تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 2%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16567 / تحميل: 1888
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أقول : كيف يمكن دعوی عاقل تسليم الصحابة لعمر في حرمة نكاح المتعة بعد أن اطلَّع على ما ورد عنهم في الروايات حسب ما أشرنا إلى جملة منها ؛ من أن عمر فعل برأيه في باب المتعة ما أراد ، ولو كانوا يعرفون صدقه لما أسندوا ذلك إلى رأيه ، بل الإسناد إلى الرأي صريح في تكذيبهم له؟

وأصرح من الكل عبارة جلال الدين السيولي وهو من أعاظم الشافعية ، وأبي العبَّاس القرماني في تاريخهما ، أعني : (تاریخ الخلفاء) ، و (تاريخ الدول) فقد ذكرا ما نصّه : (أن عمر أوّل من حرم المتمة )(١) .

وهذا صريح في أن هذا الحكم غير مسبوق من أحد في الإسلام.

قال قوله : إنّ عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه.

قلنا : قَدْ بيّنا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحاً في شارع محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أنهی عنها لزم تکفیره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه ، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه ، وكل ذلك باطل(٢) .

أقول : أما تكفير بعض الصحابة فلا مانع منه ، وقَدْ ثبت في القرآن : أن الصحابة على قسمين : مؤمن ، ومنافق.

قال تعالى : ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّـهِ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ(٣) .

__________________

(١) تاریخ الخلفاء : ١٢۸ ، أخبار الدول : ٩٦.

(٢) تفسير الرازي ١۰ : ٥٤.

(٣) سورة المنافقون : ١.

٣٤١

وهذه الآية قَدْ وردت في حقّ بعض الصحابة الَّذين كانوا يظهرون الإيمان بالنبيّ ، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم(١) ، ولا يلزم من ذلك تكفير أمير المؤمنينعليه‌السلام بخصوصه ؛ إذ أيُّ إنكار أبلغ من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلّا شفی »(٢) ، على أنهعليه‌السلام لم يتمكن من إنفاذ حکم من الأحكام ، وكان سكوته لضرب من الاستصلاح ، كما قَدْ أبانعليه‌السلام عن ذلك بكلامه البليغ في خطبة نهج البلاغة حيث يقول : «أما والله لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بین أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حَتَّى يزهر كل كتاب من هذه الكتب ويقول : يا رب إن علياً قضى بقضائك »(٣) .

وكما في قول ابن عمر للرجل الشامي : (أرأيت إن كان أبي نهی عنها إلخ )(٤) .

وكما في تاريخ ابن جرير الطبري أيضاً ما هو صريح في أن الأُمَّة أعابت علی عمر بتحريمه المتعة ، مع أنها كانت رخصة من الله(٥) .

وفي تاريخ ابن خلکان ، في ترجمة يحيى بن أكثم ، أنه : (قال المأمون بعد نقل قول عمر : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا اُحرِّمهما وأعاقب علی

__________________

(١) ينظر : تفسير القمی ٢ : ٢٦۸ ، التبیان ١۰ : ١٠.

(٢) شرح نهج البلاغه ١٢ : ٢٥٣ ، وعبارة النهج : «لولا ما سبقني به ابن الخطّاب ، ما زنى إلّا شقي».

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ٣١٧.

(٤) سنن الترمذي ٢ : ١٥۹ ح ۸٢٣.

(٥) تاريخ الطبري ٣ : ٢٩٠.

٣٤٢

فعملهما : ومن أنت يا جُعَل ، حَتَّى تنهى عمَّا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي‌الله‌عنه ؟!)(١) .

وربما بنى بعضهم الجواب عن الطعن على كون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله مجتهداً في الأحكام الشرعيّة ، فيجوز لمجتهد آخر مخالفته ، وهذا بمكان من الغلط ، أمّا على أصول الإماميّة فظاهر ؛ لاتفاقهم على عصمة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال عزَّ وجلَّ : ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ(٢) .

وقال تعالى مخاطباً له : ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ(٣) .

وقال تعالى : ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ(٤) ، وحينئذ فلا يجوز لأحد مخالفته ولا الاجتهاد في مقابلة ما حكم به.

وأمّا على رأي الجمهور : فقد صرح الرازي في تفسيره فيما يتعلق بقوله تعالى : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(٥) بأن : (الآية دلت على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الخطأ في الفتوى وفي الأحكام ؛ لأنه تعالى أوجب الانقياد لحكمهم ، وبالغ في ذلك الإيجاب ، وبين أنه لا بد من

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ : ١٤۸ ضمن ترجمته رقم ٧۹٣.

(٢) سورة النجم : ٣ ـ ٤.

(٣) سورة يونس : من آية ١٥.

(٤) سورة الأحقاف : من آية ٩.

(٥) سورة النساء : من آية ٦٥.

٣٤٣

حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب ، وذلك ينفي صدور الخطأ عنهم) ، انتهى(١) .

ومن نفی منهم عصمة الأنبياء فإنّما نفاها قبل البلوغ ، أو قبل النبوة لا بعدهما ، أو فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحروب ، واستصلاح الجيش ، ونصب العمال وعزلهم ، وما أشبه ذلك. وأمّا ما يتعلق بالتبليغ للأحكام فقد أوجبوا العصمة فيها ؛ لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب تصديق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما يبلّغه عن الله ( ٢)

هذا كله مضافاً إلى أنه يمكن دعوی ظهور الآية بنفسها في حلّية المتعة ، لأن الاستمتاع جاء بمعنى المتعة لغة كما في القاموس ، قال : (والمتعة ، بالضم والكسر : اسم للتمتيع ، كالمتاع ، وأن يتزوج امرأة يتمتع بها أياماً ، ثُمَّ يخلّي سبيلها ، وأن تضم عمرة إلى حجّك ، وقَدْ تمتعت واستمتعت ) ، انتهی(٣) .

ولكثرة استعماله في الشرع في هذا المعنى حَتَّى صار هو المتبادر منه ، فهو :

إمّا حقيقة شرعية فيه ، أو مجاز مشهور ، فهو مقدّم على المعنى الآخر ، سیما إذا اُضيف إلى النساء ، ويرشد إلى ذلك التعبير بالأجر ، فإنَّه المتعارف في عقد المتعة غالباً.

وأمّا في الدائم فیسمّی مهراً ، وتعليق إعطاء الأجر على الاستمتاع ، فإنّه لا شبهة في لزوم ترتُّب الأجر على الاستمتاع بمعنى المتعة ، ولو مع عدم الالتذاذ ،

__________________

(١) تفسير الرازي ٣ : ١٦٣.

(٢) ينظر : جواهر الكلام ٣۰ : ١٤١.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ۸٣.

٣٤٤

بل ولو مع الاشمئزاز ، بخلاف ما لو كان المراد به الاستلذاذ بالجماع ونحوه ، ممَّا هو مستحل بالنكاح الدائم ، فإنه يفهم منه أنه لو لم يحصل الاستلذاذ ونحوه ، لا يجب إعطاء المهر وهو باطل ؛ لأنه قَدْ يجب بالموت ، والفسخ ، ونصفه بالطلاق إذا حصل شيء من ذلك قبل الدخول ، بل قبل الرؤية ، بل لو كان المراد النكاح الدائم ، كان مقتضى الآية وجوب إعطاء تمام المهر بمحض العقد ولو قبل الدخول ، وهو باطل إجماعاً.

وعلى كل حال : إنّ المتمتعة زوجة قطعاً ، ولا وجه لما يتخيل أنَّ اختلاف أحكامهما يدل على تباينهما ؛ لعدم لزوم اتحاد أنواع الأزواج كما في سائر الأنواع الداخلة تحت جنس واحد ـ انظر إلى اختلاف أحكام البيع اللازم والخياري ـ ومن هنا ذهب المشهور من فقهائنا إلى كون العقد الدائم والمنقطع حقيقة واحدة ، وأن الاختلاف بينهما باشتراط الأجل وعدمه ، كما حققه سيدنا الأُستاذ طاب ثراه في (العروة الوثقى) والله العالم(١) .

خاتمة : لا ريب في استحباب المتعة استحباباً مؤكداً ، وأنَّها من خصال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ورد في الحديث :

قال المفيد في رسالة المتعة : (روی أبو الفضل الشيباني بإسناده إلى الباقرعليه‌السلام : أنّ عبد الله بن عطاء المكّي سأله عن قوله تعالى : ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ(٢) الآية ، فقال : (إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج بالحرّة مُتعة ، فاطّلع عليه بعض

__________________

(١) العروة الوثقی ٥ : ٥١٢ ، ٥٣٠ ، حاشية المكاسب للسيد اليزدي : ٣٢.

(٢) سورة التحريم : ٣.

٣٤٥

نسائه فاتّهمته بالفاحشة ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّها لي حلال ، إنّه نکاح بأجل مُسمّى فاکتميه ، فأطلعت عليه بعض نسائه)(١) .

وقال : (وروى ابن بابویه بإسناده : (أنّ علياً عليه‌السلام نكح بالكوفة امرأة من بني نهشل متعة ))(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : «إنّي لأحبُّ للمؤمن أن لا يخرج من الدنيا حَتَّى يتمتع ولو مرة ، وأنه يضع الجمعة في جماعة »(٣) .

وقال أيضاً : «المتعة والله أفضل من الحجّ ، وبها نزل الكتاب وجرت السنة ».

وروى الكليني بإسناده عن رجل من قريش : (بعثت إليّ ابنة عم لي كان لها مال كثير : قَدْ عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي ، وما بعثت إليك رغبة في الرجال ، غير أنه بلغني أنه أحلّها الله في كتابه ، وسنّها(٤) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سنّته فحرمها زفر(٥) ، فأحببت أن أطيع الله عزَّ وجلَّ فوق عرشه ، وأطيع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأعصي زفر ، فتزوّجني متعة ، فقلت لها : حَتَّى أدخل على أبي جعفرعليه‌السلام فأستشيره ، قال : فدخلت عليه فخبرته ، فقال : «افعل ، صلَّى الله عليكُما من زوج »(٦) .

__________________

(١) خلاصة الإيجاز : ٢٤.

(٢) خلاصة الإيجاز : ٢٥.

(٣) ورد الحديث بهذا اللفظ في الغاية القصوى ٢ : ٢٢۹ ، وفي مصباح المتهجد : ٣٦٣ ، ووسائل الشيعة ٢١ : ١٤ ح ٢٦٩٣٤ / ٧ باختلاف يسير.

(٤) في بعض المصادر الحديثية : (وبّينها).

(٥) زفر : كناية عن اسم عمر للتقية.

(٦) الكافي ٥ : ٤٦٥ ح ١.

٣٤٦

وفي رسالة المفيد بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : (قال لي : «تمتّعتَ؟ قلت : لا ، قال : لا تخرج من الدنيا حَتَّى تحيي السنّة »)(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام : «إنّي لأكره للرجل أن يموت وقَدْ بقيت عليه خلَّة من خلال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يأتها.

فقلت : فهل تمتع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : نعم ، وقرأ هذه الآية : وإ أالبي إلى بعض أزواجه حديئا إلى قوله : وثبات وأبكاره(٢) »(٣) .

وبالإسناد عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : (قلت : للمتمتّع ثواب؟ قال : «إن كان يريد بذلك وجه(٤) الله تعالى وخلافاً على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلّا كتب الله له بها حسنة ، ولم يمد إليها يده إلّا كتب الله له حسنة(٥) ، فإذا دنا منها غفر الله له ذنباً ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مرَّ من الماء على شعره».

قلت : بعدد الشعر؟ قال : «نعم ، بعدد الشعر »)(٦) .

بل يظهر من جملة من الأخبار استحباب المتعة ، وإن عاهد الله على تركها ، أو جعل عليه نذراً

__________________

(١) خلاصة الإيجاز : ٤١.

(٢) سورة التحريم : ٣ ـ ٦.

(٣) من لایحضره الفقيه ٣ : ٤٦٦ ح ٤٦١٥.

(٤) ليس في بعض المصادر الحديثية : (وجه).

(٥) ليس في بعض المصادر الحديثية : «ولم يمد إليها يده إلا كتب الله له حسنة».

(٦) خلاصة الإيجاز : ٤٢ ، رسالة المتعة اللمفيد : ٦ ، جواهر الكلام ٣۰ : ١٥١ باختلاف يسير.

٣٤٧

ففي (الكافي) بإسناده عن علي السائي قال : (قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّي كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت بها فأعطيت الله عهداً بين الركن والمقام ، وجعلت عليَّ في ذلك نذراً أو صياماً أن لا أتزوجها ، ثُمَّ إنّ ذلك شق عليَّ وندمت على يميني ولم يكن بيدي من القوِّة ما أتزوّج به في العلانية؟

قال : فقال لي : «عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لأن لم تطعه لَتَعصِينَّه»)(١) .

وقريب منه غيره(٢) ، فهذه جملة من أحكام المتعة أتينا على تفصيلها والله العالم.

فخر الدين ابن العلامة

وأما الشيخ فخر الدين فهو : أبو طالب محمّد ابن آية الله العلّامة ، المعبّر عنه في الكتب الفقهية : بفخر الدين ، وفخر الإسلام ، وفخر المحقِّقين وأحياناً بالفخر ، ولد ليلة الاثنين والعشرين من جمادى الأُولى سنة ٦٨٢.

نقل صاحب (مجالس المؤمنين) عن الحافظ من الشافعية في مدحه : (أنّه رآه مع أبيه في مجلس السلطان محمّد الشهير بخدا بنده ، فوجده شاباً ، عالماً ، فطناً مستعدة للعلوم ، ذا أخلاق رضيّة ) ، انتهى(٣) .

وقال تلميذه السيِّد العارف الأنور السيِّد حيدر الآملي صاحب كتاب (الكشكول فيما جرى على آل الرسول) ، وكتاب (منبع الأسرار) ، وكتاب

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٥٠ ح ٧.

(٢) ينظر : وسائل الشيعة ٢١ : ١٦ باب ٢ ففيه ثلاثة أحاديث.

(٣) مجالس المؤمنين ١ : ٥٧٦.

٣٤٨

(المسائل الحيدريّة) ـ وهو مجموعة مسائل سأله عنها ـ والمنقول عن الأخبار ما نصّه : (بعد الحمد والصلاة ، هذه مسائل سألتها عن جناب الشيخ الأعظم ، سلطان العلماء في العالم ، مفخر العرب والعجم ، قدوة المحقِّقين ، مقتدى الخلائق أجمعين ، أفضل المتأخّرين والمتقدِّمين ، المخصوص بعناية ربّ العالمين ، الإمام العلّامة في الملَّة والحقّ والدین ، ابن المطهِّر مدّ الله ظلال أفضاله ، وشيَد أركان الدين ببقائه ، مشافهة في مجالس متفرقة على سبيل الفتوى ، وكان ابتداء ذلك في سلخ رجب المرجّب سنة ٧ ٥ ۹ هجرية نبويّة هلاليّة ، ببلدة الحلّة السيفيّة ، حماها الله عن الحدثان.

وأنا العبد الفقير حيدر بن علي بن حيدر العلويّ الحسيني الآمليّ أصلح الله حاله ، وجعل الجنّة مآله ، ما يقول شيخنا ...)(١) .

له كتب منها :

(شرح القواعد) سمّاه أيضاً (الفوائد في حلّ مشكلات القواعد) ، وله شرح (خطبة القواعد) ، و (الفخريّة في النيِّة) ، و (حاشية الإرشاد) ، و (الكافية في الكلام) ، و [شرح](٢) (نهج المسترشدین) لوالده العلَّامة ، وشرح (مبادئ الأُصول) أيضاً لوالده ، وشرح (التهذيب) أيضاً لوالده(٣) ، يقال : إنّه من جملة ما ذهب فيه من المسائل الأُصوليّة : قوله ، باقتضاء النهي في العبادات الصحَّة كما اختاره أبو حنيفة

__________________

(١) عنه خاتمة المستدرك ٢ : ٤٠٢ ، ونسختها بخط السِّيد والأجوبة بخط الفخر ، بين السطور وبعضها في الحاشية كانت عند شيخنا العلامة النوريرحمه‌الله بحسب ما صرح به في خاتمة مستدرکه.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٣) أي : (تهذيب الأُصول) المسمى بـ(غاية السؤل).

٣٤٩

وصاحباه ، وله أيضاً (أجوبة مسائل السيِّد مهنّا بن سنان الحسينيّ المدنیّ في الفروع الفقهيّة النادرة).

وتوفي في سنة ٧٧١ في ليلة الجمعة في الخامس والعشرين من جمادی الآخرة ، ونقل المولی محمّد تقي المجلسي في (شرح الفقيه) أنّه : دفن في الحلّة ، ثُمَّ نقل إلى النَّجف(١) .

وناهيك في بلوغه في العلم والفضل منتهى الأصل وأسنى المحلّ ، أمر والده وشيخه في وصيته التي ختم بها (القواعد) بإتمام ما بقي ناقصاً من كتبه بعد حلول أجله ، وإصلاح ما وجد فيها من الخلل ، وصرَّح بأمره بالإصلاح في أوّل الإرشاد) أيضاً(٢) ، ولعلّه بذلك اشتغل وما صنّف بعد أبيه مع بعد الأجل إلا ما قل ، ولقد عثرت علی حکایتین لطیفتین تناسبان هذه الترجمة :

الرؤيا المنقولة في محبوب القلوب

الأُولى : ما ذكره صاحب كتاب (محبوب القلوب) : (إن شخصاً من أهالي سبزوار رأى في عالم الرؤيا : أنه ، حمل على رأسه تابوتاً وهو يدور في سكك البلدة ، ويفوح من ذلك التابوت رائحة خبيثة نتنة جداً ، بحيث كلَّما أوصلت إلى مسام أحد غشي عليه وغابت روحه.

فقال له واحد : إنَّ هذا التابوت للشيخ فخر الدين خلف العلّامة الحلَّي عطر الله مرقده ، فقص رؤياه على من هو كامل بتأويل الرؤيا ، فقال له : تأویل خباثة رائحة

__________________

(١) عنه الفوائد الرضوية ٢ : ٧٧١.

(٢) ينظر : قواعد الأحكام ٣ : ٧١٤ ، إرشاد الأذهان ١ : ٢١۸.

٣٥٠

تابوته من جهة ما كان يذهب إليه ويختاره من المذهب من حرمان من ينتسب بالأُم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الخمس)(١) .

وهو على خلاف فتوى السيِّد المرتضیرحمه‌الله ، وهذه المسألة مختلف فيها ، وقَدْ أجمع المتأخّرون ـ إلآ من شدّ ـ على تخصيص الخمس بالمنتسب إلى هاشم بالأب خاصة ، وقَدْ وافق بعض المتأخّرين السيِّد المرتضیرحمه‌الله في فتواه ، كالسيِّد المير الداماد والفاضل الصالح المازندراني في شرحه على الأُصول ، والسيِّد الجزائري في (شرح العوالي) ، والمحدّث الشيخ عبد الله البحراني ، وصاحب

__________________

(١) محبوب القلوب : الملمع بالفارسي نثراً ونظماً للمولى الفاضل العارف قطب الدین محمّد بن الشيخ علي الشريف بن المولى عبد الوهاب بن پیله فقیه بالبا الفارسي اللاهجي الأشكوري تلميذ المحقِّق الداماد كانت نسخة منه عند المؤلفرحمه‌الله كما ذكرناه في مقدمة كتابنا هذا ، وقَدْ طبع قطعة منه في شرح حالات الحكماء ١٣١٧ ، رتبه على مقدمة في حقيقة الفلسفة ومقالات ثلاث : أولها في أحوال الحكماء قبل الإسلام ، وثانيها في حکماء الإسلام ، وثالثها في الأئمة الأطهارعليهم‌السلام ، وبعض المشايخ الأبرار ، وخاتمة في ترجمة نفسه ، والنسخة التامة إلى آخر الخاتمة في كتب شيخ العراقين الشيخ عبد الحسين الطهراني بكربلاء بخط التعليق الجيد اللطيف كتبه أصيل بن إسماعيل الكوچسفهائي في ذي القعدة ١١۰۸ وعليه حواشٍ جيدة نافعة من المصنف ینفل فيها عن كتب جليلة وآخر تراجمه للمشایخ ترجمة المير الداماد وأول تراجمهم بعد النواب الأربعة الكليني ثُمَّ علي بن بابویه ثُمَّ والده الشيخ أبو جعفر الصدوق ثم المفيد ثُمَّ الطوسي ثُمَّ الشريف الرضي ثُمَّ المرتضی ثُمَّ المحقِّق الحلّي ثُمَّ العلّامة الحّلي ثُمَّ علي بن طاووس ثُمَّ الشيخ البهائي ثُمَّ المير الداماد ، فهؤلاء الاثنا عشر من المشايخ وآخر مشايخ الصوفية محيي الدين ، يوجد في (دانشگاه : ٤۸۸۹) [الذريعة ٢۰ : ١٤١ رقم ٢٣۰٣١] وقَدْ طبعت المقالتان الأوليان منه أخيراً من منشورات میراث مکتوب ، والكلام الَّذي ذكره المؤلفرحمه‌الله في المتن هو من المقالة الثالثة التي لم تطبع بعد ، فتدبر.

٣٥١

(الحدائق) ، وظاهر صاحب (المدارك) ، و (الذخيرة) التوقُّف في أصل المسألة ، وهي محررة في محلها ، فراجع(١) .

وضوء السلطان خدابنده

والثانية : ما أورده السيِّد المحدث الجزائري في شرحه على (التهذيب) ، قال : (وقَدْ حكى بعض أهل الشروح أنّ العلّامة وولده كانا مع السلطان (خدا بنده) مصاحبين معه في الأسفار والإحضار ، وكان ذلك السلطان يتوضأ للصلاة قبل وقتها ، ومضى علیه زمان على هذه الحالة ، فدخل عليه العلّامة يوماً فسأله ، فقال : أعد كل صلاة صلّيتها على ذلك المنوال.

فلمّا خرج من عنده دخل عليه ولده ، فسأله أيضاً عن تلك المسألة ، فقال له : أعد صلاة واحدة ، وهي أول صلاتك على ذلك الحال ، [وذلك](٢) أنك لما توضأت لها قبل دخول وقتها وصلَّيتها بعد دخوله كانت فاسدة ، فصارت ذمَّتك مشغولة بتلك الصلاة فكلما توضأت بعد تلك الصلاة كان وضوؤك صحيحاً بقصد استباحة الصلاة ؛ لأن ذمَّتك مشغولة بحسب نفس الأمر.

ففرح بذلك السلطان فأخبر العلّامةرحمه‌الله بقول ولده فاستحسنه ، ورجع عن قوله إلى قول ولده. فلمّا وصلت النوبة إلى من بعده من المحقِّقين عاب عليه في رجوعه عن قوله ، وذلك لأنَّ الوضوء الَّذي وقع من السلطان قبل دخول الوقت إنما وقع

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضی : ٣٢۸ ، مختلف الشيعة ٣ : ٣٣٢ ، شرائع الإسلام ١ : ١٣٥ ، أيضاح الفوائد ١ : ٢١٧ ، شرح اُصول الکافی ٧ : ٣۹٧ ، الحدائق الناضرة ٢٢ : ٢٤٣ ، مدارك الأحكام ٥ : ٣۹۹ ، جواهر الكلام ١٦ : ۹۰.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

٣٥٢

بقصد استباحة الصلاة المستقبلة ، لا الفائتة ، وإنّما الأعمال بالنيَّات ؛ فلا يكون ذلك الوضوء متصرفاً إلى ما في ذمّته ، بل إلى ما سيفعله من الصلوات)(١) .

وهو كما ترى بمكان من السقوط ؛ إذ لا ريب في صحَّة قصد الوجوب الوضوء بعد أن كان المتوضي مشغول الذمَّة بما هو مشروط فيه ، أعني : الصلاة الفائتة ، وإن لم يقصد الوجوب لأجّلها ، وإن هو إلّا من قبيل الخطأ في التطبيق هذا.

وفي بعض الأخبار دلالة واضحة على ما قاله فخر المحقِّقين ، كما روی الصدوقرحمه‌الله في الفقيه في ناسي غسل الجنابة : «أنه يقضي صلاته وصيامه إلى وقت اغتساله غسل الجمعة »(٢) ، فإنّه دال على أن الحدث الَّذي لم يقصد رفعه يرتفع بالقصد إلى غيره ، وليس إلا لشغل الذمة بحسب الواقع ونفس الأمر.

قال صاحب الوافي : (في هذا الخبر دلالة واضحة على أن قصد القربة كاف في الأعمال ولم يشترط التعيين ، ولا الوجوب ولا الاستحباب )(٣) .

وكانصراف الصلاة المعادة إلى ما في ذمَّته من الصلاة الفائتة وإن لم يقصده ، كما هو صریح سیدنا الأُستاذرحمه‌الله في العروة(٤) ، وغيره في غيرها وله نظائر كثيرة ، وحينئذ فيكون ذلك الوضوء الَّذي أوقعه قبل الوقت باستباحة الصلاة منصرفاً إلى ما في ذمَّته من الصلاة.

__________________

(١) عنه روضات الجنات ٦ : ٣١٢ ، وذكره الشيخ القمي في الفوائد الرضوية ٢ : ٧٧٣ ضمن ترجمته.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١١۹ ح ١۸۹٦ باب الصوم.

(٣) الوافي : کتاب الصوم.

(٤) ينظر : مستمسك العروة الوثقی ٧ : ٥٨١.

٣٥٣

وأمّا بناءً على استحباب الوضوء في نفسه ـ كما هو الأقوى ـ فلا إشكال في جوازه قبل دخول الوقت ، ويترتَّب عليه آثاره من ارتفاع الحدث ، ونحوه. فيصحُّ معه الدخول في جميع الغايات ، ولا يضرُّه قصد الوجوب في مكان الاستحباب بعد أن لم يكن مشرّعاً ، فلا نحتاج إلى كلفة الجواب عن شيء.

٣٥٤

العلامة الحلي

وأمّا الإمام جمال الدين ، فهو : أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن مطهَّر الحِلّي ، المشهور بالعلّامة في لسان الخاصة ، وبابن المطهَّر على لسان بعض العامَّة ، وهو ابن اُخت المحقِّق ، وأجلّ تلاميذه ، وقرأ على جمٍّ غفير من مشايخ الفريقين ، كوالده الشيخ سديد الدين يوسف ، وابن عمّ والدته الشيخ نجيب الدين يحيی صاحب (الجامع) ، والسيِّدين الجليلين جمال الدين أحمد ورضيّ الدين عليّ ابني طاووس العلويين ، والشيخ ميثم بن علي بن میثم البحراني ، والخواجة نصير الملّة والدين الطوسي ، وکشيخه نجم الدين عمر بن علي المعروف دبیران الكاتب القزويني المنطقي المتوفّی ٤ ۹٣ صاحب (الشمسيّة) في المنطق ، ألّفه للخواجة شمس الدین محمّد ، وكان هذا الشيخ من فضلاء العصر وأعلمهم بالمنطق ، وله تصانیف کثيرة قرأ عليه شرح الكشف(١) إلا ما شدّ ، وكان له خلق حسن ، ومناظرات جيدة ، وكان من أفضل علماء الشافعية ، عارفاً للحكم ، أعلم أهل عصره بالمنطق ، والهندسة وآلات الرصد.

وغلط المحدّث النيسابوري حيث عدّه من فضلاء الشيعة ، والشيخ برهان الدين النسفي المصنف في الجدل وغيره كثيراً ، والشيخ جمال الدین حسین بن أبان النحوي ، والشيخ عزّ الدين الفاروقي الواسطي من صلحاء فقهاء السنَّة ، والشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي الصبّاغ الحنفي ـ وكان هذا الشيخ صالحاً من فقهاء الحنفية بالكوفة ـ والشيخ شمس الدین محمّد بن محمّد بن

__________________

(١) ويقصد من الكشف ، کشف الأسرار عن غوامض الأفكار في المنطق ، للقاضي أفضل الدين الخونجي سنة ٦٤٩ هـ ، والشرح لشيخه الأُستاذ دبیران.

٣٥٥

أحمد الكشي ، المتكلَّم الفقيه ، وهو ابن اُخت المولی قطب الدین المعروف بالعلّامة السبزواري المتوفّى سنة ٧١۹ ، وكان شمس الدين المزبور من أفضل علماء الشافعية ، والشيخ السعيد سدید الدین سالم بن محفوظ بن عزيرة السوراوي ، والشيخ أثير الدين الفضل بن عمر الأبهري ، والشيخ أفضل الدين الخولخي ، والشيخ فخر الدين محمّد بن الخطيب الرازي(١) .

تشيُّع السلطان خدابنده

وكفاه فخراً على من سبقه ولحقه مقامه المحمود في اليوم المشهود الَّذي ناظر فيه علماء المخالفين فأفحمهم ، وصار سبباً لتشيُّع السلطان محمّد الملقَّب بشاه خدا بنده الجایتو خان بن أرغون خان بن أباقا خان بن هلاکو خان بن تولی خان بن جنكيز خان ، وصارت السكَّة والخطب في البلاد بأسامي الأئمةعليهم‌السلام ، حَتَّى أنَّ بعض العامَّة ذكر في تاريخه من سوانح سنة ٧۰٧ ، إظهار خدا بنده شعار التشيُّع بإضلال ابن المطهَّر.

وقيل : إن السلطان غازان خان بن أرغون خان في سنة ٧۰٢ كان في بغداد فاتفق أن سيَّداً علوياً صلَّى الجمعة في يوم الجمعة في الجامع ببغداد مع أهل السنُّة ، ثُمَّ قام وصلَّى الظهر منفرداً ، فتفطَّنوا منه ذلك ، فقتلوه فشكا ذووه إلى السلطان ، فتكدَّر خاطره ، ومسّت عواطفه ، وأظهر الملالة من ذلك ، وأنه يقتل رجل من أولاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بمثل هذا الذنب ، ولم يكن له علم بالمذاهب الإسلامية ، فقام يتفحُّص عنها ، وكان في اُمرائه [جماعة يتشیَّعون ، منهم :](٢) أمير

__________________

(١) بنظر : روضات الجنات ٢ : ٢۸ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ـ ٤٠٨.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

٣٥٦

طرمطار بن مانجو بخشي ، وغيره من الشيعة ، فأخذ في استنصار مذهب الشيعة وتقويته في ذهن الملك ، حَتَّى مال إليه ، فقام في تربية السادة ، وعمارة مشاهد الأئمةعليهم‌السلام إلى أن توفّي سنة ٧٦٠.

وقام بالسلطنة من بعده أخوه السلطان محمّد الجایتو المذكور ومعنی الجايتو : المبارك ، وصار مائلاً إلا الحنفية بترغیب جمع من علمائهم ، وكان وزيره الخواجة رشيد الدين الشافعي مستاء بذلك ، غير أنه لا يمكنه مخالفة السلطان إلى أن جاء القاضي نظام الدين عبد الملك من مراغة إلى خدمة السلطان ، وكان ماهراً في المعقول والمنقول ، فجعله قاضي القضاة لتمام ممالکه ، فجعل يناظر مع علماء الحنفية في محضر السلطان في مجالس عديدة فيعجزهم ، فمال الملك إلى مذهب الشافعية والحكاية المشهورة في الصلاة وقعت في محضره(١) .

صلاة على طريقة أبي حنيفة

وهو ما ذكره القاضي ابن خَلّكان عن إمام الحرمین أبي المعالي عبد الملك الجويني إمام الشافعية المتوفى سنة ٤ ٧۸ في رسالته المعمولة لبيان حقّية المذهب الشافعي التي سماها (غیاث الأُمم ومغيث الخلق) ، بما صورتها :

(ویحکی أن السلطان يمين الدولة وأمير الملَّة أبا القاسم محمود بن سبکتکین كان على مذهب أبي حنيفة ، وكان مولعاً بعلم الحديث ، وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه ، وهو يسمع. وكان يستفسر الحديث فوجد الأحاديث أكثرها موافقاً لمذهب الشافعي ، فوقع في جلده حكَّة فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو ، والتمس

__________________

(١) خاتمة المستدرك ٢ : ٤۰٣.

٣٥٧

منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر ، فوقع الاتفاق على أن يصلُّوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي ، وعلى مذهب أبي حنيفة ؛ ولينظر فيه السلطان ويتفكّر فيه ويختار ما هو أحسن. فصلَّى القفَّال المروزي من أصحاب الشافعية بطهارة مسبغة ، وشرائط معتبرة من طهارة ، وستر ، واستقبال القبلة ، وأتى بالأركان والهيئات والسنن ، والآداب ، والفرائض على وجه الكمال والتمام. وكانت صلاة لا يجوِّز الشافعي دونها.

ثُمَّ صلَّى ركعتين على ما جوَّزه أبو حنيفة ، فلبس جلد کلب مدبوغ ، ولطخ رأسه بالنجاسة ، وتوضّأ بنبيذ التمر. وكان في صميم الصيف بالمفازة فاجتمع عليه الذباب ، وكان وضوؤه منكوساً معكوساً ، ثُمَّ استقبل القبلة ، وأحرم بالصلاة من غير نيّة ، وأتی بالتكبير بالفارسية ثُمَّ قرأ آية بالفارسية (دو برك سبز)(١) ، ثُمَّ نقر نقرتين کنثرات الغراب من غير فصل ومن غير رکوع ، ثُمَّ تشهد وضرط من غير سلام.

وقال : أيُّها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة. فقال السلطان : لو لم تكن هذه له القتلتك ؛ لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دین وأنكر الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة. وأمر القفّال بإحضار كتب الفريقين ، وأمر السلطان نصرانياً كاتباً يقرأ المذهبين جميعاً فوجدت على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفّال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة وتمسَّك بمذهب الشافعي ، ولو عرضت الصلاة التي جوَّزها أبو حنيفة على العامي لامتنع من قبولها). انتهى(٢) .

ولعلّ هذه الحكاية كرر وقوعها بمحضر السلطان محمّد المزبور ، وإمام الحرمين أبو المعالي ، وهذا هو الَّذي نقل ابن شهر آشوب عن جدّه أنه سمعه

__________________

(١) ترجمتها : مدهامتان.

(٢) وفيات الأعيان ٥ : ١۸۰.

٣٥٨

يقول : شاهدت مجلّداً ببغداد في يدي الصحّاف فيه روایات (غدیر خم) ، مکتوباً ، المجلَّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : (من کنت مولاه فعلي مولاه) ، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون)(١) .

مناظرة العلامة وقاضي القضاة

وحكى ابن طاووس في طرائفه الحكاية عن ابن شهر آشوب(٢) .

ثُمَّ اتفق أن ورد على السلطان السيِّد تاج الدين الآوي الإمامي مع جماعة من الشيعة ، وكانوا يناظرون مع القاضي نظام الدين في محضر السلطان في مباحث كثيرة ، فعزم السلطان على الرواح إلى بغداد وزيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

__________________

(١) نقله عنه ابن جبر في نهج الإيمان : ١٣٣ ، والبياضي في الصراط المستقیم ١ : ٣۰١ ، والبحراني في مدينة المعاجز ١ : ٣١ ، ونسبه إلى ابن کثیر الشامي : التستري في إحقاق الحق (ينظر شرحه ٢ : ٤۸٦) ، والشيخ محمّد آل عبد الجبار في الشهب الثواقب : ٧٦ ، والنقوي في خلاصة العبقات ١ : ٣٣ ، وهو اشتباه ونصّ ما ذكره ابن كثير الشامي في ترجمة محمّد بن جرير الطبري في كتاب البداية والنهاية ١١ : ١٦٧ : وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحادیث غدیر خم في مجلدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طريق حديث الطير.

(٢) لم يحكِ ابن طاووسرحمه‌الله عن ابن شهر آشوب هذا القول وإنما أشار إلى الحكاية المذكورة آنفاً في كتابه الطرائف ٣٥٧ ، بما نصّه : (وذكر أيضاً الجويني في كتاب مغیث الخلق في معرفة الأحق طعوناً كثيرة على أبي حنيفة المذكور ، من أراد الوقوف عليها فليراجع الكتاب المذكور). (انتهی)

وذكره عنهما البحراني في غاية المرام ١ : ٣۰٤ ، وعن ابن شهر آشوب في ص ٣٤٥ عن كتاب له ، كما ذكره في كشف المهم عن كتاب (نخب المناقب) لابن شهر آشوب : ٤٥ ، وعنهما في ص ١٥٤ ، وعن ابن شهر آشوب في ص ٢١٧ ، ولم أعثر عليه في كتاب المناقب ، نعم ذكر القندوزي في كتابه ينابيع المودة ١ : ١١٣ ما نصّه : (حكى العلامة علي بن موسى ، وعلي بن محمّد أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمین استاذ ابي حامد الغزالي رحمها الله بتعجب ويقول : رأيت مجلّداً في بغداد في يد صحاف فيه روایات خبر غدیر خم مكتوباً عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم : من کنت مولاه فعلي مولاه ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون). (انتهى) ، فلعل المراد بالعلامة علي بن موسى هو ابن طاووس رحمه‌الله بقرينة الاشتراك بالاسم واسم الأب ، فتدبر.

٣٥٩

فلمَّا ورد رأى في منامه ما قوّی به دين الشيعة ، فعرض السلطان سورة الواقعة على الأُمراء ، فحرّضه عليه من كان متّهماً في مذهب الشيعة ، فصدر الأمر بإحضار أئمَّة الشيعة ، فطلبوا جمال الدين العلّامة ، وولده فخر المحقِّقين ، وكان مع العلّامة من تأليفاته كتاب (نهج الحق وکشف الصدق) ، وکتاب (منهاج الكرامة) ، فأهداهما إلى السلطان وصار مورداً للألطاف والمراحم السلطانية.

فأمر السلطان قاضي القضاة نظام الدین عبد الملك ـ وهو أفضل علماء زمانهم ـ أن يناظر مع آية الله العلّامة ، وهيّأ مجلساً عظيماً مشحوناً بالعلماء والفضاء ، فناظرهم وأثبت عليهم بالبراهين العقلية والحجج النقلية بطلان مذهبهم العامية وحقّية مذهب الإمامية على وجه تمنَّوا أن يكونوا جماداً أو شجراً ، وبُهتوا كأنَّهم أُلقوا حجراً. ثُمَّ أكَّد ذلك بالكتاب المزبور المزيل للارتیاب ، فعدل السلطان ، والأُمراء ، والعساکر ، وجمٌّ غفير من العلماء والأكابر إلى التزام المذهب الحق ، وزيّنوا الخطبة والسكّة بسوامي أسامي الأئمةعليهم‌السلام .

وكان المناظرون الحاضرون في ذلك المجلس خلقاً كثيراً من علماء العامّة : کالمولی قطب الدين الشيرازي ، وعمر الكاتب القزويني ، وأحمد بن محمّد الكشّي ، والسيِّد ركن الدين الموصلي.

ولمّا انقضت المناظرة خطب العلّامة خطبة بليغة مشتملة على ثناء الله ، والصلاة على النبي وآله. فقال السيِّد ركن الدين : ما الدليل على جواز الصلاة على غير الأنبياء؟

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683