الثناء قد كثر ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ورأيت الجار يؤذي جاره وليس له مانع ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن مرحا لما يرى في الأرض من الفساد ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا ورأيت أصحاب الآيات يحتقرون ويحتقر من يحبهم ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا ورأيت بيت الله قد عطل ويؤمر بتركه ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ورأيت الرجال يتسمنون للرجال والنساء للنساء ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها وأعطوا

تكلف أن يمدح وافتخر وتشبع بما ليس عنده.

قوله : « مرحا » المرح بالتحريك : شدة الفرح والنشاط ، وقد مرح بالكسر فهو مرح.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت أصحاب الآيات » أي العلامات والمعجزات أو الذين نزلت فيهم الآيات ، وهم الأئمة أو المفسرين ، والقراء وفي بعض النسخ أصحاب الآثار وهم المحدثون.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الرجال يتسمنون » أي يستعملون الأغذية والأدوية للسمن ليعمل معهم القبيح ، قال في النهاية(١) فيه : « يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون » أي يتكثرون بما ليس عندهم ، ويدعون ما ليس لهم من الشرف ، وقيل : أراد جمعهم الأموال ، وقيل يحبون التوسع في المأكل والمشارب ، وهي أسباب السمن ، ومنه الحديث الآخر « ويظهر فيهم السمن » وفيه « ويل للمسمنات يوم القيامة » من فترة في العظام » أي اللاتي يستعملن السمنة ، وهو دواء يتسمن به النساء انتهى.

قوله عليه‌السلام : « وأظهروا الخضاب » أي خضاب اليد والرجل ، إذ خضاب

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٤٠٥.

٨٥

الرجال الأموال على فروجهم وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال وكان صاحب المال أعز من المؤمن وكان الربا ظاهرا لا يعير وكان الزنا تمتدح به النساء ورأيت المرأة تصانع زوجها على نكاح الرجال ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا ورأيت البدع والزنا قد ظهر ورأيت الناس يعتدون بشاهد الزور ورأيت الحرام يحلل ورأيت الحلال يحرم ورأيت الدين بالرأي وعطل الكتاب وأحكامه ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير ورأيت الولاة يرتشون في الحكم ورأيت الولاية قبالة لمن زاد ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و

الشعر ممدوح للرجال مستحب ، وقد ورد خبر آخر(١) أيضا يدل على كراهة خضاب اليد للرجال.

قوله عليه‌السلام : « وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم » أي أعطي ولد العباس الناس أموالا ليطؤوهم أو المراد أنهم يعطون السلاطين والحكام الأموال لأجل فروجهم أو فروج نسائهم للدياثة ، ويمكن أن يقرأ الرجال بالرفع وأعطوا على المعلوم أو المجهول من باب أكلوني البراغيث والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام : « وتنوفس في الرجل » التنافس : الرغبة في الشيء والإفراد به ، والمنافسة : المغالبة على الشيء وهي المراد هيهنا.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المرأة تصانع زوجها » المصانعة : الرشوة والمداهنة ، والمراد إما المصانعة لترك الرجال ، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء أو تصانعه لمعاشرتها الرجال ،قوله « يعتدون » من الاعتداد أو الاعتداء.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الليل لا يستخفى به » أي لا ينتظرون للمعاصي دخول الليل ليستتروا به ، بل يعملونها في النهار علانية.

__________________

(١) الوسائل : ج ١ ص ٣٩٥ ح ٤ ب ٣٦ من أبواب آداب الحمّام.

٨٦

ماله ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك ويقيم عليه ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب ورأيت الأيمان بالله عز وجل كثيرة على الزور ورأيت القمار قد ظهر ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحدا ولا يجترئ أحد على منعها ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع الباطل ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه ورأيت الحدود قد عطلت وعمل فيها بالأهواء ورأيت المساجد قد زخرفت ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة ورأيت البغي قد فشا ورأيت الغيبة تستملح و

قوله : « ورأيت الولاية قبالة » أي يزيدون المال ويأخذون الولايات ، قال الجزري(١) : في حديث ابن عباس « إياكم والقبالات فإنها صغار وفضلها ربا » هو أن يتقبل بخراج أو جباية أكثر مما أعطى ، وفي بعض النسخ [ لمن زاد ] وفي بعضها [ لمن أراد ]قوله عليه‌السلام : « على الزور » أي على الكذبقوله : « يمر بها » على المجهول أو على المعلوم بتقدير.

قوله عليه‌السلام : « يزور » أي ينسب إلى الزور والكذب ،قوله عليه‌السلام « ورأيت الزور من القول » قال في النهاية(٢) : الزور : الكذب والباطل والتهمة.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المساجد قد زخرفت » الزخرفة النقش بالذهب ، والمشهور بين الأصحاب الحرمة ، وأطلق جماعة من الأصحاب تحريم النقش مطلقا ، لأن ذلك بدعة ، وفيه إشكال.

قوله عليه‌السلام : « تستملح » قال الفيروزآبادي(٣) : استملحه عده مليحا.

__________________

(١) النهاية : ج ص ١٠.

(٢) النهاية : ج ٢ ص ٣١٨.

(٣) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٥٠.

٨٧

يبشر بها الناس بعضهم بعضا ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن ورأيت الخراب قد أديل من العمران ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ورأيت سفك الدماء يستخف بها ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور ورأيت الصلاة قد استخف بها ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه ورأيت الميت ينبش من قبره ويؤذى وتباع أكفانه ورأيت الهرج قد كثر ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه ورأيت البهائم تنكح ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضا ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شيء من ثيابه ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة ورأيت الناس مع من غلب ورأيت طالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم ورأيت

قوله عليه‌السلام : « ويبشر بها الناس » كما هو الشائع في زماننا يقول بعضهم لبعض أتيتك بغيبة مليحة حسنة ، فيستبشر السامع نعوذ بالله منها.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الخراب قد أديل من العمران » الأدلة : الغلبة ، ويقال : أدالنا الله من عدونا أي غلبنا عليهم ، ولعل المراد كثرة الخراب وقلة العمران.

قوله عليه‌السلام : « ويسند إليه الأمور » أي توكل إليه الولايات.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الميت » لعل بيع الأكفان بيان للإيذاء أي يخرج من قبره لكفنه ، ويحتمل أن يكون المراد إخراجه وضربه وحرقه لمن له عليه دين مثلا.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الهرج » أي الفتنة والفسادقوله عليه‌السلام : « ورأيت الرجل » أي السلطان أو الأعم« يمسي نشوان » أي سكران وقد يطلق على مبدء السكر.

قوله عليه‌السلام : « وليس عليه شيء من ثيابه » لكثرة السارقين والمختلسين.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت السحت » أي المكاسب المحرمة.

٨٨

الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كان ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد ورأيت الناس يتسافدون كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من الناس ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوإ الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفتري عليهما ورأيت النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ورأيت السلطان يحتكر الطعام ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور ورأيت الخمر يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى

قوله عليه‌السلام : « ورأيت المعازف » أي الملاهي كالعود والطنبور ونحوهما.

قوله عليه‌السلام : « كما يتسافد البهائم » أي جهرة في الطرق والشوارع ، والسفاد : نزو الذكر على الأنثى.

قوله عليه‌السلام : « وضيعة » أي خسران ونقص.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الخمر يتداوى بها » يدل على عدم جواز التداوي بالخمر كما يدل عليه كثير من الأخبار(١) وذهب إليه جماعة من العلماء الأخيار.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت رياح المنافقين » تطلق الريح على الغلبة والقوة ، والرحمة والنصرة والدولة والنفس ، والكل محتمل ، والأخير أظهر كناية عن كثرة تكلمهم

__________________

(١) الوسائل : ج ١٧ ص ٢٧٤ أحاديث ب ٢٠ من أبواب الأشربة المحرمة.

٨٩

بها ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله ـ مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عز وجل النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت

وقبول لهم.

قوله عليه‌السلام : « ولا يشان » من الشين أي العيب أي لا يعاب أو من الشأن بالهمز بمعنى القصد أي لا يقصد لأن ينهى عنه.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الميراث » أي ميراث اليتيم بأن يولوا عليها خائنا يأكل بعضها ويعطيهم بعضها ، أو يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما يأخذون منه من الرشوة.

قوله عليه‌السلام : « ورأيت الصدقة بالشفاعة » أي لا يتصدقون إلا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا لوجه الله أو يعطون لطلب الناس وإبرامهم.

قوله عليه‌السلام : « لا يبالون بما أكلوا » أي من حرام أو حلال.

٩٠

إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل واعلم أن «اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » وأن «رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».

( حديث موسىعليه‌السلام )

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال إن موسىعليه‌السلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته :

يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد.

يا موسى كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب جديد القلب تخفى على أهل الأرض وتعرف في أهل السماء حلس البيوت مصباح الليل واقنت بين يدي قنوت الصابرين وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه واستعن بي على ذلك فإني نعم العون ونعم المستعان.

يا موسى إني أنا الله فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب

الحديث الثامن : مرفوع مجهول موقوف.

قوله تعالى : « كن خلق الثياب » الخلق محركة البالي ،قوله تعالى : « حلس البيوت » قال الجوهري(١) : أحلاس البيوت : ما يبسط تحت الحر من الثياب ، وفي الحديث(٢) « كن حلس بيتك » أي لا تبرح ، وفي القاموس(٣) : الحلس بالكسر ويحرك.

قوله تعالى : « مصباح الليل » أي بأن تقوم وتنور بنور العبادة ليلك كالمصباحقوله تعالى : « واقنت » القنوت : الخضوع أو الدعاء في الصلاة.

قوله تعالى : « واستعن بي على ذلك » أي على العدو أو على الهرب منه.

قوله تعالى : « وكل لي داخرون » الدخور : الصغار والذل.

قوله عليه‌السلام : « فاتهم نفسك على نفسك » فإن الإنسان كثيرا ما يختدع من

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٩١٦.

(٢) الوسائل : ج ١١ ص ٣٦ ح ٣ ب ١٣ من أبواب جهاد العدوّ. باختلاف يسير.

(٣) القاموس المحيط : ح ٢ ص ٢٠٧.

٩١

الصالحين.

يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في الأولين وبما هو كائن في الآخرين أوصيك.

يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع

نفسه بأن لا يرى مساويه : بل يراها محاسن ، ويكمن فيه كثير من الصفات الذميمة وهو غافل عنها.

قوله تعالى : « فيما يتشاجرون » التشاجر : التنازع والتخالف.

قوله تعالى : « وصية الشفيق » الشفقة : الخوف وحرص الناصح على صلاح المنصوح ، والشفيق والمشفق مترادفان أتى بهما للتأكيد.

قوله تعالى : « بابن البتول » البتل : القطع ، وإنما سميت مريمعليها‌السلام بالبتول لانقطاعها من الأزواج ، أو من الخلق إلى الله تعالى« صاحب الأتان » الأتان : بالفتح الحمارة« والبرنس » بالضم قلنسوة طويلة ، وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام ، والمرادبالزيتون والزيت الثمرة المعروفة ودهنها ، لأنهعليه‌السلام كان يأكلهما ، أو نزلتا له في المائدة من السماء ، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي أعطاه الله بلاد الشام وبالزيت الدهن الذي روي أنه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة ، والمحراب أي لزومه وكثرة العبادة فيه.

قوله تعالى : « الطيب » أي من الذنوب« الطاهر » من كل دنس وخلق سيئ« المطهر » من الجهل ، وكل شين وعيب.

قوله تعالى : « فمثله » المثل بالتحريك الصفة ،قوله تعالى : « أنه مؤمن » أي بجميع

٩٢

ساجد راغب راهب إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل وقلة من المال اسمه أحمد محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه لهم ساعات موقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك.

يا موسى إنه أمي وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون وحبه لي حسنة فأنا معه

الأنبياء والكتب كما هو حق الإيمان ، أو يؤمن الناس من ضره ولا يؤذيهم« مهيمن » أي مشاهد أو مؤتمن.

قوله تعالى : « وأنصاره قوم آخرون » أي ليسوا من قومه وعشيرته ، والأذل : الضيق والشدة به.

قوله تعالى : « من ثلة الأولين » الثلة بالضم الجماعة من الناس ، أي أنه من سلالة أشارف الأنبياء وبقيتهم.

قوله : « مباركة » أي يبارك ويزاد عليهم العلم والرحمة.

قوله تعالى : « نافلة » أي يؤدون الصلاة زائدة على ما وجبت عليهم ، وفي بعض النسخ[ نافلته ] والنافلة : الغنيمة والعطية ، فالضمير راجع إما إلى العبد أو إلى السيد.

قوله تعالى : « إنه أمي » أي من قوم لا يكتبون ولا يقرءون أو من أم القرى وهي مكة.

قوله تعالى : « يبارك فيما وضع يده عليه » البركة من معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتواترة وقد وقع ذلك في مواقع لا تحصى حيث وضع يده على ماء قليل أو طعام قليل أو أشبع وأروى بهما خلقا كثيرا ، أو مال قليل فأعطى منه كثيرا وقد أوردناها في أبواب معجزاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتاب بحار الأنوار(١) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٧ ص ٣٣٠.

٩٣

وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ولأعبدن بكل مكان ولأنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء «لِما فِي الصُّدُورِ » من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي.

يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك لا تستذل الحقير الفقير ولا تغبط الغني بشيء يسير وكن عند ذكري خاشعا وعند تلاوته برحمتي طامعا وأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع

قوله : « به أفتح الساعة » الباء للملابسة والغرض اتصال أمته ودولته ، ونبوته بقيام الساعة.

قوله : « وبأمته أختم مفاتيح الدنيا » هي ما يفتح بها على صاحبها شيء من قتال أو عبادة أو تعلم ، والمراد أن هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء أمته كأنها وضعت في كيس وختم عليها ، ويحتمل أن يكون الختم كناية عن التمام والكمال فإن الشيء بعد الكمال يختم عليه ، ويمكن أن يكون المراد أن ما فتح لغيرهم يختم بهم.

قوله تعالى : « أن لا يدرسوا » يقال درسته الريح : أي محت أثره أي لا يمحو اسمه.

قوله « وحبه لي » أي خالصا لوجهي حسنة عظيمةقوله تعالى : « وأنا من حزبه » أي أنصره وأعينه.

قوله تعالى : « فتمت كلماتي » أي تقديراتي و« لأظهرن » بيان لما قدر له ، أو المراد بالكلمات الأنبياء والحجج أي به وبأوصيائه تتم حججي.

قوله تعالى : « ولأنزلن عليه قرآنا » أي كتابا جامعا لجميع العلوم فرقانا أي فارقا بين الحق والباطل.

قوله : « ولا تغبط الغني بشيء يسير » أي لا تتمن ما أعطيت الأغنياء من الدنيا وإن كان كثيرا ، فإن متاع الدنيا كلها يسير حقير.

قوله : « وكن عند ذكري » أي تلاوة التوراة أو الأعم.

قوله تعالى : « وأسمعني لذاذة التوراة » أي صوتها اللذيذ أو التذاذك بها ، قال

٩٤

حزين اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن إلي واعبدني ولا تشرك بي شيئا وتحر مسرتي إني أنا السيد الكبير إني خلقتك من نطفة «مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي وتقدس صنيعي ليس كمثلي شيء وأنا الحي الدائم الذي لا أزول.

يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا عفر وجهك لي في التراب واسجد لي

الجوهري : لذذت الشيء بالكسر لذاذا ولذاذة أي وجدته لذيذا.

قوله : « اطمأن » عند ذكري الاطمئنان : السكون والمراد طمأنينة القلب عما يزعجه من الشكوك والشبهات ودواعي الشهوات.

قوله : « وتحر » التحري : الطلبقوله تعالى : « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ » المهين : الحقير والقليل والضعيف.

قوله : « ممشوجة » أي مخلوطة من أنواع ، والمراد إني خلقتك من نطفة وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الأرض وهو آدمعليه‌السلام وأخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على ألوان وأنواع مختلفة كما روي(١) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يأتيه من أديم الأرض أي وجهها بأربع طينات ، طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء ، وذلك من سهلها وحزنها. الخبر ، وفي خبر ابن سلام(٢) عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سأله عن آدم لم سمي آدمعليه‌السلام ؟ قال : لأنه خلق من طين الأرض وأديمها. قال : فآدم خلق من الطين كله أو من طين واحد؟ قال : بل من الطين كله. ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر ، وفيه أزرق وفيه عذب ، وفيه ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن ، وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود وهو على ألوان التراب. تمام الخبر ، ويحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر في النطفة في الرحم على ما ورد به الأخبار.

__________________

(١) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح : ص ٤٢ « الخطبة ـ ١ » باختلاف والبرهان في تفسير القرآن ج ١ ص ٧٨ ح ٩ و ١٠.

(٢) بحار الأنوار. ج ٦٠ ص ٢٤٤.

٩٥

بمكارم بدنك واقنت بين يدي في القيام وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل واحي بتوراتي أيام الحياة وعلم الجهال محامدي وذكرهم آلائي ونعمتي وقل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه فإن أخذي أليم شديد.

يا موسى إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير ذم نفسك فهي أولى بالذم ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.

يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك السماء تسبح لي وجلا والملائكة من مخافتي مشفقون والأرض تسبح لي طمعا وكل الخلق يسبحون لي داخرون ثم عليك بالصلاة الصلاة فإنها مني بمكان ولها عندي عهد

قوله تعالى : « واحي بتوراتي » أي حصل الحياة المعنوية التي هي بالعلم واليقين بالتوراة وقرأتها والعمل بها أو كن ملازما لها في مدة الحياة ، ويمكن أن يقرأ على باب الأفعال.

قوله تعالى : « لا يتمادون » التمادي : بلوغ المدى والغاية ، والغي الضلالة أي لا يبالغوا في الغي الحاصل مما هم فيه من الجهالة ، وسائر الصفات الذميمة وتخصيص النهي بالتمادي ، لعله لبيان أن الدخول في الغي ينجر لا محالة إلى التمادي ، فالمراد النهي عن مطلق الدخول ، أو المراد الإقلاع عن الغي الذي هم فيه ، وعدم تماديهم فيه.

قوله تعالى : « إذا انقطع حبلك » أي قوتك ووصلتك مني لم ينفعك التوصل والتقوى بغيري.

قوله تعالى : « ولا تتطاول » التطاول : الترافع والاستعلاء وقوله تعالى « بهذا » راجع إلى الكتاب.

قوله تعالى : « السماء » تسبح أي تنقاد ، أو تدل على عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء.

قوله تعالى : « بمكان » أي مكانة ومنزلة رفيعة.

٩٦

وثيق وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي.

واقرن مع ذلك صلة الأرحام فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ولها عندي سلطان في معاد الآخرة وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك أفعل بمن ضيع أمري.

يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مواساتك فيما خولتك واخشع لي بالتضرع واهتف لي بولولة الكتاب واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين.

يا موسى لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب الأرض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة وعصياني

قوله تعالى : « ما هو منها » أي لاشتراط قبول الصلاة بالزكاة كأنها جزء منها.

قوله تعالى : « من طيب المال » أي الحلال أو من أشرف المال.

قوله تعالى : « ولها عندي سلطان » أي للرحم عندي سلطنة أقبل شفاعتها لمن وصلها وعلى من قطعها.

قوله تعالى : « لمن ضيع (١) أمري » كل أمر من أوامري.

قوله تعالى : « كيف مواساتك فيما خولتك » قال في النهاية(٢) : المواساة : المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ، وقال(٣) : التخويل : التمليك.

قوله تعالى : « بولولة الكتاب » الولولة : رفع الصوت بالبكاء والصياح.

قوله تعالى : « وكيف يخفى على ما مني مبتدأة » إذ يحكم العقل بديهة أن. خالق شيء عالم به وبخواصه وأحكامه ، وتنزيله على ما قالته الحكماء من أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول بعيد.

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « بمن ضيّع ».

(٢) النهاية : ج ١ ص ٥٠.

(٣) النهاية ج ٢ ص ٨٨.

٩٧

شقاء الثقلين وأنا الرحمن الرحيم رحمان كل زمان آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم قائم لا يزول ولا يخفى علي شيء في الأرض ولا في السماء وكيف يخفى علي ما مني مبتدؤه وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة.

يا موسى اجعلني حرزك وضع عندي كنزك من الصالحات وخفني ولا تخف غيري إلي المصير.

يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي فقَرَّبا قُرْباناً ولا أقبل إلا من المتقين فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ والوزير.

يا موسى ضع الكبر ودع الفخر واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات.

يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ولا ترج غيري اتخذني جنة للشدائد وحصنا لملمات الأمور

قوله تعالى : « في منزلة » أي في عبادة واحدة ، وهي القربان ، أو كانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة واحدة.

قوله تعالى : « والوزير » هو معطوف على الصاحب أي كيف تثق بالصاحب والوزير بعد صدور مثل هذه الخيانة من الأخ الذي هو ألصق منهما ، قوله تعالى : « لملمات الأمور » أي نوازلها.

قوله تعالى : « كيف تخشع » إلخ حاصله : أن الركون إلى الدنيا والميل إليها واتخاذها وطنا ومأوى ينافي الخشوع لله تعالى ، إذ الركون ملزوم لعدم رجاء الآخرة ، إذ من يرجو الآخرة رجاء صادقا ويعرف حقيقة ما فيها يحقر الدنيا في جنب نعم الآخرة ، ولا يتوجه إليها وعدم الرجاء ملزوم لعدم الإيمان بالله ورسوله وبالدار الآخرة ، وعدم الإيمان ملزوم لعدم النظر في فضل الله تعالى ونعمه عليه ، وعدم

٩٨

يا موسى كيف تخشع لي خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين.

يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه ودع الشر لكل مفتون.

يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ولا تتبع الخطايا فتندم فإن الخطايا موعدها النار.

يا موسى أطب الكلام لأهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك.

يا موسى الموت يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين

النظر في ذلك ملزوم لعدم الخشوع ، إذ الخشوع إنما يحصل يتذكر نعمه تعالى ، وتوقع إحسانه وفضله وانتظار رحمته ، واستجلاب نعمته في الدنيا والآخرة بالدعاء والتضرع والبكاء.

قوله تعالى : « فإن الخير » المراد أن الخير لما دل بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضلية وما يطلق عليه في العرف والشرع من الأعمال الحسنة هي خير الأعمال فالخير كاسمه ، أي إطلاق هذا الاسم على تلك الأمور على الاستحقاق ، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي ، أو المراد أن الخير لما كان كل أحد يستحسنه إذا سمعه فهو حسن واقعا ، وحسنه حسن واقعي. والحاصل : أن ما يحكم به عقول عامة الناس في ذلك مطابق للواقع ، ويحتمل أن يكون المراد باسمه ذكره بين الناس ، أي إن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا لرفعة الذكر في الدنيا.

قوله تعالى : « اجعل لسانك من وراء قلبك » أي كلما أردت أن تتكلم به فابدأ أولا باستعمال القلب والعقل فيه ، والتفكر في أنه هل ينفعك التكلم به ثم تكلم به ، فيكون اللسان بعد القلب ووراءه ويمر الكلام أولا بالقلب ثم باللسان ، ويحتمل أن يكون المراد لا تتكلم بما لا يعتقده قلبك ويحتمل الأعم.

٩٩

يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شيء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر المبطلون.

يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين.

يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى.

يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها ما لك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار.

قوله عليه‌السلام : « واتخذهم لغيبك إخوانا » أي اتخذهم إخوانا ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك في غيبتك بسوء ، ويدفعوا عنك الغيبة ويكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحس ، وفي بعض النسخ [ لعيبك ] بالعين المهملة أي لستر معائبك.

قوله تعالى : « وجد معهم » أي ابذل معهم غاية السعي في الطاعة ،وقوله تعالى : « يجدون » حال عن الضمير المجرور.

قوله تعالى : « طويله قصير » أي لسرعة انقضائه« وقصيره طويل » لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه.

قوله تعالى : « وكل عامل » أي كل من يعمل ما هو حق العمل إنما يكون عمله على بصيرة ويقين وعلم بكيفية العمل وحقيته ، وما يعمل له وعلى مثال يتمثله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله ، أو على مثال من سبقه من العالمين والمقربين ،

١٠٠