تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 11%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 17188 / تحميل: 1922
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والعترة : صخرة عظيمة يتَّخذُ الضبُّ عندها جحره ، يهتدي بها لئلا يضلَّ عنها ، وهم الهداة للخلق.

والعترة : أصل الشجرة المقطوعة ، وهمعليهم‌السلام أصل الشجرة المقطوعة ، لأنهم وتروا وقطعوا وظلموا.

والعترة : قِطَعُ المسك الكبار في النافجة(١) ، وهمعليهم‌السلام من بين بني هاشم وبني أبي طالب كقطع المسك الكبار في النافجة.

والعترة : العين الرائقة العذبة ، وعلومهم لا شيء أعذب منها عند أهل الحكمة والعقل.

والعترة : الذكور من الأولاد ، وهمعليهم‌السلام ذكور غير إناث.

والعترة : الريح ، وهمعليهم‌السلام جند الله وحزبه كما أن الريح جند الله.

والعترة : نبت متفرق مثل المرزنجوش(٢) ، وهمعليهم‌السلام أهل المشاهد المتفرقة ، وبركاتهم منبَّثة في المشرق والمغرب.

والعترة : قلادة تعجب بالمسك ، وهمعليهم‌السلام قلائد العلم والحكمة.

وعترة الرجل : أولياؤه ، وهمعليهم‌السلام أولياء الله المتقون وعباده المخلصون.

والعترة : الرهط ، وهمعليهم‌السلام رهط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورهط الرجل قومه وقبيلته ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، وإنما حكيناه بطوله ؛ لعظم قدره ومحصوله)(٣) .

والكرام : جمع كريم بمعنى النفيس والعزيز.

والكُرَّام بالضم والتشديد ، أكرم من الكريم ويحتمله عبارة المصنف.

__________________

(١) النافجة : وعاء المسك. (تاج العروس ٣ : ٥٠٢).

(٢) المرزنجوش : هو الزعفران. (القاموس المحيط ٢ : ٢٨٧).

(٣) الحديث بطوله عن مجمع البحرين ٣ : ١١٥ ـ ١١٦ مادة : (ع. ت. ر).

١٠١

الصلاة عليهم سبب لمزيد قربهمعليهم‌السلام

[٢٥] ـ قالرحمه‌الله : «صلاة ترضيهم ، وتزيد على منتهى رضاهم ، وتبلّغهم غاية مرادهم ونهاية مناهم »(١) .

أقول : ترضيهم من الإرضاء أو من الترضية ، يقال : أرضيته عني ورضّيته بالتشديد فرضي. وتبلغهم : من بلغت المكان بلوغاً ، أي : وصلت إليه.

وغاية مرادهم : في محل النصب على أنه مفعول لتبلغهم ، والمعنى : اُصلّي عليهم صلاة توصلهم إلى غاية المراد ونهاية المقصود ، وهذا الكلام من المصنّفرحمه‌الله ظاهر في أنَّ الصلاة عليهم سبباً لمزيد قربهم وكمالاتهم ، ولم دل دليل على عدم ترقّيهم في الكمالات في النشأة الآخرة ، بل بعض الأخبار يدلُّ على خلافه ، كما ورد في بعض أخبار التفويض : «أنه إذا اُفيض شيء على إمام العصر ، يُفاض أوّلاً على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمَّ على إمامٍ إمامٍ حَتَّى ينتهي إلى إمام العصر(٢) ، حَتَّى لا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا ، بل مراتب قربه وارتباطه

__________________

(١) معالم الدين : ٤.

(٢) ورد في كتاب العيبة للطوسي : ٣٨٧ ح ٣٥١ ، حديث يتعلّق بالمقام ، نصّه : منها ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، «عن أبي عبد الله السحين بن علي بن سفيان البزوفريرحمه‌الله ، قال : حدّثني الشيخ أبو القاسم الحسين بن روحرضي‌الله‌عنه قال : اختلف أصحابنا في التقويض وغيره ، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيام استقامته فعرفته الخلاف ، فقال : أخِّرني فأخَّرته أياماً فعدت إليه فأخرج إليَّ حديثاً بإسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : إذا أراد الله أمراً عرضه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام وسائر الأئمّة واحداً بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزَّمانعليه‌السلام ثُمَّ يخرج إلى الدنيا ، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عزَّ وجلَّ عملاً عُرض على صاحب الزَّمانعليه‌السلام ، ثُمّ يخرج على واحد بعد واحد إلى أن يُعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُمَّ يُعرض على الله عزّ وجل ، فما نزل من الله فعلى أيديهم ، وما عرج إلى الله فعلى أيديهم ، وما استغنوا عن الله عزَّ وجلَّ طرفة عين».

١٠٢

ورحماته غير متناهية» ، لا يبعد أن يكونوا دائماً متصاعدين على مدارج القرب والكمال ، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية والأولاد والمصحف وغيرها إلى الميِّت ، وأيّ دليل على استثنائهم عن تلك الأحكام ، بل هم آباء هذه الأمَّة المرحومة ، والأمَّة أولادهم ، وكلَّما صدر عن الأمَّة من خير وطاعة يصل إليهم نفعها وبركتها.

[في معنى العدّة]

[٢٦] ـ قالرحمه‌الله : «وتكون لنا عدّة وذخيرة يوم نلقى الله سبحانه ونلقاهم وسلّم تسليما »(١) .

أقول : (العُدد) ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، والمراد هنا ما أعدّه ليوم الحساب ، وتقريب أنّ الصلاة عليهم ذخر وعدّة لنا هو أن يقال : إنّ من المعلوم أنّ من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات أن يهدي تحفاً إلى المقربين لديه والمكرمين عليه ؛ لكي يشفعوا له عنده ، بل لو لم يشفعوا أيضاً وعلم السلطان ذلك يقضي حاجته.

وبعبارة اُخرى : من أحبه السلطان وأكرمه ورفع منزلته يجب أن يكرمه الناس ويثنوا عليه ، فإذا فعل استحق العطاء من السلطان ، وإذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان ، فهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربّنا في إيصال الخيرات والبركات إلينا ؛ لعدم ارتباطنا بساحة جبروته وبعدنا عن حريم ملكوته ، فلا بد أن يكون بيننا وبين ربّنا سفر أو حُجب ذو واجهات قدسيّة وحالات

__________________

(١) معالم الدين : ٣.

١٠٣

بشريّة ، كما في (الكافي) في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّ رجلاً أتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إنّي أجعل لك ثلث صلواتي ، بل أجعل لك نصف صلواتي ، لا بل أجعلها كلّها لك ، فقال رسول الله : «إذاً تُكفى مؤونة الدنيا والآخرة »(١) .

وفيه أيضاً عن الحسن ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال : «ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد ، وإنّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به ، فيُخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجع به »(٢) .

حالات قبل وبعد(٣)

[٢٧] ـ قالرحمه‌الله : «وبعد »(٤) .

أقول : كلمة (بعد) ظرف زمان ، ولها مع أخواتها أربع حالات :

إحداهما : أن تكون مضافاً فتعرب نصباً على الظرفية ، أو خفضاً بـ(من) من غير تنوين بالإضافة.

تقول : جئتك بعد زيد. فتنصبه على الظرفية. وجئتك من بعد زيد. فتخفضه بـ(من).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٩١ ح ٣.

(٢) الكافي ٢ : ٤٩٤ ح ١٥.

(٣) ينظر حالات (قبل وبعد) في شرح ابن عقيل ٢ : ٧١ ـ ٧٤.

(٤) معالم الدين : ٤.

١٠٤

الثانية : أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت لفظه ، فتعرب بالإعراب المذكور أي : الخفض بـ(من) ، ولا تنون أيضاً لنيّة الإضافة كقراءة بعضهم : ﴿لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ(١) بالخفض بغير تنوين ، أي : من قبل القلب ومن بعده ، فحذف المضاف إليه وقدّر وجوده.

الثالثة : قطعها عن الإضافة لفظاً ومعنى ، فلا يقطع عنها التنوين لكونها اسم كسائر أسما النكرات ، فتعرب بالإعراب المذكور فتنصب وتجر كقراءة بعضهم : ﴿لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ(٢) بالجر والتنويه ، ومعنى قطعها عن الإضافة : أن لا يكون في نظر المتكلّم خصوصية المضاف إليه ، وكون المقصود قبلاً ما وبعداً ما ؛ لأجل التنكير ؛ إذ معنى الأوّل من المفاهيم المتضايفة ولا يصحّ بدون الإضافة ، ولها حكم الظروف اللازمة الإضافة فافهم.

الرابعة : أن يحذف المضاف إليه وينوى ثبوت معناه ، أي : بعد الحمد دون لفظه كما في المتن ويمنع من التنوين ؛ لثبوت المضاف إليه في التقدير ، كما إذا ثبت في اللفظ ، ويُبنى على الضم لتضمّنها معنى الإضافة التي هي من معاني الحرف ، وكونه على الحركة ؛ لأن الحركة دليل التمكُّن ؛ لأنها في الأصل متمكّنة ، وكونه على الضم ؛ لأنه أقوى الحركات كقراءة السبعة ﴿لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن

__________________

(١) سورة الروم : من آية ٤ ، وهي قراءة أبي السمّال والجحدري وعون العقيلي. (ينظر : إعراب القرآن للنحاس ٢ : ٥٧٨ ، والكشّاف ٢ : ٢٥٠٣ ، والبحر المحيط ٧ : ١٦٢ ، ومعجم القراءات القرآنية ٧ : ١٤٠.

(٢) قراءة الجر والتنوين : وهي قراءة الجحدري وعون العقيلي ، معاني القرآن للفراء ٢ : ٣٢٠ ، وإعراب القرآن للنحاس ٢ : ٥٧٩ ، ومعاني القرآن وإعجابه للزجاج ٤ : ١٧٦ ، ومعجم القراءات القرآنية ٧ : ١٤٠.

١٠٥

قَبْلُ وَمِن بَعْدُ(١) بالضم من غير تنوين ، وإنما سمّيت هذه الأسماء بالغايات ؛ لأنها جُعلت غاية للنطق بعد ما كانت مضافة ، ولهذه العلّة استوجبت أن تُبنى ؛ لأنَّ آخرها حين قُطع عن الإضافة صار كوسط الكلمة ، ووسط الكلمة لا يكون إلا مبنياً.

[في شرح بعض عبارات المقدّمة]

[٢٨] ـ قالرحمه‌الله : «فإنَّ أولى ما أنفقت في تحصيله كنوز الأعمار»(٢) .

أقول : إضافة الكنوز إلى الأعمار إضافة معنويّة أفادت المضاف تعريفاً ، وهي بمعنى : من ، نحو : لجين الماء ، وخاتم حديد ، وباب ساج ، وذلك ؛ لأن المضاف إليه جنساً من المضاف كما في الأمثلة ، وعلامة ذلك صحَّة الإخبار عن المضاف بالمضاف إليه. فيقال : (هذا حديد) ، مشيراً إلى الخاتم(٣) .

أو : الباب ساج ، ولمّا شبّه العمر بالكنز رشّحه بما هو من لوازمه أعني الإنفاق.

[٢٩] ـ قالرحمه‌الله : «وأطالت التردُّد بين العين والأثر في معالمه الأفكار »(٤) .

أقول : أي أطالت الأفكار حركتها الفكرية ما بين المقدمات والنتائج في تحصيل معالمه.

__________________

(١) قراءة الضم من غير تنوين : وهي قراءة جمهور الفرّاء ، ينظر معاني القرآن للفراء ٢ : ٣١٩ ، ومعاني القرآن للزجاج ٤ : ١٧٦ ، وشكل إعراب القرآن ٢ : ١٧٥ ، والبحر المحيط ٧ : ١٦٢ ، ومعجم القراءات القرآنية ٧ : ١٣٩.

(٢) معالم الدين : ٤.

(٣) ينظر عن الإضافة المعنوية : شرح ابن عقيل ٢ : ٤٢ ـ ٤٤.

(٤) معالم الدين : ٤.

١٠٦

تخصيص المسند إليه بالمسند

[٣٠] ـ قالرحمه‌الله : «هو العلم بالأحكام الشرعيّة والمسائل الفقهيّة »(١) .

أقول : (هو) مبتدأ ، و (العلم) خبر ، والجملة خبر (إن) الواقعة في صدر الكلام مع اسمها ، والإتيان بضمير الفصل(٢) لتخصيص الخبر بالمبتدأ ، فإن معنى قولنا : زيد هو القائم.

أن القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو ؛ ولهذا يقال في تأكيده : لا عمرو ، وفيما نحن فيه المقصود أن العلم المذكور مقصور على صفة الأولوية لا يتجاوز إلى غيرها.

قال المحقّق التفتازاني في المطوّل : (بعد أن جعل معنى تخصيص المسند إليه بالمسند قصر المسند بالمسند إليه.

فإن قلت : الَّذي يسبق إلى الفهم من تخصيص المسند إليه بالمسند ، هو قصره على المسند ؛ لأن معناه جعل المسند إليه بحيث يخص المسند ، ولا يعمُّه وغيرَه.

قلت : نعم ، ولكنَّ غالب استعماله في الاصطلاح على أن يكون المقصور هو المذكور بعد الباء على طريقة قولهم : خصصت فلاناً بالذكر ، إذا ذكرته دون غيره ، وجعلته من بين الأشخاص مختصّاً بالذكر ، فكأن المعنى جعل هذا المسند إليه من بين ما يصح اتصافه بكونه مسنداً إليه مختصاً بأن يثبت له المسند) ، انتهى(٣) .

وأنت خبير بأنّ ما نحن فيه أيضاً من هذا القبيل ، فيقال : إنّ الأولوية من بين

__________________

(١) معالم الدين : ٤.

(٢) إن اُعتبر الضمير فصلاً فلا محل له من الإعراب على المشهور. (السيد محمد الطباطبائي).

(٣) المطوّل : ٢٥١ ، نحوه في مختصر المعاني : ٦٣.

١٠٧

ما يصح اتصافها بكونها مسنداً ، منفردة ومختصّة بأن يثبت لها علم الفقه مثلاً من بين سائر العلوم ، وفي تعريف الخبر باللازم من مبالغة التخصيص ما لا يخفى.

كلمة (فلعمري)

[٣١] ـ قالرحمه‌الله : «فلعمري إنّه المطلب الَّذي يظفر بالنجاح طالبه ، والمغنم الَّذي يبشر بالأرباح كاسبه »(١) .

أقول : ذكر جدّي الفاضل الصالح المازندراني في حاشية المعالم ما يليق بالإشارة إليه ، والاقتصار عليه ، حيث قال : (ثُمَّ أردفه ـ أي المصنَّفرحمه‌الله ـ بذكر غايته العظمى مصدّراً بالقسم ؛ دفعاً لتوهُّم الإنكار والجزاف حيث قال : فلعمري إلخ.

(اللام) للابتداء ، حذف خبره وجوباً لقيام جواب القسم مقامه ، أي : لعمري قسمي.

والعمر : بضم العين وفتحها ، فلا تستعمل في القسم إلا بالفتح ، واعترض بأن الحلف بغيره سبحانه منهيٌ عنه ، واُجيب عنه تارة بأنّ المضاف محذوف ، أي : فلواهب عمري. واُخرى بأن المراد هو الإتيان بصورة القسم ترويجاً للمقصود ، وليس المراد به القسم حقيقة) ، انتهى كلامه(٢) .

[في شرح بعض عبارات المقدّمة أيضا]

[٣٢] ـ قالرحمه‌الله : «والعلم الَّذي يعرج بحامله إلى الذروة العليا »(٣) .

أقول : (العروج) : هو الارتقاء والصعود(٤) .

__________________

(١) معالم الدين : ٤.

(٢) حاشية المعالم : ٥.

(٣) معالم الدين : ٤.

(٤) ينظر : معجم مقاييس اللُّغة ٤ : ٣٠٤ ، والنهاية في غريب الحديث ٣ : ٢٠٣ ، ومجمع البحرين ٣ : ١٤٨.

١٠٨

و (الذروة) : بالكسر والضم أعلى السنام [وكل شيء](١) .

و (العليا) : تأكيد للعلو المستفاد من الذروة ، والمراد واضح.

[٣٣] ـ قالرحمه‌الله : «وتنال به السعادة في الدار الأُخرى »(٢) .

أقول : وهي الغاية المقصودة من هذا العلم ، والثمرة الملحوظة ، ولذا وردت الأخبار وتواترت الآثار في الحثّ على تحصيل هذا العلم ، والترغيب لتحمُّل المشاق في سبيل تعلُّمه وتعليمه ، وترتّب الثواب العظيم عليهما حسب ما سيتلى عليك منها جملة وافرة.

[٣٤] ـ قالرحمه‌الله : «ولقد بذل علماؤنا السابقون وسلفنا الصالحون ، رضوان الله عليهم أجمعين ، في تحقيق مباحثه جهدهم ، وأكثروا في تنقيح مسائله كدَّهم »(٣) .

أقول : فلله درّهم ، فكم ضربوا في تحصيله شرق البلاد وغربها حيناً ، وألحّوا في طلبه لدى كل أحد وإن كان به ضنينا ، فعرفوا أسراره ورفعوا مناره ، وصانوه عن التبديل واختلاف التأويل ، وأذابوا نفوسهم في تحقيق مباحثه ، فقربوا منه البعيد من مبانيه ، ولحقوا الشريد من معانيه ، وعمروا دِمَنَهُ الدارسة ، وجدَّدوا معالمه الطامسة ، وفهموا أسراره ورأوا بعين البصيرة أنواره ، ورغبوا في سلوك سبيله ، وجهدوا على إحرازه وتحصيله ، وكتبوا في فنّه الشريف ما ينوف على الأُلوف ، وارتادوا ، واصطادوا ، واستفادوا ، وقرأوا ، وسمعوا ، وأمنعوا ، وأتقنوا ،

__________________

(١) ينظر : العين ٨ : ١٩٥ ، ومجمع البحرين ٢ : ٩٣.

(٢) معالم الدين : ٤.

(٣) معالم الدين : ٤.

١٠٩

واجتنبوا واقتنوا ، ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ(١) .

و﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّـهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ(٢) .

كم الخبرية ومميزها

[٣٥] ـ وإلى ذلك أشار المصنّفرحمه‌الله وقال : «فكم فتحوا فيه مقفلاً ببنان أفكارهم ، وكم شرحوا منه مجملاً ببيان آثارهم ، وكم صنّفوا فيه من كتاب يهدي في ظلم الجهالة إلى سنن الصواب»(٣) .

أقول : فيه تشبيه الأفكار بالإنسان بطريق الكتابة وإثبات البنان لها تخييليّة ، ثُمَّ إذا كان الفصل بين (كم) الخبرية ومميزها بفعل متعدّ وجب الإتيان بـ(من) ؛ لئلا يلتبس المميَّز بمفعول ذلك المعتدي ، نحو قوله تعالى : ﴿كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ(٤) و﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ(٥) .

وعليه ، فعدم إتيان (من) في الفقرتين الأوليين لا يخلو من شذوذ ، كما هو المنقول عن بعض من نصب مميَّز (كم) الخبرية ، مفرداً كان أو جمعاً بلا فصل أيضاً ، نقله نجم الأئمة في شرحه(٦) .

والمراد بالآثار هي الكتب المصنَّفة في علم الفقه التي أشار إلى بعضها.

__________________

(١) سورة النور : من آية ٣٧.

(٢) سورة النمل : من آية ٥٩.

(٣) معالم الدين : ٤.

(٤) سورة الدخان : من آية ٢٥.

(٥) سورة القصص : من آية ٥٨.

(٦) شرح الرضي على الكافية : ٣ : ١٥٦ ، ونجم الأمة هو رضي الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي النجفي شارح الكافية (ت ٦٨٦ هـ).

١١٠

براعة الاستهلال

[٣٦] ـ قالرحمه‌الله : «من مختصر كان في تبليغ الغاية ، ومبسوط شاف يتجاوز النهاية ، وإيضاح يحلّ من قواعده المشكل ، وبيان يكشف من سرائره المفصّل ، وتهذيب يوصل من لا يحضره الفقيه بمصباح الاستبصار إلى مدينة العلم ، ويجلو بإنارة مسالكه عن الشرائع ظلمات الشك والوهم ، وذكرى دروس مقنعة في تلخيص الخلاف والوفاق ، وتحرير تذكرة هي منتهى المطلب في الآفاق ، ومهذّب جمل يسعف في مختلف الأحكام بكامل الانتصار ، ومعتبر مدارك يحسم مواد النزاع من صحيح الآثار ، ولمعة روض يرتاح لتمهيد اُصول الجنان ، وروضة تدهش بإرشاد فروعها الأذهان ، فشكر الله سعيهم وأجزل من جوده مثوبتهم »(١) .

أقول : لا يخفى عليك ما في هذه الفقرات من حسن تأدية المقصد بإيراد أسماء الكتب الفقهية من غير اختلال في النظم ، ولا خفاء في المعنى رعاية لبراعة الاستهلال.

والبراعة : مصدر (برع الرجل) إذا فاق أصحابه.

والاستهلال : أوّل صوت الصبي ، ثُمَّ استُعير لأوّل كل شيء.

فبراعة الاستهلال بحسب المعنى اللغوي تفوق الابتداء ، وفي الاصطلاح كون الابتداء مناسباً للمقصود ، وهو إنّما يكون سبباً لبراعة الاستهلال أي تفوق الابتداء ، فتسميته بها يكون من باب تسمية السبب باسم مسبّبه تنبيهاً على كمال السبب في السببية ، فكأنّ التسمية على طريقة النقل لا الارتجال.

فالمختصر : هو كتاب المختصر النافع في الفقه معروف للشيخ السعيد نجم

__________________

(١) معالم الدين : ٤.

١١١

الملّة والدين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد المعروف بالمحقّق.

والمبسوط : هو كتاب الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسيرحمه‌الله .

والشافي في كتاب الإمامة : للسيِّد المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي.

والنهاية : كتاب في الفقه للعلّامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحِلّي طاب ثراه(١) .

والإيضاح : هو شرح قواعد العلّامة لولده فخر الدين محمّد بن الحسن بن يوسف المذكور.

والقواعد : من أعرف كتب العلّامة.

والبيان : من أشهر متون الفقه للشهيد الأوّل محمّد بن مكيرحمه‌الله .

والسرائر : لمحمّد بن أحمد بن إدريس الحِلّي العجلي.

والتهذيب : هو أحد الكتب الأربعة التي عليها المدار بين الطائفة المحقّة الإمامية للشيخ الطوسي المتقدِّم.

ومن لا يحضره الفقيه : أيضاً من الكتب الأربعة للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق القمّيرحمه‌الله .

والمصباح : الكبير والصغير للطوسي المتقدِّم.

__________________

(١) اسم كتاب العلامة الحلّي هو نهاية الأحكام ، والنهاية وحدها اسم كتاب للشيخ الطوسيرحمه‌الله ، والظاهر أن المقصود هو كتاب الشيخ الطوسي ، ويحتمل أن تكون (شافٍ) في عبارة المتن صفة للمبسوط ولا يقصد بها الإشارة إلى كتاب الشافي ؛ لأنه في العقائد ، وغرض الماتن الإشارة إلى كتب الفقه والحديث والأُصول.

١١٢

والاستبصار : من الكتب الأربعة المذكورة أيضاً له.

ومدينة العلم : من كتب الصدوق ، أكبر من الفقيه نَسَبَهُ إليه الشيخ في الفهرست(١) .

نقل السيِّد عبد الله الجزائري في إجازته الكبيرة : أنه لما تأهّب المولى المجلسيرحمه‌الله لتأليف كتاب بحار الأنوار كان يفحص عن الكتب القديمة ويسعى في تحصيلها ، وبَلَغَهُ أنّ كتاب مدينة العلم للصدوق يوجد في بعض بلاد اليمن ، فأنهى ذلك إلى سلطان العصر ، فوجّه السلطان أميراً من أركان الدولة سفيراً إلى ملك اليمن بهدايا وتحف كثيرة لخصوص تحصيل ذلك الكتاب(٢) .

غير أنَّ صاحب الروضات ادّعى : أنّه لم يُرَ منه أثرٌ ولا عين بعد زمن العلّامة والشهيدين ، مع نهاية اهتمام علمائنا في تحصيله ، وإنفاقهم المبالغ الخطيرة في سبيله ، نعم ، قَدْ نثل أنه كان عند والد شيخنا البهائي رحمهما الله ولكنّ العادة تأباه ، كيف لا وهو لم يوجد عند أحد من المحمّدين الثلاثة المتأخّرين أيضاً كما لا يخفى ، فكأنه شبيه بالعنقاء أو لم يكن بهذه المثابة من العظم والبهاء(٣) .(٤)

__________________

(١) الفهرست للطوسي : ٢٣٧ رقم ٧١٠ / ١٢٥.

(٢) الإجازة الكبيرة : ١٩٧.

(٣) روضات الجنات ٦ : ١٣٦.

(٤) كتاب مدينة العلم ذكره النجاشي ، بقوله : وكتاب مدينة العلم أكبر من (مَن لا يحضره الفقيه).

وقال ابن شهر آشوب : (مدينة العلم عشرة أجزاء). وقال العلامة الطهراني : (كتاب مدينة العلم هو خامس الأُصول الأربعة القديمة للشيعة الإمامية الاثني عشرية) ، قال الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي في درايته : (وأصولنا الخمسة الكافي ومدينة العلم وكتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار) ، بل هو أكبر من كتاب من لا يحضره الفقيه فالأسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين أظهرنا وأيدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي إن العلامة المجلسي صرف أموالاً جزيلة في طلبه وما ظهر به ، وكذا حجّة الإسلام الشفتي بذل من

١١٣

والمسالك : شرح على (الشرائع) من الكتب المعروفة لزين الدين بن علي المعروف بـ(الشهيد الثاني).

والشرائع : من أحسن كتب الإمامية التي عليها المدار في سالف الأعصار وفي عصرنا هذا ، للمحقّق المتقدِّم(١) .

والذكرى والدروس : كتابان معروفان للشهيد المتقدِّم(٢) .

والمقنعة : لأبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام الملقَّب بـ(المفيد).

وكتاب التلخيص أي : تلخيص المرام : للعلامة الحِلّي المتقدِّم.

والخلاف : من الكتب المعروفة للطوسي المتقدِّم.

والتحرير والتذكرة ومنتهى المطلب : من كتب العلّامة.

والمهذب البارع : لجمال الدين أبي العبَّاس أحمد بن شمس الدين بن محمّد بن فهد الحِلّي الأسدي الساكن بالحلة والحائر الشريف حيّاً وميتاً.

والجمل هو : جعل العلم والعمل للسيِّد المرتضى.

__________________

الأموال ولم يفز بلقائه ، نعم ينقل عنه السيِّد علي بن طاووس في فلاح السائل وغيره وبالجملة ليس لنا معرفة بوجود هذه الدرة النفيسة في هذه ال اواخر إلا ما وجدناه بخط السيِّد شبر الحويزي وإمضائه الآتي وهو ما حكاه السيِّد الثقة الأمين معين الدين السقاقلي الحيدر آبادي : (إنه توجد نسخة مدينة العلم للصدوق عنده واستنسخ عنه نسختين آخريين ، وذكر السقاقلي أنه ليس مرتباً على الأبواب بل هو نظير روضة الكافي) ، وروى السقاقلي عن حفظه حديثاً للسيِّد عبد العزيز في فضل مجاورة أمير المؤمنينعليه‌السلام نقله عنه السيِّد عبد العزيز بالمعنى وهو : أنَّ مجاورة ليلة عند أمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل من عبادة سبعمائة عام ، وعند الحسينعليه‌السلام أفضل من سبعين عام. (ينظر : الذريعة ٢٠ : ٢٥١ ـ ٢٥٢ رقم ٢٨٣٠ ، مقدمة كتاب الهداية للصدوق : ١٩١).

(١) أي : المحقّق الحليرحمه‌الله .

(٢) أي : الشهيد الأوّلرحمه‌الله .

١١٤

والمختلف : للعلّامة الحِلّي المتقدِّم.

وكامل الزيارة : للشيخ النبيل الثقة أبي القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه.

والانتصار : هو من كتب السيِّد المرتضى.

والمعتبر : من الكتب المعروفة للمحقِّق المتقدِّم(١) .

والمدارك : لشمس الدين محمّد بن علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ابن بنت الشهيد الثاني.

وتمهيد القواعد : للشهيد الثاني.

والروضة : له أيضاً.

كشف الحجب عن بعض الكتب

هذا ويجدر بالمقام أن نشير إلى جملة من الكتب والمصنَّفات التي وقع الاختلاف والاشتباه في مصنّفيها ، وجهلوا مؤلِّفيها فمن ذلك :

[أ] ـ جامع ديوان مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام : فقد نسبه النجاشيّ في الفهرست إلى الجلوديّ ، وهو عبد العزيز بن يحيى بن عيسى الجلوديّ من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام (٢) .

وابن شهر آشوب نسبه إلى الشيخ أبي الحسن علي بن أحمد بن محمّد الفنجكرديّ الأديب النيسابوريّ ـ كان معاصراً للزمخشري والميداني ـ المتوفّى

__________________

(١) أي المحقّق الحليرحمه‌الله .

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٠ رقم ٦٤٠ ذكره له ـ عند تعداد كتبه المتعلّقة بأمير المؤمنينعليه‌السلام ـ بعنوان كتاب شعرهعليه‌السلام .

١١٥

سنة ٥١٣ وسمّاه (سلوة الشيعة)(١) ، وفنجكرد قرية من قرى نيسابور.

وذكره عبد الغفّار الفارسيّ فقال : علي بن أحمد الفنجكرديّ الأديب البارع صاحب النظم والنثر الجاريين في سلك السلاسة ، الباقيين معه على هرمه وطعنه في السن ، قرأ اُصول اللُّغة على يعقوب بن أحمد الأديب وغيره وأحكمها وتخرّج فيها ، أصابته علّة لزمته في آخر عمره ومات بنيسابور في الثالث عشر من رمضان سنة ٥١٣ وعمره ثمانون(٢) .

والشيخ أبو الحسن قطب الدين محمّد بن الحسين بن الحسن الكيدري السبزواري شارح نهج البلاغة نسبه إلى نفسه في الشرح المذكور سمّاه بأنوار العقول من أشعار وصي الرسول(٣) .

__________________

(١) معالم العلماء : ١٠٦ رقم ٤٨١ ذكر له كتاب تاج الأشعار وسلوة الشية من أشعار أمير المؤمنين ، ونقل عنه في مناقبه : ١ : ٣٣٥ ، ٣٧٤ وفي ٢ : ٣٤ ، ٢٤٤.

(٢) عنه الأنساب للسمعاني ٤ : ٤٠٢ ، الذريعة ٣ : ٢٠٥ رقم ٧٥٨ ، كما ينظر : ترجمته مفصلاً في الغدير ٤ : ٣٢٠.

(٣) تنبيه : قال الشيخ آقا بزرك الطهرانيرحمه‌الله مقالاً في كتابه الذريعة ج ٢ ص ٤٣١ رقم ١٦٩٧ يتعلّق بالموضوع ، يظهر فيه أنَّ التعدد ليس بعزيز ، ونصّه : (أنوار العقول من أشعار وصي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو ديوان أشعار منسوبة إلى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام مرتبة قوافيها ترتيب حروف الهجاء ، من جمع قطب الدين الكيدري شارح نهج البلاغة بشرح سماه (حدائق الحقائق) وفرغ منه سنة ٥٧٦ ، وهو الشيخ أبو الحسن محمّد بن الحسين بن الحسن البيهقي النيسابوري ممن أخذ عن الإمام المفسر أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي المتوفّى ٥٤٨ ، كما يظهر من أثناء كتابه هذا عند ذكر الحرز المشهور عن أمير المؤمنينعليه‌السلام في قوله : (ثلاث عصي صفقت بعد خاتم) أوّله : (الحمد لله الّذي دانت لعزّته الجبابرة ، وتضعضعت دون عظمته الأكاسرة) ، ذكر في أوّله أنه جمع أولاً خصوص أشعاره المشتملة على الآداب والحكم والمواعظ والعبر وسماه (الحديقة الأنيقة) ، ثُمَّ جمع أشعارهعليه‌السلام جمعاً عاماً وافياً في هذا الكتاب الَّذي سماه (أنوار العقول) وذلك بعد الجد في الطلب والفحص في الكتب التي منها الدواوين الثلاثة المجموعة فيها أشعارهعليه‌السلام .

احدها : ما جمعه الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد الفنجگردي النيسابوري شيخ الأفاضل المتوفّى سنة ٥١٣ أو ٥١٢ ـ كما أرّخه السيوطي في بغية الوعاة ـ وهو في مائتي بيت ، واسمه (سلوة الشيعة) أو (تاج الأشعار) كما يأتي.

وثانيها : ما جمعه بعض الأعلام وهو أبسط من جمع الفنجگردي ، بعض أشعاره مستخرجة من كتاب محمّد بن إسحق صاحب (السيرة) وبعضها ملتقطة من متون الكتب منسوبة إليهعليه‌السلام .

١١٦

ولكن في معجم الأدباء لياقوت الحموي ، أنه قرأ بخط أبي منصور محمّد بن أحمد الأزهري اللغوي في كتاب التهذيب له ، قال أبو عثمان المازني : لم يصح عندنا أنّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام تكلَّم من الشعر بشيء غير هذين البيتين(١) :

تِلكُم قَرَيْشُ تَمَنَّانِي لِتَقْتُلَنِي

فَلا وجدّك لا بَرُّوا ولا ظَفَرُوا

فإنْ هَلَكْتُ فَرَهْنٌ ذمَّتي لهُمُ

لذاتِ وَدْقَيْنِ لا يَعْفُو لها أَثَرُ(٢)

__________________

وثالثها : ما جمعه السيِّد أبو البركات هبة الله بن محمّد الحسيني ، وغير هذه الدواوين الثلاثة من كتب السيرة والتواريخ المعتمدة مصرحاً بأن ما يذكره لا يدّعي فيه القطع واليقين بأنهعليه‌السلام ناظمه ومنشئه لتعذر الحكم باليقين في مثله ، بل إنما أخذ فيه بالظن الحاصل من نقل الرواة ، وكذا لا يدّعي إحاطته بجميع أشعاره بل يجوز أن يكون ما ظفر به دون ما صفرت عنه يداه ، فيذكر في جلّ الأشعار مآخذها من كتب الأعلام المشاهير من الدواوين الثلاثة ، وكتاب تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام ، وكتب الشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيرها بأسانيدهم ، مثل رواية محمّد بن اسحق ، ورواية الإمام علي بن أحمد الواحدي الَّذي كان إمام أصحاب الشافعي بخراسان غير مدافع ، ورواية الأديب أبي علي أحمد بن محمّد المرزوقي ، ورواية أبي الجيش المظفر السنخي وغير ذلك من الروايات ، وفي آخره : (قال مؤلِّف الكتاب : هذا ما أكدى إليه كدّي وأدى إليه جهدي من التقاط هذه الدرر الفريدة وارتباط أوابدها الشريدة ، جمعتها من مظان متباعدة ولا تذهلن عن قولي فيه».

(١) قال السيِّد محسن الأمينرحمه‌الله في أعيان الشيعة ج ١ ص ٥٤٩ في باب الشعر المأثور عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ما نصّه : (عن الجاحظ في كتابي البيان والتبيين ، وفضائل بني هاشم ، والبلاذري في أنساب الأشراف : أنَّ علياً أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم. وعن تاريخ البلاذري : كان أبو بكر يقول الشعر ، وعمر يقول الشعر ، وعثمان يقول الشعر ، وكان عليّ أشعر الثلاثة. وعن الشعبي : كان أبو بكر شاعراً وعمر شاعراً وعثمان شاعراً وكان عليّ أشعر الثلاثة. وعن سعيد بن المسيب : كان أبو بكر وعمر وعليّ يجيدون الشعر وعليّ أشعر الثلاثة. وقد ذُكر لهعليه‌السلام في الكتب أشعار كثيرة اشتهرت نسبتها إليه ورواها الثقات ودلت بلاغتها على صحّة نسبتها. وقال المرزباني في معجم الشعراء : يُروى له شعر كثير. فما يحكى عن المازني وصوّبه الزمخشري من أنّه : لم يصح أنه تكلَّم بشيء من الشعر غير هذين البيتين :

تلكم قريش تمناني لتقتلني

فلا وربّك ما بروا وما ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهم

بذات ودقين لا يعفو لها أثر

وما يحكى عن يونس النحوي : ما صح عندنا ولا بلغنا أنّه قال شعراً إلّا هذين البيتين ليس بصواب).

(٢) معجم الأدباء ٤ : ١٧٢ ، لسان العرب ١٠ : ٣٧٢ ، ووردت في بشارة المصطفى ص ٣١٨ زيادة عمّا مذكور هنا سبعة أبيات.

١١٧

[ب] ـ ومن ذلك رسالة إلزام النواصب بإمامة علي ابن أبي طالب عليه اسلام : عدّه في أمل الآمل من جملة الكتب المجهولة المؤلِّف(١) ، والصحيح أنّه للشيخ مفلح الصيمري ، على ما صرّح به العلّامة الشيخ سليمان الماحوزي المتوفّى سنة ١١٢٢ في رسالة له في أحوال علماء البحرين(٢) ، ونسبه بعضهم إلى السيِّد رضي الدين أبي القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن أحمد بن طاووس الحسني صاحب كتاب الطرائف ، وهو اشتباه(٣) .

[ج] ـ ومن ذلك كتاب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام : ذكر ابن شهر آشوب في آخر كتاب معالم العلماء أنه مجهول المؤلِّف(٤) ، وهو لمحمّد بن جرير الطبري أعني الشيخ أبا جعفر الإمامي الشيعي جدّه رستم الطبري ، نقل صاحب العبقات من حاشية في أصل كتاب تذكرة الحفاظ للذهبي : أنه لمّا سمع الطبري أنّ ابن أبي داود يتكلَّم في حديث (غدير خم) صنّف كتاب الفضائل وصحّح الحديث المزبور(٥) .

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ٣٦٤.

(٢) فهرست علماء آل بويه وعلماء البحرين : ٧٠ رقم ٨.

(٣) كشف الحجب والأستار : ٥٨ رقم ٢٧٤ ، الذريعة ٢ : ٢٨٩ رقم ١١٧٠.

(٤) معالم العلماء : ١٧٩.

(٥) جاء في كتاب نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ٦ : ٨٠ ـ ٨٢ رقم ٣ ط ١ : (أنَّ الكتاب هو من مؤلَّفات الطبري العامي لا الإمامي كما ذهب إليه الشارحرحمه‌الله ، وذكر فيه قول الذهبي الوارد أعلاه في ترجمة العامي ، وقد نصّ جمعٌ من المؤلِّفين على هذا القول ومنهم المحقّق السيِّد عبد العزيز الطباطبائيرحمه‌الله إذ قال ما نصّه : فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام لأبي جعفر محمّد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير وتهذيب الآثار وغيرها (٢٢٤ ـ ٣١٠ هـ) ـ قال ياقوت في ترجمة الطبري من معجم الأدباء ١٨ / ٨٠ : له كتاب فضائل علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، تكلم في أوّله بصحّة الأخبار الواردة في غدير خم ، ثُمَّ تلاه بالفضائل ولم يتمّ ، وقال الذهبي في ترجمة الطبري من تذكرة الحفاظ ٣ /

١١٨

ولأبي المؤيد أخطب خوارزم الموفّق بن أحمد من علماء العامّة كتاب (فضائل أمير المؤمنين) ينقل عنه صاحب غاية المرام كثيراً(١) .

[د] ـ وفضائل الأخبار : هي رسالة مختصرة فيها مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين بأسانيد العامّة للشيخ الجليل أبي الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسين بن شاذان ، أحد مشايخ شيخنا الطبرسي وأبي الفتح الكراجكي ومن جملة المتلمّذين على التلعكبري ، وشيخنا الصدوقرحمه‌الله (٢) .

[هـ] ـ ومن ذلك الكتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول : قال في أمل الآمل عند ذكر مؤلَّفات العلّامة : الكشكول فيما جرى على آل الرسول ينسب إليه ، وفي آخر الكتاب عَدَّهُ في ضمن المجاهيل(٣) .

قلت : ومن المحقِّق أنه من مؤلَّفات السيِّد الحكيم العارف السيِّد حيدر الآملي ابن علي العبيدي الحسني الصوفي المعاصر للعلّامة وفخر الدين ، ويؤيده أنَّ مصنِّف هذا الكتاب ذكر في أثناء الكتاب أنّه كان مشغولاً بتصنيفه سنة ٧٣٦

__________________

٧١٣ حاكياً عن الفرغاني أنّه قال : ولمّا بلغه [أي الطبري] أنَّ أبي داود تكلّم في حديث غدير خمّ عمل كتاب الفضائل ، وتكلّم على تصحيح الحديث). (ينظر : أهل البيتعليهم‌السلام في المكتبة العربية : ٣٦٦ رقم ٥٦٦).

هذا مع أن تعدد هذا العنوان لعدَّة من المؤلِّفين هو ليس بعزيز ، فتأمَّل.

(١) تنبيه : لأبي المؤيد ـ أخطب خوارزم ـ الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي (٤٨٤ هـ ـ ٥٦٨ هـ) عدّة كتب في أمير المؤمنينعليه‌السلام وهي كالآتي : الأربعين في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حديث ردّ الشمس ، الفصول السبعة والعشرون في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام ، مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام . (ينظر : أهل البيتعليهم‌السلام في المكتبة العربية : ٣٤ ، ١٣٢ ، ٣٤٧ ، ٥٨٤ تباعاً).

(٢) الذريعة ١٦ : ٢٥١ رقم ١٠٠٢.

(٣) أمل الآمل ٢ : ٨٥ ، ٣٦٤.

١١٩

من الهجرة النبوية ، وهذا التاريخ متأخّر عن وفاة العلّامة بعشر سنين ، فإنَّ وفاته كما سيجيء سنة ٧٢٦(١) .

وعلى كل حال فقد قال العلّامة في (الشهاب الثاقب) : (إن السيِّد حيدر هذا اختار القول بوحدة الوجود وأنا منه بريء ، وهو ليس من الَّذين يرجع إليهم ويعتمد عليهم)(٢) .

[و] ـ ومن ذلك كتاب التلقين لأولاد المؤمنين : عدّه ابن شهر آشوب من المجاهيل(٣) ، وصرّح صاحب الأمل وكشف الحجب أنّه للقاضي أبي الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي(٤) .

[ز] ـ ومن ذلك كتاب فرحة الغري في تعيين مرقد علي : ذكرَ في مجالس المؤمنين في ترجمة النَّجف أنّه للسيّد رضي الدين علي بن طاووس وهو اشتباه

__________________

(١) أقول : قال الشيخ أغا بزرك الطهرانيرحمه‌الله في كتابه الذريعة ١٨ : ٨٢ رقم ٧٧٧ ، ما نصّه : (الكشكول فيما جرى لآل الرسول والجمهور بعد الرسول المشهور نسبته إلى السيِّد العارف الحكيم حيدر بن علي العبيدي ـ أو العبدلي ـ الحسيني الآملي ، المعروف بالصوفي ، المعاصر لفخر المحققين بل تلميذه ولكن في (الرياض) استبعد كون مؤلّفه الصوفي المذكور ، لوجوه أربعة مذكورة في ترجمة الصوفي والحقّ معه ، بل المؤلِّف هو السيِّد حيدر بن علي الحسيني الآملي المقدِّم على الصوفي بقليل. أوّله : «الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ...» كتبه في سنة وقوع الفتنة العظيمة بين الشيعة والسنة وهي في ٧٣٥ وعدّه في مجالس المؤمنين من كتب السيِّد حيدر الصوفي المذكور ، ولكن الشيخ المحدّث الحر قال : إنّه ينسب إلى العلّامة الحلي ، والشيخ يوسف خطّاء في الانتساب إليه ، وجزم بكلام المجالس والله أعلم).

(٢) عنه كشف الحجب والأستار : ١٥١ رقم ٧٤٤.

(٣) كذا ، والصحيح أنّ ابن شهر آشوب عدّه من مؤلَّفات الكراجكي في كتابه معالم العلماء المطبوع : ١٥٣ رقم ٧٨٨ ، فتأمَّل.

(٤) أمل الآمل ٢ : ٢٨٧ رقم ٨٥٧ ، كشف الحجب والأستار : ١٤٠ رقم ٦٩٥ ، الذريعة ٤ : ٤٢٩ رقم ١٨١٨ ، ومؤلِّف الشهاب الثاقب هو العلّامة السيِّد دلدار النقوي (ت ١٢٣٥ هـ).

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

الامتثال لكلّ ما يأمر به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واتباعه في كلّ شيء.

فلو فرضنا أنّ الأنبياء موجودون في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونصّ على إمامة الأئمّةعليهم‌السلام ، وأمر بأتباعهم ، فهل يسع الأنبياء مخالفة ذلك؟

وحينئذ نسأل أيّهما أفضل الإمام أم المأموم؟ والتابع أم المتبوع؟ وإذا ثبتت أفضليتهم في هذا الحال ، فهي ثابتة في كلّ الأحوال ، فليس هناك ما يمنع من أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على سائر الأنبياء ، لا عقلاً ولا شرعاً.

الرابع : إنّ أهل السنّة رووا في كتبهم : أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل )(١) ، أو بمنزلة أنبياء بني إسرائيل ونحو ذلك ، وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يفتخر بعلماء أُمّته يوم القيامة ، فإذا كان العالم المسلم من أُمّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم؟ ونوهّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستغنوا عن الناس في المعارف والعلوم ، واحتياج الناس إلى علومهم ومعارفهم.

الخامس : في صفة منبر الوسيلة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه منبر يؤتى به في يوم القيامة ، فيوضع عن يمين العرش ، فيرقى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ يرقى من بعده أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيجلس في مرقاة دونه ، ثمّ الحسن في مرقاة دونه إلى آخرهم ، ثمّ يؤتى بإبراهيم وموسى وعيسى والأنبياء ، فيجلس كلّ واحد على مرقاته من دون المراقي(٢) .

هذا ، وقد وقع الخلاف بين أصحابنا في أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام على الأنبياءعليهم‌السلام ، ما عدا جدّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذهب جماعة إلى أنّهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أُولي العزم ـ فهم أفضل من الأئمّة ـ وبعضهم إلى مساواتهم ، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ

____________

١ ـ كشف الخفاء ٢ / ٦٤ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٣٢٥ ، سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٣٣٧ ، فيض القدير ١ / ٢١.

٢ ـ اللمعة البيضاء : ٢١٧.

١٨١

أكثر المتأخّرين على أفضلية الأئمّة على أُولي العزم وغيرهم ، وهو الرأي الصحيح.

وهناك الكثير من الأدلّة على أفضلية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام على جميع الأنبياء والمرسلين ، أعرضنا عن ذكرها خوف الإطالة عليك ، وللتعرّف على المزيد ، راجع الكتب الآتية :

اللمعة البيضاء للتبريزيّ الأنصاريّ ، أفضلية الأئمّةعليهم‌السلام لمركز المصطفى ، تفضيل الأئمّةعليهم‌السلام للسيّد علي الميلانيّ.

ويمكن أن نستدلّ بطريقة أُخرى ، وهي :

١ ـ أن نثبت الإمكان العقلي ، بأن يكون هناك شخص أفضل من الأنبياء حتّى أُولي العزم ، وهذا واضح فهو ليس بعزيز على الله ولا يلزم منه محذور.

٢ ـ أن نثبت الوقوع والوجود لمثل هذا الشخص بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أمير المؤمنينعليه‌السلام أوّل الأئمّة ، بأدلّة عديدة :

منها : مساواته للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما عدا النبوّة ، كما في آية المباهلة ، فهو نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله والنبيّ أفضل ؛ فنفسه وهو علي أفضل.

ومنها : حديث الطائر ، ومفاده أنّ عليّاًعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك أحاديث تشبيه عليعليه‌السلام بالأنبياءعليهم‌السلام .

٣ ـ أن نثبت وقوع الأفضلية لإمام آخر ، وهو المهديّعليه‌السلام من خلال ما تواتر من صلاة عيسى خلفه ، وأنّه من اتباعه.

٤ ـ أن نوسّع ما ثبت أعلاه حتّى يشمل بقية الأئمّةعليهم‌السلام ، أمّا بأحد الأدلّة المذكورة في الجواب الأوّل ، أو بطريق الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام أنفسهم ، كما أوردنا آنفاً ، بعد أن أثبتنا أفضلية عليعليه‌السلام ، والمهديّ من القرآن وروايات أهل السنّة ، وكذلك أنّ الأئمّة كلّهم نور واحد ، وغيرها.

٥ ـ وبعضهم استدلّ بوجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ـ وعدم وجوب معرفة الأنبياء كلّهم ـ على أفضليتهم على الأنبياء.

١٨٢

( أحمد ـ ـ )

على الشيخين :

س : الله يعطيكم العافية على جهودكم الجبّارة.

سمعت في إحدى حلقات مناظرة قناة المستقلّة : أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يؤنّب كلّ من يقول بأفضلية الإمام علي عليه‌السلام على أبي بكر وعمر ، وأنّه عليه‌السلام له مناظرات معهم في ذلك ، فما هو تعليقكم على ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

ج : هذه الشبهة والدعوى ليست جديدة أو وليدة الساعة ، وإنّما استغلّت الوسائل الحديثة ، ومنها المحطّات الفضائية ، وقناة المستقلّة بالخصوص في هذا الوقت لنشرها ، وغيرها من الشبهات بصورة واسعة ، محاولة لتشكيك عوام الشيعة في عقائدهم ، ولابأس أن تسأل عمّا يحدث من عقد صفقات مع هذه القناة بالخصوص وراء الكواليس ، وعلى كلّ فهذا ليس موضوعنا الآن!

نعود إلى موضوع الشبهة ، فقد طرحه ابن حجر الهيتميّ في ( الصواعق المحرقة ) ، وقد نقل عدّة روايات عن الدارقطنيّ وغيره من العامّة ، يوحي ظاهرها بما نسب للإمام الصادقعليه‌السلام في أصل الشبهة ، وتبعه غيره منهم إحسان إلهيّ ظهير ، وقد أخذ ذلك منه عثمان الخميس ، ليس هذه الشبهة فحسب ، وإنّما كلّ ما يطرحه سواء على المستقلّة أو في محاضراته ومناظراته الأُخرى.

وعلى كلّ ، فإنّي لم استطع أن أخرج هذه الروايات عن الدارقطنيّ لا من سننه ولا من علله ، فربّما نقلت في كتاب آخر له لم يحضرني ، ولكن مع ذلك فقد روى جلّها المزّي في ( تهذيب الكمال ) ، والذهبيّ في ( سير أعلام النبلاء ) ، وابن حجر العسقلانيّ في ( تهذيب التهذيب ) ، وكذا رويت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل.

والغرض من إيرادها في الكتب الثلاثة الأُولى للرجال واضح ، وهو تأكيد فحوى الشبهة المطروحة ، فإنّهم لا يستطيعون التخلّي عن الإمام الصادقعليه‌السلام والسكوت عنه ، وكذا لا يستطيعون الترجمة له بما هو مشهور عن مذهب أهل

١٨٣

البيتعليهم‌السلام ، وما هو معروف عند الشيعة الإمامية ، فاضطرّوا إلى نقل مثل هذه الروايات عنه للادعاء بأنّهعليه‌السلام على مذهب السنّة ، وهو موضوع الشبهة الأصلي كما تعرف ، حيث كان يكرّر عثمان الخميس أنّ جعفرنا غير جعفركم ، وهو نوع من المغالطة.

على كلّ ، فإنّ ما نقل من الروايات بعضه الأكثر عن سالم بن أبي حفصة وهو ضعيف ، كان زيدياً بترياً ، وقد ضعّفه الألبانيّ عندهم ، ومن الواضح أنّ من مثله يتقيّ منه الإمامعليه‌السلام ، وبعضها الآخر إمّا عن غيره من الضعفاء أو رجال العامّة ، وأمّا ظاهرة واضحة في التقيّة ، أو لا تدلّ على المطلوب أصلاً.

وقد أجاب عن أكثرها القاضي التستري في ( الصوارم المهرقة ) ، الذي هو ردّ على ( الصواعق المحرقة ) لابن حجر الهيتميّ.

ثمّ أنّ ما ذُكر في أصل الشبهة مجمل يراد به خلط الأوراق وإيهام السامع ، إذ يجب أن تطرح الشبهة على عدّة أقسام :

١ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان ينهى عن سبّ ولعن الشيخين ، أو أن يفاضل أحد بينهما وبين عليعليه‌السلام .

٢ ـ أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام كان يقول بأفضليتهما على جدّه أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٣ ـ أنّه كان يرجو شفاعتهما يوم القيامة.

٤ ـ أنّه كان يتولاّهما.

٥ ـ أنّه كان يعتقد بأنّهما تسلّما موضع الخلافة عن حقّ.

٦ ـ أنّه كان يعتقد أنّهما لم يظلما فاطمةعليها‌السلام ، أو أهل البيتعليهم‌السلام عموماً ، ولم يغتصبا حقّهم.

ولعلّ بعض الأقسام داخلة في البعض ، ونحن نحاول أن نجيب على بعضها مختصراً ، ونكتفي به عن الجواب عن الباقي من الأقسام.

وللجواب نقدّم مقدّمة وهي : إنّ كلّ ما روي من طرق الآخرين ليس حجّة علينا ، وإنّما الحجّة أن تكون من طرقنا ، هذا فضلاً عمّا ذكرناه سابقاً

١٨٤

من الحمل على التقيّة ، وضعف السند ، وعدم الدلالة على المطلوب ، وعليه بعد التسليم بصحّة طرق هذه الروايات عندهم ، أو أنّ بعضها يدعم البعض ، نقول :

الجواب على الأوّل : في الروايات التي فيها نهي عن السبّ ، فنحن أيضاً نقول به ، إذ ليس من أخلاق أئمّتنا السبّ ، أو أنّهم يرضون لشيعتهم أن يسبّوا أعدائهم ، ونهي أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه عن سبّ أصحاب معاوية معروف مشهور.

وأمّا النهي عن اللعن والتفضيل ، فالتقيّة لحفظ كيان الطائفة من الأُمور الواجبة ، وسيأتي لعنهما منهعليه‌السلام في غير مورد التقيّة.

وعلى الثاني : بغض النظر عن أدلّة الشيعة في فضل عليعليه‌السلام وأنّه مساوٍ لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفسه بآية المباهلة ، أُورد لك هنا حديثين عن الإمام الصادقعليه‌السلام من عشرات الأحاديث عنه ، وعن باقي الأئمّة ، وعليك باستخراج الباقي.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن التميميّ قال : حدّثني سيّدي علي بن موسى الرضاعليهما‌السلام قال : (حدّثني أبي موسى بن جعفر قال : حدّثني أبي جعفر بن محمّد قال : حدّثني أبي محمّد بن علي قال : حدّثني أبي علي بن الحسين قال : حدّثني أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أخي الحسن بن علي قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال لي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت خير البشر ، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر )(١) .

وعن سنان بن طريف عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى : اشهد أن لا اله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثاً ـ اشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً ـ ثلاثاً ـ )(٢) .

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الصدوق : ١٣٦.

٢ ـ الكافي ١ / ٤٤١.

١٨٥

فمن يروي مثل هذه الأحاديث كيف يفضّل على جدّه عليعليه‌السلام غيره كائناً من كان؟ وأرجو الانتباه أنّه هنا لا يجدي تضعيف مثل هذه الروايات الذي ربما يلجأ إليه الخصم ، وذلك لكثرة الصحيح منها ، ثمّ أنّها تدخل في التواتر مضموناً ـ فلاحظ ـ.

وعلى الثالث : فعن محمّد بن المثنى الأزدي : أنّه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمّدعليهما‌السلام يقول : (نحن السبب بينكم وبين الله عزّ وجلّ )(١) .

فإذا كان الإمام الصادقعليه‌السلام هو السبب بين الله والناس ، فكيف يجعل بينه وبين الله أبو بكر وعمر سبباً ، وفي باب الشفاعة روايات صريحة لم يسعفني الوقت بتتبعها وإيرادها ، فراجع.

ولكن اسمع هذه الرواية عن حنان بن سدير قال : حدّثني رجل من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : سمعته يقول : (إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة لسبعة نفر : أوّلهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربّه ، واثنان في بني إسرائيل هودّا قومهما ونصّراهما ، وفرعون الذي قال : أنا ربّكم الأعلى ، واثنان من هذه الأُمّة ، أحدهما شرّهما في تابوت من قوارير تحت الفلق في بحار من نار )(٢) .

فإذا كانا في تابوت من نار ، فكيف يشفعان لهعليه‌السلام !

وعلى الرابع : عن الحسين بن ثوير وأبي سلمة السرّاج قالا : سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام ، وهو يلعن في دبر كلّ مكتوبة أربعة من الرجال ، وأربعاً من النساء : التيمي والعدوي وفعلان ومعاوية ـ ويسميهم ـ وفلانة وفلانة وهند وأُمّ الحكم أخت معاوية(٣) ، فهل معنى هذا أنّه يتولاّهما؟!

وعلى الخامس : عن إسحاق بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه

____________

١ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ١٥٧.

٢ ـ ثواب الأعمال : ٢١٤.

٣ ـ تهذيب الأحكام ٢ / ٣٢١.

١٨٦

جعفر بن محمّد ، عن آبائهعليهم‌السلام قال : ( خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام خطبة بالكوفة ، فلمّا كان في أخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلاّ وقلت : والله أنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوماً منذ قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا ولي تيم وعدي ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك؟

فقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( يا بن الخمّارة ، قد قلت قولاً فاسمع منّي : والله ما منعني من ذلك إلاّ عهد أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أخبرني وقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الأُمّة ستغدر بك وتنقض عهدي . )(١) .

فهذه صريحة بأنّهما لم يجلسا مجلس الخلافة بحقّ ، وهي عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

وعلى السادس : عن أبان بن تغلب عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (لمّا انصرفت فاطمة عليها‌السلام من عند أبي بكر ، أقبلت على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ، هذا ابن أبي قحافة قد ابتزّني نحلة أبي وبليغة ابني ، والله لقد أجدّ في ظلامتي ، وألدّ في خصامي )(٢) ، فهي صريحة في ظلامة فاطمةعليها‌السلام .

وعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لمن كان الأمر حين قبض رسول الله؟ قال : (لنا أهل البيت ) ، فقلت : فكيف صار في تيم وعدي؟

قال : (إنّك سألت فافهم الجواب : إنّ الله تعالى لمّا كتب أن يفسد في الأرض ، وتنكح الفروج الحرام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، خلا بين أعدائنا

____________

١ ـ الاحتجاج ١ / ٢٨٠.

٢ ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ : ٦٨٣.

١٨٧

وبين مرادهم من الدنيا حتّى دفعونا عن حقّنا ، وجرى الظلم على أيديهم دوننا )(١) .

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ منّ علينا بأن عرّفنا توحيده ، ثمّ منّ علينا بأن أقررنا بمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، ثمّ اختصّنا بحبّكم أهل البيت ، نتولاّكم ونتبرّأ من عدوّكم ، وإنّما يريد الله بذلك خلاص أنفسنا من النار ، قال : ورققت وبكيت.

فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : (سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ) ، قال : فقال له عبد الملك بن أعين : ما سمعته قالها لمخلوق قبلك ، قال : قلت : خبّرني عن الرجلين.

قال : (ظلمانا حقّنا في كتاب الله عزّ وجلّ ، ومنعا فاطمة عليها‌السلام ميراثها من أبيها ، وجرى ظلمهما إلى اليوم ) ، قال ـ وأشار إلى خلفه ـ : (ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما )(٢) .

وفي ما أوردناه كفاية ، وإنّما أردنا أن نستعرض تفاصيل الجواب على هذه الشبهة وأمثالها ، من نسبة تولّي الأوّلين إلى كلّ الأئمّةعليهم‌السلام ، أو إلى بني هاشم أو أولاد فاطمة ، فإنّ الجواب عليها بالأسلوب الذي سلكناه ، وعليكم التفصيل وإيراد الشواهد ، فإنّ في الباب مئات الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وعشرات عن الإمام الصادقعليه‌السلام بالخصوص صالحة للاستشهاد بها هنا ، تفوق حدّ التواتر مضموناً ، ولا مجال للطعن فيها سنداً.

____________

١ ـ المصدر السابق : ٢٢٦.

٢ ـ الكافي ٨ / ١٠٢.

١٨٨

التقيّة :

( حمدي صالح. الكويت. سنّي )

جائزة للأدلّة الأربعة :

س : ما معنى كلمة التقيّة؟ هل تعني الكذب؟

فقد جاء في كتاب أُصول الكافي للكليني : عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام : ( يا أبا عمر إن تسعة أعشار الدين في التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له ) ، فما المقصود بالتقيّة؟

أرجوكم أرشدوني ، فقد تزايدت صفحات المتهجّمين على إخواننا الشيعة ـ أنا سنّي أحبّ الشيعة ، لأنّكم تحبّون أهل البيت ـ ومع السلامة.

ج : إنّ التقيّة رخصة شرعيّة في كتاب الله ، وسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعمل في موارد الخوف والخطر والضرر.

وقد جرت سيرة الأنبياء والأولياء والمؤمنين على العمل بها ، وقد استدلّ لجوازها بالأدلّة الأربعة :

الدليل الأوّل : القرآن :

قال تعالى :( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) (١) .

فنجد مؤمن آل فرعون يكتم إيمانه خوفاً من الضرر.

وقال تعالى :( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

____________

١ ـ غافر : ٢٨.

١٨٩

بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

فنجد الصحابيّ الجليل عمّار بن ياسر يعمل بالتقيّة ، والنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يمضي عمله ، ويجوّز له العمل بها.

وقد اشتهر في كتب التفسير : أنّ هذه الآية نزلت في عمّار بن ياسر الذي عُذّب في الله ، حتّى ذكر آلهة المشركين ، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إن عادوا فعد )(٢) .

وهناك آيات أُخرى دالّة بالصراحة ، أو بالضمن على التقيّة ، وهن :

١ ـ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) (٣) .

٢ ـ الكهف : ١٩.

٣ ـ الأنعام : ١١٩.

٤ ـ البقرة : ١٩٥.

٥ ـ الحالجواب : ٧٨.

٦ ـ فصّلت : ٣٤.

الدليل الثاني : السنّة :

إنّ الروايات الدالّة على جواز التقيّة كثيرة ، منها :

____________

١ ـ النحل : ١٠٦.

٢ ـ المستدرك ٢ / ٣٥٧ ، السنن الكبرى للبيهقيّ ٨ / ٢٠٨ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٢ ، جامع البيان ١٤ / ٢٣٧ ، أحكام القرآن للجصّاص ٢ / ١٣ و ٣ / ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٠ ، تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩ ، الدرّ المنثور ٤ / ١٣٢ ، تفسير الثعالبي ٣ / ٤٤٣ ، فتح القدير ٣ / ١٩٨ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٤٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ١ / ٤١١.

٣ ـ آل عمران : ٢٨.

١٩٠

١ ـ سئل الإمام الصادقعليه‌السلام عن التقيّة؟ فقال : ( التقيّة من دين الله ) ، قلت : من دين الله؟

قال : (إي والله من دين الله ، ولقد قال يوسف :( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ،والله ما كانوا سرقوا شيئاً ، ولقد قال إبراهيم : ( إِنِّي سَقِيمٌ ) ، والله ما كان سقيماً )(١) .

وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون.

٢ ـ أخرج البخاريّ من طريق قتيبة بن سعيد ، عن عروة بن الزبير ، أنّ عائشة أخبرته ، أنّه استأذن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ) ـ أو بئس أخو العشيرة ـ فلمّا دخل ألان له الكلام.

فقلت له : يا رسول الله ، قلت ما قلت ، ثمّ ألِنت له في القول؟

فقال : (أي عائشة ، إنّ شرّ الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه )(٢) . الدليل الثالث : الإجماع :

اتّفق جميع المسلمين وبلا استثناء على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام ، مدّة ثلاث سنين من نزول الوحي ، فلو كانت التقيّة غير مشروعة لكونها نفاقاً ، لما مرّت الدعوة إلى الدين الحنيف بهذا العمر من التستّر والكتمان.

وقد نقل الإجماع ـ على أنّ التقيّة مشروعة وجائزة ـ جمهرة من علماء السنّة ، منهم : القرطبيّ المالكيّ(٣) ، ابن كثير الشافعيّ(٤) .

الدليل الرابع : العقل أو العقلاء :

إنّ التقيّة موافقة لمقتضاه ، فإنّ جميع الناس يستعملونها في حالات الخطر

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن ١ / ٢٥٨.

٢ ـ صحيح البخاريّ ٧ / ١٠٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢.

٤ ـ تفسير القرآن العظيم ٢ / ٦٠٩.

١٩١

والضرر ، من دون أن يسمّوها تقيّة.

الفتاوى والأقوال :

وأمّا فقه المذاهب الإسلاميّة ، فقد ذهبوا إلى جوازها فتجد :

١ ـ الإمام مالك يقول بعدم وقوع طلاق المكره على نحو التقيّة ، محتجّاً بذلك بقول الصحابيّ ابن مسعود : ( ما من كلام يدرأ عنّي سوطين من سلطان إلاّ كنت متكلّماً به )(١) .

ولاشكّ أنّ الاحتجاج بهذا القول ، يعني جواز إظهار خلاف الواقع في القول عند الإكراه ، ولو تمّ أي الإكراه بسوطين.

٢ ـ ابن عبد البرّ المالكيّ(٢) حيث أفتى بعدم وقوع عتق المكره وطلاقه ، ولو كانت التقيّة لا تجوز في العتق والطلاق عند الإكراه من ظالم عليهما لقال بوقوعهما.

وغيرهما كثير(٣) .

( علي حسين ـ السعودية ـ سنّي )

هي أمر فطري :

س : الذي أعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية : أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ، ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية.

____________

١ ـ المدونة الكبرى ٣ / ٢٩.

٢ ـ أُنظر : الكافي في فقه أهل المدينة : ٥٠٣.

٣ ـ أُنظر : تفسير ابن جزي : ٣٦٦ ، الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ١٨٢ ، المبسوط للسرخسيّ ٢٤ / ٤٨ و ٥١ و ٧٧ و ١٥٢ ، فتح الباري ١٢ / ٢٧٨ ، المجموع ١٨ / ٣ ، المغني لابن قدامة ٨ / ٢٦٢.

١٩٢

وعليه نوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل ، فإنّ التقيّة أمر فطريّ ، تستعملها أنت وجميع البشرية ، من دون أن تعرف أنّها تقيّة.

فالتقيّة لا تستعمل إلاّ في حالات الخوف الشديد ، حيث يضطرّ الإنسان إلى إظهار غير ما يعتقد ، وكتمان ما يعتقد.

هذا ، وفي القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، ما هو صريح في التقيّة.

ثمّ لم نعرف مقصودك من أنّ أُصول مذهبكم تقوم على التقيّة ، إذ أنّ أُصول المذهب الشيعيّ هي الأُصول والأركان الأساسيّة للدين الإسلاميّ ، والتي تقوم على أدلّة مبرهنة وواضحة ، وإنّما التقيّة حكم من أحكامها ولها أدلّتها ، ولكن ليست هي من أُصول المذهب حتّى تزعم أنّ الدين والعقيدة تقوم على أساسها.

( جعفر ـ الكويت ـ )

لا تقيّة في النبيذ والمسح على الخفّين :

س : قال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : ( والتقيّة في كلّ شيء إلاّ في النبيذ ، والمسح على الخفّين )(١) .

أرجو منكم شرح العبارة السابقة ، وما الحكمة من ذلك؟ وشكراً لكم على جهودكم.

ج : قد أشار الإمام الصادقعليه‌السلام بقوله : ( والتقيّة في كلّ شيء ) إلى أنّ التقيّة غير مختصّة بالأحكام والأعمال الدينية ، بل تكون في الأفعال العرفية أيضاً ، مثل الخلطة بهم ، وعيادة مرضاهم ، ونحوها.

وأمّا عدم التقيّة في شرب النبيذ ، ومسح الخفّين ، هو لعدم وقوع الإنكار فيهما من العامّة غالباً ، لأنّ أكثرهم يحرّمون المسكر ، ولا ينكرون خلع

____________

١ ـ الكافي ٢ / ٢١٧.

١٩٣

الخفّ ، وغسل الرجلين ، بل الغسل أولى منه ، نعم ، إذا قدّر خوف ضرر نادراً جازت التقيّة.

وجاء في شرح أُصول الكافي : ( وقال الشيخ الطوسيّ : لا تقيّة فيهما لأجل مشقّة يسيرة لا تبلغ إلى الخوف على النفس أو المال ، وإن بلغت أحدهما جازت.

ويقرب منه قول من قال : لا ينبغي الاتقاء فيهما ، وإن حصل ضرر عظيم ، ما لم يؤدّ إلى الهلاك.

وقيل : عدم الاتقاء مختصّ بالمعصومعليه‌السلام ، باعتبار أنّ الاتقاء لا ينفعه ، لكون لا حكم فيها معروفاً من مذهبه )(١) .

( ـ ـ )

مفهومها وأنواعها :

س : ورد في أحد الأخبار : أنّ معاوية أتى باثنين ، فأمرهما بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ففعل أحدهما فأطلقه معاوية ، وامتنع الآخر فقتله ، فلمّا سمع بذلك الإمام عليعليه‌السلام قال ما معناه : ( أمّا الأوّل فبرخصة الله أخذ ) ، فهل معنى هذا أنّه يجوز ترك العمل بالتقيّة؟

وهل توجد تقيّة اسمها تقيّة تخييرية؟

ج : هذه القصّة مروية عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله في رجلين عُرض عليهما البراءة منهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأبى أحدهما ، ووافق الآخر تقيّة ، إلى آخر القصّة.

وطبيعي أنّ التقيّة إذا اجتمعت شروطها لاشكّ في صحّتها بل وجوبها ، كما حدّث القرآن الكريم بقوله :( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) (٢) ، وقوله :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) (٣) .

____________

١ ـ شرح أُصول الكافي ٩ / ١١٩.

٢ ـ آل عمران : ٢٨.

٣ ـ النحل : ١٠٥.

١٩٤

فالتقيّة هي أسلوب في التحفّظ على الحقّ ، حتّى لا يلزم إلحاق الضرر بالحقّ نفسه ، أو بأهل الحقّ إذا خيف من إظهاره ، ما لم يُخش على نفس الحقّ من الضياع ، فإذا تعرّض نفس الحقّ إلى الضياع بسبب التقيّة فلا تقيّة فيه ، وهذا ما يعبّر عنه بحفظ بيضة الإسلام ، أو بيضة الحقّ.

ثمّ إنّ الإنسان يكون في بعض المواقع مخيّراً بين التقيّة وعدمها ، وذلك من خلال موازنة المصالح والمفاسد ، فأحياناً تكون التقيّة واجبة ، وأحياناً محرّمة ، وأحياناً يتخيّر الإنسان ، والظاهر من الرواية أنّ الموقع كان موقع تخيير ، وهذا هو معنى التقيّة التخييرية.

هذا بناءً على صحّة الرواية ، والله أعلم.

( محمّد إسماعيل قاسم ـ الكويت ـ ١٦ سنة ـ طالب )

معالجة ما يعارضها في صحيحة زرارة :

س : ذكر الشيخ السبحانيّ في المسح على الخفّين على ضوء الكتاب والسنّة :

١ ـ روى الشيخ الطوسيّ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : ( ثلاثة لا أتقيّ منهن أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ )(١) .

ووجدت في العروة الوثقى : ( يجوز المسح على الحائل ـ كالقناع والخف والجورب ونحوها ـ في حالة الضرورة من تقيّة ، أو برد يخاف منه على رجله )(٢) .

والسؤال هو : أنّ في الحديث يقول الإمام بعدم جواز التقيّة في المسح على الخفّ ، وفي المسألة عكس ذلك؟ ودمتم موفّقين.

____________

١ ـ تهذيب الأحكام ١ / ٣٦٢.

٢ ـ العروة الوثقى : ٦٩.

١٩٥

ج : الأحكام الفقهيّة لا تستنبط عادةً من رواية واحدة وإن كانت صحيحة ، بل من مجموع النصوص الواردة في المسألة ، أي يجب على الفقيه أن يتتبّع كافّة الأحاديث المتعلّقة بالموضوع ، ثمّ يميّز المعتبر منها ، ويرى وجه الجمع بينها إن كانت متعارضة من حيث الدلالة ، ثمّ يخرج بالنتيجة التي تعتبر فتواه.

فلربما حديث صحيح سنداً ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه بسبب معارضته بمثله مدلولاً ، فيطرح في مقام الاستدلال.

وفي موضوع س : وردت روايات كثيرة ـ فيها معتبرات ـ على جواز أو وجوب التقيّة مطلقاً ـ أي في كافّة الموارد ـ فيتعارض إطلاق هذه الأخبار مع صحيحة زرارة.

وفي هذا المقام ذكر الفقهاء عدّة وجوه للجمع بين الطرفين :

منها : أنّ صحيحة زرارة تحمل على نفي وجوب التقيّة في تلك الموارد ، والأخبار المطلقة تنصرف إلى جواز التقيّة من دون وجوب ؛ فتكون التقيّة في هذه الموارد الثلاث جائزة ، وفي غيرها واجبة.

ولعله مراد زرارة حيث علّق في ذيل الصحيحة المذكورة فقال : ولم يقلعليه‌السلام : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهن أحداً.

منها : المراد من نفي التقيّة في هذه الموارد المذكورة ، نفيها موضوعاً لا حكماً ؛ أي لا فرض للتقيّة غالباً في تلك الموارد ، لاختلاف مذاهب المخالفين فيها ، فلا يكون في ترك المسح على الخفّين خوف الضرر.

وبعبارة أُخرى : بما أنّ غير الشيعة يختلفون في هذه المسألة ، فتوجد هناك مندوحة ورخصة عملية في ترك المسح على الخفّ ، بل المسح على البشرة ، فإن اطلع على هذا العمل أحد منهم ، يتوهّم أنّه على مذهب من مذاهبهم.

١٩٦

التكتّف :

( ـ أمريكا ـ )

الظاهر أنّه من محدثات عمر :

السؤال : أُودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه الله تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم‌السلام ، ماذا يكون ردّنا على هؤلاء ، من يقول بأنّ الشيعة تختلف عن بقية المذاهب في الصلاة ، حيث أنّ الشيعة يسبلون وغيرهم يتكتّف ، أو يشبك اليدين عند القيام ، وجزاكم الله عنّا خيراً.

ج : الإسبال عندنا في الصلاة واجب ، لورود مجموعة من الروايات عن أهل البيتعليهم‌السلام .

وأمّا التكتّف في الصلاة ـ أو ما يسمّى التكفير ـ فالظاهر أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي أحدثه ، كما جاء في جواهر الكلام : ( حكي عن عمر لمّا جيء بأُسارى العجم كفّروا أمامه ، فسأل عن ذلك ، فأجابوه : بأنّا نستعمله خضوعاً وتواضعاً لملوكنا ، فاستحسن هو فعله مع الله تعالى في الصلاة ، وغفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشرع )(١) .

ولابدّ لهذه الحكاية المنقولة من وجه ، مع النظر إلى إنكار المالكيّة وجوبه ، بل وترى كراهيّته في الفرائض(٢) ، خصوصاً أنّ الشافعيّ وأبا حنيفة ، وسفيان

____________

١ ـ جواهر الكلام ١١ / ١٩.

٢ ـ أُنظر : المدونة الكبرى ١ / ٧٤ ، بداية المجتهد ١ / ١١٢ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، نيل الأوطار ٢ / ٢٠٠ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المبسوط للسرخسيّ ١ / ٢٠.

١٩٧

وأحمد بن حنبل ، وأبا ثور وداود ، كانوا يذهبون إلى استحبابه لا وجوبه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(١) .

وعلى الأخصّ ذكر ابن أبي شيبة : ( أنّ الحسن والمغيرة ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، وابن المسيّب ، وسعيد بن جبير ، والنخعي كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة ، ولا يضعون إحداهما على الأُخرى ، بل كان بعضهم يمنع وينكر على فاعله )(٢) .

ومع هذا الاختلاف الواسع في حكمه ـ مع أنّ كيفية صلاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت بمرأى ومنظر الصحابة كلّهم ـ هل يعقل أن يكون من السنّة؟! فالإنصاف أن نحكم بأنّه بدعة ابتدع في زمن ما ، خصوصاً بالنظر إلى الروايات المذكورة في كتب الشيعة ، بأنّ هذا كان من فعل المجوس ، وأهل الكتاب(٣) .

ولا يخفى على المتّتبع : أنّ دخول الفرس المجوس كأُسارى إلى المدينة ، واختلاطهم بالمسلمين كان على عهد عمر ، فلا يبعد أن تكون هذه البدعة قد حدثت في خلافته ، ولم يردعهم هو عن ذلك ، بل وعمل بها ، فأصبحت سنّة متخذّة عندهم.

( ـ ـ )

ردّ أدلّة أهل السنّة في استحبابه :

س : هل توجد أدلّة نقلية ، وخاصّة من الكتب السنّية ـ مثل البخاريّ أو مسلم أو غيره ـ تثبت أنّ رسول الله لم يصلّي متكتّفاً بل صلّى مسبلاً ، لأنّه تسبّب لي بعض المضايقات ، حيث يسألوني بعض الأصدقاء : لماذا أخالفهم

____________

١ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٢ ـ المصنّف لابن أبي شيبة ١ / ٤٢٨ ، المجموع ٣ / ٣١١ ، المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، الشرح الكبير ١ / ٥١٤ ، عمدة القارئ ٥ / ٤٠٧.

٣ ـ الكافي ٣ / ٢٩٩ ، دعائم الإسلام ١ / ١٥٩ ، علل الشرائع ٢ / ٣٥٨.

١٩٨

في الصلاة؟ وبأنّ الرسول كان يصلّي متكتّفاً ، ولم يصلّي يوماً مسبلاً ، ودمتم في رعاية الله وحفظه.

ج : وردت روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام تنهى عن التكتّف في الصلاة ، ولهذا حكم فقهاؤنا ببطلان الصلاة به ، وللوقوف على بعض تلك الروايات ، راجع كتاب وسائل الشيعة للشيخ الحرّ العامليّ / كتاب الصلاة / باب ١٥ من قواطع الصلاة ح ١ ـ ح ٧.

فإنّه ورد لا تكفّر ، فإنّما يفعل ذلك المجوس. والتكتّف في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل.

ولو كان التكتّف ثابتاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لشاع واشتهر ، إذ أنّ الصلاة تؤدّى في كلّ يوم خمس مرّات كفرض ، ما عدا المندوب.

هذا ويرى مالك عدم وجوب التكتّف ، بل يرى كراهيته في الفرائض(١) .

ويرى الشافعيّ وأبو حنيفة ، وسفيان وأحمد بن حنبل ، وأبو ثور وداود إلى استحباب التكتّف لا وجوبه ، وهذا دليل على أنّ التكتّف ليس من واجبات الصلاة فيجوز تركه ، وحتّى أنّ الليث بن سعد كان يرى استحباب الإسبال(٢) .

ثمّ إنّ حجّة الجمهور في استحباب التكتّف هو أوّلاً : حديث وائل بن حجر ـ الذي انفرد به مسلم في صحيحه ـ أنّه رأى النبيّ رفع يديه حين دخل في الصلاة كبّر ثمّ التحف بثوبه ، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ، ثمّ رفعهما ، ثمّ كبّر فركع(٣) .

وفيه : أوّلاً : كيف رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى بعدما التحف بثوبه؟

وثانياً : رؤية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واضعاً يده اليمنى على اليسرى لا تدلّ على استحباب

____________

١ ـ المغني لابن قدامة ١ / ٥١٣ ، المجموع ٣ / ٣١١.

٢ ـ فتح الباري ٢ / ١٨٦.

٣ ـ صحيح مسلم ٢ / ١٣.

١٩٩

العمل ـ كما هم يزعمون ـ بل تدلّ على جواز العمل.

والحجّة الثانية هو : حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم : لا أعلمه إلاّ ينمى ذلك إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال إسماعيل : يُنمى ذلك ، ولم يقل : ينمي(١) .

وفيه : ما هو الدليل على أنّ الآمر هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ بل نفس الأمر شاهد على أنّه أمر طارئ وحادث لم يكن في عصر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلاّ فلا يحتاج إلى الأمر به ، لأنّ رؤية صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت كافية على الأمر به ، وإذا كان هو أمر حادث بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون بدعة ، ولا يجوز العمل به ، أو لا أقلّ التجنّب عنه عملاً بالاحتياط.

( ـ مصر ـ ٢٣ سنة )

لم يحصل في صلاة النبيّ :

س : هل توجد رواية في كتب أهل السنّة تبيّن كيفية صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ وأنّه مسبل فيها غير متكتّف؟ وإن وجدت فهل سندها قويّاً حتّى يمكن الاستشهاد بها على إخواننا أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً ، ودمتم في بركة الله.

ج : نعم ، وردت رواية ينقلها البيهقيّ في سننه(٢) ، والترمذيّ في سننه(٣) ، وغيرهما(٤) ، ونحن نذكرها بنصّ البيهقيّ قال : ( أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، قال حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء ،

____________

١ ـ صحيح البخاريّ ١ / ١٨٠.

٢ ـ السنن الكبرى للبيهقيّ ٢ / ٧٢.

٣ ـ الجامع الكبير ١ / ١٨٨.

٤ ـ أُنظر : مسند أحمد ٥ / ٤٢٤ ، سنن الدارمي ١ / ٣١٣ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٣٧ ، صحيح ابن حبّان ٥ / ١٨٣.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683