تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 11%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16644 / تحميل: 1894
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

المنصف قال فقيل له متى ذاك يا أمير المؤمنين فقال إذا اتخذت الأمانة مغنما والزكاة مغرما والعبادة استطالة والصلة منا قال فقيل متى ذلك يا أمير المؤمنين فقال إذا تسلطن النساء وسلطن الإماء وأمر الصبيان.

٢٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن جعفر العقبي رفعه قال خطب أمير المؤمنينعليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود والأحمر فقال مروان لطلحة والزبير ـ ما أراد بهذا غيركما قال

كما في أكثر نسخ النهج [ الماحل ] قال الجوهري : المحل : المكر والكيد يقال : محل به إذا سعى به إلى السلطان ، فهو ماحل ومحول(١) .

قوله عليه‌السلام : « ويضعف فيه المنصف » قال ابن ميثم : أي إذا رأوا إنسانا عنده ورع وإنصاف في معاملة الناس عدوه ضعيفا ، ونسبوه إلى الوهن والرخاوة أو يستصغرون عقله ، ويعدونه ضعيف العقل كأنه تارك حق ينبغي له أن يأخذه.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « ولكن الله خول » قال الجزري : في حديث العبيد : هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، الخول : حشم الرجل وأتباعه وأحدهم خائل وقد يكون واحدا ويقع على العبد والأمة ، وهو مأخوذ من التخويل : التمليك ، وقيل : من الرعاية.

قوله عليه‌السلام : « فمن كان له بلاء » أي نعمة ومال ، فصير في الخير أي جعله في مصارف الخبر ، وفي أكثر النسخ« فصبر » بالباء أي من كان له نعمة على الإسلام بأن صبر على الشدائد في سبل الخير ، كالجهاد والفقر وأذى الأعادي فلا يمن به على الله ، بل الله يمن عليه ، لكن يعطيه الله أجره في الآخرة والغرض أنه لا ينبغي أن يطلب الإنسان بسبب أعماله فضلا في القسم التي حكم الله فيها ، أن يقسم بالسوية بين المسلمين ، بل ينبغي أن يرضى بقسم الله.

__________________

(١) الصحاح : ج ٥ ص ١٨١٧.

١٦١

فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء فقال إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا.

( حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حين عرضت عليه الخيل )

٢٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن سالم وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن النضر ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن الحسين بن أبي قتادة جميعا ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر لعن الله صاحب هذا القبر فو الله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال خالد ابنه بل لعن الله أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدو فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألقى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خطام راحلته على غاربها ـ ثم قال إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا

قوله : « أعتقه » يحتمل التكلم والخطاب ،قوله « على ولد إسحاق » لعل العبد كان من بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم ، ويحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة ، لا مطلقا مع أنه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقا إلا بالفضائل.

الحديث السابع والعشرون : حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين عرضت عليه الخيل ضعيف.

وعلي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى كلاهما معطوفان على أبي علي الأشعري.

قوله : « أهونهما على العشيرة » أي من يكون فقده وموته أهون وأسهل على عشيرته ولا يبالون بموته.

قوله عليه‌السلام : « على غاربها » الغارب ما بين السنام والعنق ، وكأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألقاه

١٦٢

فيغضب ولده ثم وقف فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال عيينة وأنا أعلم بالرجال منك فغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له فأي الرجال أفضل فقال عيينة بن حصن رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم يضربون بها قدما قدما فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل الإيمان يماني والحكمة يمانية ولو لا الهجرة لكنت امرأ

للغضب لأن يسير البعير.

قوله : « على كواثب خيولهم » قال الجزري(١) فيه : « يضعون رماحهم على كواثب خيولهم » الكواثب : جمع كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.

قوله : « يضربون بها قدما » قال الفيروزآبادي(٢) : معنى قدما بضم الدال : لم يعرج ولم ينثن.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الإيمان يماني » قال الجزري(٣) : فيه الإيمان يمانوالحكمة يمانية ، إنما قال ذلك ، لأن الإيمان بدأ من مكة. وهي من تهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنه قال هذا القول للأنصار ، لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان والمؤمنين وآووهم ، فنسب الإيمان إليهم.

وقال الجوهري : اليمن بلاد للعرب ، والنسبة إليها يمني ، ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب ، فلا يجتمعان. قال سيبويه : وبعضهم يقول : يماني بالتشديد(٤) وقال في محيي السنة : هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم إياه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لو لا الهجرة » لعل المراد لو لا أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن ، إذ مكة منها ، أو المراد أنه لو لا أن المدينة كانت أولا دار هجرتي واخترتها بأمر الله لاتخذت اليمن وطنا ، أو المراد أنه لو لا أن الهجرة أشرف

__________________

(١) النهاية : ج ٤ ص ١٥٢.

(٢) القاموس : ج ٤ ص ١٦٢. « ط مصر » وفي المصدر القُدُم بضمّتين : المضيّ أمامَ أمامَ.

(٣) النهاية ج ٥ ص ٣٠٠. باختلاف يسير.

(٤) الصحاح : ج ٦ ص ٢٢١٩.

١٦٣

من أهل اليمن الجفاء والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ـ ربيعة ومضر من حيث يطلع

لعددت نفسي من الأنصار ، ويؤيد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان(١) في قصة حنين « أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار إلى آخر الخبر.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الجفاء والقسوة » قال الجزري(٢) : فيه« إن الجفاء والقسوة في الفدادين » الفدادون بالتشديد : الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، واحدهم. فداد يقال : فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته ، وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل : هم الجمالون ، والبقارون والحمارون والرعيان ، وقيل : إنما هو الفدادين مخففا ، واحدها فدان مشددا ، وهو البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وقسوة.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أصحاب الوبر » أي أهل البواري ، فإن بيوتهم يتخذونها منه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حيث يطلع قرن الشمس » قال الجوهري : قرن الشمس أعلاها ، وأول ما يبدو منها في الطلوع ، لعل المراد أهل البواري من هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي في شرقي المدينة(٣) .

وروي في(٤) محيي السنة بإسناده عن عقبة بن عمر « وقال : أشار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن ، فقال : الإيمان يمان ، هيهنا إلا أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر(٥) » وبإسناده عن أبي هريرة أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم(٦) ، وبإسناده عن ابن عمر أنه قال : رأيت رسول الله ، يشير إلى المشرق ويقول : إن الفتنة هيهنا ، إن الفتنة هنا من حيث يطلع قرن الشيطان. وقال النووي : قرنا الشيطان قبل المشرق ، أي جمعاه المغويان اللذان يغريهما بإضلال الناس وقيل : شيعتاه من

__________________

(١) المجمع : ج ٥ ص ١٩. « التوبة : ٢٥ ». (٢) النهاية : ج ٣ ص ٤١٩.

(٣) الصحاح : ج ٦ ص ٢١٨.

(٤) الظاهر زيادة « فى » من النسّاخ لأنّ ـ مُحي السُنة ـ لقب للبغوي. وقد تقدم توضيحه ص ١٦٣.

(٥ و ٦) مصابيح السنة للبغوى : ج ٢ ص ٢٩٠. « ط مصر ». باختلاف يسير.

١٦٤

قرن الشمس ومذحج أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة وروى بعضهم خير من الحارث بن معاوية وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال لعن الله الملوك الأربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة وأختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له

الكفار ، يريد مزيد تسلطه في المشرق ، وكان ذلك في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق ، وهو فيما بين ذلك منشأ الفتن العظيمة ، ومثار الترك العاتية(١) . انتهى ، ولا يبعد أن يكون في هذا الخبر أيضا قرن الشيطان فصحف.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومذحج » كمسجد أبو قبيلة من اليمن ، وقال(٢) :حضرموت اسم بلد وقبيلة أيضا ، وقال :عامر بن صعصعة أبو قبيلة ، وهو عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن. وفي القاموس(٣) :بجيلة كسفينة : حي باليمن من معد ، وقال :رعل وذكوان قبيلتان من سليم(٤) ، وقال :لحيان أبو قبيلة ، وقال :مخوس كمنبر :ومشرح ، وجمد ، وأبضعة : بنو معديكرب ، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولعن أختهم العمردة ، وفدوا مع الأشعث ، فأسلموا ثم. ارتدوا فقتلوا يوم النجير ، فقالت نائحتهم يا عين بكي لي الملوك الأربعة(٥) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لعن الله المحلل والمحلل له » قال في النهاية(٦) : وفيه « لعن الله المحلل والمحلل له » وفي رواية المحل والمحل له ، وفي حديث بعض الصحابة « لا أوتي بحال ولا محلل إلا رجمتهما » جعل الزمخشري هذا الأخير حديثا لا أثرا ، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات : حللت وأحللت وحللت ، فعلى الأولى جاء الحديث الأول يقال : حلل فهو محلل ومحلل له ، وعلى الثانية جاء الثاني : تقول أحل فهو محل ومحل له ، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول حللت فأنا حال ، وهو محلول له ، وقيل أراد بقوله لا أوتي بحال : أي بذي إحلال مثل قولهم ريح لاقح أي ذات إلقاح ، والمعنى في الجميع : هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد وطئها ، لتحل لزوجها الأول ، وقيل : سمي محللا بقصده إلى التحليل كما

__________________

(١ و ٢) صحيح مسلم بشرح النووي : ج ٣ ص ٣٤. باختلاف يسير.

(٣ و ٤) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٣٣٣ و ٣٨٥ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٥) نفس المصدر : ج ٢ ص ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٦) النهاية : ج ١ ص ٤٣١.

١٦٥

ومن يوالي غير مواليه ومن ادعى نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ومن أحدث حدثا في الإسلام أو آوى

يسمى مشتريا إذا قصد الشراء(١) . انتهى ، وقال الطيبي في شرح المشكاة : وإنما لعن لأنه هتك مروة وقلة حية وخسة نفس ، وهو بالنسبة إلى المحلل له ظاهر ، وأما المحلل فإنه كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض الغير.

أقول : مع الاشتراط ذهب أكثر العامة إلى بطلان النكاح ، فلذا فسروا التحليل بقصد التحليل ، ولا يبعد القول بالبطلان على أصول أصحابنا أيضا ، ثم اعلم أنه يمكن أن يحمل هذا الكلام على معنى آخر غير ما حملوه عليه ، بأن يكون المراد النسيء في الأشهر الحرم.

قال الزمخشري : كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية ، وكان يقوم على جمل في الموسم ، فيقول بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ، ثم يقوم في القابل فيقول : إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم ، فحرموه(٢) .

وقال علي بن إبراهيم : كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلين من طيئ وخثعم في شهر المحرم وأنسأته ، وحرمت بدله صفر ، فإذا كان العام المقبل يقول : قد أحللت صفر أو أنسأته ، وحرمت بدله شهر المحرم انتهى(٣) .

ولعل هذا أوفق بروايات أصحابنا وأصولهم ، ويحتمل أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ومن يوالي غير مواليه » فسر أكثر العامة بالانتساب إلى غير من انتسب إليه من ذي نسب ، أو معتق ، وبعضهم خصه بولاء العتق فقط ، وهو هنا أنسب ، لعطف. من ادعىنسبا عليه ، وفسر في أخبارنا بالانتساب إلى غير أئمة الحق وتركهم واتخاذ غيرهم أئمة ،قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يعرف » يحتمل البناء للفاعل والمفعول.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والمتشبهين من الرجال بالنساء » بأن يلبس الثياب المختصة بهن ، ويتزين بما يختصهن ، وبالعكس والمشهور بين علمائنا الحرمة فيهما.

__________________

(١) لاحظ تفسير الخازن : ج ٣ ص ٢١٥ « ط مصر ».

(٢) الكشّاف : ج ٢ ص ٢٧٠.

(٣) تفسير القمّيّ : ج ١ ص ٢٩٠.

١٦٦

محدثا ومن قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه فقال نعم يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون أبويه لعن الله رعلا وذكوان وعضلا ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الأسنان وابني مليكة بن جزيم ومروان وهوذة وهونة.

قوله عليه‌السلام : « ومن أحدث حدثا » إلخ. أي بدعة أو أمرا منكرا ، وورد في بعض الأخبار تفسيره بالقتل ، قال الجزري(١) : في حديث المدينة « من أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا » الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة ، والمحدث يروي بكسر الدال وفتحها على البناء للفاعل أو المفعول فمعنى الكسر : من نصر جانيا أو آواه وأجاره من خصمه ، وحال بينه وبين أن يقتص منه ، والفتح : هو الأمر المبتدع نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به ، والصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ، ولم ينكرها عليه فقد آواه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن قتل غير قاتله » أي غير مريد قتله أو غير قاتل من هو ولي دمه ، فكأنما قتل نفسه.

قوله عليه‌السلام : « أو ضرب غير ضاربه » أي مريد ضربه أو من يضربه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ومن لعن أبويه » لعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هيهنا أبا بكر فإنه ـ لعنه الله ـ تسبب إلى اللعن لأبيه كما مر(٢) .

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعضلا » هو بالتحريك أبو قبيلة ،قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والمجذمين » لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة ، ولعل أسدا وغطفان كلتيهما منسوبتان إليها.

قال الجوهري(٣) : جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي بالتحريك ، وكذلك إلى جذيمة أسد ، وقال الفيروزآبادي :غطفان محركة حي من قيس(٤) ،قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وشهبلا » بالشين المعجمة والباء الموحدة وفي بعض النسخ بالسين المهملة والياء المثناة ، ولعله اسم رجل وكذا ما ذكر بعده إلى آخر الخبر.

__________________

(١) النهاية : ج ١ ص ٣٥١.

(٢) لاحظ ص ١٦٢.

(٣) الصحاح : ج ٥ ص ١٨٨٤.

(٤) القاموس المحيط : ج ٣ ص ١٨١. « ط مصر ».

١٦٧

٢٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن مولى لأمير المؤمنينعليه‌السلام سأله مالا فقال يخرج عطائي فأقاسمك هو فقال لا أكتفي وخرج إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنينعليه‌السلام أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله.

( كلام علي بن الحسينعليهما‌السلام )

٢٩ ـ حدثني محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب الأسدي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظ عنه وكتب كان يقول أيها الناس اتقوا الله واعلموا أنكم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ في

الحديث الثامن والعشرون : مرسل.

قوله : « فأقاسمك هو » الظاهر فأقاسمكه ، ولعله تصحيف.

قوله : « فلا تبرد » قال الجوهري(١) : يقال : ما برد لك على فلان أي ما ثبت ووجب. انتهى ، أي لا تثبت له وزرا على ظهرك ، وفي بعض نسخ نهج البلاغة(٢) وتحمل له على ظهرك ، وفي بعض النسخ ولا تحمل له على ظهرك.

قوله عليه‌السلام : « فارج لمن مضى » أي من أولادك.

كلام علي بن الحسين عليهما‌السلام الحديث التاسع والعشرون : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فتجد كل نفس » إلى آخره إشارة إلى قوله تعالى : «يَوْمَ تَجِدُ

__________________

(١) الصحاح : ج ١ ص ٤٤٣.

(٢) نهج البلاغة : تحقيق صبحي الصالح ص ٥٤٩ « المختار من الحكم ـ ٤١٦ ». شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٥٤ « المختار من الحكم ـ ٤٢٤ ».

١٦٨

هذه الدنيا «مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه.

يا ابن آدم إن أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ـ ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت أنفقته فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار فإن تك

كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ »(١) قال البيضاوي « يوم » منصوب بتود ، أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا ، أو بمضمر نحو « أذكر » وتود حال من الضمير في عملت ، أو خبر لما عملت من سوء ، وتجد مقصور على ما عملت من خير ، ولا تكون ما شرطية لارتفاع تود. وقرئ ودت وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة(٢) أقول : الخبر ينفى الوجه الأول.

قوله عليه‌السلام : « حثيثا » أي سريعا.

قوله عليه‌السلام : « كان قد أوفيت » مخفف كان أو هو من الأفعال الناقصة.

قوله عليه‌السلام : « ثم عن عمرك » إلى آخره يدل على أنه يسأل عن الأعمال أيضا في القبر وقد سبق الكلام فيه في كتاب الجنائز.

قوله عليه‌السلام : « فخذ حذرك » قال الزمخشري(٣) في قوله تعالى : «خُذُوا حِذْرَكُمْ »(٤)

__________________

(١) آل عمران : ٣٠.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ١٥٦. « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٣) الكشّاف : ج ١ ص ٥٣٢.

(٤) سورة النساء : ٧١.

١٦٩

مؤمنا عارفا بدينك متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب وبشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.

واعلم يا ابن آدم أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة «ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين ذلك يوم

الحذر والحذر بمعنى كالأثر والأثر يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من الخوف كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه.

قوله عليه‌السلام : « لقاك الله حجتك » أي يرسلها إليك قبال وجهك كناية عن التلقين والإفهام والإلهام ، قال الفيروزآبادي : لقاه(١) الشيء : ألقاه إليه.

قوله عليه‌السلام : « بالروح » قال الفيروزآبادي(٢) : الروح بالفتح : الراحة والرحمة ونسيم الريح.

قوله عليه‌السلام : « تلجلج لسانك » قال الجوهري(٣) : اللجلجة والتلجلج : التردد في الكلام.

قوله عليه‌السلام : « ودحضت حجتك » قال الفيروزآبادي(٤) : ودحضت الحجة دحوضا : بطلت.

قوله عليه‌السلام : « وعييت » أي عجزت.

قوله عليه‌السلام : « بنزل من حميم » النزل بضمتين : ما هيئ للضيف قبل أن ينزل عليه ، أطلق هنا على سبيل التهكم ، والحميم : الشراب المغلي في قدور جهنم ،و « تصلية جحيم » إما بإدخال نار البرزخ أو بشارة نار الخلد.

قوله عليه‌السلام : « وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » أي مشهود فيه ، يشهد ويحضر فيه الخلائق

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٣٨٦ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ١ ص ٢٢٤.

(٣) الصحاح : ج ١ ص ٣٣٧.

(٤) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٣٣٠.

١٧٠

يُنْفَخُ فِي الصُّورِ » وتبعثر فيه القبور وذلك يوم الآزفة «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ » وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل من أحد معذرة ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فاحذروا أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ »(١)

للحساب أو يشهد فيه على الخلائق بما عملوا.

قوله عليه‌السلام : « وتبعثر فيه القبور » قال الجوهري(٢) : يقال : بعثرت الشيء وبعثرته إذا استخرجته وكشفته. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : «بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ »(٣) أثير وأخرج وقال تقول : بعثرت حوضي : أي هدمته وجعلت أسفله أعلاه.

قوله عليه‌السلام : « وذلك يوم الآزفة » سميت القيامة بها لأزوفها : أي لقربها «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ » فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم ، فلا تعود فيتروحوا فلا تخرج فيستريحوا «كاظِمِينَ » على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأنه على الإضافة أو منها ومن ضميرها في لدي وجمعه كذلك ، لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله تعالى : «فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ».(٤) قوله عليه‌السلام : « لا تقبل من أحد معذرة » أي عذر ليس صاحبه فيه صادقا أو توبة.

قوله عليه‌السلام : « من الذنوب والمعاصي » بيان للموصول بعده ، أو الموصول بدل من الذنوب ،قوله تعالى : « طائِفٌ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف

__________________

(١) الأعراف : ٢٠١.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٥٩٣ ـ ٥٩٤.

(٣) سورة العاديات : ٩. والآية «إِذا بُعْثِرَ ».

(٤) سورة الشعراء : ٤.

١٧١

وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه : «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ »(١) فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً » وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول «وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ » فقال عز وجل «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ » يعني يهربون قال «لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » فلما أتاهم العذاب «قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ

يطوف ، كأنها طافت بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم ، أو من طاف بهم الخيال يطيف طيفا(٢) .

قوله عليه‌السلام : « وأشعروا » الشعار : الثوب الملاصق للجلد والشعر ، أي اجعلوا خوف الله شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها ،قوله تعالى : «أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ » أي المكراة السيئات ، وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء ، أو الذين مكروا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراموا صد أصحابه عن الإيمان «أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ » كما خسف بقارون ، أو «يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ » بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط «أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ » أي متقلبين في معائشهم ومتاجرهم «فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ » لله عما أراد بهم «أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ » على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا « فيأتيهم العذاب » وهم متخوفون ، أو على تنقص شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم ، حتى يهلكوا من تخوفته إذا انتقصتهقوله تعالى : «فَلَمَّا

__________________

(١) سورة النحل : ٤٤ ـ ٤٧.

(٢) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٣٨٢ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١٧٢

حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ »(١) وايم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ »(٢) فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ »(٣) .

اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و

أَحَسُّوا بَأْسَنا » مر تفسيرها في الحديث الخامس عشرقوله تعالى : «وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ » قال البيضاوي : أي أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء ، والبناء الدال على المرة« من عذاب ربك » من الذي ينذرون بهليقولن «يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم(٤) قوله تعالى : «وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال ، وقيل : وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد القسط ، لأنه مصدر وصف به للمبالغة «لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك جئت لخمس خلون من الشهر «فَلا تُظْلَمُ » فلا تنقص «نَفْسٌ شَيْئاً » من حقه أو لا تظلم شيئا من الظلم ، «وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » أي وإن كان العمل أو الظلم مثقال حبة ورفع نافع ـ مثقال حبة ـ على كان التامة «أَتَيْنا بِها » أحضرناها ، والضمير للمثقال ، وتأنيثه لإضافته إلى الحبة «وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا(٥) .

قوله عليه‌السلام : « لا تنصب لهم الموازين » لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيئات أعمالهم ، وكونهم مكلفين بالفروع ، وإذ يعاملهم الله بعلمه ، وإنما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم ، أو لأنهم لما كانوا مطيعين في أصول الدين ، أو بعضها يوضع لهم

__________________

(١) سورة الأنبياء : ١١ ـ ١٥.

(٢) سورة الأنبياء : ٤٦.

(٣) سورة الأنبياء : ٤٧.

(٤) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».

(٥) أنوار التنزيل : ج ٢ ص ٧٤ « ط مصر ١٣٨٨ ».

١٧٣

إنما يحشرون «إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً » وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام.

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها «أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » لآخرته وايم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرف الآيات لقوم يعقلون و «لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ».

فازهدوا فيما زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق : «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ

الميزان ، لئلا يزعم زاعم أنهم ظلموا في عقوبتهم.

قوله عليه‌السلام : « زمرا » قال الفيروزآبادي(١) الزمرة بالضم : الفوج ، والجماعة في تفرقة ، والجمع زمر.

قوله عليه‌السلام : « زهرة الدنيا » أي بهجتها ونضارتها وحسنها.

قوله عليه‌السلام : « وصرف الآيات » قال الفيروزآبادي : تصريف الآيات تبيينها(٢) .

قولهعليه‌السلام : « فإن الله يقول » إلى آخره. قال البيضاوي : «إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا » حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها واغترار الناس بها «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ » فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا «مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ » من الزروع والبقول والحشيش «حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ » بأصناف النبات وإشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من ألوان الثياب والزينة « فتزينت بها وازينت : أصله تزينت فأدغم وقد قرئ على الأصل وازينت على أفعلت من غير إعلال كأغيلت ، والمعنى صارت ذات زينة ، وازيانت كابياضت «وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها » متمكنون من حصدها ورفع غلتها «أَتاها أَمْرُنا » ضرب زرعها ما يحتاجه «لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها » جعلنا زرعها «حَصِيداً » شبيها بما حصد من أصله «كَأَنْ لَمْ تَغْنَ » كان لم يغن زرعها أي لم تنبت ،

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ٢ ص ٤٠ « ط مصر ».

(٢) نفس المصدر : ج ٣ ص ١٦٢.

١٧٤

بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »(١) فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز وجل قال لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »(٢) ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها وقبل الإذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والمضاف محذوف في الموضعين للمبالغة ، وقرأ بالياء على الأصل «بِالْأَمْسِ » لا فيما(٣) قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والممثل به مضمون الحكاية ، وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا ، والتف وزين الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الحوائج(٤) ، لا الماء ، وإن وليه حرف التشبيه ، لأنه من التشبيه المركب «كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإنهم المنتفعون به(٥) .

قوله : « وَلا تَرْكَنُوا » قال الفيروزآبادي(٦) : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا : مال وسكن.

قوله عليه‌السلام : « دار بلغة » البلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش أي دار ينبغي أن يكتفي فيها بقدر الكفاية أو ينبغي أن يؤخذ منها ما يبلغ به إلى نعيم الآخرة ودرجاتها ، وقال الجوهري(٧) :هذا منزل قلعة أي ليس بمستوطن ومجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة ، ويقال أيضا : هم على قلعة أي على رحلة.

قوله عليه‌السلام : « فإنما نحن به وله » الظاهر أن الضمير راجع إلى ثواب الآخرة أي نحن متلبسون به كناية عن قربه ، وله أي خلقنا وكلفنا لأجله ، ويحتمل إرجاع

__________________

(١) سورة يونس : ٢٤.

(٢) سورة هود : ١١٣.

(٣) في المصدر : فيما فيله.

(٤) في المصدر : من الحوائج.

(٥) أنوار التنزيل : ج ١ ص ٤٤٤ ـ ٤٤٥.

(٦) القاموس المحيط : ج ٤ ص ٢٢٩ « ط مصر ».

(٧) الصحاح : ج ٣ ص ٣٧١.

١٧٥

( حديث الشيخ مع الباقرعليه‌السلام )

٣٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال حدثني رجل من أصحابنا ، عن الحكم بن عتيبة قال بينا أنا مع أبي جعفرعليه‌السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت فقال أبو جعفرعليه‌السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال السلام عليكم ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردواعليه‌السلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفرعليه‌السلام ثم قال يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فو الله إني لأحبكم وأحب من يحبكم وو الله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا و [ الله ] إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه وو الله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك فقال أبو جعفرعليه‌السلام إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال أيها الشيخ إن أبي علي بن الحسينعليه‌السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبيعليه‌السلام إن تمت ترد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح

الضمير إلى الله تعالى أي نحن موجودون به ، وباستعانته تعالى ، وينبغي أن نخلص أعمالنا له تعالى ، والأول أظهر.

الحديث الثلاثون حديث الشيخ مع الباقرعليه‌السلام : حديث الشيخ مع الباقرعليه‌السلام ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « والبيت غاص » قال الجوهري : المنزل غاص بالقوم : أي ممتلئ بهم ،قوله « عنزة » العنزة بالتحريك : أطول من العصا وأقصر من الرمح ،قوله : « لوتر » الوتر : الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي.

قوله : « إلى إلى » أي أقبل أو أقرب إلى.

قوله عليه‌السلام : « ويثلج قلبك » أي يطمئن قلبك وتفرح فؤادك ، وتسر عينك ،

١٧٦

والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقر الله به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى فقال الشيخ كيف قلت يا أبا جعفر فأعاد عليه الكلام فقال الشيخ الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسينعليه‌السلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني فأكون معكم في السنام الأعلى ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفرعليه‌السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفرعليه‌السلام يا ابن رسول الله ناولني

والعرب تعبر عن الراحة ، والفرح والسرور بالبرد ، قال الفيروزآبادي(١) : ثلجت نفسي كنصر وفرح : اطمأنت كأثلجت ، وقال :عيش بارد هنيء ، وقال الجزري(٢) : فيه « ول حارها من تولى قارها » جعل الحر كناية عن الشر والشدة ، والبرد كناية عن الخير والهين ، وقال الجوهري(٣) :قرت عينه : تقر وتقر نقيض سخنت ، وأقر الله عينه : أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن ، فللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة.

قوله عليه‌السلام : « وإن تعش ترى ما تقر به عينك » أي في ظهور دولتهمعليهم‌السلام .

قوله عليه‌السلام : « وتكون معنا في السنام الأعلى » أي في أعلى درجات الجنان ، قال الجزري(٤) : سنام كل شيء أعلاه.

قوله عليه‌السلام : « ينتحب » قال الجوهري : النحيب رفع الصوت بالبكاء ، والانتحاب مثله(٥) ، وقال : نشج الباكي ينشج نشجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب(٦) .

قوله عليه‌السلام : « من حماليق عينيه » قال الفيروزآبادي(٧) : حملاق : العين بالضم والكسر وكعصفور : باطن أجفانها الذي تسود بالكحل ، أو ما غطته الأجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته ، أو ما لزم بالعين من موضع

__________________

(١) القاموس المحيط : ج ١ ص ١٨١. (٢) النهاية : ج ١ ص ٢٦٤.

(٣) الصحاح : ج ٢ ص ٧٩٠. (٤) النهاية : ج ٢ ص ٤٠٩.

(٥ و ٦) الصحاح : ج ١ ص ٢٢٢ و ٣٤٤. (٧) القاموس المحيط : ج ١ ص ٢٠٩.

١٧٧

يدك جعلني الله فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ثم حسر عن بطنه وصدره ثم قام فقال : السلام عليكم وأقبل أبو جعفرعليه‌السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فقال الحكم بن عتيبة لم أر مأتما قط يشبه ذلك المجلس.

( قصة صاحب الزيت )

٣١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حبا شديدا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه حتى إذا كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع فلما رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده اجلس فجلس بين يديه فقال ما لك فعلت اليوم شيئا

الكحل من باطن ، جمعه حماليق.

قوله عليه‌السلام : « ثم حسر » أي كشف الشيخ الثوب عن بطنه وصدره ، فوضع يدهعليه‌السلام عليهما للتيمن والبركة والتخلص من العذاب.

قوله : « لم أر مأتما » أي لكثرة بكاء الناس.

الحديث الحادي والثلاثون : مرسل.

قوله عليه‌السلام : « قد عرف » على المعلوم أي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو على المجهول أي صار بذلك معروفا بين الناس.

قوله عليه‌السلام : « تطاول » أي كان إذا جاء هذا الرجل تطاول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورفع رأسه ومد عنقه من بين الناس ليراه الرجل.

١٧٨

لم تكن تفعله قبل ذلك فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشي قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام فانتعل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان الرجل ليس فيه أحد فسأل عنه جيرته فقالوا يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة قال وما هي قالوا كان يرهق يعنون يتبع النساء فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : رحمه الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا لغفر الله له.

٣٢ ـ علي بن محمد ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن ميسر قال دخلت على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال كيف أصحابك فقلت جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا قال وكان متكئا فاستوى جالسا ثم قال كيف قلت قلت والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقال أما والله لا تدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله إنكم الذين قال الله عز وجل : «وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ »(١) ثم قال طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا

قوله عليه‌السلام : « لغشي » قال الجوهري(٢) : غشيه شيء : جاءه والمعنى أنه ورد على قلبي شيء من ذكرك وحبك حتى تركت حاجتي ورجعت إليك.

قوله : « كان يرهق » قال الفيروزآبادي : رهقه كفرح : غشيه ولحقه أو دنا منه ، سواء أخذه أو لم يأخذه ، والرهق محركة : ركوب الشر والظلم ، وغشيان المحارم ، وكعظم الموصوف بالرهق ومن يظن به السوء(٣) ،قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو كان نخاسا لغفر الله له » فيه ذم عظيم للنخاس ، ولعل المراد من يبيع الأحرار عمدا.

الحديث الثاني والثلاثون : موثق على الظاهر ، وقد مر(٤) تفسيره في خبر أبي بصير.

__________________

(١) ص : ٦١ ـ ٦٤.

(٢) الصحاح : ج ٦ ص ٢٤٤٧. وفي المصدر « وغشيه غشيانا أي جاءه ».

(٣) القاموس المحيط : ج ٣ ص ٢٣٩ « ط مصر ».

(٤) تقدم ص : ٧٨ ـ ٨٢.

١٧٩

( وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنينعليه‌السلام )

٣٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كان في وصية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام أن قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال اللهم أعنه أما الأولى فالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا والثانية الورع ولا تجترئ على خيانة أبدا والثالثة الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه والرابعة كثرة البكاء من خشية الله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر ـ الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة

الحديث الثالث والثلاثون : صحيح.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أوصيك في نفسك » أي هذه أمور تتعلق بنفسك لا بمعاشرة الناس.

قوله عليه‌السلام : « دون دينك » أي عند حفظ دينك أو غيره.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فجهدك » أي كلما تطيقه وتقدر عليه.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وعليك بصلاة الزوال » الظاهر أن المراد نافلة الزوالقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وعليك برفع يديك » أي في التكبيرات ، والمرادبتقليبها إما ردهما بعد الرفع أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن يضعهما في كل حال على ما ينبغي أن تكونا عليه ، ويحتمل أن يكون المراد رفعهما في القنوت ، وتقليبهما بالتضرع والتبتل

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

مقتل أبيه الحسين بن علي بيتاً من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدة سنين كراهيةً لمخالطة الناس وملابستهم ، وكان يصير من البادية بمقامه بها إلى العراق زائراً لأبيه وجدِّه ، ولا يشعر بذلك من فعله.

قال محمّد بن علي : فخرج سلام الله عليه متوجّهاً إلى العراق لزيارة أمير المؤمنينعليه‌السلام صلوات الله عليه ، وأنا معه ، وليس معنا ذو روح إلا الناقتين ، فلمّا انتهى إلى النَّجف من بلاد الكوفة ، وصار إلى مكان منه بكى حَتَّى اخضلّت لحيته بدموعه ...» إلى آخر ما ذكره (١) .

ما ورد في فضل النّجف

وقد ورد في فضل النَّجف أخبار كثيرة يناسب نقلها في المقام :

فعن كتاب مدينة العلم للصدوقرحمه‌الله : «أنه سأل منصور بن حازم من الصادق عليه‌السلام عن مجاورة النَّجف عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقبر أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام فقال : إن مجاورة ليلة عند قبر أمير المؤمنين أفضل من عبادة سبعمائة عام ، وعند قبر الحسين عليه‌السلام [أفضل] من عبادة سبعين عام »(٢) .

وسأله عن الصلاة عند قبر أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال : «الصلاة عند قبر أمير المؤمنين مائتا ألف صلاة ، وسكت عن الصلاة عند قبر الحسين عليه‌السلام »(٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ۹٧ : ٢۹٧ ح ۹ عن فرحة الغري.

(٢) مدينة العلم ، حكاه عنه الشيخ الطهرانيرحمه‌الله في الذريعة ٢۰ : ٢٥١ رقم ٢۸٣۰ ، ما بين الموقوفين من المصدر.

(٣) کشف الغطاء ١ : ٢١۰ ، اليتيمة الغروية : ٣١٤ ، رسائل فقهية (لصاحب الجواهر) : ٨٨ ، العروة الوثقى ٢ : ٤٠٢ مسألة ٥ ، وقد مرّ الحديث سابقاً عن كتاب مدينة العلم للصدوق.

٥٠١

والَّذي يترجح في نظري القاصر : أنَّ هذه الزيادة في الصلاة غير مختصّة بخصوص مشهدهعليه‌السلام ، بل هي ثابتة لسائر ما تحويه البلدة المقدّسة من الدور والبقاع ؛ ولصدق النيَّة في الجميع ، وأنه يكفي في الإضافة أدنی مناسبة ، كما قال الشاعر :

إذا کوكَبُ الخرقاء لاح بِسَحرَةٍ

سهيلٍ أذاعَت غزلَها في الأقارِبِ(١)

وأضاف لفظ الكوكب إلى الخرقاء ؛ بمناسبة أنها كانت تهتم لأمر الشتاء عند طلوعه ، ولأنه يقال : فلان عنده دار أو بستان يريدون به الملكية ، ولو كان بين المالك والمملوك بون بعيد.

ولقوله تعالى : ﴿لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ(٢) ، والمراد : مطلق فقراء المهاجرين الَّذين كانوا في مكة.

وقوله تعالى : ﴿فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ(٣) ، وليس المراد منعهم من الكيل بحضوره ، أو في داره ، ولأنّه كلَّما كان مجال الفضل أوسع كان في الاحترام أدخل ، فإنه أجل قدراً وأرفع شأناً من أن يحصر حريمه ببقعته المباركة خاصة.

وكيف كان فروى أبو بصير أيضاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إنَّ النَّجف كان جبلاً وهو الَّذي قال ابن نوح : ﴿سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ(٤) ، ولم يكن على وجه الأرض جبل أعظم منه ، فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه : يا جبل ،

__________________

(١) لسان العرب ١ : ٦٣۹ ، وفيه : (في الغرائب).

(٢) سورة المنافقون : من آية ٧.

(٣) سورة يوسف : من آية ٦٠.

(٤) سورة هود : من آية ٤٣.

٥٠٢

أيعتصمُ بِكَ منّي؟ فتقطَّع قِطَعاً قِطَعاً إلى بلاد الشام ، وصار رملاً دقيقاً ، وصار بعد ذلك بحراً عظيماً ، وكان يسمى ذلك البحر : بحر (ني) ، ثُمَّ جفّ بعد ذلك فقيل : (ني) جفّ ، فسمّيَ بـ(نيجف) ، ثُمَّ صار بعد ذلك يسمّونه (نجف) ؛ لأنه كان أخفَّ على ألسنتهم»(١) .

وفي (علل الشرائع) يرفعه إلى عليعليه‌السلام ، قال : «إنَّ إبراهيمعليه‌السلام مرَّ بـ(بانقيا) فكان يزلزل بها فبات بها ، فأصبح القوم ولم يزلزل بهم ، فقالوا : ما هذا وليس حدث؟ قالوا : نزل هاهنا شيخ ومعه غلام له ، قال : فأتوه ، فقالوا له : يا هذا إنه كان يزلزل بنا كلّ ليلة ، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا ، فبات فلم يزلزل بهم ، فقالوا : أقم عندنا ونحن نجري عليك ما أحببت.

قال : لا ، ولكن تبيعون هذا الظهر(٢) ، ولا يزلزل بكم.

فقالوا : فهو لك. قال : لا آخذه إلا بالشراء.

قالوا : فخذه بما شئت ، فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمِرَة ؛ فلذلك سمي (بانقيا) ؛ لأن النعاج بالنبطية (نقيا).

قال : فقال له غلامه : يا خلیل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر فليس فيه زرع ولا ضرع؟

فقال له : اسكت ، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب ، يتشفَّع الرجل منهم لكذا وكذا»(٣) .

__________________

(١) علل الشرائع : ٣١ باب ٢٦ ح ١ ، عنه بحار الأنوار ۹٧ : ٢٢٦ ح ١.

(٢) الظهر ، ظهر الكوفة : من أسماء النجف. (لسان العرب ١٤ : ٥٢٦).

(٣) علل الشرائع ٢ : ٥٨٥ ح ٣۰.

٥٠٣

وفي (معجم البلدان) : (بانِيقيا ـ بكسر النون ـ ناحية من نواحي الكوفة )(١) .

وفي (السرائر) : (وإنما سميت (بانيقيا) ؛ لأن إبراهيم عليه‌السلام اشتراها بمائة نعجة من غنمه ، لأن (با) مائة ، و (نقيا) شاة ، بلغة النبط) (٢) .

وكيف كان فهي القادسية ، وهي آخر أرض الغري(٣) .

وفي (کامل الزيارة) : عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ(٤) ، قال : «الربوة نجف الكوفة ، والمعين الفرات»(٥) .

وفيه أيضاً : يرفعه إلى عقبة بن علقمة أبي الحبوب(٦) ، قال : «اشترى أمير المؤمنينعليه‌السلام ما بين الخورنق إلى الحيرة إلى الكوفة ، من الدهاقين بأربعين ألف درهم ، وأشهد على شرائه.

قال : فقيل له : يا أمير المؤمنين نشتري هذا بهذا المال ، وليس ينبت حطبا(٧) ؟ فقال : سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كوفان ، كوفان يرد أوَّلها على آخرها ، يحشر من ظهرها سبعون ألفاً يدخلون الجنَّة بغير حساب» ، فاشتهيت أن يحشروا من ملكي»(٨) .

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٣٣١.

(٢) السرائر ١ : ٤٧۹.

(٣) قال ابن إدريس في السرائر : أن القادسية هي بانقيا. (ينظر : السرائر ١ : ٤٧٩).

(٤) سورة المؤمنون : ٥٠.

(٥) کامل الزيارات : ١۰٧ ح ١٠٣ / ٥.

(٦) كذا ، وفي بعض المصادر الرجالية : (أبي الجنوب).

(٧) في بعض المصادر : (وليس ينبت قط).

(۸) فرحة الغري : ٥۸ ح ٥ ، والحديث لم يرد في كامل الزیارات ، فلاحظ.

٥٠٤

وفي (فرحة الغري) : عن داود قال : قال الصادقعليه‌السلام : «أربع بقاع ضجَّت من أيام الطوفان : البيت المعمور فرفعه الله ، والغري ، وكربلاء ، وطوس »(١) .

وفي (تفسير العياشي) : «عن بدر بن خليل الأسدي ، عن رجل من أهل الشام قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أول بقعة عُبد الله عليها ظهر الكوفة ، لمّا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم ، سجدوا على ظهر الكوفة »(٢) .

وروى الديلمي في (إرشاد القلوب) بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : «الغريّ قطعة من الجبل الَّذي كلّم الله عليه موسى تكليماً ، وقدّس عليه عيسی تقديساً ، واتخذ عليه إبراهيم خليلاً ، ومحمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله حبيباً ، وجعله للنبيّين مسكناً ».

وروي أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام نظر إلى الكوفة ، فقال : «ما أحسنَ منظَركِ ، وأطيبَ قَعْرَكِ ، اللهُمَّ اجعله قبري بها ».

ومن خواص تربته إسقاط عذاب القبر ، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك ، كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

وكتب الفاضل ملّا مهدي المعروف بـ(النراقي الأوّل) إلى جدّي بحر العلومرحمه‌الله :

ألا قُلْ لِسكَّانِ أرضِ الغريّ

هنيئاً لكُمْ في الجنانِ الخلودُ

أفيضوا علينا مِنَ الماءِ فيْضاً

فنحنُ عُطاشى وأنتُم وُرودُ

__________________

(١) فرحة الغري : ۹۹ ح ۸٤.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٤ ح ١٨.

(٣) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٧.

٥٠٥

فأجابه جدّي بحر العلومرحمه‌الله :

ألا قُلْ لمولىً يرى من بعيد

ديارَ الحبيبِ بِعَينِ الشُّهودِ

لكَ الفضلُ من غائِبٍ شاهِدٍ

على حاضر غائِبٍ بالصُّدودِ

فنحنُ على الماءِ نشكو الظَّما

وفُزْتُمْ على بُعدِكُمْ بالوُرودِ(١)

والمقصود من البيت الثاني : أنك وإن كنت غائباً عن أرض الغري ، ولكن كنت بحكم الحاضر ؛ لأنّك تحبُّ المجاورة ، ومن أحبَّ عمل قوم شاركهم ، ونحن وإن كنَّا حضوراً في الغري ، ولكن لعدم أداء حقّ الجوار تُعَدُّ في زمرة الغائبين المحرومين ، ولنِعمَ ما قيل :

إذا متْ فادفني مجاوِرَ حيدَرٍ

أبا شُبَّرٍ أعني بهِ وشَبير

فتىً لا تمسُّ النارُ مَنْ كانَ جارَه

ولا يخشي من مُنكَرٍ وَنَكيرِ

وعارٌ على حامي الحمى وهو في الحِمى

إذا ضلَّ في البيدا عِقالُ بعيرِ(٢)

حديث اليماني

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أنه كان إذا أراد الخلوة بنفسه أتى إلى طرف الغري ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النَّجف ، فإذا رجل قَدْ أقبل من البريَّة راكباً على ناقة ، وقدّامه جنازة ، فحين رأى علياً عليه‌السلام قصده حَتَّی

__________________

(١) أعيان الشيعة ١٠ : ١٦٣ ، مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ٧٤.

(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤۸ ، وفيه :

إذا متّ فادفني إلى جنب حيدر

أبا شبرٍ أكرم به وشبير

فلست أخاف النار عند جواره

ولا أتقي من منكر ونكير

فعار على حامي الحمى وهو في الحمى

إذا ضلّ في المرعى عقال بعير

٥٠٦

وصل إليه وسلّم عليه فرد عليه‌السلام ، وقال له : من أين؟ قال : من اليمن قال : وما هذه الجنازة التي معك؟ قال : جنازة أبي أنت أدفنه في هذه الأرض ، فقال : لم لا دفنته في أرضكم؟ قال : أوصى إليّ بذلك ، وقال : إنه يدفن هناك رجل يدخل في شفاعته ربيعة ومضر ، فقال عليه‌السلام : أتعرف ذلك الرجل؟ قال : لا ، فقال : أنا والله ذلك الرجل ، أنا والله ذلك الرجل ، قم فادفن أباك ، فقام ودفنه »(١) .

وادي السلام مدفن النّجف

ومن خواص ذلك الحرم الشريف : أنَّ جميع المؤمنين يحشرون فيه ، وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : «ما من مؤمن يموتُ في شرق الأرض وغربها إلّا وحشر الله روحه إلى وادي السلام ».

وجاء في الأخبار والآثار : (أنه بين وادي النَّجف والكوفة ، كأنّي بهم حَلَقٌ قعود يتحدّثون على منابر من نور ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة )(٢) .

قال في (مجمع البحرين) في (س ل م) : (ووادي السلام : اسم موضع في ظهر الكوفة يقرب من النَّجف ، وفي الخبر : قلت أین وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة.

وفي الحديث : إنها البقعة من جنَّة عدن) ، انتهى(٣) .

وفيه موضع منبر القائم يعبَّر عنه بمقام المهديعليه‌السلام (١) ، ويتبعه قبر هود وصالح(٢) ، كما هو صريح جملة من الأخبار ، وهي مشاهد معروفة تزورها الناس.

__________________

(١) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٨.

(٢) إرشاد القلوب ٢ : ٣٤٨ ، والحديث ورد في الكافي ٣ : ٢٤٣ باب في أرواح المؤمنين ، وتهذيب الأحكام ١ : ٤٦٦.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٤٠٩.

٥٠٧

وروى الكليني في (الكافي) ، بإسناده عن حبَّة العَرَني ، قال: «خرجت مع أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الظهر(٣) ، فوقف بوادي السلام كأنّه مخاطب لأقوام ، فقمتُ بقيامه حَتَّى عييت ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت حَتَّى نالني مثل ما نالني أوّلاً ، ثُمَّ جلست حَتَّى مللت ، ثُمَّ قمت وجمعت ردائي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّي قَدْ أشفقت عليك من طول القيام ، فراحة ساعة ، ثُمَّ طرحت الرداء ليجلس عليه.

فقال لي: يا حبَّة ، إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته.

قال ، قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنّه لكذلك؟

قال : نعم ، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون.

فقلت : أجسام أم أرواح؟

فقالعليه‌السلام : أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلّا قيل لروحه : الحقي بوادي السلام ، وإنّها لبقعة من بقاع جنّة عدن »(٤) .

وفيه أيضاً : بإسناده عن أحمد بن عمر رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قلت له : إنَّ أخي ببغداد وأخاف أن يموت بها.

فقال: ما تبالي حيثما مات ، أما إنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلّا حشر الله روحه إلى وادي السلام.

__________________

(١) سيأتي الحديث عن موضع منبر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ذكر الإمام الحسينعليه‌السلام في آخر المقام الثالث من كتابنا هذا.

(٢) ينظر في تاريخ مرقديهما : ماضي النجف وحاضرها ١ : ٩٦.

(٣) ذكرنا سابقاً أن الظهر ، ظهر الكوفة : اسم من أسماء النجف.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ٤٧٣٤ / ١.

٥٠٨

قلت له : وأين وادي السلام؟ قال : ظهر الكوفة ، أما إنّي كأنّي بهم حَلَقٌ حَلَقٌ قُعود يتحدثون »(١) .

هذه الآثار والأخبار هي التي دعت الشيعة إلى حمل موتاهم من كلّ فجٍّ عميق ، وواد سحيق إلى النَّجف ، حَتَّى صار ذلك من أظهر شعائر الشيعة ، وأخصّ ما يُعرفون به ، وأصبح وادي السلام كمدينة عامرة تحتوي على المباني العالية والغرف المزيّنة بأنواع الزينة ، وفيها من أنواع الزهر والأوراد ما يروق الناظر ويستنشق منها النسيم العاطر ، وممّا يدل على طيب تربتها إنّا لم نجد فيها الوحشة والانقباض بل هي من أحسن المنتزَّهات لأهالي بلدتنا المقدّسة.

وللأخ الأُستاذ العلّامة الشرقي في شأن وادي السلام قصيدة(٢) ، وهي :

سلِ الحجَر الصوّانَ والأثرَ العادي

خليلَيَّ كم جيلٍ قَدْ احتضَنَ الوادي

فيا صيحة الأجيالِ فيه إذا دَعَتْ

ملايينَ آباءٍ ملايينَ أولادِ

ثلاثونَ جيلاً قَدْ ثَوَتْ في قرارِهِ

تَزَاحَمُ في عُربٍ وفُرسٍ وأكرادِ

ففي الخمسة الأشبارِ دُكَّت مدائِنٌ

وقد طُويَت في حُفرةٍ ألفُ بغدادِ

طلبتُ ابن عبَّاد فألفيتُ صخرةً

وقد رُفِشَتْ : هذا ضريحُ ابنِ عبَّادِ

وكَمْ کومَةٍ للتُربِ من حَولِ كُومَةٍ

مُعَلَّمَة هذا الزعيمُ وذا الهادي

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ٤٧٣٥ / ٢.

(٢) هو الشيخ علي بن جعفر الشرقي الخاقاني ، من شعراء العراق ، ولد سنة ١٣٠٩ هـ في الشطرة وتعلَّم في النجف وعيّن قاضياً لمحكمة البصرة سنة ١٩٣٣ م ، واختير رئيساً لمجلس التمييز الشرعي الجعفري وأصبح من أعضاء مجلس الأعيان ، توفي سنة ١٣٨٤ هـ ، والقصيدة نشرت في مجلة العرفان الصيداوية المجلد العاشر ج ٢ ص ١٠٩ سنة ١٩٢٤ م ، وفي : وادي السلام ، المطبوع ضمن موسوعة النجف الأشرف ١ : ٥٠٠ ، مدينة النجف : ٧٦.

٥٠٩

وما الربواتُ البيضُ في أيمُنِ الحِمى

وقد خَشَعَتْ إلّا أناضِدُ أكبادِ

خَليلَيَّ هَجْساً واختِلاساً بِخَطوِكُم

فلم تَطأوا إلّا مراقِدَ رُقّادِ

فذو الزَّهوِ خلَّى الزهوَ عنهُ وقد ثوى

وظلَّتْ على الغَبرا سيادَةُ أسيادِ

فكَمْ من همومٍ في التُرابِ وهمَّةٍ

وكَمْ طُوِيَتْ فيه شمائلُ أمجادِ

أعقباكِ يا دُنيا قميصٌ وطِمرَة

بِحُفرِة أرضٍ من خراباتِ زهّادِ

عبرتُ على الوادي فشقَّت عجاجَةٌ

فكم من بلادٍ في الغبارِ وكَمْ نادِ

وأبقيتُ لم أنقُضْ على الرأس تربةً

لأرفع تکريماً على الرأس أجدادي

ذهبنا إلى القَلّال نسعی کرامةً

أتقبَلُ أجدادٌ زيارةَ أحفادِ

وهل رادعٌ للناس عن كَسرة قُلَّة

إذا عَرَفوها من ظلوعٍ وأعضادِ

وجئنا لحيٍّ يضربون قبابَهُم

على رائحٍ عن حيِّهم وعلى الغادي

قبابٌ عليها استهزأ الدهرُ ما بها

سوى الحجَرِ المدفون والحَجَرِ البادي

ألا أيُّها الركب المجعجع في الحِمی

إلى أين مسری ضعنِكُم ومَنِ الحادي

حدوجٌ عليها رَوْعَة فكأنَّها

وقد سجدوا فيها محاریبُ عُبَّادِ

غداً تنبت الأجسادُ عشباً على الثرى

فهَلْ تطلعُ الأرواحُ مطلعَ أورادِ

وهل لَعِبَتْ في الراقدينَ حُلومُهُم

بأطيافِ أفواحٍ وأطيافِ أنكادِ

محالٌ على الأرواح دَفْنٌ بِتُربَةٍ

ولكنَّها هذي القبورُ لأجسادِ

مضت نشأةُ الأرحام في ظُلماتها

وأضوأ منها نشأتينِ وإعدادِ

ولي نشأة أجلى وأعلى فإنَّني

لتهيئةٍ في النشأتينِ وإعدادِ

فما هذه الأجسادُ من بعد نزعِها

سوى قَفَصٍ خالٍ وقد أفلَتَ الشادي

طباع الفتى فردوسُهُ أو جحيمُهُ

وفي طيّ أخلاقي نشوري وميعادي(١)

__________________

(١) وادي السلام ، المطبوع ضمن موسوعة النجف الأشرف ١ : ٥٠٠.

٥١٠

اللهُمَّ ارزقنا حسن العاقبة ، ولا تسلبنا نعمة مجاورة قبر وليَّك أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، ووفقنا للقيام بواجب شكر هذه النعمة العظيمة ، والمنّة الجسيمة ، وارزقنا الممات على ولايته ، واجعلنا من المحبوِّين بعنايته ، آمین.

زيارة قبور المؤمنين

السادس : لا ينبغي المسامحة في زيارة تربة أولياء الله ، وقبور المؤمنين ، خصوصاً في أيام الجمعة ولياليها.

والمشهور : استحباب الوضوء لزيارة قبورهم ، وكثيراً ما يكون سبباً لاستمداد الفيوضات من بواطنهم ، فإنّ نفس الزائر ونفس المزور شبیهتان بمرآتین صقیلتین وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من إحداهما إلى الأُخرى ، فكلّما حصل في نفس الزائر الحيّ من المعارف والعلوم ، والأخلاق الفاضلة من الخشوع لله تعالى ، والرضاء بقضائه ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميِّت. وكلّما حصل في نفس ذلك الميِّت من العلوم المشرقة ، والآثار القويّة الكاملة فإنّه ينعكس منها نور إلى روح هذا الزائر الحيّ ، ومن هذا ورد في الحديث : إذا تحيِّرتم في الأُمور فاستعينوا من أهل القبور(١) .

بناء على أن تعلق النفس بالبدن تعلق يشبه العشق الشديد ، والحبّ التام. فإذا مات الإنسان وفارقت النفس هذا البدن فذلك الميل باقٍ وذلك العشق غير زائل إلّا بعد حين ، وتبقى تلك النفس عظيمة الميل إلى ذلك البدن ، قويَّة الانجذاب إليه.

__________________

(١) ورد الحديث في كشف الخفاء ١ : ۸٥ ح ٢١٣.

٥١١

فأمّا أهل الكمال والسعادة فمن حيث إنَّهم كسبوا تلك الكمالات ، ونالوا تلك السعادات في تلك الأبدان المستودعة في تلك القبور والترب ؛ فلأرواحها عناية خاصّة بأبدانها. وأمَّا أهل الضلال والشقاوة فلمَّا ذكر أيضاً من كون أبدانها ظرفاً لأرواحها ؛ ولذا نُهي عن كسر عظم الميت ، ووطء قبره ، والجلوس عليه. وعلى هذا التقرير ، فإذا ذهب الإنسان إلى قبر إنسان قوي النفس ، کامل الجوهر شديد التأثير ، كقبور الأئمّةعليهم‌السلام ، والشهداء ، والأولياء الصالحين ، والعلماء الراشدين ، ووقف هناك ساعة من وجهة السؤل ، وصفاء العقيدة ، تأثَّرت نفسه من تلك التربة ، وحصل لنفس هذا الزائر تعلُّق بتلك التربة. وقد عرفت أن لنفس الميِّت أيضاً تعلّقاً بها فيحصل بين النفسين ملاقاة روحانية ، وبهذا الطريق تصير الزيارة سبباً لحصول المنافع الجزيلة ، والابتهاج العظيم لروح الزائر والمزور ، هذا هو الحكمة الشرعية في شرعية زيارة القبور(١) .

قال في كتاب (محبوب القلوب) : (إنّه لمّا توفّي أرسطاطاليس الحكيم اليوناني ، نقل أهل اسطاغيرا رمّته بعدما بلیت ، وجمعوا عظامه وصيّروها في إناء من نحاس ، ودفنوها في الموضع المعروف بأرسطوطاليسي ، وصيّروه مجمعاً لهم يجتمعون فيه للمحاورة (٢) في جلائل الأُمور ، وإذا أصعب عليهم شيء من فنون الحكمة والعلم أتوا ذلك الموضع وجلسوا إليه ، ثُمَّ تناظروا فيما بينهم حَتَّى يستنبطوا ما أشكل عليهم ، ويصح لهم ما شجر بينهم ، وكانوا يرون أن مجيئهم إلى الموضح الَّذي في عظام أرسطو يزكّي عقولهم ، ويصحّ فكرهم ، ويلطّف أذهانهم ، وأيضاً

__________________

(١) محبوب القلوب ١ : ٢٧۸ ـ ٢٧۹.

(٢) في المصدر : (للمشاورة).

٥١٢

تعظيماً له بعد موته ، وأسفاً على فراقه ، وحزناً لأجل الفجيعة به ، وما فقدوه من ينابيع حكمته ) ، انتهى(١) .

وقريب منه في كتاب (المطالب العالية) للفخر الرازي(٢) .

بقاء النفس بعد الموت

أقول : وهذا واضح بناء على ما نطق به بعض الأخبار ، وذهب إليه أكثر العقلاء من الملّيين والفلاسفة ، وتواترت عليه الشواهد العقلية ، والنقلية ، من القول ببقاء النفس الناطقة بعد الموت ، وأنّها لا تخرب بخراب البدن ، ولا تفنى بفنائه بعد مفارقتها إيّاه ، بل تبقى مدّة البرزخ إلى أن تقوم القيامة الكبرى فتعود إلى بدنها الأول ، ويكفي في هذا الباب قوله تعالى : ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(٣) ، وإلى ذلك أشار أبو العلاء المعري في قصيدته الدالية المعروفة بقوله فيها :

خُلِقَ الناسُ للبقاءِ فضلَّتْ

أُمَّة يحسبونَهُم للنَفادِ(٤)

ومن المحقِّق : أنَّ المراد بكون النفس ناطقة أنها مدركة للكلّيات ، وهو معنی ما قيل من قيام العلوم والإدراكات ولو ظنّية بها ، كما عن بعض المحقِّقين ،

__________________

(١) محبوب القلوب ١ : ٢٧٦.

(٢) المطالب العالية ٧ : ٢٢۸.

(٣) سورة آل عمران : ١٦٩.

(٤) تاريخ بغداد ٤ : ٤٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٢٠ : ١٨١.

٥١٣

فلا يزول الظن بالموت ، وكذلك العلم الَّذي هو الانكشاف التام لعدم زوال النفس الناطقة به ، فلا يلزم بقاء العرض بدون موضوع.

لا يقال : إنَّ الإدراك مطلقاً عبارة عن الصورة الحاصلة في الذهن ، أو حصول الصورة في الذهن ، ولا بقاء للذهن بعد الموت وخراب البدن ، حيث يصير جماداً لا حسَّ فيه.

لأنّا نقول : إنَّ هذا إنّما يتمُّ مع تسليم كون الذهن من أجزاء البدن ، وکون الصورة المذكورة محفوظة فيه ، وبحيث لو حاول النفس إدراك تلك الصورة ، والالتفات إليها كان الذهن وسيلة إليها ، وأمَّا بناء على أن الذهن قوة من قوى النفس الناطقة تدرك بها المعلومات ، وليست من أجزاء البدن فهي قائمة بالنفس الناطقة التي يشير إليها الإنسان بقوله : (أنا).

وقال شارح (المقاصد) : (وعندنا لما لم تكن الآلات شرطاً في إدراك الجزيئات ، أمَّا لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحسّ ، وأمّا لأنّه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس ، بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجدِّدة جزئية واطّلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، لاسيَّما الَّذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا ينتفع بزيارة القبور والاستعانة بنفوس الأخبار من الأموات في استنزال الخيرات ، واستدفاع الملمّات ، فإنَّ للنفس بعد المفارقة تعلُّقاً ما بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها. فإذا زار الحيُّ تلك التربة وتوجَّهت تلقاء نفس الميِّت حصل بين النفسين ملاقاة وإضافات) ، انتهى(١) .

__________________

(١) شرح المقاصد ٢ : ٤٣.

٥١٤

وقال الشيخ الرئيس : (إنَّ النفس الكاملة في العلم والعمل حينما تفارق ، تشابه العقل الفعّال ، ومثله يمكن له التصرُّف في هذا العالم ، کنفس الزائر بوسيلة الزيارة تستمد من نفسه الكاملة في طلب خير وسعادة ، أو دفع شرٍّ وأذيَّة ، فلا بد من أن تُمِدُّها بقدر استمدادها ويظهر تأثير عظيم ) ، انتهى.

وبالجملة : فهذا المطلب ممَّا هو مسلَّم عند أرباب العقول ، ومحرَز في كتب المعقول.

المرقد الذي في بلخ

السابع : ذكر صاحب تاریخ (حبیب السير) أن شمس الدين محمّد المنتهي نسبه إلى أبي يزيد البسطامي ، دخل (بلخ) وكان في أطراف (کابل) و (غزنین) ، وكان دخوله إلى (بلخ) في سنة ۸۸ ٥ ، واتصل بخدمة ميرزا بایقرا ، وأظهر له تاریخاً قَدْ كُتِبَ في زمان السلطان سنجر بن ملك شاه السلجوقي ، وكتب مؤرِّخه فيه : (أن مرقد أمير المؤمنينعليه‌السلام في قرية خواجة خيران في الموضع الفلاني ، فجمع میرزا بایقرا السادات والعلماء والأعيان من أهل (بلخ) وتوجَّه إلى تلك القرية ، وهي على بعد ثلاثة فراسخ من العاصمة ، وقصد حيث ما عيّنه صاحب التاريخ فوجد ضريحاً في وسط قُبَّة ، فأمر بحفره فظهرت فيه صخرة بيضاء منقور فيها : هذا قبر أسد الله أخي الرسول علي ولي الله.

فلا جرم أنَّ الحاضرين تبرّكوا بتلك التربة ، وبذلوا النذورات إلى المستحقين وشاع هذا الأمر في الأطراف والبلدان ، وقصد المكان المؤمنون من الناس ، وذوو الحاجات ، وسعوا في طلب حاجاتهم فعوفي كثير ورجعوا مقضيين المرام ، وفي أسرع وقت بلغ ازدحام النفوس وكثرة النقود بمرتبة ما عليها مزيد.

٥١٥

فشرح میرزا بایقرا حقيقة الحال إلى السلطان حسین بایقرا وكان مقر سلطنته بلدة هراة ، فتوجَّه إلى تلك الناحية ، وقصد التبرُّك لذلك المرقد ، وبعد الابتهال وأداء مراسم التبرُّك أمر ببناء سوق فيه يشتمل على فنادق وحمام ، ووقف لها أحد أنهار بلخ المعروف الآن بالنهر الشاهي ، وفوض نقابة الإستانة المزبورة إلى السيِّد تاج الدين حسن المعروف بالآندخودي الَّذي هو من أقارب السيّد ، [ثمّ](١) تركه ورجع إلى عاصمته هراة.

وفي أسرع وقت صارت القرية المزبورة من كثرة العمارات والزراعة وتردُّد الناس کالمصر الجامع ، وإنّ بعض الشيّادين لمّا رأوا هذه الحادثة أخذوا في نقل المنامات الكاذبة ؛ لتشخيص بعض النقاط بدعوی کونها من مراقد الأولياء ، وقبراً من قبور الأنبياء وأولاد بعض الأئمّة الأطهار ، ویرتزقون من الشاردين والواردين ، وكلّ ذي حاجة جاء إلى ذلك المحلّ يسألون منه ، فإذا قال : قُضيت حاجتي وعُوفيت من مرضي ، حملوه على الرؤوس ، وتجوّلوا به في الأطراف ، وعلت أصواتُهُم إلى عنان السماء ، وإن أخبرهم بخلاف ذلك أوجعوه بالضرب المؤلم ، وقابلوه بالإهانة ، وسمَّوه شكّاكاً ومنافقاً ، ولما بلغ ذلك السلطان أرسل إليهم الشيخ الواعظ حسين الكاشفي فأطفأ تلك النائرة.

قال : وذلك المرقد الشريف إلى الآن هو مطاف الجمهور من البعيد والقريب) ، انتهی(٢) .

وذكر أيضاً في تأريخه الصغير المعروف بـ(مآثر الملوك) : (أنَّ السلطان بایقرا أحدث في ذلك المشهد عمارة في نهاية الرصانة)(١) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) حبيب السير ٤ : ١٧١.

٥١٦

هذا ، وأنت خبير بأن ذاك نبأ على غير أساس ، وجثّة بلا رأس ، ومثل ذلك كثير في سائر البلدان ، وإن مثل هذه الآثار لا تقابل ما قدَّمنا ذكره من الروايات والأخبار ، وإن كان الزائر ربما يثاب على نيَّته(٢) .

و [يقول](٣) الفقير : إنما ذكرت هذا من باب المناسبات واستطراد ذکر الشيء بالشيء.

ونظير ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في )معجم البلدان) : (أن في حلب في قرب جبل جوشن مشهداً مليح العمارة ، تعصّب الحلبيون وبنوه أحكم بناء ، وأنفقوا عليه أموالاً ، يزعمون : أنهم رأوا علياًرضي‌الله‌عنه في المنام في ذلك المكان)(٤) .

وفيه أيضاً : (إن عند باب الجنان مشهد علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، رؤي فيه في النوم)(١) .

__________________

(١) مآثر الملوك : (مخطوط) تقدم الحديث عنه.

(٢) فائدة تتعلق ببيان صاحب القبر الَّذي ببلخ المعروف بمزار شریف ذكرها شيخ مشايخنا في الرواية الشيخ آقا بزرگ الطهراني في كتابه الذريعة ج ٢ ص ٣٧٥ رقم ١٥١٢ ، ونصّها : (أنساب آل أبي طالب : على نهج (عمدة الطالب) إلا أنه فارسي وهو أيضاً لمؤلِّف عمدة الطالب. السيِّد جمال الدين أحمد بن علي يظهر من الكتاب أنه الّفه بعد عمدة الطالب وكأنه ترجمة له إلى الفارسية بتغيير قليل. قال سيّدنا العلامة الحسن صدر الدين : إني رأيت النسخة في مكتبة شيخنا العلامة النوري ولا أدري إلى من صارت بعده. وقال سيّدنا المذكور : وممّا ذكره في هذا الكتاب أنه دخل المزار المعروف ببلخ وقرأ المكتوب على المخزني تحت الصندوق وفيه هذا قبر أمير المؤمنين ابي الحسن علي بن أبي طالب بن عبيد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين الأصفر بن علي بن الحسين السبطعليه‌السلام فعلم أنه من بني الحسين الَّذين ملكوا تلك البقاء والاشتراك في اللقب والاسم والكنية واسم الأب أوجب اشتباه عوام الناس في نسبتهم له إلى أمير المؤمنینعليه‌السلام ) ، انتهى.

كما ذكر ترجمته وقبره السيِّد عبد الرزاق کمونة في كتابه موارد الإتحاف ج ١ ص ١٣٢ ـ ١٣٣ ، فليراجع.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٢۸٤.

٥١٧

وقال ابن جبير في رحلته إلى الشام : (فيها مساجد كثيرة لأهل البيترضي‌الله‌عنه م [رجالاً ونساء ، وقد احتفل الشيعة في البناء عليهم](٢) ، ولها الأوقاف الواسعة ، ومن أحفل هذه المشاهد : مشهد منسوب لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، قَدْ بني عليه مسجد حفيل رائق البناء ، بإزائه بستان كلُّه نارنج ، والماء يطرد فيه من سقاية معيَّنة ، والمسجد كلُّه ستور معلقة ، في جوانه صغار وكبار ، وفي المحراب عامر عظيم قَدْ شُقَّ بنصفين والتحم بينهما ، ولم بَيِن النصف عن النصف بالكلّية ، تزعم الشيعة أنّه انشق لعليّرضي‌الله‌عنه ، أمَّا بضربة سيفه ، أو بأمر من الأُمور الإلهية على يديه. ولم يذكر عن عليرضي‌الله‌عنه ، أنّه دخل قط هذا البلد ؛ اللهُمَّ إلّا إنّ زعموا أنه كان في النوم ، فلعل جهة الرؤيا تصح لهم)(٣) .

السلطان حسین میرزا

وأمَّا السلطان حسين ميرزا فهو : ابن میرزا منصور بن میرزا بايقرا ابن ميرزا عمر شیخ ابن تيمور الملك المشهور ، وكان عاصمة ملكه بلدة هراة ، ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وأربعة أشهر ، ومدّة حياته سبعون سنة ، وقبل وفاته بعشرين سنة اعتلَّ بالفلج إلى أن توفّي في السادس عشر من شهر ذي الحجَّة سنة ۹١١ ، ودفن في هراة في مقبرة أعدَّها لدفنه.

__________________

(١) معجم البلدان ٢ : ٢٨٤.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) رحلة ابن جبير : ٢١٧.

٥١٨

ابنه ميرزا بايقرا

وأمَّا ميرزا بايقرا فهو : ابنه كان مع أخيه مظفَّر حسين ميرزا يتوليان أمر السلطنة بعد أبيهما في بلدة هراة ، ثُمَّ آل أمره إلى أن توجَّه مع السلطان سليم العثماني إلى قسطنطين ، وتوفي سنة ۹٢۰ في قسطنطين.

كمال الدين حسين الكاشفي

وأمّا الشيخ حسين الواعظ فهو : المعروف بمولانا کمال الدین حسین الواعظ ، كان متبحّراً في علم النجوم ، وكذلك في سائر العلوم ، وتوفّي سنة ۹١۰ ، وله من المصنَّفات : (جواهر التفسير) ، و (المواهب العليَّة) ، و (روضة الشهداء) ـ وهو أوّل كتاب [فارسي](١) صُنِّفَ في وقعة كربلاء(٢) ، واشتهر قراءته حَتَّى بلغ إلى حدّ يقال لذاكر الحسينعليه‌السلام : روضة خوان ، ولمجالس التعزية : مجلس الروضة ـ و (الأنوار السهيلي) ، و (مخزن الإنشاد) ، و (أخلاق المحسنين) ، و (كتاب الاختيارات) المعروف بـ(لوائح القمر)(٣) .

سليمان خان العثماني

الثامن : دخل السلطان سليمان خان العثماني مدينة بغداد في الثامن عشر من جمادى الأُولى سنة ۹ ٤ ١ ، وزار قبر أبي حنيفة ـ وكان الشاه إسماعيل لما ملك بغداد أمر بنقض تربته ، فجدَّد السلطان المزبور عليه مشهداً عظيماً ، وبني فيه تكية يطبخ فيها طعام ، وبنى عليه قلعة حصينة ، ووضع فيها المدافع والحرس ـ وزار

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٢) ينظر : الذريعة ١١ : ٢۹٤ رقم ١٧٧٥.

(٣) ينظر ترجمته في : أعيان الشيعة ٦ : ١٢١ ، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الدائر) : ٦۹ ، هدية العارفین ١ : ٣١٦.

٥١٩

مرقد الإمامين الهمامين الجوادينعليهما‌السلام في ظاهر بغداد ، وزار الشيخ عبد القادر الجيلاني ، ثُمَّ قصد زيارة المشهدين المعظمين أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وأبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، واستمد من أرواحهما ، ثُمَّ زار المزارات المتبرَّكة ، ولمّا توجَّه إلى زيارة النَّجف الأشرف رأى القُبَّة المنوّرة من مسافة أربعة فراسخ ، ترجَّل عن فرسه فسأله بعض اُمراء دولته عن سبب ذلك ، فقال : لمَّا وقعت عيني على القٌبَّة ارتعشت أعضائي بحيث لم استطع الركوب على الفرس. فقال له بعض من كان معه : إن المسافة بعيدة إلى النَّجف ، ولعلَّ السلطان لا يمكن من الوصول بهذه الحالة ، فقال : نتفاءل بكتاب الله. فلمَّا فتحوا المصحف الشريف خرجت هذه الآية : ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(١) ، فركب بعض الطريق ، ومشی بعضه حَتَّى دخل الروضة المقدِّسة ، ولسان الحال منه مترنم بهذا المقال :

إذا نحنُ زُرناها وجدّنا نسيمَها

يفوحُ لنا كالعَنْبَرِ المتنفَّسِ

ونمشي حُفاةً في ثراها تأدُّباً

ترى أنَّنا نمشي بوادٍ مقدَّسِ

ولما زار الصندوق المقدّس ، ورأى الموضع المعروف بمكان الإصبعين ؛ سأل عن كيفية الحال ، فذكروا قصّة مُرَّة ، فقال بعض من حضر معه : إن هذه موضوعات الروافض ، ولا أصل لها. فاستكشف السلطان حقيقة الحال من

__________________

(١) سورة طه : من آية ١٢.

٥٢٠

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683