مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 640
المشاهدات: 1166
تحميل: 399


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1166 / تحميل: 399
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 26

مؤلف:
العربية

بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن الخلق لم يصابوا بمثله عليه‌السلام قط.

١٩٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن الحسن بن السري ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال سمعت جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مر بنا ذات يوم ونحن في نادينا وهو على ناقته وذلك حين رجع من حجة الوداع فوقف علينا فسلم فرددنا عليه‌السلام ثم قال ما لي أرى حب الدنيا قد غلب على كثير من الناس حتى كأن الموت في هذه الدنيا على غيرهم كتب وكأن الحق في هذه الدنيا على غيرهم وجب وحتى كأن لم يسمعوا ويروا من خبر الأموات قبلهم سبيلهم سبيل قوم سفر عما قليل إليهم راجعون بيوتهم أجداثهم ويأكلون تراثهم فيظنون أنهم

قوله عليه‌السلام: « فاذكر مصابك برسول الله » فإن تذكر المصائب العظام يوجب الرضا بما دونها. أو إذا أصبت بموت حميم مثلا فاذكر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يبق في الدنيا فلا يمكن الطمع في بقاء أحد ، والأول أظهر بل هو المتعين كما لا يخفى.

الحديث التسعون والمائة : ضعيف.

وقد ذكر السيد في نهج البلاغة بعض فقرات هذا الخبر ، ونسبها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قالها حين تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ثم قال : ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله(١) ورواها علي بن إبراهيم أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.(٢) قوله : « ونحن في نادينا » النادي مجتمع القوم.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وكان الحق » أي أوامر الله ونواهيه ، ويحتمل أن يكون المراد الموت أيضا.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « سبيلهم سبيل قوم سفر » السفر جمع سافر ، فيحتمل إرجاع الضمير في قوله « سبيلهم » إلى الإحياء وفيقوله « إليهم » إلى الأموات ، أي هؤلاء

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٤٩٠ « المختار من الحكم ١٢٢ ».

(٢) تفسير القمّيّ : ج ٢ ص ٧٠.

٤١

مخلدون بعدهم هيهات هيهات [ أ ] ما يتعظ آخرهم بأولهم لقد جهلوا ونسوا كل واعظ في كتاب الله وآمنوا شر كل عاقبة سوء ولم يخافوا نزول فادحة وبوائق حادثة.

طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس.

طوبى لمن منعه عيبه عن عيوب المؤمنين من إخوانه.

طوبى لمن تواضع لله عز ذكره وزهد فيما أحل الله له من غير رغبة عن سيرتي

الأحياء مسافرون يقطعون منازل أعمارهم من السنين والشهور ، حتى يلحقوا بهؤلاء الأموات ، ويحتمل العكس في إرجاع الضميرين ، فالمراد أن سبيل هؤلاء الأموات عند هؤلاء الإحياء لعدم اتعاظهم بموتهم ، وعدم مبالاتهم كانوا ذهبوا إلى سفر وعن قريب يرجعون إليهم ، ويؤيده ما في النهج والتفسير « وكان الذي نرى من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون ».

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « بيوتهم أجداثهم » الأجداث جمع الجدث ، وهو القبر أي يرون أن بيوت هؤلاء الأموات أجداثهم ، ومع ذلك يأكلون تراثهم ، أو يرون أن تراث هؤلاء قد زالت عنهم وبقي في أيديهم ، ومع ذلك لا يتعظون ويظنون أنهم مخلدون بعدهم ، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته ، والظاهر أنه وقع في نسخ الكتاب تصحيف والأظهر ما في النهج « نبوئهم أجداثهم » ، ونأكل تراثهم ، وفي التفسير(١) « تنزلهم أجداثهم ».

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « نزول فادحة » أي بلية يثقل حملها ، يقال : فدحه الدين أي أثقله ، وأمر فادح : إذا غاله وبهظه ذكره الجوهري(٢) وفي النهج « ثم قد نسينا كل واعظ ، وواعظة ، ورمينا بكل فادح وجائحة »(٣) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وبوائق حادثة » البوائق : الدواهي.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « من غير رغبة عن سيرتي » أي من غير أن يترك ما كان يتمتع

__________________

(١) تفسير القمّيّ ج ٢ ص ٧٠.

(٢) الصحاح ج ١ ص ٣٩٠.

(٣) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٤٩٠ « المختار من الحكم ١٢٢ ».

٤٢

ورفض زهرة الدنيا من غير تحول عن سنتي واتبع الأخيار من عترتي من بعدي وجانب أهل الخيلاء والتفاخر والرغبة في الدنيا المبتدعين خلاف سنتي العاملين بغير سيرتي طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالا من غير معصية فأنفقه في غير معصية وعاد به على أهل المسكنة طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره طوبى لمن أنفق القصد وبذل الفضل وأمسك قوله عن الفضول وقبيح الفعل.

١٩١ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد رفعه ، عن بعض الحكماء قال إن أحق الناس أن يتمنى الغنى للناس أهل البخل لأن الناس إذا استغنوا كفوا عن أموالهم وإن أحق الناس أن يتمنى صلاح الناس أهل العيوب لأن الناس إذا صلحوا كفوا عن تتبع عيوبهم وإن أحق الناس أن يتمنى حلم الناس أهل السفه الذين يحتاجون أن يعفى عن سفههم فأصبح أهل البخل يتمنون فقر الناس وأصبح أهل العيوب يتمنون فسقهم وأصبح أهل الذنوب

به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء والطيب والنوم وغيرها ، بل يزهد في الشبهات ، وزوائد المحللات التي تمنع الطاعات.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « من غير تحول عن سنتي » بأن يحرم على نفسه المباحات ، ويترك السنن ، ويبتدع في الدين كما هو الشائع بين أهل البدعة من الصوفية.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « وعاد به » من العائدة بمعنى الفضل والإحسان.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « لمن أنفق القصد » أي الوسط من غير إسراف وتقتير.

الحديث الحادي والتسعون والمائة : ضعيف.

قوله : « عن بعض الحكماء » أي الأئمة عليهم‌السلام إذ قد روى الصدوق في الأمالي(١) بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، مع أنه ليس من دأبهم الرواية عن غير

__________________

(١) الأمالي : ص ٣٤٦ ط النجف الأشرف.

٤٣

يتمنون سفههم وفي الفقر الحاجة إلى البخيل وفي الفساد طلب عورة أهل العيوب وفي السفه المكافأة بالذنوب.

١٩٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا حسن إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض إخوانك فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال إما كفاية بمال وإما معونة بجاه أو دعوة فتستجاب أو مشورة برأي.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

١٩٣ ـ علي بن الحسين المؤدب وغيره ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن عبد الله بن أبي الحارث الهمداني ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال الحمد لله الخافض الرافع

المعصوم.

الحديث الثاني والتسعون والمائة : ضعيف.

ويدل على جواز ذكر الحاجة والنازلة للإخوان في الله بل رجحانه.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلامالحديث الثالث والتسعون والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « الخافض الرافع » الخفض : ضد الرفع ، أي يخفض الجبارين والفراعنة ، ويضعهم ويهينهم ، ويخفض كل شيء يريد خفضه ، وهو الرافع يرفع أنبياءه وحججه على درجات القرب والكمال ، وكذا المؤمنين في مراتب الدين ويلحقهم بالمقربين ، ويرفع من أراد رفعته في الدنيا بالعز والتمكين ، ورفع

٤٤

الضار النافع الجواد الواسع

السماء بغير عمد ، فكل رفعة وعزة وغلبة منه تعالى.

قوله عليه‌السلام: « الضار النافع » أي يضر من يشاء بتعذيبه إذا استحق العقاب ، وبالبلايا والمحن في الدنيا ، إما لغضبه عليهم أو لتكفير سيئاتهم أو لرفع درجاتهم ، وهذان الأخيران وإن كانا عائدين إلى النفع ، لكن يمكن إطلاق الضرر عليهما بحسب ظاهر الحال ، ونفعه تعالى لا يحتاج إلى البيان ، إذ هو منشأ كل جود ورحمة ونعمة وإحسان.

قوله عليه‌السلام: « الجواد » روى الصدوق (ره) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن سليمان قال : سأل رجل أبا الحسن عليه‌السلام وهو في الطواف ، فقال له : أخبرني عن الجواد؟ فقال : إن لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله تعالى عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له ، وإن منع منع ما ليس له(١) .

قوله عليه‌السلام: « الواسع » هو مشتق من السعة ، وهي تستعمل حقيقة باعتبار المكان ، وهي لا يمكن إطلاقها على الله تعالى بهذا المعنى ، ومجازا في العلم والإنعام والمكنة والغنى ، قال تعالى : «وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً »(٢) وقال : «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ »(٣) ولذا فسر الواسع بالعالم المحيط بجميع المعلومات كليها وجزئيها موجودها ومعدومها ، وبالجواد الذي عمت نعمته ، وشملت رحمته كل بر وفاجر ، ومؤمن وكافر ، وبالغني التام الغني المتمكن فيما يشاء ، وقيل : الواسع الذي لا نهاية لبرهانه ولا غاية لسلطانه ولا حد لإحسانه.

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٥٦ باختلاف في السند والمتن.

(٢) سورة غافر : ٧.

(٣) سورة الطلاق : ٧. وفي الآية «لِيُنْفِقْ ».

٤٥

الجليل ثناؤه الصادقة أسماؤه المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب الذي جعل الموت بين خلقه عدلا وأنعم بالحياة عليهم فضلا فأحيا وأمات وقدر الأقوات أحكمها بعلمه تقديرا وأتقنها بحكمته تدبيرا إنه كان خبيرا بصيرا هو الدائم بلا فناء والباقي إلى غير منتهى يعلم ما في الأرض وما في السماء «وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى ».

أحمده بخالص حمده المخزون بما حمده به الملائكة والنبيون حمدا لا يحصى له عدد ولا يتقدمه أمد(١) ولا يأتي بمثله أحد أومن به وأتوكل عليه وأستهديه وأستكفيه وأستقضيه بخير وأسترضيه

قوله عليه‌السلام: « الجليل ثناؤه » أي ثناؤه ومدحه أجل من أن يحيط به الواصفون.

قوله عليه‌السلام: « أحكمها بعلمه تقديرا » أي كانت الأقوات مقدرة مجددة في علمه ، أو قدر الأقوات قبل خلق الخلائق وأحكمها لعلمه بمصالحهم قبل إيجادهم وقوله عليه‌السلام: « تقديرا » تميز.

قوله عليه‌السلام: « وأتقنها بحكمته تدبيرا » أي أتقن تدبير الأقوات بعد خلق الأشياء المحتاجة إليها على وفق حكمته ، أو لعلمه بالحكم والمصالح.

قوله عليه‌السلام: « إنه كان خبيرا بصيرا » الخبير : العليم ببواطن الأشياء ، من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة ، والبصير : فيه تعالى معناه العالم بالمبصرات.

قوله عليه‌السلام: « بخالص حمده » أي بحمده الخالص عن النقص والشوائب الذي هو مخزون عن أكثر الخلق ، لا يأتي به إلا المقربون.

قوله عليه‌السلام: « ولا يتقدمه أحد » أي بالتقدم المعنوي بأن يحمد أفضل منه أو بالتقدم الزماني بأن يكون حمده أحد قبل ذلك.

قوله عليه‌السلام: « أستقصيه » بالصاد المهملة من قولهم : استقصى في المسألة وتقصى

__________________

(١) في بعض النسخ [ أحد ] كما جاء في الشرح.

٤٦

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله «بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » صلى‌الله‌عليه‌وآله

أيها الناس إن الدنيا ليست لكم بدار ولا قرار إنما أنتم فيها كركب عرسوا فأناخوا ثم استقلوا فغدوا وراحوا دخلوا خفافا وراحوا خفافا لم يجدوا عن مضي نزوعا ولا إلى ما تركوا رجوعا جد بهم فجدوا وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا

إذا بلغ الغاية(١) أو بالضاد المعجمة كما في بعض النسخ من قولهم : استقضى فلان أي طلب إليه أن يقضيه.

قوله عليه‌السلام: « بخير » أي بسبب طلب الخير.

قوله عليه‌السلام: « ولا قرار » أي محل قرار.

قوله عليه‌السلام: « كركب عرسوا » الركب جمع راكب والتعريس : نزول القوم في السفر من آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.(٢) قوله عليه‌السلام: « ثم استقلوا » قال الجوهري : استقل القوم : مضوا وارتحلوا.(٣) قوله عليه‌السلام: « دخلوا خفافا » هو جمع خفيف أي دخلوا في الدنيا عند ولادتهم خفاقا ، بلا زاد ولا مال ، وراحوا عند الموت كذلك ، ويحتمل أن يكون كناية عن الإسراع.

قوله عليه‌السلام: « نزوعا » قال الفيروزآبادي : نزع عن الشيء نزوعا : كف وأقلع

__________________

(١) القاموس ج ٤ ص ٣٨١.

(٢) النهايةج ٣ ص ٢٠٦.

(٣) الصحاح ج ٥ ص ١٨٠٤.

٤٧

حتى إذا أخذ بكظمهم وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر قل في الدنيا لبثهم وعجل إلى الآخرة بعثهم فأصبحتم حلولا في ديارهم ظاعنين على آثارهم والمطايا بكم تسير سيرا ما فيه أين ولا تفتير نهاركم بأنفسكم دءوب

عنه(١) أي لم يقدروا على الكف عن المضي ، والظرفان متعلقان بالنزوع والرجوع.

قوله عليه‌السلام: « جد بهم فجدوا » أي حثوهم على الإسراع في السير ، فأسرعوا وفيه استعارة تمثيلية شبه سرعة زوال القوي وتسبب أسباب الموت ، وكثرة ورود ما يوجب الزوال من الأسباب الخارجة والداخلة برجال يحثون المراكب والأجساد بتلك المراكب ، والعمر بالمسافة التي يقطعها المسافر ، والأجل بالمنزل الذي يحل فيه.

قوله عليه‌السلام: « بكظمهم » قال الفيروزآبادي : الكظم محركة : الحلق أو الفم ، أو مخرج النفس من الحلق(٢) .

قوله عليه‌السلام: « وخلصوا إلى دار قوم جفت أقلامهم » يقال : خلص فلان إلى فلان ، أي وصل إليه ، وقوله عليه‌السلام : « جفت أقلامهم » أي سكنت قواهم عن الحركات كالكتابة حتى جفت أقلامهم التي كانوا يكتبون بها ، أو جفت أقلام الناس عن كتابة آثارهم ، لبعد عهدهم ، ومحو ذكرهم ، أو جفت أقلام أهل السماوات عن تقدير أمورهم المتعلقة بحياتهم والأوسط أظهر.

قوله عليه‌السلام: « فأصبحتم حلولا » جمع حال.

قوله عليه‌السلام: « ظاعنين » أي سائرين.

قوله عليه‌السلام: « ما فيه أين » قال الجوهري : الأين : الإعياء(٣) .

قوله عليه‌السلام: « ولا تفتير » أي ليست تلك الحركة موجبة لفتور تلك المطايا فتسكن

__________________

(١) القاموس ج ٣ ص ٩١.

(٢) القاموس ج ٤ ص ١٧٣.

(٣) الصحاح ج ٥ ص ٢٠٧٦.

٤٨

وليلكم بأرواحكم ذهوب فأصبحتم تحكون من حالهم حالا وتحتذون من مسلكهم مثالا «فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا » فإنما أنتم فيها سفر حلول الموت بكم نزول تنتضل فيكم مناياه وتمضي بأخباركم مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء و

عن السير زمانا. قال الفيروزآبادي : فتر يفتر ويفتر فتورا أو فتارا : سكن بعد حدة ولأن بعد شدة وفترة تفتيرا(١) .

قوله عليه‌السلام: « نهاركم بأنفسكم دؤوب » قال الفيروزآبادي : يقال فلان دؤب في العمل إذا جد وتعب(٢) ، أي نهاركم يسرع ويجد ويتعب بسبب أنفسكم ليذهبها ، ويحتمل أن يكون الباء للتعدية أي نهاركم يتعبكم في أعمالكم وحركاتكم وذلك سبب لفناء أجسادكم.

قوله عليه‌السلام: « تحكون من حالهم حالا » أي أحوالكم تحكي وتخبر عن أحوالهم لموافقتها لها.

قوله عليه‌السلام: « وتحتذون من سلكهم مثالا » يقال : احتذى مثاله أي اقتدى به ، والسلك بالفتح مصدر بمعنى السلوك ، أي تقتدون بهم في سلوكهم ، وفي بعض النسخ [ مسلكهم ].

قوله عليه‌السلام: « سفر حلول » هما جمعان أي مسافرون ، حللتم بالدنيا.

قوله عليه‌السلام: « نزول » بفتح النون أي نازل.

قوله عليه‌السلام: « تنتضل فيكم مناياه » الانتضال. رمي السهام للسبق ،(٣) والمنايا جمع المنية وهو الموت ، ولعل الضمير راجع إلى الدنيا بتأويل الدهر أو بتشبيهها بالرجل الرامي ، أي ترمي إليكم المنايا في الدنيا سهامها ، فتهلككم ، والسهام الأمراض

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ١١٠.

(٢) القاموس ج ١ ص ٦٦.

(٣) النهاية ج ٥ ص ٨٢.

٤٩

الحساب.

فرحم الله امرأ راقب ربه وتنكب ذنبه.

والبلايا الموجبة للموت ، ويحتمل أن يكون فاعل تنتضل الضمير الراجع إلى الدنيا ، ويكون المرمي المنايا ، والأول أظهر ، ويمكن إرجاع ضمير مناياه إلى الموت ، بأن يكون المراد بالمنايا البلايا التي هي أسباب الموت ، أطلق عليها مجازا تسمية للسبب باسم المسبب وفي نهج البلاغة(١) في كلام له عليه‌السلام : « إنما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ».

قوله عليه‌السلام: « وتمضي بأخباركم مطاياه » والأخبار الأعمال يمكن توجيهه بوجوه.

الأول : أن يكون المراد بالمطايا : الأشخاص التي ماتوا قبلهم ، ومضيهم بأخبار هؤلاء ، لأنهم إن أحسنوا إليهم أو أساءوا إليهم يذكرون عند محاسبة هؤلاء الموتى ومجازاتهم ، إما بالخير أو بالشر.

والثاني : أن يكون المراد بالمطايا : عين تلك الأشخاص ، أي أنتم مطايا الدنيا قد حملت عليكم أعمالكم وتسيركم إلى دار الثواب.

والثالث : أن يكون المراد بالمطايا حفظة الأعمال ، ونسبتهم إلى الدنيا لكون أعمالهم فيها وحفظهم لإعمال أهلها.

الرابع : أن يكون المراد بالمطايا : الأعمار ، أي تمضي بكم مطاياه مع أعمالكم ،قوله عليه‌السلام: « راقب ربه » مراقبة الشيء محافظته وانتظاره وحراسته ، أي يكون دائما في ذكره منتظرا لرحمته ، محترزا عن عذابه ، متذكرا لأنه يطلع عليه دائما.

قوله عليه‌السلام: « وتنكب ذنبه » أي تجنبه.

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٢٠٢ « المختار من الخطب ١٤٥ ».

٥٠

وكابر هواه وكذب مناه امرأ زم نفسه من التقوى بزمام وألجمها من خشية ربها بلجام فقادها إلى الطاعة بزمامها وقدعها عن المعصية بلجامها رافعا إلى المعاد طرفه متوقعا في كل أوان حتفه دائم الفكر طويل السهر عزوفا عن الدنيا سأما كدوحا لآخرته متحافظا

قوله عليه‌السلام« وكابر هواه » أي غالبها وخالفها ، وفي بعض النسخ [ كابد ] بالدال المهملة ، يقال : كابدت الأمر إذا قاسيت شدته ، أي يقاسي الشدائد في ترك هواه.

قوله عليه‌السلام: « وكذب مناه » أي لم يعتمد على ما يمنية نفسه ، والشيطان من طول الأمل ودرك الآمال البعيدة ورجاء الأمور الدنيوية الباطلة ومنافعها.

قوله عليه‌السلام: « امرءا » بدل من قوله : امرءا أولا.

قوله عليه‌السلام: « وقدعها » قال الجوهري : قدعت فرسي أقدعه قدعا : كبحته وكففته(١) .

قوله عليه‌السلام: « طرفه » أي عينه.

قوله عليه‌السلام: « حتفه » أي موته.

قوله عليه‌السلام« عزوفا عن الدنيا » قال الجزري : عزفت نفسي عنه : زهدت فيه ، وانصرفت عنه(٢) .

قوله عليه‌السلام: « ساما » أي عن الدنيا ، وهو من تتمة الفقرة السابقة.

قوله عليه‌السلام: « كدوحا » الكدح : السعي والاهتمام في العمل.

قوله عليه‌السلام: « متحافظا » أي عن المحارم.

__________________

(١) الصحاح ج ٣ ص ١٢٧٠.

(٢) النهاية ج ٣ ص ٢٣٠.

٥١

امرأ جعل الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته ودواء أجوائه فاعتبر وقاس وترك الدنيا والناس يتعلم للتفقه والسداد وقد وقر قلبه ذكر المعاد وطوى مهاده وهجر وساده منتصبا على أطرافه داخلا في أعطافه خاشعا لله عز وجل يراوح بين الوجه والكفين خشوع في السر لربه لدمعه صبيب ولقلبه وجيب شديدة أسباله

قوله عليه‌السلام: « ودواء أجوائه » قال الجوهري : الجوى : الحرقة من شدة الوجد من عشق أو حزن(١) .

قوله عليه‌السلام: « فاعتبر » أي بمن مضى« وقاس » أحواله بأحوالهم.

قوله عليه‌السلام: « وقد وقر قلبه ذكر المعاد » أي حمل على قلبه ذكر المعاد فأكثر ، من قولهم : أوقر على الدابة ، أي حمل عليه حملا ثقيلا ، ويحتمل بعيدا أن يكون من الوقار ، ويكون ذكر المعاد فاعلا للتوقير أي جعل ذكر المعاد قلبه ذا وقار لا يتبع الشهوات والأهواء.

قوله عليه‌السلام: « على أطرافه » أي أقدامه.

قوله عليه‌السلام: « وطوى مهاده » المهاد : الفراش ، وطيه كناية عن مجانبة النوم وكذا هجر الوساد.

قوله عليه‌السلام: « في أعطافه » جمع عطاف وهو الرداء.

قوله عليه‌السلام: « يراوح بين الوجه والكفين » أي يضع جبهته تارة للسجود ، ويرفع يديه تارة في الدعاء ، ففي إعمال كل منهما راحة للأخرى.

قوله عليه‌السلام: « لدمعه صبيب » أي هو صاب كثير الصب لدمعه ، ويحتمل المصدر فيكون أوفق بما بعده إن ورد بهذا الوزن في هذا الباب.

قوله عليه‌السلام: « ولقلبه وجيب » أي اضطراب.

قوله عليه‌السلام: « شديدة أسباله » قال الجوهري : السبل بالتحريك : المطر

__________________

(١) الصحاح ج ٦ ص ٢٣٠٦.

٥٢

ترتعد من خوف الله عز وجل أوصاله قد عظمت فيما عند الله رغبته واشتدت منه رهبته راضيا بالكفاف من أمره يظهر دون ما يكتم ويكتفي بأقل مما يعلم أولئك ودائع الله في بلاده المدفوع بهم عن عباده لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لأبره أو دعا على أحد نصره الله يسمع إذا ناجاه ويستجيب له إذا دعاه جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لأهلها مأوى دعاؤهم فيها أحسن الدعاء سبحانك اللهم دعاهم المولى على ما

وأسبل المطر والدمع إذا هطل(١) انتهى ، فيحتمل فتح الهمزة ليكون جمعا ، وكسرها ليكون مصدرا ، وتأنيث الخبر يؤيد الأول.

قوله عليه‌السلام: « أوصاله » أي مفاصله.

قوله عليه‌السلام: « من أمره » أي أمر معاشه.

قوله عليه‌السلام: « يظهر دون ما يكتم » أي يظهر للناس من كمالاته وعباداته ونياته أقل مما يكتم ، ويحتمل أن يكون المراد ما يطلع عليه من عيوب الناس.

قوله عليه‌السلام: « ويكتفي بأقل مما يعلم » أي يكتفي من إظهار أعماله وأحواله بأقل مما يعلم ، أو يكتفي في النية بأمور المبدأ والمعاد وما يحثه على العمل بأقل مما يعلم منها ، والغرض أنه يتعظ بكل واعظ ، وينزجر بكل زاجر أو يكتفي من أمور الدنيا بأقل شيء لما يعلم من مفاسدها ، وفوت نعيم الآخرة بها.

قوله عليه‌السلام: « ودائع الله » أي أودعهم الله خلقه ليحفظوهم ، ويكرموهم ولا يضيعوهم.

قوله عليه‌السلام: « لأهلها » أي لأهل التقوى.

قوله عليه‌السلام: « دعاؤهم فيها أحسن الدعاء » أي إذا أرادوا طلب شيء طلبوه بأحسن طلب بأن يقولوا « سبحانك اللهم ».

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ١٨٣٣.

٥٣

آتاهم «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

١٩٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن النعمان أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه ذكر هذه الخطبة ـ لأمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمعة الحمد لله أهل الحمد ووليه ومنتهى الحمد ومحله البديء البديع الأجل

قوله عليه‌السلام: « دعاهم مولاهم » (١) قطع عن سابقه على الاستئناف ، كأنه يسأل سائل لم يطلبون هكذا؟ فأجاب بأنه لما دعاهم مولاهم إلى نعم الجنة فلا يكلفهم طلبهم أزيد من أن ينزهوه ويسبحوه ، أو هذا النداء جواب لدعوة ربهم ، وإجابة لها ، وقد مر تفسير جزئي الآية في خبر وصف الجنة.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

الحديث الرابع والتسعون والمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « ووليه » أي الأولى به من كل أحد ، إذ هو تعالى مولى جميع النعم ، والموصوف بجميع الكمالات الحقيقية ، وكل نعمة وإحسان وكمال لغيره فهو راجع إليه ومأخوذ منه تعالى : أو المتوالي للحمد ، أي هو الموفق لحمد كل من يحمده.

قوله عليه‌السلام: « ومنتهى الحمد » أي الحامدية أو المحمودية تنتهي إليه كما أشرنا إليهما.

قوله عليه‌السلام: « البديء » أي الأول كما ذكره الجوهري. ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى مفعل كالبديع أي مبدع الأشياء ومنشؤها.

__________________

(١) في المتن « دعاؤهم المولى على ما آتاهم » وفي بعض النسخ [ دعاهم المولى على ما آتاهم ].

٥٤

الأعظم الأعز الأكرم المتوحد بالكبرياء والمتفرد بالآلاء القاهر بعزه والمسلط بقهره الممتنع بقوته المهيمن بقدرته والمتعالي فوق كل شيء بجبروته المحمود

قوله عليه‌السلام: « البديع » قال الجزري : هو الخالق المخترع لا عن مثال سابق فعيل بمعنى مفعل يقال : أبدع فهو مبدع(١) انتهى. وقيل : هو الذي لم يعهد مثله ولا نظير له.

قوله عليه‌السلام: « الأجل » أي من أن يبلغ إلى كنه ذاته« الأعظم » من أن يدرك أحد كنه صفاته« الأعز » من أن يغلبه شيء« الأكرم » من أن تحصى نعمة وآلاؤه ويحتمل أن يكون مشتقا من الكرم بمعنى الشرف والمنزلة ، أي أكرم من كل ذي كرامة.

قوله عليه‌السلام: « المتوحد بالكبرياء » أي لا يشركه أحد في الكبرياء والعظمة.

قوله عليه‌السلام: « والمتفرد بالآلاء » أي لم يشركه أحد في النعم ، هو المنعم حقيقة.

قوله عليه‌السلام: « القاهر بعزة » أي لا موجود إلا وهو مقهور تحت قدرته ، مسخر لقضائه ، عاجز في قبضته ، أو أذل الجبابرة وقصم ظهورهم بالإهلاك والتعذيب ، أو قهر العدم فأوجد الأشياء ، وقهر الوجود فأخرجها إلى العدم ، والأول أولى لعمومه وشموله.

قوله عليه‌السلام: « الممتنع » أي يمتنع من أن يصل إليه سوء أو يغلب عليه أحد.

قوله عليه‌السلام: « المهيمن » قال الجزري : قيل : هو الرقيب ، وقيل : الشاهد ، وقيل المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وقيل : أصله مؤيمن فأبدلت الهاء من الهمزة وهو مفيعل من الأمانة(٢) .

قوله عليه‌السلام: « المتعالي » مبالغة في العلو.

__________________

(١) النهاية ج ١ ص ١٠٦.

(٢) النهاية ج ٥ ص ٢٧٥.

٥٥

بامتنانه وبإحسانه المتفضل بعطائه وجزيل فوائده الموسع برزقه المسبغ بنعمه ـ نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه وكبريائه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي كان في أوليته متقادما وفي ديموميته متسيطرا ـ خضع الخلائق لوحدانيته وربوبيته وقديم أزليته ودانوا لدوام أبديته وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله وخيرته من خلقه اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه

قوله عليه‌السلام: « المسبغ بنعمته » الإسباغ الإكمال ، ولعل الباء زائدة ، أو المراد المسبغ حجته بنعمته.

قوله عليه‌السلام: « وتظاهر نعمائه » أي تتابعها.

قوله عليه‌السلام: « متقادما » أي على جميع الأشياء ، وليست أوليته بأولية إضافية.

قوله عليه‌السلام: « متسيطرا » قال الفيروزآبادي : المسيطر الرقيب الحافظ ، والمتسلط كالمسطر.(١) أي هو في دوامه مسلط على جميع خلقه ، أو حافظ رقيب كان عالما بهم وبأفعالهم قبل خلقهم ، وهو مطلع عليهم بعده.

قوله عليه‌السلام« ودانوا » أي أقروا وأذعنوا بدوام أبديته ، أو أطاعوا وخضعوا وذلوا له لكونه دائم الأبدية ولا مناص لهم عن حكمه ، يقال : دان أي ذل ، وخضع ، وعبد وأطاع ، وأقر واعتقد ، والكل مناسب كما عرفت.

قوله عليه‌السلام: « اختاره بعلمه » أي بأن أعطاه علمه أو بسبب كونه عالما بأنه يستحق ذلك.

__________________

(١) القاموس ج ٢ ص ٤٩.

٥٦

وائتمنه على سره وارتضاه لخلقه وانتدبه لعظيم أمره ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله ومفتاح وحيه وسببا لباب رحمته ابتعثه على حين «فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ » وهدأة من العلم واختلاف من الملل وضلال عن الحق وجهالة بالرب وكفر بالبعث والوعد أرسله إلى الناس أجمعين «رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » بكتاب كريم قد فضله وفصله وبينه وأوضحه وأعزه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا «لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ » ويكون بلاغا «لِقَوْمٍ عابِدِينَ »

قوله عليه‌السلام: « وانتدبه » أي دعاه لأمره العظيم وهو الرسالة ، ولأن يضيء به معالم دينه ، أي أحكامه التي بها يعلم شرائع الدين.

قوله عليه‌السلام: « ومناهج سبيله » المنهج : السبيل الواضح أي سبله الواضحة.

قوله عليه‌السلام: « ومفتاح وحيه » يمكن تقدير فعل أي جعله مثلا ، ويحتمل عطفه على قوله لخلقه ، ولعله سقط منه شيء.

قوله عليه‌السلام: « على حين فترة » الفترة ما بين الرسولين.

قوله عليه‌السلام: « وهدأة » هي بفتح الهاء وسكون الدال : السكون عن الحركات.

قوله عليه‌السلام: « مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ » أي لا يتطرق إليه الباطل من جهة من الجهات ، أو مما فيه من الأخبار الماضية ، والأمور الآتية «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ » لا يفعل إلا ما هو على وفق الحكم والمصالح ، «حَمِيدٍ » يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمه ، أو مستحق للحمد من كل أحد.

قوله عليه‌السلام: « وصرف فيه الآيات » أي تنبيها.

قوله عليه‌السلام: « عُذْراً أَوْ نُذْراً » هما مصدران لعذر إذا محي الإساءة وأنذر إذا خوف أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر ونصبهما على

٥٧

فبلغ رسالته وجاهد في سبيله وعبده حتى أتاه اليقين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسليما كثيرا.

أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الذي ابتدأ الأمور بعلمه وإليه يصير غدا ميعادها وبيده فناؤها وفناؤكم وتصرم أيامكم وفناء آجالكم وانقطاع مدتكم فكأن قد زالت عن قليل عنا وعنكم كما زالت عمن كان قبلكم ـ فاجعلوا عباد الله اجتهادكم في هذه الدنيا التزود من يومها القصير ليوم الآخرة الطويل ـ فإنها دار عمل والآخرة دار القرار والجزاء فتجافوا عنها فإن المغتر من اغتر بها لن تعدو الدنيا إذا تناهت إليها أمنية أهل الرغبة فيها المحبين لها المطمئنين إليها المفتونين بها أن تكون كما قال الله عز وجل : «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا

الأولين بالعلية أي عذرا للمحقين ، ونذرا للمبطلين ، وعلى الثالث بالحالية ، ويمكن قراءتهما بضم الذالين وسكونهما كما قرئ بهما في الآية.

قوله عليه‌السلام: « ويكون بلاغا » أي كفاية أو سبب بلوغ إلى البغية ، وهو إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ »(١) .

قوله عليه‌السلام: « حتى أتاه اليقين » أي الموت فإنه متيقن لحوقه لكل حي مخلوق.

قوله عليه‌السلام: « بدء الأمور » أي أولها.

قوله عليه‌السلام: « وتصرم أيامها » قال الجوهري : التصرم : التقطع.

قوله عليه‌السلام: « عن قليل » كلمة « عن » هنا بمعنى بعد ، أي بعد زمان قليل.

قوله عليه‌السلام: « فتجافوا عنها » أي اتركوها وأبعدوا عنها.

قوله عليه‌السلام: « لن تعدوا الدنيا » أي لا تتجاوز إذا انتهت إليها أو بلغت النهاية فيها أمنية أهلها عن تلك الحالة وهي « أن تكون كما قال الله تعالى» فقوله : « أن تكون » مفعول لقوله « لن تعدو » وقال الجوهري : عداه يعدوه : أي جاوزه ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١٠٦.

٥٨

يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ »(١) الآية مع أنه لم يصب امرؤ منكم في هذه الدنيا حبرة إلا أورثته عبرة ولا يصبح فيها في جناح آمن إلا وهو يخاف فيها نزول جائحة أو تغير نعمة أو زوال عافية مع أن الموت من وراء ذلك وهول المطلع والوقوف بين يدي الحكم العدل تجزى كل نفس بما عملت «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى »(٢) فاتقوا الله عز ذكره وسارعوا إلى رضوان الله والعمل بطاعته والتقرب إليه بكل ما فيه الرضا فإنه «قَرِيبٌ مُجِيبٌ » جعلنا الله وإياكم ممن يعمل بمحابه ويجتنب سخطه ـ

وقد مر تفسير الآية بتمامها في الخبر التاسع والعشرين.

قوله عليه‌السلام: « حبرة » الحبرة بالفتح النعمة وسعة العيش(٣) ، والعبرة بالفتح :

الدمعة قبل أن تفيض ، أو الحزن بلا بكاء(٤) ، ذكرهما الفيروزآبادي.

قوله : « نزول جائحة » قال الجوهري : الجائحة : الشدة التي تحتاج المال من سنة أو فتنة.

قوله عليه‌السلام: « وهول المطلع » قال الجزري : يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من أمر الآخرة عقيب الموت ، فشبهه بالمطلع الذي يشرف عليه من موضع عال.(٥) قوله : « لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا » تعليل للوقوف أي يوقفهم للحساب ليجزي المسيئين بعقاب ما عملوا أو بمثله ، أو بسبب ما عملوا من السوء ، ويجزي المحسنين بالحسنى أي بالمثوبة الحسنى وهي الجنة ، أو بأحسن من أعمالهم ، أو بسبب الأعمال الحسنى ، وأوسط التقادير أظهر ، لدلالته على جزاء السيئة بالمثل ،

__________________

(١) سورة يونس : ٢٤.

(٢) سورة النجم : ٣١.

(٣) القاموس : ج ٢ ص ٢.

(٤) نفس المصدر : ج ٢ ص ٨٦.

(٥) النهاية : ج ٣ ص ١٣٣.

٥٩

ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكر كتاب الله جل وعز قال الله عز وجل : «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »(١) .

أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ »(٢) «إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(٣) اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وتحنن على محمد وآل محمد وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم أعط محمدا الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة اللهم اجعل محمدا وآل محمد أعظم الخلائق كلهم شرفا يوم القيامة وأقربهم منك مقعدا وأوجههم عندك يوم القيامة جاها وأفضلهم عندك منزلة ونصيبا اللهم أعط

والحسنة بأضعافها.

قوله عليه‌السلام: « أستعيذ » هذه إحدى صور الاستعاذة المنقولة في أخبارنا ، وفي بعضها بإضافة إن الله هو السميع العليم ، وفي بعضها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو الفتاح العليم ، وفي بعضها أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وفي بعضها بإضافة وأعوذ بالله أن يحضرون ، وفي بعضها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما هو الأشهر بين القراء ، والأظهر جواز الكل.

ثم اعلم أن ذكر الآية في هذا المقام يدل على عدم اختصاصها بقراءة الإمام ، كما ورد في بعض الأخبار ، فالآية بعمومها تدل على وجوب استماع كل قراءة ويؤيده أخبار أخر أيضا ، وقد تقدم الكلام فيه في شرح كتاب الصلاة(٤) .

قوله عليه‌السلام: « وتحنن » قال الجوهري : تحنن عليه : ترحم.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠٣.

(٢) سورة العصر : ١ ـ ٣.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٦.

(٤) لاحظ ج ١٥ ص ٢٦٤.

٦٠