مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول6%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 2940 / تحميل: 1728
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ٢٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

وولد له.

٥٣٣ ـ ابن محبوب ، عن أبي ولاد وغيره من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ »(١) فقال من عبد فيه غير الله عز وجل أو تولى فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم وعلى الله تبارك وتعالى أن يذيقه «مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ».

٥٣٤ ـ ابن محبوب ، عن أبي جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ »(٢) قال نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وحمزة وجعفر وجرت في الحسين عليهم‌السلام أجمعين.

٥٣٥ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن بريد الكناسي قال سألت أبا جعفر

الحديث الثالث والثلاثون والخمسمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام: « من عبد فيه غير الله » أي تلك الأشياء أشد أفرادها ، فلا ينافي ما ورد في بعض الأخبار أن ضرب الخادم من ذلك.

الحديث الرابع والثلاثون والخمسمائة : مجهول.

قوله تعالى : « مِنْ دِيارِهِمْ » قال البيضاوي : يعني مكة «بِغَيْرِ حَقٍ » بغير موجب استحقوا به «إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ » على طريقة قول النابغة :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

وقيل : منقطع(٣) .

الحديث الخامس والثلاثون والخمسمائة : مجهول على المشهور.

وكان الوالد قدس‌سره يعده صحيحا لظنه اتحاد يزيد الكناسي وأبي خالد القماط.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٢٥.

(٢) سورة الحجّ : ٤٠.

(٣) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٩٣.

٥٠١

عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا »(١) قال فقال إن لهذا تأويلا يقول ما ذا أجبتم في أوصيائكم الذين خلفتموهم على أممكم قال فيقولون لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا.

قوله تعالى : « فَيَقُولُ ما ذا » قال الطبرسي : أي ما الذي أجابكم قومكم فيما دعوتموهم إليه وهذا تقرير في صورة الاستفهام «قالُوا لا عِلْمَ لَنا » قيل :

فيه أقوال :

أحدها : أن للقيامة أهوالا حتى تزول القلوب من مواضعها ، فإذا رجعت القلوب إلى مواضعها شهدوا لمن صدقهم ، وعلى من كذبهم ، يريد أنهم غربت عنهم إفهامهم من هول يوم القيامة فقالوا «لا عِلْمَ لَنا » عن عطاء عن ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي والكلبي وهو اختيار الفراء.

وثانيها : إن المراد «لا عِلْمَ لَنا » كعلمك لأنك تعلم غيبهم وباطنهم ولسنا نعلم غيبهم وباطنهم وذلك هو الذي يقع عليه الجزاء عن الحسن في رواية أخرى واختاره الجبائي وأنكر القول الأول ، وقال : كيف يجوز ذهولهم من هول يوم القيامة مع قوله سبحانه : « إنه لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ » وقوله : «فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ».

وثالثها : إن معناه لا حقيقة لعلمنا إذ كنا نعلم جوابهم ، وما كان من أفعالهم وقت حياتنا ولا نعلم ما كان منهم بعد وفاتنا ، وإنما الثواب والجزاء يستحقان بما تقع به الخاتمة مما يموتون عن ابن الأنباري.

ورابعها : إن المراد لا علم لنا إلا ما علمتنا » حذف لدلالة الكلام عليه ، عن ابن عباس في رواية أخرى.

وخامسها : إن المراد به تحقيق فضيحتهم أي أنت أعلم بحالهم منا ، ولا يحتاج في ذلك إلى شهادتنا «إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ »(٢) . انتهى.

__________________

(١) سورة المائدة : ١٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٣ ص ٢٦٠.

٥٠٢

( حديث إسلام علي عليه‌السلام )

٥٣٦ ـ ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسين عليه‌السلام ابن كم كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم أسلم فقال أوكان كافرا قط إنما كان لعلي عليه‌السلام حيث بعث الله عز وجل رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر سنين ولم يكن يومئذ كافرا ولقد آمن بالله تبارك وتعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبق الناس كلهم إلى الإيمان بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الصلاة بثلاث سنين وكانت أول صلاة صلاها مع

أقول : لا يخفى أن ما ذكره عليه‌السلام مع قطع النظر عن صدوره عن منبع الوحي والتنزيل أظهر الوجوه وهو قريب من الوجه الثالث.

الحديث السادس والثلاثون والخمسمائة : مجهول.

قوله عليه‌السلام: « وسبق الناس كلهم إلى الإيمان » أقول : أجمعت علماء الشيعة على سبق إسلامه عليه‌السلام على جميع الصحابة ، وبه قال جماعة كثيرة من المخالفين ، وقد تواترت الروايات الدالة عليه من طرق العامة والخاصة ، وقد أوردنا في كتاب بحار الأنوار(١) الأخبار المستفيضة من كتبهم المعتبرة كتاريخ الطبري ، وأنساب الصحابة عنه ، والمعارف عن القتيبي ، وتاريخ يعقوب النسوي ، وعثمانية الجاحظ ، وتفسير الثعلبي وكتاب أبي زرعة الدمشقي ، وخصائص النطنزي ، وكتاب المعرفة لأبي يوسف النسوي وأربعين الخطيب ، وفردوس الديلمي ، وشرف النبي للخرگوشى ، وجامع الترمذي وإبانة العكبري ، وتاريخ الخطيب ، ومسند أحمد بن حنبل ، وكتاب الطبقات لمحمد ابن سعد ، وفضائل الصحابة للعكبري ، وأحمد بن حنبل ، وكتاب ابن مردويه الأصفهاني ، وكتاب المظفر السمعاني ، وأمالي سهل بن عبد الله المروزي ، وتاريخ بغداد ، والرسالة القوامية ، وسند الموصلي ، وتفسير قتادة ، وكتاب الشيرازي وغيرها مما يطول ذكرها ، رووا سبق إسلامه عليه‌السلام بطرق متعددة عن سلمان وأبي

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٢٠٢ ـ ٢٨٨.

٥٠٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر ركعتين وكذلك فرضها الله تبارك وتعالى على من أسلم بمكة ركعتين ركعتين وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصليها بمكة ركعتين ويصليها علي عليه‌السلام معه بمكة ركعتين مدة عشر سنين حتى هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة وخلف عليا عليه‌السلام في أمور لم يكن يقوم بها أحد غيره وكان خروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة في أول يوم من ربيع الأول وذلك يوم الخميس من سنة ثلاث عشرة من المبعث وقدم المدينة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول مع زوال الشمس فنزل بقبا فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين ثم لم يزل مقيما ينتظر عليا عليه‌السلام يصلي الخمس صلوات ركعتين

ذر ، والمقداد ، وعمار ، وزيد بن صوحان ، وحذيفة ، وأبي الهيثم ، وخزيمة وأبي أيوب والخدري وأبي رافع وأم سلمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك ، وأبي الطفيل ، وجبير بن مطعم ، وعمرو بن الحمق ، وحبة العرني وجابر الحضرمي ، والحارث الأعور ، وعباية الأسدي ، ومالك بن الحويرث ، وقثم ابن العباس ، وسعيد بن قيس ، ومالك الأشتر ، وهاشم بن عتبة ، ومحمد بن كعب ، وابن مجاز ، والشعبي ، والحسن البصري ، وأبي البختري ، والواقدي ، وعبد الرزاق ومعمر ، والسدي ، وغيرهم ، ونسبوا القول بذلك إلى ابن عباس ، وجابر بن عبد الله وأنس وزيد بن أرقم ، ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وغيرهم.

وقيل : إن أول من أسلم خديجة ، وقال بعض المعاندين من المخالفين : أول من أسلم أبو بكر ، وقال بعضهم : زيد بن حارثة.

واختلف في سنه عند ذلك قال الكلبي : كان عليه‌السلام ابن تسع سنين ، وقال مجاهد ومحمد بن إسحاق : كان ابن عشر سنين ، وقيل : كان ابن أربع عشر سنة ، وقيل : إحدى عشر ، وقيل : اثنتي عشر ، وقال ابن الأثير في الكامل : اختلف العلماء في أول من أسلم مع الاتفاق على أن خديجة أول خلق الله إسلاما ، فقال قوم : أول ذكر آمن علي ، روي عن علي عليه‌السلام أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الناس بسبع سنين وقال ابن عباس

٥٠٤

ركعتين وكان نازلا على عمرو بن عوف فأقام عندهم بضعة عشر يوما يقولون له أتقيم عندنا فنتخذ لك منزلا ومسجدا فيقول لا إني أنتظر علي بن أبي طالب وقد أمرته أن يلحقني ولست مستوطنا منزلا حتى يقدم علي وما أسرعه إن شاء الله فقدم علي عليه‌السلام والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت عمرو بن عوف فنزل معه ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قدم عليه علي عليه‌السلام تحول من قبا إلى بني سالم بن عوف وعلي عليه‌السلام معه يوم الجمعة مع طلوع الشمس فخط لهم مسجدا ونصب قبلته فصلى بهم فيه الجمعة ركعتين وخطب خطبتين ثم راح

أول من صلى علي عليه‌السلام وقال جابر بن عبد الله بعث : النبي يوم الاثنين ، وصلى علي عليه‌السلام يوم الثلاثاء وقال زيد بن أرقم : أول من أسلم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي عليه‌السلام وقال عفيف الكندي : كنت امرءا تاجرا فقدمت مكة أيام الحج ، فأتيت العباس فبينا نحن إذ خرج رجل فقام تجاه الكعبة يصلي ، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي معه ، ثم خرج غلام ، فقام يصلي معه ، فقلت يا عباس ما هذا الدين؟ قال : هذا محمد بن عبد الله ابن أخي زعم أن الله أرسله ، وأن كنوز قيصر وكسرى تفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة آمنت به ، وهذا علي ابن أخي أبي طالب آمن به وأيم الله ما أعلم على ظهر الأرض على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة ، قال عفيف : ليتني كنت رابعا.

وقال محمد بن المنذر وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأبو حازم المدني ، والكلبي : أول من أسلم علي عليه‌السلام قال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وقيل إحدى عشرة سنة وقال ابن إسحاق : أول من أسلم علي عليه‌السلام وعمره إحدى عشرة سنة ، وقيل أول من أسلم أبو بكر ، وقال : إبراهيم النخعي أول من أسلم زيد بن حارثة ، وقال ابن إسحاق أول ذكر أسلم بعد علي زيد بن حارثة ، ثم أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه انتهى ، ومن أراد الاطلاع على تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتابنا الكبير(١) .

قوله : « بضعة عشر يوما » البضع ما بين الثلاث إلى العشرة.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٣٨ ص ٢٠٢ ـ ٢٨٨.

٥٠٥

من يومه إلى المدينة على ناقته التي كان قدم عليها وعلي عليه‌السلام معه لا يفارقه يمشي بمشيه وليس يمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببطن من بطون الأنصار إلا قاموا إليه يسألونه أن ينزل عليهم فيقول لهم خلوا سبيل الناقة فإنها مأمورة فانطلقت به ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واضع لها زمامها حتى انتهت إلى الموضع الذي ترى وأشار بيده إلى باب مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يصلى عنده بالجنائز فوقفت عنده وبركت ووضعت جرانها على الأرض فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقبل أبو أيوب مبادرا حتى احتمل رحله فأدخله منزله ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام معه حتى بني له مسجده بنيت له مساكنه ومنزل علي عليه‌السلام فتحولا إلى منازلهما.

فقال سعيد بن المسيب ـ لعلي بن الحسين عليه‌السلام جعلت فداك كان أبو بكر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أقبل إلى المدينة فأين فارقه فقال إن أبا بكر لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قبا فنزل بهم ينتظر قدوم علي عليه‌السلام فقال له أبو بكر انهض بنا إلى المدينة فإن القوم قد فرحوا بقدومك وهم يستريثون إقبالك إليهم فانطلق بنا ولا تقم هاهنا تنتظر عليا فما أظنه يقدم عليك إلى شهر فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلا ما أسرعه ولست أريم حتى يقدم ابن عمي وأخي في الله عز وجل وأحب أهل بيتي إلي فقد وقاني بنفسه من المشركين قال فغضب عند ذلك أبو بكر واشمأز وداخله من ذلك حسد لعلي عليه‌السلام وكان ذلك أول عداوة بدت منه ـ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام وأول خلاف على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانطلق حتى دخل المدينة وتخلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقبا ينتظر عليا عليه‌السلام.

قال فقلت لعلي بن الحسين عليه‌السلام فمتى زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة من

قوله : « ووضعت جرانها » جران البعير ـ بالكسر ـ مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره.

قوله عليه‌السلام: « وهم يستريثون » يستبطئون.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « ولست أريم » أي لا أبرح ولا أزول.

٥٠٦

علي عليه‌السلام فقال بالمدينة بعد الهجرة بسنة وكان لها يومئذ تسع سنين قال علي بن الحسين عليه‌السلام ولم يولد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خديجة عليها‌السلام على فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها‌السلام وقد كانت خديجة ماتت قبل الهجرة بسنة ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة فلما فقدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفار قريش فشكا إلى جبرئيل عليه‌السلام ذلك فأوحى الله عز وجل إليه اخرج من «الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها » وهاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر وانصب للمشركين حربا فعند ذلك توجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة فقلت له فمتى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم فقال بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد وزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة سبع ركعات في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الآخرة ركعتين وأقر الفجر على ما فرضت لتعجيل نزول ملائكة النهار من السماء ولتعجيل عروج ملائكة

قوله عليه‌السلام: « على فطرة الإسلام » أي بعد بعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله

قوله عليه‌السلام: « لتعجيل عروج ملائكة الليل » أقول : تعليل قصر الصلاة بتعجيل عروج ملائكة الليل ، ظاهر وأما تعليله بتعجيل نزول ملائكة النهار ، فيمكن أن يوجه بوجوه :

الأول : أن يقال : إن صلاة الصبح إذا كانت قصيرة يعجلون في النزول ليدركوه بخلاف ما إذا كانت طويلة ، لإمكان تأخيرهم النزول إلى الركعة الثالثة أو الرابعة.

وفيه : إن هذا إنما يستقيم لو لم يكن شهودهم واجبا من أول الصلاة ، وهو ظاهر الخبر.

الثاني : أن يقال : اقتضت الحكمة عدم اجتماع ملائكة الليل والنهار كثيرا في الأرض فيكون تعجيل عروج ملائكة الليل أمرا مطلوبا في نفسه ، ومعللا أيضا بتعجيل نزول ملائكة النهار.

الثالث : أن يكون شهود ملائكة النهار لصلاة الفجر في الهواء ، ويكون المراد

٥٠٧

الليل إلى السماء وكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الفجر فلذلك قال الله عز وجل : «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً »(١) يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل.

٥٣٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن

بنزولهم نزولهم إلى الأرض فلا ينزلون إلا مع عروج ملائكة الليل.

الرابع : ما ذكره بعض مشايخنا دام ظله من أن معناه أنه لما كانت ملائكة النهار تنزل بالتعجيل لأجل فعل ما هي مأمورة به في الأرض من كتابة الأعمال وغيرها وكان مما يتعلق بها أول النهار ناسب ذلك تخفيف الصلاة ليشتغلوا بما أمروا به ، كما أن ملائكة الليل تتعجل العروج ، أما لمثل ما ذكر من كونها تتعلق بها أمور بحيث يكون من أول الليل كعبادة ونحوها بل لو لم يكن إلا أمرها بالعروج إذا انقضت مدة عملها لكفى فتعجيل النزول للغرض المذكور علة له ، مع تحصيلهم جميعا الصلاة معه ولا يضر كون التعجيل في الأول علة العلة. انتهى.

ثم اعلم أنه ورد في الفقيه(٢) والعلل هكذا «(٣) واقرء الفجر على ما فرضت بمكة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ، ولتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض فكانت ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون ».

فعلى هذا يزيد احتمال خامس ، وهو أن يكون قصر الصلاة معللا بتعجيل العروج فقط ، وأما تعجيل النزول فيكون علة لما بعده ، أعني شهود ملائكة الليل والنهار جميعا.

فإن قلت : مدخول الفاء لا يعمل فيما قبله.

قلت : قد ورد في القرآن كثيرا كقوله تعالى : «وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ».

الحديث السابع والثلاثون والخمسمائة : حسن.

__________________

(١) سورة الإسراء : ٧٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٢٩١.

(٣) علل الشرائع : ص ٣٢٤.

٥٠٨

أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما أيسر ما رضي به الناس عنكم كفوا ألسنتكم عنهم.

٥٣٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال كان أبو جعفر عليه‌السلام في المسجد الحرام فذكر بني أمية ودولتهم فقال له بعض أصحابه إنما نرجو أن تكون صاحبهم وأن يظهر الله عز وجل هذا الأمر على يديك فقال ما أنا بصاحبهم ولا يسرني أن أكون صاحبهم إن أصحابهم أولاد الزنا إن الله تبارك وتعالى لم يخلق منذ خلق السماوات والأرض سنين ولا أياما أقصر من سنينهم وأيامهم إن الله عز وجل يأمر الملك الذي في يده الفلك فيطويه طيا.

٥٣٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ولد المرداس من تقرب منهم أكفروه ومن تباعد منهم أفقروه ـ ومن ناواهم قتلوه ومن تحصن منهم أنزلوه ومن هرب منهم أدركوه حتى تنقضي دولتهم.

٥٤٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وأحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن عمرو بن

قوله عليه‌السلام: « ما رضي به الناس عنكم » يفسره ما ذكره بعده.

الحديث الثامن والثلاثون والخمسمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « إن أصحابهم » أي من يستأصلهم ويقتلهم أولاد الزنا يعني بني العباس وأتباعهم.

قوله عليه‌السلام: « من سنينهم » أي بني أمية ، ويحتمل بني العباس ، وأما أمر الفلك فقد سبق الكلام في مثله.

الحديث التاسع والثلاثون والخمسمائة : حسن.

قوله عليه‌السلام: « ولد المرداس » كناية عن ولد العباس ، ولعل الوجه فيه أن عباس بن مرداس السلمي صحابي شاعر ، فالمراد ولد سمي ابن المرداس.

الحديث الأربعون والخمسمائة : مجهول.

٥٠٩

أيمن جميعا ، عن محسن بن أحمد بن معاذ ، عن أبان بن عثمان ، عن بشير النبال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا إذ جاءته امرأة فرحب بها وأخذ بيدها وأقعدها ثم قال ابنة نبي ضيعه قومه ـ خالد بن سنان دعاهم فأبوا أن يؤمنوا وكانت نار يقال لها نار الحدثان ـ تأتيهم كل سنة فتأكل بعضهم وكانت تخرج في وقت معلوم فقال لهم إن رددتها عنكم تؤمنون قالوا نعم قال فجاءت فاستقبلها بثوبه فردها ثم تبعها حتى دخلت كهفها ودخل معها وجلسوا على باب الكهف وهم يرون ألا يخرج أبدا فخرج وهو يقول هذا هذا وكل هذا من ذا زعمت بنو عبس أني لا أخرج وجبيني يندى ثم قال تؤمنون بي قالوا لا قال فإني ميت يوم كذا وكذا فإذا أنا مت فادفنوني فإنها ستجيء عانة من حمر يقدمها عير أبتر حتى

قوله عليه‌السلام: « خالد بن سنان » ذكروا أنه كان في الفترة ، واختلفوا في ثبوته وهذا الخبر يدل على أنه كان نبيا ، وذكر ابن الأثير وغيره هذه القصة نحوا مما في الخبر.

قوله عليه‌السلام: « نار الحدثان » قال السيوطي في شرح شواهد المغني ناقلا عن العسكري في ذكر أقسام النار : نار الحرتين كانت في بلاد عبس تخرج من الأرض فتؤذى من مر بها ، وهي التي دفنها خالد بن سنان النبي عليه‌السلام ، قال خليد :

كنار الحرتين لها زفير

تصم مسامع الرجل السميع

انتهى.

أقول : لعل الحدثان تصحيف الحرتين.

قوله : « هذا » شأني وإعجازي« وكل هذا من ذا » أي من الله تعالى ، وعبس بالفتح وسكون الباء أبو قبيلة من قيس.

قوله : « وجبيني يندي » كيرضي أي يبتل من العرق.

قوله : « عانة » العانة القطيع من حمر الوحش« والعير » بالفتح الحمار الوحشي

٥١٠

يقف على قبري فانبشوني وسلوني عما شئتم فلما مات دفنوه وكان ذلك اليوم إذ جاءت العانة اجتمعوا وجاءوا يريدون نبشه فقالوا ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد موته ولئن نبشتموه ليكونن سبة عليكم فاتركوه فتركوه.

٥٤١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن سليم بن قيس الهلالي قال سمعت سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه يقول لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصنع الناس ما صنعوا وخاصم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح الأنصار فخصموهم بحجة علي عليه‌السلام قالوا يا معشر الأنصار قريش أحق بالأمر منكم لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قريش والمهاجرين منهم إن الله تعالى بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأئمة من قريش قال سلمان رضي‌الله‌عنه فأتيت عليا عليه‌السلام وهو يغسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما صنع الناس وقلت إن أبا بكر

وقد يطلق على الأهلي أيضا« والأبتر » المقطوع الذنب.

وقال الجوهري : يقال : هذا الأمر صارسبة عليه بالضم ـ أي عارا يسب به(١) انتهى.

أي هذا عار عليكم أن تحبوه ، ولا تؤمنوا به ، أو هو يسبكم بترك الإيمان والكفر ، أو يكون هذا النبش عارا لكم عند العرب ، فيقولون نبشوا قبر بينهم.

ويؤيده ما ذكره ابن الأثير قال : فأرادوا نبشه فكره ذلك بعضهم ، قالوا :

نخاف إن نبشناه أن يسبنا العرب ، بأنا نبشنا نبيا لنا فتركوه(٢) .

الحديث الحادي والأربعون والخمسمائة : مختلف فيه.

قوله : « فخصموهم بحجة علي عليه‌السلام» أي غلب هؤلاء الثلاثة على الأنصار في المخاصمة بحجة هي تدل على كون الأمر لعلي عليه‌السلام دونهم ، لأنهم احتجوا عليهم

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ١٤٥.

(٢) الكامل في التاريخ : ج ١ ص ١٣١.

٥١١

الساعة على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والله ما يرضى أن يبايعوه بيد واحدة إنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله فقال لي يا سلمان هل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لا أدري إلا أني رأيت في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه بشير بن سعد وأبو عبيدة بن الجراح ثم عمر ثم سالم قال لست أسألك عن هذا ولكن تدري أول من بايعه حين صعد على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لا ولكني رأيت شيخا كبيرا متوكئا على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير صعد

بقرابة الرسول ، وأمير المؤمنين كان أقرب منهم أجمعين ، وقد احتج عليه‌السلام عليهم بذلك في مواطن.

منها ما ذكره الطبرسي في الاحتجاج أن أمير المؤمنين لما أحضر لبيعة أبي بكر قالوا له : بايع أبا بكر ، فقال علي عليه‌السلام : أنا أحق بهذا الأمر منه ، وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله وأخذتموها منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم بمكانكم من رسول الله ، فأعطوكم المقادة ، وسلموا لكم الإمارة ، وأنا احتججت عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، أنا أولى برسول الله حيا وميتا ، وأنا وصيه ووزيره ، ومستودع سره وعلمه ، وأنا الصديق الأكبر وأنا أول من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين ، وأعرفكم بالكتاب والسنة ، وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور ، وأذربكم وأثبتكم جنانا ، فعلى ما تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم ، وأعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفته الأنصار لكم ، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون(١) الخبر.

قوله : « ما يرضى أن يبايعوه » في الاحتجاج « ما يرضى الناس أن يبايعوه »قوله « سجادة » قال المطرزي : السجادة : أثر السجود في الجبهة(٢) ، انتهى ،

__________________

(١) الإحتجاج : ج ١ ص ٧٣.

(٢) المصباح : ج ٢ ص ٣٠٣.

٥١٢

إليه أول من صعد وهو يبكي ويقول الحمد لله الذي لم يمتني من الدنيا حتى رأيتك في هذا المكان ابسط يدك فبسط يده فبايعه ثم نزل فخرج من المسجد فقال علي عليه‌السلام هل تدري من هو قلت لا ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ذاك إبليس لعنه الله أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إياي للناس بغدير خم بأمر الله عز وجل فأخبرهم أني أولى بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه فقالوا إن هذه أمة مرحومة ومعصومة وما لك ولا لنا عليهم سبيل قد أعلموا إمامهم ومفزعهم بعد نبيهم فانطلق إبليس لعنه الله كئيبا حزينا وأخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه لو قبض أن الناس يبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد ما يختصمون ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس لعنه الله في صورة رجل شيخ مشمر يقول كذا وكذا ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته فينخر ويكسع ويقول كلا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل فكيف رأيتم ما صنعت بهم حتى تركوا أمر الله عز وجل وطاعته وما أمرهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٥٤٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن سليمان ، عن عبد الله بن محمد اليماني ، عن مسمع بن الحجاج ، عن صباح الحذاء ، عن صباح المزني ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام ـ يوم الغدير صرخ إبليس في جنوده صرخة فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه فقالوا يا سيدهم ومولاهم ما ذا دهاك فما

والتشمير : الجد والاجتهاد في العبادة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « فينخر ويكسع » النخير : صوت الأنف ، وكسعه ـ كمنعه ـ :

ضرب دبره بيده ، أو بصدر قدمه ، وإنما كان يفعل ذلك نشاطا وفرجا ومخرجا [ وفرحا وفخرا ] وطربا.

الحديث الثاني والأربعون والخمسمائة : مجهول.

قوله : « فقالوا يا سيدهم » أي قالوا : يا سيدنا ويا مولانا ، وإنما غيره لئلا

٥١٣

سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه فقال لهم فعل هذا النبي فعلا إن تم لم يعص الله أبدا فقالوا يا سيدهم أنت كنت لآدم فلما قال المنافقون إنه ينطق عن الهوى وقال أحدهما لصاحبه أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون يعنون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صرخ إبليس صرخة بطرب فجمع أولياءه فقال أما علمتم أني كنت لآدم من قبل قالوا نعم قال آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول ـ فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقام الناس غير علي لبس إبليس تاج الملك ونصب منبرا وقعد في الوثبة وجمع خيله ورجله ثم قال لهم اطربوا لا يطاع الله حتى يقوم الإمام وتلا أبو جعفر عليه‌السلام : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ »(١) قال أبو جعفر عليه‌السلام كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه.

٥٤٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما كئيبا حزينا فقال له علي عليه‌السلام ما لي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا فقال وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري هذا يردون

يوهم انصرافه إليه عليه‌السلام ، وهذا شائع في كلام البلغاء في نقل أمر لا يرضى القائل لنفسه كما في قوله تعالى : «أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ »(٢) .

قوله : « ما ذا دهاك » يقال : دهاه إذا أصابته داهية.

قوله : « وقال أحدهما لصاحبه » يعني أبا بكر وعمر.

قوله : « وقعد في الوثبة » أي الوسادة وفي بعض النسخ [ الزينة ].

الحديث الثالث والأربعون والخمسمائة : ضعيف ، وبنو تيم قبيلة أبي بكر

__________________

(١) سورة سبأ : ٢٠.

(٢) سورة النور : ٧.

٥١٤

الناس عن الإسلام القهقرى فقلت يا رب في حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك.

٥٤٤ ـ جميل ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا أني أكره أن يقال إن محمدا استعان بقوم حتى إذا ظفر بعدوه قتلهم لضربت أعناق قوم كثير.

٥٤٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عبيد الله الدهقان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن ابن أبي نجران ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان المسيح عليه‌السلام يقول إن التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة وذلك أن الجارح أراد فساد المجروح والتارك لإشفائه لم يشأ صلاحه فإذا لم يشأ صلاحه فقد شاء فساده اضطرارا فكذلك لا تحدثوا بالحكمة غير أهلها فتجهلوا ولا تمنعوها أهلها فتأثموا وليكن أحدكم بمنزلة الطبيب المداوي إن رأى موضعا لدوائه وإلا أمسك.

٥٤٦ ـ سهل ، عن عبيد الله ، عن أحمد بن عمر قال دخلت على أبي الحسن الرضا

بني عدي قبيلة عمر ، وعثمان من بني أمية.

الحديث الرابع والأربعون والخمسمائة : ضعيف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله: « أعناق قوم كثير » أي المنافقين الذين تقدم ذكرهم.

الحديث الخامس والأربعون والخمسمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « لإشفائه » شفاء والشفاه بمعنى.

قوله عليه‌السلام: « اضطرارا » أي البتة أو بديهة.

قوله عليه‌السلام: « فتجهلوا » على بناء المجهول من التفعيل أي تنسبوا إلى الجهل أو على المعلوم من المجرد أي فتكونوا أو تصيروا جاهلين ، وفيه دلالة على جواز معالجة المرضى بل وجوبها كفاية ، وعلى وجوب هداية الضال ، وعلى جواز كتمان العلم عن غير أهله.

الحديث السادس والأربعون والخمسمائة : ضعيف.

٥١٥

عليه‌السلام أنا وحسين بن ثوير بن أبي فاختة فقلت له جعلت فداك إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغيير فادع الله عز وجل أن يرد ذلك إلينا فقال أي شيء تريدون تكونون ملوكا أيسرك أن تكون مثل طاهر وهرثمة وإنك على خلاف ما أنت عليه قلت لا والله ما يسرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه قال فقال فمن أيسر منكم فليشكر الله إن الله عز وجل يقول : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) وقال سبحانه وتعالى «اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ »(٢) وأحسنوا الظن بالله فإن أبا عبد الله عليه‌السلام كان يقول من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به ومن رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مئونته وتنعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام.

قال ثم قال ما فعل ابن قياما قال قلت والله إنه ليلقانا فيحسن اللقاء فقال وأي شيء يمنعه من ذلك ثم تلا هذه الآية : «لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ

قوله : « وغضارة » غضارة العيش : طيبه.

وطاهر وهرثمة كانا من أمراء المأمون.

قوله عليه‌السلام: « فليشكر الله » في بعض النسخ بصيغة الغيبة فهو خبر للموصول وفي بعضها بصيغة الخطاب ، فقوله عليه‌السلام: « فمن أيسر منكم؟ » استفهام إنكار ، أي ليس أحد أيسر وأغنى منكم من جهة الدين الذي أعطاكم الله ، ثم أمره بالشكر عليه.

قوله عليه‌السلام: « كان الله عند ظنه به » أي يعامل معه بحسب ظنه.

قوله عليه‌السلام: « ما فعل ابن قياما » هو الحسين بن قياما وكان واقفيا خبيثا.

قوله عليه‌السلام: « وأي شيء يمنعه من ذلك » أي يفعل هذا لينتفع منكم ولا يتضرر بكم ثم استشهد عليه‌السلام لحاله بما ذكره الله في شأن المنافقين.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

(٢) سورة سبأ : ١٢.

٥١٦

قُلُوبِهِمْ »(١) قال ثم قال تدري لأي شيء تحير ابن قياما قال قلت لا قال إنه تبع أبا الحسن عليه‌السلام فأتاه عن يمينه وعن شماله وهو يريد مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فالتفت إليه أبو الحسن عليه‌السلام فقال ما تريد حيرك الله قال ثم قال أرأيت لو رجع إليهم موسى فقالوا لو نصبته لنا فاتبعناه واقتصصنا أثره أهم كانوا أصوب قولا أو من قال : «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى »(٢) قال قلت لا بل

قال الشيخ الطبرسي (ره) أي لا يزال بناء المبنى الذي بنوه شكا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم وثباتا على النفاق ، وقيل : إن معناه حزازة في قلوبهم ، وقيل : حسرة في قلوبهم يترددون فيها «إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ » معناه إلا أن يموتوا ، والمراد بالآية أنهم لا ينزعون عن الخطيئات ولا يتوبون حتى يموتوا على نفاقهم وكفرهم فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان وأخذوا به من الكفر.

وقيل : معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم(٣) .

قوله عليه‌السلام: « إنه تبع أبا الحسن » أي الكاظم عليه‌السلام وإنما دعى عليه بالحيرة وأعرض عنه لما علم في قلبه من الشك والنفاق ، فاستجيب فيه دعاؤه عليه‌السلام.

قوله عليه‌السلام: « ورجع إليهم موسى » شبه عليه‌السلام قصة الواقفية بقصة من عبد العجل حيث ترك موسى عليه‌السلام هارون بينهم ، فلم يطيعوه وعبدوا العجل ، ولم يرجعوا بقوله عن ذلك وقالوا «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى » وكذا موسى بن جعفر عليه‌السلام خلف الرضا عليه‌السلام بينهم ، عند ذهابه إلى العراق ، ونص عليه فلما توفي عليه‌السلام تركوا وصيه ولم يطيعوه ، واختاروا الوقف عليه ، وقالوا «لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى » فإنه غاب ولم يمت ، ويحتمل أن يكون المراد بموسى الكاظم عليه‌السلام اقتباسا من الآية لكنه بعيد.

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٠.

(٢) سورة طه : ٩١.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ص ٧٣ ـ ٧٤.

٥١٧

من قال نصبته لنا فاتبعناه واقتصصنا أثره قال فقال من هاهنا أتي ابن قياما ومن قال بقوله.

قال ثم ذكر ابن السراج فقال إنه قد أقر بموت أبي الحسن عليه‌السلام وذلك أنه أوصى عند موته فقال كل ما خلفت من شيء حتى قميصي هذا الذي في عنقي لورثة أبي الحسن عليه‌السلام ولم يقل هو لأبي الحسن عليه‌السلام وهذا إقرار ولكن أي شيء ينفعه من ذلك ومما قال ثم أمسك.

٥٤٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حماد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال لقمان لابنه إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وأمورهم وأكثر التبسم في وجوههم وكن كريما على زادك وإذا دعوك فأجبهم وإذا استعانوا بك فأعنهم واغلبهم بثلاث بطول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو مال أو زاد وإذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرك وحكمتك في مشورته فإن من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله تبارك وتعالى رأيه ونزع عنه الأمانة

قوله عليه‌السلام: « من هيهنا أتى » على بناء المجهول أي هلك.

قوله : « ثم ذكر ابن السراج » هو أحمد بن أبي بشر من الواقفة.

قوله عليه‌السلام: « وهذا إقرار » أي بموت موسى بن جعفر عليه‌السلام حيث لم يقل أن المال له بل قال : لورثته.

قوله عليه‌السلام: « وأي شيء ينفعه » إما لعدم إقراره بإمامة الرضا عليه‌السلام أو لإضلاله كثيرا من الناس.

الحديث السابع والأربعون والخمسمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « وأمورهم » أي إذا استشارك أحد منهم أو عرض له أمر وأنت تعلم فاستشر في أمره غيرك ، ثم أعلمه ذلك.

٥١٨

وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم واسمع لمن هو أكبر منك سنا وإذا أمروك بأمر وسألوك فقل نعم ولا تقل لا فإن لا عي ولؤم وإذا تحيرتم في طريقكم فانزلوا وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه فإن الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله أن يكون عينا للصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه والشاهد يرى ما لا يرى الغائب يا بني وإذا جاء وقت صلاة فلا تؤخرها لشيء وصلها واسترح منها فإنها دين وصل في جماعة ولو على رأس زج ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها وليس ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك وإذا أردت النزول فعليك من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا و ـ إذا نزلت فصل ركعتين قبل أن تجلس وإذا أردت قضاء حاجة فأبعد المذهب في الأرض وإذا ارتحلت فصل ركعتين وودع الأرض التي

وقال الوالد العلامة : يحملهم على المشاورة أو بالفكر لو استشارك ، أو المراد الاستخارة ، فإنها استشارة من الله ، وقد وردت بهذا اللفظ في الأخبار.

قوله عليه‌السلام: « وإذا تحيرتم في طريقكم » أي لم يظهر لكم الطريق ، والمراد بالثاني ما إذا عرض لهم طريقان لم يعلموا أيهما المقصود.

قوله عليه‌السلام: « ولو على رأس زج » الزج ـ بالضم ـ الحديدة في أسفل الرمح ونصل السهم ، والدبر : قرحة الدابة في ظهرها.

قوله عليه‌السلام: « فأبعد المذهب » مصدر ميمي بمعنى الذهاب.

قوله عليه‌السلام: « وعليك بالتعريس والدلجة » قال الجوهري : التعريس نزول القوم في السفر من آخر الليل ، يقعون فيه وقعة للاستراحة(١) .

__________________

(١) الصحاح : ج ٣ ص ٩٤٨.

٥١٩

حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة وإن استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتتصدق منه فافعل وعليك بقراءة كتاب الله عز وجل ما دمت راكبا وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا وعليك بالدعاء ما دمت خاليا وإياك والسير من أول الليل وعليك بالتعريس والدلجة من لدن نصف الليل إلى آخره وإياك ورفع الصوت في مسيرك.

٥٤٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن داود اليعقوبي ، عن عيسى بن عبد الله العلوي قال وحدثني الأسيدي ومحمد بن مبشر أن عبد الله بن نافع الأزرق كان يقول لو أني علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني أن عليا قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه فقيل له ولا ولده فقال أفي ولده عالم فقيل له هذا أول جهلك وهم يخلون من عالم قال فمن عالمهم اليوم قيل محمد بن علي بن الحسين بن علي عليه‌السلام قال فرحل إليه في صناديد أصحابه حتى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر عليه‌السلام فقيل له هذا عبد الله بن نافع فقال وما يصنع بي وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار فقال له أبو بصير الكوفي جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه المطايا إليه يخصمه أن عليا عليه‌السلام قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه فقال له أبو جعفر عليه‌السلام أتراه جاءني مناظرا قال نعم قال يا غلام

وقال الجزري : فيه « عليكم بالدلجة » وهو سير الليل يقال : أدلج ـ بالتخفيف ـ إذا سار من أول الليل وأدلج بالتشديد إذا سار من آخره والاسم منهما الدلجة والدلجة بالضم والفتح(١) .

أقول لا يبعد أن يكون المراد بالتعريس هنا النزول أول الليل.

الحديث الثامن والأربعون والخمسمائة : مجهول.

قوله : « أن بين قطريها » أي قطري الأرض.

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ١٢٩.

٥٢٠

اخرج فحط رحله وقل له إذا كان الغد فأتنا قال فلما أصبح عبد الله بن نافع غدا في صناديد أصحابه وبعث أبو جعفر عليه‌السلام إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم خرج إلى الناس في ثوبين ممغرين وأقبل على الناس كأنه فلقة قمر فقال :

الحمد لله محيث الحيث ومكيف الكيف ومؤين الأين الحمد لله الذي «لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » إلى آخر الآية وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله اجتباه وهداه «إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ».

الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا بولايته يا معشر أبناء المهاجرين و

قوله : « في صناديد أصحابه » الصنديد : السيد الشجاع.

قوله : « في ثوبين ممغرين » قال الفيروزآبادي : المغرة ـ ويحرك ـ : طين أحمر والممغر ـ كمعظم ـ المصبوغ بها(١) .

قوله : « كأنه فلقة قمر » قال الجوهري : الفلقة : الكسرة يقال : أعطني فلقة الحفنة أي نصفها(٢) .

قوله عليه‌السلام: « محيث الحيث » أي جاعل المكان مكانا بإيجاده ، وعلى مجعولية الماهيات ظاهر.

قوله عليه‌السلام: « مؤين الأين » أي موجد الدهر والزمان ، فإن الأين يكون بمعنى الزمان ، يقال : آن أينك : أي حان حينك ، ذكره الجوهري(٣) ويحتمل أن يكون بمعنى المكان إما تأكيدا للأول ، أو بأن يكون حيث للزمان.

قال ابن هشام قال الأخفش : وقد ترد حيث للزمان ، ويحتمل أن يكون حيث تعليلية ، أي هو علة العلل ، وجاعل العلل عللا.

قوله عليه‌السلام: « واختصنا بولايته » أي بأن نتولاه أو بأن جعل ولايتنا ولايته

__________________

(١) القاموس : ج ٢ ص ١٠٤.

(٢) الصحاح : ج ٤ ص ١٥٤٤.

(٣) نفس المصدر : ج ٥ ص ٢٧٦.

٥٢١

الأنصار من كانت عنده منقبة في علي بن أبي طالب عليه‌السلام فليقم وليتحدث قال فقام الناس فسردوا تلك المناقب فقال عبد الله أنا أروى لهذه المناقب من هؤلاء وإنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه فقال أبو جعفر عليه‌السلام ما تقول في هذا الحديث فقال هو حق لا شك فيه ولكن أحدث الكفر بعد فقال له أبو جعفر عليه‌السلام ثكلتك أمك أخبرني عن الله عز وجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم قال ابن نافع أعد علي فقال له أبو جعفر عليه‌السلام أخبرني عن الله جل ذكره أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم قال إن قلت لا كفرت قال فقال قد علم قال فأحبه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته فقال على أن يعمل بطاعته فقال له أبو جعفر عليه‌السلام فقم مخصوما فقام وهو يقول «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ».

٥٤٩ ـ أحمد بن محمد وعلي بن محمد جميعا ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن محمد بن

أو بأن جعلنا ولي من كان وليه.

قوله : « فسردوا » قال الجوهري : فلان يسرد الحديث سردا إذا كان جيد السياق(١) .

قوله عليه‌السلام: « على أن يعمل بطاعته » أي لأن يعمل ، والحاصل إن الله إنما يحب من يعمل بطاعته ، لأنه كذلك ، فكيف يحب من يعلم أنه ـ على زعمك الفاسد ـ يكفر ويحبط جميع أعماله.

الحديث التاسع والأربعون والخمسمائة : مجهول.

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٤٨٧.

٥٢٢

الخطاب الواسطي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن حماد الأزدي ، عن هشام الخفاف قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام كيف بصرك بالنجوم قال قلت ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني فقال كيف دوران الفلك عندكم قال فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها قال فقال إن كان الأمر على ما تقول فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة قال قلت هذا والله شيء لا أعرفه ولا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره فقال لي كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها قال قلت هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحدا من الناس يذكره فقال سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون ثم قال فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوئه قال قلت هذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل قال فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها قال قلت ما أعرف هذا قال صدقت ثم قال ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر فأين كانت النحوس قال فقلت لا والله ما أعلم ذلك قال فقال صدقت إن أصل الحساب حق

قوله عليه‌السلام: « فأدرتها » كأنه زعم أن حركة الفلك في جميع المواضع دحوية.

قوله عليه‌السلام: « ما بال العسكرين » هذا بيان لخطأ المنجمين ، فإن كل منجم يحكم لمن يريد ظفره بالظفر ويزعم أن السعد الذي رآه يتعلق به ، وهذا لعدم إحاطتهم بارتباط النجوم بالأشخاص.

قوله عليه‌السلام: « إلا من علم مواليد الخلق كلهم » أي من أحاط بذلك العلم يعلم به مواليد جميع الخلق ، ولما لم يعلم المنجمون المواليد جميعا ظهر أنهم لا يحيطون به علما ، أو يشترط في الإحاطة به العلم بجميع المواليد وارتباط النجوم بها ، ولا يتيسر ذلك إلا للأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وعلى التقديرين يدل على حقية هذا

٥٢٣

ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم.

( خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

٥٥٠ ـ علي بن الحسن المؤدب ، عن أحمد بن محمد بن خالد وأحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن التيمي جميعا ، عن إسماعيل بن مهران قال حدثني عبد الله بن الحارث ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام الناس بصفين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال :

أما بعد فقد جعل الله تعالى لي عليكم حقا بولاية أمركم ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذكره بها منكم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم والحق أجمل الأشياء في التواصف وأوسعها في التناصف لا يجري لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إلا

العلم ، وعدم جواز النظر لغيرهم عليهم‌السلام فيه بما مر من التقريب.

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام(١)

الحديث الخمسون والخمسمائة : ضعيف بعبد الله بن الحارث ، وأحمد بن محمد معطوف على علي بن الحسن وهو العاصمي ، والتيمي هو ابن فضال ، وقل من تفطن لذلك.(٢)

قوله عليه‌السلام: « بولاية أمركم » أي لي عليكم حق الطاعة ، لأن الله جعلني واليا عليكم متوليا لأموركم ، ولأنه أنزلني منكم منزلة عظيمة ، هي منزلة الإمامة والسلطنة والطاعة.

قوله عليه‌السلام: « والحق أجمل الأشياء في التواصف » أي وصفه جميل ، وذكره

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص ٣٣٢ « الخطبة : ٢١٦ ».

(٢) في بعض نسخ المتن « على بن الحسين المؤدّب » و « أحمد بن محمّد بن أحمد ».

٥٢٤

جرى له ولو كان لأحد أن يجري ذلك له ولا يجري عليه لكان ذلك لله عز وجل خالصا دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه ضروب قضائه ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل كفارتهم عليه بحسن الثواب تفضلا منه وتطولا بكرمه وتوسعا بما هو من المزيد له أهلا ثم جعل من حقوقه حقوقا فرضها

حسن ، يقال : تواصفوا الشيء أي وصف بعضهم لبعض ، وفي بعض النسخ [ التراصف ] بالراء المهملة والتراصف تنضيد الحجارة بعضها ببعض أي أحسن الأشياء في أحكام الأمور وإتقانها« وأوسعها في التناصف » أي إذا أنصف الناس بعضهم لبعض فالحق يسعه ويحتمله ، ولا يقع للناس في العمل بالحق ضيق.

وفي نهج البلاغة « فالحق أوسع الأشياء في التواصف ، وأضيقها في التناصف » أي إذا أخذ الناس في وصف الحق وبيانه كان لهم في ذلك بحال واسع لسهولته على ألسنتهم ، وإذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم ضاق عليهم المجال لشدة العمل بالحق وصعوبة الإنصاف.

قوله عليه‌السلام: « صروف قضائه » أي أنواعه المتغيرة المتوالية ، وفي بعض النسخ [ ضروب قضائه ] بمعناه.

قوله عليه‌السلام: « وجعل كفارتهم عليه حسن الثواب » لعل المراد بالكفارة الجزاء العظيم لستره عملهم حيث لم يكن له في جنبه قدر ، فكأنه قد محاه وستره ، وفي كثير النسخ [ بحسن الثواب ] فيحتمل أيضا أن يكون المراد بها ما يقع منهم لتدارك سيئاتهم ، كالتوبة وسائر الكفارات ، أي أوجب قبول كفارتهم وتوبتهم على نفسه مع حسن الثواب ، بأن يثيبهم على ذلك أيضا.

وفي النهج : وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب ، تفضلا منه وتوسعا بما هو من المزيد أهله.

قوله عليه‌السلام: « ثم جعل من حقوقه » هذا كالمقدمة لما يريد أن يبينه من كون

٥٢٥

لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافى في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها إلا ببعض فأعظم مما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله عز وجل لكل على كل فجعلها نظام ألفتهم وعزا لدينهم وقواما لسنن الحق فيهم فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى إليها الوالي كذلك عز الحق بينهم فقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على

حقه عليهم واجبا من قبل الله تعالى ، وهو حق من حقوقه ، ليكون ادعى لهم على أدائه وبين أن حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حق الله تعالى ، من حيث أن حقه على عباده وهو الطاعة ، وأداء تلك الحقوق طاعات لله ، كحق الوالد على ولده وبالعكس ، وحق الزوج على الزوجة وبالعكس ، وحق الوالي على الرعية وبالعكسقوله عليه‌السلام: « فجعلها تتكافأ في وجوهها » أي جعل كل وجه من تلك الحقوق مقابلا بمثله ، فحق الوالي وهو الطاعة من الرعية مقابل بمثله ، وهو العدل فيهم وحسن السيرة.

قوله عليه‌السلام: « ولا يستوجب بعضها إلا ببعض » كما أن الوالي إذا لم يعدل لم يستحق الطاعة.

قوله عليه‌السلام: « فريضة فرضها الله » بالنصب على الحالية له بإضمار فعل ، أو بالرفع ليكون خبر مبتدإ محذوف.

قوله عليه‌السلام: « نظاما لألفتهم » فإنها سبب اجتماعهم به ، ويقهرون أعداءهم ويعز دينهم.

قوله عليه‌السلام: « وقواما » أي به يقوم جريان الحق فيهم وبينهم.

قوله عليه‌السلام: « عز الحق » أي غلب.

قوله عليه‌السلام: « واعتدلت معالم العدل » أي مظانه أو العلامات التي نصبت في

٥٢٦

أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطاب به العيش وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء وإذا غلبت الرعية واليهم وعلا الوالي الرعية اختلفت هنالك الكلمة وظهرت مطامع الجور وكثر الإدغال في الدين وتركت معالم السنن فعمل بالهوى وعطلت الآثار وكثرت علل النفوس ولا يستوحش لجسيم حد عطل ولا لعظيم باطل أثل فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتخرب البلاد وتعظم تبعات الله عز وجل عند العباد فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل والقيام بعدله والوفاء بعهده

طريق العدل لسلوكه أو الأحكام التي يعلم بها العدل.

قوله عليه‌السلام: « على أذلالها » قال الفيروزآبادي : ذل الطريق ـ بالكسر ـ محجتها(١) وأمور الله جارية على أذلالها أي مجاريها جمع ذل بالكسر.

قوله عليه‌السلام: « وكثر الإدغال » بكسر الهمزة ـ والإدغال أن يدخل في الشيء ما ليس منه وهو الإبداع والتلبيس أو ـ بفتحها ـ جمع الدغل بالتحريك ـ الفساد.

قوله عليه‌السلام: « علل النفوس » أي أمراضها بملكات السوء ، كالغل والحسد والعداوة ونحوها وقيل : وجوه ارتكاباتها للمنكرات ، فتأتي في كل منكر بوجه وعلة ورأي فاسد.

قوله عليه‌السلام: « أثل » يقال : مال مؤثل ومجد مؤثل أي مجموع ذو أصل ، وأثلة الشيء : أصله وزكاه ذكره الجزري(٢) وفي النهج « فعل ».

قوله عليه‌السلام: « تبعات الله » قال في العين التبعة : اسم الشيء الذي لك فيه بغية شبه ظلامة ونحوها(٣) .

قوله عليه‌السلام: « فهلم أيها الناس » قال الجوهري : هلم يا رجل ـ بفتح الميم ـ

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٣٩٠.

(٢) النهاية : ج ١ ص ٢٣. ليس في المصدر « وزكاه » ولعله من زيادة النسّاخ.

(٣) العين : ج ٢ ص ٧٩.

٥٢٧

والإنصاف له في جميع حقه فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك وحسن التعاون عليه وليس أحد وإن اشتد على رضا الله حرصه وطال في العمل اجتهاده ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله ولكن من واجب حقوق الله عز وجل على العباد النصيحة له بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق فيهم ثم ليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق فضيلته بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز وجل

بمعنى تعال ، قال الخليل : أصله لم من قولهم : لم الله شعثه ، أي جمعه ، كأنه أراد لم نفسك إلينا ، أي أقرب وها ، للتنبيه وإنما حذفت ألفها لكثرة الاستعمال ، وجعل اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز(١) .

قوله عليه‌السلام: « حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله » أي جزاء ما أعطى الله فيه أهل الحق من الدين المبين ، وسائر ما هداهم الله إليه بأن يكون المراد بالحقيقة الجزاء مجازا ، أو يكون في الكلام تقدير مضاف أي حقيقة جزاء ما أعطى الله ، أو يكون المراد بالبلوغ إليها كونه بإزائها ومكافأة لها ، وفي النهج « حقيقة ما الله أهله من الطاعة له ، وفي بعض النسخ القديمة من الكتاب [ حقيقة ما الحق من الله أهله ].

قوله عليه‌السلام: « النصيحة له » أي لله أو للإمام ، أو نصيحة بعضهم لبعض لله تعالى بأن لا يكون الظرف صلة ، وفي النهج النصيحة بمبلغ بدون الصلة ، وهو يؤيد الأخير.

قال الجزري : النصيحة في اللغة الخلوص ، يقال : نصحته ونصحت له ، ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته ، والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به ، والعمل بما فيه ونصيحة رسول الله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ، ونصيحة الأئمة : أن يطيعهم في الحق ، ونصيحة

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ٢٠٦٠.

٥٢٨

من حقه ولا لامرئ مع ذلك خسأت به الأمور واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة

عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم(١) .قوله عليه‌السلام: « ولا لامرئ مع ذلك » كأنه راجع إلى ما حمل الله على الوالي أو إلى الوالي الذي أشير إليه سابقا ، أي لا يجوز أو لا بد لامرئ مع الوالي أو مع كون وإليه مكلفا بالجهاد وغيره من أمور الدين وإن كان ذلك المرء ضعيفا محقرا بدون أن يعين على إقامة الدين ويعينه الناس ، أو الوالي عليه.

وفي النهج « ولا امرؤ وإن صغرته النفوس ، واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه » وهو الظاهر.

قوله عليه‌السلام: « خسأت به الأمور » يقال : خسأت الكلب خسأ طردته ، وخسأ الكلب بنفسه يتعدى ولا يتعدى ذكره الجوهري(٢) فيجوز أن يكون هنا استعمل غير متعد بنفسه ، قد عدي بالباء أي طردته الأمور ، أو يكون الباء للسببية ، أي بعدت بسببه الأمور.

وفي بعض النسخ [ حبست به الأمور ] وعلى التقادير المراد أنه يكون بحيث لا يتمشى أمر من أموره ولا ينفع سعيه في تحصيل شيء من الأمور« واقتحمته العيون » أي أحقرته وكلمة ـ ما ـ فيقوله « ما أن يعين » زائدة.

قوله عليه‌السلام: « وأهل الفضيلة في الحال » المراد بهم الأئمة والولاة والأمراء والعلماء وكذا أهل النعم العظام ، فإنهم لكونهم مكلفين بعظائم الأمور كالجهاد في سبيل الله وإقامة الحدود ، والشرائع والأحكام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فهم إلى إعانة الخلق أحوج.

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ٦٣.

(٢) الصحاح : ج ١ ص ٤٧.

٥٢٩

وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء.

فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو ويقال إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده.

فقام وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم

ويحتمل أن يكون المراد بأهل الفضيلة العلماء ، فإنهم محتاجون فيما حمل عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أعوان ، ولا أقل إلى من يؤمر وينهى ، وبأهل النعم أصحاب الأموال ، لأن ما حمل عليهم من الحقوق أكثر كأداء الأخماس والصدقات ، وهم محتاجون إلى الفقير القابل لها ، وإلى الشهود وإلى غيرهم والأول أظهر.

قوله عليه‌السلام: « وكل في الحاجة إلى الله تعالى شرع سواء » بيان لقوله : « شرع » وتأكيد ، وإنما ذكر عليه‌السلام ذلك لئلا يتوهم أنهم يستغنون بإعانة بعضهم بعضا عن ربهم تعالى ، بل هو الموفق والمعين لهم في جميع أمورهم ، ولا يستغنون بشيء عن الله تعالى ، وإنما كلفهم بذلك ليختبر طاعتهم ، ويثيبهم على ذلك ، واقتضت حكمته البالغة أن يجري الأشياء بأسبابها ، وهو المسبب لها والقادر على إمضائها بلا سبب.

قوله عليه‌السلام: « فأجابه ، رجل » الظاهر أنه كان الخضر عليه‌السلام ، وقد جاء في مواطن كثيرة ، وكلمه عليه‌السلام لإتمام الحجة على الحاضرين ، وقد أتى بعد وفاته عليه‌السلام وقام على باب داره وبكى وأبكى وخاطبه عليه‌السلام بأمثال تلك الكلمات ، وخرج وغاب عن الناس(١) .

قوله : « والإقرار » الظاهر أنه معطوف على الثناء ، أي أقر إقرارا حسنا

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار : ج ٤٢ ص ٣٠٥ ـ ٣١٣.

٥٣٠

ثم قال أنت أميرنا ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عز وجل من الذل وبإعزازك أطلق عباده من الغل فاختر علينا وأمض اختيارك وائتمر فأمض ائتمارك فإنك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخول لا نستحل في شيء معصيتك ولا نقيس علما بعلمك يعظم عندنا في ذلك خطرك ويجل عنه في أنفسنا فضلك.

فأجابه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

بأشياء ذكرها ذلك الرجل ، ولم يذكره عليه‌السلام اختصارا أو تقية من تغير حالاته عليه‌السلام من استيلاء أئمة الجور عليه ومظلوميته ، وتغير أحوال رعيته من تقصيرهم في حقه وعدم قيامهم بما يحق من طاعته ، والقيام بخدمته ، ويحتمل عطفه على واجب حقه.

قوله : « من الغل » أي أغلال الشرك والمعاصي ، وفي بعض النسخ القديمة [ أطلق عنا رهائن الغل ] أي ما يوجب أغلال القيامة.

قوله : « وائتمر » أي أقبل ما أمرك الله به فأمضه علينا.

قوله : « والملك المخول » أي الملك الذي أعطاك الله للإمرة علينا وجعلنا خدمك وتبعك ،قوله : « لا نستحل في شيء من معصيتك » لعله عدي بفي لتضمين معنى الدخول ، وفي بعض النسخ القديمة [ لا نستحل في شيء معصيتك ] وهو أظهر.

قوله : « في ذلك » أي في العلم بأن تكون كلمة ـ في ـ تعليلية ، ويحتمل أن تكون إشارة إلى ما دل عليه الكلام من إطاعته عليه‌السلام ، والخطر : القدر والمنزلة.

قوله : « ويجل عنه » يحتمل إرجاع الضمير إلى القياس أي فضلك أجل في أنفسنا من أن يقاس بفضل أحد ويمكن إرجاعه إلى حد العلم ، فيكون كلمة « عن » تعليلية كما في قوله تعالى : «وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ »(١) أي يجل ويعظم بسبب ذلك العلم في أنفسنا فضلك.

__________________

(١) سورة هود : ٥٣.

٥٣١

فقال إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء ـ ولست بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه

قوله عليه‌السلام: « من عظم جلال الله » إما على التفعيل بنصب جلال الله ، أو بالتخفيف برفعه ، يعني من حق من عظم جلال الله في نفسه ، وجل موضعه في قلبه أن يصغر عنده كل ما سوى الله لما ظهر له من جلال الله ، وإن أحق من كان كذلك أئمة الحق عليه‌السلام لعظم نعم الله عليهم ، وكمال معرفتهم بجلال ربهم ، فحق الله عليهم أعظم منه على غيرهم ، فينبغي أن يصغر عندهم أنفسهم فلا يحبوا الفخر والإطراء في المدح أو يجب أن يضمحل في جنب جلال الله عندهم غيره تعالى ، فلا يكون غيره منظورا لهم في أعمالهم ليطلبوا رضى الناس ومدحهم.

قوله عليه‌السلام: « من أسخف » السخف : رقة العيش ورقه العقل ، والسخافة : رقة كل شيء أي أضعف أحوال الولاة عند الرعية أن يكونوا متهمين عندهم بهذه الخصلة المذمومة.

قوله عليه‌السلام: « إني أحب الإطراء » أي مجاوزة الحد في المدح والمبالغة فيه.

قوله عليه‌السلام: « انحطاطا لله سبحانه » أي تواضعا له تعالى ، وفي بعض النسخ القديمة [ ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتناهيت له أغنانا الله ، وإياكم عن تناول ما ما هو أحق به من التعاظم ، وحسن الثناء ] والتناهي : قبول النهي ، والضمير في « له » راجع إلى الله تعالى وفي النهج كما في النسخ المشهورة.

٥٣٢

عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق

قوله عليه‌السلام: « وربما أستحلي الناس » يقال : استحلاه : أي وجده حلوا.

قال ابن ميثم (ره) : هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه ، فكأنه يقول : وأنت معذور في ذلك حيث رأيتني أجاهد في الله ، وأحث الناس على ذلك ، ومن عادة الناس أن يستحلوا الثناء عند أن يبلوا بلاء حسنا في جهاد أو غيره من سائر الطاعات ، ثم أجاب عن هذا العذر في نفسه. بقوله عليه‌السلام: « ولا تثنوا علي بجميل ثناء » أي لا تثنوا علي لأجل ما ترونه مني من طاعة الله ، فإن ذلك إنما هو إخراج لنفسي إلى الله من حقوقه الباقية علي لم أفرغ بعد من أدائها وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لا بد من المضي فيها ، وكذلك إليكم من الحقوق التي أوجبها الله علي من النصيحة في الدين ، والإرشاد إلى الطريق الأفضل ، والتعليم لكيفية سلوكه ، وفي خط الرضي (ره) « من التقية » بالتاء والمعنى فإن الذي أفعله من طاعة الله إنما هو إخراج لنفسي إلى الله وإليكم من تقية الحق فيما يجب علي من الحقوق ، إذ كان عليه‌السلام إنما يعبد الله لله من غير ملتفت في شيء من عبادته وأداء واجب حقه إلى أحد سواه ، خوفا منه أو رغبة إليه ، وكأنه قال : لم أفعل شيئا إلا وهو أداء حق واجب على ، وإذا كان كذلك فكيف أستحق أن يثني علي لأجل إتيان الواجب بثناء جميل ، وأقابل بهذا التعظيم ، وهذا من باب التواضع لله وتعليم كيفيته ، وكسر النفس عن محبة الباطل والميل إليه انتهى(١) .

وقال ابن أبي الحديد : معنىقوله عليه‌السلام: « لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم » أي لاعترافي بين يدي الله وبمحضر منكم أن علي حقوقا في إيالتكم ورئاستي عليكم لم أقم بها بعد ، وأرجو من الله القيام بها انتهى(٢) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم ، ج ٤ ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١١ ص ١٠٧.

٥٣٣

لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها ـ فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عني مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا آمن ذلك من

فكأنه جعل قوله عليه‌السلام : « لإخراجي » تعليلا لترك الثناء لا مثنيا عليه ، ولا يخفى بعده.

ثم اعلم أنه يحتمل أن يكون المرادبالبقية الإبقاء والترحم ، كما قال الله تعالى «أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ »(١) أي إخراجي نفسي من أن أبقى وأ ترحم مداهنة في حقوق لم أفرغ من أدائها.

قال الفيروزآبادي : وأبقيت ما بيننا : لم أبالغ في إفساده والاسم البقية «أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ » أي إبقاء أو فهم(٢) .

قوله عليه‌السلام: « ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة » البادرة : الحدة والكلام الذي يسبق من الإنسان في الغضب أي لا تثنوا علي كما يثني على أهل الحدة من الملوك خوفا من سطوتهم.

أو لا تحتشموا مني كما يحتشم من السلاطين والأمراء كترك المسارة والحديث إجلالا وخوفا منهم ، وترك مشاورتهم أو إعلامهم ببعض الأمور والقيام بين أيديهم.

قوله عليه‌السلام: « بالمصانعة » أي الرشوة أو المداراة.

قوله عليه‌السلام: « كان العمل بهما أثقل عليه » وشأن الولاة العمل بالعدل والحق أو أنتم تعلمون أنه لا يثقل على العمل بهما.

قوله عليه‌السلام: « بفوق » أي أخطأ هذا من الانقطاع إلى الله ، والتواضع الباعث

__________________

(١) سورة هود / ١١٦.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ٣٠٦.

٥٣٤

فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.

فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل.

فقال أنت أهل ما قلت والله والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا ما لا يكفر وقد حملك

لهم على الانبساط معه بقول الحق ، وعد نفسه من المقصرين في مقام العبودية ، والإقرار بأن عصمته من نعمه تعالى عليه ، وليس أنه اعترافا بعدم العصمة كما توهم بل ليست العصمة إلا ذلك ، فإنها هي أن يعصم الله العبد عن ارتكاب المعاصي ، وقد أشار عليه‌السلام إليهبقوله : « إلا أن يكفي الله » وهذا مثل قول يوسف عليه‌السلام : «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي »(١) .

قوله عليه‌السلام: « ما هو أملك به مني » أي العصمة عن الخطإ ، فإنه تعالى أقدر على ذلك للعبد من العبد لنفسه.

قوله عليه‌السلام: « مما كنا فيه » أي من الجهالة وعدم العلم والمعرفة والكمالات التي يسرها الله لنا ببعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال ابن أبي الحديد : ليس هذا إشارة إلى خاص نفسه عليه‌السلام ، لأنه لم يكن كافرا فأسلم ، ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسعا ، ويجوز أن يكون معناه : لو لا ألطاف الله تعالى ببعثة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لكنت أنا وغيري على مذهب الأسلاف انتهى(٢) .

قوله : « فبلاؤه عندنا لا يكفر » أي نعمته عندنا وافرة ، بحيث لا نستطيع كفرها وسترها ، أو لا يجوز كفرانها وترك شكرها.

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٣.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١١ ص ١٠٨.

٥٣٥

الله تبارك وتعالى رعايتنا وولاك سياسة أمورنا فأصبحت علمنا الذي نهتدي به وإمامنا الذي نقتدي به وأمرك كله رشد وقولك كله أدب قد قرت بك في الحياة أعيننا وامتلأت من سرور بك قلوبنا وتحيرت من صفة ما فيك من بارع الفضل عقولنا ولسنا نقول لك أيها الإمام الصالح تزكية لك ولا نجاوز القصد في الثناء عليك ولم يكن في أنفسنا طعن على يقينك أو غش في دينك فنتخوف أن تكون أحدثت بنعمة الله تبارك وتعالى تجبرا أو دخلك كبر ولكنا نقول لك ما قلنا تقربا إلى الله عز وجل بتوقيرك وتوسعا بتفضيلك وشكرا بإعظام أمرك فانظر لنفسك ولنا وآثر أمر الله على نفسك وعلينا فنحن طوع فيما أمرتنا ننقاد من الأمور مع ذلك فيما ينفعنا.

فأجابه أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فقال وأنا أستشهدكم عند الله على نفسي لعلمكم فيما وليت به من أموركم وعما قليل يجمعني وإياكم الموقف بين يديه والسؤال عما كنا فيه ثم يشهد بعضنا

قوله : « سياسة أمورنا » سست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها ، والعلم بالتحريك ـ ما ينصب في الطريق ليهتدي به السائرون.

قوله : « من بارع الفضل » قال الفيروزآبادي : برع ـ ويثلث ـ براعة ، فاق أصحابه في العلم وغيره ، أو تم في كل جمال وفضيلة فهو بارع وهي بارعة(١) .

قوله : « ولم يكن » على المجهول من كننت الشيء سترته ، أو ـ بفتح الياء وكسر الكاف ـ من وكن الطائر بيضه يكنه ، إذا حضنه ، وفي بعض النسخ [ لم يكن ] وفي النسخة القديمة [ لن يكون ].

قوله : « وتوسعا » أي في الفضل والثواب.

قوله : « مع ذلك » أي مع طاعتنا لك أي نفس الطاعة أمر مرغوب فيه ، ومع ذلك موجب لحصول ما ينفعنا. وما هو خير لنا في دنيانا وآخرتنا.

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٤.

٥٣٦

على بعض فلا تشهدوا اليوم بخلاف ما أنتم شاهدون غدا فإن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية ولا يجوز عنده إلا مناصحة الصدور في جميع الأمور.

فأجابه الرجل ويقال لم ير الرجل بعد كلامه هذا لأمير المؤمنين عليه‌السلام فأجابه وقد عال الذي في صدره فقال والبكاء يقطع منطقه وغصص الشجا تكسر صوته إعظاما لخطر مرزئته ووحشة من كون فجيعته.

فحمد الله وأثنى عليه ثم شكا إليه هول ما أشفى عليه من الخطر العظيم والذل الطويل في فساد زمانه وانقلاب جده وانقطاع ما كان من دولته ثم نصب المسألة إلى الله عز وجل بالامتنان عليه والمدافعة عنه بالتفجع وحسن الثناء فقال

قوله عليه‌السلام: « إلا مناصحة الصدور » أي خلوصنا عن غش النفاق ، بأن يطوي فيه ما يظهر خلافه أو نصح الإخوان نصحا يكون في الصدر لا بمحض اللسان.

قوله : « وقد عال الذي في صدره » يقال : عالني الشيء أي غلبني ، وعال أمرهم اشتد.

قوله : « وغصص الشجا » الغصة ـ بالضم ـ ما اعترض في الحلق ، وكذا الشجا والشجو : الهم والحزن.

قوله : « لخطر مرزءته » الخطر ـ بالتحريك ـ : القدر والمنزلة والإشراف على الهلاك ، والمرزءة : المصيبة ، وكذا الفجيعة و ـ كونها ـ أي وقوعها وحصولها ، والضميران راجعان إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام والقائل كان عالما بقرب أو أن شهادته عليه‌السلام فلذا كان يندب ويتفجع ، وإرجاعها إلى القائل بعيد.

قوله : « أشفى » أي أشرف عليه ، والضمير فيقوله « إليه » راجع إلى الله تعالى.

قوله : « وانقلاب جده » الجد : البحث ، والتفجع والتوجع في المصيبة أي أسأل الله دفع هذا البلاء ، الذي قد ظن وقوعها عنه مع التفجع والتضرع.

٥٣٧

يا رباني العباد ويا سكن البلاد أين يقع قولنا من فضلك وأين يبلغ وصفنا من فعلك وأنى نبلغ حقيقة حسن ثنائك أو نحصي جميل بلائك فكيف وبك جرت نعم الله علينا وعلى يدك اتصلت أسباب الخير إلينا ألم تكن لذل الذليل ملاذا وللعصاة الكفار إخوانا فبمن إلا بأهل بيتك وبك أخرجنا الله عز وجل من فظاعة تلك الخطرات أو بمن فرج عنا غمرات الكربات وبمن إلا بكم أظهر الله معالم ديننا واستصلح ما كان فسد من دنيانا حتى استبان بعد الجور ذكرنا وقرت من رخاء العيش أعيننا لما

قوله : « يا رباني العباد » قال الجزري : الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون ، وقيل : هو من الرب بمعنى التربية ، لأنهم كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ، والرباني : العالم الراسخ في العلم والدين ، أو الذي يطلب بعلمه وجه الله ، وقيل العالم العامل المعلم(١) .

قوله : « ويا سكن البلاد » السكن ـ بالتحريك ـ كلما يسكن إليه.

قوله : « وبك جرت نعم الله علينا » أي بجهادك ومساعيك الجميلة لترويج ، الدين وتشييد الإسلام في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده.

قوله : « والحصاة الكفار إخوانا » أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقة منك عليهم ، أو المراد الشفقة على الكفار ، والعصاة والاهتمام في هدايتهم ، ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشرع ، وقيل : المراد بالإخوان ، الخوان الذي يؤكل عليه الطعام ، فإنه لغة فيه ، كما ذكره الجزري(٢) ولا يخفى بعده ، وفي النسخة القديمة [ ألم نكن ] بصيغة المتكلم ، وحينئذ فالمراد بالفقرة الأولى أنه كان ينزل بنا ذل كل ذليل ، أي كنا نذل بكل ذلة وهوان وهو أظهر وألصق بقوله : ـ فيمن.

قوله : «من فظاعة تلك الخطرات » أي شناعتها وشدتها.

قوله : «بعد الحور » قال الجوهري : نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، أي من

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ١٨١.

(٢) النهاية ج ٢ ص ٨٩.

٥٣٨

وليتنا بالإحسان جهدك ووفيت لنا بجميع وعدك وقمت لنا على جميع عهدك فكنت شاهد من غاب منا وخلف أهل البيت لنا وكنت عز ضعفائنا وثمال فقرائنا وعماد عظمائنا يجمعنا في الأمور عدلك ويتسع لنا في الحق تأنيك فكنت لنا أنسا إذا رأيناك وسكنا إذا ذكرناك فأي الخيرات لم تفعل وأي الصالحات لم تعمل ولو لا أن الأمر الذي نخاف عليك منه يبلغ تحويله جهدنا وتقوى لمدافعته طاقتنا أو يجوز الفداء عنك منه بأنفسنا وبمن نفديه بالنفوس من أبنائنا لقدمنا أنفسنا وأبناءنا قبلك

النقصان بعد الزيادة(١) وفي بعض النسخ بالجيم.

قوله عليه‌السلام: « وثمال فقرائنا » قال الجزري : الثمال ـ بالكسر ـ : الملجإ والغياث وقيل : هو المطعم في الشدة(٢) .

قوله : « يجمعنا من الأمور عدلك » أي هو سبب لاجتماعنا وعدم تفرقنا في جميع الأمور أو من بين سائر الأمور ، أو هو سبب لانتظام جميع أمورنا ، أو عدلك يحيط بجميعنا في جميع الأمور.

قوله : « ويتسع لنا في الحق تأنيك » أي صار مداراتك وتأنيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقه سببا لوسعة الحق علينا وعدم تضيق الأمور بنا.

قوله : « يبلغ تحريكه » أي تغييره وصرفه ، وفي النسخة القديمة [ تحويله ].

قوله : « ولا خطرناها » أي جعلناها في معرض المخاطرة والهلاك أو صيرناها خطرا ورهنا وعوضا لك.

قال الجزري : فيه « فإن الجنة لا خطر لها » أي لا عوض لها ولا مثل ، والخطر ـ بالتحريك ـ في الأصل : الرهن وما يخاطر عليه ، ومثل الشيء وعدله ، ولا يقال إلا في الشيء الذي له قدر ومزية ، ومنه الحديث « ألا رجل يخاطر بنفسه

__________________

(١) الصحاح : ج ٢ ص ٦٣٨.

(٢) النهاية : ج ١ ص ٢٢٢.

٥٣٩

ولأخطرناها وقل خطرها دونك ولقمنا بجهدنا في محاولة من حاولك وفي مدافعة من ناواك ولكنه سلطان لا يحاول وعز لا يزاول ورب لا يغالب فإن يمنن علينا بعافيتك ويترحم علينا ببقائك ويتحنن علينا بتفريج هذا من حالك إلى سلامة منك لنا وبقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عز وجل بذلك شكرا نعظمه وذكرا نديمه ونقسم أنصاف أموالنا صدقات وأنصاف رقيقنا عتقاء ونحدث له تواضعا في أنفسنا ونخشع في جميع أمورنا وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه ولا مدفوع عنك بلاؤه ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره

وماله » أي يلقيهما في الهلكة بالجهاد ، ومنه حديث النعمان « إن هؤلاء ـ يعني المجوس ـ قد أخطروا لكم رثة ومتاعا وأخطرتم لهم الإسلام » المعنى أنهم قد شرطوا لكم ذلك ، وجعلوه رهنا من جانبهم وجعلتم رهنكم دينكم(١) .

قوله : « حاولك » أي قصدك.

قوله : « من ناواك » أي عاداك.

قوله : « ولكنه » أي الرب تعالى.

قوله : « وعز » أي ذو عز وغلبة« وزاوله » أي حاوله وطالبه ، وهذا إشارة إلى أن تلك الأمور بقضاء الله وتقديره ، والمبالغة في دفعها في حكم مغالبة الله في تقديراته ، وقد سبق تحقيق القضاء والقدر في كتاب الإيمان والكفر(٢) وحققناهما في كتابنا الكبير(٣) .

قوله : « نعظمه » الضمير في قوله ـ نعظمه ـ و ـ نديمه ـ راجعان إلى الشكر والذكر.

قوله : « بلاؤه » يحتمل النعمة أيضا.

__________________

(١) النهاية : ج ٢ ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) لاحظ ج ٨ ص ١ ـ ١٥.

(٣) بحار الأنوار : ج ٥ ص ٨٤ ـ ١٣٥.

٥٤٠

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640