مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 640
المشاهدات: 1176
تحميل: 399


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1176 / تحميل: 399
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 26

مؤلف:
العربية

جعل على كل جبل منهن جزءا «ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً » فلما دعاهن أجبنه وكانت

إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »(١) فأخذ إبراهيم عليه‌السلام نسرا وبطأ وطاووسا وديكا ، فقطعهن وخلطهن ثم جعل على كل جبل من الجبال التي حوله وكانت عشرة منهن جزء ، وجعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حبا وماء ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه ، فخلى إبراهيم عن مناقيرهن ، فطرن ثم وقعن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحب ، وقلن يا نبي الله أحييتنا أحياك الله ، فقال إبراهيم بل الله يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير(٢) .

قوله تعالى : « فَصُرْهُنَ » قيل : هو مأخوذ من صاره يصوره إذا أماله ، ففي الكلام تقدير أي أملهن وضمهن إليك ، وقطعهن ثم اجعل ، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن ومجاهد : « صرهن إليك » معناه قطعهن يقال صار الشيء يصوره صورا إذا قطعته ، وظاهر قوله : « فقطعهن » أنه تفسير لقوله تعالى «فَصُرْهُنَ » ويحتمل أن يكون بيانا لحاصل المعنى ، فلا ينافي الأول.

قوله عليه‌السلام: « وكانت الجبال عشرة » وأخبار أهل البيت عليه‌السلام في ذلك مستفيضة وعليه فرعوا أن لو أوصى رجل بجزء من ماله أنه ينصرف إلى عشر وقال بعض مفسري العامة إن المراد جميع جبال الدنيا بحسب الإمكان ، وقال بعضهم : إنها كانت أربعة ، وقال بعضهم : إنها كانت سبعة.

تذنيب :

اعلم إن القول بالمعاد الجسماني مما اتفقت عليه جميع أصحاب الشرائع

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا : ج ١ ص ١٩٨ ب ١٥ ح ١.

٤٠١

الجبال عشرة.

والأديان ، وهو من ضروريات الدين ، وإنكاره خروج عن الإسلام والإيمان والآيات الكريمة في ذلك مصرحة بحيث لا تقبل التأويل ، والأخبار متواترة لا يمكن ردها والطعن فيها ، ونفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسكا بامتناع إعادة المعدوم ولم يقيموا دليلا عليه ، بل تمسكوا تارة بادعاء البداهة ، وتارة بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من تأمل فيها بعين البصيرة.

وأما المتكلمون القائلون بالمعاد الجسماني فقد اختلفوا في كيفيته ، فمنهم من قال بإعادة البدن المعدوم بعينه ، ومنهم من قال يجمع الله أجزاءه المتفرقة كما كانت أولا وهم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة.

قال المحقق الدواني : لا يقال لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضا لأن أجزاء بدن الشخص كبدن زيد مثلا وإن لم يكن لها جزء صوري لا يكون بدن زيد إلا بشرط اجتماع خاص وشكل معين ، فإذا تفرق أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعينان لم يبق بدن زيد ، ثم إذا أعيد فإما أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينها ، أو لا؟ وعلى الأول يلزم إعادة المعدوم وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأول بل مثله ، وحينئذ يكون تناسخا ومن ثمة قيل : ما من مذهب إلا وللتناسخ فيه قدم راسخ ، لأنا نقول : إنما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلفا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول ، وأما إذا كان كذلك فلا تستحيل إعادة الروح إليه ، وليس ذلك من التناسخ ، وإن سمي ذلك تناسخا كان مجرد اصطلاح ، فإن الذي دل على استحالته الدليل هو تعلق نفس زيد ببدن آخر ، لا يكون مخلوقا من أجزاء بدنه ، وأما تعلقه بالبدن المؤلف من أجزائه الأصلية بعينها مع تشكلها بشكل مثل الشكل السابق ، فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني ، وكون الشكل والاجتماع بالشخص غير الشكل الأول والاجتماع

٤٠٢

السابق لا يقدح في المقصود ، وهو حشر الأشخاص الإنسانية بأعيانها فإن زيدا مثلا شخص واحد محفوظ وحدته الشخصية من أول عمره إلى آخره بحسب العرف والشرع ، ولذلك يؤاخذ شرعا بعد التبدل بما لزمه قبل ، فكما لا يتوهم أن في ذلك تناسخا لا ينبغي أن يتوهم في هذه الصورة أيضا وإن كان الشكل الثاني مخالفا للشكل الأول كما ورد في الحديث أنه يحشر المتكبرون كأمثال الذر ، وإن ضرس الكافر مثل أحد ، وأن أهل الجنة جرد مرد مكحلون.

والحاصل أن المعاد الجسماني عبارة عن عود النفس إلى بدن هو ذلك البدن بحسب العرف والشرع ، ومثل ذلك التبدلات والمغايرات التي لا تقدح في الوحدة بحسب العرف والشرع لا يقدح في كون المحشر [ المحشور ] هو المبدأ فافهم. انتهى كلامه.

وخلاصة القول في ذلك أن للناس في تفرق الجسم واتصاله مذاهب ، فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسمية والنوعية عند تفرق الجسم والنافون للهيولى كالمحقق الطوسي يقولون ببقاء الصورة الجسمية في الحالين ، لكن لا ينفعهم ذلك في التفصي عن القول بإعادة المعدوم ، إذ ظاهر أنه إذا أحرق جسد زيد وذرت الرياح رماده في المشرق والمغرب لا يبقى تشخص زيد ، بل لا بد من عود تشخصه بعد انعدامه ، والقائلون بالجزء أيضا ظنوا أنهم قد فروا من ذلك لأنهم يقولون بتفرق الأجزاء واتصالها من غير أن يعدم شيء من الأجزاء ، ويلزمهم ما يلزم الآخرين بعينه كما ذكره المحقق الدواني.

نعم ذكر بعض المتكلمين أن تشخص الشخص إنما هو بالأجزاء الأصلية المخلوقة من المني ، وتلك الأجزاء باقية في مدة حياة الشخص وبعد موته ، وتفرق أجزائه فلا يعدم الشخص أصلا ، وربما يستدل عليه ببعض النصوص ، وعلى هذا لو عدم بعض العوارض الغير المشخصة وأعيد بدلها لا يقدح في كون الشخص باقيا

٤٠٣

بعينه.

فإذا عرفت هذا فاعلم أن القول بالمعاد على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتم الدليل عليه بين لا إشكال فيه ، وعلى القول به يمكن أن يقال : يكفي في المعاد كونه مأخوذا من تلك المادة بعينها أو من تلك الأجزاء بعينها مع كونه شبيها بذلك الشخص في الصفات والعوارض بحيث لو رأيته لقلت فلان ، إذ مدار اللذات والآلام على الروح ، ولو بواسطة الآلات ، وهو باق بعينه ، ولا يدل النصوص إلا على إعادة ذلك الشخص ، بمعنى أنه يحكم عليه عرفا أنه ذلك الشخص.

وربما يعضد ذلك قوله تعالى : «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ »(١) ، وقوله تعالى : «كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ »(٢) .

وسأل ابن أبي العوجاء الصادق عليه‌السلام عن الآية الأخيرة وقال : ما ذنب الغير؟ فقال عليه‌السلام : ويحك هي هي وهي غيرها ، قال : فمثل لي ذلك [ لذلك ] شيئا من أمر الدنيا قال : نعم أرأيت لو أن رجلا أخذ لبنة فكسرها ثم ردها في ملبنها فهي هي وهي غيرها(٣) .

على أنا لم نكلف إلا بالتصديق بالحشر الجسماني مجملا ولم نكلف بالعلم بكيفيتها وربما يؤدي التفكر في ذلك إلى القول بشيء مخالف للواقع ، ولم نكن معذورين في ذلك ، وبعد ما علم أصل الحشر بالنصوص القطعية وضرورة الدين فلا يجوز للعاقل أن يصغي إلى شبه الملحدين وعسى أن نبسط القول في ذلك في كتاب

__________________

(١) سورة يس : ٨١.

(٢) سورة النساء : ٥٦.

(٣) الإحتجاج للطبرسيّ : ص ٣٥٤.

٤٠٤

٤٧٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سليمان بن خالد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحر والبرد مما يكونان فقال لي يا أبا أيوب إن المريخ كوكب حار وزحل كوكب بارد فإذا بدأ المريخ في الارتفاع انحط زحل وذلك في الربيع فلا يزالان كذلك كلما ارتفع المريخ درجة انحط زحل درجة ثلاثة أشهر حتى ينتهي المريخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المريخ فلذلك يشتد الحر فإذا كان في آخر الصيف وأول الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المريخ في الهبوط فلا يزالان كذلك كلما ارتفع زحل درجة

بحار الأنوار(١) .

الحديث الرابع والسبعون والأربعمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام: « إن المريخ كوكب حار » يمكن تأثير الكوكبين بالخاصية لا بالكيفية ، من قبيل التأثيرات التي تنسب إلى المقارنات ، ويكون لكل منهما تدوير ، ويكون ارتفاع المريخ في تدويره إما مؤثرا ناقصا أو علامة لزيادة الحرارة وتكون ارتفاعه عند انحطاط زحل بحركة تدويره وانحطاطه مؤثرا ناقصا أو علامة لضعف البرودة ، فلذا يصير الهواء في الصيف حارا وفي الشتاء بعكس ذلك ، ولم يدل دليل على امتناع ذلك كما أن في القمر يقولون أن قوته وارتفاعه مؤثر وعلامة لزيادة البرد والرطوبات وقد أثبتوا أفلاكا جزئية كثيرة لكل من تلك الكواكب عند احتياجهم إليها ، فلا ضير في أن نثبت فلكا آخر لتصحيح الخبر المنسوب إلى الإمام عليه‌السلام وسيأتي الكلام في تعلم علم النجوم والقول بتأثيرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

قوله : « فيعلو زحل » في بعض النسخ [ فيجلو ] وهو إما من الجلاء بمعنى الخروج والمفارقة عن المكان ، أي يأخذ في الارتفاع ، أو من الجلاء بمعنى الوضوح والانكشاف.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧ ص ٤٧ ـ ٥٣.

٤٠٥

انحط المريخ درجة حتى ينتهي المريخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع فيجلو زحل وذلك في أول الشتاء وآخر الخريف فلذلك يشتد البرد وكلما ارتفع هذا هبط هذا وكلما هبط هذا ارتفع هذا فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر وإذا كان في الشتاء يوم حار فالفعل في ذلك للشمس هذا «تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ » وأنا عبد رب العالمين

٤٧٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا علي من أحبك ثم مات فقد «قَضى نَحْبَهُ » ومن أحبك ولم يمت فهو «يَنْتَظِرُ » وما طلعت شمس

قوله عليه‌السلام: « وأنا عبد رب العالمين » لعله كان في المجلس من يذهب مذهب الغلاة ، أو علم عليه‌السلام أن في قلب الراوي شيئا من ذلك ، فنفاه وإذ عن بعبودية نفسه وأن الله هو رب العالمين.

الحديث الخامس والسبعون والأربعمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « فقد قضى نحبه » إشارة إلى قوله تعالى : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً »(١) .

قال الشيخ الطبرسي : أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب ، وقيل : قضى نحبه معناه فرغ من عمله ورجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد ، عن محمد بن إسحاق ، وقيل : معناه قضى أجله على الوفاء والصدق عن الحسن ، وقال ابن قتيبة : أصل النحب النذر ، وكان قوم نذروا إن يلقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله فقتلوا ، فقيل : فلان قضى نحبه إذا قتل ، وقال ابن إسحاق «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » من استشهد يوم بدر وأحد «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » ما وعد الله

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣.

٤٠٦

ولا غربت إلا طلعت عليه برزق وإيمان وفي نسخة نور.

٤٧٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على أمتي زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا ولا يريدون به ما عند الله ربهم يكون دينهم رياء لا

من نصره أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه «وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون.

قال ابن عباس : فمن قضى نحبه حمزة بن عبد المطلب ومن قتل معه ، وأنس ابن النضر وأصحابه وقال الكلبي : ما بدلوا العهد بالصبر ولا نكثوه بالفرار ، وروى أبو القاسم الحسكاني بالإسناد ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن علي عليه‌السلام قال : فينا نزلت «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » فأنا والله المنتظر وما بدلت تبديلا(١) .

أقول غرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن شيعة أمير المؤمنين ممدوحون بهذه الآية حيث صدقوا ما عاهدوا الله عليه من ولاية أئمة الحق ، ونصرتهم فمن مات منهم وفى بنذره وعهده حيث كان ثابتا على نصرة الحق. متهيئا لمعاونة إمام المسلمين ، موفيا لعهده غير ناكث ولا مبدل ، ومات على ذلك ، ومن لم يمت فهو ينتظر دولة الحق وغلبة إمامه أو قيام القائم عليه‌السلام ، ويأتي الله برزقه في كل صباح ومساء ، ويزيد في إيمانه ويقينه كل حين.

قوله : وفي نسخة [ نور ] أي بدل ـ إيمان ـ أي يفيض الله عليه في كل صباح ومساء نورا من الإيمان ، والعلم والهداية والتوفيق.

الحديث السادس والسبعون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٤٠٧

يخالطهم خوف يعمهم الله منه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم

( حديث الفقهاء والعلماء )

٤٧٧ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام كانت الفقهاء والعلماء إذا كتب بعضهم إلى بعض كتبوا بثلاثة ليس معهن رابعة من كانت همته آخرته كفاه الله همه من الدنيا ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله تبارك وتعالى فيما بينه وبين الناس.

٤٧٨ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن سعدان بن مسلم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال اللهم آنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم عليه وقال له من أنت يا عبد الله فقال أنا أبو ذر فقال الرجل الله أكبر الله أكبر فقال أبو ذر ولم تكبر يا عبد الله فقال إني دخلت المسجد فدعوت الله عز وجل أن يؤنس وحشتي وأن يصل وحدتي وأن يرزقني جليسا صالحا فقال له أبو ذر أنا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فإني سمعت

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « يعمهم الله منه بعقاب » كاستيلاء الظلمة وأهل البدع ، وغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام وغير ذلك ، مما ابتلي به الناس في تلك الأزمنة.

حديث الفقهاء والعلماء

الحديث السابع والسبعون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام: « ومن أصلح سريرته » أي قلبه ونياته وبواطن أموره ،الحديث الثامن والسبعون والأربعمائة : ضعيف.

٤٠٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول أنا وأنتم على ترعة يوم القيامة حتى يفرغ الناس من الحساب قم يا عبد الله فقد نهى السلطان عن مجالستي.

٤٧٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيأتي على الناس زمان لا يبقى من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه يسمون به وهم أبعد الناس منه مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود.

٤٨٠ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن أسباط ، عن

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « أنا وأنتم على ترعة » أي قال ذلك مخاطبا لقوم كان أبو ذر فيهم وإنما ذكر ذلك لتأييد كلام الرجل.

قال الجزري : الترعة : في الأصل الروضة على المكان المرتفع خاصة ، فإذا كانت في المطمئن فهي روضة ، وقيل : الترعة : الدرجة ، وقيل : الباب(١) .

أقول : الأول هنا أظهر ، ويحتمل الثاني.

قوله : « فقد نهى السلطان » أي عثمان عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

الحديث التاسع والسبعون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « يسمون به » أي بالإسلام.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وإليهم تعود » أي تعود ضرر الفتنة عليهم أكثر من غيرهم ، لأنهم ضالون مضلون ، أو تنسب فتن الناس إليهم ، أو إليهم تأوي وتسكن الفتنة ، وهم مرجعها ومآبها وبهم بقاؤها.

الحديث الثمانون والأربعمائة : ضعيف.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ١٨٧.

٤٠٩

محمد بن الحسين بن يزيد قال سمعت الرضا عليه‌السلام بخراسان وهو يقول إنا أهل بيت ورثنا العفو من آل يعقوب وورثنا الشكر من آل داود وزعم أنه كان كلمة أخرى ونسيها محمد فقلت له لعله قال وورثنا الصبر من آل أيوب فقال ينبغي.

قال علي بن أسباط وإنما قلت ذلك لأني سمعت يعقوب بن يقطين يحدث ، عن بعض رجاله قال لما قدم أبو جعفر المنصور ـ المدينة سنة قتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن التفت إلى عمه عيسى بن علي فقال له يا أبا العباس إن أمير المؤمنين قد رأى أن يعضد شجر المدينة وأن يعور عيونها وأن يجعل أعلاها أسفلها فقال له يا أمير المؤمنين هذا ابن عمك جعفر بن محمد بالحضرة فابعث إليه فسله عن هذا الرأي قال فبعث إليه فأعلمه عيسى فأقبل عليه فقال له يا أمير المؤمنين إن داود عليه‌السلام أعطي فشكر وإن أيوب عليه‌السلام ابتلي فصبر وإن يوسف عليه‌السلام عفا بعد ما قدر فاعف فإنك من نسل أولئك.

٤٨١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن زرعة بن محمد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل :

قوله : « إن أمير المؤمنين » يريد نفسه لعنه الله.

قوله : « أن يعضد شجر المدينة » أي يقطعها.

قوله : « وأن يعور عيونها » يقال : عورت الركية : أي طممتها وسددت أعينها التي ينبع منها الماء.

قوله عليه‌السلام: « فإنك من نسل أولئك » أي من نسل أضرابهم وأشباههم من الأنبياء ، أي هكذا كان فعال الأنبياء ، وأنت من نسل الأنبياء ، فينبغي أن يكون فعالك كفعالهم ، إذ لم يكن من نسل هؤلاء الأنبياء ، ـ أو هكذا كان فعال الأنبياء بإيمانهم [ بأعيانهم ] ـ لأنه كان من ولد إسماعيل.

الحديث الحادي والثمانون والأربعمائة : موثق.

٤١٠

«وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا »(١) فقال كانت اليهود تجد في كتبها

قوله تعالى : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا » قال الشيخ الطبرسي في مجمع البيان : قال ابن عباس : كانت اليهود يستفتحون أي يستنصرون على الأوس والخزرج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولونه فيه فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور : يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون أنه مبعوث ، فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه ، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل الله هذه الآية ثم ذكر هذا الخبر عن العياشي(٢) .

ثم قال في تفسير الاستفتاح : فيه وجوه.

أحدها : إن معناه يستنصرون أي يقولون في الحرب : اللهم افتح علينا وانصرنا بحق النبي الأمي ، اللهم انصرنا بحق النبي المبعوث إلينا ، فهم يسألون الفتح الذي هو النصر.

وثانيها : إنهم كانوا يقولون لمن ينابذهم هذا نبي قد أطل زمانه ينصرنا عليكم.

وثالثها : معنى يستفتحون يتعلمون من علمائهم صفة نبي يبعث من العرب فكانوا يصفونه لهم فلما بعث أنكروه.

ورابعها : أن معنى يستفتحون يستحكمون ربهم على كفار العرب ، كما قال :

ألا أبلغ بني عصم رسولا

فإني عن فتاحتكم(٣) غني(٤)

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٩.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ١ ص ٤٩.

(٣) أي عن محاكمتكم.

(٤) مجمع البيان : ج ١ ص ١٥٨.

٤١١

أن مهاجر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بين عير وأحد فخرجوا يطلبون الموضع فمروا بجبل يسمى حدادا فقالوا حداد وأحد سواء فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء وبعضهم بفدك وبعضهم بخيبر فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه وقال لهم أمر بكم ما بين عير وأحد فقالوا له إذا مررت بهما فآذنا بهما فلما توسط بهم أرض المدينة قال لهم ذاك عير وهذا أحد فنزلوا عن ظهر إبله وقالوا قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك فاذهب حيث شئت وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا فكتبوا إليهم أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال وما أقربنا منكم فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم فاتخذوا بأرض المدينة الأموال فلما كثرت أموالهم بلغ تبع فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم فنزلوا إليه فقال لهم إني قد استطبت بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم فقالوا له إنه ليس ذاك لك إنها مهاجر نبي وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك فقال لهم إني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك ساعده ونصره فخلف

انتهى.

قوله عليه‌السلام: « ما بين عير » قال الجوهري : عير جبل بالمدينة(١) .

وقال الفيروزآبادي :حدد محركة جبل بتيماء وقالتيماء اسم موضع(٢) .

أقول : لعله زيد ألف حداد من النساخ أو كان الجبل يسمى بكل منهما.

قوله : « ليس ذلك لأحد » أي السلطنة في المدينة ، لأن نزوله فيها كان على جهة السلطنة.

ثم اعلم أن نزول الأوس والخزرج في المدينة منتظرين لبعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينافي كفرهم لأنهم كانوا على دين الكفر في ذلك الوقت ، على أنه يمكن أن يكون

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٧٣٣.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٢٩٧.

٤١٢

حيين الأوس والخزرج فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود وكانت اليهود تقول لهم أما لو قد بعث محمد ليخرجنكم من ديارنا وأموالنا فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود وهو قول الله عز وجل : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ ».

٤٨٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » قال كان قوم فيما بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وكانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم [ وليفعلن ] فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفروا به.

٤٨٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن عمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول خمس علامات قبل قيام القائم ـ الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني فقلت جعلت فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه قال لا فلما كان من الغد تلوت هذه الآية : «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ »(١) فقلت له أهي الصيحة فقال أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله

أولاد تلك الجماعة نسوا ذلك العهد.

الحديث الثاني والثمانون والأربعمائة : حسن أو موثق.

الحديث الثالث والثمانون والأربعمائة : حسن كالصحيح ، والشهيد الثاني عده صحيحا.

قوله : « الصيحة » أي النداء الذي يأتي ذكره في الخبر الآتي « والخسفة » هي خسف جيش السفياني بالبيداء.

قوله : « فقلت له : أهي الصيحة؟ » الظاهر أنه عليه‌السلام قرره على أن المراد بها

__________________

(١) الشعراء : ٤.

٤١٣

عز وجل.

٤٨٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول اختلاف بني العباس من المحتوم والنداء من المحتوم وخروج القائم من المحتوم قلت وكيف النداء قال ينادي مناد من السماء أول النهار ألا إن عليا وشيعته هم الفائزون قال وينادي مناد [ في ] آخر النهار ألا إن عثمان وشيعته هم الفائزون.

٤٨٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن زيد الشحام قال دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه‌السلام فقال يا قتادة أنت فقيه أهل البصرة فقال هكذا يزعمون فقال أبو جعفر عليه‌السلام بلغني أنك تفسر القرآن فقال له قتادة نعم فقال له أبو جعفر عليه‌السلام بعلم تفسره أم بجهل قال لا بعلم فقال له أبو جعفر عليه‌السلام فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك قال قتادة سل قال أخبرني عن قول الله عز وجل في سبإ «وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً

الصيحة وبين أن الصيحة تصير سببا لخضوع أعناق أعداء الله.

أقول : قد أوردنا الأخبار الكثيرة في تفصيل كل من تلك العلامات في كتاب الغيبة من بحار الأنوار(١) .

الحديث الرابع والثمانون والأربعمائة : ضعيف وقد مر مثله.

الحديث الخامس والثمانون والأربعمائة : ضعيف على المشهور.

قوله : « دخل قتادة بن دعامة » من مشاهير محدثي العامة ومفسريهم ، روي عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب والحسن البصري.

قوله : « فأنت أنت » أي فأنت العالم المتوحد الذي لا يحتاج إلى المدح والوصف ، وينبغي أن يرجع إليك في العلوم.

قوله تعالى : « وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ » اعلم أن المشهور بين المفسرين أن

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٥٢ ص ١٨١ ـ ٢٧٨.

٤١٤

آمِنِينَ »(١) فقال قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمنا حتى يرجع إلى أهله فقال أبو جعفر عليه‌السلام نشدتك الله يا قتادة هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه قال قتادة اللهم نعم فقال أبو جعفر عليه‌السلام ويحك يا قتادة إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ويحك يا قتادة ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله عز وجل : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ »(٢) ولم يعن البيت

هذه الآية لبيان حال تلك القرى في زمان قوم سبأ أي قدرنا سيرهم في القرى على قدر مقيلهم ومبيتهم لا يحتاجون إلى ماء ولا زاد لقرب المنازل ، وللأمر فيقوله تعالى : « سِيرُوا » متوجه إليهم على إرادة القول بلسان الحال أو المقال ، ويظهر من كثير من أخبارنا أن الأمر متوجه إلى هذه الأمة ، أو خطاب عام يشملهم أيضا.

قوله : « إن كنت إنما فسرت القرآن » يدل كأخبار كثيرة على عدم جواز تفسير القرآن بالرأي وحملها الأكثر على المتشابهات ، ولتفصيل الكلام في ذلك مقام آخر.

قوله عليه‌السلام: « ولم يعن البيت » أي لا يتوهم أن المراد ميل القلوب إلى البيت وإلا لقال إليه ، بل كان مراد إبراهيم أن يجعل الله ذريته الذين أسكنهم عند البيت أنبياء وخلفاء يهوي إليهم قلوب الناس ، فالحج وسيلة للوصول إليهم ، وقد استجاب الله هذا الدعاء في النبي وأهل بيته فهم دعوة إبراهيم.

قال الجزري : ومنه الحديث « وسأخبركم بأول أمري دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى » دعوة إبراهيم هي قوله تعالى : «وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ

__________________

(١) سورة سبأ : ١٨.

(٢) سورة إبراهيم : ٣٧.

٤١٥

فيقول إليه فنحن والله دعوة إبراهيم عليه‌السلام التي من هوانا قلبه قبلت حجته وإلا فلا يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة قال قتادة لا جرم والله

آياتِكَ » وبشارة عيسى قوله : «وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(١) .

أقول : قد روى الصدوق في كتاب العلل لهذه الآية تأويلا آخر في خبر طويل « أنه دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله : «سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ » أين ذلك من الأرض؟ قال : أحسبه ما بين مكة والمدينة ، فالتفت أبو عبد الله عليه‌السلام إلى أصحابه فقال تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون ، قالوا نعم ، فسكت أبو حنيفة فلما خرج سأله أبو بكر الحضرمي عن ذلك؟ فقال : يا با بكر «سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ » فقال : مع قائمنا أهل البيت عليهم‌السلام.

ولا تنافي بينهما إذ كل منهما بطن من بطون الآية.

قوله عليه‌السلام: « لا جرم » قال الجوهري : قال الفراء : هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة ، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم ، وصارت بمنزلة حقا ، فلذلك يجاب عنه باللام كما يجاب بها عن القسم ، ألا تراهم يقولون لا جرم لأتينك ، قال : وليس قول من قال جرمت حققت بشيء(٢) .

وقال الجزري : هي كلمة ترد بمعنى لا بد ثم استعملت في معنى حقا ، وقيل : جرم بمعنى كسب ، وقيل : بمعنى وجب وحق ، و « لا » رد لما قبلها من الكلام ثم يبتدأ بها كقوله تعالى : «لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ » أي ليس الأمر كما قالوا ، ثم ابتدأ فقال : وجب لهم النار(٣) .

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ١٢٢.

(٢) الصحاح : ج ٥ ص ١٨٨٦.

(٣) النهاية ج ١ ص ٢٦٣.

٤١٦

لا فسرتها إلا هكذا فقال أبو جعفر عليه‌السلام ويحك يا قتادة إنما يعرف القرآن من خوطب به.

٤٨٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن مفضل بن صالح ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني الروح الأمين أن الله لا إله غيره إذا وقف الخلائق وجمع الأولين والآخرين أتي بجهنم تقاد بألف زمام أخذ بكل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ الشداد ولها هدة وتحطم وزفير وشهيق وإنها لتزفر الزفرة فلو لا أن الله عز وجل أخرها إلى الحساب لأهلكت الجميع ثم يخرج منها عنق يحيط بالخلائق البر منهم والفاجر فما خلق الله عبدا من عباده ملك ولا نبي إلا وينادي يا رب نفسي نفسي وأنت تقول يا رب أمتي أمتي ثم يوضع

قوله عليه‌السلام: « لا فسرتها » أي لا أفسرها بعد ذلك.

الحديث السادس والثمانون والأربعمائة : ضعيف.

وروى علي بن إبراهيم في الحسن كالصحيح عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن جابر(١) وروى الصدوق في أماليه ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن المفضل بن صالح.

قوله عليه‌السلام: « ولها هدة » الهدة : صوت وقع الحائط ونحوه ، والحطم : الكسر والتكسر ، ويقال : تحطم غيظا أي تلظى ، ويقال :شهق يشهق : أي ارتفع ، وشهيق الحمار آخر صوته ، وزفيره أوله ، ويقال الشهيق رد النفس ، والزفير إخراجه ويقال :زفر يزفر زفرا وزفيرا إذا أخرج نفسه بعد مده إياه ، وزفر النار إذا سمع لتوقدها صوت.

قوله عليه‌السلام: « عنق » قال الجزري : فيه « يخرج عنق من النار » أي طائفة

__________________

(١) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٤٢١.

٤١٧

عليها صراط أدق من الشعر وأحد من السيف عليه ثلاث قناطر الأولى عليها الأمانة والرحمة والثانية عليها الصلاة والثالثة عليها رب العالمين لا إله غيره فيكلفون الممر عليها فتحبسهم الرحمة والأمانة فإن نجوا منها حبستهم الصلاة فإن نجوا منها كان المنتهى إلى رب العالمين جل ذكره وهو قول الله تبارك وتعالى : «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ »(١) والناس على الصراط فمتعلق تزل قدمه وتثبت قدمه والملائكة حولها ينادون يا كريم يا حليم اعف واصفح وعد بفضلك وسلم والناس يتهافتون فيها كالفراش ـ فإذا نجا ناج برحمة الله تبارك وتعالى نظر إليها فقال الحمد لله الذي نجاني منك بعد

منها(٢) .

قوله عليه‌السلام: « الأمانة والرحمة » الأمانة : أداء الحقوق إلى الله ، وإلى الخلق وعدم الخيانة فيها ، والرحمة : الترحم على العباد وترك ظلمهم وإعانتهم ، وفي روايتي الصدوق وعلي بن إبراهيم [ الرحم ] بدون التاء فيمكن أن يقرأ بكسر الحاء بمعنى صلة الرحم.

قوله عليه‌السلام: « عليها رب العالمين » كذا في رواية علي بن إبراهيم أيضا وفي رواية الصدوق [ عليها عدل رب العالمين ] فعلى الأول لعل المراد أنه تعالى يسأله هناك عن سائر أعماله أو يقضي عليه هناك بعلمه فيما كان بينه وبين الله ، ولم يطلع عليه غيره تعالى ، أو يسأل عنه فيما كان من حقوقه تعالى دون حقوق الناس ، وعلى الثاني فالظاهر المعنى الوسط.

قوله تعالى : « إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ». قال الفيروزآبادي : المرصاد الطريق والمكان يرصد فيه العدو(٣) .

قوله عليه‌السلام: « يتهافتون فيها » قال الجوهري : تهافت الفراش في النار أي

__________________

(١) سورة الفجر : ١٤.

(٢) النهاية : ج ٣ ص ٣١٠.

(٣) القاموس : ج ١ ص ٢٩٤.

٤١٨

يأس بفضله ومنه «إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ »

٤٨٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي خالد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً »(١) قال الخيرات الولاية وقوله تبارك وتعالى «أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً » يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا قال وهم والله الأمة المعدودة قال يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع

تساقط(٢) .

الحديث السابع والثمانون والأربعمائة : حسن أو موثق.

قوله تعالى : « فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ » قال الشيخ الطبرسي (ره) معناه سارعوا إلى الخيرات عن الربيع والخيرات هي الطاعات لله تعالى ، وقيل : معناه بادروا إلى القبول من الله فيما يأمركم به ، مبادرة من يطلب السبق إليه عن الزجاج ، وقيل : معناه تنافسوا فيما رغبتم فيه من الخير ، فلكل عندي ثوابه عن ابن عباس ، وقوله : «أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ » أي حيثما متم من بلاد الله سبحانه يأت بكم الله إلى المحشر يوم القيامة ، وروي في أخبار أهل البيت عليهم‌السلام أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان ، قال الرضا عليه‌السلام ، وذلك والله أن لو قام قائمنا يجمع الله إليه جميع شيعتنا من جميع البلدان(٣) انتهى.

أقول : لا يبعد إرادتهما معا من الآية ، أي «أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ » إذا أراد ذلك في أي وقت أراد في زمان القائم ، وفي القيامة وغيرهما.

قوله عليه‌السلام: « وهم والله الأمة المعدودة » أي الذين ذكرهم الله في قوله : «

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٨.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٥٣٨.

(٣) مجمع البيان : ج ١ ص ٢٣١.

٤١٩

الخريف.

٤٨٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن منذر بن جيفر ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول سيروا البردين قلت إنا نتخوف من الهوام فقال إن أصابكم شيء فهو خير لكم مع أنكم

«وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ »(١) .

وقال الشيخ الطبرسي (ره) : معناه ولئن أخرنا عن هؤلاء الكفار عذاب الاستئصال إلى أجل مسمى ووقت معلوم ، والأمة : الحين ، وقيل : إلى أمة أي إلى جماعة يتعاقبون فيصرون على الكفر ، ولا يكون فيهم من يؤمن كما فعلنا بقوم نوح ، وقيل : معناه إلى أمة بعد هؤلاء نكلفهم فيعصون فتقتضي الحكمة إهلاكهم ، وإقامة القيامة.

وقيل : إن الأمة المعدودة هم أصحاب المهدي في آخر الزمان ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا كعدة أهل بدر يجتمعون في ساعة واحدة كما يجتمع قزع الخريف ، وهو المروي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام(٢) ، انتهى.

قوله عليه‌السلام: « كقزع الخريف » قال الجزري : في حديث علي عليه‌السلام « فيجتمعون إليه كما تجتمع قزع الخريف » أي قطع السحاب المتفرقة وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ، ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك(٣) .

الحديث الثامن والثمانون والأربعمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « سيروا البردين » البردان الغداة والعشي.

قوله : « إنا نتخوف الهوام » هي جمع هامة ، وهي الدابة ، أو كل ذات سم يقتل ، والأول أظهر ، ويمكن أن يقرأ بتشديد الواو وتخفيف الميم قال

__________________

(١) سورة هود : ٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ص ١٤٤.

(٣) النهاية : ج ٤ ص ٥٩.

٤٢٠