مرآة العقول الجزء ٢٦

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
تصنيف:

الصفحات: 640
المشاهدات: 1168
تحميل: 399


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 1168 / تحميل: 399
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 26

مؤلف:
العربية

يقول ما يتكلم بفضل أهل بيته بهواه وهو قول الله عز وجل «إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى »(١) وقال الله عز وجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ »(٢) قال لو أني أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي فكان مثلكم كما قال الله عز وجل : «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ »(٣) يقول أضاءت الأرض بنور محمد كما تضيء الشمس فضرب الله مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الشمس ومثل الوصي القمر وهو قوله عز وجل :

رب الأرباب.

قوله عليه‌السلام: « لو أني أمرت » لعله على تأويله عليه‌السلام في الكلام تقدير ، أي لو أن عندي الإخبار بما يستعجلون به ، ولم يفسره عليه‌السلام الجزاء لظهوره ، أي لقضي الأمر بيني وبينكم لظهور كفركم ونفاقكم ، ووجوب قتلكم. وقوله عليه‌السلام: « فكان مثلكم » لبيان ما يترتب على ذهابه صلى‌الله‌عليه‌وآله من بينهم من ضلالتهم ، وغوايتهم وبه أشار عليه‌السلام إلى تأويل حسن لآية أخرى ، وتشبيه كامل فيها ، وهي ما ذكره الله تعالى في وصف المنافقين حيث قال : « فمثلهم كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ » فالمراد استضاءة الأرض بنور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من العلم والهداية.

واستدل عليه‌السلام على أن المراد بالضوء هيهنا نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن الله تعالى : مثل في جميع القرآن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشمس ونسب إليها الضياء ، والوصي بالقمر ونسب إليه النور ، فالضوء للرسالة والنور للإمامة ، وهوقوله تعالى : «جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً » وربما يستأنس لذلك بما ذكره من أن الضياء يطلق على المضيء بالذات ، والنور على المضيء بالغير ، ولذا ينسب النور إلى القمر لأنه يستفيد النور من الشمس ، ولما كان نور الأوصياء مقتبسا من نور الرسول ، وعلمهم عليهم‌السلام من علمه عبر عن علمهم وكما لهم بالنور وعن علم الرسول وكماله بالضياء وأشار عليه‌السلام إلى تأويل آية أخرى وهيقوله تعالى :

__________________

(١) سورة النجم : ١ ـ ٤.

(٢) سورة الأنعام : ٥٨.

(٣) سورة البقرة : ١٧.

٥٨١

«جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً »(١) وقوله «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ »(٢) وقوله عز وجل «ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ »(٣) يعني قبض محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته وهو قوله عز وجل : «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ »(٤) ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي وهو قول الله عز وجل : «اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(٥) يقول أنا هادي السماوات والأرض مثل العلم الذي أعطيته وهو نوري الذي يهتدى به مثل المشكاة فيها المصباح فالمشكاة قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والمصباح النور الذي فيه العلم وقوله «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » يقول إني أريد أن أقبضك فاجعل الذي عندك عند الوصي كما يجعل المصباح في الزجاجة : «كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فأعلمهم فضل الوصي : «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » فأصل الشجرة المباركة إبراهيم عليه‌السلام وهو قول الله عز وجل : «رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ

«وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ » فهي إشارة إلى ذهاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وغروب شمس الرسالة ، فالناس مظلمون إلا أن يستضيئوا بنور القمر ، وهو الوصي ثم ذكر عليه‌السلام الآية السابقة بعد بيان أن المراد بالإضاءة إضاءة شمس الرسالة ، فقال : المرادبإذهاب الله نورهم قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهرت الظلمة ، فلم يبصروا فضل أهل بيته وقوله عليه‌السلام بعد ذلك ، وهوقوله عز وجل «وَإِنْ تَدْعُهُمْ » يحتمل أن يكون المراد أن هذه الآية نزلت في شأن الأمة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهاب نورهم فصاروا كمن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئا.

ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير ، أي كما أن في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر الله عن حال جماعة تركوا الحق ، واختاروا الضلالة فأذهب الله نور الهدى عن إسماعهم وأبصارهم ، فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنهم لا يسمعون ، ومع

__________________

(١) سورة يونس : ٥.

(٢) سورة يس : ٣٧.

(٣) سورة البقرة : ١٨.

(٤) سورة الأعراف : ١٩٧.

(٥) سورة النور : ٣٥.

٥٨٢

مَجِيدٌ »(١) وهو قول الله عز وجل : «إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(٢) «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » يقول لستم بيهود فتصلوا قبل المغرب ولا نصارى فتصلوا قبل المشرق وأنتم على ملة إبراهيم عليه‌السلام وقد قال الله عز وجل : «ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »(٣) وقوله عز وجل : «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يقول مثل أولادكم الذين يولدون منكم كمثل الزيت الذي يعصر من الزيتون : «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يقول يكادون أن يتكلموا بالنبوة ولو لم ينزل عليهم ملك

رؤيتهم الحق فكأنهم لا يبصرون ، فكذا هؤلاء لذهاب نور الرسالة من بينهم ، لا يبصرون الحق وإن كانوا ينظرون إليه.

قوله عليه‌السلام: « النور الذي فيه العلم » هو بيان للنور.

قوله عليه‌السلام: « يكادون أن يتكلموا » تفسير لقوله تعالى : «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ »

قوله عليه‌السلام: « بالنبوة » أي بعلومها وإسرارها.

قال الشيخ أمين الدين الطبرسي « قدس‌سره » : «نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » اختلف في معناه على وجوه :

أحدها : الله هادي أهل السماوات والأرض إلى ما فيه مصالحهم عن ابن عباس.

والثاني : الله منور السماوات والأرض بالشمس والقمر والنجوم عن الحسن وأبي العالية والضحاك.

والثالث : مزين السماوات بالملائكة ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء عن أبي ابن كعب ، وإنما ورد النور في صفة الله تعالى لأن كل نفع وإحسان وإنعام منه ، وهذا كما يقال : فلان رحمة وفلان عذاب إذا أكثر فعل ذلك منه ، وعلى هذا قول الشاعر :

ألم تر أنا نور قوم وإنما

يبين في الظلماء للناس نورها

__________________

(١) سورة هود : ٧٣.

(٢) سورة آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) سورة آل عمران : ٦٧.

٥٨٣

والمعنى إنا إنما نسعى لهم فيما ينفعهم ومنا خيرهم ، وكذا قول أبي طالب في مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

لم يعن بقوله وأبيض بياض لونه ، وإنما أراد كثرة إفضاله وإحسانه ونفعه والاهتداء به ، ولهذا المعنى سماه الله تعالى سراجا منيرا. «مَثَلُ نُورِهِ » فيه وجوه :

أحدها : إن معناه مثل نور الله الذي هدى به المؤمنين ، وهو الإيمان في قلوبهم عن أبي بن كعب ، والضحاك وكان أبي يقرأ مثل نور من آمن به.

والثاني : مثل نوره الذي هو القرآن في القلب عن ابن عباس والحسن وزيد ابن أسلم.

والثالث : أنه عنى بالنور محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأضافه إلى نفسه تشريفا عن كعب وسعيد بن جبير ، فالمعنى مثل محمد رسول الله.

والرابع : أن نوره سبحانه الأدلة الدالة على توحيده وعدله التي هي في الظهور والوضوح مثل النور عن أبي مسلم.

والخامس : أن النور هنا الطاعة أي مثل طاعة الله في قلب المؤمن عن ابن عباس في رواية أخرى.

«كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » المشكاة : هي الكوة في الحائط يوضع عليها زجاجة ثم يكون المصباح خلف تلك الزجاجة ويكون للكوة باب آخر يوضع المصباح فيه ، وقيل : المشكاة عمود القنديل بل الذي فيه الفتيلة ، وهو مثل الكوة والمصباح السراج وقيل المشكاة القنديل ، والمصباح الفتيلة عن مجاهد.

«الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » أي ذلك السراج في زجاجة وفائدة اختصاص الزجاج بالذكر أنه أصفى الجواهر ، فالمصباح فيه أضوء.

٥٨٤

«الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » أي تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضيء الذي يشبه الدر في صفائه ونوره ونقائه ، وإذا جعلته من الدرء وهو الدفع فمعناه المندفع السريع الوقع في الانقضاض ويكون ذلك أقوى لضوئه. «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » أي يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة «زَيْتُونَةٍ » أراد بالشجرة المباركة شجرة الزيتون لأن فيها أنواع المنافع ، فإن الزيت يسرج به وهو إدام ودهان ودباغ ، ويوقد بحطب الزيتون وثقله ، ويغسل برماده الإبريسم ، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى عصار ، وقيل : إنه خص الزيتونة ، لأن دهنها أصفى وأضوء.

وقيل : لأنها أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان ، ومنبتها منزل الأنبياء.

وقيل : لأنه بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم ، فلذلك سميت مباركة.

«لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » أي لا يضيء عليها ظل شرق ولا غرب ، فهي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ، ولا شجر ولا كهف ، فزيتها يكون أصفى عن ابن عباس والكلبي وعكرمة وقتادة فعلى هذا يكون المعنى أنها ليست بشرقية لا تصيبها الشمس إذا غربت ولا هي غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، بل هي شرقية غربية أخذت لحظيها من الأمرين.

وقيل : معناه أنها ليست من شجر الدنيا فتكون شرقية أو غربية عن الحسن.

وقيل : معناه أنها ليست في مقنوءة لا تصيبها الشمس ، ولا هي بارزة للشمس لا تصيبها الظل ، بل يصيبها الشمس والظل عن السدي.

وقيل : ليست من شجر الشرق ، ولا من شجر الغرب ، لأن ما اختص بأحد الجهتين كان أقل زيتا وأضعف ضوء لكنها من شجر الشام وهي ما بين المشرق و

٥٨٥

المغرب عن ابن زيد.

«يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » من صفائه وفرط ضيائه «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي قبل أن تصيبه النار ، وتشتعل فيه. واختلف في هذه التشبيه والمشبه به على أقوال :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمشكاة : صدره والزجاجة : قلبه والمصباح : فيه النبوة ، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعني شجرة النبوة وهي إبراهيم عليه‌السلام ، يكاد نور محمد يتبين للناس ولو لم يتكلم به ، كما أن ذلك الزيت يكاد يضيء «وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي لا تصيبه النار عن كعب وجماعة من المفسرين.

وقد قيل : أيضا أن المشكاة إبراهيم ، والزجاجة إسماعيل ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كما سمي سراجا في موضع آخر ، من شجرة مباركة يعني إبراهيم لأن أكثر الأنبياء من صلبه ، لا شرقية ولا غربية لا نصرانية ولا يهودية ، لأن النصارى تصلي إلى الشرق واليهود إلى الغرب «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » أي يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوصى إليه «نُورٌ عَلى نُورٍ » أي نبي من نسل نبي عن محمد بن كعب.

وقيل : إن « المشكاة » عبد المطلب و « الزجاجة » عبد الله « والمصباح » هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شرقية ولا غربية ، بل مكية لأن مكة وسط الدنيا عن الضحاك.

وروي عن الرضا عليه‌السلام « إنه قال : نحن المشكاة ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يهدي الله لولايتنا من أحب.

وفي كتاب التوحيد لأبي جعفر ابن بابويه وبالإسناد عن عيسى بن راشد ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله : «كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » قال : نور العلم في صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الزجاجة صدر علي عليه‌السلام صار علم النبي إلى صدر علي «الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » نور العلم «لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ

٥٨٦

نارٌ » قال : يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل «نُورٌ عَلى نُورٍ » أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في أثر إمام من آل محمد وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة ، فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاءه في أرضه ، وحججه على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم ، ويدل عليه قول أبي طالب عليه‌السلام في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أنت الأمين محمد

قرم أغر مسود

لمسودين أطايب

كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السعود

تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل

فينا وصي مرشد

ولقد عرفتك صادقا

بالقول لا تتفند

ما زلت تنطق بالصواب

وأنت طفل أمرد(١)

وتحقيق هذه الجملة يقتضي أن الشجرة المباركة المذكورة في هذه الآية هي دوحة التقى والرضوان ، وعترة الهدى والإيمان ، شجرة أصلها النبوة وفرعها الإمامة وأغصانها التنزيل ، وأوراقها التأويل ، وخدمها جبرئيل وميكائيل.

وثانيها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن ، المشكاة نفسه ، والزجاجة صدره ، والمصباح الإيمان والقرآن في قلبه يوقد من شجرة مباركة هي الإخلاص لله وحده لا شريك له ، فهي خضراء ناعمة كشجرة التف بها الشجرة ، فلا يصيبها الشمس على أي حال ، وكانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد احترز من أن يصيبه شيء من الفتن ، فهو بين أربع خلال إن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الأموات «نُورٌ عَلى نُورٍ » كلامه نور ، وعلمه نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره نور إلى يوم القيامة عن أبي بن كعب.

__________________

(١) كتاب التوحيد : ص ١٠٢.

٥٨٧

٥٧٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عز وجل

وثالثها : أن مثل القرآن في قلب المؤمن ، كما أن هذا المصباح يستضاء به ، وهو كما هو لا ينقص ، فكذلك القرآن يهتدى به ويعمل به كالمصباح ، فالمصباح هو القرآن والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي «يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد حجج القرآن تتضح وإن لم تقرأ ، وقيل : يكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن «نُورٌ عَلى نُورٍ » يعني إن القرآن نور مع سائر الأدلة قبله ، فازدادوا به نورا على نور عن الحسن وابن زيد ، وعلى هذا فيجوز أن يكون المراد ترتب الدلائل ، لأن الدلائل تترتب بعضها على بعض ، ولا يكاد العاقل يستفيد منها إلا بمراعاة الترتيب فمن ذهب عن الترتيب فقد ذهب عن طريق الاستفادة ، وقال مجاهد : ضوء نور السراج على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة «يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » أي يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء ، بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم إن له لطفا ، وقيل : معناه يهدي الله لنبوته وولايته من يشاء ممن يعلم أنه يصلح لذلك «وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ » تقريبا إلى الأفهام ، وتسهيلا لدرك المرام «وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » فيضع الأشياء مواضعها(١) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقد مضى بعض الأخبار الواردة في تفسير تلك الآية في كتاب الحجة وقد أوردنا جميعها مشروحا في كتاب بحار الأنوار(٢) في باب مفرد والله الموفق.

الحديث الخامس والسبعون والخمسمائة : ضعيف على الأشهر ، موثق على الأظهر ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ص ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٣٠٤ ـ ٣٢٥.

٥٨٨

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ »(١) قال يريهم في أنفسهم المسخ ويريهم في الآفاق انتقاض الآفاق عليهم فيرون قدرة الله عز وجل في أنفسهم وفي الآفاق قلت له «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ » قال خروج القائم هو الحق من عند الله عز وجل يراه الخلق لا بد منه.

٥٧٦ ـ محمد بن يحيى والحسين بن محمد جميعا ، عن جعفر بن محمد ، عن عباد بن يعقوب ، عن أحمد بن إسماعيل ، عن عمرو بن كيسان ، عن أبي عبد الله الجعفي قال قال لي أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام كم الرباط عندكم قلت أربعون قال لكن رباطنا رباط الدهر ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده ومن ارتبط فينا سلاحا كان له وزنه ما كان عنده لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين

قوله عليه‌السلام: « يريهم في أنفسهم المسخ » الظاهر أنه إشارة إلى ما يبتلي به المخالفون في زمان القائم عليه‌السلام من أنهم يمسخون في أنفسهم ، ويبتلون بتضييق الآفاق عليهم ، بكثرة المصائب التي ترد عليهم ، وانسداد طريق النجاة عنهم.

وقال الفاضل الأسترآبادي : كأنه ناظر إلى ما نطقت به الأخبار عنهم عليهم‌السلام من أن كل من مات من بني أمية لعنهم الله يمسخ وزغا عند موته ، وإلى غلبة بني العباس عليهم.

الحديث السادس والسبعون والخمسمائة : ضعيف.بأبي عبد الله الجعفي الذي هو عمرو بن شمر بل بعباد أيضا.

قوله عليه‌السلام: « لكن رباطنا رباط الدهر » أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على إطاعة إمام الحق ، وانتظار فرجه ويتهيأوا دائما لنصرته.

قوله عليه‌السلام: « كان له وزنها ووزن وزنها » أن كان له ثواب التصدق بضعفي وزنها ذهبا أو فضة ، كل يوم ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب كمثلي وزن الدابة.

قوله عليه‌السلام: « لا تجزعوا من مرة » أي لا تجزعوا من عدم نصرنا وغلبة العدو

__________________

(١) سورة فصّلت : ٥٣.

٥٨٩

ولا من ثلاث ولا من أربع فإنما مثلنا ومثلكم مثل نبي كان في بني إسرائيل فأوحى الله عز وجل إليه أن ادع قومك للقتال فإني سأنصرك فجمعهم من رءوس الجبال ومن غير ذلك ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ثم أوحى الله تعالى إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فجمعهم ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى انهزموا ثم أوحى الله إليه أن ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فدعاهم فقالوا وعدتنا النصر فما نصرنا فأوحى الله تعالى إليه إما أن يختاروا القتال أو النار فقال يا رب القتال أحب إلي من النار فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر فتوجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وجل لهم.

٥٧٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح والنوفلي وغيرهما يرفعونه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتداوى من الزكام ويقول ما من أحد إلا وبه عرق من الجذام فإذا أصابه الزكام قمعه.

٥٧٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الزكام جند من جنود الله عز وجل يبعثه الله عز وجل على الداء فيزيله.

٥٧٩ ـ محمد بن يحيى ، عن موسى بن الحسن ، عن محمد بن عبد الحميد بإسناده

علينا مرة أو مرتين كما في أمر الحسين عليه‌السلام وزيد بن علي ، وكانصراف الأمر عند انقراض بني أمية عنهم ، إلى بني العباس ، بل اصبروا فإن الله يأتي بالفرج ولو بعد حين ، أو لا تجزعوا من تخلف ما أخبرناكم به من الغايات التي يقع فيها الفرج للبداء.

الحديث السابع والسبعون والخمسمائة : ضعيف.

ويدل على كراهية معالجة الزكام.

الحديث الثامن والسبعون والخمسمائة : صحيح.

الحديث التاسع والسبعون والخمسمائة : مرفوع.

٥٩٠

رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من أحد من ولد آدم إلا وفيه عرقان عرق في رأسه يهيج الجذام وعرق في بدنه يهيج البرص فإذا هاج العرق الذي في الرأس سلط الله عز وجل عليه الزكام حتى يسيل ما فيه من الداء وإذا هاج العرق الذي في الجسد سلط الله عليه الدماميل حتى يسيل ما فيه من الداء فإذا رأى أحدكم به زكاما ودماميل فليحمد الله عز وجل على العافية وقال الزكام فضول في الرأس.

٥٨٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن رجل قال دخل رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو يشتكي عينيه فقال له أين أنت عن هذه الأجزاء الثلاثة الصبر والكافور والمر ففعل الرجل ذلك فذهبت عنه.

٥٨١ ـ عنه ، عن أحمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن لنا فتاة كانت ترى الكوكب مثل الجرة قال نعم وتراه مثل الحب قلت إن بصرها ضعف فقال اكحلها بالصبر والمر والكافور أجزاء سواء فكحلناها به فنفعها.

٥٨٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن داود بن محمد ، عن محمد بن الفيض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كنت عند أبي جعفر يعني أبا الدوانيق فجاءته خريطة فحلها ونظر فيها فأخرج منها شيئا فقال يا أبا عبد الله أتدري ما هذا قلت ما هو قال هذا شيء

الحديث الثمانون والخمسمائة : مرسل.

وفيه تعليم كحل نافع مجرب.

الحديث الحادي والثمانون والخمسمائة : صحيح.

قوله عليه‌السلام: « وتراه مثل الحب » أي بعد ذلك إن لم تعالج ، أو أنها ترى في الحال مثل الحب.

الحديث الثاني والثمانون والخمسمائة : مجهول.

٥٩١

يؤتى به من خلف إفريقية من طنجة أو طبنة شك محمد قلت ما هو قال جبل هناك يقطر منه في السنة قطرات فتجمد وهو جيد للبياض يكون في العين يكتحل بهذا فيذهب بإذن الله عز وجل قلت نعم أعرفه وإن شئت أخبرتك باسمه وحاله قال فلم يسألني عن اسمه قال وما حاله فقلت هذا جبل كان عليه نبي من أنبياء بني إسرائيل هاربا من قومه يعبد الله عليه فعلم به قومه فقتلوه فهو يبكي على ذلك النبي عليه‌السلام وهذه القطرات من بكائه وله من الجانب الآخر عين تنبع من ذلك الماء بالليل والنهار ولا يوصل إلى تلك العين.

٥٨٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم مولى علي بن يقطين أنه كان يلقى من رمد عينيه أذى قال فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام ابتداء من عنده ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليه‌السلام جزء كافور رباحي وجزء صبر أصقوطري يدقان جميعا وينخلان بحريرة يكتحل منه مثل ما يكتحل من الإثمد الكحلة في الشهر

قوله : « خلف إفريقية » . قال الفيروزآبادي هي بلاد واسعة قبالة الأندلس(١) وقال :طنجة : بلد بساحل بحر المغرب(٢) وقال :الطينة : بلد قرب دمياط(٣) .

أقول : لعلها هي المعروفة بدهنة فرنك.

الحديث الثالث والثمانون والخمسمائة : مجهول. أو حسن إن كان الضمير في ـ قال ـ راجعا إلى ابن عمير.

قوله عليه‌السلام: « كافور رباحي » قال الفيروزآبادي : الرباحي : جنس من الكافور وقول الجوهري الرباح دويبة يجلب منها الكافور خلف ، وأصلح في بعض النسخ وكتب ـ بلد ـ بدل دويبة وكلاهما غلط ، لأن الكافور صمغ شجر يكون داخل

__________________

(١) القاموس : ج ٣ ص ٢٨٥.

(٢) القاموس : ج ١ ص ٢٠٥.

(٣) القاموس : ج ٤ ص ٢٤٧.

٥٩٢

تحدر كل داء في الرأس وتخرجه من البدن قال فكان يكتحل به فما اشتكى عينيه حتى مات.

( حديث العابد )

٥٨٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن سنان عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده فقال من لي بفلان فقال بعضهم أنا له فقال من أين تأتيه فقال من ناحية النساء قال لست له لم يجرب النساء فقال له آخر فأنا له فقال له من أين تأتيه قال من ناحية الشراب واللذات قال لست له ليس هذا بهذا قال آخر فأنا له قال من أين تأتيه قال من ناحية البر قال انطلق فأنت صاحبه فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاه يصلي قال وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام ويستريح والشيطان لا يستريح فتحول إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله فقال يا عبد الله بأي شيء قويت على

الخشب ، ويتخشخش فيه إذا حرك فينشر ويستخرج(١) وقال : اسقطرى : جزيرة ببحر الهند على يسار الجائي من بلاد الزنج والعامة تقول سقوطرة يجلب منها الصبر ودم الأخوين(٢) وقال :الإثمد : ـ بالكسر ـ حجر الكحل(٣) .

الحديث الرابع والثمانون والخمسمائة : ضعيف.

قوله عليه‌السلام: « فنخر إبليس » أي مد الصوت في خياشيمه.

قوله عليه‌السلام: « وقد تقاصرت إليه نفسه » أي ظهر له التقصير من نفسه يقال : تقاصر أي أظهر القصر.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٢٢٩.

(٢) القاموس : ج ٢ ص ٥١ ـ ٥٢.

(٣) القاموس : ج ١ ص ٢٩٠.

٥٩٣

هذه الصلاة فلم يجبه ثم أعاد عليه فلم يجبه ثم أعاد عليه فقال يا عبد الله إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة قال ادخل المدينة فسل عن فلانة البغية فأعطها درهمين ونل منها قال ومن أين لي درهمين ما أدري ما الدرهمين فتناول الشيطان من تحت قدمه درهمين فناوله إياهما فقام فدخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس وظنوا أنه جاء يعظها فأرشدوه فجاء إليها فرمى إليها بالدرهمين وقال قومي فقامت فدخلت منزلها وقالت ادخل وقالت إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها فأخبرني بخبرك فأخبرها فقالت له يا عبد الله إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا فانصرف وماتت من ليلتها فأصبحت فإذا على بابها مكتوب احضروا فلانة فإنها من أهل الجنة فارتاب الناس فمكثوا ثلاثا لم يدفنوها ارتيابا في أمرها فأوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلا موسى بن عمران عليه‌السلام أن ائت فلانة فصل عليها ومر الناس أن يصلوا عليها فإني قد غفرت لها وأوجبت لها الجنة بتثبيطها عبدي فلانا عن معصيتي.

٥٨٥ ـ أحمد بن محمد [ بن أحمد ] ، عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان في بني إسرائيل رجل عابد

قوله عليه‌السلام: « بجلابيبه » قال الفيروزآبادي : الجلباب : ـ كسرداب وسنمار ـ القميص وثوب واسع للمرأة ، دون الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة ، أو هو الخمار(١) .

قوله : « لا أعلمه » الشك من الراوي.

الحديث الخامس والثمانون والخمسمائة : مجهول.

__________________

(١) القاموس : ج ١ ص ٤٩.

٥٩٤

وكان محارفا لا يتوجه في شيء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه امرأته حتى لم يبق عندها شيء فجاعوا يوما من الأيام فدفعت إليه نصلا من غزل وقالت له ما عندي غيره انطلق فبعه واشتر لنا شيئا نأكله فانطلق بالنصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وانصرفوا فقال لو أتيت هذا الماء فتوضأت منه وصببت علي منه وانصرفت فجاء إلى البحر وإذا هو بصياد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلا سمكة ردية قد مكثت عنده حتى صارت رخوة منتنة فقال له بعني هذه السمكة وأعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك قال نعم فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل وانصرف بالسمكة إلى منزله فأخبر زوجته الخبر فأخذت السمكة لتصلحها فلما شقتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته إياها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وانصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدق الباب ويقول يا أهل الدار تصدقوا رحمكم الله على المسكين فقال له الرجل ادخل فدخل فقال له خذ إحدى الكيسين فأخذ إحداهما وانطلق فقالت له امرأته سبحان الله بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثم قال كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثم ذهب.

قوله عليه‌السلام: « وكان محارفا » قال الجوهري رجل محارف ـ بفتح الراء ـ أي محدود محروم ، وهو خلاف قولك مبارك(١) .

قوله : « نصلا من غزل » النصل الغزل قد خرج من المغزل.

__________________

(١) الصحاح : ج ٤ ص ١٣٤٢.

٥٩٥

( خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام )

٥٨٦ ـ أحمد بن محمد ، عن سعد بن المنذر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ورواها غيره بغير هذا الإسناد وذكر أنه خطب بذي قار ـ فحمد الله وأثنى عليه.

ثم قال أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته ومن عهود عباده إلى عهوده ومن طاعة عباده إلى طاعته ومن ولاية عباده إلى ولايته «بَشِيراً وَنَذِيراً * وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً » عودا

خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام

الحديث السادس والثمانون والخمسمائة : مجهول.

قوله : « بذي قار » موضع بين الكوفة وواسط.

قوله عليه‌السلام: « من عبادة عباده » كعيسى وعزير والملائكة أو الأصنام أيضا تغليبا أو إطاعة الشياطين ، والطواغيت كما قال تعالى : «أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ »(١) وقد أورد في النهج بعض تلك الخطبة مختصرا وفيه « من عبادة الأوثان إلى عبادته ومن طاعة الشيطان إلى طاعته(٢) ».

قوله عليه‌السلام: « ومن عهود عباده » كالأمراء والسلاطين والشياطين والمضلين أيضا.

قوله عليه‌السلام: « ومن ولاية عباده » أي محبتهم أو نصرتهم أو طاعتهم.

قوله عليه‌السلام: « عودا وبدءا » منصوبان بالظرفية أو بالحالية أو بالتميز ، وعلى

__________________

(١) سورة يس : ٦٠.

(٢) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح ص ٢٠٤ « الخطبة ـ ١٤٧ ».

٥٩٦

وبدءا وعذرا ونذرا ، بحكم قد فصله وتفصيل قد أحكمه وفرقان قد فرقه وقرآن قد بينه ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه وليقروا به إذ جحدوه وليثبتوه بعد إذ أنكروه فتجلى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه فأراهم حلمه كيف حلم وأراهم عفوه كيف عفا وأراهم قدرته كيف قدر وخوفهم من سطوته وكيف خلق ما خلق من الآيات وكيف محق من محق من العصاة بالمثلات واحتصد من احتصد بالنقمات

التقادير يحتمل تعلقهما بقوله عليه‌السلام: «سِراجاً مُنِيراً »وبقوله عليه‌السلام : «داعِياً » أي كان سراجا منيرا أو داعيا أولا وآخرا وقيل : الهجرة عن مكة وبعد الرجوع إليها ، أو في جميع الأحوال ، أو باديا وعاديا.

قوله عليه‌السلام: « عُذْراً أَوْ نُذْراً » كل منهما مفعول له لقوله ـ بعث ـ أي عذرا للمحقين ونذرا للمبطلين ، أو حال أي عاذرا ومنذرا.

قوله عليه‌السلام: « بحكم » المراد به الجنس ، أي بعثه مع أحكام مفصلة مبنية وتفصيل في الأحكام قد أحكمه وأتقنه.

قوله عليه‌السلام: « وفرقان » هو بالضم القرآن ، وكل ما فرق بين الحق والباطل والمراد بتفريقه إنزاله متفرقا أو تعلقه بالأحكام المتفرقة.

قوله عليه‌السلام: « فتجلى سبحانه » قال ابن ميثم : أشار بتجليه سبحانه في كتابه إلى ظهوره لهم في تذكيرهم فيه ما أراهم من عجائب مصنوعاته ، وبما خوفهم به من وعيده ، وبتذكيرهم أنه كيف محق من القرون الماضية بالعقوبات ، واحتصد من احتصد منهم بالنقمات ، كل ذلك الظهور والجلاء من غير رؤية له تعالى عن إدراك الحواس. وقال بعض الفضلاء : يحتمل أن يريد بتجليه في كتابه ظهوره في عجائب مصنوعاته ومكوناته ، ويكون لفظ الكتاب استعارة في العالم(١) انتهى.

قوله عليه‌السلام: « بالمثلات » بفتح الميم وضم الثاء أي العقوبات.

قوله عليه‌السلام: « واحتصد » الاحتصاد قطع الزرع والنبات بالمنجد أي أهلكهم.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ميثم : ج ٣ ص ١٩٩ :

٥٩٧

وكيف رزق وهدى وأعطى وأراهم حكمه كيف حكم وصبر حتى يسمع ما يسمع ويرى.

فبعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ثم إنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه وليس في العباد ولا في البلاد شيء هو أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر وليس فيها فاحشة أنكر ولا عقوبة أنكى من الهدى عند الضلال في ذلك الزمان فقد نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته حتى تمالت بهم الأهواء وتوارثوا ذلك من الآباء وعملوا بتحريف الكتاب كذبا

قوله عليه‌السلام: « حكمه كيف حكم » وفي النسخة القديمة [ حلمه كيف حلم ] وفي الأول حكمه كيف حكم وهو أظهر.

قوله عليه‌السلام: « من بعدي زمان » أي زمن بني أمية وبني العباس لعنهم الله.

قوله عليه‌السلام: « أبور » البوار الكساد.

قوله عليه‌السلام: « أنكى » قال الجزري : يقال نكيت في العدو ، أنكى نكاية إذا كثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك(١) .

قوله : « وتناساه » قال الجوهري تناساه آوى من نفسه أنه نسيه(٢) .

قوله عليه‌السلام: « حتى تمالت بهم الأهواء » كذا في أكثر النسخ فيحتمل أن يكون بتشديد اللام تفاعلا من الملال ، أي بالغوا في متابعة الأهواء حتى كأنها ملت بهم أو بتخفيف اللام من قولهم تمالؤوا عليه أي تعاونوا أو اجتمعوا فخفف الهمزة ويكون الباء بمعنى على ، والأظهر ما في النسخة المصححة القديمة وهو [ تمايلت ] أي أمالتهم الأهواء والشهوات عن الحق إلى الباطل ، وفي بعض النسخ [ غالت ] بالغين المعجمة من قولهم غاله أي أهلكه.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ١٦٠.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٥٠٨.

٥٩٨

وتكذيبا فباعوه بالبخس «وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ » فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان طريدان منفيان وصاحبان مصطحبان في طريق واحد لا يأويهما مؤو فحبذا ذانك الصاحبان واها لهما ولما يعملان له ـ فالكتاب وأهل الكتاب في ذلك الزمان في الناس وليسوا فيهم ومعهم وليسوا معهم وذلك لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا وقد اجتمع القوم على الفرقة وافترقوا عن الجماعة قد ولوا أمرهم وأمر دينهم من يعمل فيهم بالمكر والمنكر والرشا والقتل كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم لم يبق عندهم من الحق إلا اسمه ولم يعرفوا من الكتاب إلا خطه وزبره يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين

قوله عليه‌السلام: « وأهل الكتاب » أي الأئمة عليهم‌السلام

قوله عليه‌السلام: « لا يؤويهما مؤو » كناية عن عدم الرجوع إليهما والأخذ بما يأمران به.

قوله عليه‌السلام: « واها لهما » قال الجزري : فيه « من ابتلي فصبر فواها واها » قيل : معنى هذه الكلمة التلهف ، وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء يقال :

واها له(١) .

قوله عليه‌السلام: « ولما يعمدان » أي يقصدان ، وفي بعض النسخ [ يعملان ].

قوله عليه‌السلام: « عن الجماعة » أهل الحق وهم أهل البيت عليهم‌السلام كما وردت به الأخبار الكثيرة ، وقد أوردناها في البحار(٢) .

قوله عليه‌السلام: « وزبره » بسكون الباء أي كتابته.

قوله عليه‌السلام: « يدخل الداخل » أي في الدين ، وخروجه لما يرى من عدم عمل أهله به ، وبدعهم وجورهم.

__________________

(١) النهاية : ج ٥ ص ١٤٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٣ ص ٩٩ ـ ١٠٣. أحاديث الباب ٦.

٥٩٩

ينتقل من دين ملك إلى دين ملك ومن ولاية ملك إلى ولاية ملك ومن طاعة ملك إلى طاعة ملك ومن عهود ملك إلى عهود ملك فاستدرجهم الله تعالى «مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » وإن كيده متين بالأمل والرجاء حتى توالدوا في المعصية ودانوا بالجور والكتاب لم يضرب عن شيء منه صفحا ضلالا تائهين قد دانوا بغير دين الله عز وجل وأدانوا لغير الله.

مساجدهم في ذلك الزمان عامرة من الضلالة خربة من الهدى قد بدل فيها من الهدى فقراؤها وعمارها أخائب خلق الله وخليقته من عندهم جرت الضلالة وإليهم تعود فحضور مساجدهم والمشي إليها كفر بالله العظيم إلا من مشى إليها وهو عارف بضلالهم فصارت مساجدهم من فعالهم على ذلك النحو خربة من الهدى

قوله عليه‌السلام : « بالأمل والرجاء » متعلق بقوله فاستدرجهم ، أي استدرجهم بأن أعطاهم ما يأملون ويرجون ، إذ وكلهم إلى أملهم ورجائهم ، ولم يعذبهم ولم يبتلهم لينصرفوا عنهما ، ويحتمل أن يكون حالا عن ضمير المفعول أو خبرا لمبتدء محذوف أي هم مشغولون بهما.

قوله عليه‌السلام: « والكتاب لم يضرب عن شيء منه » أي من الجور والواو للحال أي لم يعرض الكتاب عن بيان شيء من الجور ، وقوله « صفحا » مفعول مطلق من غير اللفظ أو مفعول له أو حال يقال صفحت عن الأمر أي أعرضت منه وتركته ، ويمكن أن يقرأ يضرب على بناء المجرد أي لم يدفع البيان عن شيء منه كما قال تعالى : «أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً »(١) وأن يقرأ على بناء الأفعال قال الجوهري أضرب عنه أعرض.

قوله عليه‌السلام: « ودانوا لغير الله » أي أمروا بطاعة غيره تعالى ، ولم يرد هذا البناء فيما عندنا من كتب اللغة ، وفي النسخة القديمة [ وكانوا لغير الله ].

قوله « على ذلك » أي على تلك العقائد الباطلة ، والأعمال القبيحة من عدم قسمة الفيء وعدم الوفاء بالذمة وغيرها

__________________

(١) سورة الزخرف : ٥.

٦٠٠